المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دور الاحتياج المعنوي في التبادل الرأسي



أهــل الحـديث
08-01-2014, 09:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



دور الاحتياج المعنوي في التبادل الرأسي
أولا:
المرفوعات من الإفراد إلى الجملة
يرى بعض النحاة أن المبتدأ والفاعل ونائب الفاعل لا تأتي إلا أسماء،وهي من القضايا المختلف عليها بينهم ، ويبدو لي أن مجيء الفاعل جملة ،أو على صورة الجملة ،هو شيء يتطلبه المعنى،والأهمية المعنوية عند المتكلم ،كما في الأمثلة التالية:
1- جاء في القراّن الكريم قوله تعالى"أفلم يهد لهم كم أهلكنا"(طه 128) ، وفي هذه الآية حلت "كم أهلكنا" محل الاسم "إهلاكنا"لغرض التكثير، فالمعنى مع الاسم غيره مع الجملة.
2- كما قال تعالى"ومن اّياته يريكم البرق خوفا وطمعا"(الروم24)فالفعل يريكم يعبر عن التجدد والاستمرارأكثر من رؤيتكم أو إراءتكم.
3- وقال تعالى"سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم "فقد جاء المبتدأعلى صورة الجملة للدلالة على أن هؤلاء القوم متشددون في مواقفهم وثابتون عليها ولوتم الإنذار مرة بعد مرة.
4- وقال تعالى"سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون(الأعراف193)"فجاءت الجملة من المبتدأ والخبر موضع الفعل والفاعل لأن الأصل في المعادلة أن تكون الثانية كالأولى نحو"أدعوتموهم أم صمتم" ،وقد جاءت الجملة الاسمية بدلا من الفعلية لأنها تدل على السكون والثبات وعدم الحركة ،بينما جاءت سابقتها جملة فعلية لأن فيها الحركة والعمل .
4- وتقول العرب:قد عُلِم أزيد في الدار أم عمرو، وتقول:"قد قيل:زيد منطلق،وهو موجود في كلام العرب كثيرا وفي القراّن.
وأخيرا،وإن كان الغالب مجيء المبتدأ والفاعل ونائب الفاعل اسما ،إلا أن هذا لا يمنع من مجيئها جملة إذا كان المعنى يتطلب ذلك ،لأن الإنسان يتكلم بحسب الحاجة المعنوية على المحورين :الرأسي والأفقي ،فالإنسان يتثقف لغويا ويتحدَّث بمستويات متعددة ،فيقول وهو يفكر ويفكر وهو يقول تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس ،ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض.

ثانيا:
العدول عن الفعل إلى المصدر
قد يحلّ المصدر محل الفعل في الجملة ، كتعبير القرآن الكريم عن المعاني الإنشائية بالمصادر المنصوبة ،حيث يحصل التغيير على المحور الرأسي للغة ، وذلك تبعا للأهمية المعنوية عند المتكلم ،كقوله تعالى" فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب " وقوله تعالى"سبحان الذي أسرى بعبده ليلا " وقوله"وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما" .......إلخ .ولنا أن نتساءل عن سر العدول عن الفعل إلى المصدر ، وما الفائدة المعنوية من ذلك؟إذا حاولنا ترتيب الكلام من حيث القوة المعنوية نجد أن الجملة الاسمية هي الأقوى ،لأنها تدل على الثبات والديمومة والاستمرارية ، حيث لا وجود للزمن فيها لفظا أو تقديرا ، يليها المصدر المنصوب الذي يدل على الحدث الخالص فقط لعدم ارتباطه بزمن معين ، يليه الجملة الفعلية ،لارتباطها بزمن معين ، فالحمد لله أقوى من حمدا لله ، وهذه أقوى من أحمد الله ، ومن هنا كان اختيار المصدر بدلا من الفعل في الآيات السابقة للدلالة على التكثير والشدة ، ففي الآية الأولى يدل اختيار المصدر على الحث على الضرب الشديد غير المرتبط بزمن ،وفي الثانية يدل على كثرة التسبيح والتعجب غير المرتبط بزمن ،وفي الثالثة يدل على كثرة التسليم غير المرتبط بزمن إهمالا للجاهلين ،فالكلام يكون بحسب الحاجة المعنوية عند المتكلم .

ثالثا:
التبادل بين الخبر والإنشاء
يتبادل الخبر والإنشاء في الموقع ،كما في قوله تعالى"وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم"ولم يقل:لا تسفكوا دماءكم، قصدا للمبالغة في النهي ،حتى كأنهم نهوا فامتثلوا ثم أخبر عن الامتثال.
وقال تعالى"قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد"،ولم يقل:وإقامة وجوهكم،إشعارا بالعناية بأمر الصلاة لجلال قدرها ،فجاء بفعل الأمر.وقريب منه قوله تعالى عن الطير:"صافات ويقبضن" فجاء بالاسم عند ثبات الأجنحة وبالفعل عند تحركها ،لأن الاسم فيه ثبات وسكون ‘أما الفعل ففيه حركة وتجدد.
وقال تعالى "يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي " فجاء بالفعل عند حديثه عن الحي لأن الحي يتحرك عند خروجه والفعل فيه حركة ،وعند الحديث عن الميت جاء بالاسم للدلالة على السكون والثبات ،فالإنسان يتحدث تحت رعاية الحاجة المعنوية وعلامات أمن اللبس.

رابعا
اختلاف صيغة المبتدأ
يذكر الله سبحانه وتعالى في سورة الروم بعض الاّيات الدالة على البعث والقدرة الإلهية ،وذلك في الاّيات من (20-25)حيث يقول عز وجل:"ومن اّياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون*ومن اّياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لاّيات لقوم يتفكرون*ومن اّياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لاّيات للعالمين*ومن اّياته منامكم بالليل والنهاروابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لاّيات لقوم يسمعون*ومن اّياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزّل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لاّيات لقوم يعقلون*ومن اّياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون*صدق الله العظيم.
في الآيات الكريمة السابقة عدة أمور،منها:.
1- تنوعت صيغة المبتدأ في الاّيات السابقة وذلك بحسب الحاجة المعنوية،وقد جاءت على الشكل التالي:
في الاّية (20) قال تعالى:"ومن اّياته أن خلقكم من تراب........" فجاء بالمبتدأ على صيغة المصدر المؤول المكون من (أن +الفعل الماضي) في إشارة إلى خلق أبينا اّدم ،ثم تناسل الخلق منه من الماضي إلى الحاضر،وقد جاء المبتدأ على صيغة الفعل التي تدل على التجدد والحدوث بسبب استمرارية الحدث وهو عملية الخلق.
وفي الاّية (21) قال تعالى:"ومن اّياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا......"في إشارة إلى خلق أمنا حواء في الماضي ، ثم تناسلت النساء منها، فجاء بالمبتدأ على صيغة الفعل لأن فعل التزاوج مستمر ،فعبر عن ذلك بصيغة الفعل التي تدل على التجدد والحدوث بسبب استمرارية الحدث وهو عملية الزواج.
وفي الاّية (22) قال تعالى"ومن اّياته خلق السموات والأرض...."فجاء بالمبتدأ على صيغة الاسم الظاهرالذي يدل على الثبات لأن عملية الخلق حدثت مرة واحدة.
ثم قال تعالى في الاّية(23):"ومن اّياته منامكم بالليل والنهار...." فجاء بالمبتدأ على صيغة الاسم الظاهر الذي يدل على الثبات، لأنه يتحدث عن النوم كظاهرة تشبه الموت ثم تحصل الحياة وابتغاء الفضل وهي شبيهة بالبعث ،والموت والحياة يحصلان للمرء مرة واحدة.
وفي الاّية (24) قال تعالى:"ومن اّياته يريكم البرق خوفا وطمعا"
فجاء بالمبتدأ على صيغة الفعل المضارع الذي يفيد الحدوث والتجدد،بسبب استمرارية فعل الرؤية للبرق على مر الزمن.
وفي الاّية (25) قال تعالى:"ومن اّياته أن تقوم السماء والأرض بأمره...."فجاء بالمبتدأ على صيغة المصدر المؤول المكون من (أن + الفعل المضارع)للدلالة على استمرارية قيام السماء بغير عمد واستمرارها على هذه الحالة على مر الزمن ،وفي هذا دلالة واضحة على القدرة الإلهية.وقد اختار سبحانه وتعالى في كل اّية الصيغة المناسبة والأكثردلالة من غيرها لأداء المعنى المناسب والدال على قدرته الإلهية.

خامسا:
الخبر المفرد والخبر الجملة
يقول الجرجاني:"وإذا أردت أن تعتبره،أي: الفرق في المعنى بين الصيغ في الخبر، حيث لا يخفى أن أحدهما لا يصلح في موضع صاحبه فانظر إلى قوله تعالى(وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد)(الكهف18)فإن أحدا لا يشك في امتناع الفعل ههنا،وأن قولنا:كلبهم يبسط ذراعيه"لا يؤدي الغرض،وليس ذلك إلا لأن الفعل يقتضي مزاولة وتجددالصفة في الوقت،ويقتضي الاسم ثبوت الصفةوحصولها من غير أن يكون هناك مزاولة وتزجية فعل،ومعنىً يحدث شيئا فشيئا،ولا فرق بين :وكلبهم باسط،وبين أن يقول:وكلبهم واحد،مثلا،في أنك لا تثبت مزاولة ولا تجعل الكلب يفعل شيئا،بل تثبته بصفة هو عليها،فالغرض إذن تأدية هيئة الكلب.
فالكلام اختيار وتأليف بحسب الأهمية، والإنسان يتحدث بحسب الحاجة المعنوية ،هكذا :
(1) (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد (يفي بالغرض)
(2) (وكلبهم يبسط ذراعيه بالوصيد (لايفي بالغرض)
فإذا حصل الاستبدال على المحور الرأسي انتقل الكلام من الإيفاء بالغرض المقصودإلى عدم الإيفاء به،وهذا يعني أن لكل معنىً اللفظ الخاص به،والألفاظ تترتب ترتيب المعاني في النفس،والنشاط اللغوي غير المحسوس يتحول إلى نشاط لغوي محسوس،تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس .

سادسا:
الاختيار بين الماضي والمضارع
يعبر القراّن الكريم عن المضارع بلفظ الماضي،وعن الماضي بلفظ المضارع،حيث يحصل العدول عن أصل الاختيارمن أجل الهدف المعنوي،وذلك كما في الأمثلة التالية:
قال تعالى" أتى أمر الله فلا تستعجلوه ........."وهذه الاّية استبدال لجملة".......... يأتي أو سيأتي أمر الله فلا تستعجلوه،
ولكن عدل عن أصل الاختيار من أجل التنبيه على تحقق الوقوع،وكأن القادم قد حصل بالفعل.
وقال تعالى"لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم" وهذه الاّية استبدال لجملة:" لو أطاعكم في كثير من الأمر لعنتم"،ولكن عدل عن أصل الاختيارمن أجل الدلالة على الاستمرار،أي: لو استمر على إطاعتكم لهلكتم ،وعكسه قوله تعالى ((فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ))عدول بالفعل جادلنامن الماضي إلى المضارع للدلالة على استمرار المفاوصات
وهذا يعني أن الاختيار نابع من الحاجة والأهمية المعنوية عند المتكلم في الأصل وفي العدول عن الأصل،والإنسان يتحدث تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس.


سابعا
اختلاف المتعاطفات

تتحكم الحاجة المعنوية عند المتكلم في العطف بين الكلمات والجمل المختلفة في المعنى والزمن ،وإليك هذه الأمثلة:-
قال تعالى"وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة(البقرة 83)
جاء بالفعل المضارع "لا تعبدون"بدلا من فعل الأمر"اعبدوا" ، وهو خبر بمعنى الطلب وهو آكد كما يقول الزمخشري، وكأنهم أمِروا وامتثلوا للأمر ، وللدلالة على الاستمرارية ، ثم عطف عليه المصدر ، بدلا من "وبالوالدين أحسنوا" للدلالة على تكثير الإحسان إلى الوالدين ،لأن المصدر يدل على الحدث غير المرتبط بزمن ،وقدّم شبه الجملة على المصدر للتخصيص ، ثم جاء بأفعال أمر "قولوا" و"أقيموا"و"آتوا" من أجل الحث والحض على فعلها.
كما قال تعالى" ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون"(البقرة189) عطف فعل الأمر "وأتوا" و"اتقوا" على الماضي "اتقى" للحث والحض على الأمر ،بدلا من " أتى"و"اتقى""،وقال تعالى عن الطير" صافات ويقبضن " عطف الفعل المضارع على المفرد ،لأن الفعل يدل على الحركة والمفرد يدل على السكون والثبات ،فجاء لكل وضع بما يناسبه من معنى.
وقال تعالى عن الخيل:فالمغيرات صبحا*فأثرن به نقعا * عطف جملة الفعل الماضي على اسم الفاعل المفرد ، للدلالة على حركة الغبار. وشبيه بهذا قول من قال "فأوهيت عليه فأضربه بالسيف " عطف المضارع على الماضي لنقل أو حكاية الحدث كما هي ، ولإفادة الاستمرارية.
فالإنسان يتثقف لغويا ويقول وهو يفكر ويفكر وهو يقول تحت رعاية الحاجة المعنوية على المحورين :الرأسي والأفقي ، واللغة لا ضابط لها غير الأهمية المعنوية والاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس.