المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دور الاحتياج المعنوي في تمايز مستويات نظم التراكيب



أهــل الحـديث
07-01-2014, 04:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



دور الاحتياج المعنوي في تمايز مستويات نظم التراكيب
تتمايز التراكيب اللغوية من حيث صحة النظم ومستوياتها اللغوية،ويمكن أن نعتمد على معيار الاحتياج المعنوي ومنزلة المعنى بين أجزاء التراكيب للتفريق بين مستويات الظاهرة اللغوية من حيث الوجوب والمنع والجواز والحسن والقبح والخبث ،كما في الأمثلة التالية
أولا: تمايز صحة نظم التراكيب في مجال العلامة الإعرابية:
يقول سيبويه :يجوز أن نقول:مررت ببرٍ قفيزا بدرهم.
ويقول سيبويه:ولا يجوز :مررت ببرٍ قفيزٍ بدرهم.
فلا يجوز أن نجعل القفيز تابعا للبر على النعت لأنه لا ينعت بالجوهر،فالنعت لا يأتلف معنويا مع المنعوت إذا كان النعت جوهرا،ولكن يجوز أن تجعل القفيز منصوبا على الحال لأن الحال مفعول فيها فالشيء قد يكون حسنا إذا كان خبرا وقبيحا إذا كان صفة ،فالجر غير جائز لضعف العلاقة المعنوية بين النعت والمنعوت، أما النصب فجائز بسبب التوافق المعنوي ،وكأننا نقول مررت ببر هكذا حاله أو مسعر قفيزا بدرهم.
ويقول سيبويه:ومماجرى نعتا على غير وجه الكلام ،هذا جحر ضب خربٍ،والأصل هذا جحرُ ضبٍ خرب ٌٌ،والوجه الرفع ،وهو أكثر كلام العرب وأفصحهم وهو القياس ،لأن الخرب نعت للجحر رفع ولكن بعض العرب يجره،وسبب كون الرفع هو الوجه هو أن النعت مبني على المنعوت وعلاقته المعنوية معه وليس مع الضب ،ولا علاقة معنوية بين الضب وخرب ولكن بعض العرب يجره من أجل التناسب اللفظي،وكلام سيبويه يدل على أن أكثرية العرب تراعي منزلة المعنى في كلامها والأقلية تراعي منزلة اللفظ.
ثانيا: تمايز صحة نظم التراكيب في مجال الربط:
يقول سيبويه:ولا يحسن في الكلام أن تجعل الفعل مبنيا على الاسم ،ولا يذكر علامة إضمار،حتى يخرج (الفعل)من لفظ الإعمال (الطلب أو الاحتياج)في الأول ومن حال بناء الاسم عليه(على الفعل)ويشغله بغير الأول،حتى يمتنع من أن يكون يعمل فيه(يطلبه أو يحتاج إليه)،وسيبويه هنا يتحدث عن الاشتغال:فلا يحسن أن يتقدم الاسم ليكون مبتدأ ولا تشغل الفعل بضمير الاسم المتقدم،مثل:زيد رأيته،ولا يحسن زيد رأيت،لأن الفعل ما زال طالبا لهذا الاسم المتقدم ومحتاجا إليه،ومن أجل قطع العلاقة المعنوية بين الاسم المتقدم والفعل فلا بد أن تشغله بضميره،حتى لا يعود محتاجا إليه ،وبهذا يتحول (المبني)(المفعول به) إلى (مبني عليه)(مبتدأ)،ولكنه قد يجوز في الشعروهو ضعيف في الكلام ،قال الشاعر:
قد أصبحت أم الخيار تدعي علي ذنبا كله لم أصنع
فالشاعر لم يعد ضميرا رابطا يربط الخبر مع المبتدأ ويقطع صلة الفعل بالمفعول المتقدم ،ولو قال كلَّه،لجاز ذلك لأن المفعول ما زالت له علاقة مع الفعل رغم تقدمه،ويمكن أن نضع المثالين كالتالي:
كل الذنب لم أصنع
كل الذنب لم أصنعه
والمثال الأول ضعيف لفقدان العلاقة بين المبتدأ والخبر،بسبب غياب الرابط وهو الضمير الذي يقطع صلة الفعل بالاسم المتقدم.
ثالثا: تمايز صحة نظم التراكيب في مجال الصيغة:
يقول سيبويه:وزعم الخليل أنه يستقبح أن تقول:قائم زيد(على اعتبار ها جملة فعلية)وذلك إذا لم تجعل( قائم) خبرا مقدما مبنيا على المبتدأ فإذا لم يريدوا هذا المعنى(معنى الجملة الاسمية) قبح ولكن لماذا يقبح اعتبار الجملة فعلية؟ لأن صيغة الوصف لم تأت على الشكل الصحيح،حيث قال النحاة أن الوصف يجب أن يعتمد على نفي أو استفهام،من أجل أن يكون مبنبا على النفي أو على الاستفهام، وليس على المبتدأ المتأخر،وبهذا يفقد علاقته مع المبتدأالمتأخر ،وعندها يصح اعتبار (زيد)فاعلا لاسم الفاعل، وإن لم يعتمد على النفي أو الاستفهام بقيت علاقته مع المبتدأ المتأخر ولا يجوز اعتباره فاعلا.
يقول ابن يعيش"وجملة الصفة يجب أن تكون خبريةلأن الغرض من الصفةالإيضاح والبيان،بذكرحال ثابتة للموصوف يعرفها المخاطب له، ليست لمشاركه في اسمه،والأمر والنهي والاستفهام ليست بأحوال ثابتة للمذكور يختص بها" يتحدث ابن يعيش هنا عن منزلة المعنى وأهميته بين الصفة والموصوف،فالجملة الاستفهامية مثلا لا تأتلف مع الموصوف ولا تبنى عليه لأنها لا تفيد ،ومن أجل هذا تأول النحاة الجملة الاستفهامية وجاءوا بجملة خبريةلأنها مفيدة ،ويستشهد النحاة على هذا ببيت الشعر:
حتى إذا جن الظلام واختلط جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط
حيث تأولوا الصفة وهي جملة :هل رأيت....بجملة خبرية ،وقدروها :مقول فيه ذلك..........أو"لونه لون الذئب" والمعاني منسجمة بين الصفة والموصوف مع الجملة الخبرية،ولكنها ليست متوافقة بينهما إن كانت الجملة استفهامية،ولذلك تم استبدالها بالجملة الخبريةمن أجل الفائدة،وما لم يحسنه الشاعر بسبب الضرورةحيث أجبر على تعديل اختياره على المحور الرأسي من أجل الضرورة أحسنه النحاة عن طريق التأويل.
رابعا: تمايز صحة النظم التراكيب في مجال الرتبة:
يقول الجرجاني لك أن تقول:ما ضربت زيدا ولا أحدا من الناس
وليس لك أن تقول :ما زيدا ضربت ولا أحدا من الناس
لأنك في الأولى نفيت الضرب عن زيد وغيره،وفي الثانية نفيت أن يكون زيد هو المضروب فلا بد أن يكون غيره قد ضرب ،وفي الأولى تسلط النفي على فعل الضرب وفي الثانية تسلط النفي على مضروب مخصوص،والسبب في تمايز التراكيب من حيث صحة النظم هو اختلاف منزلة المعنى بين الكلمات،ويقول الجرجاني:ومما ينبغي أن تعلمه أنه يصح لك أن تقول :ما ضربت زيدا ولكني أكرمته،فتعقب الفعل المنفي بإثبات فعل هو ضده،ولا يصح أن تقول:مازيدا ضربت ولكني أكرمته،وذلك أنك لم ترد أن تقول :لم يكن الفعل هذا ولكن ذاك،ولكنك أردت أنه لم يكن المفعول هذا ولكن ذاك إذن يجب أن تقول:ما زيدا ضربت ولكن عمرا"فاختلاف منزلة المعنى بين الكلمات بواسطة التقديم والتأخير أدت إلى صحة نظم التراكيب أو عدم صحتها. .
خامسا:تمايز صحة نظم التراكيب في مجال التلازم:
يجوز أن نقول:ما أحسن زيدا
ولا يجوز أن نقول:ما أموت زيدا
لأن ما التعجبية تستدعي وتتلاقى مع ما يقبل التفاوت ،فلا يبنى عليها ما ليس كذلك.
ويجوز أن نقول :جاء الطالب الذي نجح
ولا يجوز:جاء الطالب الذي
لأن الاسم الموصول يستلزم ما يتمم معناه لأنه مبهم ،فهناك تلازم بين الاسم الموصول وصلته.
ويجوز أن نقول:ضرب زيد عمرا
ولا يجوز أن نقول:ضرب عمرا
بسبب افتقار الفعل للفاعل
ويجوز أن نقول:ظننت زيدا قائما
ولا يجوز :ظننت زيدا درهما
لن الفعل "ظن"يستدعي مفعولين أصلهما المبتدأوالخبر،و"درهما "لا تنبني على "ظن".
ويجوز أن نقول:شرع الولد يدرس
ولا يجوز:شرع الولد أن يدرس
لأن شرع تستدعي فعلا مجردا من أن ،لأن شرع تدل على الشروع في الخبر،ودلالة "أن" مستقبلية،فيحصل التنافر بينهما.
سادسا: تمايز صحة نظم التراكيب في إطار المطابقة:
يقول سيبويه:فإن قلت:من ضربت عبد أمك؟لم يجز،لأنه ليس منها ولا بها، ولا يجوز أن تلفظ بها وأنت تريد العبد"وقوله ليس منها ولا بهاإشارة إلى انتفاء العلاقة المعنوية أو منزلة المعنى بين تاء التأنيث واسم الإشارة المؤنث من جهة وبين العبد من جهة أخرى
ويقول المبرد"أما ضرب جاريتك زيدا ،وجاء أمتك ،وقام هند فغير جائز ،لأن تأنيث هذا تأنيث حقيقي ولو كان من غير الحيوان لصلح وكان جيدا نحو"هدم دارك،وعمر بلدتك،لأنه تأنيث لفظ لا حقيقة تحته.
إذن يجوز أن نقول:هدم دارك
ولا يجوز أن نقول:جاء أمتك
وسبب ذلك هو منزلة المعنى والاحتياج المعنوي بين الكلمات،فالدار ليست مؤنثا حقيقيا ولذلك يجوز تذكير الفعل معها ،أما الأمة فهي مؤنث حقيقي لذلك يجب أن تؤنث الفعل معهالتتوافق المعاني بعضها مع بعض
سابعا: تمايز صحة نظم التراكيب في مجال النغمة:
نقول:ما أحسنَ زيدٌ.
ونقول:ما أحسنَ زيداً!
ونقول:ما أحسنُ زيدٍ؟
وكل مثال من الأمثلة السابقة له نغمة خاصة يجب أن ينطق بها ،فإذا تغيرت النغمة التي ينطق بها تحول التركيب إلى تركيب غير سليم ،ويجب عندها أن نقوم بتغيير العلامات ،فمثلا لو نطقنا المثال الأول بنغمة تعجبية ،وقمنا بمد (ما)فإن الجملة تصبح جملة تعجبية وينبغي أن تتحول زيدٌ إلى زيدا ،وإلا صار التركيب غير صحيح.
ثامنا:تمايز صحة نظم التراكيب في مجال الأداة:
يجوز لنا أن نقول:أكتابا تقرأ مساء أم قصة؟
ولا يجوزأن نقول:هل كتابا تقرأ مساء أم قصة؟
فالتعبير الأول مستقيم حسن والثاني لا يجوز،لأننا نطلب بالهمزة وبأم التعيين،أما هل فهي للتصديق،ولا يجوز استخدام( أم )مع( هل)،قال سيبويه:فإذا قلت :أزيد أفضل أم عمرو؟لم يجز هنا إلا (أم )لأنك إنما تسأل عن أفضلهما ،ولست تسأل عن صاحب الفضل،فلا يجوز:أزيد أفضل أو عمرو؟
وأخيرا ،فالاحتياج المعنوي ومنزلة المعنى بين أجزاء التراكيب هي المعيار في بيان درجة صحة نظمها ، فاللغة تقوم على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ،والإنسان يتحدث تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس.