المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أبي مساعده لو سمحتوا



شفتز
15-05-2007, 07:31 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا أبي منكم مساعده لو تقدرون أبي بحث عن الأدبالأندلسي للصف الثاني ثانوي وأبيه بسرعه الله يعافيكم

ميسلووون
17-05-2007, 04:31 PM
الأندلس العربي.. متحرك كحركة الأرض !!


كانت (الأندلس) تمثل اللقاء بين الشرق والغرب، وهو لقاء تم فيه تعايش وتمازج العديد من العناصر والأجناس بين عرب وبربر وإسبان وصقالبة ومسيحيين ويهود، إنه لقاء نشأ عن تأثير متبادل في الأخلاق والأذواق والعادات مما أوجد حضارة لها طابع خاص، لكن مادتها عربية، ولسانها عربي، فهي حضارة عربية خالصة لم تكن كتلك الحضارات التي نشأت في مصر أو سورية أو العراق أو فارس، ففي الأندلس لم تواجه الحضارة العربية حضارة أخرى تصمد أمامها، ومن هنا لم يجد العرب شيئاً يستحق العناية ليترجم أو يقلد ومن ثم يقدّم.
إن الحضارة العربية الأندلسية لم تكن قد بنيت على أساس غير عربي كالفارسي أو الإغريقي أو غيرهما، ومن هنا نجد أن الأجناس الأخرى غير العربية في الأندلس قد انبهرت أمام ما وفد إليهم من المشرق مع الفاتحين، ليس في دينهم ولغتهم حسب، بل إن أولئك الوافدين قد نقلوا معهم ما عايشوه في صحرائهم من علاقات تتسم بالمنافسة والعصبية، فكانت تلك المنافسة صورة لأصل سابق كان في الجزيرة من قبل، وهي منافسة كانت دافعاً لوجود صورة لأدب قد كان من قبل، مما أدى إلى ظهور (أدب مشرقي) على تراب الأرض الجديدة (الأندلس).
إن الأدب الذي ظهر على تراب الأرض الأندلسية في البداية هو (أدب مشرقي بحت) تغنى به الوافدون، متخذين منه وسيلة للتعبير عن الحنين والشوق، أو الوقوف مع أو ضد البعض، بينما أهل البلاد من أعاجم وغيرهم قد انشغلوا بتعلم العربية، فهي لغة القرآن، وهي اللغة التي بها يعرفون دينهم، وما يتوجب عليهم.
مرت السنون، فكان تمازج العناصر التي تشكل منها المجتمع الأندلسي قد أدى إلى ظهور نبتة جديدة تمثل جيلاً نشأ على تراب الأرض الأندلسية، وتثقف بالحضارة العربية بعد أن قعد مقاعد الدرس والتحصيل.
ولأن تلك حال الأندلس، في بدايتها، فإن الأدب الذي تشكل فيها قبل (207هـ) هو أدب لم ينشأ من فراغ، بل نشأ عن حاجة فردية واجتماعية، جعلته في بدايته يمثل وجوداً لاحقاً لوجود قبلي..." لكن تلك التبعية لم تدم طويلاً، فبعد تكوّن الأسباب الداعية لظهور حركة فكرية نشطة في بلاد الأندلس ككثرة العلماء والمكتبات والمتعلمين، بدأ الفكر الأندلسي الاعتماد على الذات، ولكن بطريقة منظمّة عبرت عن عقلية لم تتوقف عند الفكر حسب، بل تعدت ذلك إلى الحياة العامة، فانتظمت الحياة فكراً ومعايشة، الأمر الذي جعل (الأندلس) زينة الدنيا، إذ غمرت الأرض بكل ما تعني الكلمة، فقد كانت (قرطبة) في عهد (عبد الرحمن الناصر) أكبر مدينة في أوروبا، إذ حوت أكثر من ثمان وعشرين ضاحية، فيها العديد من القصور والملاهي والحدائق العامة "حيث يستظل الناس تحت أشجار الزيتون والنخيل والعنب والسرو ..." كما حوت أكثر من مائتي ألف منزل، وستمائة مسجد، وثلاثمائة حمام، وثمانين مدرسة، وسبع عشرة مدرسة عليا، وأكثر من عشرين مكتبة عامة فيها عشرات الآلاف من الكتب، قالت هوتكه: " إذا كان ذلك كله في قرطبة وحدها، فإن هذا لم يكن في المدن الأوروبية، بل إنها لا تملك مدرسة عليا أو مستشفى، كما ندر فيها وجود المكتبات العامة والحمامات، ولم تعرف أوروبا آنذاك الشوارع المرصوفة، بل كانت شوارعها ملأى بالقاذورات والوحل..." وقالت في موضع آخر: "إنه عندما أضئيت شوارع ألمانيا في بداية القرن 19 الميلادي بمصابيح الغاز وصفت الوضع صحيفة (كولونيا الألمانية) بأنه شر مستطير يهدد الظلام الإلهي، في حين أن شوارع قرطبة كانت مضاءة في القرن العاشر، بمصابيح مثبتة على حيطان المنازل، وفوق ذلك تباشر فيها أعمال النظافة عن طريق عربات القمامة التي تجرها الثيران، أما (باريس)، فقد اتخذت من قرطبة أنموذجاً لها في التنظيم، فرصفت شوارعها بعد مرور أكثر من عشرة قرون على رصف شوارع قرطبة...".
أقول : إن العبرة " ليست في بناء يقام، وبلد يُعمَّر، ونهر يُشق، وأرض تفلح..، ولكن الشأن في فلسفة ذلك جميعه ليتحول إلى أدب متحرك كحركة الأرض، متطور كتطور الحياة، يجذب الانتباه إليه كما جذبت (قرطبة) آلاف الناس إليها، يقول (الجماري): "كانت قرطبة في الدولة المروانية قبة الإسلام ومجتمع علماء الأنام، بها استقر سرير الخلافة المروانية، وفيها تمخضت خلاصة القبائل، وإليها كانت الرحلة في رواية الشعر، إذ كانت مركز الكرماء ومعدن العلماء ... (انظر الذخيرة ق1، م1، ص33، والنفح، ح1، ص461) قال الشاعر:
بأربع فاقت الأمصار قرطبة ..... منهن قنطرة الوادي وحاملها
هاتان ثنتان والزهراء ثالثة ..... والعلم أعظم شيء وهو رابعها
إن التألق الحضاري الذي عاشته (الأندلس) قد أدّى إلى تألق اقتصادي، فقد كانت تلك البلاد واحدة من الدول الخمس المعدودة في العالم إذ ذاك، وهي:
- الخلافة العباسية في بغداد.
- والفاطمية في مصر.
- والإمبراطورية البيزنطية في القسطنطينية
- والمملكة الإفرنجية في غربي أوروبا.
- والخلافة الأندلسية في قرطبة.
كما أدّى التألق الحضاري إلى تألق أدب حكاه الواقع، كما حكته الكتب التي نقرؤها، والدراسات التي نعدها وذلك عن أمة كلها شاعرة " حتى الحراث وهو يجري خلف ثيرانه في مزرعته يقول الشعر...".
إن التطور الذي حصل في الأندلس وشمل كل الميادين قد انتهى للأسف إلى مأساة مفجعة تم فيها القضاء على المدن وعلى الكتب وعلى الناس، فقد قضى منهم أكثر من (ثلاثة ملايين) خلاف المستبعدين، والمنصّرين بالقوة، أو من أغرق في البحر، أو هرب إلى شمال إفريقية.
إن (الأندلس) قد فُقدت بكل ما فيها وكل وما حوته، ولكن الحلم ما يزال متوارثاً، فلا نجد مؤلفاً، أو كاتباً من سلفنا يذكر مدينة من مدن الأندلس دون أن يُشفع ذلك بهذا الدعاء:"أعادها الله دار إسلام.." وما دام الحلم باقياً، فإن أهل الأندلس بالمغرب ما يزالون محتفظين بمفاتيح دورهم يتوارثونها أملاً بالعودة إليها ، قال الشاعر:
ما كان ذاك المصر إلا جنة ..... للحسن تجري تحته أنهاره
طابت بطيب بهاره آصاله ..... وتعطرّت بنسيمه أشجاره
قد كان يشرق بالهداية ليله ..... والآن أظلم بالضلال نهاره
الأندلسيون يعشقون
تجلى اهتمام الكتّاب والشعراء الأندلسيين - وحتى رجال الفقه منهم - بالحب في أعمالهم, وقد عالجوا موضوعه بكل صراحة ووضوح مما لم نلحظ مثله في أدبنا العربي المشرقي إلا نادراً.
كما أننا لم نلحظ عند الأندلسيين أي أثر للحب العذري الذي تغنى به شعراؤنا العرب القدامى المتمثلين بكل من جميل بثينة وكثير عزة على أن أسماء محبوباتهم ظهرت في قصائدهم المترجمة مشاعرهم المتسمة بالخفر. أما في الأندلس فإننا وجدنا وصفاً للحب وحالاته وتحليلاً لها في كتاب (طوق الحمامة) الشهير الذي ألّفه عالم وإمام وأديب وشاعر هو عليّ ابن حزم, ووجدنا قصائد رائعة في الحبّ في ديوان ابن زيدون وما وصلنا من أشعار حبيبته ولادة بنت المستكفي بالله الذي كان آخر الخلفاء الأمويين في الأندلس, وغيرهما من الرجال والنساء الذين سنأتي على ذكرهم.
طوق الحمامة
كتب ابن حزم (طوق الحمامة في الأُلْفَة والأُلاف) سنة 994م في قرطبة حيث كان يقيم أي قبل أكثر من ألف عام مضى, وفي الثالثة والأربعين من عمره فجاء عمله دراسة وافية لحالات الحب وأنواعه نابعة من خبرته للحياة والطبيعة الإنسانية للرجل والمرأة, ومن تجربته الشخصية يوم كان في مطلع صباه, فاعتبره الباحثون العرب والمستعربون الأجانب أكمل كتاب, بل أول كتاب مُلم بموضوع الحب وحالاته المتنوعة, وأول أثر من نوعه مدبّج بلغة سهلة وصراحة مدهشة. ذكرت أن ابن حزم كان يوم ألّفه في الثالثة والأربعين من العمر, فاستهله برسالة وجهها إلى أمير من أصدقائه كان قد أوعز إليه بدراسة هذا الموضوع, استهلّها يقول:
(الحبّ, أعزك الله, أوّله هزلٌ وآخره جَدٌّ, دقّت معانيه عن أن توصف لجلالتها فلا تُدرك معانيها إلا بالمعاناة. والحب ليس بمنكرٍ في الديانة ولا بمحظور في الشريعة إذ القلوب بيد الله عز وجل. الحب هو اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة في الخليقة, كما أن للتمازج والتباين بين المخلوقات سرّاً دليله الاتصال والانفصال).
يقف قارئ هذا الكتاب بإعجاب حيال صراحة العالم والفقيه ابن حزم في وصف حبه الأول لجارية رائعة الحسن يوم كان في الخامسة عشرة من العمر. كانت تلك الفتاة في مثل سنّه تقريباً فذكر لنا أنه سعى للتحدث إليها والإعراب عن عاطفته تجاهها فكانت لا تجيب لشدّة حيائها وحذرها. وصفها بأنها كانت تجيد العزف على العود والغناء وأنه سمعها تغني أبياتاً للعباس بن الأحنف في البستان ذات يوم فازداد بها كلفاً ووصف تأثير غنائها فيه حيث قال: (والله ما نسيت ذلك اليوم ولن أنساه إلى يوم مفارقة الحياة!) وأضاف يقول في كتابه إنه أرسل إليها بيتين من الشعر الرقيق تعبيراً عن ولعه بها وعن عذره لها كذلك بداعي احتراسها وتفهّمه لتمنّعها هما:
الْوَصْلِ, ما هذا بنكيرِ
لا تَلُمْها على النفارِ وَمَنْعِ
أو يكونْ الغزالُ غَيْرَ نفيرِ?
هل يكون الهلالُ غَيْرَ بعيدٍ?
كما أضاف ابن حزم يقول إنه شعر بغيرة شديدة من الشاعر عباس بن الأحنف لأنها غنت أبياتاً من شعره على عودها فأرسل إليها البيتين التاليين:
ولفظكِ قد ضَنَنْتِ بِهِ عليَّ
مَنَعْتِ جمالَ وجهكِ مقلتيّا
هنيئاً ذا للعباسِ هنيّاً
وَقَد غَنَّيتِ للعباسِ شعراً
ولكن هذين البيتين ظلا بلا جواب فخاطبها من جديد معرباً عن شدة هيامه بها ببيتين آخرين من شعره بعث بهما إليها قائلاً, بل شاكياً همّه, ومعرباً عن هيامه بها:
ولستُ عنكَ مدى الأيام أَنْصَرِفُ
وأستلِذُّ بلائي فيكَ يا أَمَلي
فما جوابي إلا: اللامُ والأَلِفُ!
إن قيل لي: تَسَلَّى عن مودتِهِ
ثم اعترف بأن الحبّ داءٌ عياء, وعِلَّةٌ مشتهاة لا يودّ المحب الشفاء منها أبدا!
لقد تُرجم (طوق الحمامة) إلى لغات أوربية متعددة, وفيه ذكر لنا أخباراً عن حبّ الأمراء والخلفاء الأندلسيين للنساء, منها أن الخليفة الحكم المستنصر بالله هام بفتاة إسبانية من منطقة (الباسك) الشمالية كانت تدعى: (أورودا - Auroda) فتزوجها وأسماها (صبح) وهي التي لعبت دوراً كبيراً في حياة الأندلس السياسية وأنجبت له ابنه الخليفة هشام بن الحكم. وحدّثنا كذلك عن حبّ الأمير عبدالرحمن بن الحكم لجاريته (طروب) التي تزوجها وبقيت المرأة الوحيدة المحبوبة حتى آخر حياته.
ابن زيدون
لابد لمن يتحدث عن الحبّ في الأدب الأندلسي من التوقف عند الشاعر العظيم ابن زيدون وحبّه للأميرة ولادة بنت المستكفي بالله, آخر الخلفاء الأمويين في القرن الحادي عشر الميلادي. نشأ ابن زيدون في بيت علم وجاه واشتُهر منذ مطلع شبابه بجودة شعره ونثره, وسعة ثقافته ووسامة طلعته, وشبّت ولادة في قصر الخلافة من أم أجنبية, فكانت آية في الجمال, كما وصفها المؤرخون وكذلك ابن زيدون في شعره, ميّالة للتحرر, فتحت قصرها لاستقبال الشعراء والأدباء بعد مقتل أبيها متحرّرة من القيود السابقة, فكان لمنتداها أثر كبير في المجتمع القرطبي إبان حكم أبي الحزم بن جهور فيه, وأثرٌ أعمق في حياة ابن زيدون وشعره منذ أن التقيا في ندوتها, وهو وزير آنذاك في حكومة ابن جهور. لم يكن ابن زيدون أقلّ عراقة من الأميرة ولادة لتحدره من أسرة المخزومي المعروفة, فأُعجبت به بادئ الأمر وهام هو بها منذ أول لقاء في قصرها, فأخذا يتبادلان الرسائل الشعرية بعد فترة وجيزة التي عبّرت لنا عن حبهما الكبير على مدى ثلاثين سنة من حياتهما, ولكن ما وصل إلينا من شعر ولادة قليل جدا بالقياس إلى قصائد ابن زيدون فيها التي تملأ ديوانه بالإضافة إلى رسالته الهزلية التي وجّهها إلى خصمه في حبها الوزير ابن عبدوس. لقد نعم ابن زيدون بحبه لولادة وشقي لما لقيه من مؤامرات عليه أدّت إلى بعده عنها وعن قرطبة ولكنها لم تتمكن من تدمير حبّه الجامح لها. لقد أرسل إليها بعد أوّل لقاء هذين البيتين الرقيقين:
إلا ذكرتُكِ ذكرَ العَيْن بالأَثَرِ
ما جالَ بَعْدَكِ لحْظي في سَنا قمرٍ
إن الحِوارَ لمفهومٌ من الحَوَرِ
فهمتُ معنى الهوى من وَحْي طَرفِكِ لي
تشير أشعار ابن زيدون في ولادة إلى أنها لعبت بعواطفه في بادئ الأمر مع أنها أعجبت به منذ أول لقاء, فكان يرسل إليها أبياتاً من شعره المعبّر بصدق عن حبه لها دون أن تتجاوب أو تردّ عليها إلى أن أعربت له عن ميلها إليه بإرسال باقة من الياسمين له بواسطة جاريتها عتبة الملازمة لها, ففرح ابن زيدون وأيّما فرح, وأرسل إليها الأبيات التالية يخاطبها فيها بصيغة المذكّر دفعاً للشبهات:
مُضمّخةِ الأنفاسِ, طيبةِ النَّشْرِ
ورامشةٍ يَشْفِي الغليلَ نسيمُها
لأَِغيد مكحولِ المدامعِ بالسِّحْرِ
أشارَ بها نحوي بنانٌ مُنْعَمٌ
أَخذتُ النجومَ الزُّهْرَ من راحةِ البَدْرِ
إذا هو أهدى الياسمينَ بِكَفِّهَِ
وطرفٌ كَعَرْفِ الطيبِ أوْ نَشْوَةِ الْخَمْرِ
له خُلُقٌ عذبٌ, وَخلْقٌ مُحَسَّنُ
كَمِثْلِ المنى والوَصْلِ في عُقْبِ الهَجْر
يُعَلِّلُ نفسي من حديثٍ تَلَذُّهُ
ولما لم تردّ بعث إليها بأبيات لاحقة من أرق شعره فأرسلت إليه مع جاريتها عُتْبة قصاصة تقول له فيها:
فَإني رأيتُ الليلَ أكْتَمَ للْسِّرِّ
ترقَّبْ إذا جُنَّ الليلُ زيارتي
وبالبدْرِ لم يَطْلُعْ, وبالنجم لم يسْرِ!
وبي مِنْك ما لو كانَ بالشمسِ لم تَلُحْ
الحب كالعطر.. يفوح
أحسّ ابن زيدون أنه ملك الدنيا كلها عندما قرأ بوحها بحبها له, وهذا دليل قاطع على حرية المرأة الأندلسية في الإعراب عن عواطفها آنذاك, ولكن التكتّم في حبّ هذين العاشقين لم يُجْدِ فتيلاً إذ لم يلبث أن شاع أمرهما بين الناس, ولاسيما في مجلس ولادة الأدبي, وأثار حفيظة الطامعين بحبها أمثال ابن عبدوس وابن القلاس, وبعد فترة وجيزة تعكّرت الصلة بين العاشقين وتآمر خصما ابن زيدون في حبها عليه إذ اتهماه باغتصاب عقار زورا وبهتانا فسُجن في قرطبة ثم تمكن من الفرار إلى ضاحية (الزهراء) أولا ومنها إلى إشبيلية حيث تسلّم منصب المستشار في بلاط ملكها المعتضد بالله, وبعد ذلك عُيّن وزيرا للمعتمد بن عباد الذي تولى الحكم بعده, ولكن لا السفارة ولا الوزارة ولا التكريم الذي نعم به في بعده القصري عن الحبيبة استطاع أن يطفئ نار الحب في قلبه فظلّ يرسل القصيد إثر القصيد متغنيّاً بها, معرباً عن عمق حبه لها واشتياقه إليها بقصائد رائعة حتى آخر حياته, منها رائعته المشهورة التي مطلعها:
وناب عن طيب لقيانا تجافينا
أضحى التنائي بديلا من تدانينا
أما القصيدة التي مطلعها
ذائع من سِرِّهِ ما استودعك
ودّع الصبر مُحبٌّ ودّعك
فقد نسبها بعضهم إلى ابن زيدون والبعض الآخر إلى ولادة التي عاشت حياتها كلها في قرطبة إلى أن تُوفيت فيها دون أن تتزوج عام 1087م, في حين توفي ابن زيدون في إشبيلية عام 1070م. وهنا يجدر بالذكر أن أمير الشعراء أحمد شوقي عارض تلك القصيدة الرائعة وغناها الموسيقار عبدالوهاب وهذا مطلعها:
أَحْسَنُ الأيامِ يومٌ أرجعك
رُدتّ الروحُ علي للمضنى مَعَك
غزل الحبيبة
انتقل بالحديث عن الحب في الأدب الأندلسي إلى شاعرة رقيقة عاشت في (وادي الحجارة) بالقرب من مدريد وتغزلت بالرجل الذي أحّبته دونما حرج, هي (حفصة بنت حمدون) إذ قالت:
وإذا ما تركتُهُ زاد تيها
لي حبيب ولا ينثني لعتاب
قلتُ أيضاً: وهَلْ ترى لِي شبيها?
فقال لي: هل رأيت لي من شبيهٍ
كما ينبغي أن نذكر شاعرة أندلسية أصلها من بغداد هي: (قمر البغدادية) قضت حياتها في إشبيلية في القرن التاسع الميلادي وقد ظهر حنينها لوطنها الأم بهذه الأبيات الرقيقة:
وظبائِها والسّحرِ في أحداقِها
آهاً على بغدادها وعراقها
تبدو أَهِلَّتُها على أطواقِها
ومجالها عند الفراتِ بأَوْجُهٍ
في الدهر تُشْرِقُ من سَنا إشراقِها
نفسي الفِداءَ لها فكُّل المحاسِنُ
عندما نُعيد قراءة كتب التراث الأندلسي الأدبي والفني يدهشنا عدد الشاعرات اللواتي نبغن سواء إبان الحقبة الذهبية للحكم العربي أو بعدها حتى آخر ذلك الحكم في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي. لقد اشتهرت في غرناطة شاعرة مجيدة هي حفصة بنت الحاج الركونية التي أحبت الوزير الشاعر أحمد بن سعيد وأحبها ونافسه في حبها أمير دولة الموحدين (عبدالرحمن بن عليّ) فمن أسلس شعرها فيه قولها:
إلى ما تشتهي أبداً يميلُ
أزورُكَ أم تزورُ? فإن قلبي
إباؤُكَ عن بُثَيْنَةَ يا جميلُ!
فعجّل بالجواب فما جميلٌ
وبعد أن فجعت بقتله بأمرٍ من خصمه بحبها الأمير عبدالرحمن بن علي رثته بقصيدةٍ طويلة محزنة للغاية كان مطلعها:
وقد غبْتُ عنه, مُظلِماً بَعْدَ نورِهِ
ولو لم تكن نجما لما صار ناظري
إن من أظرف الشاعرات الأندلسيات (قسمونه بنت إسماعيل) التي كانت جميلة جداً ومع ذلك لم يتقدم للزواج منها أحد فوقفت أمام مرآتها متحسّرة وأنشدت تقول:
ولستُ أرى جانيا يَمُدُّ لها يدا...
أرى روضةً قد حانَ منها قطافُها
وأخيراً أودّ أن أذكر الشاعرة (أم الهناء) التي عرفت برقة الشعر والغزل العفيف بمن أحبّت, ومنه هذه الأبيات السلسة:
سَيَزُورُني فاستعبرتْ أجفاني
جاءَ الكتابُ من الحبيبِ بِأَنَّهُ
من عُظم فَرْطِ مسرّتي أبكاني
غَلَبَ السرورُ عليَّ حتى أنه
تبكينَ من فَرحٍ ومن أحزانِ
يا عينُ صارَ الدمعُ عندكِ عادةً
وَدَعي الدموعَ لِلَيْلَةِ الهجران!
فاستقبلي بالبِشْرِ يَوْمَ لقائِهِ
ونبغت في الأندلس شاعرة غرناطية هي (نزهون) من أرق الشاعرات طبعاً, وأكثرهن سرعة بديهة. كان لها مجلس أدبي في غرناطة يؤمه الشاعر (أبوبكر المخزومي) الأعمى فقدم إلى بيتها أحد الظرفاء من أصدقائها وخاطب المخزومي قائلاً:
لَوْ كُنْتَ تَعرِفُ مَنْ تخاطِبُهُ
ولم يتمكن من ارتجال الشطر الثاني فانبرت نزهون وأكملته منشدةٌ:
لغَدَوْتَ أَخْرَسَ من خلاخِلِهِ
والغُصْنُ يَمْرَحُ في غلائِلِهِ!
البدرُ يَطْلُعُ من أَزِرَّتِهِ
ومن نوادر نزهون أن الشاعر ابن قزمان أتى مجلسها ليناظرها وكان يرتدي حُلَّةً صفراء فلما رأته قالت له على الفور:
إنك اليوم كبقرة بني إسرائيل صفراء فاقعٌ لونُها لا تسِرُّ الناظرين!
إن هذه الأخبار الدالّة على تحرّر النساء الأندلسيات من القيود الاجتماعية السائدة في المشرق العربي آنذاك هي دليل على تحرّر المرأة إبان ازدهار الحكم العربي في الأندلس, وظهور مواهبها, فقد ذكر المؤرخ المقري في موسوعته (نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب) ما يزيد على ثلاثين شاعرة اشتُهرن بثقافة مشرقية متينة واستمتعن بحرية في تصوير أحاسيسهن, كان جوار أوربا, وتألق المجتمع الأندلسي من أسبابها إبان تلك العصور الغابرة.

اتمنى ان يفيدك هذا

بالتوفيق