المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لا شيء يُدهشني



االزعيم الهلالي
04-01-2014, 07:40 AM
فلقد عرفتك دائماً نذلا!

في كل مكان الكتابة هي التي تجعلك على قيد الحياة وفي وطني الكتابة هي التهمة الأكثر رواجاً لتفقدك الحياة! لذلك دائماً ما أحاول أن أتحاشاها بالهرب إلى كل شيء لا يؤدي إليها حتى أني قد تمنيتُ أن أكون أميّاً ألهث في ممرات الجهالة أحاول كشف فضائلها على أن تودي بي الكتابة إلى تلك التهمة! فالحب في زمن الأميّة كان أجمل والحياة كذلك والعالم بأسره إلا الموت فجهل ما يأتي بعده بحد ذاته مرعب ..

عدت هذه المرة مجبراً إلى الكتابة بعد فشلي مِراراً في سبر أغوار الجهل بنيّة استباق الألم ومغالطته في محاولة منّي لضرب موعدي الأول مع الفرح في ذكرى رحيلها العاشرة ، ولكنّه كان يعلن حظر التجوال خارج نطاقه فلم يعد ممكناً الفرار منه إلا إليه فهو الراعي الرسمي لطقوسي النفسية مؤخراً ومحصّلها الجمركي فلم أعد أملك خيار مغادرته بل لم يعد هو يملك خيار مغادرتي بعد أن استوطنني ، وبعد أن دفن أطرافه في ذاكرتي قبل أن يعطي نفسه الحق ويستشري دون سابق إنذار في أوردتي ..

طالما كنت أعشق أولئك المبدعين الذين يكتبون ألمَهُم بسخريّة أولئك الذين يتعاملون مع الموت والخيانة والفجيعة والألم باستخفاف يذهلنا! كيف لا وهم يحوّلون كل تلك الفجائع في رواياتهم إلى منطق عكسي يجعلنا نتمنى أن نعيشه رغم ما فيه من الوجع والمرَارة ولذلك أحببت ذاكرة الجسد وعشقت بطلها خالد وتمنيت أن أعيش حياته بتلك السخرية التي تناقض ألمه ومصابه في فقد ذراعه وبطلته امرأة المتناقضات ..
لذلك وجدت نفسي بدون سابق إنذار أتأنّق استعداداً لموعدي الجديد مع كتابة حزني برعاية ذلك الألم الذي استوطنني بعد أن تمكّن من ذاكرتي وجزء كبير من حياتي وبعضاً من حاضري فوهبته كل تلك الأناقة على شرف ذكراها استعداداً للتخلّي عما تبقى مني لعلّي أخوض نفس التحدي الذي خاضه أولئك العظماء وهم يسخرون من ألآمهم بتلك الطريقة المذهلة ..

كان بإمكانها أن تستجديني الإخلاص ونحن نسير بمحاذاة الفراق ولكن كبرياء الحب يمنعها ففي هذا مهانة للحب وكأنني بذلك أطلب منها الخيانة ولكن بطريقة أخرى غير مبتذلة تكون فاخرة أكثر ، فالإخلاص لا يطلب وإنما يوهب كحالة عفوية تأتي تلقائياً مع هذا المسمى بالحب ..
أعترف بأنني كنت أغامر بهذا الحب ولكن كنت على يقين أن المغامرة الحقيقية والأكثر مجازفة هي الوفاء لأنها الأصعب : فهل تراني أقدر على فعل الصعاب ؟! ، أتراني كنت ساذجاً حينها أم أنا معقّد إلى هذا الحد ؟! ولكن هذا ما كُتِبَ لنا وهذه هي قصتنا ، فبالرغم من بساطتها ولكنها مُرّبكة ممتعة وموجعة وكأن الأدب هذه المرة بالذات قد تواطأ مع الفراق ليهديا القرّاء قصة لم يكن لها أن تُكتب قبل اليوم ، ولكن رغم ذلك أرى أنه من الجميل أن يسخر بنا الزمن بعد كل ما حدث بيننا وما لم يحدث في كتاب ..

لقد دخلت حياتي مصادفة ذات صيف وأظنها ستعبر بمثل تلك المصادفة كسحابة صيف عابرة يستبشر بها الزرّاع ثم لا تلبث أن تفصح عن كذبها وأنها ليست سوى غيمة أفرحتهم قليلاً قبل أن تغادرهم ، أتت وأنا أحاول أن أخفي جوعاً عاطفياً أفقدني أي مناعة تجعلني أقاومها ولو بكتابة قصة حبٍ وهمية ، ولكني أخذت معها منحى آخر أكثر جديّة حتى أني لم أعد أقدر على تمييز الخط الفاصل بين الوهم والحقيقة ..
في الواقع أن الأمور التي نأخذها بجديّة تكون ناقصة بعكس الأشياء التي نأخذها بهزلية أكثر تكون أقرب للكمال! وهذا ما حصل ذلك المساء الصيفي الذي اجتاحتني فيه وحررتني من جمود الصمت إلى قفص الإغواء فالحب لا يمكن له أن يجتاح رجل في حالة قوة ، الحب حالة ضعف يتمكن منك وكأنه يسلك ممرات سرية تدمّر كلمة السر وكل الشفرات العاطفية ..

قالت بعد شيء من الصمت : لم تعد في حاجة إلى امرأة ؟! .. شفيت من مشاعرك تجاهي واستلذاذك بجنوني أم تُراك تعبث حتى تكتبني في أكثر من قصة ورواية بعد أن تُعرّي ذاكرتك من شبهة العرفان بالجميل وتلبسها شهوة الخيانة !!
ثم أردفت قائلة : كٌنتَ قادراً على إفراغي من ذاتي تحت سطوة عباءتك السوداء .. تُراها كم ابتلَعَت من نساءٍ قبلي ؟! من الأرجح أنك هذه المرة انتصرت على خيباتك العاطفية وتغلّبت على طقوسك المجنونة تدريجياً بالضبط كما كنتُ أسير ببطء إلى خيبتي معك !!

لماذا المراوغة إذاً؟! حينما يكتشف بياض المرسم إفلاسك الفني وعبثك بالألوان تماماً مثلما تكتشف أنثى ولعك المفرط باللون الأسود! ما فائدة التحايل وبصمات جُرّمك مطبوعة على جدران قلبها وأوراقك الثبوتية تفضح زيف نواياك ؟!

بدون مقدمات وجدتني أسألها : حسناً إذن ألا يكفي أني أحببتك بشيء من الصدق ؟!
أتراني كنت أقتلها أم أقتل امرأة أخرى بجوارها أردتها يوماً نصفي ؟! تجمدت أطرافي من صقيع نظراتها!! كنت أقتلها وأخشى عليها بعد موتها من وجع الصدمة من الألم من الذكرى التي كلما زارتها ستجلب معها الخيبة ومواسم الفجائع ووصاياها الدائمة لي : احذر من خصلات شعري الشقراء ومن عطري كلما أقبلت نحوك ، احذر سأعيشك كل يوم أكثر من قصة حب غير قابلة للتكرار وغير قابلة للخيبة !!
أي جرمٍ ارتكبته في ملامحها وضحكتها الطفولية وذاكرتها وعيناها المكسورة ألماً ؟! أي حماقة وأي جنون كان ذلك ؟! أي غباءٍ جعلني ألبس ثوب الردّة وأكفر بعشقها وألعب معها لعبة الموت بلا حذر وبلا أدنى مسئولية ؟! ألم أجد طريقة أخرى لقتلها أقل وحشية وأكثر واقعية دون أن أترك بصماتي على جدران قلبها !!

بعد صمتٍ طويل ونظراتٍ مكسورة وألم ارتسم على محاجر عينيها نطقت بصوت موجوع وليتها لم تنطق : كان بإمكانك أن تتخلّص من أثاثك القديم دون أن تحدث به كسراً حتى يسهل عليك ترتيب داخلك من جديد بسهولة أكثر! كان بإمكانك أن تفعل مثلما يفعل الروائيين مع أبطالهم بعد أن تنتهي أدوارهم ويصبح وجودهم عبثاً على رواياتهم فإنهم يجدون لهم ميتةً حسنه تبقي أثرهم حتى بعد أن ينتهي القارئ من آخر فصولها لتبقى روايةً ناجحة رغم ما فيها من جرائم على مرأى ومسمع الجميع !!
كان من الجميل أن تلبس كلماتك كاتم صوت حتى لا يعرف أحدٌ غيري أنها كانت موجهة لي كما يفعل الروائيين مع أبطالهم حتى لا يقتلوا قرّائهم ضجراً !!

لا أدري لماذا خطر عليّ لحظتها تلك المقولة التي قرأتها يوماً ولا أعرف صاحبها ( إذا جادلك إنسان فلا تجبه فإن الكلمة الأولى أنثى وإجابتك فحلها ، فإن تركت إجابتها قطعت نسلها وإن أجبتها ألقحتها! )

هم الطغاة كذلك سيان في عدلهم أو ظلمهم! فمن يناقش طاغية في ظلمه؟! فبشار يوم أن أحرق حمص خالد أحرقها حباً لها! وعشقاً لشهوة السلطة ومثله فعل السيسي في جوهرة الشرق ، بالضبط كما أحرق نيرون روما وأغرقها في ألسنة الّلهب من فرط عشقه لها!!
أتراني كنت طاغيتِك الذي يقتلك عشقاً لكِِ؟ أم كنتِ بطلتي وأنا الراوي الذي اختار لكِ تلك الميتتة البشعة؟!

كانت نشرتها النفسية تفضحها وكأنها كانت تريد لنفسها موتةً أكثر شرفاً كتلك التي يتمناها الشرفاء في ساحات القتال عندما يباغتهم الأعداء برصاصة قتل غادرة في ظهورهم حتى لا يقال مات مدبراً ، ولكنيّ كنت أكثر وقاحةً معها وأنا أرفض منحها ذلك الشرف!!

رَحَلت وبقيت غصّتها في شرفة ذاكرتي معلّقة تستدرج أحاسيسي المتطرّفة إلى الجسر الذي يربط بين ضوء أنوثتها وسواد لوحتي الرجولية التي لفظها مرسمي! رَحَلت بلا ضجيج كما أقبلت ولكن قبل أن أخبرها بأن الحب في وطني هو التهمة الأكثر رواجاً والأسهل لتُفقد الأنثى حياتها!


ودمتم في رعاية الله وحفظه :smilie47::rose: