المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إلى متى نعاني من قسوة القلب؟!!



أهــل الحـديث
03-01-2014, 04:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (وفقه الله)، نفعنا الله وإياكم بها.


إلى متى نعاني من قسوة القلب؟!!

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد وعلى آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن الكثير منا في هذا الزمان أيها الأحبة الكرام مبتلى بداء خطير وشر مستطير ألا وهو قسوة القلب! وعدم تأثره عند ذكر علام الغيوب.
فأصبحنا لا نرى -و الله المستعان- أثرا للعبادات علينا، فنخرج من الصلاة كما دخلنا فيها!!.
ونقرأ كلام الجبار فلا تدبر لمعانيه ولا اعتبار! بحال من كان قبلنا من الأشرار!!.
نطالع سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ونقرأ أخبار أصحابه (رضي الله عنهم)،فلا اقتداء بهم!ولا اهتداء!!.
نرى ونسمع ما يجري حولنا من الأمارات كالزلازل والأعاصير والفيضانات! فلا نخاف ولا نخشى من هذه الآيات البينات التي يرسلها رب الأرض والسموات!!.
نستمع للخطب والمواعظ في المساجد وعبر الصوتيات! فلا قلب يرق ولا عين تدمع من هذه العظات!.
يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- :"متى رأيت العقل يؤثر الفاني على الباقي فاعلم أنه قد مسخ !!.
ومتى رأيت القلب قد ترحل عنه حب الله والاستعداد للقائه وحل فيه حب المخلوق والرضا بالحياة الدنيا والطمأنينة بها فاعلم أنه قد خسف به!!.
ومتى أُقحطت العين من البكاء من خشية الله تعالى فاعلم أن قحطها من قسوة القلب". بدائع الفوائد (3/743)
أصبحت همومنا منصبة في تحصيل الملذات والسعي وراء الشهوات!!حتى ضيعنا بسبب ذلك الكثير من العبادات وفرطنا في الواجبات!!.
بل تجرأنا حتى على فعل المنكرات وارتكاب المحرمات دون خوف من رب البريات!!.
ولم نستحضر عند إتيانها أن الشهوات مهما بلغت وكثرت، فإن لذاتها تنقضي وساعاتها تمضي، ولا يعقبها بعد ذلك إلا الندم والحسرات!!.
يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله-:" اللذة المحرمة ممزوجة بالقبح حال تناولها، مثمرة للألم بعد انقضائها، فإذا اشتدت الداعية منك إليها، ففكر في انقطاعها وبقاء قبحها وألمها". الفوائد (ص 192)
إن بعضنا اليوم أيها الأفاضل قد يهتم بإصلاح ظاهره وتحسين مظهره ولا يُلقي بالا ولا يعطي اهتماما لباطنه الذي هو سبب فلاحه وأساس نجاحه!.
فنرى منا من إذا أصابه مكروه أو أذى في جسده سارع إلى طبيب الأبدان!حتى وإن أدى ذلك لترك الأحبة والأوطان! وإنفاق أغلى الأثمان!.
بل نراه شديد الحرص على معرفة سبب الداء! كثير السؤال عن طرق تحصيل الدواء! وعن سبل الوقاية في المستقبل من الأدواء!!.
أما إذا أصبنا بقسوة القلوب! وابتلينا بالبعد عن علام الغيوب، فأكثرنا من المعاصي والذنوب! فلا نرى منا شدة الحرص على علاج هذا المرض الفتاك! الذي يؤدي بنا إلى الهلاك!!.
يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- :" ما ضُرب عبدٌ بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن الله ". الفوائد (ص97)
إن قسوة القلوب التي نعاني منها أيها الكرام هي من أسباب قحط عيوننا وجفاف دموعنا، فقلوبنا اليوم ذهب منها اللين وقلت فيها الرحمة،وهجرها الخشوع، وابتعد عنها الخوف والخضوع!.
يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- :"الخوف -أي من الله- علامة صحة الإيمان، وترحٌّلُه من القلب علامة ترحل الإيمان منه". مدارج السالكين (1/515)
ألم يأن لنا أيها الأحبة الكرام أن نقف مع قلوبنا وقفة صادقة للحظات، فنعالجها مما ابتليت به من الزلات، ونخوفها من رب الأرض والسموات، ونتعاهدها في كل الأوقات، فنجعلها أساسا للطاعات و منبعا للخيرات!!، وذلك قبل أن لا ينفعنا الندم،ولا تشفع لنا الحسرات! يقول الله تعالى:( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون) [ الحديد: 16]
يقول الشيخ السعدي –رحمه الله- :" أي: ألم يأت الوقت الذي تلين به قلوبهم وتخشع لذكر الله، الذي هو القرآن، وتنقاد لأوامره وزواجره،وما نزل من الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم؟.
وهذا فيه الحث على الاجتهاد على خشوع القلب لله تعالى، ولما أنزله من الكتاب والحكمة،وأن يتذكر المؤمنون المواعظ الإلهية والأحكام الشرعية كل وقت،ويحاسبوا أنفسهم على ذلك،(ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد)أي: ولا يكونوا كالذين أنزل الله عليهم الكتاب الموجب لخشوع القلب والانقياد التام، ثم لم يدوموا عليه، ولا ثبتوا،بل طال عليهم الزمان واستمرت بهم الغفلة، فاضمحل إيمانهم وزال إيقانهم،(فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون) فالقلوب تحتاج في كل وقت إلى أن تُذَكر بما أنزله الله، وتناطق بالحكمة،ولا ينبغي الغفلة عن ذلك، فإن ذلك سبب لقسوة القلب وجمود العين ". تفسير السعدي ( ص840)
ألم يحن الوقت بعد أيها الكرام لنتدبر معاني هذه الآية الكريمة ونعمل بما تضمنته من عظة عظيمة،ونلبي نداء أرحم الراحمين ونقتدي بما سبقنا من سلفنا الصالحين،فهذا الصحابي الجليل العابد عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- (ت74هـ)"كان إذا قرأ هذه الآية بكى حتى يغلبه البكاء". رواه ابن أبي شيبة في المصنف (7/118)
وهذا الإمام الزاهد العابد الفضيل بن عياض–رحمه الله-(ت 187هـ)كان شاطرا يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس -يقعان في خراسان-،وكان سبب توبته أنه عشق جارية، فبينا هو يرتقي الجدران إليها، إذا سمع تاليا يتلو (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم..)[ الحديد: 16]فلما سمعها، قال: بلى يا رب، قد آن،فرجع، فآواه الليل إلى خربة، فإذا فيها سابلة، فقال بعضهم: نرحل، وقال بعضهم: حتى نصبح فإن فضيلا على الطريق يقطع علينا.
قال –رحمه الله-: ففكرت، وقلت: أنا أسعى بالليل في المعاصي، وقوم من المسلمين هاهنا، يخافوني، وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع، اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام". سير أعلام النبلاء للذهبي ( 8/423)
أين نحن من تذكر الموت وسكرته؟! والقبر وضمته؟! والنار وسعيرها؟!
إن الموت لا مرد له من دافع ولا ينفع في تأخيره شافع، ولا يعرف صديقا ولا يفرق بين كبير ولا صغير ولا بين صحيح وسقيم، فكلهم لا محالة ملاقيه مهما امتد بهم الأجل وطال بهم العمر،يقول تعالى:(أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة) [النساء:78]
يقول الإمام الطبري –رحمه الله- :"فإن الموت بإزائكم أين كنتم، وواصل إلى أنفسكم حيث كنتم، ولو تحصنتم منه بالحصون المنيعة". تفسير الطبري (5/172)
إلى متى نؤخر التوبة ونطيل الأمل! ونغتر بالأماني! ونسيء العمل! أنسينا الاستعداد للمرتحل ! مع نقص أعمارنا واقتراب الأجل!!.
أين العمل بوصية نبينا صلى الله عليه وسلم :"كن في الدنيا كأنَّك غريبٌ أو عابرُ سبيل". رواه البخاري (6053) من حديث عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما-.
يقول الإمام ابن رجب-رحمه الله-:"وهذا الحديث أصل في قصر الأمل في الدنيا،فإن المؤمن لا ينبغي أن يتخذ الدنيا وطنا ومسكنا فيطمئن فيها،ولكن ينبغي أن يكون فيها كأنه على جناح سفر يهيئ جهازه للرحيل".جامع العلوم والحكم (ص379)
فالبدار البدار أيها الأحبة والإخوان قبل فوات الأوان! لعلاج قلوبنا مما حلَّ بها من ضعف وهوان! حتى أصبحت منقادة للهوى والشيطان! ولا تتأثر بذكر الرحمن!والله المستعان.
ولنسلك في ذلك الطرق الشرعية والوسائل الإيمانية، وأولها التوبة والرجوع إلى رب البرية، والمبادرة إلى الطاعات والمسارعة في الخيرات وإلى كل السبل المرضية، والبعد عن المحرمات والمنكرات و عن كل الطرق الرديَّة، ولنعلق قلوبنا بالآخرة لا بالدنيا الفنية.
يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- :"إن في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى، فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله تعالى، وذكر حماد بن زيد عن المعلى بن زياد أن رجلا قال للحسن-أي البصري (رحمه الله)- : يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي قال : (أَذِبْه بالذكر)، وهذا لأن القلب كلما اشتدت به الغفلة اشتدت به القسوة، فإذا ذكر الله تعالى ذابت تلك القسوة كما يذوب الرصاص في النار، فما أذيبت قسوة القلوب بمثل ذكر الله عز و جل ". الوابل الصيب ( ص99)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يطهر قلوبنا جمعيا من النفاق والرياء وسائر الأدواء و الأوباء ،وأن ييسر لنا فعل الطاعات والتزود من الخيرات، وأن يجنبنا ارتكاب المعاصي والآثام، ويوفقنا لحسن الختام، فهو سبحانه ولي ذلك والعزيز العلام.


وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


أبو عبد الله حمزة النايلي