المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : استعمال (إذا) الشرطية في غير المتيقن



أهــل الحـديث
31-12-2013, 09:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الأصل في استعمال (إذا) أن تكون لزمان من أزمن المستقبل مختص من بينها مقطوع به، والدليل عليه استعمال (إذا) في الأغلب الأكثر في هذا المعنى، نحو (إذا طلعت الشمس)، وقوله تعالى "إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ"، ولهذا كثر في الكتاب العزيز استعماله؛ لقطع علام الغيوب سبحانه بالأمور المتوقعة.
و(إنْ) موضوعة لشرط مفروض وجوده في المستقبل، مع عدم قطع المتكلم لا بوقوعه فيه، ولا بعدم وقوعه، وذلك لعدم القطع في الجزاء لا بالوجود ولا بالعدم، سواء شك في وقوعه كما في حقنا، أو لم يشك كما في حقه تعالى([1] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn1)).
وورود (إذا) لما تيقن أمر كالمجمع عليه من العلماء، وأما قوله تعالى (وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلا)([2] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn2)) فقد أوله الزمخشري على أن المراد به النشأة الآخرة.
واعترض عليه الرازي فقال: قال صاحب الكشاف في قوله "وَإِذَا شِئْنَا": إن حقه أن يجيء بـ (إنْ) لا بـ (إذا) كقوله (وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ)([3] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn3))، (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ)([4] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn4))، واعلم أن هذا الكلام كأنه طعن في لفظ القرآن([5] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn5)).
وقد شنع الرازي على الزمخشري – دون وجه حق، فتوجيه الزمخشري ليس لكلام الله عز وجل حاشا وكلا، وإنما هو لقول من قال إن معناه: بدلنا غيرهم ممن يطيع، قال: (وَإِذَا شِئْنَا" أهلكناهم، و"بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ) في شدّة الأسر، يعني: النشأة الأخرى، وقيل: معناه: بدلنا غيرهم ممن يطيع، وحقه أن يجيء بـ (إنْ)، لا بـ (إذا)، كقوله (وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ)، (إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ)([6] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn6)).
فهو يرى أن الآية طالما جاءت بـ (إذا) فإنه لا بد أن هذا التبديل سوف يقع لا محالة حيث ينشيء الله الناس النشأة الآخرة، أو كما عبر القرآن الكريم: يبدل أمثالهم، والمقصود بذلك: إحياءهم بعد الموت عند النشأة الآخرة، ولو كان المقصود: إذا شئنا أهلكناهم، وأتينا بأشباهم فجعلناهم بدلا منهم، موافقين لهم في الخلق مخالفين لهم في العمل، كما ذهب المفسرون، لأتى بـ (إن) مكان (إذا).
ولله در الزمخشري، حيث كان دائما سباقا إلى استنباط المعاني التي لا تخطر ببال غيره.
يقول ابن القيم: والذي عندي في معنى هاتين الآيتين وهما آية الواقعة([7] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn7))، والإنسان([8] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn8)) أن المراد بتبديل أمثالهم: الخلق الجديد، والنشأة الآخرة التي وعدوا بها، وقد وفق الزمخشري لفهم هذا من سورة الإنسان، فقال: وبدلنا أمثالهم في شدة الأسر، يعني: النشأة الأخرى، ثم قال: وقيل: وبدلنا غيرهم ممن يطيع، وحقه أن يأتي بـ (إنْ) لا بـ (إذا) كقوله "وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ"، قلت: وإتيانه بـ (إذا) التي لا تكون إلا للمحق الوقوع يدل على تحقق وقوع هذا التبديل، وأنه واقع لا محالة، وذلك هو النشأة الأخرى التي استدل على إمكانها بقوله (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى)([9] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn9))، واستدل بالمِثْل على المِثْل، وعلى ما أنكروه بما عاينوه وشاهدوه، وكونهم أمثالهم هو إنشاؤهم خلقا جديدا بعينه، فهم هم بأعيانهم، وهم أمثالهم فهم أنفسهم يعادون، فإذا قلت: المُعاد هذا هو الأول بعينه صدقت، وإن قلت هو مثله صدقت، فهو هو مُعادا، أو هو مثل الأول، وقد أوضح هذا سبحانه بقوله (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ)([10] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn10))، فهذا الخلق الجديد هو المتضمن لكونهم أمثالهم، وقد سماه الله سبحانه وتعالى إعادة والمُعاد مثل المُبدَأ، وسماه نشأة أخرى وهي مثل الأولى، وسماه خلقا جديدا وهو مثل الخلق الأول كما قال (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ)([11] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn11))، وسماه أمثالا وهم هم فتطابقت ألفاظ القرآن، وصدق بعضها بعضا، وبيَّن بعضها بعضا؛ ولهذا تزول إشكالات أوردها من لم يفهم المُعاد الذي أخبرت به الرسل عن الله، ولا يفهم من هذا القول ما قاله بعض المتأخرين أنهم غيرهم من كل وجه، فهذا خطأ قطعا، معاذ الله من اعتقاده بل هم أمثالهم وهم أعيانهم فإذا فهمت الحقائق فلا يناقش في العبارة إلا ضيق العطن صغير العقل ضعيف العلم([12] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn12)).
ومع كل ذلك فهذه الآية تحتمل ما قاله الزمخشري، وابن القيم، وتحتمل أيضا ما قاله غيرهما من استعمال (إذا) في غير المتيقن، حيث إنها قد ترد له قليلا.
قال أبو حيان: و(إذا) لما تيقن وجوده، نحو: "آتيك إذا احْمَرَّ البُسْرُ"، أو رجح وجوده، نحو: "آتيك إذا أتيتني"، وقد تأتي في غير المقطوع بوقوعه، وهو قليل، نحو قوله:

إذا أنتَ لم تَنْزِعْ عن الجهلِ والخَنَا

وقد يجوز أن ينزع، وألا ينزع، وذلك بخلاف (إنْ) فإنها لا تدخل إلا على الممكن وجوده([13] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn13)).

([1]) شرح الكافية3/186

([2]) الإنسان: 28

([3]) محمد: 38

([4]) النساء: 133

([5]) التفسير الكبير30/229

([6]) الكشاف4/676

([7]) وهي قوله تعالى "نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ". الواقعة: 60-61

([8]) وهي قوله تعالى "وَإِذَا شِئِنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلا". الإنسان: 28

([9]) الواقعة: 62

([10]) ق: 15

([11]) ق: 15

([12]) التبيان في أقسام القرآن لابن قيم الجوزية ص123-124

([13]) الارتشاف3/1409