المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اعتماد الشهرة و الشهادة في الأنساب



أهــل الحـديث
30-12-2013, 07:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




الحمد لله وكفى و الصلاة و السلام على نبيه المصطفى و على آله و صحبه و من لهديه و سبيله اتبع و اقتفى .
أما بعد : فإن من قواعد الأنساب أن النسب يثبت بالشهرة و الاستفاضة و شهادة الثقات العدول , و قد قام العلماء و من قديم باعتماد هذه الركائز في إثبات أنساب و نفي أخرى و جرى عملهم على ذلك في المحاكم و المراسم و عند توثيق كل مرسوم أو ظهير , و ها أنا اليوم أيها القارئ الكريم أجمع لك ما وصلت إليه عيني من أقوال العلماء في ذلك من خلال ما اطلعت عليه في المصادر المذكورة في هذا البحث و المتباينة حسب الحقب و التواريخ ؛ معنونا كل قاعدة حسب مضمونها و حسب ماجاء من كلام العالم فيها و الله من وراء القصد و صلى الله وسلم و بارك على محمد و على آله وصحبه أجمعين و إلى المقصود بإذن الله تعالى :



الشهرة تقوم مقام المعاينة:





قال أبوبكر بن مسعود بن أحمد الكاساني (المتوفى: 587هـ) في كتابه بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع : " فلا تُطْلَقُ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ إلَّا فِي أَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ، وَهِيَ النِّكَاحُ وَالنَّسَبُ وَالْمَوْتُ، فَلَهُ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ فِيهَا بِالتَّسَامُعِ مِنْ النَّاسِ، وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى الِاشْتِهَارِ فَقَامَتْ الشُّهْرَةُ فِيهَا مَقَامَ الْمُعَايَنَةِ "


و قال أبوالمعالي برهان الدين محمود بن أحمد بن عبد العزيز بن عمر بن مَازَةَ البخاري (المتوفى: 616هـ) في كتابه المحيط البرهاني في الفقه : " فأما النسب فصورته: إذا سمع الرجل من الناس أن فلان بن فلان الفلاني، وسعه أن يشهد بذلك وإن لم يعاين الولادة على فراشه للتوارث والتعامل، فإنا نشهد أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه ابن قحافة، وعمر رضى الله عنه ابن الخطاب ، وعثمان رضي الله عنه ابن عفان، وعلي رضي الله عنه ابن أبي طالب، ونحن مارأينا أبا قحافة ولا الخطاب ولا أبا طالب، وما أدركناهم، وكذلك الغلام منا إذا أدرك فسمع الناس يقولون: فلان بن فلان ولم يدرك هذا الغلام أباه، فإنه يشهد أنه فلان بن فلان ولأن سبب النسب العلوق منه، وإنه لا يمكن الوقوف عليه حقيقة؛ لأنه أمر باطن لا يعلمه إلا الله تعالى، وسبب العلوق وهو الوطء يكون سراً من الناس لا يعرفه إلا الواطئان، والولادة لا يعرفها غير القابلة، فتعذر الوقوف على حقيقته، فلم يكلف الشهود معرفته حقيقة، واكتفى فيه بالدليل الظاهر، وهو الشهرة وقوعاً وبقاء ، فالنسب مشتهر وقوعاً وبقاء ، وقوعاً بأن الولادة تكون بين جماعة من النسوان غالباً، ثم يهيأ بعد ذلك لأجلها ويتخذ لذلك وليمة، وهو العقيقة. وأما بقاء: فلأن بمضي الزمان يشتهرنسبه فيما بين الناس، فيقولون هذا ابن فلان، فيقوم مقام المعاينة "


وقال عثمان بن علي بن محجن البارعي، فخر الدين الزيلعي (المتوفى: 743 هـ)في كتابه تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشِّلْبِيِّ: "وَلَا يَشْهَدُ بِمَا لَمْ يُعَايِنْهُ إلَّا فِي النَّسَبِ، وَالْمَوْتِ، وَالنِّكَاحِ ، وَالدُّخُولِ وَوِلَايَةِ الْقَاضِي وَأَصْلِ الْوَقْفِ فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا إذَا أَخْبَرَهُ بِهَا مَنْ يَثِقُ بِهِ .... فَإِنَّ النَّسَبَ يَشْتَهِرُ بِالتَّهْنِئَةِ وَنِسْبَةُ كُلِّ وَاحِدٍ إلَى الْآخَرِ عِنْدَ الْمُخَاطَبَاتِ، وَالْمُنَادَاةِ، وَالْمَوْتِ بِالتَّعْزِيَةِ وَقِسْمَةِ التَّرِكَاتِ وَانْدِرَاسِ الْآثَارِ ، وَالنِّكَاحِ بِالشُّهُودِ، وَالْوَلَائِمِ، وَالدُّخُولِ بِتَعَلُّقِ أَحْكَامٍ مَشْهُورَةٍ مِنْ الْمَهْرِ، وَالنَّسَبِ ، وَالْعِدَّةِ وَثُبُوتِ الْإِحْصَانِ، وَالْقَضَاءِ بِقِرَاءَةِ الْمَنْشُورِ وَ اخْتِلَافِ الْخُصُومِ إلَيْهِ وَازْدِحَامِهِمْ عَلَيْهِ فَنُزِّلَتْ الشُّهْرَةُ فِيهَا مَنْزِلَةَ الْعِيَانِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْمُشَاهَدَةُ "



شهرة النسب تردع إبطاله :



قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ت 728 هـ في مجموع الفتاوى35/ 130 طبعة مجمع الملك فهد: وَقَدْ قَامَ مِنْ وَلَدِ عَلِيٍّ طَوَائِفُ: مِنْ وَلَدِ الْحَسَنِ وَوَلَدِ الْحُسَيْنِ كَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ وَأَخِيهِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ وَأَمْثَالِهِمَا وَلَمْ يَطْعَنْ أَحَدٌ لَا مِنْ أَعْدَائِهِمْ وَلَا مِنْ غَيْرِ أَعْدَائِهِمْ لَا فِي نَسَبِهِمْ وَلَا فِي إسْلَامِهِمْ وَكَذَلِكَ الدَّاعِي الْقَائِمُ بطبرستان وَغَيْرُهُ مِنْ الْعَلَوِيِّينَ وَكَذَلِكَ بَنُو حمود الَّذِينَ تَغَلَّبُوا بِالْأَنْدَلُسِ مُدَّةً وَأَمْثَالُ هَؤُلَاءِ لَمْ يَقْدَحْ أَحَدٌ فِي نَسَبِهِمْ وَلَا فِي إسْلَامِهِمْ. وَقَدْ قُتِلَ جَمَاعَةٌ مِنْ الطالبيين عَلَى الْخِلَافَةِ لَا سِيَّمَا فِي الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ وَحُبِسَ طَائِفَةٌ كَمُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يَقْدَحْ أَعْدَاؤُهُمْ فِي نَسَبِهِمْ وَلَا دِينِهِمْ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَنْسَابَ الْمَشْهُورَةَ أَمْرُهَا ظَاهِرٌ مُتَدَارَكٌ مِثْلُ الشَّمْسِ لَا يَقْدِرُ الْعَدُوُّ أَنْ يُطْفِئَهُ؛ وَكَذَلِكَ إسْلَامُ الرَّجُلِ وَصِحَّةُ إيمَانِهِ بِاَللَّهِ وَالرَّسُولِ أَمْرٌ لَا يَخْفَى وَصَاحِبُ النَّسَبِ وَالدِّينِ لَوْ أَرَادَ عَدُوَّهُ أَنْ يُبْطِلَ نَسَبَهُ وَدِينَهُ وَلَهُ هَذِهِ الشُّهْرَةُ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَتَّفِقَ عَلَى ذَلِكَ أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ. هـ



الشهادة في الأنساب تحل بالشهرة و التسامع :



قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ت 728 هـ في مجموع الفتاوى : والشهادة في الأنساب تحل بالشهرة والتسامع، وكذا فيما له حكم النسب، ألا ترى أنا نقول: نافع مولى ابن عمر، وعكرمة مولى عبد الله بن عباس، كما نقول: عمر بن الخطابرضي الله عنه، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه.


وقال محمدبن فرامرز بن علي الشهير بملا - أو منلا أو المولى - خسرو المتوفى: 885هـفي كتابه درر الحكام شرح غرر الأحكام : " الشَّهَادَةُ بِالشُّهْرَةِ فِي النَّسَبِ وَغَيْرِهِ بِطَرِيقِ الشُّهْرَةِ الْحَقِيقِيَّةِ أَوْالْحُكْمِيَّةِ فَالْحَقِيقَةُ أَنْ يَشْتَهِرَ وَيَسْمَعَ مِنْ قَوْمٍ كَثِيرٍ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْعَدَالَةُ بَلْ يُشْتَرَطُ التَّوَاتُرُ وَالْحُكْمِيَّةُ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ لَكِنَّ الشُّهْرَةَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ يَعْنِي النَّسَبَ وَالنِّكَاحَ وَالْقَضَاءَ لَاتَثْبُتُ إلَّا بِخَبَرِ جَمَاعَةٍ لَا يُتَوَهَّمُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ أَوْ خَبَرِ عَدْلَيْنِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ ".


وقال الشيخ العلامة حافظ بن أحمد بن علي الحكمي (المتوفى: 1377هـ)في كتابه شرح اللؤلؤ المكنون :" الشهرة قرينة على القطع بقبول الخبر"


وقال أيضا في نفس المصدر : "المشهور والمستفيض شيء واحد؛ لأن الاستفاضة الشهرة والانتشار، حينما يحكم أهل العلم بالاستفاضة، يعني بقبول الشهادة على الاستفاضة، والمراد بذلك الشهرة والانتشار، يأتي شخص ليشهد أن هذا ابن هذا طيب، يأتي مجموعة، حي كامل يشهدون أن هذا ابن هذا، هل للقاضي أن يسألهم كيف ثبتت هذه البنوة؟ أنتم حضرتم وقت .. ؟ نعم حضرتم الوقت واكبتموه ((على مثلها فشهد)) إنما يكتفى في هذا بالاستفاضة، بم يطالب الإنسان الذي شهد أن زيد بن عمرو وش يدريك أنت؟ حضرتهم؟ واكبت الحمل من بدايته إلى نهايته إلى وضعه إلى .. ؟ لا، ما يحتاج، إنما يكفي لمثل هذا الاستفاضة، والمقصود بها الاشتهار والانتشار "
و هذا أيضا كلام الشيخ أحمد بن إدريس الطاهري الإدريسي ت 1399 هـ في كتابه نسيم النفحات في ذكر جوانب من أخبار توات إذ قال رحمه الله : " فصل التحلية بالشرف في الرسوم والرسائل يعتمد عليها في الشرف ؛ فتحصل أن التحلية بالشرف في الرسوم والرسائل وما أشبه ذالك مما يعتمد عليها في الشرف وأنها له كالصدق سيما إذا شاع ذالك في السلف وحازه منه الخلف وعرفوا من بين الناس بذا الوصف ولأن البعرة تدل على البعير وأثر الأقدام يدل على المسير فالتحلية قرينة قوية ولله در الشيخ الحشتيمي إذ قال في عملياته:
قرائن الأحوال في المسالك * يبنى عليها الحكم عند مالك
إمامنـا المعظم الـمتبوع * في مقتضى الأحوال والفروع
فاعمل بها ولا تخف ملاما * واقطع بـها النزاع والخصاما " انتهى
و قال رحمه الله تعالى : " فصل الناس مصدقون على أنسابهم ثم قال " الناس مصدقون على أنسابهم ما لم يعلم خلاف ما قيل وما ذكره التتائي من أن الناس مصدقون في أنسابهم في ما عدا الشرف قيده الشيخ علي الأجهوري بغير المشهور وإلى تقييده أشار الزرقاني رحمه الله والناس مصدقون على أنسابهم كما لخليل والشارح إلى حيث عرفوا بالنسب وحازوه كحيازة الأملاك كما في كلام جمع من العلماء عن الإمام مالك ويشمل ذلك دعوى الشرف " انتهى .
وقال أيضا في نفس المصدر : " فصل شهادة السماع في ثبوت النسب ثم قال " وشهادة السماع على ثلاثة أقسام تفيد العلم والظن القوي ومطلق الظن وقد قسم الفقهاء هذه الشهادة كما في التبصرة بشهادة السماع منها ما يفيد العلم وهو التواتر كالسماع بأن مكة موجودة وإلى ما يفيد ظنا قويا يقرب من القطع وهو الاستفاضة كالسماع بأن نافعا مولى ابن عمر وأن عبد الرحمن صاحب مالك هو ابن القاسم وإلى ما يفيد الظن وهو شهادة السماع التي يقصد الفقهاء الكلام عليها وهذا القسم الثالث الضعيف الذي يفيد مطلق الظن يثبت به النسب وأحرى القسمان الأول والثاني لأنهما من باب القطع في الحـقيقة وإن كان مستندهما السماع كما لغير واحد. والدليل على أن شهادة السماع المصطلح عليها التي تفيد مطلق الظن يثبت بها النسب هو ما أشار إليه في التبصرة بقوله والثالث قال ابن الهندي وأما شهادة السماع على النسب فصورة الشهادة بها أنهم يشهدون أنهم لم يزالوا يسمعون على قديم الأيام ومرور الشهور والأعوام سماعا فاشيا أهل العدل وغيرهم أن فلانا ابن فلان قرشيون ومن فخذ كذا ويعرفونه وأباه من فبله قد حازا هذا النسب وبيناه في شهادتهما لا يعلمون أحدا يطعن عليهما فيه إلى حين تاريخ إيقاع هذه الشهادة فإذا شهدوا بذالك فمن نفاه عن ذالك النسب حُـدَّ له منه قال ابن سلمون ما نصه:قال بعضهم ما اتسع أحد في شهادة السماع اتساع المالكية فتجوز عندهم في الأحباس والملك المتقادم والولاء والنسب إلى آخره اهـ .