المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أي اللذتين تريد؟!



أهــل الحـديث
25-12-2013, 10:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (وفقه الله)، نفعنا الله وإياكم بها.


أي اللذتين تريد؟!

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن كل امرئ في هذه الدنيا الزائلة!يهتم بسبل تحصيل السعادة والسرور ويحرص على الابتعاد عن طرق الشقاوة والشرور!!.
لكن مما ينبغي أن نعلمه أيها الأحبة الكرام أن السعادة التي يبحث عنها الناس ليست سواء!وذلك لاختلاف مفهومها عندهم!.
فاللذة والسعادة التي يسعى المؤمن المطيع لربه جل وعلا لتحقيقها والتنعم بها، ليست كالسعادة! واللذة! التي يلهث العاصي وراء تحصيلها!!.
يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- :"وقد جعل الله سبحانه للحسنات والطاعات آثارا محبوبة لذيذة طيبة لذتها فوق لذة المعصية بأضعاف مضاعفة لا نسبة لها إليها، وجعل للسيئات والمعاصي آلاما وآثارا مكروهة وحزازات-وجع في القلب- تربي على لذة تناولها بأضعاف مضاعفة".مدارج السالكين (1/423)
لذا أيها الأفاضل نرى أن المؤمن يعيش دائما منشرح الصدر مطمئن القلب، لماذا ذلك ؟!
لأنه حريص على فعل الخيرات،بعيد عن المنكرات، دائم الذكر لرب البريات، قال تعالى:(الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)[الرعد:28].
يقول الشيخ السعدي –رحمه الله-:"حقيق بها وحري أن لا تطمئن لشيء سوى ذكره-سبحانه-،فإنه لا شيء ألذ للقلوب ولا أشهى ولا أحلى من محبة خالقها والأنس به ومعرفته،وعلى قدر معرفتها بالله ومحبتها له، يكون ذكرها له، هذا على القول بأن ذكر الله، ذكر العبد لربه،من تسبيح ، وتهليل ، وتكبير وغير ذلك". تفسير السعدي (ص 417)
لأنه قد ذاق قلبه حلاوة الإيمان، وثمرة توحيد الرحمن، وإخلاص العبادة للملك الديان،يقول شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-: "فإن القلب إذا ذاق طعم عبادة الله والإخلاص له لم يكن عنده شيء قط أحلى من ذلك، ولا ألذ ولا أطيب".مجموع الفتاوى(10/ 187)
ويعلم أن النعيم المقيم لايدرك إلا بتوفيق العزيز الحكيم ثم بالمرور على جسر التعب وبذل التضحيات وهجر الشهوات!.
يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-:"والتعب بالطاعة ممزوج بالحسن مثمر للذة والراحة فإذا ثقلت على النفس ففكر في انقطاع تعبها وبقاء حسنها ولذتها وسرورها ووازن بين الأمرين وآثر الراجح على المرجوح ". الفوائد(ص 192)
وإذا ابتلي بفعل المحرمات والتقصير في الطاعات، أصابه بعد ذلك الندم على ارتكاب هذه الخطيئات، وعَزم على عدم العود إلى هذه العثرات،وبادر بالتوبة والاستغفار لرب الأرض والسموات،يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله-:"والمؤمن لا تتم له لذة بمعصية أبدا، ولا يكمل بها فرحه بل لا يباشرها إلا والحزن مخالط لقلبه".مدارج السالكين (1/180)
وإن شعر بضيق في صدره وقسوة في قلبه أزال ذلك وأذابه بذكر الله تعالى، قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-:"إن في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى، فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله تعالى، وذكر حماد بن زيد عن المعلى بن زياد أن رجلا قال للحسن : يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي؟ قال:(أذبه بالذكر)،وهذا لأن القلب كلما اشتدت به الغفلة اشتدت به القسوة،فإذا ذكر الله تعالى ذابت تلك القسوة،كما يذوب الرصاص في النار فما أذيبت قسوة القلوب بمثل ذكر الله عز وجل". الوابل الصيب(ص 99).
أما العاصي المذنب أيها الكرام فهو دائما منقبض الصدر متوتر القلب! لماذا ؟!
لأنه كثير المنكرات قليل الخيرات، بعيد عن ذكر رب البريات، يقول تعالى: (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين) [ الزخرف:36]
يقول الشيخ السعدي –رحمه الله-:"يخبر تعالى عن عقوبته البليغة،لمن أعرض عن ذكره فقال:( ومن يعش) أي: يعرض ويصد (عن ذكر الرحمن) الذي هو القرآن العظيم،الذي هو أعظم رحمة رحم بها الرحمن عباده، فمن قبلها فقد قبل خير المواهب، وفاز بأعظم المطالب والرغائب،ومن أعرض عنها وردها، فقد خاب وخسر خسارة لا يسعد بعدها أبدا،وقيض له الرحمن شيطانا مريدا، يقارنه، ويصاحبه،ويعده،ويمنيه،ويؤز ه إلى المعاصي أزا ".تفسير السعدي (ص 766)
قد غرته اللذة الفانية للمعاصي والشهوات!وتناسى أن بعد انقضائها سيصاب بالآلام و تحل به الحسرات، يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله-:" اللذة المحرمة ممزوجة بالقبح حال تناولها مثمرة للألم بعد انقضائها، فإذا اشتدت الداعية منك إليها ففكر في انقطاعها وبقاء قبحها وألمها".الفوائد(ص 192)
ولم يعلم أن اللذة الحقيقية والسعادة الأبدية هي في طاعة رب البرية لا في ارتكاب المعصية!!.
يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- :"ولم يجعل الله معصيته سببا إلى خير قط، ولو علم الفاجر ما في العفاف من اللذة والسرور وانشراح الصدر وطيب العيش لرأى أن الذي فاته من اللذة أضعاف أضعاف ما حصل له". روضة المحبين (ص 362)
فحُرم أيضا بسبب الذنوب والمحرمات من الشعور بلذة الطاعات،سئل وهيب بن الورد المكي (ت153هـ) -رحمه الله-: " أيجد لذة الطاعة من يعصي؟ قال: ولا من همَّ -أي بالمعصية-". صيد الخاطر لابن الجوزي ( ص66)
فيا من ابتلي بفعل المنكرات! وغرته الشهوات!تذكر أن لذاتها تنقضي وشهواتها تنتهي!و العواقب بعدها وخيمة والتبعات جسيمة! تَلحق بصاحبها ولو بعد حين!إذا لم تبادر بالتوبة والرجوع إلى الرب جل وعلا، وتيقن أنه لا خير في الحقيقة في لذة من بعدها نار، يقول الإمام سفيان الثوري –رحمه الله-:
تفنى اللذات ممن نال صفوتَها
من الحياة ويبقى الخزي والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتها
لا خير في لذة من بعدها النار. الغرباء للآجري (ص 68)
فبادر -وفقك الله-إلى التوبة النصوح التي هي طريق النجاح وسبيل الفلاح، فإن خالقك جل وعلا يفرح بتوبتك، ويجزيك عنها فضلا منه سبحانه وتكرما، فعن أبي هريرة-رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"والله لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ من أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلَاةِ".رواه البخاري(5950)ومسلم (2675)واللفظ له.
يقول الشيخ السعدي-رحمه الله- :":"وهذا فرح جود وإحسان؛ لأنه جل جلاله ينوع جوده وكرمه على عباده في جميع الوجوه، ويحب من عباده أن يسلكوا كل طريق يوصلهم إلى رحمة الله وإحسانه، ويكره لهم ضد ذلك". التنبيهات اللطيفة (ص53)
واحذر-سددك الله- من تسويف التوبة وتأخيرها!فإن هذا من تلبيس الشيطان وهو من الخسران والحرمان،والله المستعان.
وتأكد وتيقن -بصرك الله- من أن اللذة التي تجنيها من وراء توبتك لا تقارن أبدا بما تجده من لذة بعد ارتكابك للمعصية!!.
يقول ابن القيم –رحمه الله- :"فلو علم المعاصي إن لذة التوبة وفرحتها يزيد على لذة المعصية وفرحتها أضعافا مضاعفة لبادر إليها أعظم من مبادرته إلى لذة المعصية".الروح (ص 248)
ويا من وفقت لفعل القربات واجتناب المنكرات،ورزقت حلاوة ولذة الطاعات،تذكر دائما- ثبتك الله- أن هذا كله من توفيق رب البريات، فأدم شكره على ما منَّ به عليك من الخيرات، وإياك أن يُصبك العجب، فإنه داء عضال ومرض قتال، فتحرم بسببه من النعيم الذي أنت فيه، بإذن وعدل الكبير المتعال.
فهذا باختصار بعض ما يذكر في الفرق بين ما يوجد في القلوب من اللذات،وما يعقب ذلك من انشراح وسرور، أو انقباض وشرور ، فعلى العاقل أن ينظر بتمعن أيهما يختار أيها الأحبة الأخيار! وليتأكد أن الشهوات مهما بلغت فلذاتها أمدية وحسراتها باقية، والطاعات مهما قلت فلذاتها نافعة وفوائدها أبدية.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- :"من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية".مدارج السالكين لابن القيم (1/431)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يوفقنا وإياكم لهداه ويجعل عملنا في رضاه، وأن يجعلنا جميعا له من أهل العبودية لنفوز بالسعادة الأبدية،فهو سبحانه ولي ذلك ورب البرية.


وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


أبو عبد الله حمزة النايلي