تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : طلب عاجل



moon616
29-04-2007, 05:15 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بس عندي طلب وهو بحث عن آداب الحوار وأتمنى ما تخيبوني
ومشكورين

newone_01
30-04-2007, 02:40 PM
أدب الحوار
المقدمة

الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله , وعلى آله وصحبه ومن والاه,وبعد:فما أحوجنا إلى (الحوار)؛لأنه طريق الفهم, وسبيل النجاح, وبوابة الاتفاق.

والحوار له آداب مشروعة يقوم بها المتحاورون ؛ ليثمر حوارهم وليصلوا إلى الحقيقة من اقرب الطرق وأيسرها .

وفي هذه الرسالة معالم لمحبي الحوار وطالبيه,أسال الله أن ينفع بها.

د.عائض القرني



أدب الحوار

كلمة الحوار كلمة جميلة رقيقة,تدل على التفاهم والتفاوض والتجانس, وقد ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم, قال تعالى: (قال له صاحبه وهو يحاوره) ]الكهف:37[, وقال: (والله يسمع تحاوركما) ]المجادلة:1[؛يوم أن تحاور عليه الصلاة والسلام مع المرأة الضعيفة المسكينة التي تشكو من زوجها,فسمع الله هذا الحوار – وسع سمعه السموات والأرض جل في علاه- . ونحن بحاجة إلى الحوار؛ ليفهم بعضنا بعضاً, نحاور بعضنا بعضاً, ونتحاور مع الاخرين ,فنتحاور مع أبنائنا: (يابني ) ]لقمان:13[ كما قال لقمان عليه السلام , ونتحاور مع اهل الكتاب (قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سوآء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله ) ]آل عمران:64[,ونتحاور مع المشركين : (وإن احد من المشركين استجارك اجره حتى يسمع كلام الله ثم بلغه مامنه) ]التوبة:6[.

وثمرة الحوار: الوصول الى الحق,فمن كان طلبه الحق وغرضه الحق وصل اليه باقرب الطرق , والطفها واحسنها, والطريق الواضح هو طريق الحوار الذي سلكه الرسول صلى الله عليه وسلم قبل ان يحمل السيف ,قال سبحانه : ( لقد ارسلنا رسلنا بالبينات) ]الحديد:25[,فقبل ان يرسلهم بالسيوف القاطعات والرماح المرهفات , ارسلهم بالايات والبينات, وكما يقول ابن تيمية- رحمة الله -: إن الانبياء بعثوا بالحجج والبراهين , والخلاف واقع في الامة , قال سبحانه: (ولايزالون مختلفين (118) الا من رحم ربك ولذلك خلقهم) ]الكهف:119,118[,قيل ( اللام) هنا ليست القصد ولا للسبب عند بعض المفسرين وانما للصيرورة , وقيل : ان الله – سبحانه وتعالى- خلقهم ,فنوع في مفاهيمهم ومواهبهم ,فوقع الخلاف في ذلك ,فلابد ان نعترف ان الخلاف واقع في الامة , وهو على قسمين

أ****- خلاف تنوع: وهو الذي يُسلك في الفروع ,لا فيث الاصول , وفي الجزئيات , لا في الكليات.

ب****- خلاف تضاد: وهو المذموم ,قال سبحانه وتعالى: ( ولاتطونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات واولئك لهم عذاب عظيم ) ]آل عمران:105[,وهم الذين يخالفون في القطعيات , وثوابت الامة , واصول الملة,فهذاخلاف مذموم

كذلك يجب ان يعلم ان الحق واضح وظاهر, وانه كالشمس , وانه لايُختلف فيه, وما يخالف الا عقيم , او سقيم فهم,يقول المتنبي :

وكيف يصح في الاذهانشيءُ

اذا احتاج النهار الى دليل فانت اذا قلت لانسان : هذه شمس في السماء , وقال لك : ليست بشمسٍ, هذه خيمة !:,فهذا لا يحاور, بل ليس اهلا للحوار فلا تضيع وقته معه. واما من حاور في امر يحتاج الى جدل ويقبل الخلاف فهذا الذي تحاوره . وعليك- اخي الكريم – ان تقدم نعم قبل لا وانت تحاور خصمك , قال ابن المبارك :

واذا صاحبت فاصحب ماجد ذا عفاف وحياء وكرم قوله للشيء لا ان قلت لا واذا قلت: نعم , قال : نعم

فعلينا ان نستدرج المحاور الى ان يوافقنا في (نعم) فمادام انه يقول لك : نعم , فمعناه انه قريب منك , وان قلبه قريب من قلبك, وان روحه قريبة من روحك, ولكن احذر ان يقول: لا , قال اهل العلم: عليك ان تستدرجه الى ان يوافقك في اكثر المسائل, فتبدا بالاصول التى تشاركه انت فيها, فتقول: الست انساناوانا انسان ؟ فيقول: نعم, تقول : اليس لي حق عليك- أي حق الانسان على الانسان-؟ يقول نعم , تقول : اما ينبغي ان احترمك وتحترمني ؟ فيقول : نعم , فتقول : اليس لك عقل فاخاطب عقلك وضميرك , ولي عقل وضمير تخاطبه؟ فيقول: نعم , وهكذا تقلص مسافة اللااءت , لكنك اذا بدت معه منذ البداية ب(لا) ,تهدم جدار الحوار وحينها لا يمكن ان يستمر معك وسوف يتخذ ضدك موقفاً عدائيا من اول الطريق ,فيقول بعض التربويوين : ان كلمة لا تعقب تسع عشرة عضلة في الوجه, فيعبس بسببها الوجه , ويقطب الجبين, واما كلمة (نعم) فتنطلق بسببها الاسارير والافراح , ويظهر الانشراح , وياتي معها الجواب السديد بحمد الله.


اداب الحوار:

اعرض هنا ثلاثة عشر ادباً من اداب الحوار:

1- الاخلاص والتجرد:

على المحاور ان يتجرد من التعصب ؛ لان بعضهم يعقد التعصب لفرقته ومذهبه وفكرته, ثم لايقبل منك , ويريد ان تسلم وتقر له دون ان يناقشك, او يقبل منك ادلة, وهو يرى في نفسه, بدون ان يدعي النبوة انه معصوم, فيقول: الواجب عليك ان تسمع نصائحي,وان توافقني؛لان الله سددني وهداني ووفقني , وكانه يامر عليك بالحديد والنار ان تستمع له , وهذا ليس بصحيح , فالواجب عليك ان تمثل نفسك بانك مجتهد وقد تخطئ , وهو مجتهد قد يخطئ , وللشافعي كلمة عظيمة يقول فيها : راي صواب يحتمل الخطأ , وراي خصمي خطأ يحتمل الصواب , وقال – رحمه الله - : ما جادلت احدا الا وودت ان يظهر الله الحجة على لسانه, وكان يدعو لخصمه بالتسديد .

وقال الشافعي – ايضا-: ما حاورني احد فقبل الحق مني الا عظم في عيني , وما رد الحق سقط من عيني . فليكن قصدنا هو الحق , سواء جاء على لسانك , او على لساني, فمن قال لك الحق فعليك ان تقبل منه, سواء ان كان صغيرا او كبيرا, عظمااو حقيرا, امراة او طفلاً, كما قال عمر- رضي الله عنه- : اصابت امراة واخطأ عمر, فقال ضالة المؤمن , وكان بعض السلف يقول: رغم انفي للحق.

2- احضار الحجة

فان صاحب الحجة قوي,قال الشافعي : من حفظ الحديث قويت حجته , واما ان ياتي انسان بكلام فضفاض وعاطفي وانشائي ويقول بانه يحاور الناس ويجادلهم , فهذا ليس صحيحاً. والحجة اما ان تكون عقلية قاطعة, او نقلية صحيحة,فعلى المدعي الدليل , وعلى الناقل الصحة ,فاذا اردت ان تجادل في مسألة ؛كمسالة الحجاب او مسألة الوسطية في الاسلام ,فعليك ان تحضر الحجج ,برتابة وهدوء , وليعلم الانسان ان الحجة ليست برفع الصوت والمصارعة , فليس حالة الناس كحالة الثيران, انما هم اناس مركبون على الاحترام والفطرة السليمة التى تقبل الحق, وتزعن له اذا كانوا راشدين, فالمطلوب منا هو احضار الحجج والبراهين للناس, قال سبحانه وتعالى ( قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين ) ]البقرة:111[,وقال سبحانه: ( قل فاتوا بالتوراه فاتولها ان كنتم صادقين) ]ال عمران:93[, وقال صلى الله عليه وسلم: تعالوا بالتوراه نقرا واياكم , ولما اتو بها , حملها صلى الله عليها وسلم احتراماً على وسادته ومخدته عليه الصلاة والسلام, فاذا جاءك خصمك يتحدث معك فقل: اتني بالدليل اناقشه انا وانت , ولا تغضب ولا ترفع صوتك, فبعض الناس من قلة حيلته وحجته , وضعف بصيرته ودليله, يبدأ بالصراخ , وتقطيب الوجه, ثم يتحول الى عالم السب والشتم , وهذا ليس من الحوار في شيء.

3-السلامة من التناقض:

فان من الواجب على المحاور ان لا يناقض كلامه بعضه بعضا ؛لان بعض الناس – لقلة بصيرته-, ياتي بكلام ينقض بعضه بعضا , فمثلا قول المشركين عن الرسول صلى الله عليه وسلم : ساحر او مجنون, هذا ليس صحيحاً؛لان الساحر من اذكياء الناس؛ ولان السحر مركب على الذكاء والفطنة والخديعة والعبقرية , والمجنون لا عقل له, فيكيف يكون- في ان واحد- ساحر او مجنونا؟! فهذا تناقض في الدليل لذلك قال سبحانه: ( ساحر او محنون ) ]الذاريات:39[,حكاية عن قولهم المتناقض, او قولهم: (سحر مستمر) ]القمر:2[,فالسحر لا يستمر اصلا ومعروف عند عقلاء العالم ان السحر لا يستمر وان المستمر لا يكون سحراً, فالله سبحانه وتعالى استهزئ بهم في رد هذه المقالة فقال سبحانه: ( وان يروا اية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر) ]القمر:2[.

فكيف يكون سحر مستمر وهو يقول : (وما صاحبكم بمجنون) ]التكوير:22[؟! وقد كانت الامانات توضع عنده عليه الصلاة والسلام.

4-الحجة لا تكون هي الدعوى:

البعض من الناس يجعل دعواه حجة , ويقول: ما دام اني قلت هذا القول , فقولي هذا حجة ودليل , ويزكي نفسه , وبعضهم يحسب قوته بطول عمره ,ويقول: الفت أربعين كتاباً, وشهد لي فلان وفلان , ودائماً الحق معي والحمد لله, ودائماً الله يسددني ! فهذا ليس صحيحاً وليس الانسان نبياًمعصوماً, وقد يعيش سبعين سنة ثم يضل , فليست المسالة بالعمر ولا بالسن, حتى إن شاباً وقف عند عمر بن عبد العزيز – رضي الله عنه- يريد ان يتكلم قبل الناس ,قال له: اجلس , في الناس من هو اكبر منك سناً,فقال الشاب : يا امير المؤمنين لو كان الامر بالسن لكان غيرك من المسلمين اولى بالخلافة منك , فتبسَّم عمر بن عبد العزيز واقرَّ له ؛لان هذه حجة ,فعمر بن عبد العزيز عمره-آنذاك – اربعون سنة , وفي الناس من عمره تسعون ومائة , ولكنهم لم يتولوا الخلافة ,فالخلافة تاتي بالعقل والعلم والايمان .

5- الاتفاق على المسلمات

فالاصول لا يُناقش فيها ولايُحاور ,عندنا ثوابت في الملة فلا ينبغي ان نضيع اوقاتنا بالجلوس لمناقشة الاصول الثابتة؛كالوهية الباري سبحانه وتعالى, واستحقاقه للعبودية جل في علاه , وان محمداً- صلى الله عليه وسلم – رسول, وان اركان الاسلام خمسة, وصلاة الظهر اربع ركعات, فهذه امور مسلمات ومررات مجمع عليها , وفي مناقشتها تشويش على الناس , وتضييع لوقتك واوقات الاخرين, فهذا ليس صحيحاً, لان الحوار يكون في مسائل اختلف فيها الناس ,مثل مسالة ( الحجاب) – مثلاً- فقد تقرر في الكتاب ان الله امر بالحجاب , لكن مثلاً يُختلف في حجاب وجه المرأة , وهذا مما يقبل الخلاف ,فلايظننِّ انسان ان هذا من المسلمات ,ولايقبل الخلاف , والقول الصحيح كما هو معلوم انه يُحجب الوجه , ولكن القصد ان نفرق بين اصل مشروعية الحجاب –فهذه مسلمة- وحجاب وجه المرأة وهذا مختلف فيه, خلافاًقويا بين اهل العلم ,ذكره ابن جرير الطبري في سورة النور , فمن اراد ان يحاور فليحاور في مسائل تقبل الخلاف والجدل , وهذا هو خلاف التنوع ؛كدعاء الاستفتاح بانواعه , والتشهد بانواعه, وكثير من المسائل في كتب الفقه

6- ان يكون المحاور أهلاً للحوار :

فلا تاتِ برجل مشهور عنه الجهل والنزق والطيش وتحاوره, لان هذا اذاه اكثر من نفعه , وقد يحرجك امام الناس , اما ان يتعرض لك , او يتعرض لنفسه بالاذى وللمسلمين , حتى ان حاتماً- وهو جاهلي – يقول:

وأُعرض عن سبِّ الكريم ادخاره

واعرض عن شتم اللئيم تكرما

يقول: انا لا اسب الكريم لاني ادخره للازمات , والئيم يسبني لانه ليس له عرض يصونه ,فاهل الحوار الحق هم اهل العلم واهل البصيرة واهل العقل, والمعروف عنهم التجرد وطلب الحق , اما ان تاتي الى سفيه وتعرض نفسك وعرضك له , فانه لن يصون عرضك ولا عرضه, وإذن فاهلية الحوار مطلوبة , والواجب اننا اذا اردنا ان نحاور الاخرين ان نختارهم من العلماء الصالحين العميقين الراسخين, يقول ابن تيمية : ان بعض اهل البدع لما حاوروا اهل السنة حاورهم اناس ضعفاء من اهل السنة , فغلب اهل المبتدعة اهل السنة ,فظن العوام ان الحق مع المبتدعة, فذهبوا مع المبتدعة , والسبب ان من يحاور كان ضعيفاً, فعلينا ان نعد للحوار ما استطعنا من قوة , ومن القوة في الحوار ان نكون اقوياء في الامة.

7- نسبة القرب والبعد من الحق :

فالامر نسبي , لايشترط دائماً ان يكون مائة بالمائة : اما ان يوافقني في كل شيء فهو اخي اتولاه وادعو له في ادبار الصلوات , او يخالفني فهو عدوي واتبرأ منه وادعو عليه , لا! يقول ابن قدامة في المغني: واهل العلم لا ينكرون على من خالفهم في مسائل الاختلاف , وقال ابن تيمية: وقد اختلف اصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام في مسائل,فلم يكفر بعضهم بعضاً, ولم يقاتل بعضهم بعضاً في مسائل الخلاف , وصلى بعضهم خلف بعض. فقد تختلف معي , في اربع مسائل او خمس , لكن انا اخوك وانت اخي , ونصلي مع بعض , وهذا امر معلوم عند اهل المذاهب الاربعة ؛ الاحناف والشافعية والنمالكية والحنابلة ,ففي مسائل الخلاف لا تطلب مائة في الماة , وكن متوسطاً في اختلافك مع خصمك ,فاذا رفض يبقى كل رايه في المسائل التى تقبل الخلاف ,فالالوان لا يكون جميعها ابيض او اسود ,بل فيها رمادي وبنفسجي , وكذلك النسب مائة بالمائة او صفراً بالمائة , يوجد ستين بالمائة , واربعين بالمائة, والله- عز وجل – ذكر ذلك فقال : (ليسوا سواء) ]ال عمران :113[,فمنهم من يقترب , ومنهم من يبتعد , والنصارى اقرب من اليهود , فهذه مسائل في الاجناس وفي اهل الاديان , لكن الذي يحاورك قد يختلف معك , وان ظفرت بعشرة في المائة فانت الرابح ؛لان بعض الناس يريد ان يحقق في اعماله الدعوية الرقم النهائي ,وهذا ليس صحيحاً, بل اقبل مايسره الله – عز وجل- وما تعسَّر فاتركه, يقول الشافعي لبعض من حاوره في مسالة اختلفوا فيها : اليس من الحق ان نبقى اخوة ولو اختلفنا في مسالة ؟ قالوا: بلى, قال : فنحن اخوة ,او كما ورد عنه في سيرته.

8- التسليم بالنتائج :

فاذا توصل المتحاورون في حوارهم الى امور, فعلى المغلوب ان يسلم للغالب, وهذا من طلب الحق , يقول عبد الرحمن بن مهدي : ان اهل الخير واهل السنة يكتبون مالهم وما عليهم , واهل البدع لا يكتبون الا ما كان لهم . فالذي يريد الحق يسلم بالنتيجة ؛ أي اذا كنت مغلوباً في مسالة , فان كان قصدي الحق اسلم , واقول لك: جزاك الله خيراً, فمن فعل ذلك فهو المخلص المأجور , ومن كابر فهذا – والعياذة بالله- لا يريد الحق, ولا يريد أن ينصاع له,وهو غاوٍ,قال عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم:"الكبر بطر الحق وغمط الناس", وبطر الحق: رده . فالتسليم بالنتائج واجب ,سواءً على المحاوِر ,او على المحاوَر ,وهذا يسهل الاتفاق في اول الجلسة , ومن راي ان يتقوى في الحوار فليتفق هو ومن يحاوره على مسائل خلافية , ويكون القصد هو الحق وطلب ما عند الله ,بشرط اذا كان الحق معي وظهر ذلك لك فعليك ان تتبعني , واذا كان الحق معك اتبعتك : (وانااو اياكم لعلى هدى او في ضلال مبين) ]سبا:24[, ومعلوم ان الحق مع المؤمنين .

9- المحاورة بالحسنى:

ومن اداب الحوار كما يقول العلماء –كابي حامد الغزالي في الاحياء- ان تحاوره فلا تتعرض لشخصه ,ولا لنسبه وحسبه واخلاقه, وانما تحاوره على القضية , لان بعض الناس يترك الكلام ويتهجم على خصمه المحاور امامه ,فيقول: قليل ادب, وبخيل, وليس لهذا علاقة بالمسالة , فانت تحاور – مثلاً- في زكاة الحلي وفيحاورك ,قائلاً: انت اصلاً لا تحترمني فكيف اجلس معك ؟! والواجب عليك ان تعترف بمكانتي , وانت دائماً يقل ادبك مع العلماء ! والسؤال: ما علاقة هذا الكلام بزكاة الحلي ؟! .. إن عليك ان تعرض تماماً عن كل كلام اخر الا عن المسالة التي امامك , والمحاورة بالتي هي احسن ( وجادلهم بالتي هي احسن ) ]النحل:1257[.

ومن الأفضل ان تختار لخصمك لقباً او كنية ولو كان مخالفاً لكفتقول: ياابا فلان! وتعطيه من الكلام المبجل المحترم الذي يليق بالناس , فمن احترم الناس احترموه ,فيقول بعض العوام العقلاء في المرادة والمحاورة في الشعر والقصائد : خصمك كالقنفذ فإذا أصبحت عند جحره اخرج لك الإبر التي فيه مستعدا للمقاومة , لكنه قال : إذا نهنهته ودعوته بالحسنى خرج واستقر وتشمس وأحس بالدفء ,ثم اصطدته, فهذا مثل المحاوَر .

يقول اسحاق نيوتن: كل فعل له رد فعل يساويه في القوة ويعارضه في الاتجاه ,فلذلك كل إنسان تحاوره ترفع صوتك يرفع صوته , ويوم تحترمه يحترمك

, ويوم تكنيه يكنيك ,يقول احدهم وهو يحاور خصمه :

اكنيه حين اناديه لاكرمه

ولا القبه والسوءة اللقبُ

كذلك اُدبت حتى صار ادبي

اني وجدت ملاك الشيمة الادبُ

فبقدر ما تحترم الناس يحترمونك , وقد كان سيد الخلق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم يحترم الناس , وهو الذي غير التاريخ ,فكان صلى الله عليه وسلم يسلم على الاعراب , ويناديهم بكناهم , ويحاورهم بالتي هي احسن.

10- الانصاف في الوقت

فاذا حاورت انساناً لابد ان تتفق معه وتقول له : تصبر لي وتسمع مني حتى انتهي , واصبر واسمع منك حتى تنتهي , لك خمس دقائق ولي خمس دقائق –مثلاً-او لك نصف ساعة ولي نصف ساعة , لا تقاطعني ولا اقاطعك , لان بعض الناس ظالم وجائر , يتكلم ثم لا يترك لك مجالاً لتتكلم , واذا اردت الكلام تكلم هو ,يقول ابن الجوزي : نزل عشرة حمقى يشترون حماراً من السوق ,الوا: يتكلم منا تسعة ويسكت واحد , يريدون ان يحرجوا على الحمار ,فهولاء هم الحمقى , والواجب في اصل الاسلام , وفي اداب النملة انك تنصت له مثل ما انصت لك , وهذا ادب المتحاورين , وكان مثل هذا الادب عند علماء الاسلام السابقين المعاصريين- رحمهم الله- كابنوالالباني وغيرهما , فقد كان عندهم من ادب الحوار , بحيث ينصت الواحد منهم حتى تنتهي ولا يقاطعك ابداً, وكأن على راس الواحد منهم الطير ,فاذا انتهيت قال: لا, المقصود كذا وكذا ,ثم يبين لك رايه .بعد ان تاخذ نصيبك من الوقت .

11- حسن الانصات

فكما تطلب من محاورك ان يحسن الانصات , والاستماع اليك – وهو من الادب – فعليك ان تستمع له اذا حاورك ؛لان بعضهم ينقصه حسن الانصات , وحسن الانصات من حسن الخلق, يقويل ابو تمام يمدح الخليفة المتوكل :

وتراه يصغى للحديث بقلبه

وبلبِّهولعله ادرى به!

ويقول احد السلف : والله إني كنت انصت للحديث وقد سمعته عشرات المرات كانني سمعته لاول مرة, وهذا من الادب , فاذا قص عليك انسان قصة قد سمعتها من قبل فلا تشعره بانك قد سمعتها , بل اظهر له انك لم تسمعها وانك معجب بها , واذا قال بيت شعر معلوماً لديك ,فاظهر له انك احتفيت به, فهذا من خلق المؤمنين ,لان بعض الناس عبوس لا يريد الا الذي عنده , وبعضهم اذا تكلمت لا ينصت لك ابداً, فتراه شارد الذهن , وهذا ليس من الاحترام , فمادام انك تحاور فاقبل بقلبك وبعينيك الى من تحاوره؛ ليعلم انك تحترمه , وانك تريد الحق .

وتجنب في الحوار الهزل , والتعليق, والتنكيت؛لان ذلك قد يُحمل على انك تحتقر خصمك, وانك لا تريد الوصول الى الجدِّ والحق.

وقد ذكرت ان الحق ليس بالصراخ؛ لان بعضهم عنده فن في الزعيق والصراخ اذا فقد الحجة, اما صاحب الحق فيتكلم باطمئنان وبادلة ميسرة , وبصوت هادئ وقور , وكما يقول لقمان عليه السلام: ( واقصد في مشيك واغضض من صوتك ان انكر الاصوات لصوت الحمير) ]لقمان:19[.

12- احترم المحاوَر:

فالشخص الذي تحاوره اما ان يكون مسلماً فينبغي ان تخحفظ له حق الاسلام , واما ان لا يكون مسلماً, فهذا يعامل معاملة انسانية ,يُجادل بالتي هي احسن ؛لان هناك اموراً نسبية تَصِلنا بالناس, فالرسول صلى الله عليه وسلم حاور ,لكن لايوجد في قاموس محمد صلى الله عليه وسلم كلمة واحدة نابية ,ايتوني من كتب الرة ان محمدا صلى الله عليه وسلم قال لاحد الناس : يا حمار , او يا خنزير , الان يصف المسلم اخاه المسلم بذلك اذا غضب عليه على امر تافه, اين اخلاق النبوة ؟! إن محمداً e لايوجد في قاموسه سب اولا شتم , ولا اسفاف في الكلام ,ولا خداع في الخطاب ,لماذا؟

لان الله ادبه فاحسن تاديبه, وهو المرشح لقيادة البشرية عليه الصلاة والسلام , فاخلاقه e موزعة على البشرية جميعها , والخلق كله عنده عليه الصلاة والسلام ,ذهب بالحسن والشجاعة والكرم , ومابقى توزع علينا كلنا منذ ان بعث الى وقتنا هذا عليه الصلاة والسلام ,يقول ربه : ( وانك لعلى خلقٍ عظيم ) ]القلم:4[.

وفي حواره e لم يكن فظاً,يقول سبحانه: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) ]ال عمران:159[, وكان يأمر اصحابه ان يكون مبشرين لا منفرين , وميسرين لا معسرين .

قرات في السيرة لابن اسحاق انه لما انتهى المسلمون من معركة بدر ,وقتل الصحابة سبعين من كفار قريش ,رجع الصحابة مع الرسول e الى المدينة, ولقيهم اهل المدينة فقالوا لهم : كيف فعلتم بالقوم – أي كفار قريش- ؟ قال احد الصحابة من البهجة بالنصر والافتخار بالانتصار: ما وجدنا احداً. وجدنا انعاماً ودواباًذبحناها ورجعنا, مع العلم ان كفار قريشكانوا اشرافاًوسادة , ومن اعقل الناس , لكن الله اضلهم , فقالe : "مه!اولئك الملأ " أي لماذا تقول مثل هذا الكلام ؟ اولئك الملأ , اولئك الاشراف على كل حال , فالواحد منهم يساوي قبيلة , ولكن الله اضلهم ,ابولهب ,وابوجهل , والوليد بن المغيرة, والعاص بن وائل ,كانوا مقدمين , وعندهم كرم وشجاعة وراي, لكن اتبعوا الشيطان فاضلهم , فاخزالهم الله , فلا تظهر لخصمك انك تحطمه تحطيماً , وتلقي عليه بالكلام الجاف الذي لايليق به , يقال ان عيسى عليه السلام راي كلباً تزاحم في طريقه , واراد عيسى عليه السلام ان يدخل من الطريق ,فقال عيسى للكلب مر بسلام ! قالوا: يا روح الله تقول للكلب مر بسلام ! قال: لا اريد ان اعود لساني البذاءة , ويقول عليه الصلاة والسلام : " ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذئ " المسلم مثل النخلة ترميها بحجر فترد عليك رطباً, تسب المسلم يقول: سلاماً, (واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) ]الفرقان:63[. وانظر الى حاتم الطائي الجاهلي , فقد كان دستوره الاخلاق بالفطرة ؛يقول

وكلمة حاسدٍ من غير جرم

سمعتُ, فقلت مُرّي فانفذيني

وعابوها عليَّ ولم تعبني

ولم يندي لها ابداًجبيني

فمن سبك فسامحه وقل:سلاماً؛ فان الله سوف يعوضك بالمكانة والعزة, ويدافع عنك, لان الله يدافع عن الذين امنوا , والناس يقفون مع المشتوم ولا يقفون مع الشاتم. قرات في سيرة الامام العظيم الزاهد امير المؤمنين عمر بن عبد العزيز – رضي الله عنه وجمعنا به في جنات النعيم – انه قام يصلي الليل في مسجد بني امية , وكان حينها خليفة المسلمين ويحكم ثنتين وعشرين دولة, وكانت السراج مطفأة ,فداس برجله رجلاً نائماً فقام النائم وقال: احمار الذي وطأني ؟ قال : لا , انا عمر بن عبد العزيز ولست حماراً !

وسالم بن عبد الله بن عمر العالم الكبير زاحمه رجل في الطواف فنظر اليه الرجل ,فقال لسالم: انت رجل سوء , قال : ما عرفني الا انت ! ومن ضمن ذلك يقول ابوبكر الصديق حين اراد رجل سبه فقال له: والله لاسبنك سبا يدخل معك القب – أي مع ابي بكر رضي الله عنه- , قال ابوبكر : بل يدخل معك في قبرك ولا يدخل معي في قبري ! هذه اخلاق المؤمنين التى وصفها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز , وحري بنا ان نتخلق بها ما دام اننا نحمل هذا الكتاب الكريم , ونتبع هذا الرسول العظيم e .

13- اختيار المكان المناسب للحوار:

والاحسن ان يكون الاجتماع في حلقة ضيقة من اهل العلم والراي السديد والرشد, ولا يكون في مكان عام : ( قل انما اعظكم بواحدة ان توقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة ان هو الا نذير لكم من بين يدى عذاب شديد) ]سبإ:46[.

والمقصود ان يجلس الانسان منفرداً ويفكر, لانك اذا فكرت وحدك هدأ ذهنك , وعاد لك الراي , وفكرت في القضية ,ووضحت لك الصورة , او اثنين اثنين,(مثنى وفرادى) ]سبإ:46[, انت وزميلك على حدة, ولذلك يستجن ان يكون الحوار في مكان مهيّأ يجتمع فيه اهل الراي والعلم , واهل الرشد والبصيرة , ولايجتمع في الاماكن العامة ,فيدخل الكباروالصغار والحمقى ,فتحصل امور منكرة, ثم لايكون حوار بل شغب وفوضى ! فهذا ليس محموداً,فاذا كان في الحوار شغب فليجتنب المسجد؛لان المسجد للعبادة .

وقد حاور eبعض الناس في المسجد لكن حواراً هادئاً مراده الحخق, وكان الذين امامه من العقلاء , الذين لايصدر منهم السباب والشتائم في بيت من بيوت الله ز وجل , او يسيئون الى قداسة هذا المكان الطاهر .

قبل الختام :

اريد ان ابين مسالة , وهو ان المقصود من هذه الكلمات او من امثالها مما يلقيه اهل العلم , اننا انما نحمل الدعوة الاسلامية التى شرفنا الله بها ونريد ان ينتفع بها الناس ,فنحن لانحاور الناس في مسائل اقتصادية , او هندسية, او طبية, بل مقصودنا ان يدخل الناس جميعاً جنات النعيم,فما دام ان هذا هو الطريق ارفق من طريق العنف , وطريق الشطط والشدة ,فلماذا نسلكه ؟ يقول عليه الصلاة والسلام : "فوالذي نفسي بيده لان يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمر النعم ", فاذا كان هذا الطريق يوصلنا الى ان يهتدي الناس على ايدينا فلنلزمه , ان الطريق الحوار ولين الكلمة ينتج لك من القبول , وسماع الناس , واحترامهم ما لايدر بالبال ولا يخطر في الخيال, حتىوُجد اناسُ لايصلون , وكانوا يتعاطون المخدرات , ويعقون الوالدين , ويقطعون الرحم ,فلما هيأ الله لهم بعض الاشخاص الرحماء العقلاء والعلماء عادوا الى الهداية ؛ لان النفوس البشرية مفطورة على الحق , وعلى قبول الفضيلة ,وكراهية الرزيلة في الجملة , ورايت في حياتي من بعض الفضلاء الذين هدى الله على ايديهم اناساً كثيرين بسبب دينهم ورقتهم وحوارهم واقناعهم للناس , وهذا يسمى عند الغرب( غسيل الدماغ) ويوجد كتاب مؤلف بهذا العنوان : (كيف تغسل دماغ الاخرين )أي كيف تقنعهم ؟

فالمقصود ان توجه العقول الى الله بهذا الحوار , وليس من الترف الفكري ان نحاور اناساً على نظريات نسبية او في الاعجاز العلمي , او في الاكتشافات والاختراعات فقط , ولكن المقصود الاكبر ان نحاورهم ليهتدوا ويعودوا الى ربهم ,فهذا الحوار هو تحت مظلة : (قل يا اهل الكتاب.................زيانا مسلمون ) ]آل عمران:64[.

فالمقصود ان نحاور من خالفنا من اخواننا في خلاف التنوع , على ان نعود نحن وهم ونتفق في مسائل قد تكون راجحة معنا او معهم , واقول لاخواني : على من حاور في مسالة وراى فيها جدلاً ان يوقف هذا الجدل , وقد رايت فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيميين – رحمه الله- في مجالس انه كان يحاور , فاذا راى الرجل لايقبل الا رايه قال :انتهى الموضوع اصبح جدلاً, لان بعض الناس تاتي له بالادلة الصحيحة والبراهين الساطعة , ثم تجده يكابر , ويعاند ويصر على رايه ,فهذا لا تستمر معه في الحوار , ولكن لا نهجره ولا نعامله بقسوة.

وقد كان الائمة كالشافعي واحمد متصافين متآخين على انهم اختلفوا في كثير من المسائل وكذلك اختلف من هو خير منهم كاصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام .

واوصي احبتي عند الخلاف بهذا الحديث الذي كان يقوله e في صلاة الليل: اللهم ((رب جبريل وميكائيل واسرافيل ,فاطر السموات والارض , عالم الغيب والشهادة انت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون , اهدني لما اختلف فيه من الحق باذنك, انك تهدي من تشاء الى صرطٍ مستقيم )) .وعلى الانسان اذا اشتبه عليه امر من الامور ان يكثر من الاستغفار , ومن اكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً, ومن كل ضيٍ مخرجاً, ورزقه من حيث لايحتسب , وكان انس بن مالك اذا جادله احد يكثر من قول لا حول ولاقوة الا بالله , وكان بعض الائمة اذا حاور احد يقول : الله الله ربي لا اشرك به شيئاً, وبعضهم يقول: لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين , (فهدى الله الذين امنوا لما اختلفوا فيه من الحق باذنه والله يهدي من يشاء الى صراطٍ مستقيم) ]البقرة:213[.

نسال الله ان يرينا واياكم الحق حقاً ويرزقنا اتباه, وان يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه, انه على كل شيء قدير وبالاجابة جدير, والله المسؤول ان يتقبل مني ومنكم , وان يزيدني واياكم توفيقاً وهداية ورشداً, وصلى الله على نبينا المصطفى وآله وصحبه , ومن والاه .

newone_01
30-04-2007, 02:42 PM
آداب الحوار - الأستاذ خالد محمد الغماسي

--------------------------------------------------------------------------------

إن الأخذ بآداب الحوار يجعل للحوار قيمته العلمية ، وانعدامها يقلل من الفائدة المرجوة منه للمتحاورين . إن بعض الحوارات تنتهي قبل أن تبدأ ، وذلك لعدم التزام المتحاورين بآداب الحوار . والحوار الجيد لابد أن تكون له آداب عامة ، تكون مؤشرا لايجابية هذا الحوار أو سلبيته ، وإن لم تتوافر فيه فلا داعي للدخول فيه ، وهذه الآداب تكون ملازمة للحوار نفسه ، فانعدامها يجعل الحوار عديم الفائدة . وعند الحوار ينبغي أن تكون هناك آداب لضمان استمرارية الحوار كي لا ينحرف عن الهدف الذي من أجله كان الحوار ، وحتى بعد انتهاء الحوار لابد من توافر آداب من أجل ضمان تنفيذ النتائج التي كانت ثمرة الحوار ، فكم من حوار كان ناجحا ولكن لعدم الالتزام بالآداب التي تكون بعد الحوار كانت النتائج سلبية على المتحاورين .

لذا ستركز هذه المقالة على ثلاثة أقسام:
آداب عامة للحوار.
آداب خلال الحوار.
آداب بعد الحوار.

آداب عامة للحوار:
يحتاج الحوار الى آداب عامة ينبغي للمتحاورين أن يلتزمو بها ، لأن الحوار سينهار من قبل أن يبدأ في حالة عدم الأخذ بهذه الآداب العامة ، وهذه الآداب تجعل الحوار مثمرا بإذن الله عز وجل ، وتكون كالمؤشر لايجابية هذا الحوار أو سلبيته ، وهذه الآداب هي من الأخلاق والأسس التي ينبغي أن تتوافر في كل مسلم وليس فقط في المتحاورين . وهذه الآداب العامة للحوار.

1- اخلاص المحاور النية لله تعالى:
اخلاص النية لله عز وجل ، وابتغاء وجهه الكريم قبل الدخول في الحوار تجعل أطراف الحوار يحرصون على تحقيق أكبر فائدة منه .

2- توفر العلم في المحاور:
قبل أن يدخل المحاور في الحوار لا بد أن يكون لديه العلم بموضوع المحاورة، حتى في الحوار التعليمي، فأحد الطرفين لديه العلم الكافي لدخوله في المحاورة ، والطرف الآخر يعرف شيئا على الأقل عن موضوع المحاورة ، فهو لا يأتي للمحاورة وهو خالي الذهن منه. والمحاور لا يحاور في موضوع يجهله بل لابد من أن العلم إلا إذا كان سائلا يهدف الى معرفة الحقيقة والاستفادة منها.

3- صدق المحاور:
إن توافر هذا الأدب في المتحاورين له قيمته الكبيرة في نجاح المحاور فوجود ضد هذه الصفة وهي الكذب يفقد طرفي المحاورة أمانتهم ويتطرق الشك في صدقهم، ان اعتماد المحاور الصدق في كلامه يكسبه قوة في محاورته، فكلما تمسك بهذ الصفة كان لهذا الأثر البليغ في إقناع محاورية بصحة دعواه وسلامة قضيته. والمحاور الصادق يجعل لكل كلمة قيمة واضحة تؤثر فيمن يتحاور أو يستمع له فكل أقواله لها وزنها، وأما لو كان كاذبا في أقواله فإن أغلب كلامه وإن كان ظاهره الصحة فإنه لا يؤخذ به ولا تكون له قيمة عند محاوريه أو حتى المستمعين له؛ لأنه فقد المصداقية التي كان يتمتع بها.

4- الصبر والحلم:
إن البعض يضيق صدره بسرعة في المحاورة حتى وإن كان الطرف الآخر لا يخالفه في الرأي ، وهذا أمر خطير لأنه لا يتمكن من شرح أو توضيح وجهة نظره، فضلا على أنه لن يستطيع الدفاع عنها عند المخالفة ، ولذا يجب أن يتصف المحاور بالصبر والحلم قبل دخوله في المحاورة.

والصبر في الحوار أنواع منها:
- الصبر على الحوار ومواصلته.
- الصبر على الخصم سيئ الخلق.
- الصبر عند سخرية الخصم واستهزائه.
- الصبر على شهوة النفس في الانتصار على الخصم.
- الصبر على النفس وضبطها.

5- الرحمة:
إن من الصفات التي يتصف بها المحاور المسلم هي الرحمة ، وهي رقة القلب وعطفه، والرحمة في الحوار لها أهمية فالمحاور حين يتصف بها تجد فيه إشفاقا على من يتحاور معه وميلا إلى إقناعه بالحسنى فهو لا يعد على خصمه الأخطاء للتشفي منه.

والرحمة في الحوار تدل على صدق نوايا وسلامة الصدر والمحاور المسلم لا تكون رحمته لمن يحب فقط بل هي شاملة لكل من يراه، والمتحاورون لو نظر كل منهم الى من يحاوره نظرة رحمة ، تعاطف معة وسعى إلى إقناعة بكل الوسائل الممكنة.

وتقبل الناس للفكرة ليس بالسهولة المتوقعة ، لأن عقول الناس مختلفة في قدرتها على الفهم ، فقد يفهم أحد الناس أمرا ما في وقت أقصر من غيره، وبالرفق يمكن إقناع الآخرين.

والرفق بالمحاور يجعله متقبلا لما يطرح عليه من أفكار ، بل قد يرجع وبهوله عن رايه إذا بين الخطا الذي وقع فيه. ولو عومل بشدة لما استجاب ، بل سيكابر ويعاند ويصر على الخأ والباطل الذي كان عليه، وسيلتمس لنفسه المبرات والأعذار في إصراره على ما هو عليه من الخطأ.

6- الاحترام:
إن إختلاف وجهات النظر مهما بلغت بين المتحاورين فإن ذلك لا يمنعهم من الاحترام والتقدير ، إن الاحترام المتبادل يجعل الأطراف المتحاورة تتقبل الحق وتأخذ به ، وكل إنسان يحب أن يعامل باحترام فعلى المحاور أن يحب لأخيه ما يحبه لنفسه ، وحتى لو كان هناك رد في الحوار فالواجب بقاء الاحترام، فالمحاور لم يدخل الحوار الا وهو يرغب في الاستفادة ، فإن لم يستفد فعليه أن لا يفقد الاحترام والتقدير لمن يتحاور معه.

7- التواضع:
الانصاف والعدل لهما معنى واحد في هذا الأدب ، وأكثر المحاورات تفقد قيمتها عند إنعدام هذا الأدب ، فبعض المتحاورين يغفلون عن هذا الأمر ؛ بما يجعلهم لا يصلون الى ما يرجون من نتائج.

آداب خلال الحوار:
يبدأ الحوار في العادة دون مقدمات ، فتوافر آداب الحوار العامة في المتحاورين قد لا يضمن لهم نجاح الحوار ، فالحوار عندما يبدأ قد ينتهي إذا لم تكن هناك آداب يلتزم بها المتحاورون عند حواراتهم، ومن هذه الآداب:

1- الاتفاق على أصول ثابته يمكن الرجوع إليها:
قبل بداية الحوار على المتحاورين أن يتفقوا على أصل بينهم يمكن الرجوع إليه عند الاختلاف ، وهذا الأمر راجع إلى طبيعة الموضوع المراد التحاور فيه ، وهذا الأصل إما أن يكون من المنقول أو المعقول ، أو قد يلزمهما إختيار شخص؛ ليحكم بينهما ويفصل في النزاع الذي قد يحدث.

2- ضبط النفس:
خلال المحاورة ولطبيعة الموضوع المتحاور فيه ، قد يحدث أن يضعف طرف رأي الطرف الآخر ، ويقوم بتخطئته ، ويرد الأدلة التي بنى عليها هذا الرأي ؛ مما يثير غضب الطرف الآخر، وهذا يجعله يسارع في الرد ولو عن طريق الكذب ورفع الصوت والسب ، وهذا الأمر ينبغي التغلب عليبه بالالتزام بضبط النفس.

3- البدء بنقاط الاتفاق وتأجيل نقاط الاختلاف مع تحديدها:
عند تحديد المتحاورين لنقاط الإلتقاء فإنهم بذلك قد وضعوا قاعدة مشتركة فيما بينهم تدفع الحوار للأمام ، والبدء بالنقاط المتفق عليها يوثق الصلة بين المتحاورين ، ويجعلهما يتقبلان ما يطرح في الحوار بنفس طيبة، وبالتالي يقلل ذلك من نقاط الاختلاف فيما بينهم.

4- تحديد المصطلحات بدقة:
إن الحوار قد يحدث حول قضايا فيها بعض المصطلحات التي تحتاج الى تحديد وتوضيح، خاصة إذا كان استعمال المصطلح يدل على عدد من المعاني، ونحن في عصر قد تداخلت فيه الثقافات، ويحاول فيه بعض الناس فرض ثقافتهم من خلال وضع تعاريف لمصطلحات توافق ثقافتهم ، وقبل الدخول في الحوار ينبغي للمتحاورين تحديد معاني بعض المصطلحات التي قد ترد في موضوع المحاورة أو التي قد يستخدمونها أثناء الحوار، فقد يتحدث أحد المتحاورين عن أمر له اصطلاح معين عنده لا يتفق مع فهم الآخر مما قد يحدث خلافا بين المتحاورين.

5- الأمانة العلمية في توثيق المعلومات:
خلال المحاورة يسعى طرفا الحوار لتأييد رأيه بالأدلة والأقوال، وهنا تظهر الأمانة العلمية لكل طرف ، فكل دليل يذكر في المحاورة يجب توثيقه وكل قول لا بد أن ينسب لصاحبه.

6- الالتزام بالأدلة :
من حق كل متحاور أن يطلب من الطرف الآخر الدليل الذي يؤيد رأيه .

7- التدرج في الحوار :
المحاور الذي يعرف ما يريد تجده في محاورته يتدرج في نقاط ، وحتى يصل إلى حقيقة يسعى إليها ، وتكون مقنعة ومفحمة لمن يحاوره ، حتى ولو لم يستفد منها محاوره فقد يستفيد منها المستمعون لهذا الحوار ، والتدرج في الحوار له أثر كبير في نفس المتحاورين ، فالبعض قد تتشرب نفسه بفكرة معينه فيرى أنها الحق وأن ما سواها باطل لا ينبغي الأخذ به ، فعند التدرج في الحوار يمكن إقناعه .

8- التزام القول الحسن :
إن المحاور المنصف هو الذي يلتزم بالقول الحسن خلال محاوراته ، كما عليه أن يبتعد عن أسلوب الطعن والتجريح والهزء والسخرية ، وألوان الاحتقار والإثارة والاستفزاز .

9- حسن الاستماع وتجنب المقاطعة :
يعد هذا الأدب من أكثر آداب الحوار أهمية ، لأنه يلحظ أن بعض الحوارات في هذه الأيام تخلو من هذا الأدب ، ويحق للمحاور أن ينهي الحوار إن لم يستمع له الطرف الآخر ، ولم يعطه حقه في الكلام ، لأن الطرف الآخر قد حرمه من حق له ، والمقاطعة هي أسلوب الضعفاء حين يعجزون عن الرد ؛ فيرغبون في الشعب على غيرهم .

ولحسن الاستماع فوائد منها :
- حسن الفهم بين الطرفين .
- عدم الاعادة والتكرار .
- يمكن المستمعين من فهم أراء المتحاورين ، وفهم وجهة نظرهم ، والاستفادة من طرحهم .

وقد يحتج البعض عند مقاطعة الطرف الآخر بأنه يفعل ذلك خوفا من نسيانه لفكرة في الموضوع وهذا خطأ ؛ لأن الواجب عليه تدوين أي ملاحظة أو فكرة في ورقة أمامه كي يتذكرها بعد انتهاء الطرف الآخر من الحديث .
وللمقاطعة سلبيات منها :

- تضجر الطرف الآخر من ذلك مما يدفعه للمعاملة بالمثل .
- إضاعة الوقت .
- ضياع الحق في المحاورة .
- عدم تفهم أحدهما لوجهة نظر الآخر.

10- التركيز على الرأي لا على صاحبه :
في الحوار تكون هناك قضية معينة يحاول طرفا الحوار إثبات صحتها ، أو أن أحد الطرفين يحاول تعريف الآخر بمعلومة معينة ، فالواجب في هذه الحالة التركيز على القضية المطروحة ومناقشة الرأي بالأدلة العلمية ، واستخدام أسلوب رد الرأي مهما كان صوابا أسلوب يلجأ إليه الضعفاء ، فتراه يغفل القضية المطروحة ويحرج الطرف الآخر باسلوب يتسم بالجهل ففي الحوار لا ينظر إلى من قال القول بل الأهم صحة هذا القول.

11- عدم السخرية من الخصم :
يلجأ بعض المتحاورين إلى السخرية من الطرف الآخر ؛ بغية إحراجه ، وبيان ضعفة ، إن السخرية بالطرف الاخر ستجعله يخرج من طوره ؛ وبالتالي سيحاول هو السخرية مما يجعل الحوار يتحول إلى مهزلة ، والسخرية لا تكون بالقول فقط بل قد تدخل فيها الإشارة كالنظرة المصحوبة بالإحتقار ، بما يلابسها من وضوح هذا الإحتقار في ملامح الوجه .

12- الإلتزام بوقت محدد:
يدخل بعض المتحاورين في المحاورة وهو يرغب في أن يستأثر بالكلام وحده ، وهذا خطأ لأن في ذلك تضييعا للوقت ، وظلما للطرف الآخر .
وأسباب الإطالة تتلخص فيما يأتي :

- الإعجاب بالنفس .
- الرغبة في الشهرة والثناء .
- أن يظن أن ما يتحدث به للناس يعد جديدا عليهم .
- عدم الإهتمام بالآخرين .

لذا لا بد أن يعطي كل طرف من أطراف الحوار الآخر بفرصة للتعبير عن رأيه وتوضيحه وبيان الأدلة عليه ، على شرط أن تكون فترة كل منهما إن لم تكن متساوية ، فعلى الأقل متقاربة فلا يطيل أحدهما ، وهذا يظهر في بعض الحوارات خصوصا التي تنعدم فيها آداب الحوار فكل طرف يرغب في أن يتكلم وحده ، ولا يعطي الآخرين الفرصة في النقاش وإبداء الرأي .

13- الرد على كل شبهة بما يناسبها :
خلال الحوار قد تظهر بعض الشبه عند الطرف الآخر ، وينبغي الرد على الشبهة بما يناسب ، وتفنيدها وبيان عدم صحتها ، لأنه في الحوار يكثر إيراد الشبه التي ربما كانت عائقا أمام اقناع الخصم وإذعانه ، وغالبا ما يطرح الخصم المعاند مثل هذه الشبه للإعراض عن الحق أو للتلبيس على محاوره ، أو لتضييع الوقت والهروب من الحوار والمناقشة .

14- ضرب الأمثلة :
في الحوار يفضل للمحاور أن يؤيد كلامه بمثال ؛ ليقرب الفكرة التي يدعو إليها لكي يفهم الآخرين . فالمحاور الذكي هو الذي يحسن ضرب الأمثلة، ويتخذها إما وسيلة لتقريب وجهة نظره من السامع وشرحها ، وإما لاقناعه بفكرته ، والأمثلة الجيدة تفيد مع العالم كما تفيد مع دونه ، وتؤثر على الكبير كما تؤثر على الصغير .

15- ذكر المبررات عند الإعتراض على أقوال المتحاور :
عند إعتراض أحد المتحاورين على الآخرين ، الواجب أن يبين للآخر المبرر لهذا الإعتراض والأسباب التي دعته إلى تقديم اعتراضه ، والمتحاور العاقل لا بد أن يحترم الآراء ، ويقدر الإفهام ، ويراي الحقائق ، فإذا أنكر بأدب ، وإذا اعترض فبسبب ، وإذا استدرك على خصمه فبلباقة وحسن أداء ، فإن ذلك مما يساعد النفوس على التنازل عن أرائها القديمة.

16- إشعار المحاور بالمحبة رغم الخلاف :
إن اختلاف وجهات النظر لا ينبغي أن تقطع حبل المودة ، ومهما طالت المناظرة أو تعدد الحوار أو تكررت المناقشة ، فلا يليق أن تؤثر على القلوب ، أو تكدر الخواطر ، أو تثير الضغائن .

17- إنهاء الحوار بأدب ولباقة :
كما أن للحوار بداية فلا بد أن تكون له نهاية ، وعادة ما ينتهي الحوار إما باقتناع الطرف الآخر أو عدم تقبله ، ولكنه على الأقل استمع لوجهة نظر الآخر . ولكن هناك حالات ينبغي إنهاء حوار المتحاورين فيها ومن ذلك:

- إقفال الطرف الآخر عقله أو اصراره على رأيه ، وعدم تقبله الاستماع لرأي غيره .
- تحول المحاورة إلى إستهزاء وسخرية .
- تحول الحوار إلى كذب وافتراء .
- وجود اختلاف على أمور أساسية لا يسمح الوقت بالتحاور فيها .
- عدم وجود الجدية لدى الطرف الآخر أو لعدم قدرته على المحاورة .
- غضب أحد المتحاورين .
وعند إنهاء الحوار لا بد أن يكون ذلك بطريقة مهذبة لا تدل على العجز والهزيمة بل على الثقة .

آداب بعد الحوار:
بعد الإنتهاء من الحوار فهناك آداب ينبغي الأخذ بها لضمان الاستفادة من الحوار الذي حصل ، وهذه الآداب إن لم يؤخذ بها فإن الحوار قد انتهى بغير فائدة ، ومن هذه الآداب :

1- الرجوع إلى الحق والإعتراف بالخطأ:
خلال الحوار أو في نهايته قد تتضح لأطراف الحوار بعض الحقائق والأمور الواضحة التي يتحتم على الطرف المخالف الرجوع إلى الحق عندها . وقبول الحق أو الرجوع اليه ليس بالأمر السهل وفيه من الصعوبة على النفس خصوصا إن لم يعود الانسان نفسه على ذلك .

2- احترام الرأي المخالف :
يرى بعض الناس أن رأيه صواب لا يحتمل الخطأ وأن غيره لا يمكن أن يكون على صواب وهذا الأمر غير صحيح ، وذلك أن رأي إنسان قد يتطرق إليه الخطأ ، الا من عصمه الله عز وجل .

3- اجتناب الاعجاب بالنفس :
بعد انتهاء المحاورة وخروج أحد الطرفين منتصرا فيها بقوة حجته وقدرته على اقناع خصمه فإن الشعور بالسعادة لهذه النتيجة أمر طبيعي ، غير أن هذا الشعور قد يتحول إلى الاعجاب بالنفس .

4- تجنب الحسد :
بعد انتهاء المحاورة قد يتأثر أحد أطراف الحوار بالطرف الآخر إما لقوة حجته أو لحسن عرضه أو لبلاغته أو لسعة علمه أو لغير ذلك من الأمور ، وهذا التأثر له احدى حالتين :
- الحسد ( وهو أن تكره تلك النعمة وتحب زوالها )
- الغبطة ( وهي أن لا تحب زوالها ولا تكره وجودها ودوامها ولكن تشتهي لنفسك مثلها ) وقد يطلق عليها المنافسة .
وفي الحوار قد يحدث نوع من التنافس ويرغب كل منهما في اظهار رأيه وبيان صحته وهذا غير الحسد .

5- عدم الغل والحقد :
ينتهي الحوار أحيانا بظهور أحد طرفي الحوار على الآخر وهذا الأمر طبيعي يعود إما إلى قوة حجته أو سلامة أسلوبه أو غير ذلك ، والمتوقع استفادة الطرف الثاني من هذا غير أن بعضهم قد ينتهي به الأمر إلى الحقد و الغل .
وقد يبدأ الحقد خلال الحوار ، فتجد المحاور لا يأخذ بكلام الطرف الآخر ويزداد الأمر سوءا إذا ظهر الطرف الآخر عليه فإنه بذلك يتربى الحقد في نفسه . والغل والحقد بعد انتهاء الحوار يهلك صاحبه فهو يغلي في داخل نفسه رغبه منه في الانتقام ، وهذا أمر يؤدي به إلى خطر عظيم فهو بهذا الأسلوب سيهلك نفسه ، وعلى المسلم توطين نفسه بتقبل الأمور فإن انتهى الحوار بعدم ظهوره فعليه تقبل الأمر ، والاستفادة من نتائج الحوار .

6- الابتعاد عن الغيبة :
بعد انتهاء المحاورة ولم يقتنع أحد طرفي الحوار بوجهة نظر الآخر ، فإنك قد تجد أحدهما في هذه الحالة يلجأ إلى غيبة أخيه ويتكلم فيه في المجالس وهذا من الأمور المحرمة .

وتحدث الغيبة نتيجة الغل والحقد الذي يكون داخل النفس فتجد المتحاور وقد أقنعه الطرف الآخر خلال الحوار ، يلجأ إلى الغيبة والاساءة إليه ما استطاع إلى ذلك سبيلا .
وقد يذكر أحد طرفي الحوار الطرف الآخر بكلام فيه نقص من ناحية البدن أو النسب أو الخلق أو اللبس أو المشي أو الكلام أو غير ذلك من الأمور التي تعد من المساوئ وفعله هذا يعود إلى رغبته في إشفاء الغيظ ، ورفع النفس بما ليس فيها .

المرجع :
الحوار . آدابة وتطبيقاته في التربية الإسلامية .
خالد محمد الغماسي .
مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني .

المصدر: http://www.edarat.net/modules/news/a...hp?storyid=573

newone_01
30-04-2007, 02:43 PM
الحوار فريضة إسلامية

د. سلمان بن فهد العودة


مما أعرف أن الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله- كان يعقد جلسة فقهية دورية لطلابه يجعل لبعضهم رأياً وللآخرين رأياً مختلفاً، ويجعلهم يتحاورون فيما بينهم؛ ليدربهم على أصول الحوار، وفتح باب الجدل العلمي الموضوعي، واحترام الرأي الآخر؛ حتى أصدر ثمرة لذلك كتابه: المناظرات الفقهية.

وإننا اليوم في حاجة ماسة للتدرب على الحوار وآدابه، الذي يعبر عن قيمة التواصل مع النفس أولاً، والآخرين ثانياً، فالتواصل بين الإنسان وذاته يمر عبر نقدها وتقويمها ونهيها عن الهوى، يقول الله تعالى: "فأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى"، ويقول: "ولا أقسم بالنفس اللوامة"، فالذي يأمر نفسه وينهاها ويعلمها ويطورها ويلومها هو المؤمن الرشيد، ولذلك كان عبد الله بن رواحة يخاطب نفسه في ميدان المعركة ويشجعها قائلا:


يا نفس إلا تقتلي تموتي *** هذا حمام الموت قد صليتي
وما تمنيتي فقد أعطيتي *** إن تفعلي فعلهما هديتي
وإن تأخرتي فـقـد شـقـيتي

فأرقى دوائر الحوار وأعظمها هو الحوار مع النفس، وأرى أن جملة كبيرة من الناس يفتقدون هذا اللون من الحوار، بل لا يدركون أنه جزء من الحوار.

لا بد أن يتعود الناس ويتدربوا على الكلام، فلا فائدة من أن نجلس صامتين كالقبور، أو نائمين كالموتى، ينبغي أن تكون هناك لغة حوار راقية تدار بين الصغار والكبار، بين الزوجين وأفراد الأسرة، بين أطياف المجتمع، بين تياراته، حتى ولو كانت في قضايا صغيرة أو ثانوية.

وكل مجتمع حديث يحتاج إلى حوار اجتماعي جاد يعالج مشكلاته ويبحثها، ويديرها على طاولة التشاور والحوار، ويحتاج إلى حوار فكري علمي يبحث في الموضوع ويتجاوز الأشخاص والأفراد، وإلى حوار سياسي هادئ، فمن خلال الحوار نستطيع مقاربة الرأي الأفضل، فالحوار هو لغة العالم اليوم، لغة الإعلام العالمي والسياسة العالمية، فتجد حوار الثقافات وحوار الحضارات، وحوار المذاهب، ولهذا تعقد مؤتمرات، ويحضر الناس فيها للتحاور في قضايا يتفقون في بعضها، ويختلفون في بعضها الآخر؛ لإيجاد جزء مشترك يتعاونون على العمل من أجله وإقامته.

وواقعنا المعاصر يشتكي من جملة من المشكلات الحوارية: هناك مشكلة في الاستماع فنحن العرب نميل إلى الحديث أكثر من الاستماع، فأحدنا يتحدث والآخر لا يسمع لهذا المتحدث بل ينتظر دوره في الحديث!، وهناك مشكلة في الفهم وشاعرنا العربي يقول:


أقول له: عمرا فيسمعه سعدا *** ويكتبه حمدا وينطقه زيدا!

وهناك مشكلة في النقل والتثبت، وربنا سبحانه يقول: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا"، وفي قراءة "فتثبتوا"، وفي صحيح مسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع).

وهناك مشكلة أخلاقية وأزمة عامة تتعلق بتعمد التشويه والإيذاء والتزوير والكذب، وإن الذين يديرون الحوارات سواء كانوا من الأطراف الإسلامية أو غيرها يعانون مشكلة كبيرة في إدارة الحوار، سواء في الجوانب الإجرائية، أو الموضوعية، وإذا كانت قضية الإسلام عادلة - وهذا ما يؤمن به المسلمون جميعاً - فمن حق هذه القضية العادلة أن يكون لها محامٍ ناضج وناجح، ومتحدث رشيد، ومن هنا أؤكد على أهمية الحوار وضبطه، وإعداد المحاورين وتدريبهم بشكل علمي وأخلاقي ومعرفي لائق.

إن الحوار -بداهة- دليل على وجود التنوع والاعتراف به وبحقه، فالحوار يعني أننا نختلف، والإيمان بوجود التنوع والاختلاف لا يعني أبداً الإيمان بكل ما يقوله هذا المختلف، فالحوار حول الخطأ لا يعني الاعتراف بهذا الخطأ كقيمة، بل الاعتراف بوجوده وأهمية البحث حوله، وكثيرون لا يفهمون من حوار الأديان -مثلاً- إلا أنه نوع من التقريب العقدي بينها، بمعنى أن يتخلى هذا عن بعض عقيدته والآخر كذلك؛ ليلتقيان في نصف الطريق بنصف عقيدة!، بينما الحوار هو البحث في تعزيز القضايا المشتركة ودعمها، كالحملة على الفساد والدفاع عن الحقوق الإنسانية، ولا شك أن الدين الإسلامي يرحب بمثل هذه العلاقات واللقاءات التي تدفع بالحق الإسلامي والوجود المسلم إلى حياة أفضل، ورسولنا صلى الله عليه وسلم تحدث عن حلف الفضول الذي يعني نوعاً من التعاون المشترك وقال: (لو دعيت له في الإسلام لأجبت).

وهذا الحوار العالمي يعني إدراك للغة العالمية التي يتحدث بها للتواصل معها، وبث أدبيات الإسلام وأخلاقياته ومبادئه من خلالها.
وإن بعض الذين يشغبون على قيمة الحوار يعارضون بما ورد عن بعض السلف أنهم كانوا ينهون عن مجادلة أهل الباطل، فأقول بأن هذا المذهب الذي كان عليه بعض السلف هو صالح في وقته، فهم يرون عدم الحاجة لذلك بسبب غلبة الحق وظهوره، وأن هناك بعض الآراء المهجورة التي لو حاورناها وجادلناها لأسهم ذلك في تقويتها وإشهارها، والمهم أن الأصل في ذلك ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية من أهمية الحوار وفريضته، يقول الله تعالى عن أهل الكتاب: "وجادلهم بالتي هي أحسن".

newone_01
30-04-2007, 02:45 PM
فصل في آداب الجدل والمناظرة

--------------------------------------------------------------------------------

كنت قد وعدت في مداخلة لي بأن أنشر طرفا من آداب الجدل والمناظرة كما سطرها جملة من العلماء, فلنشرع في بيان بنودها ثم نشفعه إن سنح الوقت بما يناسبه من تحليل وبيان.

وهذه البنود هي:

[1] على المناظر إخلاص النية وذلك ألا يقصد بنظره المباهاة وطلب الجاه, والتكسب والمماراة, والمحك, والرياء, ولا قصده الظفر بالخصم والسرور بالغلبة والقهر.

[2] وعليه أن يحذر رفع الصوت جهرا زائدا على مقدار الحاجة, فإن ذلك من شأنه أن يورث الحدة والضجر. والضجر يورث البلادة ويقطع مادة الفهم والخاطر.

[3] ويلزم الخشوع والتواضع, ويقصد الإنقياد للحق فيكون من جملة الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

[4] وألا يعود نفسه الإسهاب في الجدل بالباطل والمبادرة إلى كل ما سبق إليه الخاطر واللسان.

[5] و لا يسرع في مكالمة من يستشعر في نفسه منه العداوة والبغض لأنه يقوده إلى الغضب فيورثه ذلك تشوش الخاطر والعي.

[6] وعليه أن يحذر الاعتماد -أثناء كلامه- على من يظن أنه معه أو يستحسن كلامه في جملة الحاضرين فربما تبين له عدم موافقته لكلامه فيضعف ذهنه وخاطره ويذهب عنه كثير مما لا يستغني عنه.

[7] وعليه ألا يلتفت للحاضرين خالفوه أو وافقوه.

[8] وعليه تجنب الكلام في مجلس يخشى فيه على نفسه أو تغلب فيه عليه هيبة ذي سلطان, فإنه يكون منشغلا حينئذ بحراسة الروح عن نصرة المذهب.

[9] وتجنب مجلس لا يسوي بين الخصوم في الإقبال والاستماع وإنزال كل منزلته ورتبته فإن الكلام هناك يعد ذلا وصغارا يورثان الغم والغضب لكل ذي نفس أبية.

[10] وتجنب المجلس الذي غرض أصحابه من انعقاده التلهي لا تمييز الحق عن الباطل, وأقل ما فيه مجالسة من لا يحسن بأهل العلم مجالسته.

[11] وإياك واستصغار من تناظره والاستهزاء به-كائنا من كان- لأن خصمك إن كان المفترض عليك مناظرته فهو نظيرك, ولا يجمل بك إلا مناظرة النظير للنظير. لأنه إن يك من تكلمه غير أهل لأن تناظره, كان الواجب ألا تفاتحه بالكلام, فإذا فاتحته ثم استصغرته واستخففت به لم يجتمع ذهنك ولا صفاء قريحتك ولا اشتد خاطرك.

[12] وعليك المحافظة على قدرك وقدر خصمك وإنزال كل أحد -في وجه كلامك معه- درجته ومنزلته, فتميز بين النظير وبين المسترشد, وبين الأستاذ ومن يصلح لك. ولا تناظر النظير مناظرة المبتدئ والمسترشد, ولا تناظر أستاذينك مناظرة الأكفاء والنظراء بل تناظر كلا على حقه, وتحفظ كلا على رتبته.

[13] وكن مع خصمك مستبشرا متبسما غير عبوس, فتبتعدان معا عن دواعي الغضب والضجر.

[14] وعليك ألا تفاتح بالمناظرة من تعلمه متعنتا, لأن كلام المتعنت ومن لا يقصد تعرف الحق والحقيقة بما تقوله- يورث المباهاة والضجر وحزن القلب وتعدي الأحد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فإن لم تعلمه متعنتا حتى فاتحته بالكلام, وجب عليك حينها الإمساك عن مناظرته.

[15] وإن كان خصمك منتهيا عالما يقصد المناظرة واستبانة ما التبس, فلا تتعمق في العبارة, فإنك تطول عليه وعلى نفسك الأمر, بل اقصد بأسهل العبارات إلى مربط الفرس.

[16] وعلى المتناظرين جميعا أن يصبر كل واحد منهما لصاحبه في نوبته وإن كان ما يسمعه منه قد بلغ الغاية في التشويش, لأنهما متساويان في
حق المناوبة في الكلام. فمن لم يصبر منهما لصاحبه فقد قطع عليه حقه, ولأن ما يظنه السامع تشويشا ربما كان هو موضع الاتباس والشبهة عنده, فلا بد من الصبر على سماعه ليصير عنده معلوم الأول والآخر, ثم يتكلم فيه بعد ذلك على حقه. فإذا لم يصبر له خصمه بل داخله بالاعتراض أو الجواب في نوبته, احتمله ووعظه, فإن أصر عليه, قطع مكالمته. لأنه لا سبيل إلى كشف الحق مع التقطيع بل مع حسن الاستماع.

[17] وعلى كل واحد منهما أن يقبل بوجهه على خصمه الذي يناظره : المتكلم أثناء كلامه, والمستمع أثناء استماعه.

[18] وعليه ألا يناظر الأستاذَ إلا على على جهة الاسترشاد مع غاية الاحترام والتواضع وخفض الصوت وقطع اللجاج عند ظهور الرشد.

[19] وعليه مراعاة كلام الخصم, وتفهم معانيه على غاية الجد والاستقصاء.

[20] والحذر من إلزام الخصم بما لا يتحقق لزومه له.

[21] وعليه ألا يقصر في تنبيه الخصم وإعلامه بما يرى من مناقضاته في كلامه, وهكذا إذا رجع فيما سلم, نبههه عليه, لآنه إن لم يفعل ترك معظم المقصود من الجدل. وهو نصرة الحق.

[22] ولا تواخذ الخصم بما تعلم أنه لا يقصده من أنواع الزلل, بل تعلم أنه لسبق اللسان ولما لا يخلو المتكلم منه. فإن أشكل عليك قصده في ذلك نبهته, فإن قال: هو سبق اللسان ولم أقصده, تجاوزت ذلك, وإن علمته مقصودا منه واخذته به.

[23] و لا تورد في كل موضع من الكلام إلا قدر ما تحتاج إليه.

[24] ولا تقدم جواب ما لم يرد عليك سؤاله.

و ليس للمجيب مع السائل إذا ألزمه منوالا إلا أحد ثلاث:

- إما الانقياد أو الإسقاط أو الإعراض:

[أ] فأما الانقياد: فكل موضع ورد عليه ما يؤثر في كلامه ودليله فعليه الانقياد لا محالة, لأنه قد انكشف بسؤاله خطؤه فيما قال.

[ب] وأما الإسقاط: فهو أن تبين خطأه في سؤاله وتلبيسه والتباسه فالوجه فيه على كل حال إسقاط ذلك السؤال.

[ج] وأما الإعراض عن مكالمته: فهو إذا عدل السائل عما يورد في كلام المجيب أو ما يشتبه ويلتبس, فلا وجه إلا الإعراض عن مكالمته لأنه إنما يجوز للسائل أن يورد من الكلام ما يقدح في كلام المجيب أو ما يتوهم كونه قادحا, فيكون شبهة. ولا ثالث لهذين إلا المعارضة أو الاستعجال بما يعلم السائل من نفسه بطلانه, وأي ذلك كان فلا وجه لمكالمته.

[25] وأحسن شيء في الجدال المحافظة من كل واحد من المتجادلين على أدب الجدل.

ومما يعود بنفع على صنعة الجدل:

* محافظة كل من المتجادلين على مرتبته ويعلم أن مرتبة المجيب التأسيس و البناء فلا يتعدى عن هذه المرتبة إلى غيرها, ومرتبة السائل الدفع والهدم.

*1- فحق المجيب أن يبني مذهبه الذي سئل عنه على أساس قويم وأصول صحيحة من الأدلة وغيرها.

*2- وحق السائل أن يكشف عن عجز المسؤول عن بناء مذهبه على أصل صحيح. أو بيان عجزه عن الخروج مما ألزمه مما له من القول الفاسد, ومتى تم للسائل هذا فقد استعلى, ويكفيه عن الاشتغال بأمر زائد.

*3- وإن تم للمجيب -بما أقام من البرهان على ما دعاه- تعجيز السائل عن القدح فيما أقام بنقض أو معارضة, أو اشتراك فيماأقام, فقد استعلى المجيب وانقطع السائل.

*4- وعلى المجيب أن يتأمل ما يورده السائل على كلامه, حتى إن كان فيه شبهة توهم القدح فيما بناه, وجب عليه الكشف بالجواب, ليزول الإيهام. وإن كانت الشبهة مما لا يوهم ولا يبين منها هدم ما بناه لم يلزم المجيب الكلام عليه في حق الجدل, فإن فعل وكشف عنه كان متبرعا.

*5- وعلى السائل أن يتأمل انفصال المجيب عما ألزمه إياه, فإن كان فيه ما يوهم تحقيق ما بناه أولا, كلمه السائل, وإن لم يكن فيه تحقيق ما بناه, لم يلزم السائل الكلام عليه, بل له أن يسكت عنه, فإن اختار الكشف عن تمويهه, كان متبرعا.

[26] وعليهما أن ينصفا في حكاية كل واحد منهما كلام صاحبه من غير زيادة ولا نقصان إلا فيما يرجع إلى حذف حشو الكلام وزيادة في الكلام لا يعود بتحصيل في معنى ولا فائدة.

[27] و لايستحقر أحدهما صاحبه بما يقع له من الخطأ في مذهب أو دلالة أو غير ذلك, فإنه إذا اغتر بخطئه ربما أصاب الخصم فيما لاخروج لمناظره عنه, واستحقار الخصم كاستحقار يسير من النار فإنه ينتشر من يسيرها ما يحترق به كثير من الدنيا.

[28] والمحافظة على تقوى الله أثناء المناظرة مما يغني المناظر عن كثير من النصيحة ويبلغه إلى أسهل الطرق في الهداية إلى الحق.

وقد تفع في المناظرة حيل من أحد المتناظرين فيجب التحرز منها, وهذا ما سنتحدث عنه في الحلقة القادمة بحول الله. وسنتكلم بعد ذلك على أقسام السؤال وما يصح من ذلك وكيف ترتيبها.

--------------------------------------------------------------------------------
آخر تحرير بواسطة سمير القدوري : 17/11/06 الساعة 10:53.


سمير القدوري
عرض الملف الشخصي العام
إرسال رسالة خاصة إلى سمير القدوري
البحث عن كل المشاركات بواسطة سمير القدوري

#2 25/11/06, 19:04
سمير القدوري تاريخ الانضمام: 12/10/06
بلد الإقامة: المغرب
المشاركات: 53

أقسام السؤال

--------------------------------------------------------------------------------

لا يتوصل استدلالا لمعرفة حقيقة إلا بالبحث, وهو قد يكون عن فكر فرد وقد يكون عن تذاكر من اثنين, فإما من معلم إلى متعلم وإما من متناظرين مختلفين باحثين وهذا الوجه من أحسن ما يتوصل به إلى بيان الحقائق لكثرة التقصي فيه.

- لا بد في أول السؤال عن أي شيء- مما يراد إدراكه بالدلائل- من سؤالات أربعة ولكل واحد منها نوع من الجواب.

[1] فأولها السؤال بهــــل, فتقول مثلا: هل هذا الشيء موجود أم لا؟, وهل أمر كذا حق أم لا؟

فلا بد للمجيب(المسؤول) حينئذ من جواب بلا أو نعم.

-- فإن قال لا أو قال لا أدري سقط السؤال عنه على كل حال.
وعلى من أراد إلزامه الإقرار بأمر ما أن يبينه له ويثبته لديه, إذ الواجب ألا يصدق أحد بشيء لم يقم عليه دليل وأن يصدق به إذا قام عليه الدليل.
ويسمى متبرعا كل من أبطل بالبراهين ما أثبته مثبت بلا برهان. إذ المثبت للشيء بلا برهان يكون مدعيا والدعوى ساقطة حتى يصحبها البرهان فيكون مبطلها بالبراهين متبرعا إذ لا يلزمه ذلك.

-- وإن أجاب المسؤول بنعم -واعتبر السؤال مما يصح سؤاله- نسأله حينئذ بالمرتبة الثانية:

[2] وهي السؤال: بـــما هــو؟ أي حدد لنا ما ذلك الشيء وبين لنا رسمه أو ما يمكن أن تخبرنا عنه من صفات ذاته الملازمة له.
فإذا أخبرنا عنه, نسأله بالمرتبة الثالثة:

[3] وهي السؤال بـ: كـــيـــف؟ أي هذا الذي حققت وجوده كيف حاله أو هيئته.
فإذا أخبر بما نريد منه سألناه بالمرتبة الرابعة:

[4] وهي: لِمَ؟ فيقال له: لم كان ما أثبتت كما وصفت؟ وما برهانك على صحة ما ادعيت مما ذكرت؟

ولا سؤال عليه بعد جوابه عن المرتبة الرابعة إلا أن يدعى عليه التناقض أو النقض ففي هذه المرتبة يقع الاعتراض وطلب الدلائل وإبطالها.

واعلم أن المسؤول بما؟ وبكيف؟ وبلم؟ مخير في الجواب, يجيب بما أمكنه مما لا يخرج به عن مقتضى السؤال الذي ألقاه عليه السائل, ولكن الازم في السؤال بما؟ أن يخبر سائله بحد(تعريف) الشيء المسؤول عنه أو رسمه, وإذا سئل بكيف هو؟ أن يجيب بأحوال الشيء العامة له ولغيره أو الخاصة له الشائعة في نوعه أو ما يخصه به من غيره هذا إذا كان الشيء المسؤول عنه شخصا.
وإن سئل بلم؟ أن يجيب بالعلة الموجبة لكون ما أخبر بكونه, ويرسم العلة بما لايشاركها فيه غيرها, وينبغي أن تكون العلة لازمة لما استدل عليه بها.

فكيف ترتب الأسئلة في المناظرة إذا؟ هذا ما سنبينه في حلقة قادمة بحول الله.


الأسئلة والجوابات أثناء المناظرة

--------------------------------------------------------------------------------

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد.

أما بعد: تقدم معنا أن السؤال الجدلي على أربعة أضرب وهو كذلك في المناظرة ويقابل كل ضرب منه جواب مخصوص.

[1] يبدأ السائل مناظرته بعد ذكر الله تعالى والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم, بالسؤال عن المذهب فيقول لمناظره: ما تقول في المسئلة الفلانية؟ يريد بسؤاله هذا التعرف على مذهب المسؤول في المسئلة المعينة.

فيرد المجيب (المسؤول): أقول فيها كذا.

[2] ثم ينتقل السائل للسؤال عن الدليل بأن يقول لمناظره: ما دليلك على ما ذكرت؟

فحينها للمجيب أن يقول: دليلي كذا.

[3] ثم ينتقل معه السائل إلى السؤال عن وجه الدليل.

فحينها وجب على المجيب تبيين ذلك.
وأما السؤال عن وجه الدليل وكيفيته فهو أن ينظر السائل في دليل المجيب فإن كان دليلا غامضا يحتاج إلى بيان وجب السؤال عنه, وإن تجاوزه إلى غيره كان مخطئا لأنه لا يجوز تسليم ذلك إلا بعد أن ينكشف وجه الدليل.

وإن كان الدليل جليا ظاهرا لم يجز هذا السؤال وكان السائل عنه متعنتا أو جاهلا.



[4] فإذا انتهى الكلام إلى هذه المرحلة يحق للسائل الاعتراض والطعن في دليل المجيب.

فإذا فعل ذلك وجب على المجيب أن يبين بطلان اعتراض مناظره وصحة ما ذكره هو من وجه دليله.

تنبــــيه: لو أن السائل سأل عن حكم مطلق, تعين على المجيب النظر فيما سئل عنه, فإن كان مذهبه موافقا لما سأله عنه نظيره من غير تفصيل, جاز له أن يجعل جوابه مطلقا. وإن كان عند المجيب فيه تفصيل كان مخيرا بين أن يفصل في جوابه وبين أن يقول: هذا مختلف عندي فمنه كذا ومنه كذا فعن أيهما تسأل: فإذا ذكر السائل أحدهما, أجاب خصمه عنه, وإن أطلق الجواب كان مخطئا.

مثال ذلك من مجال الفقه:
أن يسأله سائل عن جلد الميتة هل يطهر بالدباغ؟ وعند المسؤول إن جلد الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما لا يطهر بالدباغ, ويطهر ما عدا ذلك, فيقول للسائل هذا التفصيل, وإن شاء قال له: منه ما يطهر بالدباغ ومنه ما لا يطهر فعن أيهما تسأل؟
فأما إذا أطلق الجواب وقال: يطهر بالدباغ. فإنه يكون مخطئا بجوابه هذا.

إذا صح الجواب من جهة المجيب, يقول له السائل: ما الدليل عليه؟

فإذا ذكر المجيب الدليل, وكان ذلك الدليل مما لا يعتقد السائل صحته, كأن يكون السائل فقيها ظاهريا ويحتج المجيب بالقياس, فيقول السائل: هذا ليس دليلا عندي.
فجاز للمجيب أن يقول: القياس دليل عندي وأنت مخير بين أن تسلمه لي هنا أو أن تنقل الجدل إلى حجية القياس فأدلل لك على صحته.
فإن قال الظاهري: لا أسلم لك ما احتججت به ولا أنقل الكلام إلى القياس, كان متعنتا مطالبا لخصمه بما لا يجب عليه.

بيانه : أن المجيب لا يلزمه أن يثبت مذهبه إلا بما هو دليل عنده, ومن نازعه في دليله, دلل المجيب على صحته وقام بنصرته, فإذا فعل ذلك فقد ارتفع عنه الملام, وإن عدل عن ذلك الدليل الذي نازعه على صحته خصمه إلى دليل غيره لم يكن المجيب بذلك منقطعا في المناظرة لأن انتقاله من الدليل الأول إلى الدليل الثاني إنما هو بسبب عجز السائل عن الاعتراض على ما احتج به, ولأن المجيب لا يلزمه معرفة مذهب السائل لأنه لا تضره مخالفته ولا تنفعه موافقته. وإنما المعول على الدليل.

ويكفي المسؤول إذا عارضه السائل بما ليس بدليل عند المسؤول أن يرد ذلك الدليل بأن يقول للسائل: هذا مما لا يصح على أصلي, ثم هو مخير بين أن يبين للسائل من أي وجه لا يصح ذلك على أصله وبين أن يرده بمجرد مذهبه.

وأما السؤال الرابع وهو السؤال على سبيل الاعتراض والقدح في الدليل فإن ذلك يختلف على حسب اختلاف الدليل.