المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مهمات يجدر بالباحثين في التاريخ معرفتها



أهــل الحـديث
19-12-2013, 05:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


مهمات يجدر بالباحثين في التاريخ معرفتها

حسام الحفناوي

الحمد لله وحده، والصلاة والسَّلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسليمًا.

أما بعد، فإنَّ التاريخ علمٌ غزير الفوائد، يكتسب المُكثر من مُطالعته وتَصَفُّحِه من الفوائد ما يَحتاجُ معه إلى تصانيفَ مفردة لبيانها، وقد صَنَّف الإمام الحافظ المؤرخ شمس الدين السخاوي كتابًا جليلاً، ذكر فيه كثيرًا من فوائد هذا العلم، وسمَّاه "الإعلان بالتوبيخ لمن ذمَّ التاريخ"، أو "الإعلان بالتوبيخ لمن ذَمَّ أهل التَّوْريخ"، لكنه يحتاج إلى شيء من التَّهذيب والترتيب، جزى الله خيرًا من قام بذلك.

ومعلومٌ أن قراءة سِيَرِ العظماء سبيلٌ إلى التأسِّي بهم، واقتفاء آثارهم، وإن لم يبلغ المتأخِّرُ شأنَ المُتقدِّم منهم، ومنهم من يبلغه، وبعضهم قد يفوقُه، إلاَّ أن يكون من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن من جاء بعدهم لا يفوقهم في الفضل وإن فاقهم في العمل، فساعةٌ من أحدهم يصبر فيها، أو يقاتل مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم - في أيَّام غربة الإسلام الأولى - خيرٌ من عمل من جاء بعدهم عمره كله.

ولا يخفى على المشتغلين بالتربيَة ما للقصَّة من دور بارز فيها؛ بحيث لا يَسع المربي أن يُغفله، ولا أن يتشاغل عنه، ولا يَظُن سردَ القصص بإطلاق من باب المسامرة وإزجاء الفراغ - وإن كان من أفضل الوسائل لذلك - إلاَّ من قَلَّ فهمه، وغَطَّت على عقله سُحُب الجهل، وجديرٌ بكل من عُنِيَ بتربية النَّشْأ، وتقويم المجتمعات، أن يُوليَ هذا الأمر ما يستحقُّه من اهتمام.

وقد أكثر الله - سبحانه وتعالى - في القرآن من ذكر قصص السابقين، وبيَّن - سبحانه وتعالى - الغاية من ذلك؛ فقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يوسف: 111]، وقال تعالى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [هود: 120]، كما أنَّ السنَّة النبوية الشريفة قد حوت كثيرًا من قصص الأمم السابقة.

وإذا كان الغرض من القصص شريفًا، فينبغي أن يكون نَهْجُ القصص سديدًا، مضبوطًا بضوابط الشرع المطهَّر، حتى لا يُخالف النهجُ الغرض، بل لا سبيل إلى تحصيل الغرض الشريف إلا بالنهج السديد، وهذا واضح لكل مُتأمِّل.

وإذا كان ذلك كذلك، فينبغي أن نُنوِّه لمهمات لا يسع الباحثين في التاريخ والشغوفين بمطالعته جهلُها، مع الإشارة إلى عدم توخِّي الحصر في ذلك:

أوَّلها: اقتداؤنا بالشخصيات الجليلة التي برزت في تاريخنا الإسلامي ليس اقتداءً مُطلقًا؛ وإنَّما هو مقصور على ما وافقوا الشرع فيه، فإن خالفوا، فإن الله - تعالى - لم يتعبدنا بالتأسي بهم، ولا حَثَّنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على اتِّخاذ أحد منهم قدوة مطلقة، بل بَيَّن الله - عز وجل - أنَّ الأسوة كل الأسوة في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]، ثُمَّ في صحابته الكرام الذين اختارهم الله لصحبة نبيه، ولإقامة دينه؛{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: 100]، وبيَّن لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّ خير الناس قَرْنه- صلى الله عليه وسلم - وهم صحابته الأخيار - رضوان الله عليهم - وحثَّنا على اتِّباع سنة الخلفاء الراشدين المهديِّين من بعده، وفعل الصحابي وقوله ليس بحجة إنْ خالف النصَّ الشرعي، وحجيَّته مَحل خلاف بين أهل العلم إذا لم يُخالِف أو يُخالَف، فما بالنا بمن دون الصحابة؟
نعم، إن اتَّفق الصحابة - رضي الله عنهم - على حكم شرعيٍّ صار إجماعًا لا يحل لأحد مخالفته، وليس بحثنا بحثًا أصوليًّا لتحرير المراد بالإجماع.
مع التنبيه على كوننا نعتقد في الصحابة - رضي الله عنهم - عدم جواز تعمُّد مُخالفة الشرع، وإنَّما يقع ذلك لعلل معروفة ذكرها أهل العلم في تصانيفهم - ولا محل لبحثها هنا - كعدم بلوغ النصِّ أو الاختلاف في فهمه، أو الاختلاف في الجمع بين النصوص، أو عدم بلوغ النسخ، ونحو ذلك.

ثانيها: لا يجوز لأحد أن يركَنَ للاستدلال ببعض الوقائع التاريخية - إن كان فيها ما يخالف الكتاب والسنة - لتسويغ ما يريد تسويغه من الأفعال، أو الأقوال، أو الأفكار.

فما يفعله بعض الكُتَّاب المعاصرين اليوم من تسويغ الاختلاط بين الرِّجال والنساء مثلاً، وما يترتب على ذلك الاختلاط من الوقوع في العشق ونحوه، ويستدلون على ذلك بما دَوَّنه بعض المؤرخين والإخباريين في مُصَنَّفاتهم من قصص وقعت في صدر الإسلام، أو فيما تلاه من عصور القوَّة والرخاء - إنَّما هو استدلال في غاية الفساد والجهل، إن سلمنا جدلاً بوقوع ما ذكروه، ولا شكَّ أن بعضه قد وقع؛ إذ لا يخلو مجتمع صالح من نوع فساد.

والعلة في فساد ذلك الاستدلال وعواره أمران:
أ- ما تقدم بيانه من كوننا غير مُتعبَّدين بالاتباع المطلق لأحد من البشر غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
ب- من المقرر عند أهل الاختصاص من الباحثين في التاريخ والسير أنَّ المصادر التاريخية - لا سيَّما القديم منها - تحتاج إلى تمحيص وتنقيح، وأن هذا التنقيح والتمحيص يفتقر القائم عليه إلى مَلَكَات تؤهِّله للتصدِّي لهذا الأمر الجلل، وعلى رأسها معرفة قواعد النقد عند المحدثين - وإن كان ثَمَّة فرق بين تطبيق تلك القواعد على الحديث، وتطبيقها على التاريخ كما سيأتي بيانه.

ثالثها: علم الإسناد - وإن كان الاعتناء به شائعًا في القرون الأولى من تاريخ الإسلام في كل العلوم الشرعية - كالفقه والتفسير والحديث - أو العلوم التي تَخدِمها - كالنحو والأدب والتراجم - غير أن أهل العلم الذين اعتنَوا بمعرفة الأسانيد الصحيحة من غيرها، قد أولَوا الروايات التي تستخرج منها الأحكام الشرعيَّة جُلَّ اهتمامهم، وكذا التي تفيد في معرفة ذلك كفتاوى الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين، وكذا سير من ذكرنا وأحوالهم؛ لما لهم من عظيم معرفة بالشرع وحرص على العمل به، ولم يُمعن الأئمة في تَتبُّع تفاصيل الفتوحات، وسير الفاتحين، وأسماء المعارك، وتواريخها، وأسماء المُدن والحصون التي فُتحت، وتواريخ فتحها، وما اكتنف فتحَها من أحوال ووقائع، أو سير الزهاد والعباد، أو سير الشعراء والفصحاء ومعرفة شعرهم وفصيح خطبهم، أو غير ذلك من الأمور التي قد يعتني بها من ينصب نفسه لفنٍّ من تلك الفنون.

ولكنهم وإن لم يولُوا تدوين ما ذكرنا وتعليمه كبير اهتمام؛ لانشغالهم بما هو أوْلَى منه، فقد كانوا - نظرًا لموسوعيَّتهم رحمهم الله تعالى - على دراية به، واطِّلاع، وإلاَّ كيف ساغ لهم - مع تحرِّيهم وتثبتهم - أن يحكموا لفلان من الناس بالتَّبَصُّر في المغازي، ومعرفة أيام الناس، وأنسابهم، ومن الأمثلة على ذلك: قول الإمام الحافظ عبدالرحمن بن أبي حاتم الرَّازي في الجرح والتعديل (8/ 494): "سمعت أبي، وذكر مغازي أبي معشر - وهو أبو معشر السندي المدني ضعيف في الحديث - فقال: كان أحمد بن حنبل يرضاه، ويقول: كان بصيرًا بالمغازي".

وقال الإمام الحافظ أبو يعلى الخليلي في كتابه "الإرشاد إلى معرفة علماء البلاد" (1/300)، في ترجمة أبي معشر السندي المذكور آنفًا: له مكان في العلم والتاريخ، وتاريخه احتجَّ به الأئمة، وضَعَّفوه في الحديث، وكان ينفرد بأحاديث.

وقال إمام الجرح والتعديل، أبو زكريا يحيى بن معين؛ كما رواه عنه الدارمي في تاريخه (ص114)، في شأن زياد بن عبدالله البكائي - وهو من أشهر الذين روَوا عن ابن إسحاق صاحب السِّيَر والمغازي كتابَه الذي صنَّفه في السير والمغازي، وعنه روى ابن هشام سيرة ابن إسحاق التي بأيدي الناس اليوم -: "لا بأس به في المغازى، وأمَّا في غيره، فلا".

والعِلَّة في إتقان الراوي لرواية فنٍّ بعينه، وضعْفه في غيره هي اعتناء الراوي بهذا الفن، وكثرة نظره فيه، ومذاكرته، ومجالسة أهله، كما يوضحه المثالان التاليان المتعلقان بالروايتين السابقتين.

فأبو معشر السندي، قالوا لابنه محمد: كيف حفظ - يعني والدك - المغازي؟ قال: "كان التابعون يجلسون إلى أستاذه، فكانوا يتذاكرون المغازي، فحفظ"؛ رواه الخطيب البغدادي في تاريخه (13/ 458).وأمَّا زياد البكائي، الراوي للمغازي والسير عن ابن إسحاق، فقد قال الإمام المحدِّث عبدالله بن إدريس: "ما
أحد أثبت في ابن إسحاق من زياد البكائي؛ لأنه أملى عليه إملاء مرَّتين، أرادوا رجلاً أن يكتب لرجل من قريش، فجاء زياد، حتَّى أملى عليه لذلك الرجل"؛ رواه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (3/538).

وقال الإمام الحافظ صالح بن محمد، المعروف بجزرة: "ليس كتاب المغازي عند أحد أصح منه عند زياد البكائي، وزياد في نفسه ضعيف، ولكن هو من أثبت الناس في هذا الكتاب؛ وذلك أنه باع داره، وخرج يدور مع ابن إسحاق، حتَّى سمع منه الكتاب"؛ أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (8/476)، والأمثلة في ذلك كثيرة، وإنَّما أردنا التنبيه فقط.

رابعها: هناك صِنْفٌ من رواة المغازي هو دون الصنف السابق في العدالة، وإن كان قد بلغ بعض الرُّواة من هذا الصنف أعلى مراتب الإمامة في المغازي والسِّيَر، وأيام الناس، وأخبارهم، وهم قوم ترك أهل العلم - أو أكثرهم - حديثَهم، وبعض هؤلاء رماه أهل العلم بالكذب في الحديث، ومع هذا، فقد احتاج العلماء إلى إيراد مروياتهم في المغازي والتاريخ، دون أن يحتجُّوا بما رواه أهل ذلك الصنف من أخبار.

ومن هؤلاء: محمد بن عمر الواقدي، صاحب كتاب "المغازي"، وهو متروك الحديث، وكذَّبه بعض أهل العلم؛ قال الذهبي في ترجمته من السير (9/ 454): "جمع، فأوعى، وخلط الغثَّ بالسمين، والخرز بالدر الثمين، فاطَّرحوه لذلك، ومع هذا، فلا يُستغنى عنه في المغازي، وأيام الصحابة، وأخبارهم".

وقال (9/ 469) بعد أن أورد كثيرًا من أقوال أهل العلم فيه: "وقد تقرر أن الواقدي ضعيف، يُحتاج إليه في الغزوات، والتاريخ، ونورد آثاره من غير احتجاج، أمَّا في الفرائض، فلا ينبغي أن يُذكر، فهذه الكتب الستة، ومسند أحمد، وعامَّة من جمع في الأحكام، نراهم يترخَّصون في إخراج أحاديث أناس ضعفاء، بل ومتروكين، ومع هذا لا يخرجون لمحمد بن عمر شيئًا، مع أنَّ وزنه عندي أنه مع ضعفه يُكتب حديثه، ويُروى؛ لأني لا أتهمه بالوضع، وقول من أهدره فيه مُجازفة من بعض الوجوه، كما أنَّه لا عبرة بتوثيق من وثقه، كيزيد، وأبي عبيد، والصاغاني، والحربي، ومعين، وتمام عشرة محدثين؛ إذ قد انعقد الإجماع اليوم على أنه ليس بحجة، وأن حديثه في عداد الواهي".اهـ.

وقول الإمام الذهبي في الاحتياج لقول الواقدي في المغازي والسير ليس مَحلَّ اتفاق؛ فقد قال الإمام الحافظ الجبل علي بن المديني عن الهيثم بن عدي المؤرِّخ النسابة: "الهيثم بن عدي أوثق عندي من الواقدي، ولا أرضاه في الحديث، ولا في الأنساب، ولا في شيء"؛ رواه الخطيب في تاريخ بغداد (14/52).
فإذا لم يَرْضَهُ في الأنساب، ولا في غيرها مع كونه أوثق عنده من الواقدي، فكيف يرضى بالواقدي؟

وقال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب (1/408)، في ترجمة سيف بن عمر التميمي الإخباري، صاحب كتاب "الفتوح": "ضعيف الحديث، عُمدة في التاريخ"، اهـ، وسيف بن عمر اتُّهِمَ بالكذب من غير واحد من أهل العلم، وأكثر الطبري في تاريخه من الرواية من طريقه، وكذا ابن عساكر في تاريخ دمشق، واحتاجَ إلى النَّقل عنه عامَّةُ المؤرخين الذين تكلموا عن حروب الردَّة، وكذا الفتوحات، وكذا أهل العلم الذين ترجموا للصحابة، وللدكتور الفاضل أحمد معبد مبحث في حال سيف بن عمر، وهو منشور على الشبكة، فليرجع إليه من أراد.

خامسها: هناك مصادر للتاريخ أخرى كثيرة؛ ككتب التواريخ غير المُسْنَدة - وبعضها للثقات وبعضها لغيرهم - وكتب الأدب والمُلح والنوادر، وغير ذلك مما يحتاج الناظر في التاريخ إلى الاطلاع على ما فيها، مع الحذر من القطع بشيء من ذلك، فضلاً عن التعويل عليه في تسويغ ما يشتهيه كما سبق أن حَذَّرنا.

قال ابن خلدون في مقدمة تاريخه (1/4، 5)، بعد أن ذكر مشاهير المؤرخين المتقدمين في هذا الشأن المتميِّزين عن غيرهم فيه، وأشار إلى أنَّ بعضهم - وسَمَّى المسعودي والواقدي - قد طُعن فيه، وغُمِز من قبل الثقات الأثبات: "إلا أنَّ الكافة اختصتهم بقبول أخبارهم، واقتفاء سننهم في التصنيف، واتِّباع آثارهم، والناقد البصير قسطاسُ نفسه في تزييفهم فيما ينقلون، أو اعتبارهم؛ فللعمران طبائع في أحواله، ترجع إليها الأخبار، وتُحمل عليها الروايات والآثار".اهـ.

ومن الجدير بالذِّكر أنَّ من درس علم الحديث، وعرف طريقة المحدثين في نقد الأخبار، وتشرب شيئًا من دقَّة نظرهم، وعُمق فهمهم - أفاده هذا - إن شاء الله تعالى - إفادةً جَمَّة في نقد الأخبار وتمحيصها.

فإذا كان الخبر - مثلاً - مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، ويتفرد بنقله من لم يبلغ في الثِّقة والإتقان مبلغًا يُحتمل معه تفرُّده - وَجَس في قلوبنا من صحَّته، ولم نقبله، إلا أن يُتابع، أو تتوفر له شواهد تجبر كسره، وتُداوي عِلَّته، وتقويَة الأخبار بالمتابعات والشواهد ليست على إطلاقها، بل بضوابطَ يعرفها المشتغلون بهذا العلم الشريف.

سادسها: لا يلزم التحرِّي في الأخبار التي تُورد فيمن يُترجم له من الزَّاهدين العابدين، أو المجاهدين الفاتحين، أو الأمراء العادلين مما لا يَمس السيرة النبوية، أو سير الخلفاء الراشدين، أو غيرهم من الصحابة - رضي الله عنهم - أو كبار أئمة التابعين، أو أتباع التابعين، أو تَبَع أتباع التابعين، ممن يُقتدى بهم في الدين، ويُرجع إليهم في فهم شريعة رب العالمين - سبحانه وتعالى - فأخبار أولئك لا نجتهد في تحرِّيها كاجتهادنا في تحرِّي أخبار هؤلاء، مع العلم بأننا نحرص أشدَّ الحرص على عدم ترديد ما عساه أن يُسيء إليهم، أو يشينهم، إلا أن يكون ثابتًا، وتدعو الضرورة إلى ذكره، كما أننا نحاول أن نَتحَرَّى ما يمكن أن نُسَمِّيه بالحسِّ التاريخي، أو النظرة النقدية للأخبار الواردة في كتب التاريخ؛ لأنَّنا إن فقدنا الأسانيد الصِّحاح، أو فقدنا الأسانيد جُملة، فلا سبيل أمامنا إلا عرض ما يرد إلينا من أخبار على ما ذاع واشْتَهر، وتواطأ الناس على تكراره دونما إنكار من الأخبار التي تتعلق بشخصٍ ما، أو حَدَثٍ ما، أو فترةٍ ما، أو دولةٍ ما؛ لنرد ما يرد إلينا، أو نقبله، أو نقيده، أو نوجهه، أو غير ذلك مما يؤدينا إليه البحث المتجرِّد من الهوى والميل قدر المستطاع، ولسنا بالمعصومين من الهوى، نسأل الله أن يقينا شرَّ اتباعه، وما على من يبذل الجهد، ويتَعَنَّى من جُناح - إن شاء الله تعالى.

هذا ما تيسر جمعه من ضوابط مُهمة لمن يطالع كتب التواريخ والسير، ويروم الاستفادة والإفادة منها، وهي قابلة للزيادة والتعديل كما أوضحنا في مطلع المقال؛ إذ لم نقصد الحصر لتلك الضوابط، ولو أردنا لطال المقام، وتأخَّر إخراج ما عساه أن يفيد القرَّاء الكرام، والله ولي التوفيق.

المصدر الأصلي: شبكة الألوكة
لم أضع رابط المقال؛ لأني أظن أنه غير مسموح به من إدارة الملتقى