تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : كتاب قول الداني في شرح رائية الخاقاني



أهــل الحـديث
17-12-2013, 12:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


يقول الفقير إلى عفو الحنان المنان / علي بن عمر بن أحمد الملاحة : الحمد لله الواحد الأحد الذي علم القرآن وبالقلم علم وأنزل في الكتاب أنه شفاء للناس ويهدي للتي هي أقوم وصل اللهم وسلم على النبي المصطفى الذي علم القرآن كما تلقاه من جبريل فتلعمه وعلم البشير النذير والسراج المنير سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم أما بعد . فهذا قول الداني في شرح رائية الخاقاني (ت 325 ه) في معرفة القراء وحسن تلاوة القرءان كما تلقيتها عن شيخي فضيلة الشيخ / حسن مصطفى الوراقي حفظه الله تعالى ونفعنا بعلمه ، وقد ضبط القصيدة ثم قمت بشرحها على ما قام بشرحها أبو عمرو الداني (ت 444 ه)،ونقلا من كتاب فضيلة الأخ المحقق/خليل ابو عنزة على ما قام به وصححه ، وبينه من المخطوطة رقم (3653) بمكتبة جستر بيتي بمدينة دلبن بأيرلندا وهي ليست مكتملة كما بينه فضيلة الدكتور غانم قدوري الحمد حيث قال : تحتفظ مكتبة جستر بتي في مدينة دبلن بآيرلنده بمجموع مخطوط يضم أربع عشر كتاباً في القراءات والتجويد . مِن بينها كتاب (شرح قصيدة أبي مزاحم الخاقاني) لأبي عمرو الدانيّ، حيث يستغرق الأوراق (127-143) مِن ذلك المجموع وهو الكتاب العاشر. وكنت قد حصلت على نسخة مصورة مِن ذلك المجموع منذ سنوات. وحين دقّقت في كتاب (شرح قصيدة أبي مزاحم) للدانيّ وجدتّ أنّه ناقص مِن آخره وأنّ ما كان يُظَّن أنّه تتمة ذلك الشرح إنّما هو جزء مِن كتاب آخر، هو كتاب (التحديد) للمؤلف نفسه .فجزى الله الجميع خيرا ، وقد قمت بتوضيح ما بقي منها على نفس نمط معلمنا وسيدنا وشيخنا أبو عمر الداني وهو الإمام الحافظ أبو عمر بن سعيد بن عثمان بن سعيد بن عمر الأموي القرطبي الصيرفي الداني الأندلسي كما حققه شيخنا فضيلة الدكتور غانم في كتابه تحقيق التحديد في الإتقان والتجويد طبعة دار عمان الطبعة الأولى لعام1431ه ، وعلى ما تلقيت من كتاب كتاب الفريد لشيخي فضيلة الشيخ /حسن الوراقي ، وكتاب الفتح الرباني في شرح رائية الخاقاني لابن نصر الأزهري .وقد قمت بشرحها مبسطة سهلة تيسيرا لطالب العلم والله أسأل أن يقبله مني خالصا لوجهه الكريم . كتبه / علي عمر أحمد الملاحة
الإسكندرية ـ السبت الموافق 19من محرم عام1435هجرية
متن رَائِيْةُ الْخَاقَانِي
قال أبو عمرو الداني رحمه الله تعالى: أَنْشَدَنَا أبو الفتْحِ فارسُ بنُ أحمدَ بنِ موسى بنِ عِمرانَ الحِمصِيُّ وأبو الحسنِ طاهرُ بنُ غلبونَ الحلبيُّ قال : أنشدنا جعفرُ بنُ محمّدٍ الدقّاقُ قال: أنشدنا أبو مزاحمٍ لنفسه:
القصيدة
1 ـ أَقُــــــوْلُ مَقَـــــالاً مُعجِبًا لأولِى الحِجْـــــــــرِي ولا فَخـــــرَ إن الفَخَرَ يَدْعُــــــو إِلَى الكِبْـــــــرِي
2 ـ أُعلِّـــــمُ فِــــــــيْ القَـــــولِ التِـــــلَاوَةَ عَـــائـــِـذًا ن بِمَـــــولَايَ مِـــــــنْ شَـــــرِ الْمُبَــــاهَـــــاةِ والفَخْـــرِي
3 ـ وَأَسْـــأَلُــــــــــــ ــه عَــــــوْنِىْ عَلَىْ مَا نَـــــــــــوَيــــْـتُـ ــــهو وَحِفْظــــِىَ فِيْ دِينِــــــيْ إِلَىْ مُنْتَهَـــــىْ عُمْـــرِي
4 ـ وَأَسْــــــــأَلُـــــــ ـــــه عَـــنِّيْ التَّجــــــاوزَ فِيْ غَــــــدٍ ن فَمَـــــــــا زَاْلَ ذَاْ عَفْـــــــــــــــوٍ جَمِيلٍ وَذَاْ غَفْـــــــرِي
5 ـ أَيَّــــــــــاْ قَـــــارِىءَ الْقُــــــرَآن ِأَحْسِـــنْ أَدَاءَهُو يُضَـــــاعِــــفْ لَكَ اللّهُ الْجَـــــزِيْلَ مِنَ الْأَجْـرِي
6 ـ فَمَــــــا كُــــــــلُّ مَنْ يَتْلُـــــوْ الْكِتَابَ يُقِيْــمُهُو وَمَا كُــــــــلُّ مَـــــنْ فِيْ النَّاسِ يُقرِئُهُـــــمْ مُقـْرِيْ
7 ـ وَإِنَّ لْــــــــنَـــــــا أَخْــــــــــذَ الْقِــــــــــرَاءَةِ سُنَّـــــــــــةٌ ن عَـــنِ الْأَوَلِيْــــنَ الْمُقْرئِيْـــــــنَ ذَوِيْ الْسَّــــتْـــــــرِي
8 ـ فَلِلسَّبْعَــــــــةِ الْقُــــــرَّاءِ حَـــقٌ عَلَىْ الـْـــوَرَىْ لإِقْــــــــــــــرَائِه ِـــــــــــمْ قُـــــــــــــرَآنَ رَبِّهِـــــــــمُ الْوِتْــــــــرِي
9 ـ فَبِالْحَرَمَيْــــــــنِ ابْــــــــنُ الْكَثِـــيْــــــــــــر ِ وَنَافِـــعُ ن وَبِالْبَصْــــــــــــــ رَةِ ابْــــــــنٌ لِلْعَلَاءِ أَبُــــــــــو عَمْـــــرِوِي
10 ـ وَبِالْشَامِ عَبْدُ اللّهِ وَهْــــوَ ابْنُ عَـــامِــــــرِ ن وَعَــــــــــــــاصِــــ ــــمٌ الْكُــــــــوفِىُّ وَهْــــوَ أَبُو بَكـْــــرِي
11ـ وَحَمْـــــزَةُ أَيْضًـــــا وَالْكِسَــائِىُّ بَعــْـــــــــــــــدَهُ و أَخُــــــــــو الْحِـــــذْقِ بِالْقُرَآنِ وَالْنَحْوِ وَالْشِعْرِي
12 ـ فَذُوْ الْحِذْقِ مُعْطٍ لِلْحُرُوفِ حُقُوقَـهَا إِذَا رَتَّـــــــــــــلَ الْقُــــــــرَآنَ أَوْ كَـــــــــــانَ ذَا حَدْرِي
13ـ وَتَــــــرْتِيْلُنــــــ ـَا الْقُـــــــرَآنَ أَفْضَـــــــلُ لِلـَّـــذِيْ أُمِـــــــــرْنَــــــــ ـــا بِــــــــهِ مِنْ مُكْثِنَــــــا فِيْهِ وَالْفِكْـــــرِي
14ـ وَإِمَّـــــــــــا إِنْ حَــــــدَرْنَا دَرْسَــنَـا فمُرَخــَّصٌ ن لَنَــــــــــا فِيْــــــــــهِ إِذْ دِيْـــــنُ الْعِبَــــــادِ إِلْى الْيُسْــرِي
15ـ أَلَا فَاحْفَظُوْاوَصْفِيْ لَكُمْ مَا اخْتَصَرْتـُهُو لِيَــــــدْرِيَ بِـــــــهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمُ يَــــــــــدْرِيْ
16ـ فَفِيْ شَرْبةٍ لَوْ كَاْنَ عَلْمِيْ سَقَيتُكـُــــــــمْ وَلَــــــمْ أُخْـــــفِ عَنْكُـــمْ ذَلِكَ الْعِلْـمَ بِالذَّخْرِي
17ـ فَقَدْ قُلْتُ فِيْ حُسْــنِ الْأَدَاءِ قَصِيْـدةً ن رَجَــــــــــــوتُ إِلَهِــــيْ أَنْ يَـحُـــــــطَّ بِهَـــــــا وِزْرِيْ
18ـ وَأَبِيَــــــاتُهَــــا خَمْسُـــونَ بَيْتـــًا وَوَاحـــــــــــدٌ ن تُنَظَّـــــــــــمُ بَيْتًـــــــا بَعْـــــــــدَ بيَــــــــتٍ عَلَى الْإِثــْرِي
19ـ وَبِاللّهِ تَــــــــوفِيْقِيْ وَأَجْـــــــرِيْ عَلَيــْـــهِ فَيْ إِقَــــــــــامَتِنَــــ ــا أَبْيَـــــــــــــــاتَ إِعْـــــــــــرابِــــــ ـهِ الزُّهْــرِي
20ـ وَمَنْ يُقِــــــــمِ الْقُـرَآنَ كَالْقِــــدْحِ فَلْيَكُـْـن مُطِيْعًا لِأَمْـــــرِ الْلّه فِيْ الْسِـــــرِّ وَالْجَهـــــــــــْرِي
21ـ أَلَا اعْلَـــــمْ أَخِيْ أَنَّ الفَصَاحَــةَ زَيَّنَــتْ تِـــــلَاوَةَ تَــــالٍ أَدْمـَــــنَ الْــــــدَّرسَ لِلذِّكْـــــــــــري
22ـ إِذَا مَا تَـــــــلَى التَّـــــــــالِيْ أَرَقَّ لِسَانــَــــــــــهُو وَأَذْهَـــــبَ بِالإِدْمَــــانِ عَنْـهُ أَذَى الْصَّـــــدْرِي
23ـ فَـــــأَوَّلُ عِلْـــــــمِ الـــــذِّكْرِ إِتْقَـــانُ حِفْظِــــهِي وَمَعْرِفَـــــةٌ باللَّـحْنِ مِنْ فِيْكَ إِذْ يَجْــرِيْ
24ـ فَكُــــــنْ عَارِفًــــــــا بِاللَّحْـــــنِ كَيْمَا تُزِيْلـَــــهُو فَمَــا لِلذِّيْ لَا يَعْرِفُ الَّلحْــنَ مِنْ عُـــــذْرِي
25ـ فَإِنْ أَنْتَ حَقَّقْتَ الْقِرَاءَةَ فَاحْذَرِ الـْـــزِّ يَـــــادَةَ فِيْهَـــــا وَاسْـــأَلِ العَـــــونَ ذَا القَهْــــرِي
26 ـ زِنِ الْحَرْفَ لَا تُخْرِجْهُ عَنْ حَدِّ وَزْنِـــِهي فَــــوَزْنُ حُرُوفِ الذِّكْرِ مَنْ أَفْضَـــلِ الْبِـــــــرِّي
27 ـ وَحُكْمُكَ بالتَّحْقِيقِ إِنْ كُنــْتَ آخِـذًا ن عَـــــلَىْ أَحَـــــدٍ أَنْ لَا تَــــزيـــــــدَ عَلَى عَشْـــــرِي
28 ـ فَبَيِّـــــــنْ إِذَنْ مَا يَنبَغِــــــى أَنْ تُبِيْنــــــَــــــــهُو وَأَدْغِمْ وَأَخْفِ الْحَرْفَ فِيْ غَيْرِمَا عُسْرِي
29 ـ وَإِنَّ الَّـــــذِىْ تُخْفِـْيــــهِ لَيْــــــسَ بِمُدْغَـــم ن وَبَيْنَهُمَــــــــا فَـــــــــــرْقٌ فَعَــــــــرِّفْــــــهُ بِاليُســــــْرِي
30 ـ وَقُلْ إِنَّ تَسْكِـْينَ الْحُرُوفِ لِجَزْمِــــهَــــــا وَتَحْرِيْكِهَــــــا بالـرَّفْعِ وَالنَّصْـــــــبِ والْجَــــــرِّي
31 ـ فَحَرِّكْ وَسَكِّنْ وَاقْطَـعَنْ تَــــــارةً وَصـــــِلْ وَمَكِّــــــنْ وَميِّــــــزْ بَيْــــنَ مَـــــــدِّكَ وَالقَصْـــــرِي
32 ـ وَمَاالمَـــــدُّ إِلاّ فِيْ ثَلَاثــــــــــةِ أَحـْــــــــــرُفٍ ن تُسَمَّى حُـــــرُوفَ اللِّينِ بَاحَ بِهَا ذِكْـرِيْ
33 ـ هِيَ الْأَلِفُ الْمَعْرُوفُ فِيْهَا سُكُونـــُهَـــــا وَوَاوٌ وَيَــــــــــاءٌ يَسْكُنَـــــــــانِ مَعًـــــــــــا فَــادْرِي
34 ـ وَخَفَّفْ وَثَقِّلْ وَاشْدُدِ الفَــكَّ عَامِــــدًا ن وَلَا تُفْرطَــنْ فِيْ الفَتْح والضم وَالْكَسْــرِي
35 ـ وَمَا كَانَ مَهْمُـــــوزاً فَكُـــنْ هَامِـــزًا لــَــــــــهُو وَلَا تَهْمِزَنْ مَا كَانَ يَخْفَىْ لَدَىْ الــنَّبْـــــري
36 ـ وَإِنْ تَكُ قَبَل الْيَاءِ والْـــــوَاوِ فَتْحَــــــةٌ ن وَبعْدَهُمَا هَمْــــزٌ هَمَــــــــــــزْتَ عَلَىْ قَــــــــــــــــدْرِي
37 ـ وَرَقِّقْ بَيَـــــانَ الــــــرَّاءِ واللاَّمِ يَنْــــــذَرِبْ لِسَــــــانُكَ حَتَىْ تَنْظِــــــمَ القَـــــــــــولَ كَالــــــدُّرِّي
38 ـ وَأَنْعِــــــمْ بَيَــــــانَ العَيْـــــــنِ والهَــاءِ كُلَمـــَــا دَرَسْتَ وَكُـــــنْ فِيْ الدَّرْسِ مُعْتَدِلَ الْأَمْـــــرِي
39 ـ وَقِفْ عِنْــــدَ إِتْمَـــامِ الْكَـــلَامِ مُوَافِقــــًـــــــا لِمُصْحَفِنــــَــــا المَتْلُـــــوِّ فِيْ الْبَــــرِّ والْبَحْـــــــرِي
40 ـ وَلَا تُدْغِمَنَّ الْمِيْمَ إِنْ جِئْــتَ بَعْـــدَهـَــا بِحَــــــرفٍ سِـــــوَاهَا وَاقْبَلِ الْعِلــــمَ بِالشُّكـْـرِي
41 ـ وَضَمُّكَ قَبْلَ الْوَاوِ كُنْ مُشْبِعًــــا لــَـــــهُو كَمَـــــا أَشْبَعُـــــوا إِيَــــاكَ نَعْبُـــــدُ فِيْ المَــــــــــرِّي
42 ـ وَإِنْ حَرْفُ لِينٍ كَانَ مِنْ قَبْلُ مُدْغَــمًا ن كَآخِــــــرِ مَا فِيْ الْحَمْدِ فَامْدُدْهُ وَاسْتَجـــــْرِي
43 ـ مَـــــدَدْتَّ لِأَنَّ السَّاكِنَــــَيــــــــن ِ تَلَاقَيَـــــــــا فَصَـــــارَ كَتَحْــــرِيكٍ كَذَا قَالَ ذُوْ الخُبـــــــْرِي
44 ـ وَأُسْمِيْ حُـــــــرُوْفًا ستَّـــــــــــةً لِتَخُصَّــهَـــــــا بِإظْهَـــــــارِ نُـــــوْنٍ قَبْلَهـــــــا أَبَـــــــدَ الدَّهْــــــــــرِي
45 ـ فَحَـــاءٌ وَخَــــــــاءٌ ثُمَّ هـَـــــــــاءٌ وَهَــــمْـــــــــزَةٌ ن وَعَيْـــــــنٌ وَغَيْـــــنٌ لَيْـــسَ قَــــــوْلِيَ بِالنُّكْـــــــــرِي
46 ـ فَهَذِيْ حُرُوْفُ الْحَلْقِ يَخْفَىْ بَيَانُـــهَـــــــا فَدُوْنَـــــــكَ بَيِّنْهَـــــــا وَلَا تَعْصِيَــــنْ أَمْــــــرِيْ
47 ـ وَلَا تَشْـــــدُدِ النُــــونَ الـَّتيْ يُظْهِرُونَهـــــــا كَقَوْلِكَ مِنْ خَيْلٍ لَدَىْ سُوْرَةِ الحَشْــــــرِي
48 ـ وَإِظْهَـــــارُكَ التَّنْـــــوِيْنَ فَهْـــــوَ قِـيَاسُهَـــــا فَقِسْـــــهُ عَلَيْهَا فُزْتَ بِالْكَاعِبِ الْبِكْـــــــرِي
49 ـ وَقَدْ بَقِيَــــــتْ أَشْيَــــــــاءُ بَعْــدُ لَطِيْفَــــــــــةٌ ن يُلَقَّنُهـــــــا بَــــــــــــاغِيْ التَّعَلُّـــــــمِ بِالصبـــــــــــــــــْر ِي
50 ـ فَلَابْن ِ عُبَيْـدِ اللّه مُوْسَىْ عَلَىْ الَّذِيْ يُعَلِّمُهُ الْخَيْـــــــــــرَ الدُّعَاءُ لَـــــدَىْ الفَجْـــرِي
51 ـ أَجَابَـــــــــكَ فِيْنَـــــــــــا رَبُّنَـــــــــــا وَأَجَابَــــــنَـــــــا أَخِيْ فِيْـــــــكَ بِالْغُفْـــــــرَانِ مِنْهُ وَبِالنَّصْــــــرِي
قال أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان المقرئ الداني عفا الله عنه: الحمد لله خالق الخلق، وباسط الرزق، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، أحمده على نعمه المتواترة وآلائه المترادفة حمداً يزلف عنده ، ويوجب مزيده ، وصلى الله على عبده ورسوله وعلى أهله وسلّم تسليما .
هَذَا كِتَابٌ قصدنا فيه إلى شرح قصيدة «أبي مزاحم موسى بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان البغداديّ المعروف بالخاقاني» التي قالها في القرّاء وحسن الأداء، ولخّصنا الأصول التي أَوْمأ إليها فيها، وقرَّبنا معانيَها، ونبَّهنا على حقائقها، ودلَّلْنا على صحة مراده فيما أمرَ به ونَدَب إليه، مِن استعمال ما يجب استعماله بالآثار المروية عن الأئمة الماضين، والسننِ الواردة عن العلماء المتقدمين، وذهبنا في جميع ذلك إلى وجه الاختصار وترك الإكثارِ لِيَصل الناظرون فيه إلى حقيقة المراد في قُرْب، ويحصل للمتناولين حِفْظه في يُسْر إنْ شاء الله تعالى.
والَّذِي دَعَانا إلى شرح هذه القصيدة وتلخيص معانيها ما رأيناه مِن استحسان العامّة والخاصّة لها، وشدّة ابتهال أهل القرآن بها، وأخذهم أنفسهم بحفظها، وما وقفنا عليه مِن إتقان صنعتها، وحسن بهجتها، وتهذيب ألفاظها، وظهور معانيها، وسلامتها مِن العيوب، ووفور حظها مِن الجودة، مع ما كان في أبي مزاحم رحمه الله مِن المناقب المحمودة، والأخلاق الشريفة، ظاهر النُّسُك، مشهور الفضل، وافر الحظ مِن الدين والعلم ، حسن الطريقة ، سُـنّـيًّا جماعيًّا . هذا ماذكر أبو عمرو الداني ثم شرع في شرحها على ما كان عليه أهل زمانه رحم الله الجميع وألحقنا بهم في الفردوس الأعلى ، قال أبو مزاحم :
1 ـ أَقُــــــوْلُ مَقَـــــالاً مُعجِبًا لأولِى الحِجْـــــــــرِي ولا فَخـــــرَ إن الفَخَرَ يَدْعُــــــو إِلَى الكِبْـــــرِي
2 ـ أُعلِّـــــمُ فِــــــــيْ القَـــــولِ التِـــــلَاوَةَ عَـــائـــِـذًا ن بِمَـــــولَايَ مِـــــــنْ شَــــرِ الْمُبَــــاهَـــــاةِ والفَخْـــرِي
3 ـ وَأَسْـــأَلُــــــــــــ ــه عَــــــوْنِىْ عَلَىْ مَا نَـــــــــــوَيــــْـتُـ ــــهو وَحِفْظــــِىَ فِيْ دِينِــــــيْ إِلَىْ مُنْتَهَــــىْ عُمْـــرِي
4 ـ وَأَسْــــــــأَلُـــــــ ـــــه عَـــنِّيْ التَّجــــــاوزَ فِيْ غَــــــدٍ ن فَمَـــــــا زَاْلَ ذَاْ عَفْـــــــــــــــوٍ جَمِيلٍ وَذَاْ غَفْـــــــرِي
أقول فعل مضارع مرفوع ، ومقالا مفعول به منصوب والفاعل مستتر تقديره أنا لأن الفعل المضارع المبدوء بالهمزة فاعله مستتر وجوبا ويقصد به الشاعر هذه القصيدة أي أقول قصيدة عجيبة لأصحاب العقول الراجحة ولا يفتخر بقوله هذا حيث أن الفخر يدعوا إلى الكبر الذي نهى عنه ربنا سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ، ثم بين أن هذه القصيدة يعلم فيها كيفية حسن تلاوة القرآن الكريم وهو يتعوذ بالله من شر أن يتباهى على الناس ومن شر أن يفتخر عليهم بها ، ويسأل الله العلي القدير أن يجازه على نيته الحسنة وأن يحفظه في دينه إلى آخر ساعة من ساعات عمره كما يساله أن يتجاوز عن سيئاته فإنه سبحانه وتعالى صاحب العفو الجميل وصاحب المغفرة فاللهم اغفر لنا ذنوبنا .

5 ـ أَيَّـــــاْ قَـــــارِىءَ الْقُـــرَآن ِأَحْسِـــنْ أَدَاءَهُ يُضَـــاعِــفْ لَكَ اللّهُ الْجَــزِيْلَ مِنَ الْأَجْـرِ
قال أبو عمرو: واجب على أهل القرآن أنْ يبحثوا على الأصول التي بمعرفتها يصلون إلى تجويد الألفاظ ، وأنْ يُعْمِلُوا أنفسهم في ذلك عن الأئمة المتصدّرين والقرّاء المشهورين، فإنّ القارِئ إذا أحسن أداء التلاوة وعَرَف حقيقة القراءة وأخذ ذلك عن العلماء الموثوق بدينهم وبمعرفتهم، السالمين مِن الأهواء والبدع ، العالمين باللُّغة التي نزل بها القرآن، المتمسكين بآثار مَن مضى مِن الأئمة، وكان مُرَاده في تعليمه الله عزّ وجلّ لا غيره، محتسباً، فإنّ الأجر لا شكَّ له مُضاعَف، وجزيلُ الثواب له مُدّخر، قال النبيّ: «المَاهِرُ بِالقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ »، وقال عليه الصلاة والسلام: «يُقَالُ لِصَاحِبِ القُرْآنِ يَوْمَ القِيَامَةِ: ارْقَ وَاقْرَأْ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا»، وأثنى على أُبَيِّ بنِ كعب وعلى عبد الله بن مسعود فقال: «أَقْرَؤُكُمْ لِلْقُرْآنِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ»، وقال حين سمع ابنَ مسعود يقرأ: «سَلْ تُعْطَهْ»، وقال: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ القُرْآنَ رَطْباً كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ كَمَا قَرَأَهُ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ». قال الحسنُ بنُ علي الجُعفيُّ وغيرُه: إنّما كان ابنُ مسعود يرتّلُ إذا قرأ ، فحثّ النبيُّ على ترتيله .
وقال: «خُذُوا القُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ». فعن عائشةَ قالت : قال رسولُ اللهِ: «الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَهُوَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ فَلَهُ أَجْرَانِ» وعن عاصمٍ، عن زِرِّ بنِ حُبَيشٍ، عن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو، عن النبيِّ قال: « يُقَالُ لِصَاحِبِ القُرْآنِ يَوْمَ القِيَامَةِ: اقْرَأْ وَارْقَ فِي الدَّرَجَاتِ، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ كُنْتَ تَقْرَؤُهَا». وعن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو قال: قال رسولُ اللهِ: «خُذُوا القُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ».
6ـ فَمَــا كُــلُّ مَنْ يَتْلُوْ الْكِتَابَ يُقِيْــمُهُ وَمَا كُـلُّ مَنْ فِيْ النَّاسِ يُقرِئُهُمْ مُقـْرِيْ
قال أبو عمرو: كلُّ مَن حفظ القرآن مِن المصحف أو تعلمه من معلمِ عِلْمٍ ليس له معرفة بالقراءة ولا دراية بتجويد الألفاظ إذا لم يُعْمِلْ نفسهُ في طلب ذلك مِن أهلِهِ القائمين به فهو غيرُ مقيمٍ له على حدّه، وتالٍ له على غير صوابِهِ، وإنْ حفظَه حفظاً وحدَرَه حدْراً لأنّه غيرُ عالمٍ بالأصول التي بمعرفتها تُوصِلُ تجويدَ التلاوة وحقيقة القراءة وتجويد الرواية، وذلك غير موجود إلّا عند أهْله المختصّين بعلمه.
وقد قيل: كيف يكون متقناً مَن لا يدري مَن لا (ينفي؟)، وكذلك كلّ مقرئ متصدّر إذا اعتَمَد فيما يُقرئ به على الصحف المسامَة في الأسواق مِن غير رواية لها ولا دراية بحقائق ما فيها، ولم يجالس العلماء، ولا ذاكر الفهماء، ولا أَكْثَرَ العَرْض للقرآن على القرّاء، ولا سأل عمّا يجب السؤال عنه ممّا لا بدّ لِمَن يَعْرِض للتَّصدّر مِن السؤال عنه والكشف عن حقيقته، ولم يكن معه مِن الإعراب ما يُقيم به لسانَه ويَعرفُ به خطأه مِن صوابِهِ فليس بمقرئ على الحقيقة وإنْ كان اسمُ الإقراءِ جارياً لغلبة الجهل على العامّة، بل هو بمعزل مِن ذلك، فليتّق اللهَ مَن كانت هذه صفتُهُ، ولا يتعرضْ لما ليس له بأهل. وقد قيل : لا تقرأ القرآن على المُصْحَفِيِّين ، ولا تأخذ العلم عن الصَّحَفِيِّين . وَهَذَا المعنى الذي شرحناه مِن قول أبي مزاحم معنى صحيح، قد سبقه إليه علي بن الجهم الهاشمي فقال:
فَمَا كُلُّ مَنْ قَادَ الجِيَادَ يَسُوسُهَا وَلَا كُلُّ مَنْ أَجْرَى يُقَالُ لَهُ مُجْرِي
ومِن هذا أخذَه أبو مزاحم ، وعلى عَرُوض هذه القصيدة وقافيتها عمل قصيدته هذه .
7 ـ وَإِنَّ لْـــــنَــــا أَخْــــــذَ الْقِــــــــــرَاءَةِ سُنَّـــــةٌ عَـــنِ الْأَوَلِيْــــنَ الْمُقْرئِيْـــــــنَ ذَوِيْ الْسَّــــتْـــــرِ
قال أبو عمرو: لا نعلم خلافاً بين أهل الصلاح مِن علماء المسلمين أنّ عرضَ القرآنِ على القرّاء المشهورين بالإمامة سنَّة مِن السّنن. وَقَدْ قِيلَ في ذلك: عَرض النبيُّ على جبريل عليه السلام في كلّ عام ، ثم عَرضه على أُبَيّ بن كعب، وعَرض أُبَيّ عليه، وعَرض غير واحدٍ من الصحابة، ثم عَرَض التابعون فعن أبي بكرِ بنِ عيّاشٍ وعبدُ اللهِ بنُ المباركِ وغيرُه ، عن الأجْلَحِ ، عن عبدِ اللهِ بنِ عبدِ الرّحمنِ بنِ أَبْزَى، عن أبيه، عن أُبيِّ بنِ كعبٍ قال: قال رسولُ اللهِ: « إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ القُرْآنَ »، قلتُ: يا رسولَ اللهِ، ذَكَرني اللهُ وسمّاني باسمي؟ قال: «نَعَمٌ»، فجعلَ أُبَيٌّ يضحَكُ، وبكَى ثمَّ قال: { بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا } [يونس: 58] فقرَأَها بـ«التاء» . فعن أبي عُبَيد قال : يعني هذا الحديث عندنا أنَّ رسولَ اللهِ إنّما أراد بذلك العرضِ على أُبيّ أنْ يتعلمَ منه أُبيٌّ القراءةَ ويَسْتَثْبِتَ فيها، ولِيكونَ عَرْضُ القراءةِ سنةً. وعن زيدِ بن ثابتٍ قال: القراءةُ سنّةٌ متبعةٌ . قال ابنُ خرزادَ : قلتُ لقالونَ: ما هذا ؟ قال: يأخذُها الآخِرُ عن الأَوَّلِ . وعن محمّدِ بنِ المُنْكَدِر سمعتُهُ يقول: قراءةُ القرآنِ سنّةٌ يَأْخذُهَا الآخِرُ عن الأَوَّلِ. أبي عِمرانَ، عن عروةَ بنِ الزّبيرِ قال: إِنَّ قراءةَ القرآنِ سنّةٌ مِن السُّنَنِ، فاقْرؤُوا كَمَا أُقْرِئْتُمُوهُ . وعن الأعمشِ، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن عبدِ اللهِ قال: تمارَيْنَا في سورةٍ مِن القرآنِ فقُلنا: خمسٌ وثلاثونَ -أو ستٌّ وثلاثونَ- آيةً، فأتَيْنا النبيَّ فوجدَنَا عليًّا بناحِيَتِهِ، فسألنَاهُ عن ذلكَ، فغضبَ حتّى احمرَّ وجهُهُ وقال: «إِنَّمَا أُهْلِكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِاخْتِلَافِهِمْ بَيْنَهُمْ»، ثمَّ أسرَّ إلى عليٍّ شيئاً،
فقال لنا: إِنَّ رَسُولَ اللهِ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَقْرَؤُوا كَمَا عُلِّمْتُمْ .
8 ـ فَلِلسَّبْعَــةِ الْقُــــرَّاءِ حَـــقٌ عَلَىْ الـْـــوَرَىْ لإِقْـــــرَائِهِـــمْ قُـــــرَآنَ رَبِّهِـــمُ الْوِتْـــــرِ
قال تعالى في سورة الحجر : ( إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) فمن عظيم رحمة الله بنا أن حفظ لنا القرءان الكريم ونقله إلينا عن طريق السبعة وهم على ترتيب أبي مزاحم في البيت القادم ابن كثير ونافع وأبو عمرو البصري وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وهم أصحاب فضل علينا وعلى الناس جميعا لذلك فال فللسبعة القراء حق على الورى وذلك لأنهم فُضلوا بقراءة القرءان للناس على ما تلقوه كما نزل به جبريل عليه السلام فعلموه كما تعلموه رضي الله عنهم جميعا ، قال أبو عمرو: ومِن عظيم مِنَنِ الله عزّ وجلّ علينا وجزيلِ ما خصّنا به قيامُ أئمة القرّاءِ بالأمصار وتجرّدهم لطلب القراءة على التّابعين وغيرهم، ونقلهم إيّاها إلينا مُلَخَّصةً مِن غير أنْ يشوبَها سهْوٌ ولا غلط، ولا مَيْل إلى اختيار دون اتّباع لما أدّى إليه اقتداءً بما تقدّم مِن الآثار بقراءة التابعين التي تَلَقَّوْها عن الصحابة، وتلقّاها الصحابة عن النبيِّ ، غير ثابتة بأسرها ولا موجودة بكمالها إلّا مِن طريق أئمة القراءة الذين أجمع على الائتمار بهم عامّة أهل الإسلام في سائر أقطار الأرض لسلوكهم منهاج مَن تقدّم، واعتمادهم على المرويّ دون الرأي والاستخراج، لأنّ مَن سواهم مِن نظائرهم مِمّن بحث على طلب القراءة وأعمل نفسه في رواية الحروف لم يسلك طريقهم ولا حذا حذوهم ، بل تركوا كثيراً مِمّا رَوَوْه ورجعوا في ذلك إلى الرأي والقياس والسّائر في العربية ، فَدُثِرَتْ بذلك حروفُهم ، وقَلَّت الرواية عنهم ، فلا نرى يُرْوَى عنهم مِن حروف القرآن إلا الشيءَ اليسيرَ كالحرف النّادر والخارج عن مذاهب العامّة وشبهه استقراء آية، فَتُرِكت لذلك حروفُهم ونُبِذَ المروي عنهم، واعتمد في ذلك على نَقَلة أئمة القرّاء السّبعة بالأمصار لما تَقَدَّم.
9 ـ فَبِالْحَرَمَيْــنِ ابْـــنُ الْكَثِـــيْــــرِ وَنَافِـــعُ وَبِالْبَصْــرَةِ ابْــنُ الْعَلَاءِ أَبُــــو عَمْـرِوِ
فالبحرمين أي مكة والمدينة الإمامان الجليلان المتقنان للقرءان الكريم فالإمام الأول : ابن كثير إمام أهل مكة قال أبو عمرو: إمام أهل مكة بعد التابعين عبد الله بن كثير الدَّاريّ مولى عمرو بن علقمة الكنانيّ، وكان عطاراً، حكى ذلك الأصمعيّ . ويكنى أبا مَعْبَد، وهو مِن الطبقة الثانية مِن التّابعين، وقد أدرك مِن الصحابة عبد الله بن السائب وعرض عليه، وكان عبدُ الله قد عرضَ على أُبيّ بن كعب . وقرأ ابنُ كثير أيضاً على مجاهدِ بن جبر أبو الحجّاج على دِرْباس مولى ابن عباس، وعرضا على ابن عباس، وعرض ابن عباس على أُبيّ بن كعب.
وتُوُفِّيَ عبد الله بن كثير سنة عشرين ومئة، حكى ذلك سفيان بن عُيَينة.
والإمام الثاني : نافع إمام أهل المدينة فعن شِبْلٍ قال: اجتماعُ أهلِ مكّةَ على قراءَةِ ابنِ كثيرٍ وعن سعيدَ بنَ منصورٍ قال : سمعتُ مالكاً يقولُ : قراءةُ نافعٍ سنةٌ قال أبوعمرو : وإمام أهل المدنية في القراءة بعد التابعين نافع بن عبد الرحمن بن أبي نُعِيم، مولى جَعُونَة الليثيّ، حليف بني هاشم، وأصله مِن أصبهان، واختُلف في كنيته، فقيل: أبو رُوَيم، وأبو الحسن، وأبو عبد الرحمن، وأبو عُبَيد، وهو مِن الطبقة الثالثة بعد الصحابة . وعرض على أبي جعفر بن يزيد القعقاع، وعلى أبي داود عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وعلى شَيْبَة ابن نِصَاح بن سَرْجِس وعلى مسلم بن جندب الهُذَليّ وعلى يزيد بن رومان وعلى صالح بن خَوَّات وعلى جماعة غير هؤلاء . وَرَوَى أبو قُرَّة موسى بن طارق عنه أنّه قال: قرأتُ على سبعين مِن التّابعينَ . وَعَرَضَ هؤلاء على أبي هُريرة وابنِ عباس وعبد الله بن عيّاش، وعرضوا على أُبيّ بن كعب . وتوفيّ نافع بالمدينة سنة تسع وستين ومئة.
والإمام الثالث : أبو عمرو البصري فعن نصرُ بنُ عليٍّ قال: قال لي أبي: قال لي شعبةُ : انْظُرْ ما يَقرأُ بهِ أبو عمرِو بنُ العلاءِ مِمّا يختارُ لنفسِهِ فإنّهُ يصيرُ للنّاسِ إِسناداً . قال أبو عمرو وإمام أهل البصرة في القراءة بعد التابعين أبو عمرو بن العلاء بن عمّار بن عبد الله بن الحصين بن الحارث بن جَلْهَم بن خُزاعي بن مالك بن عمرو بن تميم . واختُلِف في اسمه فقيل: زَبَّان ، وقيل العُرْيان، وقيل يحيى، وقيل كنيتُه، وقيل غير ذلك . وهو مِن الطبقة الرّابعة بعد أصحاب رسولِ اللهِ. وعرض على المكيّين والمدنيّين والبصريّين . ومِمّن عرض عليه بمكة مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء وعكرمة بن خالد وابن مُحَيصن وحُميد بن قيس . ومِمّن عرض عليه بالمدينة يزيد بن رومان ويزيد بن القعقاع وشَيْبة بن نِصَاح ومِمّن قرأ عليه بالبصرة: يحيى بن يَعْمَر، والحسن بن أبي الحسن البصريّ وغيرهما . وعرض هؤلاء على الصّحابة والتّابعين . تُوفيّ أبو عمرو بالكوفة سنة أربع وخمسين ومئة . والأخبار الدّالّة على ما ذكرناه التي نَقَلَت ذلك النبأ يكثر ذكرُها ويطول الكتاب بإحصائها، فتركنا ذكرها لذلك مع اشتهارها ووجودها في غير موضع مِن تآليفنا .
10 ـ وَبِالْشَامِ عَبْدُ اللّهِ وَهْــوَ ابْنُ عَـامِـرِ وَعَــــاصـمٌ الْكُــوفِىُّ وَهْــــوَ أَبُو بَكـْـرِ
والإمام الرابع : هو عبد الله بن عامر إمام الشام قال : أبو عُبَيدٍ القاسمُ بنُ سلّامٍ : وكان مِن قرّاءِ أهلِ الشامِ عبدُ اللهِ بنُ عامرٍ اليَحْصَبِيُّ، وهوُ إمامُ أهلِ دِمشقَ في دهرِهِ ، وإليهِ صارتْ قراءَتُهُم . قال أبو عمرو: الإمام الذي انتهت إليه القراءة بالشام هو عبد الله بن عامر اليَحْصَبي، ويكنى أبا عِمران، وولي قضاء دمشق في خلافة الوليد بن عبد الملك، وأدرك مِن الصحابة جماعة منهم أبو الدّرداء ومعاوية بن أبي سفيان، وفَضَالة بن عُبيد وغيرهم . وتُوفيّ ابن عامر بدمشق سنة ثمان عشرة ومئة.
والإمام الخامس : عاصم بن أبي النجود من أئمة أهل الكوفة قال أبو بكرِ بنَ عيّاشٍ : سمعتُ أبا إسحاقَ السَّبِيعِيَّ يقول : ما رأيتُ أقرأَ مِن عاصمٍ. يعني ابنَ أبي النَّجُودِ . قال أبو عمرو والإمام الذي صارت إليه القراءة بالكوفة بعد التابعين عاصم بن أبي النَّجود، ويُقال ابن أبي بهدلة، قيل اسم أبي النجود عبد، وبهدلة اسم أمه، وهو مولى نصر بن قُعين مِن بني أسد، ويكنى أبا بكر، وهو مِن الطبقة [الثالثة] بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . عرض على أبي عبد الرّحمن عبد الله بن حبيب السُّلَميّ، وعلى أبي مريم زِرّ بن حُبَيش، وكان أبو عبد الرّحمن قد عرض على عليّ بن أبي طالب، وعثمان بن عفّان، وعبد الله بن مسعود، وأُبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وعرضوا على النبي . وتُوفيّ بالكوفة سنة تسع وعشرين ومئة، وقيل: سنة ثمانين.
11ـ وَحَمْـــزَةُ أَيْضًـا وَالْكِسَــائِىُّ بَعــْـــــدَهُ أَخُـــو الْحِـذْقِ بِالْقُرَآنِ وَالْنَحْوِ وَالْشِعْرِ
والإمام السادس : حمزة بن حبيب الزيات قال سفيانَ الثوريَّ : غلبَ حمزةُ النّاسَ بالقرآنِ والفرائضِ . وقال عبدُ اللهِ بنُ موسى: ما رأيتُ أحداً أقرأَ مِن حمزةَ ، قرأَ عليهِ الأئمةُ . وقال شُعيبَ بنَ حربٍ : أمَّ الناسَ حمزةُ سنةَ مئةٍ ، وإنّ سفيانَ الثوريَّ دَرَسَ على حمزةَ القرآنَ أربعَ دَرَسات . قال ابو عمرو فلمّا مات عاصم لم يكن مَن يقوم مقامه في القراءة مِمَّن عرض عليه غير أبي بكر بن عيّاش وحفص بن سليمان الأَسَدِيّ . فأمّا أبو بكر فَكَرِه التّصدّر، وامتنع مِن الأخذ واشتغل بالعبادة . وأمّا حفص فهبط إلى العراق فَقَلَّتْ قراءة عاصم بالكوفة لذلك . فقامَت الإمامة بعده لأبي محمّد سُلَيمان بن مِهْرَان الأعمش ، وصار أهل الكوفة إلى قراءته. فلمّا هلك قام بالقراءة مِمّن عرض عليه، وهو حمزة حبيب بن عُمَارة بن إسماعيل الزيّات، فاجتمعت العامّة والخاصّة مِن أهل الكوفة إلى اليوم على الائْتمام والاقتداء بمذاهبه . وقد كان إمامَهم في القراءة والأعمشُ حيٌّ، غير أنّه لم تُطْبق جماعتهم على قراءتهم إلّا بعد موته، وكان حمزة مولى بني تَيم الله ، ويكنى أبا عُمَارة وهو مِن الطبقة الرابعة بعد الصحابة ، وعرض على الأعمش، وعلى حمران بن أَعْيَن، وعلى محمّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعلى أبي إسحاق السَّبِيعيّ، وعلى منصور بن المُعْتَمِر، وعلى المغيرة بن مِقْسَم، وعلى جعفر بن محمّد الصّادق، وعلى جماعة. وعرض الأعمش على يحيى بن وَثّاب، وعرض يحيى على جماعة مِن أصحاب عبد الله: علقمة، والأسود، وعُبَيد بن نُضَيْلة، وأبي عبد الرّحمن، وزِرّ بن حُبَيش، وغيرِهم، عرضوا على عبد الله، وعرض عبد الله على النبي . وتُوفيّ حمزة بحُلوان سنة ست وخمسين ومئة.
والإمام السابع الكسائي : قال أحمدَ بنَ شُرَيحٍ يقول: سمعتُ المُعَافَى - وكانَ عالماً بالحروفِ- يقول: الكسائيُّ القاضِي على أهلِ زمانِهِ . قال أبو عمرو ثم ائْتم أهل الكوفة بعد حمزة بمَن نقل عنه واعتمد على إسناده، وهو عليّ بن حمزة الكسائيّ مولى بني أسد، ويكنى أبا الحسن . وعرض على جماعة سوى حمزة ؛ منهم : عيسى بن عمر الهَمْداني ، وغيره . وروى الحروف رواية مِن غير عرض على أبي بكر بن عيّاش عن عاصم ، وعن إسماعيل ، وعن أبي جعفر عن نافع . وخالف حمزةَ في حروف يسيرة رواها بإسنادٍ عن النبي وعن الصحابة. وتوفي برنبويه « قرية » مِن قرى الرَّيّ سنة تسع وثمانين ومئة .
12 ـ فَذُوْ الْحِذْقِ مُعْطٍ لِلْحُرُوفِ حُقُوقَـهَا إِذَا رَتَّـــلَ الْقُـــرَآنَ أَوْ كَـــانَ ذَا حَدْرِ
قال أبو عمرو: يريد بقوله هذا أنّ القارئ إذا كان بصيراً بالقراءة، حاذقاً في علم الأصول ، كثير الرياضة للسانه بكثرة الدّرس، ويكرّر اللفظ بالحروف حتى يخرجه مِن مخرجه ويلفظ به على حقيقته ، فإذا استوت له هذه المنزلة وحصلت له هذه الفضيلة صار غاية في الإتقان، ونهاية في التجويد ، فإنْ حدر قراءته ولم يرتّلها أتى في حدره بما كان يأتي به في ترتيله مِن تمكين الحروف التي لا يكاد أنْ يمكّنها مَن لم يكن بالصفة المذكورة كـ«الألف» و«الواو» و«الياء»، وأخرج كل حرف مِن مخرجه ولخّصه مِن شبهه ، وفرّق بينه وبين نظيره . وإن كان «همزة» حققها مِن غير لَكْزٍ لها ولا تليين جليّ، يُخرجها سهلة مِن غير كلفة. وكذلك إنْ كان حرفاً لقيَ مثله أو مقاربه استعمل تفكيكه مِن غير إشباع ولا اختلاس . وكذلك إنْ كان «صاداً» أعطاها حقها مِن الإطباق والاستعلاء والصفير. وإن كان « سيناً » استعمل تخليصه مِن «الصاد» وسهولته . وإنْ كان «ضاداً» أخلصها مِن «الظاء» بإخراجها مِن موضعها، وإتيانها حقّها مِن الاستطالة . وكذلك يفعل بسائر حروف المعجم . فأمّا مَن لم يكن بالصفة المذكورة فقلَّ ما يأتي ببعض ذلك على ما وصفناه في تالي التحقيق فضلاً عن الحدر الذي لا يتقنه إلا مخصوص ، ولا يضبطه إلا حاذق.
فعن جعفرُ بنُ شَكَلٍ قال: جاءَ رجلٌ إلى نافعٍ فقال: تأخُذُ عليَّ الحَدْرَ؟ فقال نافعٌ : ما الحدرُ؟ قال : حَدْرُنَا أَلّا نُسقِطَ الإعرابَ، ولا ننفيَ الحرفَ، ولا نُخَفِّفَ مُشدّداً، ولا نُشدّدَ مُخففاً، ولا نَقْصُرَ مَمْدوداً، ولا نَمُدَّ مقصوراً، قِرَاءَتُنَا قراءَةُ أكابِرِ أصحابِ رسولِ اللهِ ، سَهْلٌ جَزْلٌ، لا نَمْضَغُ ولا نَلوكُ، نَنَبرُ ولا نَبتهرُ، نُسهّلُ ولا نُشدّدُ، نقرأُ على أفصحِ اللُّغاتِ ، أصاغرَ عن أكابرَ، مليّ عن وفيٍّ، دينُنَا دينُ العجائِزِ، قراءَتُنا قراءَةُ المشايِخِ ، نسمعُ في القرآنِ ، ولا نستعملُ فيهِ بالرأيِ، ثمَّ تَلَا نافعٌ هذهِ الآيةَ: { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} الآية [الإسراء: 84] . وجميع ما في كتابة هذه الحكاية الثابتة يوافق ما قدّمنا ذكرَه في وصف حِذْق حقيقة قراءة الحدْر ووزن اللَّفظ بالحروف على صيغتها مِن غير إفراط مُسرف في الحدّ والنبر والتفكيك وغير ذلك، واتّباع السلف ، والاعتماد على الأثر الثابت دون الرأي المستخرج وبالله التوفيق .
13ـ وَتَـــرْتِيْلُنـــــــَا الْقُــرَآنَ أَفْضَـــلُ لِلـَّـــذِيْ أُمِــــرْنَــــا بِــــهِ مِنْ مُكْثِنَـا فِيْهِ وَالْفِكْــرِ
قال أبو عمرو: قال الله عزّ وجلّ: { وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } [المزمل: 4]، قيل في التفسير: بيّنه تبيّيناً، وقيل:قطّعه تقطيعاً،وكذلك كانت قراءة النبي فيما روى عن أمّ سلمة أنّها نعتتْ قراءةَ رسولُ اللهِ مُفَسَّرَةً حرفاً حرفاً .
وقال عزّ وجلّ: { لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ } [الإسراء: 106] قال مجاهد : على تَؤُدَة.
وقال عزّ وجلّ: { لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } [ص: 29] والتدّبر لا يحصل للقارئِ إلّا باستعمال الترتيل، فهو إذا استعمله ووفّقه الله الكريم ووهبه الفهم انتفع بما يتلو لوقوفه على ما أُمِر به وما نُهِي عنه، وما نُدِب إليه وما رُغِّب فيه، وما يأتي مِن ذِكر الوعد والوعيد، وذِكر الجنّة والنّار، والثّواب والعقاب وغير ذلك بما لا يتحصل للتّالي فهمه وتدبُّره بالحدر والهذرمة، وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة نذكر منها بعض ما حضر إن شاء الله . وعن ابنِ عبّاسٍ في هذه الآية: {وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل: 4] قال: بَيِّنه تَبييناً . وعن مُجاهدٍ في قول الله تعالى: { وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } قال: تَرَسَّل ترسُّلاً .
14ـ وَإِمَّـــا إِنْ حَـدَرْنَا دَرْسُــنَـا فمُرَخــَّصٌ لَنَــــا فِيْـــــهِ إِذْ دِيْـنُ الْعِبَــادِ إِلْى الْيُسْــرِ
قال أبو عمرو: وقد ذكرنا ما رُوِيَ مِن فضل التّرتيل وما يفيدُ مِن التّفهم لمراد الله عزّ وجلّ . فَأَمَّا الحَدْرُ وَالهَذْرَمَةُ فلا بأس أنْ يستعملهما مَن أراد دَرْس القرآنِ لِكَيْ يكثرَ حسناتِهِ، إذْ كان له بكلّ حرفٍ عشرُ حسنات ، أو مَن رغب في كثرة الختم لِمَا لِمَن ختم مِن الأجر لنزول الرحمة عند الختم، وقد وردت الرخصة في ذلك في أحاديث جمَّة. فعن نائلةُ بنتُ الفَرافِصَةِ الكَلْبِيَّةُ حينَ دخلوا على عثمانَ ليقتُلُوهُ : إنْ تقتلُوهُ أوْ تَدَعُوهُ، فقدْ كانَ يحيِي اللَّيلَ بركعةٍ يجمعُ فيها القرآن وعن عاصمِ بنِ سليمانَ ، عن ابنِ سيرينَ ، أنَّ تميماً الداريَّ قرأَ القرآنَ في ركعةٍ . ورُوِي هذا أيضاً عن سعيد بن جبير، وعلقمة بن قيس، وروي عن غير هؤلاء . وعن بكرِ بنِ مُضَرَ، أنَّ سُليمَ بنَ عِثْرٍ التَّجِيبِيَّ كانَ يختمُ القرآنَ في اللَّيلِ ثَلاثَ مرّاتٍ، ويجامعُ ثلاثَ مرّاتٍ، فلمّا ماتَ قالت امرأتُهُ: رحمكَ اللهُ، لقدْ كنتَ تُرضي رَبَّكَ وتُرضي أَهلَكَ. قالوا: وكيفَ ذلِك ؟ قالتْ : كانَ يقومُ اللَّيلَ فيختمُ القرآنَ ثمَّ يُلِمُّ بأهلِهِ، ثمَّ يغتسلُ فيعودُ ويقرأُ حتّى يختمَ ثمَّ يُلِمُّ بأهلِهِ، ثمَّ يغتسلُ فيعودُ فيقرأُ حتّى يختمَ ثمَّ يُلِمُّ بأهلِهِ، ثمَّ يغتسِلُ لصلاةِ الصّبحِ . وهذا كلُّهُ على ما ذكرناه مِن الرغبة في الختم واغتنام جزيل الأجر عليها، غير أنّ المستحْسَن لمَن أراد ختم القرآن مِن ليلٍ أو نهارٍ أنْ لا يختمه في أقلَّ مِن ثلاث ليالٍ، وكذلك رَوَتْ عائشةُ عن النبي . فعن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها قالتُ : كانَ لا يختِمُ رسولُ اللهِ القرآنَ في أقلَّ مِنْ ثلاثٍ . وعن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو قال: قال رسولُ اللهِ: «لَا يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ» . وقد رُوِيَ الكراهة في ذلك عن معاذ بن جبل ، وعبد الله بن مسعود . وسألَ قيسُ بنُ أبي صعصعةَ النبيَّ : في كمْ نقرأ القرآنَ؟ فأمرَهُ في خمسَ عشرةَ، فقال: إنّي أَجِدُنِي أَقَوى مِن ذلكَ، فقال: «فِي كُلِّ جُمُعَةٍ» . وَرُوِيَ عن ابن مسعود أنّه كان يختم في غير رمضان مِن الجمعة إلى الجمعة، ويختم في رمضان في ثلاث .وَرُوِيَ عن أُبيّ بن كعب أنّه كان يختمه في كلّ ستّ في غير رمضان، ويختمه في كلّ رمضان في كلّ ليلتين . وَرُوِيَ عن علقمة بن قيس أنّه كان يختمه في كلّ خمس .
15ـ أَلَا فَاحْفَظُوْا وَصْفِيْ لَكُمْ مَا اخْتَصَرْتـُه لِيَـــدْرِيْ بِــهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمُ يَــدْرِيْ
قال أبو عمرو: أمرَ أبو مزاحم مَن تناول قصيدته رغبةً في تعلم ما أَوْمأَ إليه فيها مِمّا فيه المنفعة لأهل القرآن أنْ يحفظوا ذلك ويستثبتوا فيه، ويقفوا على حقيقته لأنّ مرادَه في ذكر ذلك كلّه إنّما كان تعليم مَن لم يعلم ذلك لكي ينال الأجر والمثوبة عليه . وتحتمل (مَا) قوله: (مَا اخْتَصَرْتُهُ) وجهين : أنْ تكون في موضع رفع فأُبدِلا مِن قوله؛ كأنّه قال: ألا فاحفظوا الذي اختصرته . وأن تكون في موضع رفع بإضمار مبتدأ ، كأنّه قال: هو (ما) اختصرته، أي هو الذي اختصرته. ولا يجوز أن تكون نعتاً، لأنها إذا كانت كذلك فقد نفى عن نفسه تعليم مَن جهل، والترغيب إنّما هو في تعليم مَن هذه صفته . وذلك ليعرفه من لم يكن يعرف قبل ذلك .
16ـ فَفِيْ شَرْبةٍ لَوْ كَاْنَ عَلْمِيْ سَقَيتُكـُمْ وَلَمْ أُخْـفِ عَنْكمْ ذَلِكَ الْعِلْمـَ بِالذَّخْرِ
قال أبو عمرو: قوله هذا يُؤْثِرُ ما حكيناه مِن إبعاد جواز كون (ما) نافية، لأنّه حكى لو يمكن أنْ يكون ما حوى مِن العلم ماءً (فيحله؟) ويسقيكم إياه في شربة لفَعَل ذلك لشدّة رغبته في تعليم ما جهلوه، وهذا المعنى الذي قاله يُروى عن هشام الدَّسْتَوائِي رحمه الله ، كان يقول وَدِدْتُ أنَّ هذا الحديثَ ماءٌ فَأَسْقِيكُمُوهُ . وهذا مِن شدّة الرغبة في التعليم.
17ـ فَقَدْ قُلْتُ فِيْ حُسْــنِ الْأَدَاءِ قَصِيْـدةً رَجَـــــــوتُ إِلَهِـــيْ أَنْ يَـحُـــــــطَّ بِهَـــــــا وِزْرِيْ
18ـ وَأَبِيَــاتُهَـــا خَمْسُـــونَ بَيْتـــًا وَوَاحــــدٌ تُنَظَّــــمُ بَيْتًـــــــا بَعْـــــدَ بيَــــــــتٍ عَلَى الْإِثــــــْرِ
19ـ وَبِاللّهِ تَــوفِيْقِيْ وَأَجْــــرِيْ عَلَيــْـهِ فَيْ إِقَـــــامَتِنَــــــا أَبْيَـــــــــاتَ إِعْــــــــــــرابِـــــ ــهِ الزُّهْـرِ
بين رحمه الله تعالى أنه كتب هذه القصيدة ليمح الله له أوزاره ويرفع في الدارين حزبه ومناره ، قال أبو عمرو: وتواترت الأخبار عن النبي وعن غير واحد مِن الصحابة والتابعين بفضل الإِعراب والحضِّ على تعلمه، وما لِمَن قرأ القرآن فأعربه مِن جزيل الأجر والثواب ، فعن الوليدِ بنِ محمّدِ بنِ زيدٍ قال: سمعتُ أبا جَعفرٍ يقول: قال رسولُ اللهِ: يقول: «أَعْرِبُوا الكَلَامَ كَيْ تُعْرِبُوا القُرْآنَ». وعن نافعٍ، عن ابنِ عُمرَ قال: قال رسولُ اللهِ: «مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ فَلَمْ يُعْرِبْهُ وُكِّلَ بِهِ مَلَكٌ يَكْتُبُ لَهُ كَمَا أُنْزِلَ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، فَإِنْ أَعْرَبَ بَعْضَهُ وُكِّلَ بِهِ مَلَكَانِ يَكْتُبَانِ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عِشْرِينَ حَسَنَةً، فَإِنْ أَعْرَبَهُ وُكِّلَ بِهِ أَرْبَعُ أَمْلَاكٍ يَكْتُبُونَ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ سَبْعِينَ حَسَنَةً» . قال عُمرُ بنُ الخطّابِ: تَعلّموا إعرابَ القرآنِ كما تَتَعلّمونَ حروفَهُ وقال مَن قرأَ القرآنَ فأعربَهُ كانَ لَهُ عندَ اللهِ أَجرُ شهيدٍ . وعن مكحولٍ قال: بلغني أنّهُ مَنْ قرأَ القرآنَ فأعربَهُ كانَ لهُ مِنَ الأجرِ ضِعفانِ عمّنْ قرأَ بغيرِ إعرابٍ .
20ـ وَمَنْ يُقِمِ الْقُرَآنَ كَالْقِدْحِ فَلْيَكُـْـن مُطِيْعًا لِأَمْرِ الْلّه فِيْ الْسِرِّ وَالْجَهـْرِ
بين رحمه الله تعالى أن الواجب على أهل القرآن أنهم لابد وأن يعملوا بما حفظوا فهم كالآنية المملوءة بالخيرات فكل إناء بما فيه ينضح فلابد وأن يظهر عليهم علامات حفظ القرآن في معاملاتهم وفي عاداتهم وفي عباداتهم قال أبو عمرو: واجبٌ على أهل القرآن (إذا هم به؟) أنْ يريدوا الله تبارك وتعالى بقراءتهم، وأنْ يستعملوا مِن الأخلاق ما يَحْسُنَ لمثلهم، وأنْ يتأدَّبوا بأدب القرآن، وأنْ يخشوا الله عزّ وجلّ في السّرّ والعلانية، لأنّ الله عزّ وجلّ قد خصّهم بأمر عظيم، إذ جعلهم وُعَاةَ كلامه، وحاملو كتابه، فهم أهله عزّ وجلّ، وهم خاصّته . وَرُوِيَ عن النبي أنّه قال: «إِنَّ للهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ النَّاسِ أَهْلِينَ»، قيل: مَنْ همْ يا رسولَ اللهِ؟ قال: «أَهْلُ القُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ». وعن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو قال: مَنْ جمعَ القرآنَ فقدَ حمَلَ أمراً عظيماً وقد اسْتُدْرِجَت النُّبوَّةُ بينَ كَتفيهِ إلّا أنّهُ لا يُوحَى إليهِ، فلا ينبغِي لصاحبِ القرآنِ أنْ يحدّ فيمَنْ يحدّ، ولا يجهَلَ فيمَنْ يجهَلُ وفي جوفِهِ كلامُ اللهِ عزّ وجلّ . وقال عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ: ينبغي لصاحبِ القرآنِ أنْ يُعْرَفَ بِلَيْلِهِ إذا النّاسُ نِيامٌ، وبنهارِهِ إذا النّاسُ مُفطِرونَ، وبورعِهِ إذا النّاس يَخلِطونَ، وبتواضعِهِ إذا النّاسُ يختالونَ، وبحُزنِهِ إذا النّاسُ يفرحونَ، وببكائِهِ إذا النّاسُ يضحَكُونَ، وبصمْتِهِ إذا النّاسُ يَخُوضونَ . وعن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو قال: مَنْ قرأَ القرآنَ فقد اضْطَرَبَت النّبوّةُ بينَ جَنْبَيْهِ، فلا يَنْبغِي أنْ يلعَبَ معَ مَن يَلْعبُ، ولا يَرْفُثَ مع مَن يَرْفُثُ، ولا يَتَبَطَّلَ مَعَ مَنْ يَتَبَطَّلُ، ولا يجهلَ مَعَ مَنْ يجهلُ .
وقال الفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ يقول : ينبغي لحاملِ القرآنِ أنْ لا يكونَ لَهُ حاجةٌ إِلى أحدٍ مِنَ الخَلْقِ، إلى الخليفةِ فمَنْ دُونَهُ، وينبغي أنْ تكونَ حَوَائِجُ الخَلْقِ إليهِ وحامِلُ القرآنِ حامِلُ رايةِ الإسلامِ ، لا ينبغِي لَهُ أنْ يَلْغُوَ مَعَ مَنْ يَلْغُو، ولا يَسْهُوَ مَعَ مَنْ يَسْهُو، ولا يَلْهُوَ مَعَ مَنْ يَلْهُو إنّما أُنْزِلَ القرآنُ لِيُعْمَلَ بِهِ ، فاتَّخذَ النّاسُ قِراءَتَهُ عَملاً . أيْ: لِيُحِلُّوا حَلالَهُ ويُحَرِّمُوا حرامَهُ ويقفوا عندَ متشابِهِهِ .
21ـ أَلَا اعْلَمْ أَخِيْ أَنَّ الفَصَاحَةَ زَيَّنَــتْ تِلَاوَةَ تَالٍ أَدْمـَنَ الْدَّرسَ لِلذِّكْــر
قال أبو عمرو: مَن خصّهُ الله عزّ وجلّ بفصاحة اللّسان، وحسن الأداء لتلاوة القرآن ، ووهبه مع ذلك حسن الصوت، واستقامة طريق، وعفافٍ وصدقٍ ، فليعلم مقدار ما خصّه به ووهبه إياه، وليكثر الشكر له والحمد والثناء عليه بما هو أهله ومستوجبه، فقد خصّه بعظيم، وحباه بجسيم. وليحذر مَن كانت هذه صفته مِن أهل القرآن التعرضَ للملوك وأبناء الدنيا والقراءة لهم والصلاة بهم لكي ترتفع منزلته عندهم، وتنقضي حوائجه لديهم ، فإنّ ذلك مِمّا يحبط منزلته عند الله عزّ وجلّ، فيعود مِن ضرر حنين صوته وفصاحة لسانه ما لا تُحمد عواقبه في الدنيا والآخرة . وإذا قرأ القرآن فليستعمل عند قراءته الخشية والتّباكي والتّفهم لما يتلو، وليزينه بصوته الذي خصّه الله عزّ وجلّ به ووهبه إيّاه ، وليجتنب عند ذلك الألحان المطربة والأصوات المستعملة والنغمات الملهية، فإنّها مكروهة عند أهل العلم حديثاً وقديماً . فعن البراءِ بنِ عازبٍ قال: قال رسولُ اللهِ:«زَيِّنُوا القُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» . وعن طاوسٍ قال: سُئِلَ رسولُ الله : أيُّ النّاسِ أحسنُ صوتاً بالقرآنِ؟ فقال:«الَّذِي إِذَا سَمِعْتَهُ رَأَيْتَهُ يَخْشَى اللهَ»
وعن عبدِ الرحمنِ بنِ السّائبِ قال : قَدِمَ علينا سعدُ بنُ مالكٍ بعدما كُفَّ بَصرُهُ، فأتيتُهُ مُسَلِّماً، فانتسبَنِي فانتسبتُ لهُ، فقال: مرحباً بابنِ أخي، بلغنِي أنّكَ حسنُ الصّوتِ بالقرآنِ، سمعتُ رسولَ اللهِ يقول: «إِنَّ هَذَا القُرْآنَ نَزَلَ بِحُزْنٍ، فَإِذَا قَرَأْتُمُوهُ فُابْكُوا، فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكَوْا، وَتَغَنَّوْا بِهِ، فَمَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالقُرْآنِ فَلَيْسَ مِنَّا» .
22ـ إِذَا مَا تَلَى التَّالِيْ أَرَقَّ لِسَانــَهُ وَأَذْهَبَ بِالإِدْمَانِ عَنْهُ أَذَى الْصَّـدْرِ
بين رحمه الله تعالى أن اللسان لايستقيم إلا بكثرة قراءة القرآن على الشرط الذي بينه من قبل أن يكون على يد شيخ مجاز في قوله وما كل من يقريهم مقريء ونبه على التزود دائما بقراءته وذلك في معظم أوقات الليل والنهار حتى يصل إلى درجة الإدمان وذلك بالإحساس بالنقص والعجز والكسل والتراخي إذا ترك قراءة القرءان ، قال أبو عمرو: يعني أنّ القارئ إذا أدمن الدّرس للقرآن وأكثر تلاوته وعَرْضَه أَرَقَّ لسانَه وأذهب عنه ما يتولد في الصّدر مِن الأذى، وقد رُوِي أنّ قراءة القرآن تقطع البلغم. وهذا الذي حكاه موجود في الحكمة، وإذا جرّبه القارئ وجده كذلك، وقد تواترت أخبار جمَّة بهذا المعنى، ونحن نذكر منها بعض ما حضرنا إنْ شاء الله. فأما ما رُوِي مِن الاستشفاء بالقرآن: فعن خَيْثَمَةَ قال: قال عبدُ الله: عليكمْ بالشّفاءَيْنِ: القرآنِ والعسلِ . يريد عبدُ الله هذه الآيةَ: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82]، والآيةَ الّتي أنزلها في النّحل: {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: 69] . وقالَ رسولُ اللهِ :«تَعَلَّمُوا هَذَا القُرْآنَ وَاتْلُوهُ، فَإِنَّكُمْ تُؤْجَرُونَ عَلَى تِلَاوَتِهِ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ {الم} حَرْفٌ. إِنَّ هَذَا القُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللهِ، فَتَعَلَّمُوا مِنْ مَأْدُبَةِ اللهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ. إِنَّ هَذَا القُرْآنَ هُوَ حَبْلٌ، وَهُوَ النُّورُ المُبِينُ، وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ، وَنَجَاةُ مَن اتَّبَعَهُ، وَعِصْمَةُ مَن اسْتَمْسَكَ بِهِ، لا يَعْوَجُّ فَيُقَوَّمُ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ» .
23ـ فَأَوَّلُ عِلْمِ الذِّكْرِ إِتْقَانُ حِفْظِــــهِ وَمَعْرِفَةٌ فِيْ اللَّـحْنِ فِيْهِ إِذَا يَجْرِيْ
24ـ فَكُنْ عَارِفًا بِاللَّحْنِ كَيْمَا تُزِيْلـَـهُ فَمَا لِلذِّيْ لَا يَعْرِفُ الَّلحْنَ مِنْ عُذْرِ
قال أبو عمرو: أول ما ينبغي للقارئ أنْ يأخذ نفسه ويجهدها فيه إتقان حفظ التلاوة ، فإنّه إذا كان حافظاً للسواد ماهراً في معرفة المتشابه واختلاف القصص سهل ذلك عليه ، كما يرغبه بعد ذلك في معرفة مذاهب القرّاء وتجويد الروايات، وحقائق الألفاظ وحسن الأداء، لأنّه لا يشتغل عن تلاوته بغير ذلك لاستواء حفظه، فيقرب به عليه علم ما يريد ممّا لا يحصل لمن لم يتمكن حفظه للسواد، ولا يتيقن بمعرفة المتشابه لانشغاله عند تلاوته بذلك، وإعماله فهمه فيه، وهذا الذي حكيناه وقد شاهدناه مِن الفريقين . ثم بعد تجويد السّواد ينبغي للقارئ أنْ يتجنب اللَّحن المبدّل المعنى المغير للفظ، والخارج عن مذاهب القراءة، وإنْ كان جائزاً في العربية، سائغاً في اللغة، وأن يُعْمَل نفْسَه في تلخيص تلاوته مِن ذلك، فإذا حصل له ذلك وحصلت تلاوته منه أعمل نفسه أيضاً في معرفة اللَّحن الخفي الذي لا يعرفه إلا المقرئ الثاقب، والقارئ الماهر، وهو ترك إعطاء الحروف حقّها واللفظ بها على غير هيأتها، فإنّه إذا أدرك معرفة ذلك واستعمل اللّفظ فيه واستمرت تلاوته عليه صار غاية في الإتقان ونهاية في التجويد ووجب على حفّاظ القرآن الذين لم يدركوا ذلك أنْ يفزعوا إليه ويأخذوا ذلك ويتعلموا منه، لأنّه حقيق بذلك، ومستأهل به، وأنا أذكر بعض ما حضرني من الآثار فيما قلته إن شاء الله. قال أبو بكر بنَ مجاهدٍ : اللَّحْنُ في القرآنِ لَحْنَانِ: لحنٌ جليٌّ، ولحنٌ خفيٌّ، فالجليُّ لحنُ الإعرابِ، والخفيُّ تركُ إعطاءِ الحروفِ حُقوقَهَا .
25ـ فَإِنْ أَنْتَ حَقَّقْتَ الْقِرَاءَةَ فَاحْذَرِ الـْــزِّ يَادَةَ فِيْهَاوَاسْـــــأَلِ العَـــــونَ ذَاالقَهْــــرِ
26 ـ زِنِ الْحَرْفَ لَا تُخْرِجْهُ عَنْ حَدِّ وَزْنِـــِه فَوَزْنُ حُرُوفِ الذِّكْرِ مَنْ أَفْضَلِ الْبِرِّ
قال أبو عمرو: وينبغي لِمَن أخذ نفسه مِن القرّاء بالتحقيق أنْ لا يُفْرِط في ذلك، وأنْ يكون جميع ما يلفظ به مِن المدود والممكن والمدغم والمظهر والمهموز والمشدّد والمُسَكّن وإشباع الحركات وغير ذلك على وزْن ومقدار، ولا يجاوز به الحد الذي علم مِن مذاهب الأئمة، ولا يتعدى في ذلك المنهاج والطريق الذي عليه الأكابر مِن علماء هذه الصناعة ، فإن استعمل خلاف ما ذكرناه وأفرط في جميع ذلك وتكلّف الزيادة في التمطيط والتعسف بالتفكيك فقد خرج بفعله ذلك عمّا عليه الجمهور مِن أئمة القراءة، وعن السائر الموجود المتعارف في لغة العرب ، وصار زائداً في كتاب الله عزّ وجلّ، وقد ورد إطلاق اللعنة عن النبي عنالزائد في كتاب الله، وسواء أكانت الزيادة لفظاً أو خطاً، فينبغي أنْ لا يُقَلَّدَ مَن هذه صفَتُه القراءةَ، ولا يُعْتَمَدُ على نقله لغبائه وقلّة معرفته، وابتداعه ما ليس بمأثور عن القرّاء، ولا بصحيح رواية ودراية عند العلماء، ونحن نذكر ما ورد مِن الأخبار في كراهية ذلك إنْ شاء الله. وقفَ الثوريُّ على حمزةَ فقالَ: يا أبا عُمَارةَ، ما هذا الهمزُ والمدُّ والقطعُ والتّشديدُ؟ فقال: يا أبا عبدِ اللهِ، هذِهِ رياضةٌ لِلْمُتعلّمِ ، قال : صدقتَ.
قال أبو عمرو: وإنّما تَرَخَّص في بعض ذلك مَن تَرَخَّص فيه مِن أئمتنا على هذا الوجه لترتاض ألسنة المبتدئين بذلك، وتجري عادتهم وطباعهم عليه ، ثم يُوقَفُون بعد ذلك على حقيقته والمراد منه، فأمّا غير ذلك فلا سبيل إلى ذلك البتّة ، فاعلم ذلك إنْ شاء الله . وذلك كما نعلم الصغار الحروف بالحركات مثل ما نقول مثلا كَتَبَ فنت تقرأ الكاف وحدها ثم التاء ثم الباء ثم نجمعها جمعا أما أن نقرأها بالتنطع فنطيل في الفتحات فهذا لايصح أبدا كما يفعله كثير من المتصدرين للإمامة في هذا الزمان إلا من رحم ربي .
27 ـ وَحُكْمُكَ بالتَّحْقِيقِ إِنْ كُنــْتَ آخِـذًا عَلَى أَحَدٍ أَنْ لَا تَزيدَ عَلَى عَشْـــرِ
قال أبو عمرو: مَن أراد (مِن؟) القراءات يأخذ عليه أستاذه قراءة التحقيق على النعت الذي تقدّم ذِكْرُنا له ، ففي عشر آيات له كفاية ، وفي عرضنا له مقنع إلى أنْ يتيقن معرفة الأصول ويسهل ذلك عليه ، ويخف به لسانه ، وتجري عليه عادته ، فإذا حصل له ذلك فله أنْ يأخذ عليه ما أحبّ بعد ذلك ، فأمّا مَن رغب في قراءة الحدر وقنع بها فلا بأس أنْ يأخذ عليه الأستاذ ما يَرى أنّه مُحتَمِلٌ له ، وقائم به على مقدار حفظه ، فأما مَن رغب التّلقين مِن الأستاذ فَلْيُلَقِّنْه على مقدار لُبِّه ويقظته ، فإنْ رأى أنّه يقوم بخمس لقَّنه إيّاه ، وإنْ رأى أنّه يحتمل فوق ذلك فليلقّنه ما يحتمل إلى أنْ يبلغ به العشر، فإذا بلغ به العشر فلا يزده شيئاً، لأنّ ذلك نهاية في التلقين ، ولم يُرْوَ لنا أنّ النبي لقّن أصحابه فوق ذلك . ولا بأس بالأستاذ أنْ يلقن الآية والآيتين والثلاث لعلمه بموضع مَن يلقنه وفهمه ويقظته، وأنا أذكر في هذا المعنى الذي قدّمته آثاراً تدلّ على صحته إنْ شاء الله.
فكان حمزةُ يُطْرَحُ لَهُ الشيءُ يقعدُ عليهِ، وكانَ أَوّلَ مَن يَبتَدِئُ يقرَأُ عليهِ سفيانُ الثوريُّ ومِنْدَلُ بنُ عليٍّ العَنَزيُّ وأبو الأحوصِ وكيعٌ، فيقرأُ عليهِ خمسينَ خمسينَ ، ثمَّ مِنْ بعدهِمْ سُلَيمُ بنُ عيسى والكِسائيُّ وأصحابُهُما ثلاثينَ ثلاثينَ، وكنتُ أَنا واليَشْكُرِيُّ نقرأُ مِنْ بعدهِمْ عَشْرَ آياتٍ عَشْرَ آياتٍ وعن ورشٍ ، أنّ نافعاً كان يُقْرِئُ ثلاثينَ آيةً . وعن عُمرَ بنِ الخطّابِ قال : تَعَلَّمُوا القرآنَ خمساً خمساً ، فإنّ جبريلَ نَزَلَ بهِ على النّبيِّ خمساً خمساً . وعن عطاءِ بنِ السّائبِ قال : وأخبرني أبو عبدِ الرّحمنِ قال: حدّثني الّذينَ كانوا يُقرِئونَنَا؛ عثمانُ بنُ عفّانَ ، وعبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ، وأُبيُّ بنُ كعبٍ، أنَّ رسولَ اللهِ كانَ يُقرِئُهُمْ العَشْرَ فَلا يُجاوِزُونَهَا إلى عَشْرٍ أُخرى حتّى يَتَعَلَّمُوا ما فيها مِنَ العَمَلِ. قال: فَتَعَلَّمْنَا القرآنَ والعملَ جميعاً . وعن أبي بكرِ بنِ عيّاشٍ قال: وقال لي عاصمٌ وهوَ يُعَلِّمُنِي: تَعَلَّمِ القُرآنَ آيةً آيةً ، فإنّ يحيى بنَ وثَّابٍ تَعَلَّمَ القرآنَ مِنْ عُبيدِ بنِ نَضْلَةَ آيةً آيةً ، وكانَ واللهِ قارِئاً .
28 ـ فبَيّـــــِنْ إذَنْ ما ينبَغِى أن تبِينــَهُ وأَدغِمْ وأخفِ الحرفَ في غيرِ ما عُسْرِ
29 ـ وإنَّ الذى تخفـيه ليـس بمُدْغَـــم ٍ وبينهمـــا فـــــرقٌ فعـــــــــرِّفْهُ باليُســـــــــْرِ
قال أبو عمرو: وَحَقِيقَةُ البَيَانِ فَصْل الحرف الأول مِن الثاني، وقَطَعْته مِنه . وَحَقِيقَةُ الإِدْغَامِ دفن الحرف الأول في الثاني وإدخاله فيه ، مأخوذ مِن قول العرب: « أدغمت اللجامَ الفرسَ» إذا أدغمته في فِيه . لأنّ الحرف الأول المُدْغَم إذا كان مقارباً للثاني قُلِبَ مِن جنس الثاني وغُيِّبَ فيه نحو قوله: { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } [الفاتحة: 1] ، { وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] وشبهه ، قُلِبَت « اللّام » « راءً » و« ضاداً » ثمّ تُدغم « الرّاء » في «الرّاء»، و«الضّاد» في «الضّاد».
فإنْ كانا مثلين ارتفع اللّسان بهما ارتفاعة واحدة، وصارا حرفاً واحداً مشدداً . وَحَقِيقَةُ الإِخْفَاءِ: أنْ يكون منزلة بين منزلتين، لا مُبَيَّنٌ ولا مُدْغَمٌ هذا حكم حروف الفم مع «النون» و«التنوين» . فَأَمَّا إِخْفَاءُ الحَرَكَاتِ فهو اختلاسها والإسراع باللفظ بها مِن غير تسكين ولا تشديد، وهو عند النّحْويّين بزنة متحرك، يعنون أنّ الصوت يضعف به لأنّه يسكن رأساً، وذلك في قوله تعالى: {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا} [يوسف: 11] في قول الجماعة، وقوله: {شَهْرُ رَمَضَانَ} [البقرة: 185]، و{يَخْلُ لَكُمْ} [يوسف: 9]، و{مِنَ الرِّزْقِ قُلْ} [الأعراف: 32] وشبه ذلك مِن مذهب أبي عمرو . فأمّا ما وقع الاختلاف فيه بين القرّاء في إدغامه وإظهاره نحو: «الذال» من {إِذْ} . و«الدال» من {قَدْ}. و«تاء التأنيث» المتصلة بالفعل. و«اللام» من {هَلْ} و{بَلْ} . و«الثاء» عند «التاء» . و«الذال» عند «التاء» ونحو ذلك مِن الحروف المتقاربة في المخارج . فينبغي للقارئ أنْ يأتيَ بجميع ذلك على حقيقته في مذهب كلّ واحدٍ مِن القرّاء على ما رُوِيَ عنه مِن غير تكلّف تشديد ، بل بسهولة لفظ كما ذكرناه .
وأمّا ما لم يقع فيه اختلاف بين العامة مِن ذلك ممّا لا يجوز فيه غير ذلك فمِن الواجب على الطالب للقراءة حفظه ومعرفة أصوله ، واعلم أنّه لا خلاف بين القرّاء في إظهار «اللام الساكنة» لتوالي الحركات عند «النون» نحو قوله: {أَرْسَلْنَا} [البقرة: 151]، {وَقُلْنَا} [البقرة: 35]، {وَأَنْزَلْنَا} [البقرة: 57] وما كان مثله. وكذلك «اللام الساكنة» للجزم في قوله {وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ الله} [البقرة: 211] وكذلك «الميم الساكنة» عند «الفاء» و«الواو» وعند سائر الحروف حاشى مثلها أو «الباء» نحو قوله: {هُمْ فِيهَا} [البقرة: 25]، و{وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ} [البقرة: 15]، و{هُمْ وَقُودُ النَّارِ} [آل عمران: 10]، و{حم * وَالْكِتَابِ} [الزخرف: 1-2، الدخان: 1-2] وما كان مثله. فأمّا إذا لقيت مثلها فإنّها تدغم ولا يجوز غير ذلك . وأمّا إذا لقيت «الباء» فإنّها تخفى ولا تدغم ، نحو قوله: {كُنْتُمْ بِهِ} و{آمَنْتُمْ بِهِ} وما كان مثله. وكذلك لا خلاف في إظهار «الضاد» عند «التاء» في قوله: {أَفَضْتُمْ}، و{عَرَّضْتُمْ}، و{خُضْتُمْ}وما كان مثله. وكذلك حكمهما عند «الظاء» في قوله: {أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ} [الشعراء: 136] لا غير. وكذلك «اللام» مِن {قُلْ} عند «النون» وعند سائر الحروف حاشى مثلها و«الرّاء» نحو: {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ}، و{قُلْ نَعَمْ}، و{قُلْ صَدَقَ اللهُ}، و{قُلْ تَعَالَوْا} وشبهه. وكذلك «الواو الساكنة» و«الياء» إذا وليتهما حركتهما في مثلهما نحو قوله: {آمَنُوا وَكَانُوا}، و{الَّذِي يُوَسْوِسُ}، وما كان مثله. فهذه جملة مِن المتّفق عليه مِن المظهر. فَأَمَّا مَا اتُّفِقَ عَلَيْهِ مِنَ المُدْغَمِ فَهُوَ: كل مثلين التقيا في كلمة أو في كلمتين وسكن الأول منهما، نحو قوله: {مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً} [الكهف: 82]، و{رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} [البقرة: 16]، {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات: 12] ، و{فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ} [البقرة: 60] ، و{مَالِيَهْ * هَلَكَ} [الحاقة: 28-29]، و{عَصَوْا وَكَانُوا} [البقرة: 61]، وما كان مثله إذا انفتح ما قبل «الواو»، وكذلك إن انفتح ما قبل «الياء». وكذلك: {إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً} [الأنبياء: 87]، و{قَدْ دَخَلُوا} [المائدة: 61]، و{يُدْرِكُّكمُ الْمَوْتُ} [النساء: 78]، {وَمَنْ يُكْرِههُّنَّ} [النور: 33] ، و{أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ} [النحل: 76] . وكذلك المتقاربان إذا سكن الأول منها وكانا في كلمة واحدة لا غير، نحو قوله: {أَلَمْ نَخْلُقكُّمْ} [المرسلات: 20]، {وَإِنْ أَرَدتُّمُ} [البقرة: 233]، وما كان مثله حيث وقع . وكذلك «الذال» مِن {إِذْ} عند «الظاء» نحوه قوله: {إِذْ ظَلَمُوا} [النساء: 64]، و{إِذْ ظَلَمْتُمْ} [الزخرف: 39] . وكذلك «التاء» التي للتأنيث عند «الطاء» و«الدال»، نحو قوله: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ} [آل عمران: 72]، و{إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ} [آل عمران: 122]، و{أَثْقَلَتْ دَعَوَا} [الأعراف: 189]، و{أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يونس: 89]. وكذلك لا خلاف في إدغام «الطاء» في «التاء» وتبقية صوت «الطاء»، نحو قوله: {أَحَطْتُ} [النمل: 22]، و{فَرَّطْتُمْ} [يوسف: 80]، و{بَسَطْتَ} [المائدة: 28] وما كان مثله. وكذلك «الدال» مِن {قَدْ} عند «التاء»، نحو: {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ} [البقرة: 256]، {وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا} [القمر: 15]، {وَقَدْ تَعْلَمُونَ} [الصف: 5] وما كان مثله. وكذلك «اللام» مِن {قُلْ} و{بَلْ} عند «الرّاء»، نحو قوله: {قُلْ رَّبِ} [المؤمنون: 93]، و{فَقُلْ رَّبُّكُمْ} [الأنعام: 147]، و{بَلْ رَّفَعَهُ اللهُ} [النساء: 158]، و{بَلْ رَّانَ} [المطففين: 14]، و{بَلْ رَّبُّكُمْ} [الأنبياء: 56] وما كان مثله. وَمِنَ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِن الإظهار والإدغام أيضاً مجيء «النون الساكنة» و«التنوين» عند حروف الحلق، وهي «الهاء» و «الغين» و«العين» و«الحاء» و«الخاء»، واختلفوا عند «الهمزة»، فهذا لا خلاف بين الجماعة في إظهاره إلا ما رواه المسيبي مِن إخفائه «النون» و«التنوين» عند «الغين» و«الخاء» . وَكَذَلِكَ لَا خِلَافَ بينهم في إدغام «النون» و«التنوين» عند «الياء» و«الواو» و«الرّاء» و«اللّام» و«الميم» و«النون»، وهي هجاء «يرملون». وَاخْتَلَفُوا في ذلك مع تبقية غنة «النون» عند «الياء» و«الواو» وَأَجْمَعُوا على: تبقيتها عند «الميم» و«النون»، وعلى حذفها عند «اللام» و«الراء» إلا ما لا يُلْتَفَت إليه، ولا يُعوَّل عليه مِن رواية شاذّة خارجة عن قول الجماعة. فَأَمَّا بما تبقى مِن حروف المعجم إذا أتت «النون» و«التنوين» قبلها فإنّهما يقلبان عند «الباء» «ميماً» في اللّفظ، نحو قوله: {مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} [البقرة: 52]، و{ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا} [النور: 40] وما كان مثله. وهما بعد ذلك تخفيان عند الباقي مِن ذلك، وقد بَيَّنَّا حقيقة الإخفاء ومعناه . فهذه جمل لا بدّ للقارئ من حفظها ومعرفتها واستعمال اللفظ بجميع ذلك على ما وصفناه ، فجزى الله أبا عمرو خيرا على ما بين ووضح فقد ظهرت لنا القراءة الصحيحة بما نقل عنهم كتابة وسماعا فاللهم جاز مشايخنا بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفوا وغفرانا ياكريم ياغفور .
30 ـ وقلْ إنَّ تسكـينَ الحروفِ لجَزْمِــــها وتحريكها للـرفع والنصب والجــرِّ
قال أبو عمرو: والحركات ثلاث : فتحة ، وضمة ، وكسرة. وهي تأتي على ضربين : إعراباً، وبناءً . فأما إذا كانت إعراباً فهي متقلبة بوجوه الإعراب على حال ما يلي الاسم العوامل ، وذلك نحو قوله: { قَالَ اللهُ } [آل عمران: 55]، و{ وَمَا يُعَلِّمَان مِنْ أَحَدٍ [البقرة: 102]، {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ} [البقرة: 196] ، وما كان مثله. وَأَّما إِذَا كَانَتْ بِنَاءً فإنّها تلزم موضعها ولا تنتقل بعامل ولا بغيره، نحو: {هَؤُلَاءِ}، و{مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: 4] ، وما كان مثله. وقد فَرَّقَ النحويّون بالتسمية بين المعرب والمبنيّ، فما كان معرباً قالوا فيه : منصوب ، ومخفوض ، ومرفوع . وما كان مبنيًّا قالوا فيه : مفتوح، ومضموم ، ومكسور دلالة على ذلك . فَأَمَّا السُّكُونُ فينقسم أيضاً قسمين : معرباً، ومبنيًّا، فما كان فيه معرباً سمَّوه مجزوماً ، نحو: {أَلَمْ نَجْعَلْ} [البلد: 8]، و{إِنْ يَشَأْ} [النساء: 133] وما كان مثله ممّا عمل فيه ما قبله فجزمه . وَمَا كَانَ مَبْنِيًّا لم يعمل فيه عامل سمَّوه موقوفاً ومُسكّناً، نحو قوله : {أَنْبِئْهُمْ} [البقرة: 33]، و{فَقُلْنَا اضْرِبْ} [البقرة: 60] وما كان مثله .
31 ـ فحرِّكْ وسكِّنْ واقطَـعَنْ تارةً وصـــِلْ ومَكِّنْ وميِّزْ بينَ مدِّكَ والقَصْـــــرِ
قال أبو عمرو: وحقيقة اللّفظ بالحركات الثلاث أنْ تأتي بهنّ كوامل مِن غير اختلاس يؤول إلى تضعيف الصوت بهنّ، ومِن غير إشباع يؤول إلى أنْ تأتيَ بعد الفتحة بـ«ألفٍ» وبعد الكسرة بـ«ياء» وبعد الضمة بـ«واو». وحقيقة اللّفظ بالسكون أنْ تخلي الحرف المسكن مِن الحركات الثلاث . فأمّا ما ضَعَّفْتَ صوتَك بحركته ولم تتمّه فنحو الرَّوْم، والإخفاء، والاختلاس ، وقد قدّمنا أنّه متحرك في الحقيقة ، فهذه حدود الحركات مشبعةً ومختلسةً وجليّةَ السكون ، فاعلمه . وَأَمَّا مَا يُقطع مِن «الألفات» وما يوصل منهنّ فنحن نذكر مِن ذلك ما فيه الكفاية إنْ شاء الله . اعْلَمْ أَنّ «ألف القطع» تكون موجودة في الأسماء ، والأفعال، والأدوات وهي تأتي على ضربين : زائدة ، وأصلية . فأمّا كونها في الأسماء زائدة فنحو قوله: {أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 12] ، و{أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا} [الزمر: 35] ، و{أَلْسِنَتُكُمُ} [النحل: 116]، و{مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} [النحل: 69] ، {وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ} [الأعراف: 150]، وما كان مثله مِن الاسم المفرد والمجموع ، ألا ترى أنّ الألف في ذلك على « فاء » الفعل و«عينه» و«لامه». وَأَمَّا كَوْنُهَا زائدة في الأفعال ، فإنّها تأتي على أربعة أضرب: أحدها : أنْ تكون في أول فعل ماضٍ على وزن«أفعل»، فتعرفها حينئذ بزيادتها على الوزن، وبانضمام أول مستقبلها، وذلك نحو قوله: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7]، {وَمَا أَنْزَلَ اللهُ} [البقرة: 164]، و{أَهْلَكْتَهُم} [الأعراف : 155]، و{أَنْشَرَهُ} [عبس: 22]، و{رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا} [البقرة: 250]، (وربنا؟) وما كان مثله.
والضرب الثاني: أنْ تكون في أول فعل مستقبل، وهي التي يقال لها «ألف متكلم»، وهي التي تكون مضمومة ومفتوحة، وتعرفها بما يعرف به المستقبل . فأمّا انضمامها فهو إذا كان ماضيها على أربعة أحرف، نحو قوله: {أُفْرِغْ عَلَيْهِ} [الكهف: 96]، {وَأُنَبِّئُكُمْ} [آل عمران: 49]، و{سَأُنْزِلُ} [الأنعام: 93]، وما كان مثله. وأمّا انفتاحها فهو إذا كان ماضيها على ثلاثة أحرف، أو على أكثر مِن أربعة أحرف بالزوائد، نحو قوله: {أَسْتَخْلِصْهُ} [يوسف: 54]، و{أَنَا آتِيكَ} [النمل: 39]، {وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ} [يونس: 104]، و{إِنِّي أَعْلَمُ} [البقرة: 30]، و{إِلَّا مَا أَرَى} [غافر: 29]، {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ} [النمل: 92]، و{إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا} [الأنعام: 50] وما كان مثله.
والضرب الثالث : أنْ تكون في أول فعل قد تُرِكَ تسميةُ فاعله نحو قوله: {فَإِنْ أُعْطُوا} [التوبة: 58]، و{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة: 196]، و{مَنْ أُكْرِهَ} [النحل: 106]، وما كان مثله.
والضرب الرابع: أنْ تكون استفهاماً، وهي تكون في «الأسماء» و«الأفعال» و«الأدوات»، وتعرفها (في؟) بإثبات «أم» بعدها، ويحسن «هل» في موضعها . فأمّا كونها في الأسماء فقوله: {قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ} [الأنعام: 143]، و{آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} [يونس: 59]، و{آَلْآَنَ} [يونس: 51، 91]، و{أَكُفَّارُكُمْ} [القمر: 43]، و{آَلسِّحْرُ} [ يونس: 81]، هذا وشبهه. وأمّا كونها في الأفعال فنحو قوله: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ} [العنكبوت : [ 1-2]، و{قُلْ أَتَّخَذْتُمْ} [البقرة: 80]، {وَوَلَداً * أَطَّلَعَ } [ مريم: 77-78] ، و{جَدِيدٍ * أَفْتَرَى} [سبأ: 7-8]، و{لَكَاذِبُونَ * أَصْطَفَى} [الصافات: 152-153] ، وما كان مثله . وأمّا كونها في الأدوات فنحو قوله: {ءَأَنْتَ قُلْتَ} [المائدة: ]، و{ءَأَنْتُمْ أَعْلَمُ} [البقرة: 140]، و{أَإِذَا مِتْنَا} [المؤمنون: 82، الصافات: 16، 53، ق: 3، الواقعة: 47]، و{أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ} [يس: 19] ، وما كان مثله. وأمّا كون «ألف القطع» في الأسماء والأفعال والأدوات بأصليةٍ فتعرفها في الأسماء والأفعال باستقرارها «فاءً» مِن الفعل . فأمّا الأسماء فنحو قوله: {أَتَى أَمْرُ اللهِ} [النحل: 1]، {فَلَمَّا أَتَاهَا} [طه: 11]، {وأُخِذُوا مِنْ} [سبأ: 51]، {وَقَدْ أُمِرُوا} ، [النساء: 60] وما كان مثله .
32 ـ وَمَاالمَـــــدُّ إِلاّ فِيْ ثَلَاثــــــــــةِ أَحـْـــــــرُفٍ تُسَمَّى حُـــــرُوفَ اللِّينِ بَاحَ بِهَا ذِكْـرِيْ
33 ـ هِيَ الْأَلِفُ الْمَعْرُوفُ فِيْهَا سُكُونــُهَا وَوَاوٌ وَيَــــــــــاءٌ يَسْكُنَـــــــــانِ مَعًــــــــا فَــادْرِ
بين رحمه الله تعالى حروف المد الثلاثة وتسمى حروف المد واللين ، فحروف العلة الثلاثة تأتي على ثلاثة أضرب : الأول أن تكون ساكنة وما قبلها يدل عليها وتسمى مد ولين وهي الألف الساكنة المفتوح ما قبلها والياء الساكنة المكسور ما قبلها والواو الساكنة المضموم ما قبلها وهي التي أشار إليها في البيتين السابقين . الضرب الثاني : أن تكون ساكنة وما قبلها مفتوح وتسمى حروف اللين فقط وهي الألف الساكنة المفتوح ما قبلها ويظهر من ذلك أن الألف لا تأتي إلا ساكنة وما قبلها مفتوح دائما لذلك انفرد الألف عن الياء والواو الساكنتين ، فالياء الساكنة المفتوح ما قبلها مثل بيت ، والواو الساكنة المفتوح ما قبلها مثل خوف ، فهذه حروف اللين . الضرب الثالث : ولا يكون إلا في الواو والياء من حروف العلة الثلاثة لأنها تتحرك في مواضع كثيرة فالياء المتحركة مثل ( يعمل ) والواو المتحركة مثل ( ولد ) حرفا شبيه بالصحيح .


34 ـ وَخَفَّفْ وَثَقِّلْ وَاشْدُدِ الفَــكَّ عَامِـدًا وَلَا تُفْرطَــنْ فِيْ الفَتْح والضم وَالْكَسْــرِ
35 ـ وَمَا كَانَ مَهْمُـــــوزاً فَكُـــنْ هَامِـــزًا لـــهُ وَلَا تَهْمِزَنْ مَا كَانَ يَخْفَىْ لَدَىْ الــنَّبْـــر
بين رحمه الله تعالى أن الحرف المخفف لا يثقل وأن المثقل لا يخفف وما كان للفك أن يشد مثل الراء المكسورة والتاء المفتوحة وحروف الانفتاح المتحركة بالكسر أو الفتح و التي لابد من التدقيق في شد الفك فيها حتى تخرج صحيحة من غير إطباق ولا تفخيم ، وكذلك لا تفرط في الحركات الفتحة والضمة والكسرة حتى لا تخرج الحرف عن حد وزنه ، وعلى القاريء أن يظهر الهمزة من غير تميع لها كالمسهلة ومن غير تلوك فيها ولا تهوع فتخرج كالذي يريد أن يتقيأ فلا إفراط فيها ولا تفريط ، أما قوله ولا تهمزن ما يخفى لدى النبر أي فاحرص على الألفات المنتهية في الحروف المقطعة في بدايات السور الراء والطاء والهاء والياء والحاء فلا همز فيها وكذلك في مد العوض مثل ( مرصادا ) والوقوف على الألفات مثل ( الضحى ) فاحذر ان تتي بهمزة أو هاء عند الوقف عليها والنبر هو الارتفاع بالصوت حتى يتبين الحرف من غيره .
36 ـ وَإِنْ تَكُ قَبَل الْيَاءِ والْـــوَاوِ فَتْحَـــةٌ وَبعْدَهُمَا هَمْــــزٌ هَمَــــــــــــزْتَ عَلَىْ قَـــــــــــــدْرِ
بين رحمه الله تعالى فقال وإن تكن قبل الياء والواو التي بعدهما همزة وقبلهما حرفا مفتوحا مثل : ( شَيء ، سَوء ) فهذان حرفا لين ياء ساكنة قبلها فتحة ، وواو ساكنة قبلها فتحة ، وبعدهما همز فلابد وأن يكون الهمز على قدر فليس فيها مدا أثناء الوصل وإن وقفت فتهمز بلطف وسهولة دون تكلف وتعسف .

37 ـ وَرَقِّقْ بَيَـــــانَ الــــــرَّاءِ واللاَّمِ يَنْــذَرِبْ لِسَـــانُكَ حَتَىْ تَنْظِــــــمَ القَـــــــــــولَ كَالــــــدُّرِّ
38 ـ وَأَنْعِــــــمْ بَيَــــــانَ العَيْــنِ والهَــاءِ كُلَمـــَــا دَرَسْتَ وَكُــنْ فِيْ الدَّرْسِ مُعْتَدِلَ الْأَمْـــرِ
بين رحمه الله تعالى أن حرفي الراء واللام أنهما من الحروف اللسانية السهلة في الخروج من مخرجهما إذ أن من صفاتهما الانفتاح والاستفال وحرفا توسط بين الشدة والرخاوة فيخرجان محققان دون زياة أو نقصان وليحترز القاريء من اللام المفخمة في لفظ الجلالة المفتوح والمضموم ما قبلها وكذلك من الراء المفخمة الساكنة التي قبل كسر عارض أو بعدها حرفا مفخما بعدها في نفس الكلمة لكي ينتظم اللسان ويفرق بين المفخم والمرقق لعذوبة القراءة ونعومتها وحسن سماعها وإيقاعها في نفس المستمع لها كي تأثر فيهم فالقراءة الصحيحة لها تذوق خاص . وكذلك حرف العين فهو أيضا اشتركت في صفات اللم والراء فهي حروف توسط وانفتاح واستفال فلابد أن يخرج بنعومة لفظه ومعها الهاء أيضا تخرج جوفية محققة لضعفها في المخرج وعليك ياطالب العلم أن تكون معتدل في دروسك فتأخذ بالتحقيق من معلمك دون زيادة أو نقصان .
39 ـ وَقِفْ عِنْــــدَ إِتْمَـــامِ الْكَـــلَامِ مُوَافِقــــًــا لِمُصْحَفِنــــَا المَتْلُــوِّ فِيْ الْبَــــرِّ والْبَحْـــــــرِ
أمر الشيخ رحمه الله تعالى بالوقف على المعنى التام وذلك لمن له فهم بالعربية فلابد للقاريء أن يعرف أنواع الوقف ، وذلك حتى يفهم السامع المعنى المقصود من كلام الله جل في علاه ، وقد وضع علماء القرآن علامات للتيسير على القاريء وتعريفه الوقف والوصل وذلك لأن المصحف المقروء في البر والبحر و في زماننا بالجو في الطائرات .

40 ـ وَلَا تُدْغِمَنَّ الْمِيْمَ إِنْ جِئْــتَ بَعْـدَهـَــا بِحَـــرفٍ سِـــــوَاهَا وَاقْبَلِ الْعِلمَ بِالشُّكـْـرِ
نهى الشيخ عن إدغام الميم في أي حرف ولكنها تدغم في مثلها فقط على أن يكون من باب الإدغام الصغير مثل ( هم من ) .
41 ـ وَضَمُّكَ قَبْلَ الْوَاوِ كُنْ مُشْبِعًــــا لــَـهُ كَمَــــا أَشْبَعُـــــوا إِيَــــاكَ نَعْبُـــــدُ فِيْ المَـــــــرِّ
42 ـ وَإِنْ حَرْفُ لِينٍ كَانَ مِنْ قَبْلُ مُدْغَـمًا كَآخِـــرِ مَا فِيْ الْحَمْدِ فَامْدُدْهُ وَاسْتَجــــْرِ
43 ـ مَـــــدَدْتَّ لِأَنَّ السَّاكِنَــــَيــــــــن ِ تَلَاقَيَـــا فَصَــــارَ كَتَحْــــرِيكٍ كَذَا قَالَ ذُوْ الخُبــــْرِ
بين أن الواو الشفوية أي المتحركة إذا وقع قبلها حرف متحرك بالضم فلابد وأن نضم الشفتين ضما ويقوم القاريء بإشباع هذه الحركة حتى نخلص المضموم من الواو ثم ضرب مثالا لذلك فقال كما أشبعوا إياك نعبد في المر اي كما أشبعوا حركة الضمة على حرف الدال في كلمة ( نعبد ) فبعدها واو مفتوحة ولكي يحدث هذا الإشباع لابد من ضم الشفتين ضما فكل مضموم أتى لا يتم إلا بضم الشفتين ضما والمقصود بالمر إي إذا مررت عليها فوصلت الدال بالواو ولم تقف على كلمة ( نعبد ) ووصلتها بـ ( وإياك نستعين ) ، ولم يخرج من فاتحة الكتاب ولكنه بين مثالا فيها لحرف الألف الممدود ونبه على المد الكلمي المثقل في كلمة ( الضالين ) فقال وإن حرف لين كان من قبل مدغم أي الألف التي قبل حرف اللام المشددة فالألف لين والمدغم بعدها اللام في نفسها حيث أن المشدد عبارة عن حرفين الأول ساكن والثاني متحرك فلابد مد اللين لعروضه للسكون فقال فامدده واستجر . وبين أن المد سببه تلاقي الحرفان الساكنان الألف الساكنة واللام الأولى الساكنة في الأخرى المكسورة .

44 ـ وَأُسْمِيْ حُـــــــرُوْفًا ستَّـــــــةً لِتَخُصَّــهَـــــا بِإظْهَـــــــارِ نُـــــوْنٍ قَبْلَهـــــــا أَبَـــــــدَ الدَّهْـــــرِ
45 ـ فَحَـــاءٌ وَخَــــــــاءٌ ثُمَّ هـَـــــــــاءٌ وَهَــــمْــــــــــزَةٌ وَعَيْـــــــنٌ وَغَيْـــــنٌ لَيْـــسَ قَــــــوْلِيَ بِالنُّكْـــرِ
46 ـ فَهَذِيْ حُرُوْفُ الْحَلْقِ يَخْفَىْ بَيَانُـــهَــا فَدُوْنَـــــــكَ بَيِّنْهَــــا وَلَا تَعْصِيَــنْ أَمْــرِيْ
سمى الشيخ الحروف الستة التي تقع بعد النون الساكنة أو التنوين بحروف الإظهار وهذه الحروف هي الحاء والخاء والهاء والهمزة والعين والغين وهذا الكلام واضح جلي وسماها حروف الحلق كما اشتهر عنها لأنها تخرج من الحلق فلا يخفى بيانها فلابد وأن نظهر النون الساكنة والتنوين قبلها ولا تعص أيها القاريء الكريم أمر الشيخ رحم الله الجميع .
47 ـ وَلَا تَشْـدُدِ النُــــونَ الـَّتيْ يُظْهِرُونَهــا كَقَوْلِكَ مِنْ خَيْلٍ لَدَىْ سُوْرَةِ الحَشْـرِ
48 ـ وَإِظْهَـــــارُكَ التَّنْوِيْنَ فَهْـــــوَ قِـيَاسُهَــا فَقِسْـــــهُ عَلَيْهَا فُزْتَ بِالْكَاعِبِ الْبِكْـــرِ
نهى الشيخ تشديد النون الساكنة إذا وقع بعدها حرف من حروف الإظهار فهذا من اللحن الجلي الواضح لأن الإظهار ليس معناه التشديد مثل ( من خيل ) ( من غل ) وهكذا ، وبين أن إظهار التنوين قياس لأن التنوين عبارة عن نون ساكنة تلحق آخر الاسم وصلا لاوقفا لفظا لاخطا فأنت تقيس على ذلك مثل ( عليمٌ خبير ) ( لعفوٌ غفور ) فإذا فعلت ذلك أي القياس فزت بالحور العين الكواعب الأتراب ، اللهم ارزقنا إياها ياكريم
49 ـ وَقَدْ بَقِيَــــــتْ أَشْيَــــــــاءُ بَعْــدُ لَطِيْفَـــــــةٌ يُلَقَّنُهـــــــا بَــــــــــــاغِيْ التَّعَلُّـــــــمِ بِالصبــــــــْرِ
50 ـ فَلَابْن ِعُبَيْـدِ اللّه مُوْسَىْ عَلَىْ الَّذِيْ يُعَلِّمُهُ الْخَيْــــــرَ الدُّعَاءُ لَــدَىْ الفَجْـــرِ
51 ـ أَجَابَـــــــــكَ فِيْنَـــــــــــا رَبُّنَـــــــــــا وَأَجَابَــــــنَــــا أَخِيْ فِيْــــكَ بِالْغُفْـــــــرَانِ مِنْهُ وَبِالنَّصْــرِ

بين الشيخ رحمه الله تعالى أنه بعد أن بين الاهتمام بالقراءة والقراء السبعة وبين بعض الأحكام التجويدية أنه بقيت أشياء بعد ذلك لطيفة لمن أراد أن يتعلم وكأنه يشوق أهل العلم بأن يهتموا بذلك الأمر ويبحثوا عن من يأخذون عنهم القرءان الذين تلقوه من أفواه المُعَلَمِين الذين تلقوه صافيا عذبا طريا كما قرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعد بحثه عن شيخ مجاز لابد وأن يصبر حتى يتعلم ويحفظ ويجد بالقراءة حتى يصير قارئا ثم مقرئا وبعدها يعلم كما تعلم فالخيرية في التعليم بعد التعلم ولا يكون ذلك إلا بالصبر ، فإن كنت تعلمت من أبي عبيد الله موسى بن خاقان شيئا فلا تبخل عليه بدعوة في وقت السحر أن يغفر الله له وأن يعفوا عنه وإن كنت قد تعلمت مني أيضا شيئا فلا تبخل عليّ من دعائك أيها القاريء الكريم عفا الله عنا وعنك ، فالله عز وجل مجيب الدعوات غافر الذنب وقابل التوب ، فاللهم تب علينا واغفر لنا وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين .