المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سكرات الموت-وفتنة القبر وظلمته وضمته وعذابه ونعيمه-فتنة الممات-البشارة عند الموت-من الذين يعصمون من فتنة القبر؟ تعلق الروح بالبدن



أهــل الحـديث
16-12-2013, 11:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الباب الثالث :الإيمان بسكرات الموت وشدتها ، وما بعد ذلك من فتنة القبر وعذابه ونعيمه :

الفصل الأول: الموت:


المبحث الأول:سكرات الموت وشدته:


إن الموت له شدة وله سكرات :

قال تعالى (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)القيامة19.

وعن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صصصقال (إن من نعم الله علي : أن رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم توفي في بيتي، وفي يومِي، وبين سحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عِندَ موته : دخل علي عبد الرحمن، وبيده السواك، وأنا مسندة رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك، فقُلْت : آخذه لك ؟ فأشار برأسه : ( أن نعم ) . فتناولته، فاشتد عليه، وقُلْت : الينه لك ؟ فأشار برأسه : ( أن نعم ) . فلينته، فأمره، وبين يديه ركوة أو علبة - يشك عمر - فيها ماء ، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه ، يقول : ( لا إله الإ الله ، إن للموت سكرات ) . ثم نصب يده ، فجعل يقول : ( اللهم في الرفيق الأعلى ) . حتى قبض ومالت يده )صحيح البخاري .


ما المقصود بسكرات الموت ؟ هو شدة الموت وكرباته والسكر حالة بين المرء وعقله وهو الإغشاء بسبب الألم.

وتختلف السكرات بين المؤمن والكافر:

فالكافر يعاني في السكرات أكثر مما يعاني المؤمن ، ومن المؤمنين من يخفف عنه سكرات الموت مثل الشهيد ، فعن أبي هريرة أن رسول اللهصصصقال(الشَّهيدُ لا يجِدُ مَسَّ القتلِ ، إلَّا كما يجِدُ أحدُكُمُ القَرصةَ يُقرَصُها)النسائي وصححه الألباني.

وإن مما يؤدي إلى زيادة السكرات سوء الخاتمة ، فما هي أسبابها؟

سوء الخاتمة له أسباب منها ما يلي:
1- فساد الاعتقاد.
2- الإصرار على المعاصي .
3- العدول عن الاستقامة ومن ذلك إبليس الذي عدل من الطاعة إلى المعصية والكفر والاستكبار وبلعم بن باعوارء الذي الذي انسلخ من دينه.
4- ضعف الإيمان.

ما يحدث للميت عند موته لا نراه ولا نشاهده:

فما يحدث للميت عند موته لا نشاهده وإن كنا نرى آثاره ، قال تعالى عن حال المحتضر(فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ*وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ*وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ)الواقعة 83 – 85.
ففي الآية دليل على وجود الملائكة عند نزع الروح والاحتضار وعند سكرات الموت.
المبحث الثاني: فتنة الممات:

هناك فتنة تسمى فتنة الممات فما هي فتنة الممات وهل هي فتنة القبر وسؤاله ؟

عن أنس بن مالك : كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقول ( اللهمَّ ! إني أعوذُ بك من العجزِ والكسلِ ، والجُبنِ والهَرمِ ، والبُخلِ . وأعوذ بك من عذابِ القبرِ ، ومن فتنةِ المحيا والمماتِ ) صحيح مسلم.

في الحديث السابق : دلالة أن فتنة الممات غير عذاب القبر وسؤاله ، والراجح أن فتنة الممات المقصود بها أن تتخبط المرء الشياطين عند الموت فيفتتن ويغير دينه .

فعن أبي اليسر كعب بن عمرو (أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ كانَ يدعو اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بكَ منَ الهدْمِ وأعوذُ بكَ منَ التَّردِّي وأعوذُ بكَ منَ الغرَقِ والحرْقِ والهرَمِ وأعوذُ بكَ أن يتخبَّطني الشَّيطانُ عندَ الموتِ وأعوذُ بكَ أن أموتَ في سبيلِكَ مدبرًا وأعوذُ بكَ أن أموتَ لديغًا)أبي داود وصححه الألباني.

التردي: السقوط من عال كالوقوع من شاهق جبل أو في بئر
والهدم: بسكون الدال أي سقوط البناء ووقوعه على الشيء.
والغرق: الموت بالغرق.
والحرق: الالتهاب بالنار، استعاذ منها مع ما فيها من نيل الشهادة لأنها مجهدة مقلقة لا يثبت المرء عندها فربما استنزله الشيطان فأخل بدينه.
وأعوذ بك أن موت في سبيلك مدبرا: عن الحق أو عن قتال الكفار حيث حرم الفرار.
وأعوذ بك أن أموت لديغا: أي ملدوغ من العقرب أو الحية ونحوه.

المبحث الثالث:البشارة عند الموت:

الملائكة تبشر المؤمنين عند الموت بالمغفرة والرضوان وتبشر الكافرين بسخط والله وغضبه .

قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)فصلت30.
وقال تعالى (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)الأنفال50.
الفصل الثاني : القبر:

المبحث الأول :القبر أول منازل الآخرة وهو أفظع المناظر:
فعن هانيء مولى عثمان :( كانَ عُثمانُ بنُ عفَّانَ إذا وَقفَ على قَبرٍ يبكي حتَّى يبَلَّ لحيتَهُ ، فقيلَ لَهُ : تذكرُ الجنَّةَ والنَّارَ ، ولا تبكي ، وتَبكي مِن هذا ؟ قالَ : إنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ، قالَ : إنَّ القبرَ أوَّلُ مَنازلِ الآخرةِ ، فإن نجا منهُ ، فما بعدَهُ أيسرُ منهُ ، وإن لم يَنجُ منهُ ، فما بعدَهُ أشدُّ منهُ قالَ : وقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ : ما رأيتُ مَنظرًا قطُّ إلَّا والقَبرُ أفظَعُ منهُ)بن ماجة وحسنه الألباني.

والقبر له ظلمة وله ضمة:

فعن أبي هريرة أن رسول الله صصصقال (إنَّ هذه القبورَ مملوءةٌ ظُلمةً على أهلِها . وإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُنوِّرُها لهم بصلاتي عليهم)صحيح مسلم.

وعن عبدالله بن عمر أن رسول الله صصصقال (هذا الَّذي تحرَّك له العرشُ ، وفُتحَتْ له أبوابُ السَّماءِ ، وشهِده سبعونَ ألفًا من الملائكةِ ، لقد ضُمَّ ضمَّه ، ثمَّ فُرِّجَ عنهُ)النسائي وصححه الألباني.

الذي تحرك له العرش:سعد بن معاذ.
وعن أنس بن مالك أن رسول الله صصصحضر جنازة صبي ثم قال (لو نجا من ضَمَّةِ القبرِ لنجا هذا الصبيُّ)صححه الألباني.

المبحث الثاني: فتنة القبر ونعيمه وعذابه:

المطلب الأول: المقصود بفتنة القبر ونعيمه وعذابه:

المصود بفتنة القبر : هو سؤال الملكين.


فإذا ما مات الإنسان ووضع في قبره تعاد إليه روحه سواء كانت روحا طيبة أو روحا خبيثة ويأتيه ملَكان:
× فإن كانت روحا طيبه : فيُجلسانه فيقولان من ربُّك فيقولُ ربِّي اللهُ فيقولان ما دينُك فيقولُ ديني الإسلامُ فيقولان ما هذا الرَّجلُ الَّذى بُعِث فيكم فيقولُ هو رسولُ اللهِ فيقولان له وما عمَلُك فيقولُ قرأتُ كتابَ اللهِ فآمنتُ به وصدَّقتُه فيُنادي منادٍ من السَّماءِ أن صدق عبدي فأفرِشوه من الجنَّةِ وألبِسوه من الجنَّةِ وافتَحوا له بابًا إلى الجنَّةِ قال فيأتيه من روحِها وطيبِها ويُفسَحُ له في قبرِه مدَّ بصرِه قال ويأتيه رجلٌ حسنُ الوجهِ حسنُ الثِّيابِ طيِّبُ الرِّيحِ فيقولُ أبشِرْ بالَّذي يسُرُّك هذا يومُك الَّذي كنتَ تُوعَدُ فيقولُ من أنت فوجهُك الوجهُ يجيءُ بالخيرِ فيقولُ أنا عملُك الصَّالحُ فيقولُ ربِّ أقِمِ السَّاعةَ حتَّى أرجِعَ إلى أهلي ومالي .

× وإن كانت روحا خبيثة : يأتيه ملَكان فيُجلسانه فيقولان له من ربُّك فيقولُ هاه هاه لا أدري قال فيقولان له ما دينُك فيقولُ هاه هاه لا أدري فيقولان له ما الرَّجلُ الَّذي بُعِث فيكم فيقولُ هاه هاه لا أدري فيُنادي منادي من السَّماءِ أن كذب فأفرِشوه من النَّارِ وافتحوا له بابًا إلى النَّارِ فيأتيه من حَرِّها وسَمومِها ويُضيَّقُ عليه قبرُه حتَّى تختلِفَ أضلاعُه ويأتيه رجلٌ قبيحُ الوجهِ قبيحُ الثِّيابِ مُنتِنُ الرِّيحِ فيقولُ له أبشِرْ بالَّذي يسوءُك هذا يومُك الَّذي كنتَ توعدُ فيقولُ من أنت فوجهُك الوجهُ يجيءُ بالشَّرِّ فيقولُ أنا عملُك الخبيثُ فيقولُ ربِّ لا تُقِمِ السَّاعةَ.

فعن البراء بن عازب : (خرجنا مع رسولِ اللهِ فذكر مثلَه إلى أن قال فرفع لرأسِه فقال استعيذوا باللهِ من عذابِ القبرِ مرَّتَيْن أو ثلاثًا ثمَّ قال إنَّ العبدَ المؤمنَ إذا كان في انقطاعٍ من الدُّنيا وإقبالٍ من الآخرةِ نزل إليه ملائكةٌ من السَّماءِ بيضُ الوجوهِ كأنَّ وجوهَهم الشَّمسُ معهم كفنٌ من أكفانِ الجنَّةِ وحَنوطٌ من حنوطِ الجنَّةِ حتَّى يجلِسوا منه مدَّ البصرِ ثمَّ يجيءُ ملَكُ الموتِ عليه السَّلامُ حتَّى يجلسَ عند رأسِه فيقولُ أيَّتها النَّفسُ الطَّيِّبةُ اخرُجي إلى مغفرةٍ من اللهِ ورضوانٍ قال فتخرُجُ فتسيلُ كما تسيلُ القطرةُ من في السِّقاءِ فيأخذُها فإذا أخذها لم يدَعوها في يدِه طرْفةَ عينٍ حتَّى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفنِ وفي ذلك الحنوطِ ويخرُجُ منها كأطيَبِ نفْحةِ مِسكٍ وُجِدت على وجهِ الأرضِ قال فيصعَدون بها فلا يمُرُّون يعني بها على ملأٍ من الملائكةِ إلَّا قالوا ما هذا الرُّوحُ الطَّيِّبُ فيقولون فلانُ بنُ فلانٍ بأحسنِ أسمائِه الَّتي كان يُسمُّونه بها في الدُّنيا حتَّى ينتهوا بها إلى السَّماءِ الدُّنيا فيستفتحون له فيُفتحُ لهم فيُشيِّعُه من كلِّ سماءٍ مُقرَّبوها إلى السَّماءِ الَّتي تليها حتَّى ينتهيَ بها إلى السَّماءِ السَّابعةِ فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ اكتبوا كتابَ عبدي في عِلِّيِّين أعيدوه إلى الأرضِ فإنِّي منها خلقتهم وفيها أُعيدهم ومنها أُخرجُهم تارةً أخرَى فتُعادُ روحُه في جسدِه فيأتيه ملَكان فيُجلسانه فيقولان من ربُّك فيقولُ ربِّي اللهُ فيقولان ما دينُك فيقولُ ديني الإسلامُ فيقولان ما هذا الرَّجلُ الَّذى بُعِث فيكم فيقولُ هو رسولُ اللهِ فيقولان له وما عمَلُك فيقولُ قرأتُ كتابَ اللهِ فآمنتُ به وصدَّقتُه فيُنادي منادٍ من السَّماءِ أن صدق عبدي فأفرِشوه من الجنَّةِ وألبِسوه من الجنَّةِ وافتَحوا له بابًا إلى الجنَّةِ قال فيأتيه من روحِها وطيبِها ويُفسَحُ له في قبرِه مدَّ بصرِه قال ويأتيه رجلٌ حسنُ الوجهِ حسنُ الثِّيابِ طيِّبُ الرِّيحِ فيقولُ أبشِرْ بالَّذي يسُرُّك هذا يومُك الَّذي كنتَ تُوعَدُ فيقولُ من أنت فوجهُك الوجهُ يجيءُ بالخيرِ فيقولُ أنا عملُك الصَّالحُ فيقولُ ربِّ أقِمِ السَّاعةَ حتَّى أرجِعَ إلى أهلي ومالي وإنَّ العبدَ الكافرَ إذا كان في انقطاعٍ من الدُّنيا وإقبالٍ من الآخرةِ نزل إليه من السَّماءِ ملائكةٌ سودُ الوجوهِ معهم المُسوحُ فيجلِسون منه مدَّ البصرِ ثمَّ يجيءُ ملَكُ الموتِ حتَّى يجلِسَ عند رأسِه فيقولُ أيَّتها النَّفسُ الخبيثةُ اخرُجي إلى سخطٍ من اللهِ وغضبٍ قال فتُفرَّقُ في جسدِه فينتزِعُها كما يُنتزَعُ السُّفُّودُ من الصُّوفِ المبلولِ فيأخذُها فإذا أخذها لم يدَعوها في يدِه طرفةَ عينٍ حتَّى يجعلوها في تلك المُسوحِ ويخرُجُ منها كأنتنِ جيفةٍ وُجِدت على وجهِ الأرضِ فيصعدون بها فلا يمُرُّون بها على ملأٍ من الملائكةِ إلَّا قالوا ما هذا الرُّوحُ الخبيثُ فيقولون فلانُ بنُ فلانٍ بأقبحِ أسمائِه الَّتي كان يُسمَّى بها في الدُّنيا حتَّى يُنتهَى به إلى السَّماءِ الدُّنيا فيُستفتَحُ له فلا يُفتَحُ له ثمَّ قرأ رسولُ اللهِ لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ اكتبوا كتابَه في سِجِّين في الأرضِ السُّفلَى فتُطرَحُ روحُه طرحًا ثمَّ قرأ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ فتُعادُ روحُه في جسدِه ويأتيه ملَكان فيُجلسانه فيقولان له من ربُّك فيقولُ هاه هاه لا أدري قال فيقولان له ما دينُك فيقولُ هاه هاه لا أدري فيقولان له ما الرَّجلُ الَّذي بُعِث فيكم فيقولُ هاه هاه لا أدري فيُنادي منادي من السَّماءِ أن كذب فأفرِشوه من النَّارِ وافتحوا له بابًا إلى النَّارِ فيأتيه من حَرِّها وسَمومِها ويُضيَّقُ عليه قبرُه حتَّى تختلِفَ أضلاعُه ويأتيه رجلٌ قبيحُ الوجهِ قبيحُ الثِّيابِ مُنتِنُ الرِّيحِ فيقولُ له أبشِرْ بالَّذي يسوءُك هذا يومُك الَّذي كنتَ توعدُ فيقولُ من أنت فوجهُك الوجهُ يجيءُ بالشَّرِّ فيقولُ أنا عملُك الخبيثُ فيقولُ ربِّ لا تُقِمِ السَّاعةَ)صححه الألباني.


الحنوط:الطيب

المُسوحُ:ثياب خشنة من النار.

السُّفُّودُ:قطعة حديد لها شعب.
وفي الحديث السابق: دلالة على ثبوت فتنة وسؤال القبر ونعيم القبر وعذابه .

والله سبحانه وتعالى يثبت الذين ءامنوا في الحياة الدنيا وفي الآخرة :

فيثبتهم على التوحيد في حياتهم ويثبتهم عليه عند مماتهم ويثبتهم عليه عند سؤال الملكين لهم في قبورهم ، فعن البراء بن عازب (خرَجْنا معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ في جِنازةِ رجلٍ منَ الأنصارِ، فانتَهينا إلى القبرِ ولمَّا يُلحَدْ، فجلسَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ وجَلَسنا حولَهُ كأنَّما على رءوسِنا الطَّيرُ، وفي يدِهِ عودٌ ينْكتُ بِهِ في الأرضِ، فرفعَ رأسَهُ، فقالَ: استَعيذوا باللَّهِ من عذابِ القبرِ مرَّتينِ، أو ثلاثًا، زادَ في حديثِ جريرٍ هاهنا وقالَ: وإنَّهُ ليسمَعُ خفقَ نعالِهم إذا ولَّوا مدبرينَ حينَ يقالُ لَهُ: يا هذا، مَن ربُّكَ وما دينُكَ ومن نبيُّكَ ؟ قالَ هنَّادٌ: قالَ: ويأتيهِ ملَكانِ فيُجلِسانِهِ فيقولانِ لَهُ: مَن ربُّكَ ؟ فيقولُ: ربِّيَ اللَّهُ، فيقولانِ: ما دينُكَ ؟ فيقولُ: دينيَ الإسلامُ، فيقولانِ لَهُ: ما هذا الرَّجلُ الَّذي بُعِثَ فيكم ؟ قالَ: فيقولُ: هوَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ، فيقولانِ: وما يُدريكَ ؟ فيقولُ: قرأتُ كتابَ اللَّهِ فآمنتُ بِهِ وصدَّقتُ زادَ في حديثِ جريرٍ فذلِكَ قولُ اللَّهِ عزَّ وجلَّ يُثبِّتُ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا فينادي منادٍ منَ السَّماءِ: أن قَد صدقَ عَبدي، فأفرِشوهُ منَ الجنَّةِ، وافتَحوا لَهُ بابًا إلى الجنَّةِ، وألبسوهُ منَ الجنَّةِ قالَ: فيأتيهِ من رَوحِها وطيبِها قالَ: ويُفتَحُ لَهُ فيها مدَّ بصرِهِ قالَ: وإنَّ الْكافرَ فذَكرَ موتَهُ قالَ: وتعادُ روحُهُ في جسدِهِ، وياتيهِ ملَكانِ فيُجلسانِهِ فيقولانِ: من ربُّكَ ؟ فيقولُ: هاهْ هاهْ هاهْ، لا أدري، فيقولانِ لَهُ: ما دينُكَ ؟ فيقولُ: هاهْ هاهْ، لا أدري، فيقولانِ: ما هذا الرَّجلُ الَّذي بُعِثَ فيكُم ؟ فيقولُ: هاهْ هاهْ، لا أدري، فُينادي منادٍ منَ السَّماءِ: أن كذَبَ، فأفرشوهُ منَ النَّارِ، وألبِسوهُ منَ النَّارِ، وافتَحوا لَهُ بابًا إلى النَّارِ قالَ: فيأتيهِ من حرِّها وسمومِها قالَ: ويضيَّقُ عليْهِ قبرُهُ حتَّى تختلِفَ فيهِ أضلاعُهُ زادَ في حديثِ جريرٍ قالَ: ثمَّ يقيَّضُ لَهُ أعمى أبْكَمُ معَهُ مِرزبَةٌ من حديدٍ لو ضُرِبَ بِها جبلٌ لصارَ ترابًا قالَ: فيضربُهُ بِها ضربةً يسمَعُها ما بينَ المشرقِ والمغربِ إلَّا الثَّقلينِ فيَصيرُ ترابًا قالَ: ثمَّ تعادُ فيهِ الرُّوحُ)أبي داود وصححه الألباني.

ومن الأحاديث السابقة : يتبين أن نعيم القبر هو أن يفرش للرجل الطيب فرشا من الجنة ويلبس لباسا من الجنة ويفتح له بابا إلى الجنة يأتيه من ريحها وهواءها ويمتع بالنظر إليها حيث يفتح له فيها مد بصره ، والكافر يفرش له فرشا من النار ويلبس لباسا من النار ويفتح له بابا إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه في قبره حتى تختلف أضلاعه ويعذب في قبره بمرزبة من حديد لا طاقة لأحد بها.

وكيفية العذاب والنعيم على وجه التحديد لا يعلمها إلا الله فهي من أمور الغيب التي لا نعلمها .

وفي الحديث :دلالة على أن الميت يسمع صوت نعال مشيعيه.

وفي الحديث : دلالة على أن المخلوقات تسمع عذاب القبر ماعدا الإنس والجن.

المطلب الثاني: أدلة عذاب القبر:

عذاب القبر ثابت في القرآن كما هو ثابت في السنة :

1- قال تعالى (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)غافر46.

وتفسير الآية : لقد أصابهم الغرق أولا وهلكوا ، ثم يُعذَّبون في قبورهم حيث النار، يُعرضون عليها صباحًا ومساء إلى وقت الحساب ، ويوم تقوم الساعة يقال: أدخلوا آل فرعون النار؛ جزاء ما اقترفوه من أعمال السوء. وهذه الآية أصل في إثبات عذاب القبر.

2- (يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ*وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)الطور46 -47.

وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك : أي لهم عذابا أقل من عذاب جهنم وهذا العذاب هو عذابهم في الدنيا بالقتل والسبي وعذابهم في القبر.

المطلب الثالث :عذاب القبر للروح والجسد :

هل عذاب القبر ونعيمه يحصل للروح والبدن جميعا ؟ وهل هو مستمر أم ينقطع؟


عذاب القبر يحصل للروح والبدن والروح تبقى بعد فناء البدن منعمة أو معذبة .


المطلب الرابع:عذاب القبر دائم ومنقطع:

فالعذاب في القبر نوعان :

1- عذاب دائم :

كما في قوله تعالى (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)غافر46.

2- عذاب إلى مدة معينة:

وهو عذاب بعض العصاة الذين خفت جرائمهم وهؤلاء يعذبون ثم يخفف عنهم كما يعذبون في النار مدة ثم يزول عنهم العذاب.

المطلب الخامس :من هم الذين يعصمون من فتنة القبر وعذابه؟

1- الشهيد :

عن المقدام بن معد يكرب أن رسول الله صصصقال:(للشَّهيدِ عندَ اللَّهِ ستُّ خصالٍ يُغفَرُ لَهُ في أوَّلِ دَفعةٍ من دمِهِ، ويَرى مقعدَهُ منَ الجنَّةِ، ويُجارُ من عذابِ القبرِ، ويأمنُ منَ الفزعِ الأَكْبرِ، ويُحلَّى حُلَّةَ الإيمانِ، ويزوَّجُ منَ الحورِ العينِ ويُشفَّعُ في سبعينَ إنسانًا من أقاربِهِ)بن ماجة وصححه الألباني.

2- الذي مات مرابطا في سبيل الله :

فعن فضالة بن عبيد أن رسول الله صصص قال :( كلُّ ميِّتٍ يُختَمُ على عملِهِ إلَّا الَّذي ماتَ مرابطًا في سبيلِ اللَّهِ فإنَّهُ ينمي لَهُ عملُهُ إلى يومِ القيامةِ ويأمَنُ فتنةِ القبرِ ...)الترمذي وصححه الألباني.


الرباطفيسبيلالله :هوالإقامةفيالثغور،وهيالأ� �اكنالتييخافعلىأهلهامنأعد� �ءالإسلام،والمرابطهوالمقي� �فيهاالمعدنفسهللجهادفيسبي� �الله ،والدفاععندينه ،وإخوانهالمسلمين.

3- الذي يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة:

عن عبدالله بن عمرو أن رسول الله صصصقال:( ما مِن مسلمٍ يموتُ يومَ الجمعةِ أو ليلةَ الجمعةِ إلَّا وقاهُ اللَّهُ فِتنةَ القبرِ)الترمذي وصححه الألباني.

4- الذي يموت بداء في البطن:

عن عبدالله بن يسار:( كنتُ جالسًا وسُلَيْمانُ بنُ صُرَدٍ وخالدُ بنُ عُرفُطَةَ ، فذَكَروا أنَّ رجلًا توُفِّيَ ماتَ ببطنِهِ ، فإذا هُما يشتَهيانِ أن يَكونا شُهَداءَ جَنازتِهِ ، فقالَ أحدُهُما للآخرِ : ألم يقُلْ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ : مَن يقتلْهُ بطنُهُ ، فلن يُعَذَّبَ في قبرِهِ فقالَ الآخرُ : بلَى)النسائي وصححه الألباني.

المطلب السادس:أسباب عذاب القبر:

عدم التنزه من البول هو أكثر أسباب عذاب القبر:

فعن أنس بن مالك أن رسول الله صصصقال: (تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه)صححه الألباني.
التنزه من البول : التحرز منه فربما أصاب بدنه وثوبه مما يترتب عليه بطلان عبادته التي يشترط فيها الطهارة، فربما أصاب الإنسان في بدنه أو ثوبه رزاز البول وهنا يجب أن يغسل مكان هذا الرزار ، كما أن الرجل إذا بال وجب عليه أن يتأكد أنه لن ينزل بول مره آخرى لأن الإنسان إذا بال وجب عليه أن يعصر ذكره مرة واثنين وعشرة حتى يتيقن أن البول لن يأتي بعد ذلك ويعلم الإنسان هذا الأمر بالتجربة فالأنسان على نفسه بصيرة .

واالناس يعذبون في قبورهم بسبب كفرهم ومعاصيهم إجمالا وهناك أسباب لعذاب القبر ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم منها:

1- النميمة :

فعن عبدالله بن عباس :( مرَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم على قَبْرَيْنِ ، فقال : إنهما لَيُعَذَّبان ، وما يُعَذَّبان في كبيرٍ ، أمَّا هذا : فكان لا يَسْتَتِرُ مِن بولِه ، وأما هذا : فكان يَمْشي بالنميمةِ . ثم دعا بعَسِيبِ رُطَبٍ فشَقَّه باثنين ، فغَرَسَ على هذا واحدًا ، وعلى هذا واحدًا ، ثم قال : لعلَّه يُخَفِّفُ عنهما ما لم يَيبَسَا)صحيح البخاري.

ومعنى النميمة : نقل الكلام بين الناس لقصد الإفساد وإيقاع العداوة والبغضاء .

عسيب أخضر: جريدة نخل خضراء ، وفي الحديث أن الرسول وضع هذا العسيب على القبر ورجا من الله أن يخفف عنه عذاب القبر حتى ييبسا ويجفا وهذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ، لأن بعض العامة يفعلون ذلك عند القبور ظنا منهم أنه يخفف عنهم عذاب القبر.

2- الغلول:

عن إبي هريرة :( خرَجْنا معَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ خَيبرَ، فلم نَغنَمْ ذهبًا ولا فِضةً، إلا الأموالَ والثيابَ والمَتاعَ، فأهدَى رجلٌ من بني الضَّبيبِ، يُقالُ له رِفاعَةُ بنُ زيدٍ، لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؟ُلامًا، يُقالُ له مِدعَمٌ، فوَجَّه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى وادي القُرَى، حتى إذا كان بوادي القُرَى، بينما مِدعَمٌ يَحُطُّ رَحلًا لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا سهمٌ عائِرٌ فقَتَلَه، فقال الناسُ : هَنيئًا له الجنةُ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( كلَّا، والذي نفْسي بيدِه، إن الشملةَ التي أخَذها يومَ خَيبرَ من المغانمِ، لم تُصِبْها المَقاسِمُ، لَتَشتَعِلُ عليه نارًا ) . فلما سَمِعَ ذلك الناسُ جاء رجلٌ بشِراكٍ أو شِراكَين إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال : ( شِراكٌ من نارٍ، أو : شِراكانِ من نارٍ ))صحيحح البخاري.

والمقصود بالغلول: أن يأخذ من المغانم ما لا حق له فيه وما لم يقسم له.

الشملة: شُقَّة من الثياب ذات خَمْل يُتوَشَّح بها ويُتلفَّع.

3- الكذب :

4- عدم العمل بالقرآن والنوم عن صلاة العشاء والفجر :

5- الزنا :

6- الربا :

فعن سمرة بن جندب :( كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى صلاةً اقبلَ علينا بوجهِه ، فقال : مَنْ رأى منكم الليلةَ رؤيا ؟ قال : فإِنْ رأى أحدٌ قصَّهَا. فيقولُ : ما شاءَ اللهُ . فسألَنا يومًا فقال : هل رأى أحدُ منكم رؤيا ؟ قلْنَا : لا . قال : لكني رأيتُ الليلةَ رجلين أَتَيَاني فأخذَا بيدي ، فأَخْرَجَانِي إلى الأرضِ المُقَدَّسّةِ ، فإذا رجلٌ جالسٌ ، ورجلٌ قائمٌ بيدِه كَلُّوبٍ من حديدٍ. قال بعضُ أصحابِنَا عن موسى : إنه يَدْخُلُ ذلك الكَلُّوبُ في شِدْقِه حتى يَبْلُغَ قَفَاه ، ثم يَفْعَلُ بشِدْقِه الآخرِ مثلَ ذلك ، ويَلْتَئِمُ شِدْقُه هذا ، فيَعُودُ فَيَصْنَعُ مثلَه . قلتُ : ما هذا ؟ قالا : انطلقْ. فانطلقْنَا حتى أتيْنَا على رجلٍ مُضْطَجِعٍ على قفاه ، ورجلٍ قائمٍ على رأسِه بفِهْرٍ ، أو صخرةٍ ، فيَشْدَخُ بها رأسَه ، فإذا ضربَه تَدَهْدَهَ الحَجَرُ ، فانطلقَ إليه ليَأْخُذَه ، فلا يَرْجِعُ إلى هذا ، حتى يَلْتَئِمَ رأسُه ، وعادَ رأسُه كما هو ؛ فعاد إليه فضربَه ، قلت : مَنْ هذا ؟ قالا : انطلقْ . فانطلقْنَا إلى ثَقْبٍ مثلَ التَّنُّورِ أعلاه ضيقٌ وأسفلُه واسعٌ يَتَوَقَّدُ تحتَه نارًا ، فإذا اقتربَ ارتفعُوا حتى كادُوا أَنْ يَخْرُجُوا ، فإذا خَمَدَتْ رجَعُوا فيها ، وفيها رجالٌ ونساءٌ عُرَاةٌ ، فقلتُ : مَنْ هذا ؟ قالا : انطلقْ . فانطلقنا حتى أَتَيْنَا على نَهَرٍ من دَمٍّ فيه رجلٌ قائمٌ ، وعلى وسَطِ النَّهَرِ - قال يزيدُ ووهْبُ ابْنُ جَرِيرٍ ، عن جَرِيرِ بْنِ حازمٍ - وعلى شَطِّ النَّهَرِ رجلٌ بينَ يديه حجارةٌ ، فأقبلَ الرجلُ الذي في النَّهَرِ ، فإذا أرادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرجلُ بحجرٍ في فِيهِ ؛ فردَّهُ حيثُ كان ؛ فجعل كلَّمَا جاءَ ليَخْرُجَ رمى في فِيهِ بحجرٍ ؛ فيَرْجِعُ كما كان ، فقلتُ : مَنْ هذا ؟ قالا : انطلق . فانطلقْنَا حتى انتهيَا إلى رَوْضَةٍ خضراءَ فيها شجرةٌ عظيمةٌ ، وفي أصلِها شيخٌ وصِبْيَانٌ ، وإذا رجلٌ قريبٌ مِنَ الشجرةِ بينَ يديه نارٌ يُوقِدُها ، فصعدَا بي في الشَّجَرَةِ ، وأَدْخَلانِي دارً لم أرَ قَطُّ أحسنَ منها ، فيها رجالٌ شيوخٌ ، وشبابٌ ونساءٌ وصِبْيَانٌ ، ثم أخرجَانِي منها فصعدَا بي الشجرةَ ، فأَدْخَلانِي دارً هي أحسنُ وأفضلُ ، فيها شيوخٌ وشبابٌ ، قلتُ : طَوَّفْتُمَانِي الليلةَ ؛ فأَخْبِرَانِي عما رأيتُ . قالا : نعم ، أمَّا الذي رايتَه يَشُقُّ شِدْقَه، فكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بالكِذْبَةِ ، فتُحْمَلُ عنه حتى تَبْلُغَ الآَفَاقَ، فيُصْنَعُ به إلى يومِ القيامةِ ، والذي رأيتَه يَشْدَخُ رأسَه ، فرجلٌ علَّمَه اللهُ القرآنَ، فنامَ عنه بالليلِ ، ولم يَعْمَلْ فيه بالنهارِ ، يُفْعَلُ به إلى يومِ القيامةِ ، والذي رأيتَه في الثَّقْبِ فهم الزُّنَاةُ ، والذي رأيتَه في النَّهَرِ آَكِلُوا الرَّبَا ، والشيخُ في أصلِ الشَّجَرَةِ إبراهيمُ- عليه السلام- ، والصِّبْيَانُ حولَه فأولادُ النَّاسِ ، والذي يُوقِدُ النَّارَ مالكٌ خازنُ النَّارِ ، والدَّارُ الأولى التي دخلْتَ دارُ عامةِ المؤمنين ، وأمَّا هذه الدارُ فدارُ الشُّهداءِ ، وأنا جبريلُ ، وهذا مِكَيائِيلُ ، فارفعْ رأسَك ، فرفعتُ رأسِي ، فإذا فوقِي مثلَ السَّحَابِ ، قالا : ذاكَ منزلُك . قلتُ : دعانِي أدخلْ منزلي . قالا : إنه بَقِيَ لك عُمُرٌ لم تَسْتَكْمِلْه ، فلو اسْتَكْمَلْتَ أتيتَ منزلَك)صحيح البخاري.

يَدْخُلُ ذلك الكَلُّوبُ في شِدْقِه حتى يَبْلُغَ قَفَاه : الكلوب هو الحديد الذي يعلق فيه الجزار اللحمة ، ويوضع هذا الحديد في شدقه فيخرج من رأسه من الخلف ، والشِّدْقُ : جانِبُ الفَمِ مِما تحت الخدّ ، وهذا جزاء الكذاب.

ورجلٍ قائمٍ على رأسِه بفِهْرٍ ، أو صخرةٍ ، فيَشْدَخُ بها رأسَه ، فإذا ضربَه تَدَهْدَهَ الحَجَرُ ، فانطلقَ إليه ليَأْخُذَه ، فلا يَرْجِعُ إلى هذا ، حتى يَلْتَئِمَ رأسُه :رجل قائم على رأس أخر بحجر فيضرب بها رأسه فتنفلق نصفين ويذهب الحجر بعيدا فيذهب الرجل فيأتي بالحجر ويضرب الرأس من جديد بعدما إلتئم : وهذا هو الذي لا يعمل بالقرآن و ينام عن صلاة العشاء والفجر.

فانطلقْنَا إلى ثَقْبٍ مثلَ التَّنُّورِ أعلاه ضيقٌ وأسفلُه واسعٌ يَتَوَقَّدُ تحتَه نارًا ، فإذا اقتربَ ارتفعُوا حتى كادُوا أَنْ يَخْرُجُوا ، فإذا خَمَدَتْ رجَعُوا فيها ، وفيها رجالٌ ونساءٌ عُرَاةٌ : المقصود بالتنور الفرن وهذا الفرن ضيق من أعلى وواسع من أسفل وفيه نار وفيه رجال ونساء عراة يرتفعون مع النار وكلما اقتربوا من الخروج عادوا إلى أسفل وهؤلاء الرجال والنساء هم الزناة.

فأقبلَ الرجلُ الذي في النَّهَرِ ، فإذا أرادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرجلُ بحجرٍ في فِيهِ ؛ فردَّهُ حيثُ كان ؛ فجعل كلَّمَا جاءَ ليَخْرُجَ رمى في فِيهِ بحجرٍ :فهذا الرجل الذي في النهر والذي كلما أراد أن يخرج رمي بحجر في فمه فعاد إلى نهر الدم هو أكل الربا.

7- بكاء الحي على الميت إذا كان النوح والبكاء من سنة الميت:

عن عمر بن الخطاب أن رسول الله قال:( إنَّ الميتَ يعذَّبُ ببعضِ بكاءِ أهلِه عليه)صحيح مسلم.

المطلب السابع: ما هي الأسباب المنجية من عذاب القبر؟

1- الاستعداد للموت بالتوبة وقضاء الحقوق والإكثار من الأعمال الصالحة:

فيجب الاستعداد للموت بالتوبة وقضاء حقوق الناس والإكثار من الأعمال الصالحة خاصة الفرائض من الصلاة والصيام والزكاة والنوافل من الصدقة والصلاة والمعروف والإحسان إلى الناس ، فعن أبي هريرة أن رسول اللهقال:(إن الميت إذا وضع في قبره إنه يسمع خفق نعالهم حين يولون مدبرين ، فإن كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه ، وكان الصيام عن يمينه ، وكانت الزكاة عن شماله وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلاة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه فيؤتى من قبل رأسه فتقول الصلاة ما قبلي مدخل ، ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام ما قبلي مدخل ، ثم يؤتى عن يساره فتقول الزكاة : ما قبلي مدخل ، ثم يؤتى من قبل رجليه فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلاة والمعروف والإحسان إلى الناس : ما قبلي مدخل ، فيقال له ، اجلس فيجلس قد مثلت له الشمس ، وقد أذنت للغروب ، فيقال له : أرأيتك هذا الذي كان قبلكم ، ما تقول فيه ، وماذا تشهد عليه ؟ فيقول : دعوني حتى أصلي ، فيقولون : إنك ستفعل ، أخبرنا عما نسألك عنه ، أرأيتك هذا الرجل الذي كان قبلكم ، ماذا تقول فيه وماذا تشهد عليه ؟ قال : فيقول : محمد ، أشهد أنه رسول الله ، وأنه جاء بالحق من عند الله ، فيقال له : على ذلك حييت ، وعلى ذلك مت ، وعلى ذلك تبعث إن شاء الله ثم يفتح له باب من أبواب الجنة فيقال له هذا مقعدك منها وما أعد الله لك فيها ، فيزداد غبطة وسرورا ثم يفتح له باب من أبواب النار فيقال له : هذا مقعدك وما أعد الله لك فيها لو عصيته فيزداد غبطة وسرورا ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا ، وينور له فيه ، ويعاد الجسد لما بدئ منه فتجعل نسمته في النسم الطيب وهي طير تعلق من شجر الجنة فذلك قوله : يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة وإن الكافر إذا أتي من قبل رأسه لم يوجد شيء ثم أتي عن يمينه فلا يوجد شيء ثم أتي عن شماله فلا يوجد شيء ثم أتي من قبل رجليه فلا يوجد شيء فيقال له اجلس فيجلس مرعوبا خائفا فيقال أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ماذا تقول فيه وماذا تشهد عليه فيقول : أي رجل ؟ ولا يهتدي لاسمه ، فيقال له : محمد ، فيقول : لا أدري ، سمعت الناس قالوا قولا ، فقلت كما قال الناس ! فيقال له : على ذلك حييت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله ثم يفتح له باب من أبواب النار فيقال له : هذا مقعدك من النار وما أعد الله لك فيها فيزداد حسرة وثبورا ثم يفتح له باب من أبواب الجنة فيقال له : هذا مقعدك منها وما أعد الله لك فيها لو أطعته فيزداد حسرة وثبورا ثم يضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه فتلك المعيشة الضنكة التى قال الله ( فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى )حسنه الألباني.

2- الاستعاذة من عذاب القبر:

وكان من دعاء النبيفي الصلاة(اللَّهُمَّ إني أعوذُ بك مِن عَذابِ القَبر، وأعوذُ بك مِن فِتنَةِ المَسيحِ الدَّجَّالِ، وأعوذُ بك مِن فِتنَةِ المَحْيا وفِتنَةِ المَماتِ)

وعن أم المؤمنين عائشة :(أن رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَدْعو في الصلاةِ : اللَّهُمَّ إني أعوذُ بك مِن عَذابِ القَبر، وأعوذُ بك مِن فِتنَةِ المَسيحِ الدَّجَّالِ، وأعوذُ بك مِن فِتنَةِ المَحْيا وفِتنَةِ المَماتِ، اللَّهُمَّ إني أعوذُ بك مِنَ المَأثَمِ والمَغْرَمِ . فقال له قائِلٌ : ما أكثَرَ ما تَستَعيذُ مِنَ المَغرَمِ ؟ فقال : إنَّ الرجلَ إذا غَرِمَ ، حدَّثَ فكَذَبَ ، ووعَدَ َفأخْلَفَ)صحيح البخاري.

المطلب الثامن :تعلق الروح بالبدن:

هل الروح ملازمة للبدن في البرزخ وما هي أنواع تعلق الروح بالبدن؟

تعلق الروح بالبدن على خمسة أنواع هي :

1- تعلق الروح ببدن الجنين في بطن الأم.
2- تعلق الروح بالبدن بعد خروجه إلى الأرض .
3- تعلق الروح بالبدن حال نومه فلها به تعلق من وجه ومفارقة من وجه.
4- تعلق الروح بالبدن في البرزخ فإنه وإن فارقته إلا أنها لم تفارقه تفرقا كليا ، فهي ترد إلى البدن حال رد السلام ، كما يسمع المرء صوت نعال الناس حين ينصرفون من الدفن.
5- تعلق الروح بالبدن يوم البعث وهو أكمل أنواع تعلقها بالبدن ولا نسبة لما قبله من أنواع التعلق إليه إذ هو تعلق لا يقبل البدن معه موتا ولا نوما ولا فسادا.
وعندما يموت ابن آدم تفارق روحه جسده ، وتبقى في عالم البرزخ ، وهي مرحلة بين الدنيا والآخرة ، تكون أرواح الموتى فيها ، وهو عالم روحاني ، لا يقاس ما فيه على عالم الدنيا المادي ، فلا تحكمه قوانين الزمان والمكان والمادة ، بل هو عالم آخر له أحواله التي نجهلها ، لكن جاء عن نبينا صلى الله عليه وسلم من ذلك أخبار تصف بعض تلك الأحوال ، فعلينا الإيمان بذلك بالتسليم التام .
ومجموع الأخبار النبوية في هذا الباب ، تدل على أن مستقر الأرواح يختلف ، فالأرواح متفاوته أعظم التفاوت ، منها أرواح في أعلى عليين وهي أرواح الأنبياء ، ومنها أرواح تسرح في الجنة وهي أرواح الشهداء ، ومنها أرواح معلقة في شجر الجنة ، وهي أرواح بعض المؤمنين ، ومنها أرواح محبوسة في القبر ، لكن يأتيها من روح الجنة وريحها وطيبها .
ومنها أرواح محبوسة في قبرها تعذب ، فهذه قد يكون عذابها أنها في تنور الزناة ، أو في بحر الدم ، ومن هذه أرواح تعرض على جهنم غدوا وعشيا كأرواح آل فرعون ، ومن على شاكلتهم ، فالأرواح مستقرها ليس واحدا ، بل هي متفاوتة ، الروح التي كانت علوية في الدنيا ، مشتغلة بمحبة الله تعالى وطاعته ، يكون لها ما يناسبها من حياة البرزخ .
والروح التي كانت سلفية مشتغلة بالشهوات ، يكون لها في البرزخ مستقر يناسب ما كانت عليه من السفول والعذاب .
غير أن جميع الأرواح بعد الموت ، تكون محبوسة في عالم البرزخ ، لا يمكنها أن تعود إلى الدنيا ، كما قال تعالى ( ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون)المؤمنون100.


من كتاب السراج المنير في شرح العقيدة الإسلامية






لتحميل الكتاب أدخل على الرابط التالي - في الملتقى - المرفقات أسفل الموضوع




http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=318807 (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=318807)