المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السلطة والعدالة والطريق الثالث



أهــل الحـديث
13-12-2013, 06:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


السلطة والعدالة والطريق الثالث

يتنازع الناس منذ الأزل على الملك والحكم والسلطان. وغالبا ماتهيمن على الصراع مدرستان. الأولى ترى أن الحكم والسلطان يجب أن يكون في من يكون قادرا على الحكم، وتنقاد له الناس ويستطيع ضبط النظام وتنفيذ الأحكام. وليس المهم أن يكون مؤمنا أو مسلما أو صالحا في نفسه. بل المهم أن يسود النظام، ويأمن الناس على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم. ويقولون ماذا ينفعنا إذا ولي علينا رجل صالح ضعيف لايجتمع الناس عليه، ويستمر الصراع حتى يهلك الحرث والنسل. ويكثر في هؤلاء انتقاد العلماء والدعاة، وتصيد أخطائهم ونشر عيوبهم. وقد يجادل هذا الفريق بأدلة من القرآن والسنة.

منها أن الله تعالى جعل البشر خلفاء في الأرض وهو يعلم أنهم يسفكون الدماء، حتى أن الملئكة "قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ" فقال الله تعالى لهم "إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ" فالأمر ليس مقترنا بصلاحكم وتقديسكم ولكن بأمر آخر لايعلمه إلا الله. ومنها أن الله تعالى قال: "قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء" فعلق الله تعالى الأمر بمحض مشيئته وليس بصلاح الملوك ولا إيمانهم. ومنها أن الله ذكر قصة طالوت وفيها أن بني إسرائيل طلبوا من نبيهم أن يكون لهم ملك يقاتلون معه العدو فقال لهم نبيهم "إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" فلم يكن النبي ملكا بل رجل آخر منهم آتاه الله العلم والجسم، ولو كان الأمر مقرونا بالصلاح لكان ذلك النبي أولى بالملك من طالوت.

المدرسة الثانية تقول إنه لايجوز أن يتولى الأمر إلا أحسن الناس وأصلحهم، لأن الله لايقبل أن تكون الإمامة في الفاسقين، بدليل قوله تعالى لابراهيم عليه السلام: "إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ". فلم يقبل أن يكون الإمام ظالما وإن كان من ذرية ابراهيم. فالإمام لابد أن يكون مستجمعا لصفات الخير، لانه لو كان فاسدا لفسد من حوله ثم فسد الناس. وبعض الناس يشترط أن يكون معصوما عن الخطأ، وأن يكون من ذرية النبي وغير ذلك من الشروط التي يستحيل تحققها. وبعض هؤلاء يستحل القتال والخروج على الحاكم، والقتل، وغير ذلك في سبيل الوصول إلى مايريد. وتقوى مشكلة هؤلاء حين يختلفون فيمن هو الأفضل فلايجدون إلى ذلك سبيلا. وقد يختلقون نصوصا ليدعموا بها نظريتهم، ولهذا يكثر فيهم التفرق والاختلاف. ويكثر في هذا الصنف انتقاد الحكام والأمراء، والمبالغة في ذلك، والتشهير بهم حتى لو مضى على موت الحكام آلاف السنين.

المدرسة الثالثة ترى أن الواجب أن يتولى الصالحون وأن تجتمع في الحاكم صفتا القوة والأمانة، ولكن إن لم يتيسر ذلك فعلى الأمة أن تحقق المصالح قدر الإمكان، وأن لايحصل بينها اختلاف ولو تولى المفضول مع وجود الفاضل. ولهذا تنازل الحسن بن علي لمعاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنهم، وصار خليفة باتفاق الصحابة لأن مصلحة الأمة في اجتماعها تفوق مصلحة أن يتولى الأفضل، وإن كان سبط النبي وريحانته وسيد شباب أهل الجنة. وهذا الفعل مدحه النبي، صلى الله عليه وسلم حين قال: " إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ" رواه البخاري وغيره. فلو حصل نقص بسبب تولي المفضول فمن الممكن إصلاح النقص بنصيحة الولاة، والأخذ على أيديهم، وعدم مجاملتهم في الحق، والعمل على نشر الخير في الأمة بالعلم والدعوة الى الله والجهاد في سبيله وغير ذلك من أعمال المعروف. فلا معنى أن يستمر النزاع بين الناس بل ليكمل أحدهما الآخر.

وعلى هذا فلو انتخب الناس شخصا مفضولاً لا فاضلاً وارتضوه، فعلى الناس أن يعينوه على الخير قدر الإمكان، وينهوه عن المعصية ويدعون له بالهداية والتوفيق. وأن لاينشغلوا بذكر أخطائه والتشهير به، لأن مصالح الناس لاتتم الا بالجماعة، واستمرار الصراع يضر بالجميع. وإذا عجز الناس عن إيصال أهل الإيمان إلى الكراسي فليوصلوا الإيمان إلى أهل الكراسي.

وهذه في رأيي أحسن الطرق وأسلمها.

والله أعلم