المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قاعدة في الجرح و التعديل



أهــل الحـديث
12-12-2013, 08:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


إن الحمد لله نحمده ، و نستعينه ، و نستغفره ، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله .

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) .
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) .
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ) .

أما بعد ، فقد فشت في زماننا هذا بين طلبة العلم و الشباب الملتزم بالسنة فتنةٌ عظيمة ، و هي الكلام في المشايخ و العلماء و الدعاة جرحا و تعديلا ، بل جرحا بلا تعديل ، و قد طم الأمر حتى وُصِفَ هؤلاء ببدع الخروج و التجهم و التشيع و هم منها براء .

و من أعجب ما ترى في هذه الفتنة تجرؤ الصغار على الكبار ، و لقد رأيت من لا يحسن يقرأ القرآن يطعن في بعض أهل العلم و يتهمهم بالبدعة ، و الله المستعان و إليه المشتكى .
إن علم الجرح و التعديل علم جليل خطير ، و المتكلم فيه يجب أن يكون من أهل التقوى و الورع و الخبرة و الممارسة .

قال الإمام ابن دقيق العيد : " أعراض المسلمين حفرة من حفر النار ، و قف على شفيرها طائفتان من الناس : المحدثون ، و الحكام " . [ الاقتراح ببيان الاصطلاح ص 61 ]
و قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح : " ثم إن على الآخذ في ذلك أن يتقي الله تبارك و تعالى و يتثبت و يتوقى التساهل ، كيلا يجرح سليما ، و يَسِمَ بريئا بسِمَةِ سُوءٍ يبقى عليه الدهرَ عارُها ، و أحسِبُ أبا محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم – و قد قيل إنه كان يعد من الأبدال - من مثل ما ذكرناه خاف ، فيما رُوِّيناه أو بلغنا أن يوسف بن الحسين الرازي و هو الصوفي دخل عليه و هو يقرأ كتابه في الجرح و التعديل ، فقال له : كم من هؤلاء القوم قد حطُّوا رواحلهم في الجنة منذ مائة سنة و مائتي سنة و أنت تذكرهم و تغتابهم ؟ فبكى عبد الرحمن .
و بلغنا أيضا أنه حدَّث و هو يقرأ كتابه ذلك على الناس عن يحيى بن معين أنه قال : إنا لنطعن على أقوام لعلهم قد حطُّوا رحالهم في الجنة منذ أكثر من مائتي سنة . فبكى عبد الرحمن ، و ارتعدت يداه حتى سقط الكتاب من يده " . [ مقدمة ابن الصلاح 1 / 390 ]

و لْيعلَمِ المتكلمُ في هذا العلم المعدِّلُ و المجرِّحُ لحملة الشرع ، أنه إن لم يكن من أهله العارفين بطرقه ، العالمين بمداخله و مخارجه ، الفاهمين لدقائقه ، الواقفين على حقائقه ، الفاقهين لكلام أهل العلم به حق الفقه فلن يُلتفتَ إليه و لن يُعَوَّلَ عليه ، و سوف يكون وبال كلامه عليه ؛ لأنه تطبب بغير طب ، و ادَّعى بغير بيِّنة .

قال الشيخ المعلمي اليماني في صفات الجارح و المعدل : " و يكون مع ذلك متيقظا ، مرهف الفهم ، دقيق الفطنة ، مالكا لنفسه ، لا يستميله الهوى ، و لا يستفزه الغضب ، و لا يستخفه بادر ظن حتى يستوفى النظر و يبلغ المقر ، ثم يحسن التطبيق في حكمه فلا يجاوز و لا يقصر ، و هذه المرتبة بعيدة المرام عزيزة المنال لم يبلغها إلا الأفذاذ .
و قد كان من أكابر المحدثين و أجِلَّتِهِم من يتكلم في الرواة فلا يُعَوَّلُ عليه و لا يُلتَفتُ إليه . قال الإمام على ابن المدينى و هو من ائمة هذا الشأن : أبو نعيم و عفان صدوقان ، لا أقبل كلامهما في الرجال ، هؤلاء لا يدعون أحدا إلا وقعوا فيه.
و أبو نعيم و عفان من الأجِلَّة ، و الكلمة المذكورة تدل على كثرة كلامهما في الرجال ، و مع ذلك لا تكاد تجد في كتب الفن نقلَ شئ من كلامهما " . [ تقدمة كتاب الجرح و التعديل لابن أبي حاتم للشيخ المعلمي اليماني ]

لا يجوز التساهل في جرح حملة العلم ، و لا يجوز إخراجهم من السنة إلى البدعة بغير مُوجِب ، قال الإمام أحمد : " إخراج الناس من السنة شديد " ، و أسهل شيء على القوم إخراج الناس من السنة ، و الطعن في عقائدهم ، و نسبتهم إلى المذاهب الرديئة ، و تحذير طلبة العلم منهم ، و صدهم عن علمهم و كتبهم و مجالسهم .
و من عجيب أمر القوم أنهم إذا احتجوا لمذهبهم حَكَوا كلام الأئمة في مثل أحمد بن أبي دؤاد و عمرو ابن عبيد ! سبحان الله ! آلشيخ فلان و الشيخ فلان مثلُ ابنِ أبي دؤاد رأسِ الجَهْمِيَّةِ و مثلُ عمرو بنِ عبيد رأسِ المعتزلة ؟! ما أقل فقهكم !

ألا يعلم هؤلاء أن الطعن في الحمَلَة طعن في المحمول ؟ و أن الطعن في الداعية طعن في دعوته ؟ و قد طُعِنَ في كل الدعاة و المشايخ إلا النفر اليسير يعدون على الأصابع ، و لقد سمعت أحد الدعاة و هو يقول : مشايخ أهل السنة في مصر يُعَدُّون على الأصابع . إن الدعوة في بلاد المسلمين تصاب في مقاتلها بسبب هذا الكلام ، كلما ظهر شيخ بَدَّعوه و هجروه و حذَّروا الناس منه ، ما هذا ؟! طريقة من هذه ؟!

يا قوم إن هذا هو الإفساد بعينه ، فإن صلاح البلاد و العباد بشيوع الدعوة إلى الله و انتشار حِلَقِ العلم و التفاف الناس حول العلماء و الدعاة الذين ينشرون السنة و يحببونها إلى الناس و يُقَرِّبونها إليهم .

و عزاؤنا أن العلماء سلفا و خلفا ما زالوا يُبْتَلَون بمثل هذا ، روى أبو نعيم في الحلية ( 6 / 305 ) أن الربيع بن صبيح قال : قلت للحسن : " إن ههنا قوما يتبعون السِّقْطَ من كلامك ليجدوا إلى الوقيعة فيك سبيلا ، فقال : لا يَكبُر ذلك عليك ؛ فلقد أَطْمَعْتُ نفسي في خلود الجنان فَطَمِعَت ، و أطمعتها في مجاورة الرحمن فطمعت ، و أطمعتها في السلامة من الناس فلم أجد إلى ذلك سبيلا ؛ لأني رأيت الناس لا يرضون عن خالقهم فعلمت أنهم لا يرضون عن مخلوق مثلهم " .

قال الشيخ بكر ناصحا مشفقا : " احذر هذا الانشقاق ، لا تقع في مثله مع المنشقين الجرَّاحين المبذرين للوقت و الجهد و النشاط في قيل و قال و كثرة السؤال عن تصنيف العباد ، و ذلك فيما انشقوا فيه ، فهو ذنب تلبسوا به ، و بلوى وقعوا فيها ، و ادع لهم بالعافية " . [ التصنيف 55 ]





ما يتميز به أهل السنة عن غيرهم
اتفق العلماء و الأئمة من أهل السنة على أصول تميزهم عن غيرهم ، من خالفها أخرجوه من دائرة السنة و السلفية ، و نسبوه إلى البدعة ، و مرد هذه الأصول إلى أمرين :

• الأمر الأول : مصدر التلقي ، و هو الكتاب و السنة و إجماع سلف الأمة ، قال قَوَّامُ السنة في تقرير هذا الأصل العظيم : " قال بعض العلماء : ... و أهل السنة و الجماعة لم تتعد الكتاب و السنة و إجماع السلف الصالح ، و لم تتبع المتشابه و تأويله ابتغاء الفتنة ، و إنما اتبعوا الصحابة و التابعين و ما أجمع المسلمون عليه بعدهم قولا و فعلا " . [ الحجة في بيان المحجة 2 / 410 ]
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " فمن قال بالكتاب ، و السنة ، و الإجماع فهو من أهل السنة و الجماعة " . [ مجموع الفتاوي 3 / 346 ]
فمن خالف أهل السنة في مصدر التلقي لم يكن منهم ، و لا على هديهم ، و هو من أهل البدع و الأهواء ، قال شيخ الإسلام : " و أهل البدع لا يجعلون اعتمادهم في الباطن و نفس الأمر على ما تلقوه عن الرسول صلى الله عليه و سلم ، بل على ما رأوه أو ذاقوه ، ثم إن وجدوا السنة توافقه و إلا لم بالوا بذلك ، فإذا وجدوها تخالفه أعرضوا عنها تفويضا أو حرفوها تأويلا " . [ الفتاوي 13 / 63 ]
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " فعلم أن شعار أهل البدع هو ترك انتحال اتباع السلف " [ مجموع الفتاوي 4 / 155 ]

• الأمر الثاني : المسائل الاعتقادية الجليلة التي اشتهرت أدلتها فلم تخف على العلماء ، و تعرف هذه المسائل بالأصول ، مثل باب الأسماء و الصفات ، و باب القدر ، و باب الأسماء و الأحكام و الوعد و الوعيد ، و باب الصحابة و الخلافة و الإمامة و نحو ذلك .
و من هنا قال ابن تيمية : " من خالف الكتاب المستبين و السنة المستفيضة أو ما أُجمِع عليه خلافا لا يعذر فيه ، فهذا يعامل بما يعامل به أهل البدع " . [ الفتاوي 24 / 172 ]
و قال : " و البدعة التي يعد بها الرجل من أهل الأهواء ما اشتهر عند أهل العلم بالسنة مخالفتها للكتاب و السنة ، كبدعة الخوارج ، و الروافض ، و القدرية ، و المرجئة " . [ الفتاوي 35 / 414 ]