المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دلالة ترتيب ذكر الأنبياء



أهــل الحـديث
08-12-2013, 01:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:

سألتني ابنتي عن دلالة ترتيب الأنبياء في القرآن الكريم؛ فعجزت عن الجواب حتى طالعت ما كتبه الأعلام الأجلاء؛ سابقين ومعاصرين, فآمل أن يكون ما فهمته من كلامهم مطابقًا لغرضهم؛ وسائله تعالى السداد والتوفيق؛ هذه هي الحصيلة باختصار:

يَرِد ذِكْر الأنبياء في القرآن الكريم لأغراض وفق نظم محبوك الترتيب بحسب السياق, قال تعالى: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ. وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ الأنعام: 83-86, ومن حيث الترتيب بالنظم؛ نوح أقدم من إبراهيم وإسحاق ويعقوب, فجاء التصريح بسبقه تاريخيًّا: ﴿وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ﴾, فيُفهم من السياق أن الأنبياء سلسلة متصلة يستوي فيها اللاحق مع السابق من حيث نعمة الهُدَى, وذُكِر إسحاق وهو ابن إبراهيم من صلبه؛ ولم يذكر أخوه الأكبر إسماعيل الأسبق تاريخيًّا: ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ البقرة: 133, فيعني أن الغرض ليس الترتيب التاريخي لكل الأنبياء ولا استيفاء ذكرهم؛ وإنما مساواتهم في حمل رسالة التوحيد, والاكتفاء بذكر إسحاق دون إسماعيل؛ يعني توجيه الحديث ابتداءً لبني يعقوب المُسَمَّى إسرائيل, ترغيبا فيما جاء به خاتم النبيين على نفس النهج الذي كان عليه آباؤهم؛ خاصة آباء أوائل تجمعهم أسرة واحدة: إبراهيم وابنه إسحاق وإسرائيل ابن إسحاق, واختتم النظم بالسلف الأعلى نوح, وعلى نفس المنوال ذُكِرَت مجموعة ثانية من ذرية إبراهيم: دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ, وداود وابنه سليمان كانا مَلِكَين, وأيوب عاد له سابق حاله, ولم تثني المِحَن أسلافهم عن رسالة التوحيد وأيدهم رب العالمين ولم يلحق بهم هلاك: يوسف وموسى وهارون, ففيه تذكير بالنعمة على بني إسرائيل, وناسب المجموعة أن تختتم بالتعبير: ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾, ومثلهم مجموعة تعرضوا للبطش فصبروا أو ضحوا بحياتهم في سبيل دعوة التوحيد: زَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ, فزكريا قُتِل وكذلك يحيى, وحاولوا قتل عيسى, وإلياس هرب إلى الجبال, فلم يُناسَب أن تختتم مجموعتهم بالتعبير: ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾, وإنما: ﴿كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾, وهم ذرية آباء جمعهم الهدى؛ وإن تفرقت بهم الأزمان والبلدان: إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا, ولا رابط بينهم سوى النبوة والإمامة في الدين, فناسب أن تختتم مجموعتهم بالتعبير: ﴿وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ﴾, فإسماعيل هو ابن إبراهيم؛ وهو سلف خاتم النبيين, وتأخير ذكره في النظم لغرض بليغ؛ يستقيم أنه تذكير لليهود المعاصرين لخاتم النبيين بأن ما جاء به هو على نفس نهج أبيهم إبراهيم وذريته أجمعين (عليهم جميعًا السلام), فلم يكن إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا؛ وإنما إمامًا في الدعوة للتوحيد, وهي نفس الدعوة التي جاء بها خاتم النبيين, فكيف يتجاهلون دين أبائهم!, ولحق اليسع ويونس بإسماعيل؛ وآخرهم الأسبق نظمًا: لوط معاصر إبراهيم, ومن بديع النظم إذن والبلاغة في البيان أن يتوافق الترتيب مع الغرض؛ وهو وحدة الدين منذ القدم وحتى خاتم النبيين, فلا ينبغي إذن الإعراض عنه؛ إذا كانوا حقًّا على نفس النهج, وهو نفس الغرض في جملة مواضع؛ كقوله تعالى: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى﴾ البقرة: 136, فعيسى من ذرية موسى, وموسى سلف الأسباط الذين سبقوه نظمًا؛ فالغرض إذن ليس سرد التاريخ, وإنما بيان تتابع الأنبياء في الدعوة إلى وحدانية الله تعالى؛ مهما تباينت أحوالهم وأزمانهم ومواضع أقوامهم, وإغراء اليهود زمن خاتم النبيين للإقرار بدعوته للتوحيد؛ وإلا كانوا مخالفين لما يزعمون من إتباع دين الآباء, فناسب التعقيب: ﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ البقرة: 137.

د. محمد دودح

الملفات المرفقة http://www.ahlalhdeeth.com/vb/images/attach/doc.gif دلالة ترتيب ذكر الأنبياء.doc‏ (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/attachment.php?attachmentid=110408&d=1386453194) (46.0 كيلوبايت)