تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : العقبات التي تواجه الأمة الإسلامية المعاصرة



أهــل الحـديث
03-12-2013, 10:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


العقبات التي تواجه الأمة الإسلامية المعاصرة

[د. أيمان عبد الجبار
لا شك أن الأمة الإسلامية المعاصرة وخصوصاً بعد سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية أسفر عن وجهه الكالح الماكر، فكال لها من المكاييل المضرة والخادعة الكثير والكثير، وإن بقي بعض الخوف من قيام الامة من جديد، فتاريخها يذكر ذلك ، فكم من محنة شديدة وقاتلة ما زاد الأمة إلا قوة وعزة وقدرة ولعل هذا يكون من جديد!!! وهذا يدعو إلى مزيد من تكالب الأعداء عليها من الشرق والغرب، أسوة لهم ـ إن كان لهم أسوة ـ بأخوة يوسف، حيث كان يوسف حيث كان جيدا في معاملة أبيه وهم أقل منه في المعاملة مما جعل الأب يحبه وخاصة وهو الصغير ، فبدل أن يحسنوا المعاملة ليحظوا كما حظي يوسف فإذا بهم يتبرؤن قتله غيلة إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ  اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ  قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ  قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ  أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ  قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ  قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ  َلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ  يوسف:8 ـ 15.
أدى ما سبق والبعد عن الدين من قبل غالب المثقفين، ووجود الخونة والعملاء ومحدودي الثقافة والعلم والذي أدى أولا إلى تقليد الغرب بشكل عام وتوجيه الثقافة والإعلام والمناهج التربوية لهذا الأمر وتمكين العلمانيين والملحدين من مفاصل الذي يسمى العلم والفن، ثم الاستعمار العسكري ثم لعبة الانتداب والاحتلال غير الظاهر ثم العودة إلى الاحتلال الظاهر مع أسباب أخرى ذكرناها داخل الكتاب الذي صرخة من الصرخات للأمة!!!
ظهرت بالتالي عقبات ـ حسبما اصطلح عليها المصلحون ـعدت عقبات لنهوض الأمة من جديد, فقد كثرت هذه العقبات وتعددت, وسنذكر في بحثنا المتواضع هذا بعض العقبات الأساسية, والباقي سيعرفها القارئ المسلم اللبيب.


أولا غياب الهدف والغاية السامية
لا شك أن من أهداف الدين الإسلامي إضافة إلى العبودية الحقة لله تعالى وعدم الشرك به والإيمان برسالة محمد المرسل من الله تعالى إلى الخلق كافة وهو خادم الأنبياء و المرسلين عليهم الصلاة والسلام. فإن من أهداف الدين الإسلامي إضافة لما سبق بناء الإنسان الصالح لكونه أنسانا, وأن عموم البشرية أخوة متاحبين ومتعاونين في الإنسانية التي تجمعهم, كما قال تعالى  هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ  الجمعة:2, وقال رسول الله [ كلكم لآدم وأدم من التراب ] إلى آخره . وكل يعلم أن الأميين هم العرب حيث كانوا أمة أمية أي يجهلون ما عند أهل الكتاب من علوم أنزلها الوحي على رسولهم وأن حرفوا ما حرفوا؛ أو أن غالبهم لا يحسن القراءة والكتابة عندا نزول الوحي على محمد. فالداعي أول في الأمة المسلمة هو محمد إلى أخر فرد فيها وبذلك وصفت هذه الأمة بأنها خير الأمة أخرجت للناس حيث قال تعالى  كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ آل عمران:110, ومن معلوم أن  كان  تفيد الاستمرار والبقاء ولذلك شواهد من القرآن الكريم وخاصة أنه جل جلالة علق الخيرية في هذه الأمة إلى أنها تؤمن بالله وحده وتقوم بمهمة حمل الشريعة الإسلامية والدعوة إليها والعمل بها وبقاء النصح فيها . ولعل من هدف الأمة من بعد وغاية من الوصول إليه هو إرجاع الخلافة الإسلامية, ونهوض بأمة بحيث تكون كما كانت أمة عزيزة وقوية وذات شكيمة. حيث أن من المعلوم أن أمة قد انهارت في خلال حياتها الطويلة لمدة (1400) سنة , مع تكالب الأعداء من الخارج والداخل وكثرت الضربات والطعون في جسمها كما كثرت المصائب والأهوال التي لاقتها خلال تاريخها الطويل, ولولا ما تتمتع به من قوة حباها الله لها . وبداية القرن العشرين بعد تلك المصائب التي ذكرناها سابقاً، واتحاد الأعداء عليها من داخل وخارج، استطاعوا أن يقهروها ويلغوا الخلافة الإسلامية، ثم عمل الأعداء بهمة وجبروت على أن يقسموا ويقطعوا أوصال تلك الأمة إلى دويلات صغيرة، ويتحكموا فيها ويسلبوا خيراتها الكثيرة، وغيبوا المعرفة بتاريخها أو حرفوه مع خدمهم أو حرفوه بوسائلهم المختلفة ، منها الكتب والمقالات والإعلام والصحف والفضائيات والتمثيليات والأفلام وغيرها، ولعل مجرد رؤية تمثيلية في الرائي : التلفزيون" ترى مقدار التحريف والإسفاف، وكذا لو رأيت فيلما سينمائيا لحادثة إسلامية مهمة مثل " صلاح الدين" أو " فجر الإسلام" أو " الهجرة" أو شيماء أخت الرسول" وهكذا، وهذا ليس بعجيب إذا علم كيف حرفت الفتاوى على الملأ عيانا جهارا، وشخصيات ليست علمية اعتبروها من المفكرين والعلماء والدعاة وهم بعيدين عن هذا كل البعد! بل أصبح من شاءوا يخوضون في أمر الشرع ومسائله المختلفة ويصدرون الفتاوى وهم ليسوا من أهلها، وصارت الفتاوى والوقائع على مزاجهم!!! حتى وصل بهم الأمر أن قال قائلهم أن القبلة ليست حراما بل وأن التفيخذ بين شاب وشابة ليس حراما إلا الفعل الفاحش يعني الزنا، بل قال أحدهم وهو يدعي أنه طبيب أن الختان للرجل فيه ضرر كبير ووحشية والدين في الحقيقة يحرمه! وهذا شيء عجيب يخالف بديهيات الطب والشرع الحنيف!!! بل وسد الكلام إلى غير المختصين فهذه طبيبة تركت للتكلم حسب هواها ف الدين وذلك مراهق فاسق ليتكلم على ما يشتهي في الدين وتلك عاملة للتكلم حسب هواها في الشرع وتلك ربة بيت مطلقة للتكلم عن الأسرة الإسلامية وتماسكها حسب النظرة ـ وهذا في الأحسن ـ علمانية وغربية، وذلك شيوعي سابق صار حسب أهل الإعلام من العلمانيين مفكرا إسلاميا، وذلك مذيع وذاك مهندس، وتلك مخرجة سينمائية للأفلام الهابطة ـ الهابطة عند الهابطين ـ، وذلك مخرج سينمائي يخطأ القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة الصحيحة والصحابة الكرام وفقهاء المسلمين، وذلك يتكلم فيشتم وينتقص من والصحابة الكرام وفقهاء المسلمين، وتلك الراقصة المشهورة تنصب نفسها للإفتاء، بل وللدخول الجنة لإنسان ما، وتلك وتلك وذاك وذاك !!! أما أهل الاختصاص من العلماء المشهود لهم بالقدم والأساتذة الكرام فليس لهم هذا الحق، وليس هذا بعجيب، بل كما يسمون علماء السلطان ورجال السلطة من الأساتذة والمختصين ليس لهم هذا الحق، أما سواهم ممن ذكرنا دون أسماء فلهم كل الحق، وهم أعلم ممن هو مختص بالشرع والعلوم المتعلقة به!!! بل تجرؤوا فكذّبوا قضايا علمية ثابتة، لأنها تخالف هواهم ومرادهم ورغائبهم الفاسدة، فالهجوم كبير والاعتداء شديد!! فعلى الأمة الإسلامية أن تنتبه وتنبه لهذا، وخاصة العلماء والمفكرين الحقيقيين وأهل الاختصاص الشرعي، وأن لا يغيب عنها الهدف المنشود والغاية العظمى, وأن لا ينشغلوا عنها بسفاسف الأمور خدمة للأعداء في الداخل والخارج، ولنشرع الآن في ذكر أهم العقبات في الاستعادة والرقي والعزة والقوة لهذه الأمة:
1ـ غياب الهدف والغاية حيث غابت عن الأمة التي بعثت بها نبوة خير البشر، ونسيت أو تناست أنها أمة حاملة لرسالة الله تعالى، وهي رسالة العبودية الحقة التي جاء بها محمد بن عبد الله إلى البشرية كافة، وقد اختار الله تعالى هذه الأمة لحمل هذه الرسالة وتبليغها ونشرها، فعليها الاكتفاء بها، وتحاول أن تبين خصوصيتها بين الأمم، ولا تسعى إلى الاعتماد على الغير، إلا اللهم في مجال الاستفادة التي لا تؤثر على خصوصيتها وعزتها وقوتها وأنفتها، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.
لكن الأمة تركت هذا بالتدريج، واعتمدت على الغير، خاصة الأعداء في كل شيء من حياتها، كالمصنوعات والأفكار والملابس والركوب والتربية والفلسفة وغيرها، بل صارت معروفة بالعالة على الغير، فهي ليس لها الحق أن تتصرف فيما تملك إلا بإذن أعدائها، والأعداء يقدمون ما يدعو إلى الكسل وعدم الإبداع بكل يسر، والواقع شاهد.
يقول الأمير شكيب أرسلان:
" من أعظم أسباب انحطاط المسلمين في العصر الأخير فقدهم كل ثقة بأنفسهم وهو من أشد الأمراض الاجتماعية، وأخبث الآفات الروحية، لا يتسلط هذا الداء على أمة إلا ساقها إلى الفناء".
ولذلك نرى بشكل واضح أن الأمة ما أن تدخل في مرض إلا ويتولد لديها مرض آخر وهكذا دواليك، لأن علاج الأعداء هو داء في حقيقته، والعلاج الصحيح، والبلسم الشافي شرع الله الحنيف. إن معرفة الهدف والغاية منه أمرٌ مهم لكل أمة تريد أن ترتقي وتملك العزة والإرادة, وخاصة هذه الأمة الذي أمر الله بذلك في كتابه العزيز وحث عليه دينه الكريم.



ثانياً الخلاف واختلاف والتفرق
إن قضية الخلاف والاختلاف والتفرق قد عمت وطمت في الزمان، حتى صارت شيئا مألوفا في جميع الأوساط، وبدل أن يتعظ الناس ويحذروا من هذا الأمر وخطورته، تراهم يغرقون فيه، وبدل أن يكفوا إذا بهم يزدادوا.
ولعل مما زاد الأمر سوءا، واتسع الرقع على الراقع، أن خاض في هذا الأمر وغيره المتعالمون ممن يوصفون بألقاب رنانة كالمفكر والعلامة والداعية الكبير والواعظ المفوه والمجتهد العظيم، مع أن ردأ التفرق أمر لا أقول عنه بسيط ولكن ممكن ، وما كان ممكنا إذن يستطاع التغلب عليه، وكما قيل أن الحكحم العقلي ينحصر في ثلاثة هي: الواجب يستطيع العقل تصوره، والمستحيل أي لا يستطيع العقل تصوره،والممكن أي فيه الحالتين، وعليه فإن الخلاف والتفرق هو من جنس الممكن وليس من جنس الواجب أو جنس المستحيل. و إذا أرجع الناس مسائلهم إلى الله تعالى ورسوله لكفاهم ولم يختلفوا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى20 / 232 :ـ
" فيجب على المسلمين بعد موالاة الله ورسوله موالاة المؤمنين كما نطق القرآن، خصوصا العلماء الذين هم ورثة الأنبياء، الذين جعلهم الله بمنزلة النجوم يهتدى بهم في ظلمات البر والبحر، وقد أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم، إذ لكل أمة قبل مبعث محمد  فعلماؤها شرارها، إلا المسلمين فإن علماءهم خيارهم، فإنهم خلفاء الرسول في أمته، والمحيون لما مات من سنته، بهم قام الكتاب وبه قاموا، وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا . وليعلم أن ليس أحد من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولا عاما يتعمد مخالفة رسول الله  في شيء من سنته، دقيق ولا جليل، فإنهم متفقون اتفاقا يقينيا على وجوب إتباع الرسول، وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله  ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه فلا بد له من عذر فيتركه .." .
وقال : " إنما يجب على الناس طاعة الله والرسول، وهؤلاء أولوا الأمر الذين أمر الله بطاعتهم في قوله  أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ، إنما تجب طاعتهم تبعا لطاعة الله ورسوله استقلالا. ثم قال :{ فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلا }" . إذا نزلت بالمسلم نازلة فإنه يستفتي من اعتقد أنه يفقه بشرع الله ورسوله من أي مذهب كان، ولا يجب على أحد من المسلمين تقليد شخص بعينه من العلماء في كل ما يقول، ولا يجب على أحد من المسلمين التزام مذهب شخص معين غير الرسول  في كل ما يوجبه ويخبر به ، بل كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله . وإتباع شخص لمذهب بعينه لعجزه عن معرفة الشرع من غير جهته غنما هو مما يسوغ له، ليس هو مما يجب على كل أحد عليه أن يتقي الله ما استطاع، ويطلب علم ما أمر الله به ورسوله ، فيفعل المأمور، ويترك المحظور. والله أعلم " . لاشك أن التفرق والاختلاف هو من الأمور التي تنخر بالأمة نخرا حسب أي مدعى يدعى، وذلك لضياع الدين ، وعدم توجيهه لدفة الحياة كما كان، ولعل الخلاف كانت بدايته منذ كان الخلاف على صفات الله وأسمائه، ثم حقيقة الألوهية فظهرت الفرق المتعددة ، ثم كان النصر لأهل السنة والجماعة، واستقرار ما ذهبوا إليه، لأنحا حقيقة دعوة الإسلام. لكن الأعداء وأتباعهم استغلوا هذا الأمر، فشجعوا وجود الفرق والطوائف، مع أن الشرع قد نهى عنه، ومن ذلك قول النبي محمد لما تلاحى أجير مهاجري وأجير أنصاري: [ أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ]، وقوله: [ دعوها فإنها منتنة]. والدعوة الإسلامية قائمة على نبذ الخلاف والتفرق، والدعوة إلى الوحدة والألفة، وترك الشقاق، لأنها تؤدي إلى الفشل فقال تعالى  وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ  الأنفال:46 ، فالداعية يجب أن يكون مسلما متمسكا بالكتاب الكريم والسنة المشرفة، ولا يذهب إلى الحق إلا إذا كان موافقا للكتاب والسنة، وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ  المائدة:2، وقوله تعالى  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ  المائدة:8، لأن من الهوى التعصب للحق لا على أنه حق ولكن وافق النفس فيما تصبوا إليه، والتفرق كما هو معلوم تؤدي إلى الفشل والانفصام الفكري والتذبذب والازدواج والضعف والذل وسيطرة الغير عليها. ولعل من أسباب الفرقة والاختلاف والتنازع أن تمكن الأعداء من احتلال أراض للمسلمين، والعبث في أوطان المسلمين كيف شاؤا، من تمزيق واقتتال وكثرة المشكلات وغيره. فلابد على الدعاة أن لا يكون فكرهم بمحاولة تغيير الرأس وترك القاعدة على ما هي عليه، مما عمل الأعداء على تغيير القاعدة، فيكون التغيير من الأعلى، وعدم التأثير بالقاعدة وتغييرها، فتفرض على القاعدة مفهومها ومسلكها دون إرادة منها بل بالقوة والإكراه، فيكون التغيير ليس حقيقيا بل بالإجبار، وعندئذ لا يكون هناك فرق بين القديم والجديد.













ثالثا الظن أن الدين الإسلامي دين انهزامي ويجب محاربته
لم يتوانى الأعداء في محاربة الدين الإسلامي بشنى الطرق ومختلف الأساليب، وقد خاض الأعداء مثلا في " قضية توجيه الدين في حياة الإنسان "، بل وعملوا على تنحية الدين عن التوجيه ومحاربته بشتى الوسائل، مع أن المسألة مسألة تربوية ذات أبعاد تاريخية ونفسية ومصيرية، ولم يكتفوا بالعداء الخارجي بل عملوا على تشجيع وايجاء العداء الداخلي والعمل بأساليب خبيثة لتعميقه وتنحية الدين من الحياة سواء النظرية أو العملية.
فعمدوا مثلا إلى الطعن بالدين الإسلامي من غير المسلمين مع أنه لا يحق لمن لا يعرف فكرة ما أن يطعن بها حتى يكون على علم تام لبها، ثم ليس لمن لا يمك قدرة الدفاع لوجود عيوب كثيرة فيه أن يهاجم الأكمل منه، لأن هذا الفعل سيفضحه، ومع ذلك عملوا على إقصاء الدين الإسلامي بكل صلف وجهل وعنجهية فقاموا مثلا:
أ بذكر بعض المسائل بعيدا عن قضية العقيدة، وكأن هذه القضية منفصلة عن تلك، وليس بيان الكل ن كميراث المرأة ، وقضية أن للذكر حصتين من الميراث والمرأة لها حصة واحدة ، بعيدا عن صواب هذا الاجراء في دنيا الواقع، فهم لايردون الأصوب والأصح والأنجع، وكعدم تولي لالمرأة للرئاسة أو غيرها، أو قضية القوامة على المرأة، أو عمل المرأة عمل الرجال وإن كان خلاف الفطرة والواقع، وقطع يد السارق ورجم الزاني المحصن وغيرها.
لكنهم مثلا لا يناقشون قضية الجرائم الجسدية والأخلاقية والحسية والمشاكل النفسية والروحية، وتهوين هذا الأمر ومحاولة عدم ذكره، كما عملوا على تشجيع الموبقات كاخمور والزنا والمشكل النفسية وتهوين العلاقات بين الناس وجعلها مشكوك فيها وتؤدي إلى مصائب كالقتل والخسارة وما إلى ذلك.
ب ـ التأليف والترويج قبل عرض الفكرة ونشرها، فقد عملوا على ذلك بنشاط، والترويج لبعضهم على أنهم أساتذة وشيخ وخبير ومثقف، وطباعة الكتب بخصوص انحراف الأمة الإسلامية ، وبقائها تحت سيطرتهم، وما مجلة المسرة التنصيرية التي تصدر من سوريا وتروج مجانا أو بثمن بخس في بداية القرن العشرين، وما أضواء على السنة لأبي رية، وما المؤتمرات العديدة طول القرن العشرين وما زال، و ما كتابات آدم متز وغوستاف لوبون وكولد زيهر وجب وفولتير ونابليون وليفي ستراوس وغيرهم.
فيذكر ـ مثلا ـ المفكر الغربي ـ إن. دانيال ـ بإيجاز أن :" الوعي الاجتماعي الأوروبي للربع الأخير من القرن التاسع عشر قد تكونت لديه صورة مزدوجة عن الإسلام؛ فمن جهة، تم تصوره كتهديد معادٍ للمصالح الغربية دولاً وأفراداً، بما يمثله من النزوع إلى الرابطة أو الوحدة الإسلامية، وبصفته تعصباً للبرابرة المعادين لـ(رسالة أوروبا التحضيرية) الإنسانية ـ الكونية . من جهة أخرى رأت الدوائر الإستراتيجية الغربية في الإسلام (دين استقرار) وعامل تثبيت، يمكن استخدامه في إطار (طاعة الحكام) والمحافظة على السلطات الصديقة".
فملخص الصورة الذهنية عن الإسلام الحنيف ونبيه : " تكونت الصورة النمطية عن نبي الإسلام من خلال الموقف الأوروبي التاريخي من الإسلام. وقد ساهم المفكرون الأوروبيون الدينيون وغيرهم أيضاً في تحويل الإسلام إلى دين كريهً بغيض لدى العامة؛ لكي تحتفظ أوروبا بابتعادها عن الوقوع تحت سيطرة الدين الإسلامي، وقوته الأخلاقية والفكرية الأسرة.
إن الصورة المشوهة عن الإسلام في الغرب لم تكن بسبب جهل أوروبا به؛ ولكنها في الواقع نتيجة معرفة حقيقة بالإسلام غلفت بالحقد والخوف من تنامي تأثير هذا الدين على أوروبا نفسها وعلى العالم أجمع. إن الصورة النمطية عن نبي الإسلام في الغرب هي صورة بشعة وليست إيجابية، رغم ما ينشر في العالم العربي مؤخراً من أقوال بعض المنصفين التي تصور وكأنها تمثل إجماعاً غربياً حول الموقف من الرسول.
وهناك أربع فئات رئيسة في العالم الغربي تهاجم نبي الإسلام بشكل متواصل ومنظم طوال الأعوام الأخيرة. إنهم رموز عدد من الكنائس الأوروبية والأمريكية الكبرى، والقادة السياسيون في الكثير من دول أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، والعديد من وسائل الإعلام الغربية ( صحافة، تلفاز، سينما، كتب، إعلام إلكتروني .. إلخ)، وأخيراً الرموز الفكرية للتيارات العلمانية.
لقد حاولت الكنيسة الأوروبية الكاثوليكية في النصف الثاني من القرن الماضي أن تبدأ مرحلة جديدة من العلاقة مع العالم الإسلامي، تقوم على نوع من الاعتراف الضمني بالدين الإسلامي كدين موجود على الساحة العالمية في العقود الماضية، ولكن يبدو أن البابا الحالي قد قرر إعادة تعريف تلك العلاقة مرة أخرى. كما أن العداء للدين جعل رواد حركة التنوير الأوروبية يميلون أيضاً على التهجم على نبي الإسلام بوصفهما يمثلان ديناً؛ وهم يحاربون الأديان برمتها وفي كل أشكالها. كما أن الفكر العلماني الأوروبي استشعر بالخطر من القوة الفكرية للدين الإسلامي، ولذلك استمرت حملة الاستهزاء بنبي الإسلام والسخرية من دعوته بين رموز هذا التيار التنوير ـ الليبرالي ـ، كما يحب أن يسمي نفسه. من أجل ذلك؛ من المتوقع أن تستمر حملة الهجوم على النبي" .
فبعد هذا لعل الأمر قد تبين ولو كان إشارة.
ج ـ تحريف الدين وتحويله وذلك قد أحلوا القوانين التي تحكمهم على المسلمين بدل الشريعة الغراء التي أنزلها الله تعالى وجاء بها محمد بن عبد الله من ربه، بعد أن كان لهم صنائع أجبروا الناس وساموهم سوء العذاب، وظهرت للناس مشاكل ما كانت تظهر لهم من قبل بالرغم أن هذا الدين حكم أكثر من 1400 سنة، فكان القانون مأخوذ من القانون الفرنسي والبريطاني والروسي ثم الأمريكي والإسرائيلي وهلم جرا.
وكان عمل الأعداء من أساليبهم الخبيثة أن أقروا القانون المأخوذ من قوانيهم المختلفة، سواء بالقوة أو بالمروة ـ كما يقولون ـ، ومن بعد تعطيل الشرع الذي عاشوا به سنوات ظهرت أمور حلها الناس بأنفسهم كقضية الثأر التي لم تكن موجودة في حياة المسلمين، وقضية غسل العار، وقضية الميراث، وقضية ولاية المرأة، وقضية عمل المرأة في غير اختصاصها، وقضية التربية المنفلتة، وقضية شرب الخمر، وقضية العشيق للمتزوجة، وللعانس، وقضية العنوسة، وقضية التعليم، وقضية الطلاق، وقضية الإجهاض، وقضية النسل ومحاولة تقليله وتقليصه في العالم الإسلامي وتشجيع زيادته في العالم الآخر، ومحالة نشر التلقيح الصناعي، ونشر قضية بنك الأجنة، وزرع الأعضاء، وأطفال الأنابيب، والتأمين ، وقضية القرض ومحاولة القول بجواز القرض الربوي، وقضية الزكاة، وقضية أن المرأة في الإسلام أمة فهي في سوق نخاسة، وقضية العبيد، وغيرها.
كل هذا وغيره عمل الأعداء فأقامت المناهج التربوية وفق نظرتها، فقد أنشئت أو شجعت وجود الأحزاب والدعوات المناهضة للإسلام، كالدعوة إلى الصوفية المنحرفة، والزندقة، والإقليمية، والتحزب، والتعصب للجنس، والطائفة، وإنشاء أشكال متباينة من العقائد والأفكار والآراء والفلسفات والمذاهب، يساعدهم في ذلك من يشتغلون لهم سرا وعلنا.
ثم وجدوا أن هناك تقاليد كانت أو ظهرت فيما بعد فاستمسكوا بها على أنها من الدين الإسلامي، وهي ليست من الدين الإسلامي، بل الإسلام يحارب العادات السيئة، لذلك أمر بعدم فعل العادات السيئة، ولو كان يفعلها أقرب الناس، مثل زواج الشغار ـ أي عند بعضهم يسمى زواج الكصة بالكصة ـ، وعدم رؤية الخاطب أو المخطوبة، وعدم رغبة الفتاة بزوج معين يقدمه لها والدها، فهذا زواج بالإكراه، والمتعة هي زنى، والوساطة، والرشوة، والتفرقة بين الأولاد، وقضية الدية، وقضية الفرق بدون وجه حق بين الجنسين، وقضية ما يسمى بحادثة الشرف وهكذا!!! ونرجع ونقول أنه لما عطلت القوانين الشرعية بالقوة أو أو لجأ الناس لهذه العادات والتقاليد ليجدوا الحل المناسب حسب عقولهم وأهوائهم وتصوراته إلى هذه الأعمال المستهجنة من الشرع الحنيف.
د ـ التغريبيون والعلمانيون وغيرهم وهؤلاء في الحقيقة صنائع الأعداء لمهاجمة الأمة الإسلامية في معتقداتها ومسلكها وتقاليدها، ممن خاصة من درس عندهم، فظهر الطعن بالمسلمات ومحاربة اللغة العربية كاكتور طه حسين الذي جعله الاستشراق عميد الأدب العربي، ثم محاربة اللغة العربية شعرا ونثرا، ومحاولة التقليد والأخذ والإعجاب باللغة اليونانية واللغة الانجليزية واللغة الفرعونية والسنسكريتيه واللغة اليهودية واللغة اللاتينية وغيرها ومحاربة اللغة العربية وصعوبتها مع أنها لغة الأمة وباعتراف الخبراء غير العرب أنها أسهل لغة وأجود لغة وأفضل وتسهيل اللغات الأخرى بسهولة تعلمها ومحاولة تداولها، ومحاربة الشهور الهجرية، وإشعال الحروب وإقحام العالم الإسلامي فيها، أو إشعال الحروب في العالم الإسلامي بحجج واهية وهم يذكونها، ومحاولة الحرب على حجاب المرأة، وكل دعوة ضد الحجاب أطلقوا عليها دعوة إصلاحية، ثم محاولة الحرب ضد الدين سواء بالاستهزاء أو بالكتابات أو بالشعر أو بالغناء أو بالفلسفات أو بالأفكار أو بإفساح المجال لكل من يحارب اللغة العربية والدين الإسلامي في البرامج والخطب واللقاءات، وإضفاء الألقاب الراقية عليهم، إضافة لمدهم بما يعينهم في معيشتهم، وتشجيع المطابع والمكتبات على نشر كل شيء ضدهما، ومحاولة عدم نشر ما بهما أو تصدر الأمر لجهات معينة وللمكتبات والمطابع بعدم قبول ذلك، والإعلام وبرامجها، والدعاية، ومنهم من يقول بحجة التقدمية والرجعية والتطور والرفاهية، فظهر لنا قاسم أمين وهدى شعراوي ولطفي السيد وروز اليوسف والفنانين والممثلين والفنانات والممثلات وتشجيع الرقص والغناء وفتح مجال التعليم فيها وغلق المدارس الدينية والثانويات والكليات، وتهوين التعليم الديني إذا وجد له مجالا، وقلة التوظيف والرواتب ومحاربة الأوقاف صراحة أو ضمنا فهي وسخة وقديمة وتكون من ضمن البعثات والعطايا، فهي في بعض الدول مجال أخذ وليس عطاء.
قال د. علي هود با عباد : " والتغيير الاجتماعي يعني تغيير قيم الأمة وعقيدتها وفكرها وثقافتها وأخلاقها عن أصولها وأسسها وتصوراتها الشاملة، ويأتي التغريب أحياناً تحت اسم التطوير والتقدم والتحديث.
لقد وضع المستعمرون الصليبيون الأسس والأنظمة لاجتماعية لعملية التغيير الاجتماعي أثناء وجودهم في الدول الإسلامية والعربية وقد عمق ذلك في نفوس وعقول كثير من أبناء الأمة العربية والإسلامية في جميع شؤون الحياة، وقد تعمق ذلك أكثر بعد الاستقلال، وعن طريق العنف الثوري والنظام العسكري أو الحزبي العقائدي، أو الملكي الوراثي، وقد اتخذ المستعمرون لعملية التغيير الاجتماعي الأساليب والوسائل الآتية:
1ـ العلمانية في جميع شؤون الحياة من تعليم وقانون وإعلام وثقافة عامة.
2ـ القومية والوطنية من منظور الوحدة الإسلامية، بهدف تمزيق الأمة الواحدة والدولة الواحدة والمجتمع الواحد والأسرة الواحدة.
3ـ تحرير المرأة من منظور علماني غربي وليس من المنظور الإسلامي.
4ـ إيجاد طبقة جديدة من أبناء الأمة العربية والإسلامية في كل مجلات الحياة لتبني عمليات التغيير الاجتماعي ( التغريب ) بعد خروج المستعمرين.".
هـ ـ الفرقة والاختلاف