المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : {{ الفوائد الفريدة من شرح الأصبهانيّة لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله ربّ البريّة - }}



أهــل الحـديث
03-12-2013, 12:10 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




بسم الله الرحمن الرحيم
الهديّة الأولى : الفوائد الفريدة من شرح الأصبهانيّة .

قبل أن أبدأ بذكر الفوائد لا بدّ من تسجيل إعجابي لفكر شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – قلتُ هذا لأنّ القارئ في كتاب شرح العقيدة الأصفهانية يعجب من طول نفس شيخ الإسلام في ردوده المنطقيّة ، ونقولاته الكثيرة عن أهل المنطق أنفسهم حتى ليظنّ الظانّ أن أهل المنطق أنفسهم لا يستطيعون استحضار تلك النقولات الوفيرة – فرحم الله – ابن تيمية وجمعني وإيّاكم به في جنّته بل في الفردوس الأعلى . آمين آمينَ آمين .

والكتاب بتحقيق الدكتور محمد عودة السعوي ، مكتبة دار المنهاج - الرياض .

****************
الفائدة 1 : وأما تسميته سبحانه بأنه مريد وأنه متكلم فإن هذين الاسمين لم يردا في القرآن ولا في الأسماء الحسنى المعروفة ومعناهما حق ولكن الأسماء الحسنى المعروفة هي التي يدعى الله بها وهي التي جاءت في الكتاب والسنة وهي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها .

الفائدة 2 : والإنشاء نوعان إنشاء تكوين وإنشاء تشريع فإنه سبحانه له الخلق والأمر وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون والتكوين يستلزم الإرادة عند جماهير الخلائق وكذلك يستلزم الكلام عند أكثر أهل الإثبات وأما التشريع فيستلزم الكلام وفي استلزامه الإرادة نزاع والصواب أنه يستلزم أحد نوعي الإرادة .

الفائدة 3 : منه بدأ وإليه يعود ومعنى قولهم منه بدأ أي هو المتكلم به لم يخلقه في غيره كما قالت الجهمية من المعتزلة وغيرهم أنه بدأ من بعض المخلوقات وأنه سبحانه لم يقم به كلام ولم يرد السلف أنه كلام فارق ذاته فإن الكلام وغيره من الصفات لا تفارق الموصوف بل صفة المخلوق لا تفارقه وتنتقل إلى غيره فكيف تكون صفة الخالق تفارقه وتنتقل إلى غيره؟ ولهذا قال الإمام أحمد: "كلام الله من الله ليس ببائن منه" ورد بذلك على الجهمية المعتزلة وغيرهم الذين يقولون كلام الله بائن منه خلقه في بعض الأجسام ومعنى قول السلف: إليه يعود ما جاء في الآثار إن القرآن يسري به حتى لا يبقى في المصاحف منه حرف ولا في القلوب منه آية .

الفائدة 4 : وقول ابن عباس لما سمع قائلا يقول لميت لما وضع في لحده: "اللهم رب القرآن اغفر له" فالتفت إليه ابن عباس فقال: مه القرآن كلام الله ليس بمربوب منه خرج وإليه يعود" وهذا الكلام معروف عن ابن عباس .

الفائدة 5 : المصنف سلك في ذلك طريقة أبي عبد الله الرازي فأثبت العلم والقدرة والإرادة والحياة بالعقل وأثبت السمع والبصر والكلام بالسمع ولم يثبت شيئا من الصفات الخبرية وأما من قبل هؤلاء كأبي المعالي الجويني وأمثاله والقاضي أبي يعلى وأمثاله فيثبتون جميع هذه الصفات بالعقل كما كان يسلكه القاضي أبو بكر ومن قبله كأبي الحسن الأشعري وأبي العباس القلانسي ومن قبلهم كأبي محمد بن كلاب والحارث المحاسبي وغيرهما وهكذا السلف والأئمة كالإمام أحمد بن حنبل وأمثاله يثبتون هذه الصفات بالعقل كما ثبتت بالسمع وهذه الطريقة أعلى وأشرف من طريقة هؤلاء المتأخرين .

الفائدة 6 : لا يلزم من عدم الدليل المعيّن عدم المدلول .

الفائدة 7 : الكلام في محبة الله وذكرنا أن للناس في هذا الأصل العظيم ثلاثة أقوال:
أحدها : أن الله تعالى يُحَب ويُحِب كما قال تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} فهو المستحق أن يكون له كما المحبة دون ما سواه وهو سبحانه يحب ما أمر به ويحب عباده المؤمنين وهذا قول سلف الأمة وأئمتها وهذا قول أئمة شيوخ المعرفة .

والقول الثاني : أنه يستحق أن يُحَب لكنه لا يُحِب إلا بمعنى أن يريد وهذا قول كثير من المتكلمين ومن وافقهم من الصوفية .

والثالث : أنه لا يُحَب ولا يُحِب وإنما محبة العباد له إرادتهم طاعته وهذا قول الجهمية ومن وافقهم من متأخري أهل الكلام والرازي .

الفائدة 8 : قال أبو سُليمان الخليلي : هذا الكلام مهم جدا جدًا ... ويكتب بماء العيون .
ومن شأن المصنفين في العقائد المختصرة على مذهب أهل السنة والجماعة أن يذكروا ما تتميز به أهل السنة والجماعة عن الكفار والمبتدعين فيذكروا إثبات الصفات وأن القرآن كلام الله غير مخلوق وأنه تعالى يرى في الآخرة خلافا للجهمية من المعتزلة وغيرهم . ويذكرون أن الله خالق أفعال العباد وأنه مريد لجميع الكائنات وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن خلافا للقدرية من المعتزلة وغيرهم ويذكرون مسائل الأسماء والأحكام والوعد والوعيد وأن المؤمن لا يكفر بمجرد الذنب ولا يخلد في النار خلافا للخوارج والمعتزلة ويحققون القول في الإيمان ويثبتون الوعيد لأهل الكبائر مجملا خلافا للمرجئة ويذكرون إمامة الخلفاء الأربعة وفضائلهم خلافا للشيعة من الرافضة وغيرهم.
وأما الإيمان بما اتفق عليه المسلمون من توحيد الله تعالى والإيمان برسله والإيمان باليوم الآخر فهذا لا بد منه وأما دلائل هذه المسائل ففي الكتب المبسوطة الكبار .

الفائدة 9 : واعلم أنّه ما من حق ودليل إلا ويمكن أنه يرد عليه شُبه سوفسطائيّة ، فإنّ السفسطة إمّا خيال فاسد وإمّا معاندة للحق ، وكلاهما لا ضابط له .

الفائدة 10 : واعلم أنّ كثيرا من النّظار كثر خوضهم في توحيد الله وصفاته بلفظ التركيب وغيره من الألفاظ المجملة ، ومثبة الصفات تارة يبينون فساد حجة النفاة ذلك ، وتارة يقررونها ، كما يقع مثل ذلك في كلام أبي عبد الله الرازي وأبي الحسن الآمدي وغيرهما .

الفائدة 11 : يقول شيخ الإسلام عن كتاب الرازي :
كتابه المسمى بنهاية العقول وهو من أجل كتبه في الكلام .

الفائدة 12 : ومثل هذا النظر وهو تعارض الأدلة التي يظنّ صاحبها أنها أدلة عقليّة يوجب الحيرة والشك والتوقف ، ولهذا صرّح طائفة من هؤلاء بالتوقف والحيرة في مسائل الصفات ، وهذا شأن الرازي والآمدي وغيرهما في مسائل لهم ، وهو منتهى نظر أهل النّظر والكلام المذموم في الشرع ، فإنّه ينتهي بهم الأمر إلى الحيرة والشك ، كما قال ابن عقيل وغيره من العلماء : آخر المتكلمين الخارجين عن الشرع هو الشكّ ، وآخر الصوفية الخارجين عن الشرع هو الشطح .
وهما كما قالوا : فإنّ من تدبّر كلام كثير منهم الثابت عنهم ، وجد منتهى أمرهم إلى الشكّ والتوقف ، كما يوجد في كلام الرازي وغيره ، فإنّه واقف في (( مسألة الجوهر الفرد )) ، (( ومسألة الصفات والأفعال )) ، وغير ذلك كما أخبر به عن نفسه ، كما يوجد في كتبه .
وكذلك أبو المعالي حصل له التوقف قبل أن يموت في الصفات الخبرية كالاستواء ، وفي قيام الأمور الاختيارية به ، وابن يوجد في كلامه قول المثبتة للصفات الخبرية تارة ، وقول النفاة المعطلة تارة ، وقول الواقفة تارة ، ويوجب تأويلات الجهمية ، ويحرمها تارة .

الفائدة 13 : فلما دخل في اسم (( واجب الوجود )) هذا الاشتراك والتلبس والاضطراب عَظُمَ الخطأ والضلال في هذا الباب ، ولهذا قال بعض الفضلاء :
لمّا سمّوا رب العالمين واجب الوجود خرب العالم .

الفائدة 14 : ولما كان أبو عبد الله محمد بن التومرت على مذهب المعتزلة في نفي الصفات لقب أصحابه بالموحدين وقد صرح في كتابه الكبير بنفي الصفات ولهذا لم يذكر في مرشدته شيئا من الصفات الثبوتية لا علم الله ولا قدرته ولا كلامه ولا شيئا من صفاته الثبوتية وإنما ذكر السلوب .

الفائدة 15 : والآمدي ذكر طرق النّاس في التوحيد وزيّفها .

الفائدة 16 : حدّثني الثقة من أصحابنا عن شيخ من أهل أنه سمع هذا المصنِّف يقول للشيخ إبراهيم الجعبري – رحمهما الله – بِتُّ البارحةَ أفكّر في دليل عقليّ على التوحيد ليس له معارض فلم أجد ، فأجابه بما يناسبه حال نفسه وقال له : كنت قلت :
(( قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد )) .

الفائدة 17 : والكلام في التوحيد يتضمن ثلاثة أنواع :
أحدها : الكلام في الصفات .
والثاني : توحيد الربوبية ، وبيان أن الله خالق كل شيءٍ .
والثالث : توحيد الألهية ، وهو عبادة الله وحده لا شريك له .

الفائدة 18 : وأما النصارى القائلون بالتثليث ، فإنّهم لم يثبتوا للعالَم ثلاثة آلهة أرباب ينفصل بعضهم عن بعض ، بل هم متفقون على أن صانع العالَم واحد ، ويقولون : باسم الآب والابن وروح القدس إله واحد .

الفائدة 19 : ولهذا لا يكاد أحد من النّصارى يعبّر عن قولهم بمعنى معقول ، ولا يكاد اثنان يتفقان على معنى واحد ، فإنّهم يقولون : هو واحد بالذات ثلاثة بالأقنوم : والأقانيم تفسّر تارة بالخواص ، وتارة بالصفات ، وتارة بالأشخاص .

الفائدة 20 : والمشهور عند النّظار إثبات هذا بدليل التمانع ، وهو دليل صحيح في نفسه ، لكن من المتأخرين من لم يفهم وجه تقريره كالآمدي وغيره فزيّفه .
وذلك أن وجه تقريره المشهور : وهو أنه لو كان للعالم صانعان متكافئان فعند اختلافهما مثل أن يريد أحدهما تحريك جسم وآخر تسكينه أو يريد أحدهما إحياءه والآخر إماتته - : فإما أن يحصل مرادهما أو مراد أحدهما أو لا يحصل مراد واحد منهما والأول ممتنع لأنه يستلزم الجمع بين الضدين والثالث ممتنع لأنه يلزم خلو الجسم عن الحركة والسكون وهو ممتنع ويستلزم أيضا عجز كل منهما والعاجز لا يكون إلها وإذا حصل مراد أحدهما دون الآخر كان هذا هو الإله القادر والآخر عاجزا لا يصلح للإلهية .

الفائدة 21 : وكثير من أهل النظر يزعمون أن دليل التمانع هو معنى قوله تعالى : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } لاعتقادهم أن توحيد الربوبية الذي قرروه هو توحيد الإلهية الذي بينه القرآن ودعت إليه الرسل عليهم السلام وليس الأمر كذلك بل التوحيد الذي دعت إليه الرسل ونزلت به الكتب هو توحيد الإلهية المتضمن توحيد الربوبية وهو عبادة الله وحده لا شريك له فإن المشركين من العرب كانوا يقرون بتوحيد الربوبية .

الفائدة 22 : فلو أقر رجل بتوحيد الربوبية الذي يقر به هؤلاء النظار ويفنى فيه كثير من أهل التصوف ويجعلونه غاية السالكين كما ذكره صاحب منازل السائرين وغيره وهو مع ذلك إن لم يعبد الله وحده ويتبرأ من عبادة ما سواه - كان مشركا من جنس أمثاله من المشركين .

الفائدة 23 : وهذا المصنِّف لم يذكر مسألة (( حدوث العالم )) في هذه العقيدة وكأن ذلك لِـما رأى فيها من الاضطراب ، لا سيّما فيما عنده من طريقة الرازي وأمثاله ، فإنّ كلامهم فيها يوجب الحيرة والشكّ .

الفائدة 24 : شيخ الإسلام يتكلم عن من استدل بمناظرة سيدنا إبراهيم – عليه السلام – في إثبات الصانع على طريقة النّظار والمتكلمين فيقول :
وأعجب من ذلك دعوى كثير منهم أنها طريقة إبراهيم الخليل المذكورة في قوله (( لا أحبّ الآفلين )) فزعموا أن إبراهيم أثبت بذلك وجود الصانع وحدوث العالم ، وهذا غلط على إبراهيم من وجوه :
منها : أنّ مقصوده كان إثبات التوحيد لا إثبات الصانع .
ومنها : أنه لو كان مقصوده إثبات الصانع لكان ذلك دليلا على نقيض مطلوبهم فإن الخليل لم يستدل بنفس الأعراض الحادثة كالحركة ، والانتقال ، والبزوغ ، والجريان في الفلك وإنما استدل بالأُفول وهو المغيب والاحتجاب .

الفائدة 25 : وهم : لا للإسلام نصروا ، ولا للدهريّة كسروا .

الفائدة 26 : قال جمهور العقلاء : ثلاثة أشياء لا حقيقة لها : طَفْرة النّظّام ، وأحوال أبي هاشم ، وكسب الأشعري .

الفائدة 27 : والله سبحانه تعالى لا ينبغي أن يُستعمل في ذاته وصفاته وأفعاله قياس التمثيل ، ولا القياس الشمولي ، بل إنما يُستعمل قياس الأوْلى .

الفائدة 28 : وقد نقل غيرُ واحد أن أول من قال بقدم العالم من الفلاسفة هو أرسطو ، وأمّا الأساطين قبله فلم يكونوا يقولون بقدم صورة الفلك ، وإن كان لهم في المادة أقوال أخرى .