المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحلقة الحادية والعشرون والأخيرة من قراءة المعوذات تخريج ودراسة(( فقه الحديث ))



أهــل الحـديث
02-12-2013, 10:30 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الحلقة الحادية والعشرون والأخيرة من قراءة المعوذات تخريج ودراسة
(( فقه الحديث ))
( أولاً ) مما سبق تبين أنَّ حديث عبدالله بن خبيب جاء من طريقين :
الطريق الأولى /أسيد بن أَبِى أَسِيدٍ الْبَرَّادِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ
وفيها تقييد الذكر بقراءة ( قل هو الله أحد ) والمعوذتين بـــــــــــ:
1- بالصباح والمساء .
2- بتكرارهما ثلاث مرات .
3- وبإضافة ( قل هو الله أحد ) مع المعوذتين .
الطريق الثانية / زيد بن أسلم عن معاذ بن عبد الله بن خبيب ، عن أبيه
وفيه إطلاق هذا الذكر :
فلم يقيده بوقت معين .
ولا عدد معين .
بل وتخصيصه بالمعوذتين دون ( قل هو الله أحد ) .
(ثانياً) إن المتأمل في الحديثين يرى الاتفاق بينهما في السند ، والاختلاف في المتن .
ووجه الاختلاف بين المتنين أن متن أسيد مقيد ، ومتن زيد مطلق ، وقد يقال يمكن حمل المطلق على المقيد ،فيحمل ما أطلقه زيد على ما قيده أسيد
والجواب على ذلك أنَّ ذلك يصح ما لو كانا متقاربين في الرتبة ، أما وهما متفاوتان في الدرجة فلا ، فأسيد مما لايحتمل تفرده – كما سبق بيانه – وقد تفرد بالتقييد ،وجاءت رواية زيد -وهو أوثق من أسيد ضبطاً حيث أخرج له الجماعة وعلى رأسهم الشيخان في صحيحيهما – بالإطلاق بل ولم تذكر في روايته سورة ( قل هو الله أحد )
وعليه فإسناد زيد بن أسلم في الحقيقة لا يعد متابعة ، كما ظنه البعض واعتمد عليها في قبول رواية أسيد ، نعم : هي متابعة في السند لا المتن ، والمتابعة لابد أن تكون فيهما جميعاً قاصرة أو تامة ولو بالمعنى في المتن.


( ثالثاً ) يضاف إلى ذلك الاختلاف = اختلاف آخر رواه القعنبي و أبو مصعب الزهري عن عبدالعزيز الدراوردي عن عبدالله بن سليمان عن معاذ بن عبدالله بن خبيب عن أبيه عن عقبة بن عامر الجهني  وفي هذه الحال خرج هذا الحديث عن كونه من مسند عبدالله بن خبيب  إلى كونه من مسند عقبة بن عامر  لكن من رواية صحابي عن صحابي  وليس فيه هذا التقييد الوارد في رواية أسيد بل هو موافق في المعنى لرواية زيد بن أسلم – رحم الله الجميع-
وخالفهما خالد بن مخلد القطواني : فرواه عن عبدالله بن سليمان الأسلمي عن معاذ بن عبدالله بن خبيب عن عقبة بن عامر الجهني ...فذكر الحديث بنحوه ، وأسقط من السند عبدالله بن خبيب . وذكرنا أن مخالفته هذه شاذة بالنسبة اليهما .
إذن الحديث حصل فيه اختلاف من حيث السند ومن حيث المتن .
( رابعاً ) يؤيد وجود هذا الاختلاف قول الحافظ بن حجر :(( واتضح مما سقته أنَّـه ليس له باللفظ الأول في الكتب الثلاثة ولا غيرها إلاَّ إسناد واحد عن عبدالله بن خبيب ، والتعدد إنَّما هو إلى ابنه معاذ مع الاختلاف في سياقته .))
( خامساً ) ويضاف إلى ما سبق أنَّ هذا الحديث معروف بعقبة بن عامر  ، كما ذكر ذلك الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى في نتائج الأفكار (2/347) وتناقلته كتب السنة المتنوعة وجاء بألفاظ مختلفة ، بل رواه العدد الغفير والجمع الكثير عنه ، بخلاف حديث عبدالله بن خبيب .
(سادساً ) روى حديث عقبة بن عامر  ثمانية عشر راوياً وهم كلٌ من :
19- قيس بن أبي حازم
20- القاسم بن عبدالرحمن مولى معاوية .
21- جبير بن نفير
22- أبو عمران أسلم التجيبي .
23- أبو سعيد المقبري .
24- أبو عبدالله .
25- يزيد بن رومان .
26- عبدالعزيز بن مروان .
27- أبوالخير مرثد بن عبد الله اليزني المصري .
28- أبو أمامة الباهلي .
29- فروة بن مجاهد اللخمي .
30- علي بن رباح .
31- مشرح بن هاعان .
32- سليمان بن موسى .
33- نصر بن عبدالرحمن .
34- زياد أبي الأسد ، أو زياد بن رشدين .
35- أبو عشانة حي بن يؤمن .
36- رجل من جهينة .
وانقسمت الروايات عنه مابين مقبول ومردود
فكان نصيب الروايات المقبولة ( الصحيحة والحسنة) منه عشر روايات .
والروايات المردود تسع روايات .
فالرواة المقبولة رواياتهم هم :
1- قيس بن أبي حازم
2- القاسم بن عبدالرحمن مولى معاوية .
3- جبير بن نفير
4- أبو عمران أسلم التجيبي .
5- عبدالعزيز بن مروان .
6- أبوالخير مرثد بن عبد الله اليزني المصري .
7- فروة بن مجاهد اللخمي .
8- علي بن رباح .
9- مشرح بن هاعان .
10- أبو عشانة حي بن يؤمن .
وأما الرواة المردودة رواياتهم فهم :
1- أبو سعيد المقبري .
2- أبو عبدالله .
3- يزيد بن رومان .
4- أبو أمامة الباهلي ,
5- سليمان بن موسى .
6- نصر بن عبدالرحمن .
7- زياد أبي الأسد ، أو زياد بن رشدين .
8- رجل من جهينة .
وقد سبق بيان ذلك كله ، لكن الذي يهمنا الآن هو ما يستنبط من هذه الأحاديث من فوائد وأحكام فمنها:
1- أنَّ المعوذتين هما ( قل أعوذ برب الفلق ) و ( قل أعوذ برب الناس ) لقول عقبة بن عامر  قَالَ:( قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ  :« أُنْزِلَ - أَوْ أُنْزِلَتْ - عَلَىَّ آيَاتٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ » ثم فسر هاتين المعوذتين بقوله  :(( أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) وَ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) » ثم صلى الفجر وقرأ بهما ، وهذا هو الأصل و لايعدل عنه إلاَّ بدليل .
2- أنَّهما من أحب السور إلى الله عز وجل لقول رسول الله  :(( إنك لن تقرأ سورة أحب إلى الله عز و جل ولا أبلغ من ﴿قل أعوذ برب الفلق ﴾.
3- أنَّهما من القرآن الكريم لقول عقبة :(( سألت رسول الله  عن المعوذتين أمن القرآن هما ؟ فأمنا بهما رسول الله  في صلاة الفجر))
4- أنَّهما مما يستحب قراءتهما في الصلاة مطلقاً لقول النبي :((.. فإن استطعت أن لا تفوتك في صلاة فافعل ))
5- أنَّهما ممن يستحب قراءتهما في صلاة الصبح ((عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ : ((أن النبي  كان يقرأ في صلاة الغداة ﴿قل أعوذ برب الفلق﴾ و ﴿قل أعوذ برب الناس﴾ .))
6- وأنَّهما كذلك ممن يستحب قراءتهما في صلاة المغرب قال يزيد :( فلم يكن أبو عمران يدعها كان لا يزال يقرؤها في صلاة المغرب ))
7- استحباب إقراء الكبير أو الإمام أو ولي الأمر القرآنَ لمن هم دونه وتعليمهم ما ينفعهم في دينهم فالرسول  وهو من هو في علو شأنه ورفيع منزلته بمجرد ما أنزلت عليه المعوذتان بادر بإقرائهما وتعليمهما عقبة بن عامر 
8- بيان رفيع منزلة عقبة بن عامر  فعند مسلم قال :(( وَفِى رِوَايَةِ أَبِى أُسَامَةَ :{عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِىِّ وَكَانَ مِنْ رُفَعَاءِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ }))
9- أنَّ استشعار أهمية الشيء مبنية على العلم به ، فالنبي  عندما نزلت عليه هاتان السورتان فرح بهما فرحاً عظيماً واستشعر أهميتهما بخلاف عقبة بن عامر  لقصور علمه عن علم رسول الله  لم يفرح بها أول الأمر وذلك يرجع – والله أعلم – لكونهما من السور القصيرة ، بخلاف سورة البقرة وغيرها ، ولهذا طلب عقبة  من النبي  أن يقرأه سورة هود وسورة يوسف وهما أطول من المعوذتين بكثير ، فدله النبي  على سورتين هما أقصر منهما لكنهما أحب إلى الله منهما.
10- يستفاد مما سبق أنَّ سور القرآن تتفاضل وكذلك آياته .
11- أنَّه لا بأس للإمام أو المصلي بعد فراغه من صلاته مباشرة وقبل شروعه في الأذكار الواردة عقب الصلاة أنَّه لا بأس له أن يكلم غيره ، لقول عقبة  :(( فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ  مِنَ الصَّلاَةِ الْتَفَتَ إِلَىَّ فَقَالَ « يَا عُقْبَةُ كَيْفَ رَأَيْتَ ».
12- أنّه يشرع للمسلم قراءة المعوذتين قبل النوم وعند الاستيقاظ لقول النبي :(( كيف رأيت يا عقبة بن عامر اقرأ بهما كلما نمت وقمت .)) فهما من أذكار النوم والاستيقاظ .
13- مما يستفاد من حديث عقبة بن عامر  التحلي بجميل الأخلاق وكرائم الخصال فقد قال النبي لعقبة  :
(( صِلْ مَنْ قَطَعَكَ وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ ))
((أَمْلِكْ لِسَانَكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ ))
14- أنَّ سورة (( قل هو الله أحد )) وسورة (( قل أعوذ برب الفلق )) وسورة (( قل أعوذ برب الناس )) من أذكار الليل فقط ، لا الصباح و لا المساء لقول النبي :(( يَا عُقْبَةُ بْنَ عَامِرٍ أَلَا أُعَلِّمُكَ سُوَرًا مَا أُنْزِلَتْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهُنَّ لَا يَأْتِيَنَّ عَلَيْكَ لَيْلَةٌ إِلَّا قَرَأْتَهُنَّ فِيهَا
﴿ـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ و﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ و﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ )) فقول النبي  :(( لا يأتين عليك ليلة )) يوضح المقصود بأنَّ هذه السور تقرأ بعد دخول الليل ، ويكون دخوله بغروب الشمس ، كما قال تعالى :(( ثم أتموا الصيام إلى الليل )) ودخوله يكون بغروب الشمس ،فحينئذٍ تقرأ بعد غروب الشمس ، مثله مثل قول النبي  :(( مَن قرأَ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كَفَتَاه)) رواه البخاري ومسلم .فهاتان الآيتان تقرأن – على الصحيح- بعد غروب الشمس ، و لايعدل عن ذلك إلاَّ بدليل بين .- والله أعلم –
15- لمَا علم عقبة  بأهمية هاتين السورتين داوم على قراءتها كما قال هو عن نفسه :(( فَمَا أَتَتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ إِلَّا قَرَأْتُهُنَّ فِيهَا وَحُقَّ لِي أَنْ لَا أَدَعَهُنَّ وَقَدْ أَمَرَنِي بِهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ ))
16- أنَّ المعوذتين وهما (( قل أعوذ برب الفلق )) و(( قل أعوذ برب الناس )) من الأذكار التي يستحب ذكرها عقب الصلوات لقول عقبة  ::(( أَمَرَنِى رَسُولُ اللَّهِ  أَنْ أَقْرَأَ بِالْمُعَوِّذَاتِ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ.)) والمقصود بالمعوذات هما المعوذتان ( الفلق ) و( الناس ) لورود ذلك المعنى في الرواية الأخرى وهي :(( بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ))
هذا ما يسر الله إيراده ووفق في إعداده ،فإن أصبت فمن الله
وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان
وأستغفر الله تعالى
والله أعلم وأحكم
وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم تسليماً كثيراً