المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سد الذرائع و التيسر ( ضوابط في سد الذرائع)



أهــل الحـديث
30-11-2013, 11:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


هذا المسألة هي من اهم المسائل المتعلقة بمسألة سد الذرائع . فلأسف أن هناك جانباَ قد يغفله بعض الغيورين ألا وهي أن القياس حينما يطبق يجب علينا أن ننظر إلى المسألة بجميع أبعداها حتى نعرف كيف نطبق القياس بطريقة صحيحة. فإن الفقيه حينما ينظر إلى أدلة الشرع و ينظر إلى العلة فهو يجب أيضاَ أن ينظر إلى الموانع التي قد تؤدي إلى إلغاء هذه العلة . فمثلاً سد الئرائع قد تلغي في بعض الأحيان لمصلحة معتبرة أو مشقة ظاهرة و انا لن أتي بشيء من رأسي و لن أفتري على الله فسأذكر سبب قولي هذا من أحكام شرعية استدل عليها بنصوص شرعية . فأول هذه الأدلة هي مسألة لباس الإماء فالامة كما جميع النساء يمكن أن تكون فتنة للرجال بجمالها فإن لباسها مختلف عن الحرائر . فهي أولاَ ليست ملزمة بالجلباب . و ثانياَ يحل لها كشف وجهها و لا أعرف أحد من العلماء خالف في أن الأماء في عهد رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ كن يكشفن عن و جوههن . و الأمة كذلك يحل لها كشف شعرها و هذا للأدلة التالية عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ : ( كن إماء عمر ـ رضي الله عنه ـ يخدمننا كاشفات عن شعورهن تضطرب ثديهن ) ( صحيح , البيهقي في السنن الكبرى . و الألباني قال عنه أن إسناده جيد في إرواء الغليل ) و الحديث الأخر أيضاَ عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ ( رأى عمر أمة عليها جلباب فقال : عتقت ؟ قالت : لا , قال ضعيه عن رأسك , إنما الجلباب على الحرائر , فتلكأت فقام إليها بالدرة , فضرب رأسها حتى ألقته ) ( صحيح ابن حجر العسقلاني ). فمن المعروف أن العلة من أمر النساء أن يسترن مفاتهن حتى لا يفتن الرجال بهن و يؤدي ذلك إلى الزنا و لكن مع ذلك نجد الامة يحل لها كشف شعرها و معروف كم يضيف كشف الشعر للمرأة من جمال و لهذا قيل الشعر تاج المرأة . و يحل لها كشف وجهها مع أن الوجه في كشفه فتنة فهو من أجمل أعضاء الإنسان . و ما هذا إلا لأن الشرع كما راعى جانب الفتنة فهو راعى جانب المشقة . فالأمة لكثرة حركتها و أشغالها فإن أمرها بستر جميع جسدها مع لبس الجلباب فيه مشقة عليها لذلك رخص لها في كشف بعض أجزاء جسمها . و هذه هي العلة اما من قال في أن الرغبة في الإماء أقل من الرغبة في الحرائر فهو مخطيء و كيف يكون هذا و الأمة قد تكون أجمل من الحرة . و هل هناك فرق في الحد على الحر إذا زنى بأمة أو بحرة ؟ و اللباس المفروض على المرأة واحدة من العلل من وراءه هو ستر مفاتن المرأة حتى لا يزني بها الرجل و بما أن حد الزنا بالأمة و الحرة واحد فعلى هذا ما وجب على الحرة ستره وجب على الأمة ستره, و لكن كما أسلفنا للأسباب أعلاه فإن هناك فرق بينهما. و أنقل لكم قول ابن قدامة ـ رحمه الله ـ لتأييد قولي : " و سوى بعض أصحابنا بين الحرة و الأمة : لقوله تعالى : ( و لا يبدين زينتهن) الآية. و لأن العلة في تحرم النظر الخوف من الفتنة , و الفتنة المخوفة تستوي فيها الحرة و الأمة , فإن الحرية حكم لا يؤثر الأمر الطبيعي " و ما يقصده رحمه الله أن الرجل إذا نظر إلى امرأة جميلة فإنه سيتشهيها و يشتهي جماعها و لن يؤثر في ذلك الإشتهاء كونها حرة أو أمة فهذا شيء جبلي . ثم أكمل ـرحمه الله ـ و قال : ( و قد ذكرنا ما يدل على التخصيص, و يوجب الفرق بينهما. و إن لم يفترقا فيما ذكروه , افترقا في الحرمة و في مشقة الستر "( المغني , كتاب النكاح) فبين أن سبب اختلاف الحكم هو المشقة التي قد تحصل للإماء مع كثرت حركتهن إذا فرض عليهن نفس لباس الحرائر.
و الدليل الآخر هو أن الذكر يحل له كشف وجهه إجماعاَ و المرأة يحل لها كشف وجهها و كفيها على الصحيح من أقوال العلماء . و هذا مع أن المرأة قد تفتتن من مشاهدة وجه الرجل و لكن لأن تغطية الوجه فيه مشقة و للمصالح المترتبة على كشف الوجه فإنه أحل للرجل كشف وجهه . و كذلك الأمر بالنسبة للمرأة فوجهها مع ما في إبداءه من فتنة فإحل لها إبداءه لأن الوجه هو هويتها . و هذا يحقق لها مصالح عديدة خاصة في لقاء الأقارب حتى يتعرفوا على بعضهم البعض و أيضاً إذا أرادت المرأة أن تأكل في حضرة أقاربها فإنها لا تواجهها صعوبات إذا كان وجهها مكشوفاَ . و كذلك يداها فإنها أحل لها كشفها لما في ذلك من مصالح . فاستخدام القفازات يعيق حركة اليدين .و الإهتمام بهذا أيضاَ من صفات هذا الدين الحكيم فكما أنه منع الكبائر و الذنوب التي تضر بالإنسان و منع الطرق الموصلة إليها فهو أيضاَ راعي في ذلك المصالح و تجنب ما فيه مشقة على العباد و هذا بين من قوله تعالى : ( و يضع عنهم إصرهم و الأغلال التي كانت عليهم ) قال الشيخ السعدي في تفسير هذه الآية : " أي من وصفه أن دينه سمح ميسر , لا إصر فيه , و لا أغلال , و لا مشقات و لا تكاليف ثقال " و في قوله تعالى : ( و ما جعل عليكم في الدين من حرج ) و قوله : ( يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر) و قوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ : ( ألا هلك المتنطعون ألا هلك المتنطعون , ألا هلك المتنطعون ) " الألباني غاية المرام 7).
فالموازنة في هذا المبدأ الفقهي مهم . الموازنة بين قطع الطرق الموصلة إلى المحرم و بين مراعاة المصالح و اجتناب المشقة. و كلما نجحنا في ذلك فإننا ننجح في أن نستحق وصف الله لنا بالأمة الوسط ( و كذلك جعلناكم أمة وسطاَ لتكونوا شهداء على الناس ). و لنا في رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ خير قدوة في ذلك . فإنه أمر الصحابة بعدم الجلوس في الطرقات لما في ذلك من مفاسد فلما أخبره الصحابة بما يواجهونه من المشقة في ذلك خفف عنهم الحكم و أمرهم بأن يعطوا الطريق حقه من غض البصر و كف الأذى و رد السلام ( صحيح مسلم 2121) . إننا نلاحظ في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم .هنا حكمة في التيسير فهوأبقى الأمر على ما هو عليه و لكن ذكرهم بأمور أخرى تردعهم عن الوقوع في المحرمات و هذا ما يسمى بالوزاع الديني. فكما أن الشرع أباح للأمة كشف شعرها و و جهها و أباح للرجل كشف وجه و أكثر من ذلك و أباح للمرأة كشف وجهها و يديها مع أنها وسائل للحرام فالله الشارع الحكيم لم يترك الأمر هكذا بل أمر بغض البصر و عدم الخضوع بالقول فكانت هذه كتدابير وقائية من الوقوع في الحرام و هي أمور تعتمد على الوازع الديني في الإنسان .
و الله ولي التوفيق .