المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ضابط الماء القليل والكثير



أهــل الحـديث
26-11-2013, 02:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
هل يدل حديث القلتين على أن ما دون القلتين ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة وإن لم يتغير الماء وإن كان قلتين فأكثر فلا ينجس إلا بالتغير ؟
مذهب الحنابلة والشافعية قالوا نعم لحديث القلتين قالوا: ومفهومه أنه إذا كان دون القلتين فإنه يحمل النجاسات فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : سَمِعْت { رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْمَاءِ يَكُونُ بِالْفَلَاةِ مِنْ الْأَرْضِ وَمَا يَنُوبُهُ مِنْ السِّبَاعِ وَالدَّوَابِّ ، فَقَالَ : إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ ، يَحْمِلْ الْخَبَثَ } .
رَوَاهُ الْخَمْسَةُ ، وَفِي لَفْظِ ابْنِ مَاجَهْ وَرِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ : " لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ " ) .
القول الثاني: هو مذهب مالك واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما من المحققين ، قالوا: لا فرق بين قليل الماء وكثيره ، بمعنى : أن الماء لا ينجس إلا بالتغيير قليلاً كان أو كثيراً واستدلوا بالحديث الذي رواه الثلاثة (أبو داود والترمذي والنسائي) ، وصححه الإمام أحمد وهو كما قال عن ابي سعيد الخدري أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سئل عن بئر بضاعة ، وهي بئر تلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن ، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم: ( إن الماء طهور لا ينجسه شيء )
وقالوا : إن هذا الحديث ليس فيه أن الماء إذا كان دون القلتين فإنه ينجس.
وإنما فيه إثبات أن الماء إذا بلغ القلتين فإنه لا يحمل الخبث لكثرته وقوته.
وأنه إذا كان دون القلتين فإنه قد يحمل الخبث لضعفه
وردوا على أصحاب القول الأول أن حاصل كلامهم هو مفهوم مخالفة لحديث القلتين وأما حديث بئر بضاعة فهو نص منطوق ، ودلالة المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم

قلت والله تعالى أعلم :
هناك أمور يجب أن نأخذها بعين الإعتبار في حديث القلتين :
1- أن حديث القلتين محمول على الماء الراكد الواقف
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : سَمِعْت { رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْمَاءِ يَكُونُ بِالْفَلَاةِ مِنْ الْأَرْضِ وَمَا يَنُوبُهُ مِنْ السِّبَاعِ وَالدَّوَابِّ ، فَقَالَ : إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ ، يَحْمِلْ الْخَبَثَ } .
رَوَاهُ الْخَمْسَةُ ، وَفِي لَفْظِ ابْنِ مَاجَهْ وَرِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ : " لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ " ) .

2- أن حديث بئر بضاعة محمول على الماء الجاري الذي له قوة ودفع يستطيع من خلالها دفع الأذى عن نفسه فلا يتغير بالعوارض
( عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ { : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ } .
رَوَاهُ أَحْمَدَ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : حَدِيثُ بِئْرِ بُضَاعَةَ صَحِيحٌ .
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد : { إنَّهُ يُسْتَقَى لَك مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَهِيَ بِئْرٌ تُطْرَحُ فِيهَا مَحَايِضُ النِّسَاءِ ، وَلَحْمُ الْكِلَابِ ، وَعَذِرِ النَّاسِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ } .
قَالَ أَبُو دَاوُد : سَمِعْت قُتَيْبَةَ بْنَ سَعِيدٍ ، قَالَ : سَأَلْت قَيِّمَ بِئْرِ بُضَاعَةَ عَنْ عُمْقِهَا قُلْت : أَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِيهَا الْمَاءُ ؟ قَالَ : إلَى الْعَانَةِ ، قُلْت : فَإِذَا نَقَصَ ، قَالَ : دُونَ الْعَوْرَةِ .
قَالَ أَبُو دَاوُد : قَدَّرْت بِئْرَ بُضَاعَةَ بِرِدَائِي فَمَدَدْتُهُ عَلَيْهَا ثُمَّ ذَرَعْتُهُ فَإِذَا عَرْضُهَا سِتَّةُ أَذْرُعٍ وَسَأَلْت الَّذِي فَتَحَ لِي بَابَ الْبُسْتَانِ فَأَدْخَلَنِي إلَيْهِ هَلْ غُيِّرَ بِنَاؤُهَا عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ ؟ فَقَالَ لَا ، وَرَأَيْت فِيهَا مَاءً مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ ) .

فإذا كان الأمر كذلك فمن الخطأ أن يخصص حديث بئر بضاعة بحديث القلتين ولا يعمم حديث القلتين بحديث بئر بضاعة لأن كل حديث جاء ليعطي حكما معينا خاصا به فالأول في المياه الجارية والآخر في المياه الراكدة وإعمال التخصيص أو التعميم بين النصوص إنما يكون فيما إذا كان الإعتبار واحدا بينها
فلذلك عندما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن بئر بضاعة قال ( إن الماء طهور لا ينجسه شيء ) ومعناه أن الماء الذي سألتموني عنه وهو بئر بضاعة الجاري طهور لا ينجسه شيء فتكون (ال) في الماء عهدية لماء بئر بضاعة
ويقاس عليه المياه الجارية وهذا هو الموافق لمعنى الحديث أما إذا قلنا أن ( ال ) جنسية أي تعم كل ماء جاريا كان أم واقفا فهذا مشكل إذ أن الماء الواقف قد يتنجس بالنجاسات فوصف النبي صلى الله عليه وسلم ماء بئر بضاعة بالطهورية مع ما يقع فيه من أشد وأغلظ النجاسات وذلك لأن للماء الجاري قوة يستطيع بها دفع التغير عن نفسه لأنه يدفع بعضه بعضا
وأما عندما سئل النبي صلى الله عليه وسلم الماء تكون بالفلاة وهو بلا شك ماء واقف وذلك لأنه قال ( وما ينوبه من السباع والدواب) وما كان كذلك فإنه يكون بركة على سطح الأرض ولا يمكن أن يكون بئرا ، فسئل عما ينوبه من السباع والدواب أي من الكلاب والذئاب والضباع والأغنام وكل ما دب من البهائم وهذا يعم أبوالها وروثها ولعابها وعرقها وغير ذلك
فكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم ( إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ ، يَحْمِلْ الْخَبَثَ ) وفي رواية لم ينجس
وهذا الجواب قد يكون ظاهره مشكل إذ أنه يعمم طهورية الماء إذا بلغ القلتين ولهذا بنى البعض من ظاهر هذا الحديث مفهوما فقالوا : إن مفهومه يدل على إن ما دون القلتين ينجس بمجرد ملاقاته للنجاسة ولكن هذا الكلام غير صحيح وذلك لأسباب :
1) أن الحديث ليس على عمومه ( أن الماء إذا بلغ القلتين لم ينجس ) فقد وقع الإجماع أن الماء إذا تغير بالنجاسة قليلا كان أم كثيرا فإنه ينجس فيصير معنى الحديث أن الماء إذا بلغ قلتين لم ينجس إلا إذا تغير بنجاسة وبالتالي مفهومه ليس كما قالوا
2) لو فرضنا جدلا أن الحديث على عمومه وأن الماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث فمن أين أن مفهومه يكون أنه إذا كان دون قلتين فإنه ينجس مطلقا بالملاقاة هذا لا يلزم لأن مفهومه يكون أنه إذا كان دون القلتين فإنه قد يحمل الخبث وقد لا يحمل الخبث وذلك لضعفه
وأصل الإشكال في فهم هذا الحديث إيقاعه على كل النجاسات لكن لا ظاهر الحديث ولا مفهومه يقبل إيقاع جميع النجاسات عليه والذي يظهر لي والله تعالى أعلم أن الحديث متوجه نحو تحديد ضابط لنجاسة معينة وهي نجاسة السباع ومنها لعاب الكلب وتقرير ذلك من عدة وجوه :
1- سياق الحديث فإنه فيه ( وما ينوبه من السباع والدواب ) ومن المعلوم أن الدواب هي كل ما دب على الأرض من إنسان وحيوان والمقصود في الحديث الحيوانات وعلى وجه الخصوص ما كان من غير السباع لأنه أفرد ذكر السباع ، والكلب من السباع ولعابه يعد من النجاسات المغلظة الممرضة جدا
فنجاسة لعاب الكلب ليست كالنجاسات الأخرى وذلك من وجهين :
أ****) من حيث المرض فلعاب الكلب ممرض أكثر من غيره فهو يحمل جراثيم خبيثة للغاية تؤثر على الإنسان وقد يكون قوله صلى الله عليه وسلم كما في أحد ألفاظ الحديث (لم يحمل الخبث ) بمعنى أن لعابه يحمل مرضا خبيثا للإنسان والله تعالى أعلم
ب****) من حيث الوصف إذ أن جميع النجاسات لها أوصاف ظاهرة تغير من وصف الماء إذا غلبت عليه وبالتالي نعلم من خلال هذا التغير الطارئ لأحد أوصاف الماء أنه قد تنجس بينما لعاب الكلب ليس له أوصاف ظاهرة تظهر عند ملاقاته الماء مع نجاسته وشدة مرضه

2_ إن الموافق لسياق الحديث أن يجعل النبي صلى الله عليه وسلم الضابط في معرفة النجاسة التي سئل عنها في حديث القلتين فيما ينوب الماء من الدواب والسباع لأقوى نجاسة مذكورة وأشدها خطرا إذ أن باقي النجاسات يعرف تنجيسها للماء بتغير الماء بها فهو سئل عما ينوب الماء من السباع والدواب والكلب من السباع
_ 3جعل النبي صلى الله عليه وسلم الضابط في معرفة ما ينجس الماء من عدمه هو مقدار حجمي لا وصفي ألا وهو القلتين والتحديد بالقلتين هو الموافق لنجاسة لعاب الكلب وليس موافق للنجاسات الأخرى إذ أن النجاسات الأخرى كما أسلفت لها أوصاف تغير الماء بينما لعاب الكلب ليس له وصف يغير من أوصاف الماء إذا لاقاه فناسب أن يجعل الضابط مقدار حجمي
4- أنه الموافق لظاهر الحديث فلا نحتاج إلى تأويلات تبعدنا عن ظاهره وهو بذلك يعطينا تحديد دقيق عن حجم الماء الذي نقبله حتى وإن ولغ فيه الكلب وعن الحجم الذي لا نقبله إذا ولغ فيه الكلب فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ لْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ ) .
فقوله عليه الصلاة والسلام : ( فليرقه ) لم تحدد بحجم معين في الحديث ولكنها حددت بحديث القلتين
فالخلاصة :
أن الماء إذا لاقى لعاب السباع والكلب وكان دون القلتين فإنه يحمل الخبث وإذا كان قلتين فأكثر فإنه لا يحمل الخبث وأما سائر النجاسات فإن العبرة بالتغير سواء كان الماء قلتين أو دون القلتين
فإن قيل لماذا قست لعاب السباع على لعاب الكلب ؟
قيل لأن حديث القلتين لم يفرق بينهما والكلب أحد افراد السباع والنبي عليه الصلاة والسلام لم يفرق بين الكلب وغيره من السباع والقاعدة تقول ترك الإستفصال في مقام الإحتمال ينزل منزلة العموم في المقال وإنما خص الكلب بأحاديث طهارة الإناء من ولوغه فيها لأنه من السباع الطوافة في القرى وهي مما تعم بها البلوى بخلاف سائر السباع والله تعالى أعلم

أرجو من الإخوة أن لا يحرموني تعقيباتهم ولكم جزيل الشكر