المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تذكير أولي الأبصار بما يُشرع من أذكار عند نزول الأمطار



أهــل الحـديث
20-11-2013, 10:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (وفقه الله)، نفعنا الله وإياكم بها.


تذكير أولي الأبصار بما يُشرع من أذكار عند نزول الأمطار

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن نعم الله الواحد القهار على عباده أيها الأحبة الأخيار لا تعد ولا تحصى،ومن ذلك نزول الأمطار الذي فوائده وعوائده تعود على كل مخلوقات اللطيف الغفار،يقول تعالى:(وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم)[البقرة:22]
يقول الإمام الطبري –رحمه الله-:" يعني بذلك أنه أنزل من السماء مطرا فأخرج بذلك المطر مما أنبتوه في الأرض من زرعهم وغرسهم ثمرات رزقا لهم غذاء وأقواتا ".تفسير الطبري(1/162)
لكن بعض الجهلة من الناس أيها الأفاضل بدل أن يقابلوا هذه النعمة العظيمة بالحمد والشكران وطاعة المنان!!، نراهم يبادرونها بالجهل والعصيان وطاعة الشيطان!!.
فبعضهم بدل أن ينسب هذا الفضل الكبير إلى رب البرية، نسمعه يضيفه من جهله إلى الحوادث الطبيعية !فيزعم أن نزول الأمطار هو بسبب المنخفضات الجوية أو ما يحصل من تغيرات مناخية،مع أن نبينا صلى الله عليه وسلم قد حذر من هذه الأقوال الباطلة والاعتقادات الرديَّة،فعن زيد بن خالد الجهني –رضي الله عنه- قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في إثر السماء - عقب نزول مطر- كانت من الليل،فلما انصرف أقبل على الناس فقال:"هل تَدْرُونَ مَاذَا قال رَبُّكُمْ؟"،قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:"قال:أَصْبَحَ من عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ،فَأَمَّا من قال:مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ،وَأَمَّا من قال: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا،فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ". رواه البخاري (810)ومسلم(71) واللفظ له.
يقول الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله-:"إن اعتقد أن الكوكب هو الذي يأتي بالمطر فهذا كفر أكبر مخرج عن الملة، وإن اعتقد أن الكوكب سبب، وأن الخالق هو الله عز وجل فهذا كفر بنعمة الله وليس كفرا مخرجا عن الملة ،وفي هذا الحديث نعرف أنه ينبغي للإنسان إذا جاء المطر أن يقول مطرنا بفضل الله ورحمته".شرح رياض الصالحين( 6/476)
إن من أسباب انتشار هذه الأفكار المنحرفة والاعتقادات الباطلة أيها الكرام، هي السموم التي تبثها بعض وسائل الإعلام المرئية أو المسموعة أو المقروءة!والتي لها صلة وتمويل من أعداء الدين! أو ممن قلَّ فيهم الوازع الديني! فطغى عليهم الجانب العقلي! فهؤلاء بقصد أو بغير قصد يُريدون قطع صلة المسلمين بربهم جل وعلا،وذلك إما بصدهم عن شكر خالقهم تعالى على نعمه الكثيرة،ومن ذلك نزول الأمطار،أو بتهوين ما يحدث في الكثير من الأمصار من البراكين و الفيضانات التي أرسلها عليهم العزيز الجبار.
فيزعم هؤلاء! زورا وبهتانا!! أن ما يحدث من هذه الآيات ما هو إلا من قبيل الكوارث الطبيعية والظواهر الجغرافية العادية! وهناك بلدانا أمنع من أن تحل بهم هذه الآيات!لأنهم ليسوا على خطها أو لاستعدادهم لها!.
ونسي هؤلاء الجهال!! أن الكبير المتعال إنما يرسل هذه الآيات الربانية والنذر السماوية على عباده للعظة والاعتبار! لا للتسلية والاستهتار!.
إن هذا الغيث الذي ينزله علينا رب البريات لدليل قاطع وبرهان ساطع على عظمة رب الأرض والسموات الذي نعمه تترى على جميع المخلوقات،يقول تعالى:(ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير) [الحج :63]
يقول الشيخ السعدي –رحمه الله-: "هذا حث منه تعالى وترغيب في النظر بآياته الدالة على وحدانيته، وكماله، فقال:( ألم تر) أي:ألم تشاهد ببصرك وبصيرتك. (أن الله أنزل من السماء ماء )وهو:المطر،فينزل على أرض خاشعة مجدبة قد اغبرت أرجاؤها ويبس ما فيها من شجر ونبات.( فتصبح الأرض مخضرة ) قد اكتست من كل زوج كريم وصار لها بذلك منظر بهيج، إن الذي أحياها بعد موتها وهمودها، لمحيي الموتى بعد أن كانوا رميما.(إن الله لطيف خبير ) اللطيف الذي يدرك بواطن الأشياء وخفياتها وسرائرها، الذي يسوق إلى عباده الخير ويدفع عنهم الشر بطرق لطيفة تخفى على العباد، ومن لطفه أنه يُري عبده عزته في انتقامه وكمال اقتداره، ثم يظهر لطفه بعد أن أشرف العبد على الهلاك ،ومن لطفه أنه يعلم مواقع القطر من الأرض وبذور الأرض في بواطنها، فيسوق ذلك الماء إلى ذلك البذر الذي خفي على علم الخلائق فينبت منه أنواع النبات".تفسير السعدي (ص 544)
إن على كل مسلم أيها الأفاضل أن يحرص أشد الحرص على هدي نبيه صلى الله عليه وسلم، وذلك بأن يتأسى بأقواله وأفعاله عند نزول المطر، ومن ذلك:
1-أن يكثر من الاستغفار، ويدعو الوهاب عند رؤية الرياح والسحاب،فعن عائشة أم المؤمنين (رضي الله عنها) قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عَصَفَتْ الرِّيحُ قال:"اللهم إني أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ ما فيها وَخَيْرَ ما أُرْسِلَتْ بِهِ وَأَعُوذُ بِكَ من شَرِّهَا وَشَرِّ ما فيها وَشَرِّ ما أُرْسِلَتْ بِهِ"،قالت:وإذا تَخَيَّلَتْ السَّمَاءُ- تهيأت للمطر- تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَخَرَجَ وَدَخَلَ وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ،فإذا مطرت سُرِّيَ عنه، فعرفت ذلك في وجهه،فَسَأَلْتُهُ؟ فقال: "لَعَلَّهُ يا عَائِشَةُ كما قال قَوْمُ عَادٍ (فلما رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالوا هذا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ) [الأحقاف:24]".رواه مسلم (899)
يقول الإمام النووي –رحمه الله-:"فيه الاستعداد بالمراقبة لله، والالتجاء إليه عند اختلاف الأحوال وحدوث ما يخاف بسببه،وكان خوفه صلى الله عليه وسلم أن يعاقبوا بعصيان العصاة وسروره لزوال سبب الخوف".الشرح على صحيح مسلم (6/196)
إن من حكمة رب الأرض والسموات أيها الإخوة والأخوات أن العذاب إذا نزل بقوم قد فشت بينهم المنكرات وجاهروا بالمحرمات يعم، لكن من رحمة الله جل جلاله أنه لطائعهم وأهل الصلاح فيهم رحمة ومطهرة،ولعاصيهم و مفسدهم عذابا وعبرة،فعن أم المؤمنين أم سلمة-رضي الله عنها – قالت:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إذا ظَهَرَتِ المعاصي في أمتي عَمَّهُمُ الله عز وجل بِعَذَابٍ من عِنْدِهِ"، فقلت: يا رسول الله أَمَا فيهم يومئذ أُنَاسٌ صالحون؟! قال:"بَلَى"، قالت: فكيف يصنع بأولئك؟ قال :"يُصِيبُهُمْ ما أَصَابَ الناس ثُمَّ يَصِيرُونَ إلى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ".رواه الإمام أحمد في المسند( 6/304) وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله- في السلسلة الصحيحة (3156)
2- أن يأت بالأدعية الواردة عند نزول المطر،ومن ذلك ما رواه البخاري (985) من حديث عائشة –رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر قال:"صَيِّبًا نَافِعًا".
قال الإمام ابن بطال-رحمه الله-:"فيه: الدعاء في الازدياد من الخير والبركة فيه والنفع به". شرح صحيح البخاري لابن بطال (3/22)
وإذا تخلل نزول المطر سماع صوت الرعد، فليأت بما ثبت عن عبد الله بن الزبير-رضي الله عنهما-،فقد روى الإمام البخاري في كتابه الأدب المفرد(723)وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله- في صحيح الأدب المفرد (560)، عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عبد الله بن الزبير أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث،وقال:(سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته)[الرعد:13]،ثم يقول:"إن هذا لوعيد شديد لأهل الأرض".
3- أن يتبرك بالغيث عند أول نزوله،فعن أنس -رضي الله عنه- قال: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مَطَرٌ، فَحَسَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثَوْبَهُ حتى أَصَابَهُ من المطر، فقلنا يا رسول الله لِمَ صَنَعْتَ هذا؟ قال:" لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى". رواه مسلم (898)
قال الإمام النووي –رحمه الله-:"معنى (حسر) كشف،أي: كشف بعض بدنه،ومعنى (حديث عهد بربه)أي: بتكوين ربه إياه،ومعناه أن المطر رحمة وهي قريبة العهد بخلق الله تعالى لها فيتبرك بها".الشرح النووي على صحيح مسلم(6/195)
4-أن يدعو أثناء المطر إذا خشي أن يكون ضرره أكثر من نفعه،فعن أنس بن مالك –رضي الله عنه- قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هلكت الْمَوَاشِي وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فادع الله، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فَمُطِرُوا من جمعة إلى جمعة، فجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله تَهَدَّمَتْ الْبُيُوتُ وَتَقَطَّعَتْ السُّبُلُ وَهَلَكَتْ الْمَوَاشِي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" اللهم على رؤوس الْجِبَالِ وَالْآكَامِ -الجبل الصغير- وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ، فَانْجَابَتْ عن الْمَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْبِ – أي :خرجت عنها كما يخرج الثوب عن لابسه-". رواه البخاري (971) واللفظ له، ومسلم (897)
يقول الإمام ابن بطال –رحمه الله-:"فيه الدعاء إلى الله في الاستصحاء كما يُدعى في الاستسقاء؛ لأن كل ذلك بلاء يُفزع إلى الله في كشفه".شرح صحيح البخاري لابن بطال(3/12)
ويقول الإمام النووي –رحمه الله- :"وفيه أدبه صلى الله عليه وسلم في الدعاء، فإنه لم يسأل رفع المطر من أصله، بل سأل رفع ضرره وكشفه عن البيوت والمرافق والطرق بحيث لا يتضرر به ساكن ولا ابن سبيل وسأل بقاءه في مواضع الحاجة، بحيث يبقى نفعه وخصبه وهي بطون الأودية وغيرها من المذكور".الشرح على صحيح مسلم (6/ 193)
أيها الأحبة الأفاضل إن نعم الله جل وعلا قد تذهب وتزول بالكلية،وقد تبقى ونخالطها ونراها!!، ولكن البركة تُنزع منها وهذا كله بسبب الذنوب والمعاصي، فتصبح مع كثرتها لا يشعر بها الإنسان ولا يجد بركتها!!.
يقول الإمام ابن القيم-رحمه الله-:"ومن عقوباتها –أي المعاصي- أنها تمحق بركة العمر، وبركة الرزق،وبركة العلم، وبركة العمل،وبركة الطاعة، وبالجملة أنها تمحق بركة الدين والدنيا، فلا تجد أقل بركة في عمره ودينه ودنياه ممن عصى الله، وما محقت البركة من الأرض إلا بمعاصي الخلق". الجواب الكافي(ص56)
ولهذا كان الجدب والقحط الحقيقي ليس في عدم نزول المطر، وإنما هو في ذهاب بركة الماء النازل من السماء، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"لَيْسَتْ السَّنَةُ -أي القحط- بِأَنْ لَا تُمْطَرُوا، وَلَكِنْ السَّنَةُ أَنْ تُمْطَرُوا وَتُمْطَرُوا، ولا تُنْبِتُ الْأَرْضُ شيئا".رواه مسلم(2904)
يقول المناوي –رحمه الله-:"فليس عام القحط الذي لا تمطر السماء فيه مع وجود البركة، بل أن تمطر ولا تنبت ".
التيسير بشرح الجامع الصغير (2/331)
فعلينا أيها الأفاضل الكرام إذا أردنا أن نرضي العزيز العلام، أن نبتعد عن المعاصي والآثام،وأن نجتهد في إحياء ما ثبت من سنة خير الأنام،ومن ذلك عند نزول الأمطار.
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يغيث قلوب المسلمين بالإيمان، ويجعلهم دائما من أهل الذكر و الشكران، فهو سبحانه ولي ذلك والعزيز المنان.


وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


أبو عبد الله حمزة النايلي