المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرجال معادن



عاشقة الفردوس الأعلى
17-03-2007, 08:22 AM
الرجال معادن


مات والده – يرحمه الله – وهو في السنة الثانية من كلية الهندسة ، فمن لأسرته البالغ عددها سبعة سوى الله سبحانه وتعالى ؟ جمعتُ الأصحاب وقمنا بزيارته بعد انقضاء فترة العزاء ، وقلنا له : نحن لا نقبل أي تبرير لغيابك عن الجامعة .
أطرق ( سليم ) لحظات طوال ، ثم رفع رأسه فبدت عيناه المحمرتان ، ثم وزَّع نظراته التائهة علينا ، ثم ضرب كفَّاً بكف ، وخرجت من حنجرته آهاتٌ وأناتٌ ، وهزَّ رأسه وكأنه يريد أن يقول : الأمر اختلف تماماً ، والمعيشة دونها خرط القتاد ، والعائل غاب وأنا كبير الأسرة فلا بدَّ أن أحُلَّ مكانه ، وإلا متنا جميعاً من لظى الجوع ولهيب الحرمان
ولم ندع له فرصة ليقول ، وتقدم أحدنا وقال : يا سليم ، نحن ما جئناك إلا ومعنا حلٌّ لوضعك ، يريحك ويرجعك إلى دراستك .
- أي حلٍّ جئتموني به ؟
- ( قال صاحبنا ) أنت تعرف خالي عبد السلام .
- صاحب المكتبة الإسلامية العملاقة ؟
- أجل ، لقد حدثته عنك ، وهو يعرض عليك عملاً لا يشغلك عن دراستك البتة ، ويمكن أن تقوم به هنا ، داخل البيت ، أو يقوم به أي فرد من أفراد أسرتك ، وبذلك تستأنف دراستك إلى أن تتخرج مهندساً يُشار إليه بالبنان
- عملٌ أقوم به في البيت ؟
- نعم ، تقوم بشراء أجهزة للتسجيل السريع ، وأحضر لك من المكتبة النسخ الأصلية لمشاهير القرَّاء ، فتنسخها على أشرطة ، وكلما أتممت ختما وضعته في حقيبة مخصوصة سأحضرها لك مع الأغلفة ، ثم أوردتها إلى المكتبة وأخذت المبلغ الذي ستتفقان عليه . هل هذا صعب المنال ؟
- لا ، ولكن من أين لي بثمن الأجهزة ، وقد قضت مراسيم العزاء على كل المدخرات ، وألزمتنا بديون لا أعلم كيف سأوفيها ؟
- ( نظر بعضنا إلى بعض ، وبلغة العيون اتفقنا ، فقال متحدثنا) نحن نؤمن لك اليوم جهازاً واحداً ، هيا بنا إلى السوق لنشتريه ، ثم نعرِّج على المكتبة ، لتتفق مع صاحبها على جزئيات الأمور .
ومضت شهور وأعوام ، وغدت أسرة سليم كلها تتعاقب على العمل ، حتى أصبح البيت كخلايا النحل الدؤوبة ، أما الأجهزة ، فأصبحت ثلاثة أو أكثر ، وأما المكتبات الإسلامية البائعة لنتاج الأشرطة ، فقد تزايدت ونمت ، وأصبحت الحالة المعيشية للأسرة تزدهر طوراً بعد طور ، وتخرّج سليم من الجامعة وأصبح صاحب شركة لها وزنها في السوق ، وتبدلت حالة الرجل ، فقد أخذته المؤسسة الجديدة من الوسط الذي نشأ وترعرع فيه ، فبدأت صِلاته برفاق الصبا تذوي شيئاً فشيئاً حتى تلاشت . وتنكَّر لكل ماضٍ جميل ، وكشفت له الدنيا عن مفاتنها ، حتى صار منافساً عنيداً في عالم البناء ، تُهابُ طلعته ، ويُرعِبُ اسمه ، ويُخشى بأسه ...
ويدخل عليه صاحبنا الذي ذلَّلَ له سُبُل المعيشة قبل سنوات ، ليقترض منه مبلغاً من المال يبدأ به مشروعاً خاصاً ، فيستقبله المهندس بوجه كالحٍ ، ويردُّ على طلبه بردٍّ فاضحٍ : أنا لا أنسى وقفتك معي أنت والأصحاب ، ولا بدَّ من ردِّ جميلكم ، ثم يمدُّ يده ويتناول قصاصةً ورقيةً ، ويكتب فيها شيئاً.. ويقول : اذهب إلى أمين الصندوق ، وهو يصرف لك المبلغ ..
خرج صاحبنا بعدما تملَّكتْه الدهشة ، من هذه الاستجابة السريعة على الرغم من الاستقبال الباهت ، فسليم لم يسأله عن المبلغ ، ولا عن نوع المشروع ، وقبل أن يفوق من دهشته ، نظر إلى الورقة في أثناء توجهه إلى هدفه ، فقرأ : ادفع لحامل هذه الورقة ( دريهمات ) ثمن جهاز تسجيل كان ديناً عليَّ .

القاص مروان قدري

عبدالرحمن الجبابرة
01-04-2007, 04:47 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عاشقة الفردوس الأعلى

مرحبا بك وبهذا الإختيار الرائع والذي أبان حسن ذائقتك
القاص هنا أهدى لنا باقة من الورود
ولعل أجمل باقة فيها تلك الدروس المستفادة من القصة صاغها لنا في قالب خال من التعقيد


مودتي

عاشقة الفردوس الأعلى
01-04-2007, 07:05 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عاشقة الفردوس الأعلى

مرحبا بك وبهذا الإختيار الرائع والذي أبان حسن ذائقتك
القاص هنا أهدى لنا باقة من الورود
ولعل أجمل باقة فيها تلك الدروس المستفادة من القصة صاغها لنا في قالب خال من التعقيد


مودتي

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه

لك أن تتصور أستاذي الفاضل عبد الرحمن مدى تقديري وسعادتي لمرورك الكريم
أشكرك من أعماق قلبي على حضورك الذي شرفني

دمت بود وعافية