تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : تفصيل الاجمال في مصطلح"علم الكلام" عند شيخ الاسلام ابن تيمية



أهــل الحـديث
20-11-2013, 11:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




تفصيل الاجمال في مصطلح"علم الكلام" عند شيخ الاسلام ابن تيمية

هذه مواضع ونقولات من كتب الشيخ رحمه الله فصّل فيها ذاك اللفظ المجمل (علم الكلام) من حيث القبول والرد أحفظها هنا لي ولأخواني لكثرة الحاجة اليها عند نقاش الاشاعرة والمتكلمين جملةً..

قال شيخ الاسلام حمه الله:
وهذا التقسيم ينبه أيضا على مراد السلف والأئمة بذم الكلام وأهله : إذ ذلك يتناول لمن استدل بالأدلة الفاسدة أو استدل على المقالات الباطلة . فأما من قال الحق الذي أذن الله فيه حكما ودليلا فهو من أهل العلم والإيمان . والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .

وأما مخاطبة أهل اصطلاح باصطلاحهم ولغتهم فليس بمكروه - إذا احتيج إلى ذلك وكانت المعاني صحيحة - كمخاطبة العجم : من الروم والفرس والترك بلغتهم وعرفهم فإن هذا جائز حسن للحاجة . وإنما كرهه الأئمة إذا لم يحتج إليه ولهذا قال النبي لأم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص - وكانت صغيرة ولدت بأرض الحبشة لأن أباها كان من المهاجرين إليها فقال لها - { يا أم خالد هذا سنا } والسنا بلسان الحبشة الحسن ؛ لأنها كانت من أهل هذه اللغة . وكذلك يترجم القرآن والحديث لمن يحتاج إلى تفهيمه إياه بالترجمة وكذلك يقرأ المسلم ما يحتاج إليه من كتب الأمم وكلامهم بلغتهم . ويترجمها بالعربية . كما أمر النبي زيد بن ثابت أن يتعلم كتاب اليهود ليقرأ له ويكتب له ذلك حيث لم يأمن من اليهود عليه .

فالسلف والأئمة لم يكرهوا الكلام لمجرد ما فيه من الاصطلاحات المولدة كلفظ " الجوهر " و " العرض " و " الجسم " وغير ذلك ؛ بل لأن المعاني التي يعبرون عنها بهذه العبارات فيها من الباطل المذموم في الأدلة والأحكام ما يجب النهي عنه لاشتمال هذه الألفاظ على معان مجملة في النفي والإثبات . كما قال الإمام أحمد في وصفه لأهل البدع فقال : هم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب متفقون على مخالفة الكتاب يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويلبسون على جهال الناس بما يتكلمون به من المتشابه .
فإذا عرفت المعاني التي يقصدونها بأمثال هذه العبارات ووزنت بالكتاب والسنة : بحيث يثبت الحق الذي أثبته الكتاب والسنة وينفي الباطل الذي نفاه الكتاب والسنة كان ذلك هو الحق ؛ بخلاف ما سلكه أهل الأهواء من التكلم بهذه الألفاظ : نفيا وإثباتا : في الوسائل والمسائل ؛ من غير بيان التفصيل والتقسيم الذي هو الصراط المستقيم .
وهذا من مثارات الشبهة ، فإنه لا يوجد في كلام النبي ولا أحد من الصحابة والتابعين ولا أحد من الأئمة المتبوعين : أنه علق بمسمى لفظ " الجوهر " " والجسم " " والتحيز " والعرض " ونحو ذلك شيئا من أصول الدين : لا الدلائل ولا المسائل ؛ والمتكلمون بهذه العبارات يختلف مرادهم بها ، تارة لاختلاف الوضع ، وتارة لاختلافهم في المعنى الذي هو مدلول اللفظ كمن يقول " الجسم " هو المؤلف ثم يتنازعون هل هو الجوهر الواحد بشرط تأليفه ؟
أو الجوهران فصاعدا ؟ أو الستة ؟ أو الثمانية ؟ أو غير ذلك ؟ ومن يقول هو الذي يمكن فرض الأبعاد الثلاثة فيه وأنه مركب من المادة والصورة ، ومن يقول هو الموجود أو الموجود القائم بنفسه ؛ وأن الموجود لا يكون إلا كذلك . والسلف والأئمة - الذين ذموا وبدعوا الكلام في الجوهر والجسم والعرض تضمن كلامهم ذم من يدخل المعاني التي يقصدها هؤلاء بهذه الألفاظ في أصول الدين :
في دلائله وفي مسائله : نفيا وإثباتا . فأما إذا عرف المعاني الصحيحة الثابتة بالكتاب والسنة ، وعبر عنها لمن يفهم بهذه الألفاظ ؛ ليتبين ما وافق الحق من معاني هؤلاء وما خالفه ، فهذا عظيم المنفعة وهو من الحكم بالكتاب بين الناس فيما اختلفوا فيه كما قال تعالى : كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه " وهو مثل الحكم بين سائر الأمم بالكتاب فيما اختلفوا فيه من المعاني التي يعبرون عنها بوضعهم وعرفهم .
وذلك يحتاج إلى معرفة معاني الكتاب والسنة .
ومعرفة معاني هؤلاء بألفاظهم ، ثم اعتبار هذه المعاني بهذه المعاني ليظهر الموافق والمخالف ..(مجموع الفتاوى 3-306)

وقال رحمه الله:
والسلف لم يذموا جنس الكلام . فإن كل آدمي يتكلم ولا ذموا الاستدلال والنظر والجدل الذي أمر الله به رسوله والاستدلال بما بينه الله ورسوله بل ولا ذموا كلاما هو حق ؛ بل ذموا الكلام الباطل وهو المخالف للكتاب والسنة وهو المخالف للعقل أيضا وهو الباطل . فالكلام الذي ذمه السلف هو الكلام الباطل وهو المخالف للشرع والعقل .
ولكن كثير من الناس خفي عليه بطلان هذا الكلام فمنهم من اعتقده موافقا للشرع والعقل حتى اعتقد أن إبراهيم الخليل استدل به ومن هؤلاء من يجعله أصل الدين ولا يحصل الإيمان أو لا يتم إلا به ؛ ولكن من عرف ما جاء به الرسول وما كان عليه الصحابة علم بالاضطرار أن الرسول والصحابة لم يكونوا يسلكون هذا المسلك فصار من عرف ذلك يعرف أن هذا بدعة وكثير منهم لا يعرف أنه فاسد ؛ بل يظن مع ذلك أنه صحيح من جهة العقل ؛ لكنه طويل أو يبعد المعرفة أو هو طريق مخيفة مخطر يخاف على سالكه فصاروا يعيبونه كما يعاب الطريق الطويل والطريق المخيف مع اعتقادهم أنه يوصل إلى المعرفة وأنه صحيح في نفسه .
وأما الحذاق العارفون تحقيقه فعلموا أنه باطل عقلا وشرعا وأنه ليس بطريق موصل إلى المعرفة بل إنما يوصل لمن اعتقد صحته إلى الجهل والضلال ومن تبين له تناقضه أوصله إلى الحيرة والشك .(مجموع الفتاوى 13-147)

وقال رحمه الله:
وقال الشافعي في خطبة " الرسالة " : الحمد لله الذي هو كما وصف به نفسه " وفوق ما يصفه به خلقه . وقال مالك : الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة .
وكان يكره ما أحدث من الكلام . وروي عنه وعن أبي يوسف : من طلب الدين بالكلام تزندق . وقال الشافعي : حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال ويطاف بهم في الأسواق ويقال : هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام . وقال : لقد اطلعت من أهل الكلام على شيء ما كنت أظنه ولأن يبتلى العبد بكل ذنب ما خلا الشرك بالله خير له من أن يبتلى بالكلام .
وقد بسط تفسير كلامه وكلام غيره في مواضع وبين أن مرادهم بالكلام هو كلام الجهمية الذي نفوا به الصفات وزعموا أنهم يثبتون به حدوث العالم وهي طريقة الأعراض . وقال أحمد أيضا : علماء الكلام زنادقة وما ارتدى أحد بالكلام فأفلح . وكلام عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون مبسوط في هذا . مجموع الفتاوى (16-473)

وقال رحمه الله:
وأما إذا كان المناظر معارضاً للشرع بما يذكره، أو ممن لا يمكن أن يرد إلي الشريعة، مثل من لا يلتزم الإسلام ويدعو الناس إلي ما يزعمه من العقليات، أو ممن يدعي أن الشرع خاطب الجمهور، وأن المعقول الصريح يدل علي باطن يخالف الشرع، ونحو ذلك، أو كان الرجل ممن عرضت له شبهة من كلام هؤلاء ـ فهؤلاء لا بد في مخاطبتهم من الكلام علي المعاني التي يدعونها: إما بألفاظهم، وإما بألفاظ يوافقون علي أنها تقوم مقام ألفاظهم.
وحينئذ فيقال لهم: الكلام إما أن يكون في الألفاظ، وإما أن يكون في المعاني، وإما أن يكون فيهما، فإن كان الكلام في المعاني المجردة من غير تقييد بلفظ، كما تسلكه المتفلسفة ونحوهم ممن لا يتقيد في أسماء الله وصفاته بالشرائع، بل يسميه علة وعاشقاً ومعشوقاً ونحو ذلك، فهؤلاء إن أمكن نقل معانيهم إلي العبارة الشرعية كان حسناً، وإن لم يمكن مخاطبتهم إلا بلغتهم، فبيان ضلالهم ودفع صيالهم عن الإسلام بلغتهم أولي من الإمساك عن ذلك لأجل مجرد اللفظ، كما لو جاء جيش كفار ولا يمكن دفع شرهم عن المسلمين إلا بلبس ثيابهم، فدفعهم بلبس ثيابهم خير من ترك الكفار يجولون في خلال الديار خوفاً من التشبه بهم في الثياب.

وأما إذا كان الكلام مع من قد يتقيد بالشريعة، فإنه يقال له: إطلاق هذه الألفاظ نفياً وإثباتاً بدعة، وفي كل منهما تلبيس وإيهام، فلا بد من الاستفسار والاستفصال، أو الامتناع عن إطلاق كلا الأمرين في النفي والإثبات.
وقد ظن طائفة من الناس ان ذم السلف والأئمة للكلام وأهل الكلام كقول أبي يوسف: من طلب العلم بالكلام تزندق، وقول الشافعي: حكمي في أهل الكلام: أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في القبائل والعشائر، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأقبل علي الكلام، وقوله: لقد اطلعت من أهل الكلام علي شيء ما كنت أظنه، ولأن يبتلي العبد بكل ذنب ما خلا الإشراك بالله، خير له نظر في الكلام إلا كان في قلبه غل علي أهل الإسلام، وأمثال هذه الأقوال المعروفة عن الأئمة ـ
ظن بعض الناس أنهم إنما ذموا الكلام لمجرد ما فيه من الاصطلاحات المحدثة، كلفظ الجوهر والسجم والعرض، وقالوا: إن مثل هذا لا يقتضي الذم، كما لو أحدث الناس آنية يحتاجون إليها، أو سلاحاً يحتاجون إليه لمقاتلة العدو، وقد ذكر هذا صاحب الإحياء وغيره.

وليس الأمر كذلك، بل ذمهم للكلام لفساد معناه أعظم من ذمهم لحدوث ألفاظه، فذموه لاشتماله علي معان باطلة مخالفة للكتاب والسنة ومخالفته للعقل الصريح، ولكن علامة بطلانها مخالفتها للكتاب والسنة، وكل ما خالف الكتاب والسن فهو باطل قطعاً.

ثم من الناس من قد يعلم بطلانه بعقله، ومنهم من لا يعلم ذلك.
وأيضاً فإن المناظرة بالألفاظ المحدثة المجملة المبتدعة المحتملة للحق والباطل إذا أثبتها أحد المتناظرين ونفاها الآخر كان كلاهما مخظئاً، وأكثر اختلاف العقلاء من جهة اشتراك الأسماء، وفي ذلك من فساد العقل والدين ما لا يعلمه إلا الله، فإذا رد الناس ما تنازعوا فيه إلى الكتاب والسنة فالمعاني الصحيحة ثابتة فيهما، والمحق يمكنه بيان ما يقوله من الحق بالكتاب والسنة، ولو كان الناس محتاجين في أصول دينهم إلي ما لم يبينه الله ورسوله لم يكن الله قد أكمل للأمة دينهم، ولا أتم عليهم نعمته، فنحن نعلم أن كل حق يحتاج الناس إليه في أصول دينهم لا بد أن يكون مما بينه الرسول، إذ كانت فروع الدين لا تقوم إلا بأصوله، فكيف يجوز أن يترك الرسول أصول الدين التي لا يتم الإيمان إلا بها لا يبينها للناس؟
ومن هنا يعرف ضلال من ابتدع طريقاً أو اعتقاداً زعم أن الإيمان إلا العلم بأن الرسول لم يذكره.(درء التعارض 1-232)

وقال رحمه الله:
وقد ذم الله تعالى في القرآن ثلاثة أنواع من المجادلة: ذم أصحاب المجادلة بالباطل ليدحض به الحق، وذم المجادلة في الحق بعد ما تبين، وذم المحاجة فيما لا يعلم المحاج.
فقال تعالى: {وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق} .
وقال تعالى: {يجادلونك في الحق بعد ما تبين}.
وقال: {ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم}.

والذي ذمه السلف والأئمة من المجادلة والكلام هو من هذا الباب، فإن أصل ذمهم الكلام المخالف للكتاب والسنة، وهذا لا يكون في نفس الأمر إلا باطلاً، فمن جادل به جادل بالباطل، وإن كان ذلك الباطل لا يظهر لكثير من الناس أنه باطل لما فيه من الشبهة، فإن الباطل المحض الذي يظهر بطلانه لكل أحد لا يكون قولاً ومذهباً لطائفة تذب عنه، وإنما يكون باطلاً مشوباً بحق، كما قال تعالى:
{لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون}....

وليس كل منهم يقوم بجميع ذلك، بل هذا يقوم بالبعض،، وهذا يقوم بالبعض، كما في نقل الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك من أمور الدين.
والكلام الذي ذموه نوعان:
أحدهما أن يكون في نفسه باطلاً وكذباً، وكل ما خالف الكتاب والسنة فهو باطل كذب، فإن أصدق الكلام كلام الله.
والثاني أن يكون فيه مفسدة، مثلما يوجد في كلام كثير منهم: من النهي عن مجالسة أهل البدع، ومناظرتهم، ومخاطبتهم، والأمر بهجرانهم.
وهذا لأن ذلك قد يكون أنفع للمسلمين من مخاطبتهم، فإن الحق إذا كان ظاهراً قد عرفه المسلمون، وأراد بعض المبتدعة أن يدعو إلى بدعته، فإنه يجب منعه من ذلك، فإذا هجر وعزر، كما فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بصبيغ بن عسل التميمي...

ومما يبين هذا أن السلف لم يذموا التكلم بأسماء مفردة: كالجوهر، والجسم، والعرض، فإن الاسم المفرد ليس بكلام، ولا يتكلم به أحد، وإنما ذموا الكلام المؤلف الدال على معان، والذين كانوا يتكلمون بهذه الأسماء كان كلامهم متضمناً لأمور فيها افتراء على الله ورسوله: إما إثبات ما نفاة الله، وإما نفي ما أثبته الله، ومتضمنة لمعان باطلة هي كذب وباطل في نفس الأمر.
والمقصود هنا : التنبيه على جنس ما مدحه السلف وذموه، وأنهم كانوا أعرف الناس بالحق وأدلته، وبطلان ما يعارضه، وإنما يظن بهم التقصير في هذا من كان جاهلاً بحقيقة الحق، وبما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم من العلم والإيمان، وبما وصل إليه السلف والأئمة، فجهله بالأول يوجب أن لا يعلم الحق بل يعتقد نقيضه، وجهله بالثاني يوجب ظنه أن ليس فيما جاء به الرسول بيان الحق بأدلته والمناظرة عنه، وجهله بالثالث يوجب ظنه أن السلف ذموا الكلام بالأدلة الصحيحة المفضية إلى العلم بالله وصفاته خوفاً من الشبهات والأهواء، بل الأصل في ذم السلف لكلام هو اشتماله على القضايا الكاذبة، والمقدمات الفاسدة، المتضمنة للافتراء على الله تعالى وكتابه ورسوله ودينه.
فهذا هو الكلام المذموم بالذات، وهو الكلام الكاذب الباطل، وأما الكلام الذي هو حق وصدق، فهذا لا يذم بالذات، وإنما يذم المتكلم به أحياناً، لاشتمال ذلك على مضرة عارضة، مثل ما يحرم القذف، وإن كان القاذف صادقاً إذا لم يكن له أربعة شهداء، ومثل ما تحرم الغيبة والنميمة ونحو ذلك مما هو صدق لكن فيه ظلم للغير.
وأما الكلام في الدين فنوعان: أحدهما أمر، والثاني خبر.
والكلام في أصول الدين هو من النوع الثاني.
ولا ريب أن الله تعالى أخبر بإثبات أمور ونفي أمور، وأصدق الكلام كلام الله، فما ناقض ذلك كان كذباً وقولاً على الله غير الحق.
كما قال تعالى: {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق} .
وقال تعالى: {ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق}.
وقال تعالى: {إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين}.
وقال تعالى: {سبحان ربك رب العزة عما يصفون} ، وأمثال ذلك.

وعامة الكلام الذي ذمه السلف تشتمل مسائله على كذب وفرية، ودلائل مسائله على كذب وفرية، كأقوال الجهمية النفاة لما أثبته الله تعالى له من الأسماء والصفات، وكلام القدرية النافية لما أثبته الله من قدرته ومشيئته.

ودلائل الجهمية والنفاة: هو استدلالهم بدليل الجواهر والأعراض، فإنهم زعموا أن الأعيان المشاهدة كالسماوات والأرض مركبة من الجواهر المنفردة، أو من المادة والصورة، وأن المركب مسبوق بجزئه، ومفتقر إلى مركب يركبه، فيكون محدثاً وممكناً، وما قام بها من الصفات والحركات أعراض، والأعراض - أو بعضها - حادثة، وما كان شخصه حادثاً، وجب أن يكون نوعه حادثاً، فيمتنع وجود حوادث لا تتناهى، قالوا: بهذا عرفنا أن السماوات مخلوقة، وبذلك عرفنا أن الله موجود، فلزمهم على ذلك أن ينفوا صفات الله وأفعاله، وذلك باطل شرعاً وعقلاً، ولم يكن ما أقاموه دليلاً صحيحاً، فلا هم عرفوا الحق بدليل صحيح قويم، ولا هم نصروا بميزان مستقيم، ولكنهم قد يقابلون الفاسد بالفاسد، فإن أعداد الملة قد يقيمون شبهة على نقيض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، كشبهة الدهرية على قدم السماوات، فيقابلون ذلك بفاسد آخر، كاستدلالهم على حدوث ذلك بدليل الأعراض والصفات.
وحفظ مثل هذا الكلام لاعتقاد العوام، كدفع المظلمة عنهم بعقوبات فيها عدوان، ومن ظن أن الخلف أعلم بالحق وأدلته، أو المناظرة فيه من السلف، فهو بمنزلة من زعم أنهم أقوم بالعلم والجهاد وفتح البلاد منهم، وكلا الظنين طريق من لم يعرف حقيقة الدين، ولا حال السلف السابقين.
وهذا مثل كلام الرافضة وأمثالهم من أهل الفرية، الذي يتضمن قولهم التكذيب بالحق والتصديق بالباطل، فهؤلاء فيما يحدثون به من الكذب، ويكذبون به من الصدق في المقولات، بمنزلة أهل الكلام الباطل في البحث والنظر، كالجهمية الذين يكذبون بالحق ويصدقون بالباطل في العقليات...
فالسلف ذموا أهل الكلام الذين هم أهل الشبهات والأهواء، لم يذموا أهل الكلام الذين هم أهل كلام صادق، يتضمن الدليل على معرفة الله تعالى، وبيان ما يستحقه وما يمتنع عليه، ولكن قد يورث شبهة وهوى.
وقد اعترف أبو حامد بأن ما ذكره هو من الكلام والفلسفة ليس فيه كشف الحقائق ومعرفتها...

وأهل الكلام الذين ذمهم السلف لا يخلو كلام أحد منهم على مخالفة السنة، ورد بعض ما أخبر به الرسول، كالجهمية والمشبهة، والخوارج والروافض، والقدرية، والمرجئة.
ويقال بأنها لا بد أن تحرس السنة بالحق والصدق والعدل، كما تحرس بكذب ولا ظلم، فإذا رد الإنسان باطل بباطل، وقابل بدعة ببدعة، كان هذا مما ذمه السلف والأئمة.(درء التعارض من 7-171)

وقال رحمه الله:
ولهذا كان " السلف والأئمة " يعيبون كلامهم هذا ويذمونه ويقولون : من طلب العلم بالكلام تزندق ؛ كما قال أبو يوسف . ويروى عن مالك . ويقول الشافعي : حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال ويطاف بهم في العشائر ويقال : هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام وقال الإمام أحمد بن حنبل : علماء الكلام زنادقة وما ارتدى أحد بالكلام فأفلح .

وقد صدق الأئمة في ذلك فإنهم يبنون أمرهم على " كلام مجمل " يروج على من لم يعرف حقيقته فإذا اعتقد أنه حق تبين أنه مناقض للكتاب والسنة فيبقى في قلبه مرض ونفاق وريب وشك ؛ بل طعن فيما جاء به الرسول .
وهذه هي الزندقة . وهو " كلام باطل من جهة العقل " كما قال بعض السلف : العلم بالكلام هو الجهل فهم يظنون أن معهم عقليات وإنما معهم جهليات : { كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب } . هذا هو الجهل المركب ؛ لأنهم كانوا في شك وحيرة فهم في ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور .
أين هؤلاء من نور القرآن والإيمان ؟ قال الله تعالى : { الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة
الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم } .(رسالة في الصفات الاختيارية من جامع الرسائل 2-36)

----------------------------------------------------------------------------


والحمد لله رب العالمين