المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القول المستنير في ثمرات الإيمان باسم الله جلَّ وعلا " الستير"



أهــل الحـديث
13-11-2013, 11:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (وفقه الله)، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بها.


القول المستنير في ثمرات الإيمان باسم الله جلَّ وعلا " الستير"

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن من رحمة الله جل جلاله بعباده وكمال حلمه عليهم، أنه سبحانه لا يعاجلهم بالعقوبة بعد ارتكابهم المحرمات،بل يمهلهم لعلهم يتوبون ويرجعون إلى رب البريات.
يقول الشيخ السعدي-رحمه الله-:"وسبحان الحليم،الذي لا يعاجل العاصين بالعقوبة،بل يعافيهم ويرزقهم،كأنهم ما عصوه مع قدرته عليهم". تفسير السعدي(ص 790)
لأنه جل وعلا ستير يحب الستر على عباده،فلا يعاقبهم بالفضائح مع أنهم يجاهرونه بالقبائح، فعن يعلى بن أمية–رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ اللَّهَ عز وجل حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ، فإذا اغْتَسَلَ أحدكم فَلْيَسْتَتِرْ".رواه أبو داود في سننه(4012)،وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله-.
يقول الطيبي –رحمه الله- : "يعني: إن الله تبارك وتعالى تارك للقبائح ساتر للعيوب والفضائح".مرقاة المفاتيح (2/137)
يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- في الكافية الشافية(189):
وهو الحييُّ فليس يفضح عبده
عند التـجاهر منه بالعصيان
لكـنه يُـلقي علـيه ستـره
فهو الستير وصاحب الغفران
إن من أهم الثمرات التي يجب أن نقطفها من إيماننا بهذا الاسم الكريم أيها الأحبة الأفاضل:
1- أن نثبت لله جل وعلا "صفة الستر"وهي من الصفات الفعلية الثابتة لله تعالى كما جاء في السنة الصحيحة كما تقدم، وهذا الإثبات يليق به سبحانه وتعالى، لا يشابهه في هذه الصفة الكريمة أحد من خلقه ولا يدانيه، مهما بلغت منزلته وعلت درجته، يقول تعالى:(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) [الشورى:11].
يقول الشيخ السعدي –رحمه الله-:" أي : ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته، لا في ذاته ولا في أسمائه،ولا في صفاته،ولا في أفعاله، لأن أسماءه كلها حسنى، وصفاته صفات كمال وعظمة،وأفعاله تعالى أوجد بها المخلوقات العظيمة من غير مشارك".تفسير السعدي (ص 754)
وكذلك أن نتعبد الله جل وعلا باسمه الكريم الستير ، فنقول "عبد الستير "، ولا يقال "عبد الستار" ، لأن "الستار" ليس من أسماء الله الحسنى كما هو شائع عند بعض الناس!، وعلينا أن ندعو الله جل وعلا الكريم بهذا الاسم الجليل فنقول:" يا ستير استر علينا في الدنيا والآخرة"، لكن لا يُتعبد الله سبحانه بصفاته فيقال "عبد الستر "، كما أننا لا ندعو صفاته جل وعلا فنقول "يا ستر الله استرينا"، فالستر ليست هي الله جل جلاله،بل هي صفة من صفاته سبحانه وتعالى الفعلية المتعلقة بالمشيئة،والصفة غير الموصوف.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:"إن مسألة الله بأسمائه وصفاته و كلماته جائز مشروع كما جاءت به الأحاديث، وأما دعاء صفاته و كلماته فكفر باتفاق المسلمين ". تلخيص كتاب الاستغاثة ( 1/181)
2- أن نتحلى بصفة "الستر"،التي هي من الأخلاق الكريمة والصفات الحميدة التي ينبغي على المؤمن أن يتصف بها، ومن ثمرات التحلي بها أيها الكرام،أن يستر العبد على نفسه،فلا يجاهر الناس بالمعاصي والذنوب التي سترها عليه علام الغيوب.
يقول الإمام البيهقي –رحمه الله-:" الستير،يعني أنه ساتر يستر على عباده كثيرا ولا يفضحهم في المشاهد،كذلك يحب من عباده الستر على أنفسهم ، واجتناب ما يشينهم والله أعلم".الأسماء والصفات (1/168)
فعلى المذنب أن يبادر بالتوبة والاستغفار وليحذر من الاستخفاف بأوامر الجبار بالفرح والمجاهرة بالمحرمات التي سترها عليه رب الأرض والسموات،فقد جاء في ذلك الوعيد الشديد والتحذير الأكيد،فقد قال صلى الله عليه وسلم:"كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إلا الْمُجَاهِرِين وَإِنَّ من الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وقد سَتَرَهُ الله عليه فَيَقُولَ: يا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا،وقد بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عنه".رواه البخاري (5721)من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
يقول ابن بطال –رحمه الله-:"وفى المجاهرة بالمعاصي استخفاف بحق الله وحق رسوله صلى الله عليه وسلم،وضرب من العناد لهما". شرح صحيح البخاري لابن بطال (9 /263)
وكذلك يستر على المسلمين،فإذا وجدهم قد خالفوا أوامر المنان وتلبسوا بالعصيان،فلا يفضحهم!!بل ينصحهم ويذكرهم بالرحمن،ويحذرهم من هوى النفس ونزغة الشيطان، فإنه له على ذلك الأجر الكبير من العلي القدير،فعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- قال:قال صلى الله عليه وسلم:"من سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ الله يوم الْقِيَامَةِ".رواه البخاري (2310) ومسلم (2580) واللفظ له.
وقال صلى الله عليه سلم:" وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ الله في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ".رواه الإمام أحمد في مسنده (2/252) من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-،وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله-.
أما إن كان صاحب العصيان من أهل الشرور والطغيان،فلابد من التحذير منه ورفع أمره لمن له سلطان ، يقول الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- :" فالستر قد يكون مأموراً به محموداً، وقد يكون حراماً، فإذا رأينا شخصاً على معصية، وهو رجلٌ شرير منهمك في المعاصي، لا يزيده الستر إلا طغياناً؛ فإننا لا نستره، بل نبلغ عنه حتى يُردع ردعاً يحصل به المقصود. أما إذا لم تبدر منه بوادر سيئة، ولكن حصلت منه هفوة، فإن من المستحب أن تستره ولا تبينه لأحد، لا للجهات المسؤولة ولا لغيرها، فإذا سترته ستر الله عليك في الدنيا والآخرة.
ومن ذلك أيضاً أن تستر عنه العيب الخلقي، إذا كان فيه عيب في خلقته كجروح مؤثرة في جلده أو برص أو بهق أو ما أشبه ذلك، وهو يتستر ويحب ألا يطلع عليه الناس فإنك تستره، إذا سترته سترك الله في الدنيا والآخرة. وكذلك إذا كان سيئ الخلق لكنه يتظاهر للناس بأنه حسن الخلق وواسع الصدر، وأنت تعرف عنه خلاف ذلك، فاستره. فمن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة فالستر كما قلت بالنسبة للأعمال السيئة التي يقوم بها الإنسان ينقسم إلى قسمين:
قسم يكون من شخص منهمك في المعاصي مستهتر، فهذا لا نستر عليه.
وقسم آخر حصل منه هفوة، فهذا هو الذي نستر عليه.
أما الأمور الأخرى فالستر فيها أكمل وأفضل، والله المستعان".شرح رياض الصالحين(2/568)
ولنحذر أيها الكرام أشد الحذر من السعي وحب إشاعة الفواحش بين المسلمين، فإن الرحمن نهانا عن هذا العمل الجبان،يقول تعالى:( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم...) [ النور:19]
يقول الشيخ السعدي –رحمه الله- :"فإذا كان هذا الوعيد لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة واستحلاء ذلك بالقلب، فكيف بما هو أعظم من ذلك،من إظهاره ونقله ؟وسواء كانت الفاحشة صادرة أو غير صادرة، وكل هذا من رحمة الله لعباده المؤمنين وصيانة أعراضهم،كما صان دماءهم وأموالهم وأمرهم بما يقتضي المصافاة، وأن يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه".تفسير السعدي(ص 564)
3-أن نفرد الله جل جلاله بالعبادة ونحبه ونعظمه ونشكره،لأنه سبحانه تفضل علينا بستر عيوبنا مع كثرة معاصينا وذنوبنا، فلو كشف سبحانه عنا الستر لنفر منا الخلق أجمعين! حتى لو كان من أقرب الأقربين!!.
فلو كان للذنوب روائح! أيها الأحباب فهل يبقى لنا أصحاب؟!.
يقول الإمام محمد بن واسع (رحمه الله):"لو كان يوجد للذنوب ريح ما قدرتم أن تدنوا مني من نتن ريحي ".حلية الأولياء (2/349)
فهذه أيها الأفاضل من أهم الفوائد الإيمانية والثمرات الزكية التي ينبغي للعبد المسلم أن يحرص على قطفها من شجرة إيمانه باسم الله جل وعلا " الستير"، فعلينا جميعا أن نسعى على تحقيقها قدر الإمكان ، سائلين العون والسداد من الغفور المنان.
ومما ينبغي التذكير به في هذا المقام،أن علينا أن لا نترك سؤال أرحم الراحمين أن يستر علينا عيوبنا في الدارين،وهذا الذي كان من هدي نبينا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم، فعن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- قال : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يُمْسِي وحين يُصْبِحُ :(اللهم إني أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ في الدُّنْيَا وَالْآخِرَة،ِ اللهم إني أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ في دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللهم اسْتُرْ عَوْرَتِي، وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللهم احْفَظْنِي من بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ من تَحْتِي". رواه أبو داود (5074)، وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله-.
يقول المناوي –رحمه الله-:" (اللهم استر عورتي ) أي: عيوبي وخللي وتقصيري والعورة سوءة الإنسان، وكل ما يستحيي من ظهوره، وهذا وما أشبهه تعليم للأمة".فيض القدير( 2/318)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يستر عيوبنا ويغفر ذنوبنا ويُيسر أمورنا، ويوفقنا لكل ما فيه صلاح وفلاح في الدنيا والآخرة،فهو سبحانه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.


وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


أبو عبد الله حمزة النايلي