المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أمالي حول يوم عاشوراء .. أملاها الشيخ عبدالله بن مانع وفقه الله



أهــل الحـديث
12-11-2013, 12:10 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




بسم الله الرحمن الرحيم

أمالي حول يوم عاشوراء (1)

أملاها فضيلة الشيخ : عبد الله بن مانع الروقي
قيدها الشيخ / عبدالله السحيم .

يقول حفظه الله :
الصحيح أن صوم يوم عاشوراء على المراتب التالية :
الأولى : أن يصام التاسع والعاشر؛ وهو أفضلها، لما فيه من تحصيل الفضل والأجر بصيام عاشوراء، ولما فيه من تحقيق المخالفة لليهود وفاقاً للنص، قال ابن رجب : ( عزم النبي صلى الله عليه وسلم في آخر عمره ألا يصومه مفرداً، بل يضم إليه يوماً آخر مخالفة لأهل الكتاب في صيامه )(2).

الثانية : أن يصام العاشر والحادي عشر؛ -لمن لم يتيسر له صوم التاسع- وذلك تحقيقاً لمخالفة اليهود الذين يفردون العاشر بالصوم، وهو أصل شرعي دلت عليه نصوص متضافرة؛ ولأن التاسع أمر بصومه لتحقيق المخالفة، ولم يؤمر بصومه لذاته، وصوم الحادي عشر يحقق المقصد الشرعي؛ وإنما قدم عليه التاسع لورود النص به .

الثالثة : صوم العاشر وحده؛ وحكمها : ما ذكره شيخ الإسلام في شرح العمدة (ص584) –مع أن العمدة من أوائل كتبه(3)- أنه مكروه لما فيه من التشبه بأهل الكتاب(4)، وقال: (وقطع التشبه بهم مشروع ما وجد لذلك سبيل)، فإن كان لا يقدر إلا على العاشر : فيصومه ولا كراهة .

الرابعة : أن يصوم العاشر ويوماً قبله ويوماً بعده؛ والصحيح أنها لا تشرع دائماً، وإنما قد يقال بمشروعيتها: عند الاختلاف في دخول الشهر، كما قال أحمد رحمه الله في رواية الميموني : من أراد أن يصوم عاشوراء : فليصم التاسع والعاشر، إلا أن يشكل عليه الشهر فليصم ثلاثة أيام؛ ابن سيرين يقول بذلك)(5)، ونقل ابن رجب عن ابن إسحاق (أظنه أبو إسحاق السبيعي) أنه صام العاشر ويوماً قبله ويوماً بعده، وقال : ( إنما فعلت ذلك خشية أن يفوتني )(6).
وأما أثر ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يصوم يوماً قبله ويوماً بعده : فقد رواه ابن جرير في تهذيب الآثار (1/391) من طريق وكيع عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ فالظاهر : أن وكيعاً أخطأ فيه، فأصحاب ابن جريج: كروح(7) وعبد الرزاق(8) وحفص بن غياث(9) يروونه من قوله لا من فعله، بلفظ: (صوموا التاسع والعاشر)(10)، وهكذا رواه سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء(11)، وهكذا رواه عبيد الله بن يزيد عن ابن عباس أيضاً(12).
وأما رواية ابن أبي ليلى عن داود بن علي بن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن أبي عن جده مرفوعاً : (( صومواً يوم عاشوراء؛ خالفوا اليهود، صوموا يوماً قبله (و)يوماً بعده )) –هكذا بالواو- ، فابن أبي ليلى ضعيف، ومدار الحديث عليه، وقد روي الحديث بإبدال الواو بـ(أو)، وذلك فيما رواه ابن عدي في الكامل -في ترجمة داود بن علي (3/956 ط. دار الفكر)- من طريق ابن عيينة عن ابن حي عن داود بن علي به، فأسقط ابن أبي ليلى؛ فصار الإسناد نظيفاً، وقد نقل ابن عدي بعد هذا الحديث قول عباس بن يزيد البحراني -راوي هذا الخبر عن ابن عيينة- : (وغير سفيان يقول: عن ابن حي عن ابن أبي ليلى به؛ يعني عن داود)، قلت : هذا هو المعروف في جادة الإسناد؛ والظاهر أن ابن عيينة أخطأ فيه، فعلى كلا اللفظين لايثبت، فابن أبي ليلى في هذا الإسناد ولا شك، وممن أشار إلى هذا: عبد الحق في الأحكام الوسطى (2/245 ط. الرشد) –أعني الوجهين-.

والخلاصة : أنه لا يثبت في صوم الثلاثة خبر، وإنما هو عن ابن سيرين كما قال أحمد، ولو كان محفوظاً عن ابن عباس رضي الله عنهما لصرح به أحمد، وهو أعلم الناس بآثار الصحابة، ولا يستدل بالنازل مع وجود الأعلى.

فوائد :
فائدة في صوم عاشوراء في السفر :
صح عن ابن شهاب الزهري رحمه الله أنه كان يصوم عاشوراء في السفر، فقيل : يا أبا بكر؛ تصوم عاشوراء في السفر وأنت تفطر في رمضان في السفر؟(13) فقال: ( إن رمضان له عدة من أيام أخر؛ وعاشوراء يفوت )، ذكره ابن عبد البر في التميهد (7/215 ط. المغربية) (14).

فائدة في المفاضلة بين يوم عاشوراء ويوم عرفة :
ذكر ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد (4/1667 ط. العمران) ما نصه: ( فإن قيل : لم كان عاشوراء يكفر سنة ويوم عرفة يكفر سنتين ؟ قيل فيه وجهان :
أحدهما : أن يوم عرفة في شهر حرام، وقبله شهر حرام، وبعده شهر حرام، بخلاف عاشوراء .
الثاني : أن صوم يوم عرفة من خصائص شرعنا، بخلاف عاشوراء، فضوعف ببركات المصطفى؛ والله أعلم )، أما أن يقال : عاشوراء سنة موسوية وعرفة سنة محمدية؛ فهذا غير مسلّم؛ لأن إقرار نبينا صلى الله عليه وسلم لصوم عاشوراء صيّره سنة موسوية محمدية، فالصحيح في أوجه التفضيل أن يقال : أن يوم عرفة في شهر حرام، وفي عشر فاضلة، فاجتمع فيه مزيتان؛ بخلاف عاشوراء، وأما المفاضلة بينهما بأن عاشوراء لا يعقبه شهر حرام بينما يكتف عرفة شهران حرامان : فهذه مفاضلة من وجه خارجي؛ والله أعلم .

فائدة في التوسعة على الأهل والعيال :
لا يصح فيه حديث؛ كما ذكره الإمام أحمد رحمه الله في رواية حرب الكرماني عنه، كما نقله ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة (15)، وذكر أيضاً أن التوسعة بدعة أحدثت في مقابل بدعة مآتم الرافضة؛ فصار من مقابلة البدعة بالبدعة، قال رحمه الله في منهاج السنة: ( وصار الشيطان بسبب قتل الحسين رضي الله عنه يحدث للناس بدعتين: بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء من اللطم والصراخ والبكاء والعطش وإنشاد المراثي ... وكذلك بدعة السرور والفرح .
وهذه –أي: اللطم والصراخ – بدعة؛ أصلها من المتعصبين بالباطل على الحسين رضي الله عنه ، وتلك –أي: التوسعة- بدعة؛ أصلها من المتعصبين بالباطل له، وكل بدعة ضلالة، ولم يستحب أحد من أئمة المسلمين الأربعة وغيرهم: لا هذا ولا هذا، ولا في شيء من استحباب ذلك حجة شرعية ).

والحمد لله رب العالمين .

------------------
الهوامش :
(1) أملاها في منزله العامر بعد صلاة العشاء يوم السبت؛ الثالث من شهر الله المحرم لعام 1434 ؛ وقيدها عنه: عبد الله بن محمد السحيم.
(2) لطائف المعارف (ص97 ط. عوض الله)، وقال ابن تيمية في الاقتضاء (253 ط. العقل) : (ولهذا استحب العلماء –منهم الإمام أحمد- أن يصوم تاسوعاء وعاشوراء، وبذلك عللت الصحابة رضي الله عنهم)، وينظر: (ص417) من الاقتضاء.
(3) وحكى البعلي في الاختيارات (ص164 ط. الخليل) رأي ابن تيمية بقوله: (ولا يكره إفراده –أي عاشوراء- بالصوم).
(4) قال ابن تيمية في الاقتضاء (1/470) : (ومقتضى كلام أحمد: أنه يكره الاقتصار على العاشر)، وكذا في الاختيارات للبعلي (ص164).
(5) وهي كذلك رواية أبي الحارث عنه: ذكرهما ابن تيمية في الاقتضاء (ص419)، واقتصر ابن رجب في لطائف المعارف (ص98) على رواية الميموني.
(6) لطائف المعارف (ص98).
(7) أخرجها الطحاوي في معاني الآثار (2/78 ط. مرعشلي).
(8) في مصنفه (4/287 ط. المكتب الإسلامي)، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (4/287).
(9) رواه ابن جرير في تهذيب الآثار – مسند عمر (1/392).
(10) ذكره الترمذي في جامعه (2/120 ط. بشار عواد)، قال ابن رجب في لطائف المعارف (ص98) : (وقد صح هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما من قوله من رواية ابن جريج... قال الإمام أحمد: أنا أذهب إليه)، وذكر ابن تيمية أنها رواية الأثرم كما في الاقتضاء (ص419)، وذكر له في (ص418) طريقاً آخر في فوائد داود بن عمرو.
(11) عزاه ابن تيمية إلى سعيد بن منصور، ولم أجده في المطبوع من سننه –حسب البحث في فهارسه-.
(12) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (4/287).
* وهذا أثر صح عنه رضي الله عنه، فلعله يصح أن يجعل مفسراً لما أشكل من جوابه للحكم بن الأعرج حين سأله عن عاشوراء، فقال: (إذا رأيت هلال المحرم فاعدد، وأصبح يوم التاسع صائماً) فقال الأحكم: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه؟ قال: (نعم)، رواه مسلم (2/797 رقم 1133 ط. عبد الباقي)، وقد فهم جماعة من العلماء أنه أراد نقل الصوم من العاشر إلى التاسع لا جمعهما، قال النووي في شرح مسلم (8/18 ط.قرطبة) : (هذا تصريح من ابن عباس بأن مذهبه: أن عاشوراء هو اليوم التاسع من المحرم، ويتأوله على أنه مأخوذ من إظماء الإبل؛ فإن العرب تسمى اليوم الخامس من أيام الورد ربعاً، وكذا باقي الأيام على هذه النسبة؛ فيكون التاسع عشراً)، وقال ابن رجب في لطائف المعارف (ص98) : (وروي عن ابن عباس والضحاك: أن يوم عاشوراء هو تاسع المحرم، قال ابن سيرين كانوا لا يختلفون أنه اليوم العاشر؛ إلا ابن عباس، فإنه قال: إنه التاسع)، وبوب أبو داود ما يشعر بذلك، وتوسع ابن القيم في مناقشته في تهذيب السنن (3/1247)، وأورد أمر ابن عباس رضي الله عنهما بصومهما وقال: (وهذا [أي أمره بصيامهما] أن قول ابن عباس: ((إذا رأيت هلال المحرم...))؛ أنه ليس المراد به أن عاشوراء هو التاسع؛ بل أمره أن يصوم اليوم التاسع قبل عاشوراء)، وبنحوه قال الطحاوي في معاني الآثار (2/78 ط.مرعشلي)، والبيهقي في السنن الكبرى (4/287 ط. الهندية)، وقال ابن عبد البر في التمهيد (7/213 ط. المغربية) : (وقد روي عن ابن عباس القولان جميعاً...والآثار عن ابن عباس في هذا الباب مضطربة مختلفة).
(13) وذلك أن مذهبه رحمه الله: فطر رمضان في السفر مطلقاً، كما في البخاري (5/146 ط. طوق النجاة) ومسلم (2/784 ط. عبد الباقي) –واللفظ له- أنه قال على إثر حديث ابن عباس رضي الله عنهما في فطر النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح: (كان الفطر آخر الآمرين؛ وإنما يؤخذ من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالآخر فالآخر)، قال ابن حجر رحمه الله في الفتح (4/181 ط. السلفية) : (وظاهره أن الزهري ذهب إلى أن الصوم في السفر منسوخ).
(14) وقال ابن رجب في لطائف المعارف (ص99) : (وكان طائفة من السلف يصومون عاشوراء في السفر: منهم ابن عباس، وأبو إسحاق السبيعي، والزهري ... ونص أحمد على أنه يصام عاشوراء في السفر).
(15) 4/544 ط. رشاد سالم ، وفي مجموع الفتاوى (25/299) سؤال عن هذا أيضاً، وقال فيه: (لم يرد في شيء من ذلك حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين، لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم، ولا روى أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئاً؛ لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا التابعين، لا صحيحاً ولا ضعيفاً، لا في كتب الصحيح ولا في السنن ولا المسانيد، ولا يعرف شيء من هذه الأحاديث على عهد القرون الفاضلة، ولكن روى بعض المتأخرين في ذلك أحاديث).