المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سيد إمام ... والتكفير... للأصبحي



أهــل الحـديث
11-11-2013, 02:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد : -
فقد صح من حديث ابن عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « من قال لأخيه يا كافر , فقد باء بها أحدهما » , يستفاد من هذا الحديث التحذير الشديد من تكفير المسلم , وإنها زلة عظيمة يؤاخذ الله بها عباده .
فكما أن من أدخل كافراً في دائرة الإسلام , قد أتى بهتاناً , فكذلك من أخرج مسلماً بيقين من دائرة الإسلام , فقد أتى بهتاناً وإفكاً مبيناً , سواءً بسواء ولا فرق بينهما .
وقد ابتليت الأمة بغلاة جفاة شددوا على الأمة أمر دينهم وما فقهوا أمر الله ولا أمر رسوله , فكفروا الناس بالظنون والشكوك وما ليس بكفرٍ .
واعلم أن الباعث على تقييد هذه الرسالة ما قاله سيد إمام الشريف - هداه الله - في لقاءٍ له مع حمَّالة الحطب قناة العربية إذ كفَّر فيها كل من اختار محمد مرسي العياط رئيساً لمصر , في الانتخابات المصرية ولو كانوا كعدد من يقطن بلاد الهند , كذا قالها وما استحيا من الله , والعياذ بالله .
فسبحان ربي , كيف يفعل الحمق والجهل بأصحابه ويرديهم المهالك , وإن من علامات الساعة أن يسود الجهال وينطق الروبيضة ولا إخاله إلا واحداً منهم , نسأل الله أن ينجينا من الفتن في هذا الزمان .
ولولا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور : « لا تتمنوا الموت .. إلخ » لقلت كما قال الأول :
فيا موتُ زُرْ إن الحياة ذميمةٌ *** ويا نفسي جدي إن دهرك هازل
وبيان باطل هذا المغالي الجهول , هو ببيان التصويت الديمقراطي الحاصل في هذا العصر , وحكم كل واحدٍ منها , فنقول :
فيجب – شرعاً - التفريق بين التصويت على رئاسة بلادٍ من البلدان .
وبين التصويت في انتخابات المجالس التشريعية أما يسمونه بـ « البرلمان » .
وبين التصويت على دساتير الكفر المضاهية لأحكام الله وكتابه .
وهذا التصويت ناتجٌ عن افتراقِ حكم كلِّ منهما , فأما التصويت على رئاسة بلادٍ من البلدان فلا يتخللها كفرٌ أكبر ألبتة , وقصار الأمر أنها طريقة مبتدعة في تنصيب الحاكم المسلم , وهي أن يقوم العامة بتنصيب حاكمهم .
فحكم من فعل ذلك ليس الكفر – عياذاً بالله – كما قال هذا الجهول المغالي , إذ لا وجودَ لمناطٍ مكفرٍ فيها , وهذا قولٌ عظيمٌ لو تدبره , فالتكفير ها هنا ما أنزل الله به من سلطان , إلا سلطان إبليس على الجهال والمغالين , فليس من لازم التصويت في انتخابات الرئاسة الرضى بالديمقراطية فالجهة بينهما منفكة .
ومنه يُعلم بطلان قولُ من تجرأ على الله وعلى المسلمين جهلاً وغلواً وتشديداً على المسلمين بتكفير كل من صوت لأحد في الرئاسة , فأن مذهبه خطرٌ عظيم ويجب الحجر عليه ومنعه من الفتوى وتأديبه على ما صدر منه .
أما التصويتان الآخران ألا وهما المجلس التشريعي والدساتير المضاهية لأحكام الله , فهي مغايرة عن انتخابات الرئاسة والجهة بينهما منفكة , إذ يتخللها كفرٌ أكبرٌ بالله , فمن المناطات المكفرة فيها صرف التشريع والحكم والأمر للمخلوق دون الخالق , والتحاكم إلى غير ما أنزل الله , فهذان مناطان مكفران بإجماعٍ .
ثم اعلم أنه ليس كل من صوت على الدستور أو المجالس التشريعية أنه يكفر – كما هو مذهب الغلاة الجاهلين - , إذ لا بد من وجود قصد فعل الكفر - لا الكفر ذاته - , حتى ينطبق الكفر على المتلبس بالتصويت , وقصد فعل الكفر هو أن يقصد المرء فعلَ الكفر مختاراً , أما من وقع منه بطريق الزلل والخطأ والنسيان , فهذا لا يكفر والدليل عليه حديث من أضاع راحلته في فلاةٍ المشهور .
وبيان ذلك بأن يُقال : إن غالب الناس اليوم لا يعرفون حقيقة المجالس التشريعية المسماة بالبرلمان والدساتير , وقد وقع عليهم اللبس في معناها , وهذا اللبس مُتَصَوَّرٌ في حقهم إذ أنها ألفاظ محدثة ولم تستفض بين الناس , ويقع فيها التلبيس على المسلمين , فيظنون أنه لا فرق بين البرلمان والشورى ولا يعلمون أن هذه الأفعال لها مآلات مكفرة .
فإن غالب الأحزاب التي تتسمى بالإسلام في أقطار المسلمين , يأتون إلى آحاد العامة ويغرونهم بشرع الله وأنهم يريدون تطبيقه , ويقولون لهم : صوتوا لنا في انتخابات البرلمان وسنطبق الشريعة , أو وافقوا على الدستور حتى نطبق الشريعة , وتجد هذا العامي المسكين لا يكاد ينطق الديمقراطية بلفظها الصحيح فما بالك بأن يعرف معناها , فهو جاهل بحقيقة الديمقراطية ومآلاتها وليس جاهلاً بحكم من صرف التشريع لغير الله أو تحاكم إلى غير شرعه ولا يعلم أن مآل تصويته سيكون هذه المناطات , فيجيب إلى قولهم ثقةً منه في هذه الأحزاب , وهو لا يعلمُ شيئاً ونيته سليمة وقصده بذلك نصرةَ شرع الله , ولم يقصد الفعل المكفر وهو صرف حق التشريع لغير الله أو التحاكم لغير شرعه , فحينئذٍ تكون هذه الفقل من المسائل الخفية , وليس الخفاء هو في كفر من حكم بغير ما أنز الله ولكن الخفاء في معنى الديمقراطية إذ هي مستحدثة ويُتصور اللبس فيها والعامة لا يعلمون حقائقها فحينئذٍ تكون بمنزلة المسائل الخفية .
وهذا هو حال غالب المصوتين من العامة , فإنهم قد تلبسوا بعذرٍ شرعي يمنع تسميتهم بالكفر , ألا وهو أنهم لم يقصدوا فعل الكفر هو التحاكم إلى غير شرع الله وصرف الحكم لغير الله , ولكنهم قصدوا نصرةَ شرع الله ولُبِّس عليهم في معنى البرلمان والدستور , وهذا التلبيس مُتَصَوَّرٌ في حقهم إذ أن هذه الألفاظ لا زالت حادثة ولم ينزل في كتاب الله أو سنة رسوله التنصيص على اسم البرلمان أو الدستور ومعناهما حتى نقول بأنها معلومة من دين الله بالضرورة بل هي ألفاظٌ حادثة ولم يستفض معناها , فيكون حكم هؤلاء كحكم من أنكر شيئاً من المسائل الخفية كبعض مسائل الإيمان ونحوه , أو بعض الإيمان باليوم الآخر كمن أنكر الصراط والحوض فإنها لا يكفر حتى يُعرّف , وليس ذلك لخفاء حكم التحاكم لغير شرع الله أو غيره , إنما ذلك لخفاء حقيقة البرلمان والدستور وتَصور وقوع الجهل بمعناه , كذلك هذا العامي فإنه لا يكفر حتى يعرف معنى الدستور والبرلمان ونحوه من الألفاظ الحادثة , لأن هذه الألفاظ بذواتها ليست معلومة من دين الله بالضرورة حتى لا يُعذروا بجهلها , فإننا لم نقل بعدم تكفيرهم لجهلهم بحكم التحاكم لغير شرع الله أو غيره وإنما لخفاء حقيقة معنى البرلمان والدستور وغيره من الألفاظ الحادثة ومآلاتها الكفرية وتَصوُّرِ وقوع الجهل بمعناه .
ومثل هذا العامي كمثل من جلس على حصيرٍ , وكان تحت هذا الحصير كتاب الله عز وجل , فلما نُبه قام من مجلسه , فإن هذا لا يكفر لأنه لم يقصد فعل الكفر وهو الجلوس على كتاب الله , ولا نقول أنه لم يكفر لجهله بحكم من جلس على كتاب الله , فإنه إذا نُبّه ولم يتنبه وأصر على فعله صار بذلك كافراً مرتداً .
كذلك هذا العامي الذي صوَّت على الدستور أو البرلمان فإنه قد لُبّس عليه بمعناهما وهذا التلبيس مُتَصَوَّرٌ بحقهما لأن هذه الألفاظ حادثة ولم يستفض معناها عند الناس , ونية هذا العامي هو نصرة شرع الله , ولا يعلم أن مآل فعله إلى المناطات المكفرة المذكورة , فإن هذا لا يكفر لأنه لم يقصد فعل الكفر وهي المناطات المكفرة التي ذكرناها , ولكونه لم يعلم بأن فعله يؤول إليهما , ولا نقول أنه لم يفكر لجهله بحكم المكفرين المذكورين , فإنه إذا نُبه لحقيقة البرلمان والدستور ولم يتنبه وأصر على فعله مستكبراً فإنه يكفر بذلك ولا مناص .
وهذا هو حال غالب من صوت للدستور أو البرلمان , ولا نقول بكفرهم إلا بعد التعريف فإن أصرّوا كفروا .
بخلافِ من تحاكم إلى الطاغوت جهاراً نهاراً أو صرف التشريع لغير الله , فإنه يكفر ولا يُعذر بجهله , فَعُلِم من ذلك أن ثمة فرق بينها وأن الجهة بين المسألتين منفكة .
حينئذٍ يبطل قول من قال بتكفير كل من صوت على الدساتير أو البرلمانات مطلقاً دون تقييد , وقوله هذا غلوٌ في دين الله ناشئٌ عن الجهل بأحكام الله سبحانه وتعالى .
والله أسأل أن يعصمني وإياكم من الغلو والجفاة وأن يفتح على قلوبهم وينور بصيرتهم وأن يعيذنا من نسبة المسلمين إلى الكفر .

وكتب :
أبو القاسم الأصبحي
لثلاثة عشر ليالٍ مضين من شهر الله رمضان من عام أربع وثلاثين وأربعمائة وألف من الهجرة