المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : طباعة تيسير المنان مختصر جامع البيان



أهــل الحـديث
08-11-2013, 12:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بفضل من الله تم طباعة كتاب تفسير تيسر المنان مختصر تفسير جامع البيان للإمام الطبري
مقدمة الكتاب وخطة العمل به.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا، ماكثين فيه أبدا، المتفرد بنعوت الجلال والإكرام والخلق والأمر فلا يشرك في حكمه أحدا.... والصلاة والسلام على رسولنا الكريم وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد
فقد امتن الله عز وجل على أمة الإسلام بأفضل رسله وخير كتبه، فجعله خاتما لها، ومصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا، وجمع بين ثناياه العطرة ما اجتمع للأولين والآخرين.
وندب الشارع الحكيم إلى النظر في آياته وأحكامه، والتأمل في وجوه إعجازه وإحكامه، قال تعالى: [كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ] [ص: 29]، ولذا كانت علوم القرآن العظيم - ومنها علم التفسير- أكرم أصناف العلوم عند الله مكانة، وأوفرها فضلا
وقد تأملت في كتب التفاسير فوجدت كتاب الإمام العالم الجليل: أبي جعفر محمد بن جرير الطبري ت 310 هـ، الموسوم بـ(جامع البيان في تأويل القرآن) من أجلها وأعظمها، وأكثرها فوائد وأقيمها،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: تفسير محمد بن جرير الطبري أقرب التفاسير إلى الكتاب والسنة، فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة وليس فيه بدعة ولا ينقل عن المتهمين كمقاتل بن بكير والكلبي اهـ (1)
ونظرا لأهمية الكتاب وقدره ووزنه فقد اعتنى العلماء والباحثون أيما عناية بكتاب الطبري دراسة واختصارا واقتباسا من زاويا متعددة ، عقدي، فقهي، لغوي ، بلاغي ، حديثي ، قصصي، تربوي، أخلاقي .. إلخ
وقد رغبت في اقتباس نفائس ودرر من هذا التفسير العظيم، وكانت البداية هي الرغبة في الاستفادة من هذا الكتاب العظيم ، ثم بدا لي أن أجعله مشروعا متكاملا ، ولست أول من قام بهذا العمل ولا أخر من سيقوم به لكنه جهد المقل.
وكان هدفي قدر الإمكان والاستطاعة:
 الاستفادة من نفائس ودرر هذا الكتاب العظيم
 الاكتفاء قدر الإمكان بأقوال الطبري التي تبناها
 تبسيط وتذليل إخراج الكتاب فلا يتجاوز جزئين
 اختصار الكلام المطول بما لا يكون اختصار مخلا
 إخراج زبدة كلامه لا سيما ترجيحاته رحمه الله
 التركيز على الأقوال المشهورة قدر الإمكان
 توضيح بعض المعاني الغامضة والمبهمة
 لفت النظر إلى بعض الاستدركات اليسيرة
 التنبيه إلى تفسير ما ذكره في موضع آخر
 اختصار الكلام المطول قدر الإمكان.
 الاستفادة من أقوال المفسرين المعتبرين
وكان منهجي في كتاب الطبري على الوجه التالي:
1. حذف الروايات المسندة، والشواهد اللغوية، والقراءات وتوجيها.
2. تقسيم الآية ليسهل فهمها: مثال ذلك:
قبل: [اتخذوا أيمانهم جنة] [ المنافقون:2] جعلوا حلفهم وأيمانهم جُنَّة يستجنون بها من القتل
بعد: [اتخذوا] جعلوا [أيمانهم] حلفهم [جنة] يستجنون بها من القتل
3. حذف التكرار ما أمكن: مثال ذلك:
قبل: [إِنَّهَا لإحْدَى الْكُبَرِ][المدثر:35 ] يقول تعالى ذكره: إن جهنم لإحدى الكبر، يعني: الأمور العظام.
بعد: [إِنَّهَا] إن جهنم [لإحْدَى الْكُبَرِ] الأمور العظام.
4. اختصار الكلام المطول وهو كثير ليسهل استيعابه مثال ذلك:
قبل: [وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ] [ص:34] وليس ذَلِكَ حين فرار وَلاَ هرب من العذاب بالتوبة، وقد حَقَّت كلمة العذاب عليهم، وتابوا حين لاَ تنفعهم التوبة، واستقالوا في غير وقت الإقالة.
بعد: [وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ] وليس ذَلِكَ حين فرار وَلاَ هرب من العذاب بالتوبة، وقد حَقَّت كلمة العذاب عليهم، وتابوا حين لاَ تنفعهم التوبة.
5. تفسير بعض الآيات التي فسرها في موضع سابق. مثال ذلك:
قبل: [حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ] [الرحمن:72] يقول تعالى ذكره مخبرا عن هؤلاء الخيرات الحسان ) حُورٌ ) يعني بقوله حور: بِيض، وهي جمع حوراء، والحوراء: البيضاء.
بعد: [حُورٌ] جمع حوراء، والحوراء: البيضاء، [ وهي الشديدة بياض مقلة العين في شدة سواد الحدقة ] (والزيادة من تفسير الطبري للآية 21من سورة الطور)
قبل: [ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ ] المفروضةَ، وإقامتُها: أداؤها -بحدودها وفروضها والواجب فيها- على ما فُرِضَتْ عليه.
وضع في الهامش : انظر معنى (إقامة الصلاة) في تفسير الآية الثالثة من سورة البقرة، وقد أحال عليها الطبري، ولم يفسرها هنا.
6. يوضع الكلام الزائد في الغالب- كتوضيح بعض المفردات مثلا - بين قويسين [ ]
قبل: [وَالْمُؤْتَفِكَاتُ] [الحاقة:9] والقرى التي ائتفكت بأهلها فصار عاليها سافلها
بعد: [وَالْمُؤْتَفِكَاتُ] [الحاقة:9] والقرى التي ائتفكت [انقلبت] بأهلها فصار عاليها سافلها
أو إضافة كلمة أو حرف يستقيم به الكلام.
مثال: [لا فِيهَا] لا في هذه الخمر [غَوْلٌ] تغتال عقولهم [و] لا تذهب هذه الخمر بعقول شاربيها
ومن ذلك : قوله تعالى : [ وَفِي الرِّقَابِ ] وفي فك الرقاب من العبودة، وهم المكاتَبون الذين يسعون في فك رقابهم من العبودة [العبودية]
وضع في الهامش : قد أكثر الطبري في تفسيره من استخدام لفظ (العُبودة) وهي (العبودية) وكلاهما مصدر بمعنى واحد.
7. فصل الضمير المتصل عن عامله في بعض الأحوال لتيسير فهمه على القارئ
مثال:
قبل [وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ] [التكوير:24 ] وما محمد على ما علَّمه الله من وحيه وتنزيله ببخيل بتعليمكموه أيها الناس، بل هو حريص على أن تؤمنوا به وتتعلَّموه.
بعد: بتعليمكم إياه
8. التقديم والتأخير في بعض الأحوال لتوضيح المعنى. مثال ذلك:
قبل: [لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ] [عبس:23 ] لم يؤدّ ما فرض عليه من الفرائض ربُّه.
بعد : [لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ] [عبس:23 ] لم يؤدّ ما فرض عليه ربُّه من الفرائض.
9. حذف الخلافات، واعتماد ما رجحه الطبري في الغالب.
10. قبل: القول في تأويل قوله تعالى : [ وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا ] اختلف أهل التأويل في معنى قول الله: [ وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا ] فقال بعضهم: معنى ذلك: والرياح المرسلات يتبع بعضها بعضا، قالوا: والمرسَلات: هي الرياح. وقال آخرون: بل معنى ذلك: والملائكة التي تُرسَل بالعرف ، والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى ذكره أقسم بالمرسلات عرفا، وقد ترسل عُرْفا الملائكة، وترسل كذلك الرياح، ولا دلالة تدلّ على أن المعنيّ بذلك أحد الحِزْبين دون الآخر، وقد عمّ جلّ ثناؤه بإقسامه بكل ما كانت صفته ما وصف، فكلّ من كان صفته كذلك، فداخل في قسمه ذلك مَلَكا أو ريحا أو رسولا من بني آدم مرسلا
بعد [وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا] إن الله تعالى ذكره أقسم بالمرسلات عرفا، وقد ترسل عُرْفا الملائكة، وترسل كذلك الرياح، فكلّ من كان صفته كذلك، فداخل في قسمه ذلك مَلَكا أو ريحا أو رسولا من بني آدم مرسلا.
11. في حالة ذكر الطبري أقوال متعددة دون ترجيح يستفاد من ترجيحات الواحدي 468هـ، والبغوي510 هـ، وابن تيمية 728 هـ، وابن جزي 741 هـ، وابن القيم 751 هـ،، وابن كثير774 هـ، والشوكاني 1250هـ، والسعدي 1376 هـ وابن عاشور 1393 هـ، والشنقيطي 1393هـ عطية سالم1420هـ ، وابن عثيمين 1421 هـ
12. لم يثبت شيء بشأن الحروف المقطعة أوائل السور ك(الم) و(كهيعص) ، و(يس) و(ن) والقول لدينا أنها إشارة إلى إعجاز القرآن; فقد وقع به تحدي المشركين, فعجزوا عن معارضته, وهو مركَّب من هذه الحروف التي تتكون منها لغة العرب
13. تحقيق الأحاديث ما أمكن ذلك ، [ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ ] فضلت أسلافكم، فنسب نعمه على آبائهم وأسلافهم إلى أنها نعم منه عليهم [ عَلَى الْعَالَمِينَ ] على عَالَمِ أهل ذلك الزمان، والدليل: قول رسول الله ×: ( ألا إنكم وفيتم سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله)
وضع في الهامش : حديث صحيح: أخرجه الترمذي (3001) وصححه الحافظ في (الفتح) (8/225)، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه
14- بيان مذهب الطبري في توجيه القراءات في بعض الأحوال : كقول تعالى : [ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ] وليس الله بغافل عما تعملون أيها المؤمنون، في اتباعكم أمرَه، وانتهائكم إلى طاعته، ولا هو سَاهٍ عنه، ولكنه جَل ثَناؤه يُحصيه لكم ويدّخره لكم عنده، حتى يجازيَكم به أحسن جزاء
وضع في الهامش : مذهب الطبري هنا قراءة (تعملون) بالتاء على وجه الخطاب، وهي قراءة ابن عامر وحمزة والكسائي ، وعلى ذلك جرى الطبري في تفسيرها، وقرأه الباقون نافع، وابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، بالياء ( يعملون) على وجه الغيبة. انظر (التيسير في القراءات السبع) (ص62) لأبي عمرو الداني، و(كتاب السبعة في القراءات) لابن مجاهد (ص161-162)
15- في حال وجود أكثر من توجيه اختار توجيها واحدا كقوله في قوله تعالى [ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ] وهو موضع القدمين
وضع في الهامش : هذا ما صح عن ابن عباس، وعليه جماهير السلف –ولا يعلم كيفيته إلا الله-، أخرجه الحاكم (2/282)، وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، ورواه الدراقطني في الصفات (36)، وقد أورده الطبري (برقم5792) وقد رجح ما في الحديث التالي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ] ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة ] أخرجه ابن حبان (361)، والطبري (5/399) وأبو الشيخ في العظمة (17-63-70)، والبيهقي في الأسماء والصفات(861)، وابن بطة في الإبانة (136)، وابن أبي شيبة في العرش (58)، ولا يخلو إسناد منها من مقال إلا أنه يصح بكثرة طرقه وشواهده فصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (109) وقال: واعلم أنه لا يصح في صفة الكرسي غير هذا الحديث.اهـ
16- في حال وجود سقط أو بتر أقوم بتوجيه المعنى في الهامش قدر الإمكان
مثال قوله تعالى : (96)- [ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ].(97)- [ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ ]. (98)- [ أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ ].
في الهامش : قال العلامة محمود شاكر: سقط تفسير هذه الآيات الثلاث من المطبوعة ، ولم ينبه إليه الناشر . وهو ساقط أيضًا من المخطوطة ، وقد ساق الكلام فيها متصلا ليس بينه بياض ، فسها عن هذه الآيات الثلاث والظاهر أن هذا نقص قديم. (تحقيق تفسير الطبري) (12/578) التعليق رقم (1).
ومثال قوله تعالى : [ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ ] هو مردود عليكم [ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ]
في الهامش : سقط تفسير بقية الآية من (تفسير الطبري) (5/589) – قال العلامة السعدي في تفسيره (ص 116) : { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ } أي: قليل أو كثيرعلى أي شخص كان من مسلم وكافر { فَلأنْفُسِكُمْ { أي: نفعه راجع إليكم { وَمَا تُنْفِقُونَ إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ} هذا إخبار عن نفقات المؤمنين الصادرة عن إيمانهم أنها لا تكون إلا لوجه الله تعالى، لأن إيمانهم يمنعهم عن المقاصد الردية ويوجب لهم الإخلاص { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ { يوم القيامة تستوفون أجوركم { وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ{ أي: تنقصون من أعمالكم شيئا ولا مثقال ذرة، كما لا يزاد في سيئاتكم.
17- توضيح بعض المعاني بالحديث النبوي مثال قوله تعالى :[ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا ] وإني أجعل مَعاذها ومَعاذ [ملجأ وحصن] ذرّيتها بك [ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ]. فاستجاب الله لها، فأعاذها الله وذرّيتها من الشيطان الرجيم، فلم يجعل له عليها سبيلا
وضع في الهامش قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « مَا مِنْ بَنِى آدَمَ مَوْلُودٌ إِلاَّ يَمَسُّهُ الشَّيْطَانُ حِينَ يُولَدُ ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخاً مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ ، غَيْرَ مَرْيَمَ وَابْنِهَا » أخرجه البخاري (3431)، ومسلم (2366) من حديث أبي هريرة
18- نقل بعض أقوال المفسرين مثال قوله تعالى : [ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ ] هم اليهودُ والنصارى [ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ] لم تجحدونُ حججَ الله التي آتاها محمدًا في كتبكم وغيرها، وأنتم تعلمون صدقه؟ [ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ ].
في الهامش :. قال ابن كثير: وقد توعدهم [الله] تعالى على ذلك بأنه شهيد على صَنِيعهم ذلك بما خالفوا ما بأيديهم عن الأنبياء، ومقاتلتهم الرسول المُبشر بالتكذيب والجحود والعناد، وأخبر تعالى أنه ليس بغافل عما يعملون، أي: وسيجزيهم على ذلك يوم لا ينفعهم مال ولا بنون.اهـ (تفسير ابن كثير ج2/ص85)
19- جمع أقوال الطبري أحيانا في مسألة واحدة كقوله تعالى : [ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ ] في طاعة الشيطان وطريقه ومنهاجه الذي شرعه لأوليائه من أهل الكفر بالله
وضع في الهامش : وهو أحد معاني الطاغوت عند أهل التأويل، وانظر تفسير الطاغوت فيما سلف من سورة البقرة (الآيتين 256-257) فقد فسره الطبري بأنه كل معبود من دون الله، وأنه كل ذي طغيان على الله، فعبد من دونه، إما بقهر منه لمن عبده، وإما بطاعة ممن عبده له، وإنسانا كان ذلك المعبود، أو شيطانا، أو وثنا، أو صنما، أو كائنا ما كان من شيء (تفسيرالطبري 5/419) وذلك من أجمع ما قيل في معناه- رحم الله الإمام الطبري
20 بيان بعض مشكل الألفاظ في الهامش كقوله تعالى : [ وَدِيَةٌ ] مائة من الإبل، إن كان من أهل الإبل، و ألف دينار إن كانت عاقِلةُ القاتل من أهل الذهب، وأمَّا من الوَرِق [الفضة]، فاثنا عشر ألف درهم [ مُّسَلَّمَةٌ ] تؤديها عاقلته موفَّرة غير منتقصةٍ
وضع في الهامش : (العاقلة): هم العَصَبَة ، وهم القرابة من قِبَلِ الأبِ ، الذين يعطون ديةَ قتلِ الخطأ، من ( العقل )، وهي الدية. انظر ( لسان العرب ) (11/258)
وقد حاولت قصارى جهدي الأخذ بأسباب التيسير، ليناسب الكتاب عموم المسلمين في كل مكان، وتيسر سبل الاستفادة من هذا الكتاب العظيم، وهو باكورة التفسير الذي أسميته [ تيسير المنان المنتقى من تفسير الإمام الطبري].
21- الإحالة على ما سبق توضيحه فيما سبق كقوله تعالى [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ ] كل شراب خمَّر العقل فستره وغطى عليه [ وَالْمَيْسِرُ ] القمار
وضع في الهامش : سبق تفسير (الخمر والميسر) في [سورة البقرة : 219] وانظر (تفسير الطبري) (4/320).
22- وضع بعض الاستدراكات اليسيرة في الهامش كقوله تعالى في سورة الأعراف: [ فَأَنجَيْنَاهُ ] فأنجينا [هودًا] (1) وَالَّذِينَ مَعَهُ ] مِن أتباعه على الإيمان به [ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ ] وأهلكنا الذين كذَّبوا من قوم هود جميعًا عن آخرهم، فلم نبق منهم أحدًا [ بِآيَاتِنَا ] بحججنا [ وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ ]
(1) وضع في الهامش في الأصل (نوحا) والصواب ما أثبتناه فالسياق كله عن هود، وكلام الطبري بعده يثبت ذلك.
وكقوله تعالى : [ كَمَا أَتَمَّهَا ] نعمته بالنبوة والإسلام [ عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ ] باتخاذه هذا خليلا وتنجيته من النار [ وَإِسْحَاقَ ] وفدية هذا بذبح عظيم
وضع في الهامش : يعني ابن جرير الطبري أن الذبيح هو إسحاق عليه السلام، وذلك قوله في المسألة، وفيها خلاف مشهور.
ولا يسعني إلا الشكر والتقدير لكل من ساهم في إخراج هذه العمل، وأخص بالذكر فضيلة الشيخ الفاضل المحقق/ أشرف على خلف وفقه الله وكل من راجع ودقق وعاون على إخراج هذا العمل.
أسأل الله - جل وعلا - أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، ويرزقنا منه الثواب الأوفى، وأن يعيننا على استكماله على الوجه الذي يرضيه عنا، إنه مولانا القادر على ذلك نعم المولى ونعم النصير، رب أوزعني أن اشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي، وأن أعمل صالحا ترضاه، وأصلح لي في ذرتي، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحابته ومن سار على سنته إلى يوم الدين.
وكتبه جمال بن إبراهيم القرش
الرياض/1/1/1433 هـ
سورة الفاتحة
(1)- [ بِسْمِ اللَّهِ ] أبدأ بتسمية الله وذكرِه قبلَ كلِّ شيء، (اللهِ) الذي يَألَهه كلُّ شيء، ويعبده كلُّ خلْقٍ [ الرَّحْمَنِ ] الموصوف بعموم الرحمة جميعَ خلقه في الدنيا: [بـ] الإفضال والإحسان إلى جميعهم، في البَسْط في الرزق، وتسخير السحاب بالغَيْثِ، وإخراج النبات من الأرض، وصحة الأجسام والعقول، وسائر النعم التي لا تُحصى، التي يشترك فيها المؤمنون والكافرون، وأما في الآخرة: تسويته بين جميعهم في عَدله وقضائه [ الرَّحِيمِ ] [بـ] المؤمنين خاصةً في عاجل الدنيا بما لطف بهم من توفيقه إياهم لطاعته، والإيمان به وبرسله، واتباع أمره واجتناب معاصيه، مما خُذِل عنه مَن أشرك به، وكفر، وما أعد [لهم] في آجل الآخرة في جناته من النعيم المقيم خالصًا، دون مَن أشرك وكفر به.
(2)- [ الْحَمْدُ للَّهِ ] جميعُ المحامد والشكرُ، خالصًا لله جل ثناؤه دون سائر ما يُعبد من دونه، ودون كلِّ ما برَأَ من خلقه، بما أنعم على عباده من النِّعم التي لا يُحصيها العدد [ رَبِّ ] السيد الذي لا شِبْه لهُ، ولا مثل في سُؤدده، والمصلحُ أمرَ خلقِه بما أسبغ عليهم من نعمه، والمالكُ الذي له الخلقُ والأمرُ [ الْعَالَمِينَ ] جمع (عالَم) وهو اسم لأصناف الأمم، وكل صنف منها عالَمٌ، وأهل كل قَرْن من كل صنف منها عالم ذلك القرن وذلك الزمان، فالإنس عالَم، والجنُّ عالَم، وكذلك سائر أجناس الخلق.
(3)- [ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ] (1).
(4)- [ مَلِكِ] لا يملك أحدٌ في ذلك اليوم معهُ حكمًا كمِلْكِهم في الدنيا [ يَوْمِ الدِّينِ ] يوم الحساب والمجازاة بالأعمال.
(5)- [ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ] لك اللهم نَخشعُ ونَذِلُّ ونستكينُ - لأنّ العبودية، عندَ جميع العرب أصلُها الذلّة- إقرارًا لك يا رَبنا بالرُّبوبية لا لغيرك [ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ] على عبادتنا إيّاك، وطاعتنا لك، وفي أمورنا كلها، لا أحدًا سواك.
(6)- [ اهدِنَا ] وَفِّقْنا للثبات على العمل بطاعتك، وإصابة الحق والصواب [ الصِّرَاطَ ] الطريق الواضح [ المُستَقِيمَ ] الذي لا اعوجاج فيه.
(7)- [ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ ] بطاعتك وعبادتك، من مَلائكتك وأنبيائك والصديقين والشهداء والصالحين [ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ ] اليهود، الذين وصفهم الله جَلّ ثناؤه في تنزيله فقال:( قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ) [سورة المائدة: 60][ وَلاَ الضَّالِّينَ ] النصارَى، الذين وصَفهم الله في تنزيله فقال:(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) [سورة المائدة: 77].
سورة البقرة
(1)- (2)- [ الم (1)* ذَلِكَ الْكِتَابُ ] هذا الكتاب [لاَ رَيْبَ فِيهِ ] لا شك فيه [ هُدًى] من الضلالة، ونورا، ورشادا [ لِّلْمُتَّقِينَ ] الذين اتَّقوُا اللهَ تبارك وتعالى في ركوب ما نهاهم عن ركوبه، فتجنبوا معاصِيَه، واتَّقوْه فيما أمرهم به من فرائضِه، فأطاعوه بأدائها.
(3)- [ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ] يصدِّقون، والإيمان كلمة جامعةٌ للإقرار بالله وكتُبه ورسلِه، وتصديق الإقرار بالفعل [ بِالْغَيْبِ ] يؤمنون بما غاب عنهم من الجنة والنار، والثَّواب والعقاب والبعث، والتصديقِ بالله ومَلائكته وكُتُبه ورسله، هم مؤمنو العربِ خاصة [ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ ] المفروضة، وإقامتها: أداؤها -بحدودها وفروضها والواجب فيها- على ما فُرِضَتْ عليه [ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ] من طيِّب ما رزقهم رَبُّهم من أموالهم وأملاكهم [ يُنفِقُونَ ] زكاةً كان ذلك أو نفَقةً [على] مَنْ لزمتْه نفقتُه، من أهل وعيال وغيرهم، ممن تجب عليهم نَفَقتُه بالقرابة والمِلك وغير ذلك.
(4)- [ والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ] يصدِّقونك بما جئت به من الله [ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ] وما جاء به مَنْ قبلك من المرسلين، لا يفرِّقون بينهم، ولا يجْحَدون ما جاءوهم به من عند ربهم، وهؤلاء: المؤمنون من أهل الكتاب [ وَبِالآخِرَةِ ] [بـ] البعث والنشور والثواب والعقاب والحساب والميزان، وغير ذلك مما أعد الله لخلقه يوم القيامة [ هُمْ يُوقِنُونَ ].
(5)- [ أُوْلَئِكَ ] إشارة إلى الفريقين: المتقين، والذين يؤمنون بما أنزل إليك، وما أنزل من قبلك [ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ] على نور من ربهم وبرهان واستقامة وسداد، بتسديد الله إياهم [ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ] المنجحون المدركون ما طلبوا عند الله تعالى ذكره بأعمالهم وإيمانهم بالله وكتبه ورسله، من الفوز بالثواب، والخلود في الجنان، والنجاة مما أعد الله تبارك وتعالى لأعدائه من العقاب.
(6)- [ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ ] جحدوا نبوّةَ محمد × وستَروه عن الناس وكتمُوا أمره، نزلتْ في اليهود الذين كانوا بنَواحي المدينةِ، توبيخًا لهم في جُحودهم نبوَّةَ محمد × وتكذيبِهم به، مع علمهم به ومعرفتِهم بأنّه رسولُ الله إليهم وإلى الناس كافّة [ سَوَاءٌ ] معتدلٌ عندهم أيُّ الأمرين كان منك إليهم [ عَلَيْهِمْ ] على هؤلاء الذين جحدوا نبوَّتك من أحبار يهود المدينة [ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ] الإنذار أم ترك الإنذار [ لاَ يُؤْمِنُونَ ] لا يصدقونَ بك وبما جئتَهم به.
(7)- [ خَتَمَ] طبع [ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ ] فلا يكون للإيمان إليها مَسْلك، ولا للكفر منها مَخْلَص، فلا يعقلون لله تبارك وتعالى موعظةً وعظهم بها [ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ] فلا يسمَعُون من محمد × نبيِّ الله تحذيرًا ولا تذكيرًا ولا حجةً أقامها عليهم بنبوَّته [ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ] غطاء، عن أن يُبصروا سبيل الهُدَى، فيعلموا قُبْحَ ما هم عليه من الضلالة والرَّدَى [ وَلَهُمْ ] بما هُمْ عليه من خِلافك [ عَذَابٌ عَظِيمٌ ].
(8)- [ وَمِنَ النَّاسِ ] يعني المنافقين من الأوْس والخَزْرج ومَنْ كان على أمرهم [ مَن يَقُولُ آمَنَّا ] وصدّقنا [ بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ ] بالبعث يوم القيامة [ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ] ذلك تكذيبٌ لهم فيما أخبَرُوا عن اعتقادهم من الإيمان والإقرار بالبعث، وإعلامٌ منه نبيَّه × أنّ الذي يُبْدونه له بأفواههم خلافُ ما في ضمائر قلوبهم.
(9)- [ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا ] وخداعُ المنافق ربَّه والمؤمنينَ، إظهارُه بلسانه من القول والتصديق، خلافَ الذي في قلبه من الشكّ والتكذيب، والله تبارك اسمه خادِعُه، بخذلانه عن حسن البصيرة بما فيه نجاةُ نفسه في آجل مَعادِه [ وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم ] [لأنهم يُوَرِّطونها بفعلهم في الهلاك والعطب] [ وَمَا يَشْعُرُونَ ] وما يَدْرُون، أنهم ضَرُّوا أنفسهم، بما أسَرُّوا من الكفر والنِّفاق.
(10)- [ فِي قُلُوبِهِم ] في اعتقاد قلوبهم الذي يعتقدونه في الدين، والتصديق بمحمد ×، وبما جاء به من عند الله [ مَّرَضٌ ] وسُقْم، وهو شكُّهم في أمر محمد، وما جاء به من عند الله [ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً ] على مرضهم، نظير ما كان في قلوبهم من الشَّكِّ والحيْرة قبل الزيادة، فزادهم الله بما أحدث من حدوده وفرائضِه - التي لم يكن فرضَها قبلَ الزيادة التي زادها المنافقين - من الشك والحيرة، إذْ شكُّوا وارتَابوا في الذي أحدَث لهم من ذلك [ وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ ] مُوجعٌ مؤلم [ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ] بدَعْواهم الإيمانَ، وإظهارِهم ذلك بألسنتهم، خِداعًا لله عز وجلّ ولرسوله وللمؤمنين،.
(11)- [ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ] للمنافقين [ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ ] بمعصِيَتهم فيها ربَّهم، وركوبهم فيها ما نَهاهم عن ركوبه، وتضييعِهم فرائضَه، وشكِّهم في دين الله [ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ] أي قالوا: إنما نريد الإصلاحَ بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب، ونحن على رُشْدٍ وهُدًى - فيما أنكرتموه علينا.
(12)- فكذَّبهم الله عز وجل في ذلك، فقال [ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ ] المخالفون أمرَ الله عز وجل، المتعدُّون حُدُودَه، الراكبون معصيتَه، التاركُون فروضَه [ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ ] ولا يَدرُون أنهم كذلك.
(13)- [ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ] لهؤلاء الذين وَصَفهم الله [ آمِنُواْ ] صَدِّقوا بمحمدٍ، وبما جاء به من عند الله [ كَمَا آمَنَ ] كما صدق به [ النَّاسُ ] يعني: أصحابَ محمدٍ وأتباعَه من المؤمنين المصدِّقين به، من أهل الإيمان واليقين بالله، وبما افترض عليهم في كتابه، وباليوم الآخر [ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء] أنؤمن كما آمَن أهلُ الجهل، ونصدِّق بمحمد × كما صدّق به هؤلاء الذين لا عقولَ لهم ولا أفهام؟ [ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء ] إنَّهم هُم الجُهَّال في أديانهم، الضعفاء الآراء في اعتقاداتهم واختياراتهم التي اختاروها لأنفسهم، من الشكّ والريْب في أمر الله وأمر رسوله، لإساءَتهم إلى أنفسهم بما أتَوْا من ذلك، وهم يحسبون أنَّهم إليها يُحْسِنون، وذلك هو عَيْنُ السَّفه [ وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ ] لا يعقلون.
(14)- [ وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ ] المصدِّقين بالله وكتابه ورسوله [ قَالُواْ ] بألسنتهم [ آمَنَّا ] وصدَّقنا بمحمد وبما جاء به من عند الله، خِداعًا عن دمائهم وأموالهم وذَرَاريهم، ودرءًا لهم عنها [ وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ ] إلى مَرَدَتهم، وأهل العُتُوّ والشر والخُبث منهم، ومِن سائر أهل الشرك، الذين هم على مثل الذي هم عليه من الكُفر بالله وبكتابه ورسوله - وهم شياطينهم [ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ ] على دينكم، وظُهراؤكم على من خالفكُم فيه، وأولياؤكم دون أصحاب محمد × [ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ ] نحن ساخرون بأصحاب محمد ×، بقيلنا لهم إذا لقيناهم: (آمَنَّا باللهِ وبِالْيَوْمِ الآخِرِ).
(15)- [ اللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ ] فيُظهِرُ لهم من أحكامه في الدنيا خلافَ الذي لهم عنده في الآخرة، كما أظهروا للنبي × والمؤمنين في الدين ما هم على خلافه في سرائرهم، معدًّا لهم من أليم عقابه ونَكال عذابه، ما أعدّ منه لأعدى أعدائه وشر عباده، حتى ميز بينهم وبين أوليائه، فألحقهم من طبقات جحيمه بالدَّرك الأسفل [ وَيَمُدُّهُمْ ] يزيدهم، على وجه الإملاء والترك لهم في عُتوِّهم وتمردهم، ويذرهم [ فِي طُغْيَانِهِمْ ] في ضلالهم وكفرهم [ يَعْمَهُونَ ] يترددون حيارى ضُلالا، لا يجدون إلى المخرج منه سبيلا.
(16)- [ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى ] أخذوا الضلالة وتركوا الهدى، وذلك أن كل كافر بالله فإنه مستبدلٌ بالإيمان كفرًا، باكتسابه الكفرَ الذي وُجد منه، بدلا من الإيمان الذي أُمِرَ به [ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ ] لأنهم اختاروا الحيرة والعمى على الرشاد والهدى، والخوفَ والرعبَ على الحفظ والأمن، مع ما قد أعد لهم في الآجل من أليم العقاب وشديد العذاب [ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ ] وما كانوا رُشداءَ في اختيارهم الضلالةَ على الهدى، واستبدالهم الكفرَ بالإيمان، واشترائِهم النفاقَ بالتصديق والإقرار.
(17)- [ مَثَلُهُمْ ] مثل استضاءَة المنافقين - بما أظهروا بألسنتهم لرسول الله × من الإقرار به، وقولهم له وللمؤمنين: آمنَّا بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر، حتى حُكم لهم بذلك -في عاجل الدنيا- بحكم المسلمين: في حَقن الدماء والأموال، والأمن على الذرية من السِّباء، وفي المناكحة والموارثة [ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا ] كَمَثَلِ استِضَاءةِ المُوقِدِ نارًا بالنار [ فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ] حتى إذا ارتفق [انتفع] بضيائها، وأبصرَ ما حوله مُستضيئًا بنوره من الظلمة [ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ] خَمدت النارُ وانطفأت، فذهب نورُه، وعاد المستضيءُ به في ظلمة وَحيْرة، فكذلك المنافقون ذَهبَ الله بنورهم [ وَتَرَكَهُمْ ] بعد الضياء الذي كانوا فيه في الدنيا بما كانوا يظهرون بألسنتهم من الإقرار بالإسلام وهم لغيره مستبطنون [ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ ] ذلك خبر من الله جل ثناؤه عما هو فاعل بالمنافقين في الآخرة، عند هتك أستارهم، وإظهاره فضائح أسرارهم، وسَلبه ضياءَ أنوارهم، من تركهم في ظُلَم أهوال يوم القيامة يترددون، وفي حَنادسها [ظلمات حالكة] لا يُبصرون.
(18)- [ صُمٌّ ] صُمٌّ عن [الهدى والحق] فلا يسمعونهما، لغلبة خذلان الله عليهم [ بُكْمٌ ] خُرْسٌ عن القيل بهما فلا ينطقون [عُمْيٌ ] عن أن يبصرُوهما فيعقلوهما، لأن الله قد طبع على قلوبهم بنفاقهم فلا يهتدون [ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ] إلى الإقلاع عن ضلالتهم، ولا يتُوبون إلى الإنابة من نفاقهم.
(19)- [ أَوْ كَصَيِّبٍ] كمثل مَطرٍ مُظلمٍ وَدْقُه [قطراته] تحدَّر، فالصيِّب مَثلٌ لظاهر ما أظهر المنافقون بألسنتهم من الإقرار والتصديق [ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ ] تحمله مُزنة [سحابة] ظلماء في ليلة مُظلمة، والظلمات التي هي فيه: ما هم مستبطنون من الشك والتكذيب ومرض القلوب [ وَرَعْدٌ ] وصوتُ رَعد [ وَبَرْقٌ ] من نور شديد لمعانه [ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ] يعني بذلك: يتقون وَعيدَ الله الذي أنزله في كتابه على لسان رسوله ×، بما يُبدونه بألسنتهم من ظاهر الإقرار، كما يتّقي الخائفُ أصواتَ الصواعق بتغطية أذنيه وتصيير أصابعه فيها، حَذَرًا على نفسه منها [ واللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ ] بمعنى: جَامِعُهم، فمُحلٌّ بهم عُقوبته.
(20)- [ يَكَادُ الْبَرْقُ ] يعني بالبرق، الإقرارَ الذي أظهروه بألسنتهم بالله وبرسوله وما جاء به من عند ربهم [ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ ] يعني: يذهب بها ويستلبُها ويلتمعها من شدة ضيائه ونُور شُعاعه [ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم ] كلما أضاء لهم الإيمان، وإضاءتُه لهم: أن يروْا فيه ما يُعجبهم في عاجل دنياهم، من النُّصرة على الأعداء، وإصابةِ الغنائم في المغازي، وكثرة الفتوح، ومنافعها، والثراء في الأموال، والسلامةِ في الأبدان والأهل والأولاد [ مَّشَوْاْ فِيهِ ] مشوا في ضوء البرق، فمعناه: كلما رأوا في الإيمان ما يُعجبهم في عاجل دنياهم على ما وصفنا، ثبتوا عليه وأقاموا فيه، كما يمشي السائر في ظُلمة الليل، إذا برقت فيها بارقةٌ أبصرَ طريقه فيها [ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ ] ذهب ضوءُ البرق عنهم، ذلك: أنّ المنافقين كلما لم يَرَوْا في الإسلام ما يعجبهم في دنياهم - عند ابتلاء الله مؤمني عباده بالضرَّاء، وتمحيصه إياهم بالشدائد والبلاء، من إخفاقهم في مَغزاهم، وإنالة عدوّهم منهم [ قَامُواْ ] أقاموا على نفاقهم، وَثبتوا على ضلالتهم، كما قام السائر في الصيِّب إذا أظلم وَخفتَ ضوء البرق، فحارَ في طريقه، فلم يعرف مَنهجه [ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ] عقوبةً لهم على نفاقهم وكفرهم، ووعيدًا من الله لهم [ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ] على إذهاب أسماعهم وأبصارهم، وعلى غيره من الأشياء [ قَدِيرٌ ] قادرٌ، فاتقوني أيُّها المنافقون، واحذرُوا خِداعي وخداعَ رسولي وأهلِ الإيمان بي.
(21)- [ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ] بالاستكانة، والخضوع له بالطاعة، وإفراد الربوبية له والعبادة دون الأوثان والأصنام والآلهة [ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ] فالذي وخلق آباءكم وأجدادَكم وسائرَ الخلق غيرَكم، وهو يقدرُ على ضرّكم ونَفعكم، أولى بالطاعة ممن لا يقدر لكم على نَفع ولا ضرّ [ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ] لتتقوا سَخَطه وغضَبه أن يَحلّ عليكم، وتكونُوا من المتقين الذين رضي عنهم ربُّهم.
(22)- [ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً ] مهادًا مُوَطَّأً، وقرارًا يُستقرّ عليها [ وَالسَّمَاءَ بِنَاء ] فبناءُ السماء على الأرض كهيئة القبة، وهي سقف على الأرض [ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء ] مطرًا [ فَأَخْرَجَ بِهِ ] مما أنبتوه في الأرض من زرعهم وغَرْسهم [ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ ] غِذاءً وأقواتًا [ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً ] عُدَلاء، ولا تجعلوا لي شريكًا ونِدًّا من خلقي [ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ] أن كلَّ نعمةٍ عليكم فمنِّي.
(23)- [ وَإِن كُنتُمْ ] أيها المشركون من العرب والكفارُ من أهل الكتابين [ فِي رَيْبٍ ] في شكٍّ [ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا ] محمد × من النور والبرهان وآيات الفرقان، فلم تُؤمنوا به ولم تصدّقوه [فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ ] من مثل هذا القرآن من كلامكم أيتها العرب، كما أتى به محمد بلُغاتكم ومعاني منطقكم [وَادْعُواْ ] واستنصروا على أن تأتوا بسورة من مثله [ شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ] أعوانَكم وشُهداءكم الذين يُشاهدونكم ويعاونونكم على تكذيبكم الله ورسوله، ويظاهرونكم على كفركم ونفاقكم [ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ] إن كنتم مُحقّين في جُحودكم أنّ ما جاءكم به محمد × اختلاق وافتراء.
(24)- [ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ ] فإن لم تأتوا بسورة من مثله [وَلَن تَفْعَلُواْ ] أي: لن تأتوا بسورة من مثله أبدًا [فَاتَّقُواْ النَّارَ ] فاتقوا أن تَصْلَوُا النار بتكذيبكم رسولي بما جاءكم به من عندي ، وقيام الحجة عليكم بأنه كلامي ووحيي، بعجزكم وعجز جميع خلقي عن أن يأتوا بمثله [ الَّتِي وَقُودُهَا] حَطَبُها [ النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ] حجارةُ الكبريت، وهي أشد الحجارة حرًّا إذا أُحميت [ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ] للجاحدين أنّ الله رَبُّهم المتوحِّدُ بخلقهم وخلقِ الذين من قبلهم.
(25)- [ وَبَشِّرِ ] يا محمد [ الَّذِين آمَنُواْ ] مَنْ صدَّقك أنك رسولي، وأن ما جئتَ به من الهدى والنور فمن عندي [وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ] وحقَّق تصديقَه ذلك قولا بأداء الصالح من الأعمال التي افترضتُها عليه، وأوجبتُها في كتابي على لسانك عليه [ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ] بساتين [ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ] تحت أشجارها وغروسها وثمارها [ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا ] من أشجار البساتين التي أعدّها الله للذين آمنوا [ مِن ثَمَرَةٍ ] من ثمارها [ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا ] هذا من النوع الذي رُزقناه من قبل، ومن جنسه في السِّمَات والألوان [ مِن قَبْلُ ] في الدنيا [ وَأُتُواْ بِهِ ] بالذي رُزقوا من ثمارها [ مُتَشَابِهاً ] في اللون والمنظر، والطَّعْمُ مختلفٌ، يعني بذلك اشتباهَ ثمر الجنة وثمر الدنيا في المنظر واللون، مختلفًا في الطعم والذوق، فتباينا، فلم يكن لشيء مما في الجنة من ذلك نظير في الدنيا [ وَلَهُمْ ] للذين آمنوا وعملوا الصالحات [ فِيهَا ] في الجنات [ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ] طُهِّرْنَ من كل أذًى وقَذًى وريبةٍ، مما يكون في نساء أهل الدنيا، من الحيض والنفاس والغائط والبول والمخاط والبُصاق والمنيّ، وما أشبه ذلك من الأذى [ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ] وخلودهم فيها: دوام بقائهم فيها على ما أعطاهم الله فيها من الْحَبْرَةِ [السرور] والنعيم المقيم.
أسأل الله الكبير المتعال أن يتقبل منا ومنكم سائر العمل وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم