المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حرف الجيم الجمل الهائج في العربية حمزة الأمين الجبيلي.



أهــل الحـديث
08-11-2013, 02:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


]حرف الجيم:[/COLOR]
مجهور. معناه في اللغة العربية (الجمل الهائج) . يشبه رسمه في السريانية صورة الجمل. قال عنه العلايلي:إنه (للعظم مطلقا) . وهو صحيح ولكنه قاصر ويعتبره الدكتور كمال محمد بشير من الأصوات المركبة انفجاري - احتكاكي).
وقبل أن نتحدث عن إيحاءاته الحسية ، يجدر بنا أن نقطع أولاً في قضية النطق به، معطشاً على الطريقة الشامية، أو غير معطش على الطريقة القاهرية ، لعلاقة هذه المسألة بإيحاءاته الصوتية ، وبالتالي بشخصيته ومدى تأثيره في معاني الألفاظ التي يشارك.فيها.
لقد أفرد الدكتور أنيس لهذه المشكلة بحثاً خاصا في كتابه (الأصوات اللغوية ص77- 83).كما أفرد له الدكتور كمال محمد بشير بحثاً خاصا في كتابه (علم اللغة- الأصوات ص160-166).
وعلى الرغم من أن الدكتور أنيس يرجِّح مسبقا بأن الجيم التي يسمعها من مجيدي القراءة القرآنية ، هي أقرب إلى الجيم الأصلية (ص77)، أي إنها شامية معطشة بصورة ما من صور التعطش. فإنه يعود فيشكك في ذلك، لنقاش كان جرى بينه وبين أستاذ الأصوات في جامعة لندن (البروفيسور فرث) حول هذه المشكلة.
فلقد أعلمه هذا الأستاذ أن هناك قاعدة صوتية مسلَّماً بها في اللغات الأوروبية تدعى (بقانون الصوت الحنكي)، تقرر : بأن الإنسان يميل بالفطرة عبر تطوره الحضاري إلى تسهيل النطق بالحروف الصعبة. ولذلك فان هذا الأستاذ يستطيع أن يفسر تطور الجيم من عدم التعطيش القاهرية إلى التعطيش الشامية ، أما العكس فلا. بمعنى أن الجيم القاهرية الأعسر نطقاً هي الأصل ، وقد تطورت إلى الجيم الشامية الأسهل نطقاً.
وبما أن مخرج صوت الجيم القاهرية هو الأبعد عن الشفتين ، فقد حاول الدكتور أنيس إقامة الدليل على أنه زحزح إلى الأمام باتجاه الشفتين فتحول إلى الجيم الشامية المحدثة وقد لاحظ في كتاب (المعجم المفهرس لألفاظ القرآن) أن الجيم قد حرِّكت بالفتحة والكسرة وهما أماميتان (1264) مرة، لتتحرك بالضم وهي خلفية (102) مرة فقط.
وهكذا فان كثرة تحريك الجيم بحركات أمامية قد جذبت مخرجها من الخلف إلى الأمام، أي من عدم التعطيش إلى التعطيش .
أما الدكتور (بشير) ، فهو يقرّ مبدئياً بأن الجيم الشامية المعطشة هي الجيم الفصيحة المعاصرة ، إلاَّ أنه يذهب مذهب الدكتور أنيس في اعتبار الجيم القاهرية هي الأصل. ولقد استشهد بما جاء به الدكتور (اتوليتمان) حيث يقول:
(نعرف أن نطق هذا الحرف الأصلي كان جيما قاهريا، ، وكما كان ويكون في اللغات السامية الباقيه. مثلاً كلمة (جمل) العبرية (GAMOL). وفي السريانية (GAMALA) وفي الحبشية (جومال) (GOMAL) (ص162-163). بدعوى أن هذه اللغات هي أقدم في الزمن من اللغة العربية. وهذا عكس ما تبيّن لي في الحرف العربي ص (52) وما بعدها.
ثم يقرر الدكتور بشير أن الجيم القاهرية قد تطورت إلى (دج) في نطق قريش. ولكنه يعترف كزميله الدكتور أنيس ، بأن علماء العربية وإن وصفوا الجيم الأصلية بما ينطبق على الجيم القاهرية، فإنهم نسبوها إلى المنطقة التي تخرج منها (الشين والياء) ، وهي (بين وسط اللسان، ووسط الحنك الأعلى). وهذه المنطقة برأيه هي للجيم القرشية (دج)
ونحن لو رجعنا من عالم التخمين والفرضيات إلى واقع الإيحاءات الصوتية لحرف الجيم بمعرض تأثيره في معاني الألفاظ التي يتصدرها، اذن لعرفنا كيف نطق به مبدعوه الأوائل ، معطشاً شامياً أو غير معطش قاهريا. ولا عبرة بما يلفظ في (الساميات) لأن العربية هي الأصل.
فإذا وجدناهم قد استخدموه للتعبير عن المعاني التي يوحي بها صوت الجيم معطشاً، فإنهم لاشك قد لفظوه معطشاً طوال مرحلة إبداع تلك الألفاظ ، وإلا فيكونون قد لفظوه قاهريا غير معطش. وذلك:( حذوا لمسموع الأصوات على محسوس الأحداث).
آ- الجيم المعطشة:
نظرا لشدة تدافع النفس أثناء خروج الجيم الشامية،. وما يحدثه من ارتجاج في مساحة واسعة من سقف الحنك، كان لابد أن تتنوع إيحاءاته الصوتية.
فالجيم الشامية المعطشة، توحي بالشدة والقوة والدفء والمتانة كأحاسيس لمسية، وبطعم الدسم ورائحته كأحاسيس ذوقية وشمية. أما إيحاءاتها البصرية فهي تتردد بين الفخامة والعظم والامتلاء. لتقتصر إيحاءاتها السمعية على شيء من الفجاجة ، وهي لا توحي بأية مشاعر إنسانية أصلاً.
ب- الجيم القاهرية:
صوتها الانفجاري يوحي بالقساوة والصلابة والحرارة والخشونة كأحاسيس لمسية، وبما يدل على أصوات مزيجة من الحدَّة والانفجار كأحاسيس سمعية، ولا إيحاءات أخرى في صوتها ، حسيةً أو شعوريةً.
فلو أن العربي قد أبدع الجيم قاهرية غير معطشة كما يقول الدكتوران أنيس وبشير، إذن لكانت ندرت بصورة خاصة المعاني الدالة على العظم والفخامة والضخامة والارتفاع والفجاجة في الألفاظ التي يتصدرها.
فهل المعاجم إلى جانب الجيم الشامية أو القاهرية؟
بالرجوع إلى المعجم الوسيط عثرت على مئتين وثلاثة وخمسين مصدرا جذراً تبدأ بحرف الجيم، قد توزعت معانيها وفقا للزمر المبيَّنة في الجداول التالية:
الزمرة الأولى:
ثلاثة وثمانون مصدرا تدل معانيها على الشدة والفعالية المادية. منها:
الجأب (كلُّ كزٍّ غليظ). جأى عليه (عضَّه). جشب (غلُظ واشتد). جمح الفرس (عتا عن أمر صاحبه). جهلت القدر (اشتد غليانها). جذف الطائر (أسرع). جردم فلان (أسرع) . جعط فلانا (دفعه). جَعِمَ الرجل (اشتد حرصه وطمعه). جلز في الأرض (مضى مسرعا). جهض فلاناً (غلبه). جمر الفرس (وثب في القيد). جمز الفرس (سار مسرعا). جاب الطيرُ (انقض مسرعا).
وكان من هذه الزمرة أربعة عشر مصدرا للقطع والقشر . هي:
جبَّه (قطعه). جحف الشيء (قشره)، جدعه، وجذّه، وجزمه وجزّه، وجرده، وجلمه جميعها بمعنى (قطعه) جرشه وجلفه بمعنى (قشره). جذر الشيء (استأصله).جلق رأسه (حلقه) . جمش نبات الأرض (حصده). جرف السيل الوادي (أكل من جوانبه).
وكان منها أيضاً خمسة مصادر بمعنى صرعه هي:
جأفه (صرعه، والشجرة قلعها من أصلها). جحدره (صرعه ودحرجه). جحفله (صرعه ورماه). حجله وجعبره (صرعه).
الزمرة الثانية:
ثلاثة وخمسون مصدراً تدل معانيها على العِظَم والفخامة والضخامة والامتلاء والغلظة، ماديَّاً ومعنوياً . منها:
الجأر من الرجال (الضخم). جثل النبات (طال وغلظ والتفَّ). الجبأى (المرأة القائمة الثديين). الجبل. الجمل. جبجب (سمن). جحظت عينه . الجحمرش من النساء (الثقيلة السمجة). الجعيس (الغليظ الضخم). جعا الشيء (غلظ). الجمظ (الضخم). الجدار. جمّ (كثر).جوث (عظُم بطنه في أعلاه). الجَفْر ( ما عظم واستكرش من ولد الشاة والمعزى ). الجِفس (الضخم الجافي). جفظه (ملأه). جفخ (فخر وتكبر). جوِق (غلظ عنقه).
الزمرة الثالثة:
خمسة عشر مصدرا تدل معانيها على الحيوانات والجسد وما هو من أبعاض الجسد . هي الجيئل (الضبع). الجثة. الجثمان. الجرائض (الأسد). الجعول (ولد النعام) الجفن (غطاء العين). الجلد. الجاموس. الجمل. الجنين. الجيد(العنق).
الجواد . الجحش (ولد الحمار). الجيم (الجمل الهائج).
الزمرة الرابعة:
تسعة مصادر تدل معانيها على أصوات . هي:
جئ جئ ( دعاء للإبل إلى الماء). جأر (رفع صوته). جرس الطائر (صوّت). جشَّ صوته (اشتد وصار فيه بُحّة). جرجر البعير (ردَّد صوته في حنجرته). جعجع البعير (اشتد هديره). جلجل الرعد (صوت في حركة). جمجم (لم يبين كلامه) . جهجه الأبطال (صاحوا في الحرب).
الزمرة الخامسة:
ستة مصادر للانفعالات النفسية . هي:
جزع (لم يصبر على ما نزل به) جشأت نفسه (ثارت للقيء). جشع (اشتد حرصه). جهث (استخفه الغضب أو الفزع). جهشت نفسه (همت بالبكاء).
وبتحليل معاني المصادر الواردة في الزمر الخمس لمعرفة مدى تطابقها مع الخصائص الصوتية للجيم المعطشة وغير المعطشة ، نلاحظ مايلي:
أ- في الزمرة الأولى:
جميع مصادر هذه الزمرة تتوافق معانيها مع الخصائص الصوتية للجيم الشامية. كما أن بعضها يقبل الجيم القاهرية وان كانت الشامية أكثر تطابقاً مع معانيها . على أن المصادر الدالة على القطع والقشر وان كانت تقبل الجيمين، فإن القاهرية أكثر تطابقاً مع معانيها.
أما المصادر التي تدل معانيها على التماسك والمقاومة والتدافع والامتلاء والاستمرار من هذه الفئة، فإن معانيها لاتتوافق مع خصائص الجيم القاهرية.فجميع المصادر التي جاءت بمعنى (صرعه، واستأصله)، لا تقبل الجيم القاهرية لما في هذه الأحداث من تماسك ومقاومة، بل لا يوجد أي حرف آخر يسدّ مسدّ الجيم الشامية لاقامة التطابق بين الصور البصرية والصور الصوتية (أي الجمل الصوتية) لواقع الصراع في هذه المصادر (جحدره، جحفله، جعبره، جعفه...).
وهكذا الأمر مع جاش الماء (تدفق وجرى). فصوت الجيم القاهرية لا يستطيع أن يوحي بتدافع الماء واستمرار جريانه.
ولفظة جأى عليه (عضَّه)، وان كانت تقبل الجيم القاهرية للتوافق بين قساوة الصوت وقساوة العض فإن الجيم الشامية التي يملأ صوتها الفم هي أوحى بعملية العض التي يشترك فيها الفم والأسنان بمساحة واسعة دون قطع (عضّ على شفته).
وهكذا الأمر مع حجم النارَ (أوقدها). جرضه (خنقه). جرف السيل الوادي. جهلت القدر (اشتد غليانها). جعم الرجل. جرى ( اندفع في السير).
ومنه نرى أن الجيم الشامية قد تغلبت بالمفاضلة على الجيم القاهرية في عقر دارها مما يتعلق بالشدة والفعالية الماديتين.
ب- الزمرة الثانية:
ان الغالبية العظمى من مصادر هذه الزمرة الدالة على الضخامة والعظم والامتلاء ، لا تتوافق معانيها قطعا مع الإيحاءات الصوتية للجيم القاهرية ، لتتحول معها هذه المصادر إلى مصطلحات ورموز على معان دون إيحاء . وبذلك تتعطل هذه الخاصية الإيحائية في اللغة العربية التي تميزها أصلا من سائر اللغات.
فأين موحيات صوت الجيم القاهرية مثلا من معاني المصادر التالية:
جبل، جبجب. جحظت عينه . جشم (سمن). جشن (سمن وغلظ). جضّ (مشى متبخترا). جحدل الوعاء (ملأه)...... الخ.
جـ- الزمرة الثالثة:
ان هذه المصادر الدالة على حيوانات وعلى الجسد وأبعاضه . تتنافى معانيها جميعاً مع الخصائص الصوتية للجيم القاهرية. فأين القساوة التي يوحي بها صوتها من منظر وملمس مِمّا جاء في هذه الزمرة؟. مثال (الجؤزر ، الجاموس ، الجنين، الجلد، الجَفن ، الجثمان،....).
لابل إن صوت الجيم الشامية بايحاءاتها اللمسية والشمية والبصرية ، لهو أصدق إيحاء بمعاني هذه المسميات من صوت أي حرف آخر. وقد أطلق العربي على الجمل الهائج لفظة (الجيم) لهذا السبب بالذات.
د- الزمرة الرابعة:
باستقراء مصادر هذه الزمرة الدالة على أصوات يتضح أن صورها الصوتية (أي جملها الصوتية) إذا لفظت بالجيم الشامية تتطابق مع معانيها إلى أبعد الحدود، على العكس مما لو لفظت بالجيم القاهرية.
فلفظة (جشَّ الصوت) مثلاً بمعنى (اشتد وصار فيه بُحَّة)، تتطابق جملتها الصوتية إذا لفظت بالجيم الشامية مع طبيعة الصوت الإنساني عندما يشتد إلى الحدَِّ الذي تظهر فيه البحَّة.ولو لفظت بالجيم القاهرية لانعدم هذا التطابق بين الجملتين الصوتيتين، وتحولت اللفظة إلى رمز.
ولفظة (جئ جئ) ، وهي (دعاء للابل إلى الماء) ، قد لفظها العربي ولاشك بالجيم الشامية أي الصعيدية، ليقلد بها الأصوات التي تصدر عن الإبل عند ورود الماء فينبه بهذا الصوت شهية الإبل للماء بطريقة المحاكاة الطبيعية. ولو لفظت بالجيم القاهرية لتعطلت وظيفتها الإيحائية لعدم توافق جملتها الصوتية مع طبيعة صوت الإبل.
ولفظة (جعجع البعير) اشتد هديره تتطابق جملتها الصوتية مع الجملة الصوتية لهدير البعير فيما لو لفظت بالجيم الشامية ، على العكس مما لو لفظت بالجيم القاهرية.
وهكذا الأمر مع ألفاظ _جمجم، جأر، جهجه).
أما لفظة جرس الطائر(صوّت))، فهي الوحيدة التي تقبل الجيم القاهرية.
هـ- الزمرة الخامسة:
يلاحظ أن المصادر الواردة في هذه الزمرة تدل جميعا على انفعالات نفسية سلبية، وأن لها انعكاساتها المحسوسة على وجوه الناس وأصواتهم مما يشاهد بالعين أو يسمع بالاذن. ولمّا كانت هذه المصادر من شأن جملها الصوتية أن تنقل لنا أثر تلك الانفعالات على ملامح الوجوه في نبرات أصوات أصحابها ، فإننا نستطيع أن نقرر أنَّ حرف الجيم لم يتجاوز طبقته إلى الشعورية.فلفظة (جهشت نفسه) همَّت بالبكاء ، لابد أن تلفظ بالجيم الشامية. وذلك كيما تتطابق صورتها الصوتية مع انفعالات الحزن المرتسمة على قسمات وجه صاحبها، وكيما تتوافق أيضاً مع البوادر الصوتية الخاصة التي تترافق عادة مع ظاهرة الانتقال من حالة الحزن المكبوت، إلى البكاء الصريح. ولو لفظت بالجيم القاهرية لانعدم التطابق والتوافق بين معناها وبين جملتها الصوتية.
وهكذا الأمر مع (جشأت نفسه) ثارت للقيء، وجهث) استخفه الغضب أو الفزع .
أمّا لفظتنا (جبن وجزع) فهما تقبلان الجيمين معا، وذلك لانطواء معنييهما على انقباض نفسي يرافقه انقباض في الملامح ، وان كانت الشامية أوفى للغرض.
ومما تقدم يتضح أن الجيم الشامية هي الأصل، وأن القاهرية ما هي إلا لهجة بدوية لاحقة، ربما اقتضتها قساوة البداوة وشظف العيش.
وعلى الرغم من توزع الخصائص الصوتية لحرف الجيم بين مختلف الحواس ، فقد استطاع أن يفرضها على (5،65%) من معاني المصادر التي تبدأ به. وهذه النسبة تؤهله للانتماء إلى الحروف القويّة الشخصية.
ولئن تجاوزت بعض المصادر طبقته البصرية إلى السمعية والشعورية، فإن معانيها جميعاً تتوافق أصلاً مع الخصائص الصوتية للجيم الشامية كما مر معنا في تحليل المصادر الواردة في الزمرتين (جـ،د) ، مما يؤكد التزامه الشديد بطبقته.
ومما لاشك فيه أن الإنسان العربي قد استخدم الخصائص الصوتية للجيم الشامية بمعرض التعبير عن حاجاته ومعانيه ، بإحساس فني فائق الرهافة والدقة والذكاء.


(من خصائص الحروف العربية ومعانيها حسن عباس , دراسة منشورات اتحاد الكتاب العرب 1998.)

كتبها ونقلها حمزة الأمين الجبيلي ـــــ غفر الله له ولوالديه ــــ
........................
الرجل بلا صديق كاليمين بلا شمال.“

الخليل بن أحمد الفراهيدي