المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فتح العَلِيّ المُعِين بِتَبيّن المرادِ مِنْ مَقُولة (لَيْس بِشَيْء) عند ابن معين



أهــل الحـديث
07-11-2013, 08:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

فتح العَلِيّ المُعِين
بِتَبيّن المرادِ مِنْ مَقُولة (لَيْس بِشَيْء)
عند ابن معين
[دراسة نظرية تطبيقية]


إنّ الحمد لِلّه نحمدُه ونستعينُه ونستغفِرُه ونعوذ بِالله مِن شُرور أنفسُنا ومِن سيِّئات أعمالِنا.
مِن يهِده الله فلا مُضِلّ له ومِن يُضلِّل فلا هادي له وأشهد أنّ لا إله إلّا الله وحدِه لا شريك له وأشهد أنّ مُحمّدا عبدُه ورسولُه .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}.
أمّا بعد :



لا يُخالِف عاقِل أو يَشكُّ فاهِم ، أنّ السّنة النّبويّة على صاحِبِها أفضل الصّلاة وأتم السلام ، أحد أهم مَصادر التّشريع في دينِنا الإسلاميّ الحنيف ، والآيات والآحاديث والأقوال في ذلِك كثيرة جداً ، ليْس هذا موْضِع ذِكرِها أو مكان سردِها ، إنّما هى إشارة لطيفة لِهذا الإمر . ولمّا كانت السّنة كذلِك ، كان لابِد مِن حفظِها والعمل على تدوينِها ومِن ثَمَّ غربلتِهُا ، وتَميِّزُ صحيحها مِن عليلِها ، فَقيَّد الله لها رجّال أئِمّة أعلام جهابِذة حُفَاظ ، سهِروا الليال وأتموها بالعمل في النّهار ، في دِراسة هذِه الأحاديث وسبر طُرُقِها ، والإدلاج في الرحلة مِن أجل التّنقيب عن رواتِها ، والسُّؤال عنهُم ، ثُمَّ إطلاق الأحكام عليهُم تجرحاً كان أم تعديلاً .

قال خطيب أهل السُّنّة الإمام أبي مُحمّد عبد الله بن مُسلِم بن قُتيْبة - رحِمه الله تعالى -، مُتحدِثا عن مزية أهلّ الحديث وبعدهُم عن البِدع ومضان الغّي والهوَى :
((فأما أصحاب الحديث فإنهم التمسوا الحق من جهته، وتتبعوه من مظانه، وتقربوا إلى الله تعالى باتباعهم سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلبهم لآثاره وأخباره، براً وبحراً وشرقاً وغربا.
يرحل الرجل منهم راجلاً مُقُوياً في طلب الخبر الواحد، أو السنة الواحدة، حتى يأخذها من الناقل لها مشافهة.
ثم لم يزالوا في التَّنْقِير عن الأخبار والبحث لها، حتى فهموا صحيحها من سقيمها، وناسخها من منسوخها، وعرفوا من خالفها من الفقهاء إلى الرأي.
فنبَّهوا على ذلك حتى نجم الحق بعد أن كان عَافِيَا، وبسق بعد أن كان دَارساً، واجتمع بعد أن كان متفرقاً، وانقاد للسنن من كان عنها معرضا، وتنبه عليها من كان عنها غافلاً، وحكم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن كان يحكم بقول فلان وفلان وإن كان فيه خلاف على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد يعيبهم الطاعنون بحملهم الضعيف، وطلبهم الغرائب، وفي الغريب الداء.
ولم يحملوا الضعيف والغريب، لأنهم رأوهما حقاً، بل جمعوا الغَثَّ والسمين والصحيح والسقيم، ليُميِّزُوا بينهما، ويدلوا عليهما، وقد فعلوا ذلك.))[1] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn1)ا.ه

وقال الإمام أمير المُؤمِنين في الحديث سُفيان الثّوْري - رحِمه الله -: ((الملائكة حراس السماء، وأهل الحديث حراس دين الله في الأرض))[2] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn2)
معناه: أن الملائكة حرسوا السماء من الشياطين كما في الآية الثامنة من سورة الجن: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا} [الجن:8]

((وعلماء الحديث حرسوا الأرض عن شياطين الإنس لئلا يفسدوا الشرع بأكاذيبهم.
وصدق من قال: (العلماء حراس الله في الأرض، والملائكة حراس السماء).
وقال الشّيْخ المُحدث مُحمّد الأثيوبي - حفِظه اللّه - أبيّات مِن الشِّعر مِلئُها الحُسن وكِسائِها الرّوْنق والجمّال ، مادِحا أهل الحديث دائرا في فلك قوْل سُفيان الثّوْري السّابِق ، فقال:


لَمّا حَمَى اللَّهُ الكِتَابَ المُنْزَلاَ *** عن أن يُزَادَ فيه أوْ يُبَـــــدَّلا
أَخَذَ أَقْــــــــوَامٌ يزيدون عَلَى*** أخْبَارِ مَن أَرْسَلَهُ لِيَفْصِلاَ
فَأَنشـــــــــــأ اللَّهُ حُماةَ الدِّين*** مُميِّزِين الغـــثَّ عن سَمــينِ
قَـــدْ أيَّـــدَ اللهُ بِهِمْ أعْصــــارَا*** وَنَـــــوَّرُوا البِلاَدَ، والأَمْصارا
وَحَرَسُوا الأرضَ كَأمْلاكِ السّمَا *** أكْرِمْ بِفُرْسَانٍ يَجُولُونَ الحِمى
وقال ســــــفيان: الملائكةُ قَــدْ *** حرَسَتِ السَّمَاءَ عن طَاغِ مَرَدْ
وَحَرَسَ الأَرضَ رُوَاةُ الخَبَرِ*** عَنْ كُلِّ مَنْ لِكَيْدِ شَرْعٍ يَفْتَرِي
وابـــن زُرَيْعٍ قَال قَوْلاً يُعْتَبَرْ *** لِكــُـــــلِّ دِينٍ جَاء فُرْسَانٌ غُرَرْ
فُرْسَانُ هَذَا الدّين أصْحاب السَّنَدْ *** فَاسْلك سَبيلَهم فإنه الرَّشدْ[3] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn3)




قال الإمام الحافِظ اِبن حبّان البستي - رحِمه الله -، واصِفاً حالهم وفضلهم وعظيم ما قاموا بِه وفيه مِن عمل:((أمعنوا في الحفظ ، وأكثروا في الكتابة ، وأفرطو في الرحلة ، وواظبوا على السنة والمذاكرة والتصنيف والمدارسة ، حتى أخذ عنهم من نشأ بعدهم من شيوخنا هذا المذهب ، وسلكوا هذا المسلك ، حتى أن أحدهم لو سئل عن عدد الاحرف في السنن لكل سنة منها عدها عدا ولو زيد فيها ألف ، أو واو لاخرجها طوعا ولاظهرها ديانة ، ولولاهم لدرست الاثار واضمحلت الاخبار ، وعلا أهل الضلالة والهوى ))[4] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn4)

ثُمّ بعدّ هذِه الرّحلات الكثيرة الشّاقّة العظيمة ، أوَدعوا أسماء الرّجّال وأحوال الرّواة في كُتُب خاصّة ، فأُسّسَ ما عاد يُعرف ب :(( علِم الجرح والتّعديل )). ومِن أوَلائِك الأعلام الحفاظ ، عَلمٌ جهذ إمام ، يُدعى يحيَى بن معيّن .
هذا الثِّقة الثّبت الحُجّة ، كان مِن أكابِر مِن تكلّموا في الرّجّال جرحاً و تعديلاً ، وكانت له نظرة ثاقِبة وحُجّة باهِرة ، في توْصيف الرِّجّال وتصنيفهُم ، وله عبّاراتُه الخاصّة ، في التّجريح أو التّعديل ، كما كُلّ إمام جليل في هذا الفنّ ، ومِن تِلك العِبارات الّتي يُطلِقُها بِكثرة على الرّواة قوْله - رحِمه الله -:(( ليْس بِشيْء )) وقد تكلَّم الحُفاظ والعُلماء قديماً وحديثاً ، على تفسير هذِه العِبارة وتوْضيح مُراد الإمام مِنها ، ولكِن مع كُلّ هذا ، لم أر أحداً قد أفردَّها بِتصنّف وطول تحقيق ، وتطيبق مِن خِلال الكُتُب المُعتنيَة بِهذا الشّأن ، إذ مِن أنجع الطُّرُق لِلوُصول لِلمُراد والصّواب والفهِم الصّحيح لِعِبارة الأئِمّة مِن المُتقدِّمين ، هو النّظر في تطبّقاتِهُم العمليّة في كُلّ فنّ سواء أكان في الجرح والتعديل أم في التّصحيح والتّعليل أو في باقي قواعِد هذا الفنّ ونظريّاتِه.
قال الحافظ الذهبي-رحمه الله-: (ثم نحن نفتَقِرُ إلى تحرير عباراتِ التعديلِ والجرح، وما بين ذلك مِن العباراتِ المُتَجَاذَبَة. ثم أهَمُّ مِن ذلك، أن نَعلمَ بالاستقراءِ التامِّ عُرْفَ ذلك الإمامِ الجِهْبِذ، واصطلاحَه، ومقاصِدَه، بعباراتِه الكثيرة.)[5] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn5) ا.ه

فأحببت أن أُزاحِم الأفاضل ، وأن أتطفّل على موائدِهُم ، وألِج هذا المِضمار ، فأخترت أنّ أقوَم بِدِراسة هذا القوْل الصّادِر بِكثرة عن هذا الإمام ، مِن خِلال كُتُب الجرح والتّعديل مِثل :
- الجرح والتّعديل لإبن أبي حاتِم
- الضّعفاء الكبير لِلعقيلي
- الكامِل في الضّعفاء لإبن عدّي
- ميزان الإعتدال لِلذّهبيّ
- تهذيب التّهذيب لإبن حجر العسقلانيّ
وغيْرها ..

والإمام الحافِظ اِبن معيّن له أقوّالٌ كثيرة عظيمة في هذا الشّأن ، وتحديد عِبارات الأئِمّة بِدِقّة يُعِدّ مِن أهمّ ما يبذُلُه طالِب هذا العِلم ، لمّا له مِن شديد خطر ، وعظيم زلل إنّ لم تفهم أطلاقاتِهم على الوَجه المُراد الصّحيح ، إذ مِن أعظم أسباب وأدواة الحُكم على الأحاديث والأثار هو هذا العِلم ، وتصنيف راوة السّند تعديلاً أو تجرحاً ، لِتصِل لِلحُكم الصّائِب والإطلاق الصّحيح على الأحاديث صِحّة وضِعفاً ، وأحسب أنّ هذا الأمر لايخفى على كُلّ مُمارِس لِهذا العمل وسائِر فيه ومُتعاطيَه . فكانت هذِه الرِّسالة اللّطيفة ، وقد حوَت :

الفصل الأوّل : ترجمة الإمام يحيَى بن معيّن ، وفيه :
- الباب الأول : أسمّه ونسُبُّه .
- الباب الثّاني : موْلِدُه .
- الباب الثّالِث : شُيوخُه .
- الباب الرّابع : تلاميذُه .
- الباب الخامس : ثناء العُلماء عليه .
- الباب السّادس : وفاته .

الفصل الثّاني :
- ذِكر أقوال العُلماء في تفسير قوْل الإمام يحيَى بن معيّن :(( ليْس بِشيْء )) ومناقشتها وتبين الرّأي الرّاجِح مِنها، وفيه:
- من قال أنه يريد بها قلة أحاديث الراوي.
- من قال أنه يريد بقوله الجرح الشديد للراوي.

الفصل الثّالِث :
- الدِّراسة التّطبيقيّة ، لِهذا القوْل مِن خِلال النقول التي الّتي نقلت عنه في حق الراوة ، مع مُقارنتِها بِأقوال الأئِمّة النقاد.
ثُمّ خَتمتُ هذِه الدِّراسة ، بِخُلاصة ما توصِلتُ إليه ، وأتبعتِها بِفهارِس ، لِكُلٍّ مِن :
- سرد الرّواة الّذين تمّ ذِكرُهُم في هذِه الرِّسالة بحسب حُروف المُعجم .
- فهرس لِلأعلام .
- فهرس لِلمراجِع .
- فهرس لِلموْضوعات .
هذا وقد بذلت جُهدِي وكامِل وُسعي ، لِلوُصول لِنتيجة صائِبة مِن تحديد مُراد الإمام اِبن معيّن مِن هذِه العِبارة .
فإنّ أصبتُ فمنّ اللّه ، وإنّ أخطأت فمِني ومِن الشّيْطان . هذا واللّه أعلم وصلّى اللّه على نبيِّنا مُحمّد وعلى آله وصحله وسلّم .



وكتبه؛
أبو بكر الأثري
1434 ه



--------------------------------



[1] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn1) تأويل مختلف الحديث، لإبن قتيبة ص(266)
[2] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn2) انظر :سير أعلام النبلاء (7/274) وشرف أصحاب الحديث ص(91) ومفتاح الجنة في الإحتجاج بالسنة للحافظ السيوطي ص(49
وتاريخ أهل الحديث لأحمد الدهلوي المدني ص(43).
[3] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn3) انظر: قناص الشوارد الغالية وإبراز الفوائد والفرائد الحديثية للحدوشي ص(3-4) .
وإمداد السقاة لدلو الرواة. له إيظاً. ص(13-14).
[4] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn4) المجروحين من المحدثين لإبي حاتم البستي (1/55) وانظر: منهج المتقدمين في التدليس ص (45-46).
[5] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn5)الموقظة. ص(82)