المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كما تكونوا !! يُولى عليكم!!!



أهــل الحـديث
07-11-2013, 01:00 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي(وفقه الله)، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بها.


كما تكونوا !! يُولى عليكم!!!

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن الأصل أيها الأفاضل في الذي يتولى أمور المسلمين أن يخاف الله جل وعلا فيهم، فيعدل بينهم،ولا يظلمهم ولا يتعدى عليهم،ولا يستأثر بالخيرات لنفسه! أو يعطي بعضهم ويمنع الآخرين!، لأنه مستأمن عليهم، والله جل جلاله سيسأله عنهم يوم القيامة،فعن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مسؤول عن رَعِيَّتِهِ فَالْأَمِيرُ الذي على الناس رَاعٍ وهو مسؤول عن رَعِيَّتِهِ....".رواه البخاري (853) ومسلم(1829)واللفظ له.
يقول الإمام النووي –رحمه الله-:"قال العلماء :الراعي، هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره، ففيه أن كل من كان تحت نظره شيء فهو مطالب بالعدل فيه ،والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته".الشرح على صحيح مسلم (12/213)
ولكنَّ العليم الجبار لحكمة منه سبحانه قدر كونًا أن يتسلط بعض حكام المسلمين على شعوبهم، فيخالفوا ما أمروا به تجاههم من عدل وإنصاف فيهم،فيكون منهم الظلم والتعدي والاستئثار، ،فعن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا...".رواه البخاري(6644) ومسلم (1843) واللفظ له.
يقول القاضي عياض-رحمه الله- :" أي يستأثر عليكم بأمور الدنيا، ويفضل غيركم عليكم نفسه, ولا يجعل لكم في الأمر نصيب".مشارق الأنوار (1/ 18)
أيها الأحبة الكرام إن من رحمة نبينا صلى الله عليه وسلم بنا أن دلَّنا على كل ما فيه النفع والسرور وحذرنا من كل ما فيه الضرر والشرور في هذه الدنيا الفانية وفي الآخرة الباقية،ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم بين لنا أن ظلم الولاة وجورهم واستئثارهم بالأموال وعدم صرفها لأصحابها لا يمنع ذلك من السمع والطاعة لهم وعدم الخروج عليهم، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم للصحابة رضوان الله عنهم بعد أن سألوه،وقالوا له: كَيْفَ تَأْمُرُ من أَدْرَكَ مِنَّا ذلك؟فقال صلى الله عليه وسلم : "تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الذي عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الذي لَكُمْ".رواه البخاري (6644)ومسلم (1843) واللفظ له.
يقول الإمام النووي-رحمه الله-:"وفيه الحث على السمع والطاعة وإن كان المتولي ظالما عسوفا،فيعطى حقه من الطاعة، ولا يخرج عليه ولا يخلع،بل يتضرع إلى الله تعالى في كشف أذاه ودفع شره وإصلاحه".الشرح على صحيح مسلم (12/232)
ويقول الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- :"قوله صلى الله عليه وسلم:(تؤدون الحق الذي عليكم) يعني: لا يمنعكم استئثارهم بالمال عليكم أن تمنعوا ما يجب عليكم نحوهم من السمع والطاعة وعدم الإثارة وعدم التشويش عليهم، بل اصبروا واسمعوا وأطيعوا ولا تنازعوهم الأمر الذي أعطاهم الله (وتسألون الله الذي لكم) أي: اسألوا الحق الذي لكم من الله، أي: اسألوا الله أن يهديهم حتى يؤدوكم الحق الذي عليهم لكم، وهذا من حكمة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه عليه الصلاة والسلام علم أن النفوس شحيحة، وأنها لن تصبر على من يستأثر عليهم بحقوقهم، ولكنه عليه الصلاة والسلام أرشد إلى أمر قد يكون فيه الخير، وذلك بأن نؤدي ما علينا نحوهم من السمع والطاعة وعدم منازعة الأمر وغير ذلك، ونسأل الله الذي لنا، وذلك إذا قلنا: اللهم اهدهم حتى يعطونا حقنا، كان في هذا خير من جهتين.
وفيه دليل على نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أخبر بأمر وقع، فإن الخلفاء والأمراء منذ عهد بعيد كانوا يستأثرون بالمال، فنجدهم يأكلون إسرافا، ويشربون إسرافا، ويلبسون إسرافا، ويسكنون إسرافا ويركبون إسرافا، وقد استأثروا بمال الناس لمصالح أنفسهم الخاصة، ولكن هذا لا يعني أن ننزع يدا من طاعة، أو أن ننابذهم، بل نسأل الله الذي لنا، ونقوم بالحق الذي علينا.
وفيه- أيضا -استعمال الحكمة في الأمور التي قد تقتضي الإثارة، فإنه لا شك أن استئثار الولاة بالمال دون الرعية يوجب أن تثور الرعية وتطالب بحقها، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر بالصبر على هذا، وأن نقوم بما يجب علينا، ونسأل الله الذي لنا". شرح رياض الصالحين(1/280)
وسبب تحذيره صلى الله عليه وسلم من الخروج على ولاة الأمر، وأمره لأمته بعدم كسر عصا الطاعة، لعلمه بأن الخروج هو فتنة عظيمة وشر كبير، يؤدي إلى قتل الأنفس البريئة وانتهاك الأعراض وإضعاف شوكة المسلمين.
يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله-:" فإنه أَسَاسُ – أي الإنكار على الولاة والملوك بالخروج عليهم-كل شر وفتنة إلى آخر الدهر، .... ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار، رآها من إضاعة هذا الأصل، وعدم الصبر على مُنْكَرٍ فطلب إزَالَتَهُ فَتَوَلَّدَ منه ما هو أكبر منه".إعلام الموقعين( 3/4)
ولهذا كان من أصول أهل السنة والجماعة التي خالفوا فيها أهل البدع والأهواء أنهم يرون طاعة ولاة الأمور في غير معصية الله جل جلاله، وإن جاروا وظلموا ولا ينازعونهم الملك.
يقول عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ (رحمه الله):"فطاعة ولي الأمر وترك منازعته طريقة أهل السنة والجماعة، وهذا هو فصل النزاع بين أهل السنة وبين الخوارج والرافضة".الدرر السنية (9/92)
أيها الأفاضل إن الذي أحببت أن أتطرق إليه في هذا المقال،- الذي أسأل الله جل وعلا أن ينفع به كاتبه وقارئه- هو أن أجيب عن سؤال يتردد في ذهن الكثير من المسلمين لكن -وللأسف- نجد أن بعضهم! يجهل الجواب عنه مع وضوحه!! والبعض الآخر تغافلوا عنه وأهملوه!!.
ألا وهو! ما سبب تسلط وظلم بعض ولاة أمر المسلمين وعمالهم للرعية!!خاصة في وقتنا الحاضر؟!!،ولماذا لا يتولى الأخيار على المسلمين بدل الأشرار!!؟.
فالجواب أيها الأحباب، هو سهل على من وفقه العزيز الوهاب للصواب، ألا وهو أننا وللأسف-إلا من رحم الله جل جلاله- السبب الرئيسي في هذا الداء !!.
يقول الشيخ السعدي –رحمه الله-:"فهل آن للذين يتجنون بالشكوى من ولاة أمورهم أن يعقلوا عن الله سننه وحكمته فيعلموا أن الداء ليس في الحكام والولاة فقط،وإنما الداء في الأمة والصورة المصغرة التي استأمنه الله من أمانات،وأن الولاة، إنما هم من أفراد الأمة والصورة المصغرة التي تمثل الأمة وتصورها،ولكن أكثر الناس لا يعقلون".القواعد الحسان في تفسير القرآن(ص 116)
فكيف بالله عليكم أيها الأحباب يتولى علينا أهل الصلاح والإيمان!ونرى أنواع الشرك بالواحد المنان قد فشى في كثير من البلدان! من دعاء أصحاب القبور والاستغاثة بهم والذبح لغير الرحمن؟!.
ونشاهد البدع والمحدثات يؤتى بها وترفع لها الرايات! ولا إنكار ولا نهي عن ذلك حتى من بعض من يُعد من الدعاة!! إلا من رحمه رب البريات؟!.
وكيف يحكمنا أهل الخيرات! والكثير من المسلمين مفرط في الواجبات! حتى بالإتيان بالصلوات؟!.
وكيف يتولى أمرنا أهل الطاعات! وبيوتنا أصبحت تعجٌّ بالمنكرات!من أكل الربا والمحرمات، وارتفاع أصوات المعازف، ووضع الصور والمجسمات؟!.
كيف يتولى أمرنا أهل الصلاح! والكثير من المسلمين والمسلمات غارق في الشهوات والملذات والملهيات؟!.
يقول الإمام عبد الرحمن بن مهدي –رحمه الله- :"كتب أخو محمد بن يوسف إلى أخيه يشكو إليه جور العمال، فكتب إليه محمد:"يا أخي بلغني كتابك،وأنه ليس ينبغي لمن عمل بالمعصية أن ينكر العقوبة،وما أرى ما أنتم فيه إلا من شؤم الذنوب". طبقات المحدثين بأصبهان لأبي الشيخ الأصبهاني(2/24)
فهل ولاة أمر المسلمين! وعمالهم! هم الذين ألزمونا بارتكاب المحرمات؟! أو أننا نحن الذين تركنا الطاعات و تجرئنا على حدود رب الأرض والسموات!.
يقول الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- :" أما والشعب كما نعلم الآن؛ أكثرهم مفرط في الواجبات، وكثير منتهك للحرمات، ثم يريدون أن يولي الله عليهم خلفاء راشدين، فهذا بعيد ".شرح رياض الصالحين(3/233)
أيها الأحبة الكرام إن من عدل الله جل جلاله وحكمته أن يكون ولاة أمر الناس على حسب أعمالهم، فإذا غلب عليهم الخير والصلاح تولى عليهم خيارهم،وإذا كثر فيهم المنكر والظلم تولى أمرهم شرارهم،فولاتهم على قدر أعمالهم.
يقول الإمام الطرطوشي –رحمه الله- :"لم أزل أسمع الناس يقولون: أعمالكم عمالكم، كما تكونوا يولى عليكم، إلى أن ظفرت بهذا المعنى في القرآن؛ قال الله تعالى:(وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون)[ الأنعام:129]". سراج الملوك(ص94)
يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله-:"ولما كان الصدر الأول خيار القرون وأبرها كانت ولاتهم كذلك، فلما شابوا شابت لهم الولاة فحكمة الله تأبى أن يولي علينا في مثل هذه الأزمان مثل معاوية وعمر بن عبد العزيز فضلا عن مثل أبي بكر وعمر،بل ولاتنا على قدرنا، وولاة من قبلنا على قدرهم".مفتاح دار السعادة (1/254)
ويقول الشيخ السعدي –رحمه الله- في تفسيره للآية:"كذلك من سنتنا،أن نولي كل ظالم ظالما مثله، يؤزه إلى الشر ويحثه عليه، ويزهده في الخير وينفره عنه، وذلك من عقوبات الله العظيمة الشنيع أثرها،البليغ خطرها،والذنب ذنب الظالم، فهو الذي أدخل الضرر على نفسه،وعلى نفسه جنى (وما ربك بظلام للعبيد)[ الحج:10]،ومن ذلك أن العباد إذا كثر ظلمهم وفسادهم، ومنعهم الحقوق الواجبة،ولى عليهم ظلمة يسومونهم سوء العذاب ويأخذون منهم بالظلم والجور أضعاف ما منعوا من حقوق الله وحقوق عباده على وجه غير مأجورين فيه ولا محتسبين ، كما أن العباد إذا صلحوا واستقاموا،أصلح الله رعاتهم، وجعلهم أئمة عدل وإنصاف، لا ولاة ظلم واعتساف".تفسير السعدي (ص 273)
إن الكثير من المسلمين اليوم يتمنون أن يحكمهم ولاتهم بالعدل والإنصاف! ونجد أن منهم – إلا من رحم الله جل جلاله- لا يعدل ولا يعطي حق الآخرين ،حتى من أقرب الناس إليه كأهله وأقربائه!.
يقول عبد الملك بن مروان –رحمه الله- : " أنصفونا يا معشر الرعية، تريدون منا سيرة أبي بكر وعمر ولا تسيرون فينا ولا في أنفسكم بسيرة رعية أبي بكر وعمر نسأل اللّه أن يعين كلاً على كل".عيون الأخبار لابن قتيبة(ص 4)
فعلينا أيها الأحبة الكرام أن نبتعد عن الظلم والعصيان ونرجع إلى طاعة الرحمن إذا أردنا أن يتولى أمورنا أهل الصلاح والإيمان!، يقول تعالى:(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) [ الرعد:11].
يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- "فإن غير-أي العبد-المعصية بالطاعة غير الله عليه العقوبة بالعافية، والذل بالعز".
الجواب الكافي(ص 49)
يقول الشيخ السعدي-رحمه الله- :"إذا غير العباد،ما بأنفسهم من المعصية،فانتقلوا إلى طاعة الله، غير الله عليهم ما كانوا فيه من الشقاء،إلى الخير والسرور والغبطة والرحمة".تفسير السعدي (ص 414)
وعلينا أن نرجع دائما أيها الأفاضل إلى العلماء الربانيين الذي عُرفوا بالتمسك بالوحيين، وهدي من سبقهم من الصالحين ، ولهذا نجدهم يحثون المسلمين على عدم الخروج على ولاتهم، وإن جاروا عليهم وظلموهم!!، لما يترتب على ذلك من خطر جسيم وشر عظيم من سفك للدماء و التعدي على الأبرياء وفرح الأعداء، فالعلماء الأتقياء هم أعلم بآثار الفتن وأبصر بعواقبها من الجهلة الدهماء.
يقول الإمام الحسن البصري-رحمه الله-:"الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم،وإذا أدبرت عرفها كل جاهل".الطبقات الكبرى لابن سعد ( 7/166)
ولنحذر أشد الحذر من الجهلة وأنصاف المتعالمين الذين يشجعون على الثورات!ويؤيدون المظاهرات والاعتصامات! التي ما جرَّت على المسلمين إلا الويلات، فإن الناظر عبر التاريخ يجد أن الخروج على ولاة الأمور لم يتولد عنه إلا كل ضرر وشرور.
يقول الإمام الحسن البصري-رحمه الله-:" لو أن الناس إذا ابتلوا من قبل سلطانهم صبروا ما لبثوا أن يفرج عنهم، ولكنهم يجزعون إلى السيف فيوكلون إليه فو الله ما جاؤوا بيوم خير قط ثم تلا :(وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون)[الأعراف:137]".الشريعة للآجري(1/ 374 )
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-:" وقلَّ من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير...".منهاج السنة النبوية (4/527)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يردنا جميعا إلى تطبيق تعاليم الإسلام، ويُبعدنا عن المعاصي والآثام ، ويولي على المسلمين من يطبق عليهم هدي خير الأنام فهو سبحانه القادر على ذلك ، والحكيم العلام.


وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


أبو عبد الله حمزة النايلي