المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : [ الشيخ بن باديس-رحمه الله تعالى- والديمقراطية ]ضمن سلسلة ( التنبيهات السَّلفية..)[1]



أهــل الحـديث
05-11-2013, 07:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


[C
OLOR="Blue"]بسم الله الرحمن الرحيم[/COLOR]



[ الشيخ بن باديس-رحمه الله تعالى- والديمقراطية ]



الحمد لله – جل في علاه – القائل:{ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ }، والقائل – وقوله الحق -: { إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ }.

و الصلاة و السلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..

أما بعد:

فهذه كلمات ضمن سلسلة ( التنبيهات السَّلفية على أغلاط عقدية ) ظهرت – لي- في بعض المقالات و الكتابات لمشايخ وكُتَّاب ينتمون لدعوة أهل السنة والسَّلفية، وأخص بالذكر منهم رجال ( جمعية العلماء المسلمين الجزائريين )..

وحقيقة تلك الأغلاط: مخالفات لصريح منهج و عقيدة أهل السنة و الجماعة ( السلف الصالح)..

فامتثالا لقول نبينا – صلى الله عليه و سلم - : ((الدين النصيحة))، ومشاركةً منِّي في النصح للخلق و بيان الحق، سطَّرت بعض ما ينبغي ذكره في هذه السلسلة، سائلا الله – جل وعلا – أن ينفعني و القُرَّاء بها، يوم لا ينفع مال ولا بنون..



[ الشيخ بن باديس-رحمه الله تعالى- والديمقراطية ]

ولد الشيخ عبد الحميد بن باديس- رحمه الله تعالى-بتاريخ: (4/ديسمبر/1889م) بقسنطينة شرق الجزائر ، وانحدر من أسرة عريقة، ورغم نفوذها السياسي منذ قرون إلا أنها أعلنت ولاءها للفرنسيين في وقت مبكر من الإحتلال بحكم مكانتها البارزة في المجتمع، وجده (المكي بن باديس) كان قاضيا، و أول مستشار عام بقسنطينة لدى الفرنسيين، وقد تقلد وساما من يد نابليون الثالث، ودُعي للإستشارة في الجزائر، وباريس.

أما أبوه فقد كان مندوبا ماليا و عضوا في المجلس الأعلى، وباش آغا شرفيا، كما ذكر الأستاذ: عبد الكريم بوصفصاف في كتابه: (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين و علاقتها بالحركات التحررية الجزائرية الأخرى) ، والشيخ – رحمه الله - من خريجي جامعة الزيتونة، ومن أبرز الدعاة المصلحين من رجال ( جمعية العلماء المسلمين الجزائريين )، وله جهود في الدعوة و الإصلاح الإسلامي - لا تنكر - متأثرة بأفكار: جمال الدين الأفغاني و محمد عبده و الطاهر بن عاشور و محمد رشيد رضا وغيرهم؛ ممن انحرف عن العقيدة السلفية المحضة على تفاوت بينهم..

توفي- رحمه الله تعالى، و غفر له، و أسكنه فسيح جناته- بتاريخ: (16/أفريل/1940م)، وبموته خسرت الجزائر رجلا من رجالها المصلحين، الذابين عن الدين، وسيفا مصلتا على التيجانيين المبتدعين في الدين، و فرقة "العليوي" الحلوليين..

أسأل الله -تعالى- أن يغفر زلاته و يرفع درجاته، اللَّهم آمين.



[حقيقة الديمقراطية ولوازمها ]

أخي القاري؛ إن موضوع ( الديمقراطية ) ألفت فيه المؤلفات، وكثرت فيه الكتابات، وكل مؤلف له وجهة فيها هو موليها، والذي يهمني وإياك منها:

1-معرفة حقيقتها، والبراءة منها، ومن أهلها، وتنبيه المخدوعين بها.

2-تعظيم قدر الحكم بما أنزل الله، والدعوة إليه.

ولذلك أحيلك – يا باغي الخير - على المصادر التالية:

-(حقيقة الديمقراطية و أنها ليست من الإسلام) لفضيلة الشيخ العلامة محمد أمان الجامي – رحمه الله تعالى –، وهو من أحسنها على وجازته.

-(تنوير الظلمات لكشف مفاسد و شبهات الانتخابات) للشيخ محمد بن عبد الله الإمام- وفقه الله تعالى-.

-(مذاهب فكرية معاصرة) للأستاذ محمد قطب- وفقه الله تعالى- وهو من الكتَّاب المعاصرين الذين لهم خبرة في القوانين الدوليَّة.

-(حقيقة الديمقراطية) للأستاذ محمد شاكر الشريف-وفقه الله تعالى-.

-(الديمقراطية: مفهومها-حكمها-وقفات مع لقائلين بها-المصالح المتوهمة فيها) للشيخ أحمد بن الكوري العلوي الشنقيطي-وفقه الله تعالى-، ومع إفادته إلاَّ أنني استغربت الكثير من نقولاته عمن غلا في التكفير و استوطن بلاد الكفار و المشركين و أقر نشراً - في موقعه - مقالات لقائلين بالديمقراطية لبعض الغلاة في التكفير من الجزائريين، والله المستعان.



[الديمقراطية ليست من الإسلام]

بعد الإطلاع على ما سبق في موضوع الديمقراطية، تلاحظ - أخي الكريم - بمقتضى تعريف أهلها ما يلي:

-الديمقراطية لفظة أجنبية يونانية، ومعناها: حكم الشعب، وهي تعني: أن الشعب يحكم نفسه بنفسه (حكم الشعب بالشعب) فالشعب مصدر السلطة!.

-للديمقراطية عناصر أساسية لا بدَّ من توافرها؛ ليكون النظام ديمقراطيا، ومن أهم تلك العناصر عنصران اثنان:

أحدهم/ السيادة والسلطة للشعب: السلطة التشريعية، و السلطة القضائية، و السلطة التنفيذية.

ثانيهما/ الحقوق و الحريات مكفولة قانونيا لكل فرد يعيش تحت ذلك النظام: ومن بين الحريات المكفولة في النظام الديمقراطي: حرية العقيدة = حرية الرِدَّة.


[حقيقة الحكم الإسلامي]

ومن خلال الإطلاع على كلام لبعض العلماء فيما يتعلق بتوحيد العبادة – كما في شرح كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى وغيره - خلصتُ إلى نتائج ملخصها في نقاط:

-العقيدة الإسلامية توجب على المسلمين توحيد الله في عبادته، بما في ذلك توحيده في حاكميته، و أنه سبحانه له الحكم وحده، قال تعالى: ( إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).

-الله سبحانه وتعالى هو الذي يشرِّع وحده، ومحل التشريع الإلهي الكامل الكتاب و السنة الصحيحة، قال الله تعالى: (ولا يشرك في حكمه أحدا)، وقال تعالى: (قل إنما أنذركم بالوحي).

-قضاء وتنفيذ ذلك ( التشريع = حكم الله ) يتولاه ولاة أمور المسلمين، من ولي الأمر رئيس الدولة، ورجال حكومته، من وزرائه و أمرائه و رجال الشورى و القضاء..

-وليُّ الأمر في النظام الإسلامي مسئول أمام الله، ليطبق في شعبه نظام الحكم الإسلامي فقط، وانطلاقا من هذه المسئولية؛ فعليه أن يطبق نظام الشورى الإسلامي، فيتشاور قبل البتِّ مع أهل العلم و الخبرة و التخصُّص فيما يحتاج إلى تشاور.

- الحريات في الإسلام مقيدة بقيود الشريعة، و حرية العقيدة و الأديان موقف الإسلام منها واضح، إذ يقول رسول الهدى محمَّد -صلى الله عليه و سلم-: ((من بدَّل دينه، فاقتلوه)) [متفق عليه].



[لا ديمقراطية في الإسلام]

أخي الكريم ؛ إذا تبينت لك حقيقة الديمقراطية، وأنها ليست من الإسلام، بل هي:

-رأي يوناني خبيث.

- فكرة إلحادية ونظام أجنبي.

-بله: نظام جاهلي و طاغوتي.

وتبين لك أنها : تشريع من دون الله و شرك في الطاعة و الإتباع، وهذا النوع من الشرك يُعتبر في الوقت الحاضر هو السِّمة المشتركة بين الجاهليات المعاصرة كلها من الديمقراطية و أصلها العلمانية، وكلها من الجاهليات.

إذا تبين لك حقيقة كل ذلك؛ فهل يصح بعد ذلك أن يقال:

( الديمقراطية الحقيقية عند العرب لا في غرب القرن العشرين)

أو: (النظام الصحيح هو النظام الديمقراطي المعتدل الذي لا إفراط فيه ولا تفريط)

أو: (والديمقراطية رأي يوناني نظري جميل)

أو: (والدَّاعي إليها – أي الديمقراطية- مأجور)

أو: (ولابد أيضاً من هيئات لتشريع القانون وتطبيقه وتنفيذه)..الخ.

إن كان الجواب بـ : ( لا ) ..

فالحقيقة المرة أن هذه أقوال الشيخ ابن باديس و رجال جمعيه، وإليكها معزوةً بالمصدر موثقة غير ملفقة:



[قول بن باديس و أعضاء جمعية العلماء بالديمقراطية]

فمن باب التنبيه و النهي عن المنكر - خاصة مع وجود من يروج للديمقراطية إما (تقريرا) أو (دفاعا)، إمَّا عن حسن نية أو العكس-، أنقل لأخي القاري بعض الأقوال الصريحة للشيخ ابن باديس و بعض رجال جمعيته، فحواها: إقرارٌ للديمقراطية، و تلميع لها، ومناداة أهلها للحكم في الخصومة مع الاستعمار؛ ولم يكتف الشيخ – عفا الله عنه –ولا الرجال البارزين في الجمعية بهذا بل دعو إلى الأخوَّة الإنسانية واحترام الأديان وحريتها، كما في جريدة "الشهاب" (السنة الثانية، العدد:49/ص:3) تحت عنوان (أيها المسلم الجزائري!) بتوقيعه، حيث قال بن باديس:((كن أخاً إنسانيا لكل جنس من أجناس البشر للإفرنسي للإسرائلي لغيرهما..)).اهـ

وقال كما في (الآثار: 4/204) : ((نعم نهضنا نهضة:نبني على الدين أركانها، فكانت سلاماً على البشرية لا يخشاها – والله -النصراني لنصرانيته، ولا اليهودي ليهوديته، بل ولا المجوسي لمجوسيته، ولكن يجب – والله - أن يخشاها الظالم لظلمه، والدجال لدجله، والخائن لخيانته)).اهـ.

وقال الشيخ الطيب العقبي - عفا الله عنه –كما في جريدة "الشهاب" (11/326) (غرة جمادىالأولى:1354هـ/أوت:1935):((..ويكفي في نظري لربط العلائق بين المتدينين من المسلمين و المسيحيين أن يعمل كل منهما بما جاءت به تعاليم دينه الصحيح، ومتى حققوا العمل بما جاء به (سيدنا عيسى) و (سيدنا محمد) صلى الله وسلم عليهما من مظاهر العدل و الرحمة كانوا أمة واحدة تعمل لخير الإنسانية و صالح هذا المجتمع الإنساني الذي يجب أن تراعي له كرامته و يجب أن لا يحتقر أو يهان في حال من الأحوال)).اهـ. وهذا مخالفا لقول النبي -صلى الله عليه و سلم-: (لو كان أخي موسى حيا ما وسعه إلا إتباعي )،[ رواه ابن عبد البر المالكي في ( جامع بيان العلم وفضله ) ]، وينظر قوله بالديمقراطية كما في جريدة "البصائر" (السنة الأولى، عدد:49/ص:2).

و ردّ هذه الأقوال الشنيعة الفضيعة – ومثيلاتها - المخالفة للعقيدة السلفية المحضة، سيأتي في مقالة : (الأخوة الإنسانية وحرية الأديان عند الشيخ ابن باديس.. )، نسأل الله العافية و السلامة، و إلى أقوالهم في (الديمقراطية):



1-أقوال الشيخ عبد الحميد بن باديس:

ـ قال كما في (الآثار:3/166) تحت عنوان: (الديموقراطية عند العرب): (( الديمقراطية الحقيقية عند العرب لا في غرب القرن العشرين....)).اهـ

ـ و قال كما في (الآثار:5/182) تحت عنوان: (الانتخابات و تمثيل الأمة): ((..ليست الحرية إلا (السلطة على إتيان كل شيء لا يضر بالغير)،فإذا لابد من نظام تعرف به حقوق النفس من حقوق الغير، ويوصل كل أحد إلى حقه ويوقفه عند حده، ولابد أيضاً من هيئات لتشريع القانون وتطبيقه وتنفيذه.

ولا تسلم حرية الشعب والفرد من الأذى وكرامته من المساس إلا إذا كانت هاته الهيئات منه لا من غيره.

والطريق الموصل إلى تكوين هذه الهيئات هو الانتخاب العام الحر الذي تعرب فيه جميع طبقات الأمة عند إرادتها في اختيار هيئاتها.. )).اهـ

ـ وقال كما في (الآثار:5/252): (( إن القياصرة سادوا الأمة الروسية أنواع الخسف والذل باستبدادهم، وأن لنين ورفقاءه رموا بها في تجربة مؤلمة بفشلهم، ولعل ما شاهدته الأمة الروسية من البلايا والمحن في العهدين يعرفها هي وغيرها، أن النظام الصحيح هو النظام الديمقراطي المعتدل الذي لا إفراط فيه ولا تفريط)).اهـ


2-أقوال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي:

ـ قال كما في (آثاره:2/376): ((و الأستاذ إنعام الله خان يمثل ديمقراطية الإسلام الصحيحة، فهو يتمنى الخير لجميع الناس بشرط أن يكون حظ المسلمين من ذلك الير موفورًا..)).اهـ

ـ و قال كما في (آثاره:2/376): (( والديمقراطية رأي يوناني نظري جميل، منسوب إلى اسم صاحبه، وهو قائم على أن الشعب مصدر السلطة، ومن ثم فهو صاحب الحق في الحكم و التشريع، وعلى أن الأفراد متساوون في هذا الحق، ويناقضه رأي آخر يوناني النشأة أيضاً، اصطرع الرأيان في ميدان الجدل، ثم اصطرعا في ميدان العمل حتى أصبحا مذهبين في سياسة الحكم، وبابين في فلسفة الاجتماع، وكانت هذه الآراء الجميلة في الحياة مثل رأي ديمقراط تدور بين فلاسفة اليونان و قياصرة الرومان، أولئك يدرسونها جدلاً، وهؤلاء يدرسونها عملاً، إلى أن انتصف الله للحق بالإسلام، فجاء بالشورى و المساواة - حكماً من الله - وأين حكم العقول من حكم خالق العقول؟ وجاء عمر فلقَّن العالم درساً عملياً في المثل الأعلى للحكم، ثم جاءت الحضارة الغربية المجتهدة في إثمار الحقول، المقلدة في أثمار العقول، وكان من آثار التعصّب فيها للآريَّة و المسيحية أنها آثرت الديمقراطية على العُمَرية، آثرتها في التسمية و النسبة، أما في التطبيق و العمل، فإن هذه الحضارة - وهي حاضنة المتناقضات - اتسعت لرأي ديمقراط و لرأي ميكيافيلي صاحب كتاب ((الأمير))، فإذا أرادت التلبيس ألبست الثاني ثوب الأول.

لم تُظلَم هذه الكلمة ما ظُلمت في هذه العهود الأخيرة، فقد أصبحت أداة خداع في الحرب و السلم، وجاءت الحرب فجندها الاستعمار في كتائبه، وجاء السلم فكانت سرابًا بقيعة، ولقد كثر أدعياؤها و مدَّعوها و الداعون إليها، والمدعي لها مغرور، والدَّاعي إليها مأجور، والدعيّ فيها لابسٌ ثوب زور.

أصبح استعمار الأقوياء للضعفاء ديمقراطية، وتقتيلهم للعزل الأبرياء ديمقراطية، ونقض المواثيق ديمقراطية.

لك الله أيتها الديمقراطية..)).اهـ


3-أقوال الشيخ العربي بن بلقاسم التبسي:

ـ قال كما في (مقالات في الدعوة: 1/180): ((الإسلام في الجزائر بمعابده و أوقافه و رجاله كانت تتصرف فيه تركيا بحكم أنها خلافة إسلامية لا بحكم انها دولة دنيوية.

فكيف تحل فرنسا الاستعمارية محلها في الاستيلاء على الإسلام و شؤونه؟

أيها السادة. هذا هو الدور الأول الذي اعتدت فيه الحكومة الفرنسية الاستعمارية على مبدأ من مبادئ الديمقراطية وهو مبدأ الدولة مفصولة عن الدين)).اهـ

ـ وقال كما في (مقالات في الدعوة:1/180-181): ((..ثم جاء دور من أدوار تحديد علاقة الدولة الفرنسية بالأديان و ذلك حين صدر قرار 9 ديسمبر 1905 القاضي بفصل الدين عن الدولة، وكان موقف الحكومة الاستعمارية في الجزائر من الدين الإسلامي أنه ليس بدين، وليس بأهل لأن تطبق عليه قوانين فصل الدين عن الدولة...إلى أن قال:..إن هذه المسألة لا ينبغي للديمقراطيين كيفما كان دينهم وكيفما كانت جنسيتهم أن ينظروا إليها كمسألة بين الحكومة الاستعمارية و بين المسلمين الجزائريين. بل الواجب على كل ديمقراطي حر الضمير أن ينظر للمسألة من جهتها الديمقراطية التي هي فصل الدين عن الدولة ووجوب احترام الناس في أديانهم وعقائدهم، وشعائر دينهم، ومنع الحكومة من التفريق بين الأديان التي يعيش معتنقوها في وطن واحد وحتى يعيش الناس في وئام و اتفاق ومع حكومة واحدة. هذا موقف – أيها الديمقراطيون- يجب علينا أن نقفه كلما حاولت الحكومة أن تعتدي على مظهر من مظاهر الديمقراطية)).اهـ

ـ وقال كما في (مقالات في الدعوة:1/185): ((..جمعية العلماء المسلمين عقدت العزم على أن تحقق فصل الدين عن الدولة أو تعيش في خصومة مع الاستعمار بالجزائر، وعلمت أن المسألة يجب أن تنشر في باريس بين الكتل البرلمانية، وتلقى المسؤولية على وزراء فرنسا، وتبلغ إلى العالم الديمقراطي صوتها الشرعي و ظلم الاستعمار للديمقراطية و الدين الإسلامي في هذه البلاد)).اهـ



هذه بعض النقولات في موضوع الديمقراطية لمشايخ ثلاثة – لا على سبيل الحصر – من رؤوس رجال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين؛ ينبغي التنبيه و التحذير منها و عدم إقرارها، ومن رام الإطلاع فللشيخ أبي يعلى الزواوي – عفا الله عنه - كما في جريدة "البصائر" كلام يفيد أننا " أمة مقيدة بالدستور ديموقراطية". وكذا الشيخ الطيب العقبي – رحمه الله تعالى – كما في المصدر السابق مقالة بعنوان: (جمعية العلماء المسلمين و حكومة الجزائر)، والشيخ مبارك الميلي- رحمه الله تعالى- كما في إهداءه لكتاب (تاريخ الجزائر..)، وغيرها من آثار الجمعية، وكما يقل في المثل: ( حَرِّكْ تَجِدْ )، والنبيه تكفيه الإشارة و التنبيه، والله وحده ولي التوفيق.



[ختاما]

هذه بعض الأقوال الصريحة – نسبةً و مفهومًا - لرجال هذه الجمعيَّة في موضوع:(الديمقراطيَّة=الكفر) ، ورغم أنني قرأته لكثير من أعضائها ورجالها: كالشيخ بن باديس و الشيخ أبي يعلى الزواوي و الشيخ البشير الإبراهيمي و الشيخ مبارك الميلي و الشيخ الطيب العقبي و الشيخ العربي التبسي..إلا أنني مع حسن الظن بهم - أخيراً – لم أتحمس لكتابة تنبيه، أو تنويه، أو تحذير من تلك الأغلاط والأخطاء، وإن نويت فيما مضى، ولكن سطرتُ ما سبق ذكره لوجود من يروج لها إمَّا:

- ( تقريرا ): كما في بعض الجرائد، والمجلات الجامعية، والرسمية، والكتب المقررة في مدارسنا الابتدائية وغيرها..مادة: التربية المدنية!، والإسلامية!، والفلسفة!..

- أو ( دفاعا ): كبعض الكُتَّاب و المنتديات العنكبوتية، و مثاله : ما سوَّده الأخ "محمد حاج عيسى" – عفا الله عنه – كما في كتابه: (الرد النفيس على الطاعن في العلامة ابن باديس) ، (ص: 253-254) حيث قال في مطلبه الثالث: (قضية تحكيم الشريعة): ((..إن المتكلم بلفظ الديمقراطية قد لا يعني بذلك مبدأها الأصلي الذي هو الحكم للشعب الذي هو كفر، كما لا يعني فصل الدين عن الدولة، وهو من الأسس التي تقوم عليها الأنظمة الديمقراطية، ولكن بعضهم يعني بها حرية التعبير و الانتقاد بالطرق السليمة، ومنه ما يستعمله السياسيون المسلمون في معنى حرية المعارضة السياسية المنظمة، وقد يراد بها حرية العقيدة بحيث لا يضيق على أهل الديانات المختلفة و تضمن لهم حرية ممارسة شعائرهم الدينية، فيجعلونها مقابلة للحكم الجبري "الديكتاتوري"، وهذه المعاني لا ترقى إلى كونها من نواقض الإسلام أو لا تعني بالضرورة أن المعبر بها مرتد كافر أو مضلل للناس، وحرية التعبير و حرية العقيدة و إن كانت لها ضوابطها الشرعية المخالفة للطريقة الديمقراطية، فإنه في باب المداراة يجوز استعمال اللفظ المشترك الذي يفهم منه السامع شيئا و يريد به المتكلم شيئا آخر، بل هذا هو معنى التورية التي لا شك في جوازها في حالة الاضطرار، وأنها من الكذب المباح كما قال إبراهيم – عليه السلام – للملك الظالم عن سارة بأنها أخته هو يقصد في الدين و الملك فهم أنها أخته في النسب )).اهـ .

وكلامه هذا فيه مغالطة و أغلاط من وجوه عدة:

-منها: تأويله السمج لكلام ابن باديس في الديمقراطية وتشنيعه على من رد عليه فيها بكلام حق وقال: ((تضليل الشعب بفكرة الديمقراطية، و الديمقراطية هي الكفر عينه إذ أنها تنادي بوجوب إخضاع الحكم للشعب، و الحكم لله عز وجل في شريعتنا و عقيدتنا، فكيف خفي هذا على الشيخ ابن باديس؟)).اهـ.

- ومنها: تكلف الأعذار في حمل الكلام غير ما يحتمل، كقوله: (( إن المتكلم بلفظ الديمقراطية قد لا يعني بذلك مبدأها الأصلي الذي هو الحكم للشعب الذي هو كفر، كما لا يعني فصل الدين عن الدولة، وهو من الأسس التي تقوم عليها الأنظمة الديمقراطية)).اهـ .

وكلام ابن باديس في الديمقراطية واضح وضوح الشمس، و يعني كل ما سبق ومنها مبدأها الأصلي كما عبر الرَّاد، و القدقدة - هنا - في غير محلها، ودليل ذلك:

قول ابن باديس كما في (آثاره: 5/182): ((..ليست الحرية إلا"السلطة على إتيان كل شيء لا يضر بالغير"، فإذا لابد من نظام تعرف به حقوق النفس من حقوق الغير، ويوصل كل أحد إلى حقه ويوقفه عند حده، ولابد أيضاً من هيئات لتشريع القانون وتطبيقه وتنفيذه. ولا تسلم حرية الشعب والفرد من الأذى وكرامته من المساس إلا إذا كانت هاته الهيئات منه لا من غيره. والطريق الموصل إلى تكوين هذه الهيئات هو الانتخاب العام الحر الذي تعرب فيه جميع طبقات الأمة عند إرادتها في اختيار هيئاتها).اهـ.

وقوله كما في ( آثاره: 5/252): (( إن القياصرة سادوا الأمة الروسية أنواع الخسف والذل باستبدادهم، وأن لنين ورفقاءه رموا بها في تجربة مؤلمة بفشلهم، ولعل ما شاهدته الأمة الروسية من البلايا والمحن في العهدين يعرفها هي وغيرها، أن النظام الصحيح هو النظام الديمقراطي المعتدل الذي لا إفراط فيه ولا تفريط )).اهـ.

-ومنها: قول الكاتب - هداه الله تعالى – عن معاني الديمقراطية أنها (( لا ترقى إلى كونها من نواقض الإسلام أو لا تعني بالضرورة أن المعبر بها مرتد كافر أو مضلل للناس))، وهذا فيه من المغالطة ما فيه، حيث أوهم القاري أن القول بها ليس من نواقض الإسلام وأن من رد على خطأ ابن باديس وأمثاله من الكتاب الإسلاميين القائلين بالديمقراطية؛ فقد يلزم منه تكفيرهم..

وليَعلم الأخ الكاتب – عفا الله عنه – أن (الديمقراطية = الكفر)، وأنها ليست من الإسلام، أما تكفير القائل بها فإنَّ ردَّ الخطأ لا يلزم منه الحكم بالتكفير، أما التضليل فقد ضل الشيخ ابن باديس - و غيره - عن الحق في هذه المسألة و غيرها..و الحكم بالتكفير في مثل هذه القضايا لأهل العلم الراسخين، وليس لكل من هب ودب.

أما خلط الكاتب وعدم ضبطه في المسائل العلمية، راجع فيما يظهر لي- و الله أعلم - لعُقدة عنده – أي: الأخ "عيسى" - نتيجة غلوِّه في الرد على (غلاة التكفير)، ودليل ذلك مقالاته في الرد على من لم يعذر بالجهل في المسائل الواضحة الجلية كشرك العبادة -مثلا-، و مبحثه الثالث العاشر: (عقيدة العذر بالجهل) ضمن كتابه (الرد النفيس..)، و إقراره لكلام ابن باديس في (الآثار:1/158) حول عدم تكفير من وقع في الشرك الواضح الجلي إلاَّ إذا استحل وجَعْله نظير استحلال المعاصي كما في رسالته: (أصول الدعوة السلفية عند ابن باديس و محمد بن عبد الوهاب) صفحة (14و15)، وهذه طامة عقديَّة وافق به -الكاتب - المبتدعة من مرجئة و غيرهم، ويكفي طالب الحق لرد الأولى وتفنيد الثانية -ومثيلاتها- كتاب (عارض الجهل وأثره على أحكام الاعتقاد عند أهل السنة و الجماعة) و (تكفير المعيَّن عند شيخ الإسلام ابن تيمية و محمد بن عبد الوهاب – رحمهما الله تعالى-..) للشيخ الفاضل: أبي العلا بن راشد – حفظه الله تعالى - بتقديم عضو هيئة كبار العلماء العلامة الشيخ: صالح بن عبد الله الفوزان - حفظه الله تعالى ونفعنا بعلمه -، والحمد لله رب العالمين.

-ومنها: قوله عن قول ابن باديس بالديمقراطية أنها من باب المداراة، و التورية، ومن باب الاضطرار، و الحقيقة بخلاف ذلك؛ فالشيخ يعبِّر بصريح العبارة عن مبدأها الأصلي، وبعض معانيها، وطبقها في واقعه الدعوي..الخ.

ألم تقرأ كما في (آثاره: 5/138): "أيها الشعب الكريم، كن-كلك-مع الحكومة الفرنسية الممثلة للشعب الفرنسي الديمقراطي اصدق تمثيل.كن كلك ضد كل متعصب ضد أي جنس أو دين.

...ناد من كل قلبك: لتحي الجزائر! لتحي فرنسا الشعبية! ليسقط الظلم والاستعباد!ليسقط أضداد الأجناس وحرية الأديان والأفكار..".اهـ.

ألم تقرأ كما في (الآثار: 5/519) قوله: ((عجبنا أن تعطل جريدة تصرع بمبدئها السني الديمقراطي على رأس كل عدد منها)).اهـ

أهذا الكلام من باب الاضطرار!!

وبالله عليك عرف المداراة و التورية وهل تنطبق على مثالك ؟!

وما وجه القول بها في جميع الحالات؟!

وهل الضرورة ملحة لذلك؟!

وهل لو لم يقل بها بن باديس -وغيره- في مقالاته السابقة - على فرض عدم اعتقاد بعض مباديها - لا تتحقق مصلحة للإسلام ؟!

سبحان الله العظيم.

والذي يظهر من خلال تتبعي لكلام ابن باديس فيها و كلام بعض رجال الجمعية مع حسن الظن و مراعاة الظرف الزماني، أن أسباب قولهم بالديمقراطية هي: ( الظن أن المناداة بالديمقراطية توفر لهم الحرية في وسط الاستعمار الفرنسي الكافر للقيام بواجب الدعوة ).

وهذا التصور قاصر، إذا عُلم أن اليهود و النصارى لن ترضى عن المسلمين حتى يتبعوا ملتهم، والديمقراطية جزء من ملتهم ، فهل سيتركون لهم المجال لأن يدعوا إلى ملتهم الإسلامية بما يناقض ملتهم الكفرية؟! اللَّهم ( لا ) ، إلاَّ إذا تبعوهم على ملتهم الكفرية، و الواقع شاهد على ذلك..



أسأل الله لي ولك الهداية..


وهذا آخر ما تيسر لي كتابته في هذه الحلقة..


و الله أسأل و بأسمائه الحسنى و صفاته العُلا أتوسل؛ أن يغفر ذوبنا، ويستر عيوبنا، ويحبب الإيمان في قلوبنا، ويزينه لنا، ويكرّه إلينا الفسوق، و الكفر، و العصيان، إنه ولي ذلك و القادر عليه.


رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ .


وَ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينْ.



وكتبه/ عبد الحق آل أحمد الجلفاوي

21/ربيع الثاني/1430هـ.

- الجزائر-