المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حوار من خيال ( احفظ اسرارك في سماء الاسرار)



عميد اتحادي
03-11-2013, 08:30 PM
جلس الرجل العجوز على كرسيه المعروف في المقهى الفرنسي الذى طالما تعوَّد أن يجلس فيه ، ففي بعض الأوقات كان يلجأ الى القراءة أثناء احتساءه فنجان القهوة ، وفى بعض الأحيان كان يدخن غليونه ويتأمل في السماء من فوقه بدون حواجز تُعيق بصره ، أو يحادث صديقة فرنسية تعرف عليها أثناء تردده المستديم على المقهى.

كان الغيم يحجب ضوء الشمس ويسَهِّل عملية التأمل فى السماء عندما جاءت صديقة الرجل العجوز وقالت بلكنتها الفرنسية "Bonjour"
فالتفت الرجل العجوز وكانت قد ارتسمت على وجهه إبتسامة بعد سماعه لصوتها فرحب بها قائلاً "شئ جميل ان تأتي لتشاركيني جمال هذا اليوم الرائع"، وطلب منها أن تجلس معه وتشاركه فنجان قهوة.

أخرج الرجل العجوز غليونه وقام بإشعاله ونظر نظرة مطولة إلى السماء ووجه للفتاة كلامه

"السماء بالفعل تبدو جميلة اليوم !"

ردت الفتاة بإبتسامة يصاحبها نوع من التردد

"بالفعل .. ولكن .. هل لي أن أسألك سؤال ؟"

رد الرجل مُرحباً "بالفعل ... لكِ مطلق الحرية !"

تشجعت الفتاة وسألت الرجل "منذ ان رأيتك لأول مرة في هذا المقهى وانا ألاحظ استغراقك في تأمل السماء والسحاب وتُعجب بجمالهما وكأنك أول يوم تُبصر عليهم .. لماذا كل هذا الإعجاب ؟"

دخل النادل ليقطع عليهم الحوار وقدم للرجل العجوز فنجان القهوة الخاص به ، وطلب الرجل منه ان يأتي بمثله للفتاة وانصرف النادل ولم يجب الرجل على السؤال .. فقامت الفتاة بتذكرته بالسؤال قائلة "هل ضايقتك بسؤالي ؟"

رد الرجل مبتسماً " لا .. أبداً .. اعذريني .. أين كنا ؟"

لاحظت الفتاة تهرب الرجل من الإيجابة على السؤال ... ولكنها لم تيأس .. فقالت له "السماء .. ما الذى يعجبك فيها الى هذا الحد ؟"

رد الرجل "آه .. سؤال جيد .. أنتِ قوية الملاحظة .. ورداً على سؤالك .. لأنها جميلة .. لا تحظى بتقلبات مثل البحر .. صافية للغاية .. لا حدود لها ولا نهاية !"

ردت الفتاة بوجهة نظر أخرى مختلفة "جيد .. ولكني أرى فى البحر عُمق ومشاعر محبوسه .. مما يجعله الملهم الأول لي"

قال الرجل "لعل العمق والمشاعر هم السبب الأساسي فى تقلبه وغضبه الدائمين !"

ردت الفتاة وهي تعتدل في كرسيها "من الممكن أن سبب هذه المشاعر التى تؤدي الى غضبه بسبب كتمه لكثير من أسرار البشر !"

قال الرجل وفي صوته نبرة تحذير "من الممكن .. ولكن .. لا تأمني للبحر .. فمهما طال صمته ، معروف عنه الغدر !"

ردت الفتاة متسائلة "وانتَ .. لمن إذاً تقول أسرارك إذا لم تَبُح بها للبحر ؟"

قال الرجل وهو يشاور بالسبابة الى أعلى "للسماء .. دائماً أقول أسرارى للسماء .. إما لطائر على غصن شجرة يغرد .. أو الى سحابة مارة أمامي .. أو الى نجمة تلمع فى الفضاء الفسيح .. غالباً لن تريهم ثانيةً .. فمِن السهل أن تبوحي لهم بأسرارك"

ردت الفتاة "والقمر ؟ .. إنه موجود في السماء معظم الوقت بنوره القوي ، باعثاً الأمل والسكينة .. هل تقوم بالبوح له بأسرارك؟"

قال الرجل محركاً حاجبيه الى أعلى "القمر هو الشيء الوحيد الذي لا أتحدث له في السماء ... لأني أخشى أن يعاتبني على قول أو فعل عندما أراه ليلة أخرى !"

قالت الفتاة ومرسوم على وجهها معالم الإعجاب بفكر الرجل "شيء جميل أن تكون مستقر على الأرض وحياتك كلها في السماء !"

رد الرجل " السماء هي حياة الحرية والإنطلاق .. والبحر هو حياة المغامرة"

قالت الفتاة متسائلة "والأرض ؟؟!"

رد الرجل " الأرض .. الأرض هي المدفن الذي يموت فيه الإنسان بفكره وأحلامه !"

قالت الفتاة "لقد أوتيت من الحكمة ما يكفي أهل السماء والأرض"

رد العجوز ضاحكاً "لم يَبيَضَّ شعري هباءاً"

قالت الفتاة ضاحكة وهي تنظر للساعة "للأسف .. ولكن على الذهاب الان ، لدي موعد وأخشى أن أفوته"

رد الرجل "تفضلي .. لا أريد أن أقوم بتأخيرك"

قالت الفتاة "سوف أراكِ قريباً !"

رد الرجل وهو يلوح لها "بالتأكيد"

ومضت الفتاة الى طريقها ، وعاد الرجل الى سماءه وغليونه ، واستكمل مشاركة أسراره مع سماء الفضاء الواسعة !"