المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأهرام العربى : إيلى كوهين ، جاسوس الموساد فى سوريا



االزعيم الهلالي
30-10-2013, 07:30 PM
https://pbs.twimg.com/media/BX1VDFHCIAALkKZ.jpg:large

صورة إيلى كوهين



https://pbs.twimg.com/media/BX1VLYdCMAA-wHu.jpg:large

إيلى كوهين بعد إعدامه :s3s:



الكاتب : عـزمى عبدالوهاب




من وقت لآخر تعقد أسرة "إيلي كوهين" المؤتمرات الصحفية لمطالبة "الدولة العبرية" بإحياء مسار المفاوضات مع سوريا، من أجل استعادة رفات 'كوهين'، الذي جري إعدامه في دمشق في الثامن عشر من مايو عام 1965، وقبل الخوض في تفاصيل عملية تجنيد "إيلي كوهين" لصالح المخابرات 'الصهيونية'، هناك روايتان تتعلقان باكتشافه، الأولى أن سوريا ابتاعت من روسيا جهازا إليكترونيا لرصد الاتصالات اللاسلكية من وإلى دمشق، وهكذا تم اكتشاف مكانه، والثانية أن المخابرات المصرية كشفت كوهين من خلال صور نشرتها الصحف، يظهر فيها بجانب قيادات سورية سياسية وعسكرية.



ولد إيلي في الإسكندرية عام 1924، ومارس نشاطه في عملية تهجير اليهود من مصر إلى إسرائيل، كما قام بتنفيذ أعمال تخريبية في مصر، بغرض إفساد علاقاتها بأمريكا، وألقت أجهزة الأمن القبض عليه عام 1952، بتهمة انضمامه إلى منظمات صهيونية، إلا أنه تمكن من الهرب إلى إسرائيل عام 1956.





رحلة طويلة قطعها كوهين منذ ذلك التاريخ إلي أن دخل عليه أحد الضباط السوريين في غرفة انتظار الإعدام، وقال له: "إيلي كوهين تستطيع أن تكتب وصيتك أو أن تكتب آخر رسالة' التفت إليه وقال: "ليس معي دفتر، لست مدينا لأحد، لن أكتب وصية، لكن عليّ أن أقوم بواجب نحو عائلتي، أن أكتب رسالة إلى زوجتي وأولادي".




وكتب كوهين رسالته بالعربية: "إلى زوجتي ناديا وأطفالي الأعزاء أعرفكم بهذه الكلمات أنني أجبرت للقيام بهذا العمل الجاسوسي تحت الضغط الشديد في إسرائيل وذلك بعد أن قطع عني كل مورد للعيش، وإني الآن وبعد ما عرفت الحقيقة جلية ونهاية كل باغ ومعتد أقول لكم اخرجوا من إسرائيل وعيشوا خارجها وتمتعوا بالحرية كما تحيا الشعوب لا كما تحيا إسرائيل، احذروا من تكرار ما قمت به لأن العاقبة سيئة والسلام عليكم".




وفي الساعة الثالثة بعد منتصف ليلة الثامن عشر من مايو 1965، صعد إلي منصة الإعدام في إحدى ساحات دمشق، وكانت الأسطح والشرفات تضج بآلاف السوريين، حين تقدم أحد الضباط وعلق على الكيس الأبيض الذي غطي جسم كوهين ورقة كتب عليها قرار المحكمة العسكرية: "إلياهو بن شاؤول كوهين حكم عليه بالإعدام باسم الشعب العربي - السوري بتهمة الدخول إلى المناطق العسكرية المغلقة وتسليم العدو أسرارا عسكرية".






عاش كوهين في مصر حتى بلغ الثانية والثلاثين من عمره، وفي سنواته الأخيرة ترك عائلته، ليعمل على تهجير يهود مصر إلى إسرائيل، كان منطويا على نفسه بسبب حالة الأسرة السيئة اقتصاديا، فقد كان أبوه يبيع ربطات العنق، وفي سنة 1944، انضم إلى حركة الشبيبة اليهودية في الإسكندرية، وكان أفرادها على اتصال بـ"الهاجاناه".


وبعد العام 1948 تحمس للحركة الصهيونية، وعمل في منظمات تسعى لتهجير اليهود في مصر تحت ستار الرحلات إلى أوروبا أو بجوازات سفر مزورة (فرنسية أو إنجليزية) ومن بين من هاجروا أسرة كوهين، في حين بقي هو في مصر لست سنوات في الوقت الذي دخل إليها عام (1951) " إبراهام دار" الذي عرف باسم "جون دارلنج" وكانت مهمته إنشاء شبكة تجسس من اليهود المصريين.
ثم اندلعت ثورة يوليو، وذهب محمد نجيب، وجاء جمال عبدالناصر، وصرح موشي شاريت بأن "خروج القوات البريطانية من مصر يمس أمن إسرائيل مباشرة" وبدأت شبكة "إبراهام دار" في القيام بأعمال تخريبية ضد الممتلكات البريطانية والأمريكية في مصر، وكما يقول أحد المؤرخين الأمريكيين فإن 'بعض القادة في جيش إسرائيل أرادوا القيام بأعمال تخريبية وتعريض حياة الرعايا الأجانب للخطر لإظهار مصر كدولة لا تستطيع حماية الممتلكات الأجنبية والرعايا الأجانب، وقد يكون ذلك حافزا لإنزال قوات أجنبية لحماية قناة السويس'.



وفي سنة 1954، قام أعضاء شبكة دارلنج بأعمال صغيرة كإشعال صندوق بريد رجل أمريكي أو وضع القنبلة في المركز الإعلامي الأمريكي، حتى قام أحد اليهود (19 سنة) بالتوجه إلى إحدى دور السينما، وكان في جيبه مواد متفجرة بدائية، اشتعلت فجأة وأحرقت ثيابه، فالتقطه أحد المخبرين السريين، وحققت معه أجهزة الأمن المصرية، ما قادهم إلى القبض على 11 جاسوسا، انتحر أحدهم في السجن (ماكس بنت) وأعدم اثنان وتراوحت المدد التي حكم بها على آخرين بين المؤبد والسبع سنوات، وبرئ إيلي كوهين للأسف، رغم أن شقته كانت مركز عمليات.



وفي نهاية العام 1956 ترك كوهين مصر إلى أوروبا، ليظهر فجأة في إسرائيل في بداية سنة 1957، مع آخر موجة من المهاجرين اليهود، بحث عن أسرته التي سكنت بالقرب من تل أبيب، وهناك عاش وحيدا كغيره من المهاجرين الذين وجدوا صعوبة في التكيف والاندماج مع المجتمع الجديد، فعمل علي تطوير لغته العبرية، ولم تكن مصادفة أن يعمل في وزارة الدفاع كمترجم في أرشيف الوزارة، عن طريق أحد معارفه الذي كان يعرف الكثير عن عملياته السرية في مصر.



وفي إسرائيل تعرف إلى فتاة من أصل عراقي (ناديا) تزوجها في أغسطس عام 1959، ليعود إليها ذات مساء قائلا:سأترك عملي، يعرضون عليّ عملا مهمًا في شركة تجارية كبيرة سأضطر أحيانا لمغادرة البلاد كوكيل للشركة' ولم تكن تلك الشركة سوى الاستخبارات الإسرائيلية.



كيف تم اختيار كوهين؟ طبقا للقصة التي كتبها 'صحفيان إسرائيليان' وترجمها زكي درويش إلى العربية، فإن كوهين أثناء عمله في أرشيف وزارة الدفاع الصهيونية، في ترجمة فقرات من الصحف العربية، كان يشكو من طبيعة عمله وأنه لم يخلق للعمل في المكاتب، إلى أن طلب منه أن يستقيل من عمله ليتفرغ للعمل مع الموساد، وأطلق شاربه كما طلب منه أيضا.



وبعد تمرينات شاقة اقتنع المسئول عنه بأنه بالإمكان زرعه في أي عاصمة عربية لأن منظره الخارجي ولهجته العربية الصحيحة يساعدان على نجاح مهمته، وفي خريف سنة 1960 بدأ رجل الموساد في إعداد هوية إيلي كوهين الجديدة وجعله يحفظ بعض سور من القرآن الكريم ويتعلم الصلوات الخمس ويتردد على المساجد لأداء صلاة الجمعة.




وفي نهاية عام 1960 التقاه مسئول الموساد وقال له:عليك أن تتعود على اسمك الجديد "كمال أمين ثابت" ابن إحدى العائلات السورية' وطوال ستة أشهر أتقن كوهين اللهجة السورية وتعلم استعمال أجهزة البث والاستقبال، وكيفية إخفائها، وقرأ الكثير عن تاريخ سوريا.
وهبط كوهين في أحد أيام فبراير 1961 باسم كمال ثابت في بيونس آيرس بالأرجنتين، وكان عليه أن يروي قصته لمن يلتقيه هناك، فقد هاجر أبوه من سوريا إلى بيروت التي ولد فيها سنة 1930، من غير أن يعرف شيئا عن سوريا، بل سمع عنها الكثير من أمه وأبيه، وتركت الأسرة بيروت إلى الإسكندرية عندما كان عمره ثلاث سنوات، التي يعرفها أكثر من غيرها، وفي سنة 1946 هاجر أحد أعمامه إلي الأرجنتين، ولحقت به الأسرة، وفي سنة 1956مات أبواه، ليسكن كمال مع عمه إلى أن يصبح صاحب شركة استيراد وتصدير.




وتم اختيار الأرجنتين لسببين، أن بيونس آيرس بها آلاف العائلات السورية، وقد نظموا أنفسهم في نواد وجمعيات ترعى شئونهم، وبجانبهم أقلية يهودية، والعلاقات بين الجاليتين بعيدة عن الصراع الإسرائيلي، والسبب الثاني أن الحكومة الأرجنتينية كانت تسعي إلى إدماج الجميع في المجتمع، فلم يكن يذكر في جواز السفر اسم الدولة التي ولد فيها الشخص ولا ديانته.



كانت المشكلة الوحيدة أن أجهزة الاستخبارات العربية نشطة هناك، حتى إن المخابرات المصرية كانت قد أنجزت بنجاح مهمة استعادة الطيار محمود عباس حلمي الذي هرب بطائرته إلي إسرائيل في العام 1964، وظل هناك لمدة ستة أشهر، إلي أن طلب الهجرة إلى الأرجنتين سرا، إلا أنه في أحد مطارات أوروبا كتب رسالة إلي أمه، وبذلك عرفت المخابرات المصرية أنه غادر إسرائيل، وبعد وصوله إلى بيونس آيرس بيوم كانت المخابرات المصرية تعيده على ظهر سفينة إلى مصر، لينفذ فيه حكم الإعدام جزاء على خيانته لوطنه.




لذلك بالغ الموساد في تأمين إيلي كوهين، خوفا من المخابرات المصرية والسورية، وبدأت رحلته داخل المجتمع السوري في المهجر، وكانت الخطوة الأولي أن يصبح من رواد 'نادي الإسلام'، فكان يقضي الساعات في قراءة الصحف الآتية من القاهرة ودمشق ويلعب الطاولة ويتحدث عن نفسه كتاجر يتمنى أن يعود بأمواله إلى دمشق لخدمة بلده، إلى أن تعرف إلى عبداللطيف الخشن رئيس تحرير إحدى المجلات الإسبوعية.




وبعد أربع سنوات من هذا اللقاء نفذ حكم الإعدام في كوهين فكتب "الخشن" إلى جريدة "الحياة" دفاعا عن نفسه جاء فيه: "في أحد الأيام زارني شاب في حوالي الثلاثين وقدم لي نفسه باسم كمال أمين ثابت، وقال لي إنه عاش طفولته في مصر، ثم قابلته بعد ذلك في المجتمعات العربية وفي حفلات السفارات العربية ونادي الإسلام، وكان هادئا يوحي بالرزانة، ومهتما جدا بقضايا الدول العربية، وفي أحد الأيام قال لي إنه عائد إلى سوريا، فأعطيته رسالة توصية ولكني لم أرسله ليتجسس لصالح إسرائيل، بل أصدقاؤه الذين أعطوه التأشيرات اللازمة لدخول سوريا، هل يمكن اتهامي لأني لم أعرف شخصيته الحقيقية.
يبدو أن الناس اعتادت رؤية وجه كمال أمين (إيلي كوهين) بينهم، حتى إنه قابل في سفارة سوريا بالأجنتين الجنرال أمين الحافظ الذي كان ملحقا عسكريا في السفارة ودارت بينهما الأحاديث عن سوريا، وفي هذا اللقاء لم يكن كوهين ولا الحافظ نفسه يعرف أنه سيصبح رئيسا للجمهورية السورية، إلى أن جاءت التعليمات في مايو 1961 إلى كوهين ليخبر أصدقاءه بأنه قرر السفر إلى دمشق لبحث إمكانية الإقامة هناك، وحصل بالفعل علي رسائل توصية كثيرة، قبل أن تهبط طائرته في تل أبيب لمزيد من التدريب ويرى زوجته وطفلته التي ولدت في غيابه. تعلم كوهين استعمال الأسلحة والمتفجرات وآلات البث والاستقبال واستخدام الحبر السري واعتاد السماع إلي راديو دمشق للوقوف علي التطورات السياسية الأخيرة، إلى أن وقع الانفصال بين مصر وسوريا عام 1961، واستطاع حزب البعث أن يمسك بزمام الأمور، ووصل الكثير من أصدقاء كوهين إلى مراكز عليا في الحكم، وفي سبتمبر1961، وصلت برقية من زيورخ إلي أمين الحافظ في الأرجنتين نصها: 'عاش البعث' بتوقيع كمال أمين.




أصبحت مهمة كوهين سهلة، فقد كان هناك خوف من إمكانية لقاء كوهين مع شخصيات مصرية من الإسكندرية أو القاهرة، لأنه سبق أن اعتقل عام 1954، أما الآن بعد الانفصال فقد تنفس "الموساد" الصعداء، من هنا ترك رسالة إلى زوجته، وسافر إلي زيورخ، وتوجه إلى القنصلية السورية ليحصل علي تأشيرة دخول، لتفتح سوريا أبوابها أمام الجاسوس الإسرائيلي ليقضي يومه الأول هناك في العاشر من يناير سنة 1962.




وقضي الأيام التالية في البحث عن شقة مناسبة، كان يريدها قريبة من قيادة الأركان السورية في قلب دمشق إلى أن عثر عليها في الدور الرابع وصعد بنفسه إلي سطح العمارة لتثبيت الهوائي، وفي الثاني عشر من فبراير 1962، في التاسعة مساء أرسل رسالته الأولي بكلمات قليلة، وتركوه يعمل كما يشاء، فكان يجلس بالساعات يراقب الحركة بهيئة الأركان في المبني المواجه لشقته.






وازداد معارف كوهين وأصدقاؤه، وذات يوم رأي النوافذ المقابلة في مبني قيادة الأركان مضاءة كلها فأرسل إلى تل أبيب: "حركة غير عادية في القيادة العامة، حركة جنود ضخمة في دمشق، تعبئة في الجيش السوري، الانقلاب غير معقول، هجوم عنيف علي إسرائيل في الصحف، أعتقد أن الحركة موجهة ضد إسرائيل"، وكانت الإذاعة السورية قد بثت هذا الخبر "أنزلت قواتنا اليوم 8 مارس 1962، ضربة شديدة بقوات العدو الصهيوني وخاصة زوارقه الحربية في بحيرة طبرية ما اضطرهم إلى التراجع".
وفي السادس عشر من مارس جرت معركة حربية بين الجيش السوري وإسرائيل، وكانت خسارة إسرائيل ثمانية قتلى، بقيت جثة أحدهم في سوريا وآخر اسمه يعقوب دفير، عمل كوهين بعد ذلك جاهدا لمعرفة مصيره، إضافة إلى ثلاث آليات ظلت في الأراضي السورية، وتعرف كوهين إلى ضابط، عمه هو رئيس أركان الجيش، ساعده على زيارة الجبهة الأمامية، وعاد ليسجل أهم ما شهده وسمعه من الناس: مواقع المدفعية وأنواعها وعددها ومصدرها، إضافة إلى ما توافر له من معلومات عن الجندي المفقود.




تعرف كوهين إلى "جورج سيف" أحد كبار موظفي وزارة الإعلام السورية وأخذ يتردد عليه في مكتبه، وعن طريقه التقي أمين الحافظ الذي لم يتذكر كوهين إلا عندما رآه، ومن خلال جورج كان نبع من المعلومات يتفتح أمامه، وفي 8 مارس 1963 وقع انقلاب عسكري في دمشق.



ووجد كوهين فجأة أصدقاءه في مركز القيادة، وتسلم حزب البعث زمام السلطة، وفي ربيع 1963 اكتشف وجود عدد من النازيين في دمشق، منهم أحد مساعدي 'إيخمان' وحدث أمر خطير، إذ أصبح أمين الحافظ أقوي رجل في سوريا: الرئيس والحاكم العسكري ورئيس حزب البعث في وقت واحد، فأرسل إليه برقية تقول 'إني سعيد لأنك حققت أحلامك أخيرا' وأقيم حفل ضخم دعي إليه كوهين، والتقطت الصور التي كان الجاسوس حريصا عليها، حتى يرسلها إلى الصهاينة في جهاز الموساد.
وخلال سنة1964، تجول كوهين ثلاث مرات في هضبة الجولان ورأي عن قرب الاستحكامات الضخمة التي أعدتها سوريا في مواجهة 'إسرائيل' على الحدود، ونام ليلة في أحد الملاجئ، وزار القيادة العامة في القنيطرة، وفي أكتوبر من العام ذاته زار إسرائيل، وبدأ أخوه "أفرايم" يشك فيه.




قال: "اعتاد إيلي أن يجلب معه الهدايا، في المرة الأخيرة قدم لي حذاء جميلا، ولكني لاحظت أن الرقم مكتوب باللغة العربية، فلما سألته قال إنه جاء به من أوروبا، فلم أفهم العلاقة بين أوروبا والرقم العربي فأوضح لي أنه من تركيا، ولكني أعرف أن تركيا تركت الحرف العربي من زمن طويل لذلك لم أقتنع".




ولاحظت زوجته ناديا أنه كان عصبيا في زيارته الأخيرة ولم يبد حماسة للسفر حتى إنه قال لها: "سأسافر هذه المرة وعندما أعود سأرفض السفر مرة أخرى" لكنه لم يرجع إلى إسرائيل أبدا، وكانت آخر رسالتين تصلان إلى زوجه من بروكسل وإيطاليا في أواخر 1964، وأوائل 1965، وذلك بالإضافة إلى رسالته التي كتبها قبل إعدامه.





في الثامنة من صباح أحد أيام الخميس من شهر يناير 1965، كان كوهين قد أنهى بث رسالته إلى 'تل أبيب' وأدار جهاز الراديو في انتظار الرد، كانت كل أدوات التجسس بجانبه على السرير، حتى سمع طرقا شديدا على الباب، وقبل أن يتحرك انكسر الباب واندفع إلى الداخل ثمانية أشخاص وبأيديهم مسدسات جاهزة، فعرف أنها النهاية.


كان على رأس هذه القوة الضابط أحمد سويداني الذي قال في حوار مع إحدى المجلات اللبنانية: "أستغرب كيف أبدي المواطنون السوريون سذاجة عجيبة وصدقوا مشاريع كوهين، وقبلوا هداياه، وأمدوه بالأخبار اللازمة، لقد حققت معه شخصيا، واستغربت أكثر عندما عرفت الأشخاص الذين اعتادوا زيارته فكلهم يعملون في وظائف حساسة في سوريا، وخاصة واحد منهم، أزعجني للغاية، لاطلاعه علي أدق الأسرار السورية".





قبل إلقاء القبض علي كوهين وصلت إلى سويداني معلومات أن هناك جهازا سريا يبث في تلك المنطقة، وبعد التحريات اكتشف رجاله أن الجهاز يعمل من داخل شقة كوهين، وتم تفتيش الشقة، والعثور على جهازين للبث والاستقبال ومواد متفجرة مخبأة، وسم سيانيد شديد المفعول، والأفلام والرسائل التي أراد إرسالها إلى تل أبيب وعن طريق كوهين أرسلت الاستخبارات السورية رسالة إلى تل أبيب: "إلى رئيس الحكومة أشكول وإلى رئيس استخبارات تل أبيب، كمال وأصدقاؤه ضيوفنا الآن في دمشق، فنحن في انتظار الآخرين، سنخبركم عن مصيره".




كان سويداني يعتقد أن كوهين جاسوس عربي إلي أن اعترف أمام أمين الحافظ، الذي عرفه أولا في "بيونس آيرس" بأنه إيلي كوهين، وقد نشرت إحدى المجلات اللبنانية على لسان الحافظ قوله: 'قابلت كوهين بعد اعتقاله بمدة قصيرة، كان المعتقد أنه عربي باسم كمال أمين ثابت، ولكن لما نظرت إلى عينيه شككت في عروبته، طلبت منه أن يقرأ الفاتحة فقرأ جزءا منها واعتذر بحجة أنه ترك سوريا في طفولته، عند ذلك تأكدت شكوكي، لم تكن المرة الأولى التي أحقق فيها مع جاسوس يهودي ثم قابلته عدة مرات، عرضت عليه سجائر فرفض ولم يشرب مشروبات روحية.




كان كوهين يبث إلى إسرائيل مرتين في اليوم وفي الحي الذي كان يسكنه توجد سفارات أجنبية تستعمل أيضا أجهزة لاسلكي، وكانت عملية البث تواجه صعوبات عديدة، بسبب عمل كوهين، ولما علمت الحكومة السورية بذلك قامت بمسح المكان فهناك من يستعمل جهازا سريا، وبمساعدة الخبراء الروس تمت الاستعانة بجهاز خاص يمكنه اكتشاف الأجهزة السرية في دائرة قطرها مئات الأمتار. وقام الجهاز بالتجول في شوارع دمشق، وحتى يعمل كان لابد من قطع الكهرباء في الشوارع التي يمر بها، وهكذا تم اكتشاف جهاز كوهين السري، وجرت وقائع محاكمته ومن ثم إعدامه في ساحة شعبية، ودفنت جثته يوم 18 مايو في المقبرة اليهودية بدمشق، بعد محاولات عديدة من إسرائيل لمبادلته بجواسيس، وممارسة ضغوط على أسماء كبيرة لدفع سوريا للعدول عن إعدامه، لكنه لقي النهاية التي تليق به.




المصدر : الأهرام العربى
الرابط : من هنا (http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=86591&eid=564)