المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إعلام الإخوة الأزاهرة بأن الحافظ ابن كثير لم يكن من الأشاعرة



أهــل الحـديث
27-10-2013, 08:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


إعلام الإخوة الأزاهرة بأن الحافظ ابن كثير لم يكن من الأشاعرة

الحمد لله وكفى وصلاة وسلاما على عباده الله الذين اصطفى وعلى محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ومن وفى
أما بعد :

فما أشد فرحة الأشاعرة بما أورده الحافظ الإمام ابن حجر رحمه الله في الدرر الكامنة حيث قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة ص17 ج1 باب الهمزة ( وهو حرف الألف )):
[ إبراهيم بن محمد بن قيم الجوزية بن أبي بكر بن أيوب بن قيم الجوزية ولد سنة 26 وأحضر على أيوب الكحال وغيره وسمع من جماعة كابن الشحنة ومن بعده واشتهر وتقدم وأفتى ودرس وذكره الذهبي في المعجم المختص فقال تفقه بأبيه وشارك في العربية وسمع وقرأ واشتغل بالعلم ومن نوادره أنه وقع بينه وبين عماد الدين ابن كثير منازعة في تدريس الناس فقال له ابن كثير أنت تكرهني لأنني أشعري فقال له لو كان من رأسك إلى قدمك شعر ما صدقك الناس في قولك أنك أشعري وشيخك ابن تيمية وقال ابن رافع شرح ألفية ابن مالك وقال ابن كثير كان فاضلا في النحو والفقه على طريقة أبيه ودرس بأماكن وكانت وفاته في صفر سنة767 ].
وقد وردت هذه القصة المختار المصون من أعلام القرون 1/200 لمحمد بن حسن بن عقيل موسى الشريف

والأشاعرة يذكرون هذه القصة محاولين ان يثبتوا أن الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى كان على مذهب الأشاعرة ليلبسوا على الناس دينهم .
وأصل هذا الرد كان حواراً قصيراً بينى وبين أحد الإخوة الأزاهرة ونحن نسير فى احد شوارع القاهرة فاذا به يقول ان الحافظ ابن كثير كان على مذهب الأشاعرة قاصداً مذهب الآشاعرة المعروف اليوم فتعجبت من قوله وقلت كيف هذا ؟
فقال الحافظ ابن حجر قال هذا ولم يذكر لى المصدر وسرد لى القصة السالفة الذكر ببعض التصرف فى الألفاظ
فقلت كيف هذا وهو تلميذ ابن تيمية رحمه الله تعالى وجل ما نقله فى مقدمة تفسيره رحمه الله تعالى ( تفسير القرآن العظيم ) هو من كلام شيخ الإسلام فى كتابه ( مقدمة فى أصول التفسير ) ولكنه لم يكن ليستطيع الجهر بهذا خشية أن يبطش به كحال من يعلم منه اتباعه لشيخ الإسلام فى هذه الآونة وانتهى الامر على ذلك ثم افترقنا ثم عزمت فى نفسى على تحرير الأمر وتفصيله مع يقينى التام أن كلامه غير صحيح لكن قلت لابد من النظر فى الأمر دون اتباع لهوى او تعصب لمذهب أو شيخ فكان ما جمعته بين يديكم هذا :

وأقول وبالله التوفيق ومنه الإعانة وعليه التكلان

إن هذا الكلام الذى ذكره الحافظ ابن حجر رحمه إثباتاً لمخالفة الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى لمنهج الأشاعرة وليس دليل على أشعريته كما يظهر للمنصف ، وما جرى له في حياة شيخه ابن تيمية رحمه الله من حوادث ، وكذا تتلمذته عليه وذكره له في تاريخه وذبه عنه.
فابن كثير رحمه الله تعالى قرر الحق في الصفات في مواضع لا تحصى وقرر أنه على مذهب السلف وأختاره، وكيف لا يكون كذلك وهو تلميذ ابن تيمية وابن القيم وصهر أبي الحجاج المزي رحمهم الله جميعاً؟!!!

وقد تتبعت تتبعت مرة عددا من عبارات ابن كثير رحمه الله في تفسيره لآيات الصفات وتأملتها فوجدتها محرّرة تحريرا ممتازا؛ فهي موافقة لمذهب السلف في الباب مقرّرة له، لكنها خرجت مخرج تأصيل وتقعيد لا مخرج شرح وتفصيل، وكأنه رحمه الله كان يخشى أن يصيبه ما أصاب شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية قبله، فجاءت عباراته على هذه الصفة
قال ولي الدين أبو زرعة العراقي في الذيل على العبر في خبر من غبر عند كلامه عن الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" و كانت له خصوصية بالشيخ تقي الدين ابن تيمية و مناضلة عنه و اتباع له في كثير من ارائه و كان يفتي برأيه في مسألة الطلاق و امتحن بسبب ذلك و أوذي " ص 360
و العراقي تلميذه , حضر عليه مع والده كما أخبر .

وقد يكون المقصد من النقل الذي ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى أن الأشعري الحقيقي المتبع لمذهب الأشعري الأخير الذي رجع إليه ( وهو مذهب السلف في الجملة) هو الأشعري الحقيقي ، وأما هؤلاء الذين ينتسبون إلى الأشعري رحمه الله وهم يؤولون الصفات فليسوا أشاعرة على الحقيقة وإنما هم على مذهب ابن كلاب .
فابن كثير أشعري حقيقي ، وأما من ينتسب إلى الأشعري من محرفي الصفات فهم مزيفين .
و الاشاعرة يحاولون نسبة العلماء إليهم ، و لهم في هذا امور معروفة بل حتى جرى نسبة بعض السلفيين الى عقيدتهم و هو حي !!!
قال الإمام العلامة جمال الدين يوسف بن حسن عبد الهادي الشهير بابن المبرد - ت 909 هـ في كتابه كشف الغطا عن محض الخطأ:
وكنت مرة عند رجل من أكابر الحنفية، فدخل رجل آخر من الحنفية، فمدحني، وقال: الشيخ رجل مليح أشعري الاعتقاد. فقال له ذلك الرجل: لأي شيء قلت أشعري العقيدة ؟ فقال: لأن الاعتقاد الصحيح ينسب إلى الأشعري.
فالله الله !! فوالله قد كذب علي، وأنا بريء من قوله، لا أكون عليه إلا أن يزول عقلي، أو يذهب ديني!!!))
عن ثمار المقاصد ص25 والتمهيد ص30 كلاهما لابن عبد الهادي.

والأشاعرة كثيرا ما يحاولون أن ينفوا رجوع أب الحسن الأشعرى رحمه الله الى مذهب الإمام أحمد رحمهما الله فى العقيدة
قال ابن درباس : ((ولقد عرضها بعض أصحابنا-أي الإبانة- على عظيم من عظماء الجهمية المنتمين افتراءً إلى أبي الحسن الأشعري ببيت المقدس، فأنكرها وجحدها، وقال: ما سمعنا بها قط، ولاهي من تصنيفه، واجتهد آخرًا في إعمال روايته ليزيل الشبهة فطنته، فقال بعد التحريك – تحريك لحيته -: لعله ألفها لما كان حشويًا، فما دريت من أي أمريه أعجب؟ أمن جهله بالكتاب مع شهرته وكثرة من ذكره في التصانيف مع العلماء، أو من جهله لحال شيخه الذي يفتري عليه بانتمائه إليه واشتهاره قبل توبته بالاعتزال بين الأمة عالمها وجاهلها؟ وشبهت أمره في ذلك بحكاية: أنبأناها الإمام أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي الحافظ رحمه الله قال: فإذا كانوا بحال من ينتمون إليه بهذه المثابة يكونون بحال السلف الماضي وأئمة الدين من الصحابة والتابعين وأعلام الفقهاء والمحدثين، وهم لا يلوون على كتبهم ولا ينظرون في آثارهم، وهم والله بذلك أجهل وأجهل، كيف لا و قد قنع أحدهم بكتاب ألفه الجهمية بعض من ينتمي إلى أبي الحسن بمجرد دعواه، وهو في الحقيقة مخالفة لمقالة أبي الحسن التي رجع إليها واعتمد في تدينه عليها، قد ذهب صاحب ذلك التأليف إلى المقالة الأولى وكان خلال ذلك أحرى به وأولى، لتستمر القاعدة وتصير الكلمة واحدة.))
رسالة في الذب عن أبي الحسن الأشعري ص131-132 لأبى القاسم عبدالملك بن عيسى بن درباس

ويقول الآلوسى صاحب روح المعانى رحمه الله : ((فإن قلت: ليس جميع ما ذكرته مذهب الإمام الأشعري كما يفصح بذلك تتبع الكتب، بل هو مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، قلت: مذهب الإمام الأشعري عند المحققين والعلماء المنصفين هو مذهب الإمام[أي أحمد بن حنبل]، كما يبين ذلك كتابه الإبانة في أمور الديانة ، وهو آخر كتاب صنفه وعليه تعتمد أصحابه في الذب عنه عند من يطعن عليه. قال فيه...[ثم نقل عنه كلاماً في إثبات العلو والصفات الخبرية] ثم نقل نصاً للمحدث الشافعي إبراهيم بن حسن الكوراني ([11] يثني عليه بما فيه ، قال فيه الكوراني على لسان الحنابلة: ..فنثبت له استقرارا حقيقاً فوق كل عرشه لأنه أثبت لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم على وجه يليق بذاته، ويقتضيه كمال صفاته ، وكذلك يقولون في النزول ونظائره)) غاية الأماني2/120-124

وفى البداية يأخى الكريم يقال اثبت العرش ثم انقش وهذا الكلام الذى ذكره الحافظ رحمه الله لا يثبت
فقول ابن حجر ((من نوادره ))إلخ بلاغ غير متصل فلا يثبت عنه لأن هذه الحكاية لم يذكر ابن حجر من حدثه بها
ثم لو تعاملنا على هذه النوادر بمقاييس أهل الأثر ، لتهاوت ولأصبحت عديمة القيمة ، لأن ابن حجر لم يذكر من الذي حكى له هذه النوادر ، ، فمن حكاها له؟؟ لم يذكر ابن حجر

إذاً فالخبر منقطع ، ولا يصح الإعتداد به كما هو معلوم
ثم إن الحافظ ابن حجر قال (ومن نوادره).....فهل تعتبر أنت النوادر حقيقة؟؟
وإذا افترضنا جدلا أنها صحيحة

فكلمة (نوادر) توحي بالفكاهة والمزاح ، فكثيرا ما يحكي لنا بعض النوادر كانت مملؤة بالمزاح وليست الحقيقة ، مثل الجاحظ عندما شحن كتابه (البخلاء ) بالنوادر وغيرها

ودليل ذلك قول نجل ابن القيم : (لو كان من رأسك إلى قدمك شعر ما صدقك)

وأنا أقول: ما علاقة شعر الجسد بمذهب الأشاعرة ؟؟؟ إلا أن يكون الأمر مجرد مزاحا لا أكثر ولا أقل!!

فهي كما قال نادرة وقعت بينهما، ولم تكن في مقام البيان والإقرار. ولا مانع من كون هذه الكلمة على فرض صحتها أنها خرجت منه على سبيل الفكاهة فهذا الحافظ ابن حجر يقول عنه في الدرر الكامنة : (وأخذ عن ابن تيمية ففتن بحبه، وامتحن بسببه. وكان كثير الاستحضار، حسن المفاكهة. سارت تصانيفة في البلاد في حياته، وانتفع بها الناس بعد وفاته).

فنجد الحافظ ابن حجر يقول أنه (حسن المفاكهة). والمقصود بقوله "لأنني أشعري" هو ما وضحه إبراهيم بن ابن القيم حين قال له "لو كان من رأسك إلى قدمك شعر"، أي كثرة الشعر. وهذا من باب المعاريض، وهو جائز في المفاكهة والتندر بلا ريب. فرسول صلى الله عليه وسلم عندما سأله الرجل في غزوة بدر من أين أنت قال أنا من (ماء). وهذا ما يسمى تعريض."
_____________________________
ثانياً: هب أننا سلمنا بصحة العبارة فهي لا تنفعهم، فالخصوم -بل عامة العقلاء- على التسليم بأنه لو قال شخص -على سبيل المثال-أنا "سني" ورددها مراراً وكتبها في كتبه ونشرها بين الناس وهو مع ذلك يكفر الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم ، لم يفده هذا الزعم شيئا ، لماذا؟ لأن مذهب أهل السنة له قواعد وأصول معروفة ومسائل مشهورة فليس الأمر مجرد لفظة تقال ! ولو قالها مبتدع لفظاً ونقضها قولاً وعملا لم يفده هذا الزعم الكاذب شيئا!
فعلى فرض صحتها فإن ظاهرها يبطل هذه الدعوى، لأن إبراهيم بن قيم الجوزية لم يصدقه فيما ذكر من الدعوى، مستدلاً بأن شيخه هو ابن تيمية، وهو المعروف عنه الرد على الأشاعرة وإبطال معتقداتهم التي خالفوا فيها الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة، وهذا أمر ظاهر، فكيف يكون تلميذ من طال كلامه في الانتصار لمذهب السلف، وأوذي في ذلك حتى اجتمع عليه الأشاعرة وسجنوه مرات عدة، كيف يكون تلميذ هذا أشعرياً، هذا تأباه العادة.

وكان ابن كثير لا يذكر شيئاً من كلام ووقائع ابن تيمية في البداية والنهاية إلا ويقول: قال شيخنا العلامة، وكان شيخنا العلامة، وربما قال: جهبذ الوقت شيخ الاسلام أبو العباس ابن تيمية، وقال مرة: "سمعت شيخنا تقي الدين ابن تيمية وشيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول كل منهما للآخر: هذا الرجل قرأ مسند الامام أحمد وهما يسمعان فلم يضبط عليه لحنة متفقا عليها، وناهيك بهذين ثناء على هذا وهما هما". ونحو ذلك مما يدل على تعظيمه له. ومن المستبعد جداً، أن يصفه بهذا الوصف، وهو مخالف له في أعظم الأمور، كأمور المعتقد.

وقد ساق ابن كثير في تاريخه كثيراً من وقائع شيخ الإسلام ابن تيمية مع مخالفيه من الأشاعرة، ومن أشهر ذلك المناظرات التي جرت بينه وبينهم في عقيدته المسماة بالواسطية، وانتصر ابن كثير له في ذلك في تاريخه.

قال: (أول المجالس الثلاثة لشيخ الاسلام ابن تيمية: وفي يوم الاثنين ثامن رجب حضر القضاة والعلماء وفيهم الشيخ تقي الدين بن تيمية عند نائب السلطنة بالقصر وقرئت عقيدة الشيخ تقي الدين الواسطية، وحصل بحث في أماكن منها، وأخرت مواضع إلى المجلس الثاني، فاجتمعوا يوم الجمعة بعد الصلاة ثاني عشر الشهر المذكور وحضر الشيخ صفي الدين الهندي، وتكلم مع الشيخ تقي الدين كلاما كثيراً، ولكن ساقيته لاطمت بحراً، .... ثم انفصل الحال على قبول العقيدة، وعاد الشيخ إلى منزله معظماً مكرماً ..... وكان الحامل على هذه الاجتماعات كتاب ورد من السلطان في ذلك، كان الباعث على إرساله قاضي المالكية ابن مخلوف، والشيخ نصر المنبجي شيخ الجاشنكير وغيرهما من أعدائه..... وكان للشيخ تقي الدين من الفقهاء جماعة يحسدونه لتقدمه عند الدولة، وانفراده بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وطاعة الناس له ومحبتهم له وكثرة أتباعه وقيامه في الحق، وعلمه وعمله .... ثم عقد المجلس الثالث في يوم سابع شعبان بالقصر واجتمع جماعة على الرضى بالعقيدة المذكورة ..... ثم جاء كتاب السلطان في السادس والعشرين من شعبان ..... وفي الكتاب إنا كنا سمعنا بعقد مجلس للشيخ تقي الدين بن تيمية، وقد بلغنا ما عقد له من المجالس، وأنه على مذهب السلف وإنما أردنا بذلك براءة ساحته مما نسب إليه ..) اهـ.

وقد أطال ابن كثير في ذكر هذه الأحداث منتصراً لشيخه ابن تيمية.

ومعلوم ما في العقيدة الواسطية ممما يخالف مذهب الأشاعرة في الصفات، والقدر، والقرآن، والإيمان، والنبوات، والكرامات، وغير ذلك من مخالفات الأشاعرة لأهل السنة في الاعتقاد.

أما التحقيق العلمي في معتقدات الأئمة، فليس بالقصص والحكايات، كما سبق أن ذكرنا، وإنما بالنصوص البينة التي سطروها في كتبهم. ومن المعلوم أن من أشهر مؤلفات ابن كثير هو تفسيره، وقد سطر فيه معتقده واضحاً جلياً، ولذلك أعرض الأشعريان عن ذكره إلا في موضع واحد، ولعل ذلك لما علما من إبطاله لدعواهما في أشعريته.

وهو -كشيخه الذهبي- كثيراً ما ينتهز الفرصة في تراجمه للأئمة فيُذكر بعقيدة المترجم له السلفية أو ينقل كلامه أو يبين توبة الأشعري أو حيرته ينظر ذلك على سبيل المثال في ترجمة شيخ الإسلام الصابوني الشافعي طبقاته ج1/352 وترجمة شيخ الشافعية في العراق محمد بن أحمد الترمذي ج 1/176وترجمة مجدد القرن الثالث أحد عظماء الشافعية الإمام ابن سريج ج1/185 ، وترجمة الحافظ ابن العطار الهمذاني -في البداية والنهاية- صاحب "فتيا وجوابها في ذكر الاعتقاد" -وفيها إثبات العلو وذم الكلام- وقال عنه أنه (صحيح الاعتقاد) وينظر ترجمة الكرجي الحافظ حيث قال: ((وله مصنفات كثيرة منها الفصول في أعتقاد الائمة الفحول، يذكر فيه مذاهب السلف في باب الاعتقاد، ويحكي فيه أشياء غريبة حسنة)) وغير هؤلاء كثير ، وفي الجهة الأخرى ينظر ترجمة الجويني ج2/49-50 والرازي ج2/258-260 والغزالي في ج2/99 من الطبقات وقال فيها: ((ولما كان الغزالي رحمه الله قد أوغل في علم الكلام –وفي نسخة علوم كثيرة-وصنف في كثير منها واشتهرت ، فصار من نظر في شيء منها يعتقد أنه كان يقول بذلك ، وإنما قاله –والله أعلم- أثراً لا معتقداً ، وقد رجع عن ذلك كله في آخر عمره إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم والاشتغال بصحيح البخاري..وقد كثر القيل والقال في مصنفاته والاستدراك عليها..ثم نقل من رد عليه))إلخ

وله رحمه الله رسالة باسم (الاعتقاد) أبان فيها عن معتقده فقال ما لفظه: (فإذا نطق الكتاب العزيز ووردت الأخبار الصحيحة بإثبات السمع والبصر والعين والوجه والعلم والقدرة والعظمة والمشيئة والإرادة والقول والكلام والرضا والسخط والحب والبغض والفرح والضحك، وجب اعتقاد حقيقة ذلك من غير تشبيه بشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، والانتهاء إلى ما قاله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من غير إضافة، ولا زيادة عليه، ولا تكييف، ولا تشبيه، ولا تحريف، ولا تبديل، ولا تغيير، ولا إزالة لفظ عما تعرفه العرب وتصرفه عليه، والإمساك عما سوى ذلك) اهـ.

وهذا كلام صريح في إثباته لصفات الله تعالى على الحقيقة، ومنعه من تأويلها، أو تغييرها، أو تشبيهها بصفات خلقه. ولم يفرق بين صفة وأخرى.

الآن إن فهمنا هذا فللنظر في مسألتنا ولنجب على هذه الأسئلة بإنصاف:

هل قرر ابن كثير رحمه الله قط في كتبه ما يقرره الأشاعرة في عقائدهم المطولة والمختصرة من أن الله ليس فوق العرش ولا تحته ولا فوق السموات ولا داخل العالم ولا خارجه لا متصل ولا منفصل ، لا يقرب منه شيء ولا ترفع إليه الأيدي ولا تتوجه له القلوب بالعلو كما فطرها الله عز وجل ، وأن القرآن العربي مخلوق -عند التعليم فقط!- ولا يكلم ولا يتكلم ولا نادى ولا ينادي بل ولا يقوم به فعل البتة بل ما يضاف إليه جل وعلا من ذلك فإنما يعود معناه إلى أمر مخلوق منفصل عنه !! ، وأن صفاته سبعة أو ثمانية والبقية تتأول أو تفوض نصوصها !! ، وأن الله قد يفعل لا لحكمة ، وأنه يجوز أن يفعل كل مقدور لا ينزهونه عن شيء منه ، فلو قدر رجلان "أحدهما مؤمن عالم عادل وصالح مصلح ، والآخر مشرك كافر وجاهل ظالم وكاذب مفسد ، ثم قدر أن ذلك المؤمن عوقب في الدنيا والآخرة ، فأذل في الدنيا وقهر وأهلك ثم جعل في الآخرة في قعر جهنم خالداً مخلداً أبد الآبدين معذباً في النار وذلك الكافر الظالم أكرم في الدنيا والآخرة وجعل في الفردوس الأعلى أبد الآبدين!!!" كان هذا غاية العدل والرحمة عندهم!! ، وأن ذات العبد محل لفعل الله فحسب فليس العبد هو الفاعل حقيقة ولا لقدرته تأثير في فعله بل هو مجرد محل !! ، وان الإيمان مجرد تصديق القلب ومعرفته!! الخ الخ وهذا كله من اعتقاداتهم المعروفة التي عليها جمهورهم والتي هي أمور مشهورة في المذهب فليست هي هفوة من أحدهم كهفوة الجويني في علم الله !! أو هفوة الغزالي في قدرة الله !! أو هفوة الرازي في إرادة الله !!ونحو هذا ، ، والقاصمة بدعة الرازي أن الأدلة اللفظية--الكتاب والسنة-- لا تفيد اليقين إلا بشروط يستحيل تحققها!!! والتي تابعها عليه الكثير منهم ، الخ الخ من هذه العقائد المخالفة صريح الكتاب والسنة وتنبذها الفطر السليمة بالمرة .

فهل قال ابن كثير قط بشىء من هذا ؟؟؟
وهل رأيته يوماً في تفسيره أو غيره من المصنفات قد احتج بالجوهر والعرض والجسم والإمكان والعلة والخلاء إلخ خرابيط المتكلمين التي يسمونها قواطع عقلية وهي هلاوس بدعية لا أكثر ولا أقل؟

وهل قرأت له يوماً أن العقل يقدم على النقل عند التعارض وأن ظواهر نصوص الصفات ضلال وكفر تنفيها القواطع العقلية-يقصدون الهلاوس-؟

هل رأيته في مصنفاته أعرض عن توحيد الألوهية والعبادة وأنفق الصفحات في نقل الإشكالات الكثيرة والإيرادات الطويلة في إثبات وجود خالق واحد للعالم والذي يعلمه عامة الناس بضرورة الفطرة ؟؟

وقد ذكر في كتبه كثيراً من كتب السنة والعقيدة السلفية ، فهل قال أنها كتب وثنية وتجسيم؟ أم أثنى عليها وعلى عقيدة مصنفيها؟

وقد وقع في عصره أعظم المنازعات بين أهل السنة والأشعرية فما كان موقفه آنذاك؟ ومع من كان مع الأشعرية أم أهل الحديث والأثر المتبعين لمنهج السلف؟

هذه الأسئلة إن أجبنا عليها بإنصاف عرفنا أن دعوى أشعرية ابن كثير دعوى باطلة وغير صحيحة البتة .
__________________________________________________ _______

ثالثاً : الإقرار بالأشعرية لا يعني التمذهب بمذهبهم :
فالاقرار من بعض اهل العلم على مذهبمن المذاهب لايعنى ابداً التمذهب بهذا المذهب
يقول الدكتور خالد بن علال الكبير (( ... وثانيا إنه كانت هناك تأثيرات فكرية متبادلة ، بين بعض متكلمي الحنابلة و متكلمي الأشاعرة ، في مجال أصول الدين ، و كانت لأسرة التميميين الحنبلية ، أقوال متقاربة مع أقوال أبي بكر الباقلاني ، ، الذي كان يكتب في بعض جواباته اسمه هكذا : محمد بن الطيب الحنبلي ، و قد يكتبه هكذا : محمد بن الطيب الأشعري . و كان الحنبليان البغداديان أبو بكر غلام الخلال ،و أبو الحسن التميمي يعدان أبا الحسن الأشعري من متكلمة أهل السنة الموافقين لمذهب السلف في الجملة .
و ثالثا إن الأشاعرة الأوائل احتموا و تستروا بانتسابهم للحنابلة ، و إظهار موافقتهم لمذهبهم –أي لمذهب الحنابلة-، و في هذا الشأن يقول شيخ الشافعية أبو إسحاق الشيرازي (ت476ه) : (( إنما نفقت الأشعرية عند الناس بانتسابهم إلى الحنابلة )) ؛ و كان الباقلاني يكتب في بعض جواباته : محمد بن الطيب الحنبلي،و عندما رُفع أمره إلى الخليفة القادر بالله ، و ضاق عليه الحال ، تستر بالانتساب إلى الإمام أحمد بن حنبل،و أظهر موافقته له ،و كان –أي الباقلاني- أحيإا ينتسب إلى الأئمة الثلاثة : مالك و الشافعي و احمد ))
انتهى النقل عن كتاب الأزمة العقيدية بين الأشاعرة و أهل الحديث - خلال القرنين:الخامس والسادس الهجريين- مظاهرها ، آثارها ، أسبابها ، و الحلول المقترحة لها

وعلى هذا فقد أورد تاج الدين السبكي في ترجمة والده مانصه : ((ولما شغرت مشيخة دار الحديث الأشرفية بوفاة الحافظ المزي عين هو الذهبي لها فوقع السعي فيها للشيخ شمس الدين ابن النقيب وتكلم في حق الذهبي بأنه ليس بأشعري وأن المزي ما وليها إذ وليها إلا بعد أن كتب خطه وأشهد على نفسه بأنه أشعري العقيدة ))
* ساق محقق التهذيب هذه القصة نقلا عن مصادرها الكثيرة واسمحولي بذكرها بطولها حيث قال: (( نتيجة لما بلغه المزي من منزلة مرموقة بين علماء عصره ، وما عرف عنه من ديانة متينة وحفظ وإتقان وبراعة في الحديث وعلومه ، فقد ولي دار الحديث الأشرفية في يوم الخميس الثالث والعشرين من ذي الحجة سنة (718) .
وليها على الرغم من معارضة الكثيرين بسبب صحبته لشيخ الاسلام ابن تيمية وتأييده لآرائه ، لكن علمه وفضله ، وهما مما لا يستطيع أن ينكره الأشاعرة ولا غيرهم ، جعلهم يضطرون إلى توليته هذه الدار التي كانت تعد من أكبر دور الحديث بدمشق وعلى الرغم من أنه كتب بخطه حين وليها بأنه أشعري ، فقد أبانوا عن سخطهم ، فلم يحضروا حفل الافتتاح كما جرت العادة آنذاك ، قال العماد ابن كثير : ولم يحضر عنده كبير أحد ، لما في نفوس بعض الناس من ولايته لذلك مع أنه لم يتولها أحد قبله أحق بها منه ، وما عليه منهم إذا لم يحضروا ؟ فإنه لا يوحشه إلا حضورهم عنده ، وبعدهم آنس ، والله أعلم.
وقد جرت محاولات عدة لاخراجه من مشيخة هذه الدار باءت كلها بالفشل لما كان يتمتع به الحافظ المزي من المكانة الرفيعة بدمشق ، تلك المكانة التي اعترف بها المخالف قبل الموافق. واستمرت المكائد تحاك ضده حتى وهوفي آخر شيخوخته ، ففي سنة ولى تقي الدين السبكي قضاء الشافعية بدمشق ، وما إن وصل دمشق حتى حضر عنده الشيخ صدر الدين سليمان بن عبد الحكيم المالكي بعد ليلة واحدة من دخوله، وكان صدر الدين أشعريا جلدا متعصبا على المخالفين ، ولكن التقي السبكي كان يحبه، فروى التاج السبكي أن والده التقي قال : دخل إلي وقت العشاء الآخرة ، وَقَال أمورا يريد بها تعريفي بأهل دمشق ، قال : فذكر لي البرزالي وملازمته لي ، ثم انتهى إلى المزي ، فقال : وينبغي لك عزله من مشيخة دار الحديث الأشرفية ، قال الشيخ الإمام - يعني التقي- ، فاقشعر جلدي ، وغاب فكري ، وقلت في نفسي : هذا إمام المحدثين ، الله لو عاش الدارقطني استحيى أن يدرس مكانه. قال : وسكت ، ثم منعت الناس من الدخول علي ليلا ، وقلت : هذه بلدة كثيرة الفتن. فقلت أنا للشيخ الإمام : إن صدر الدين المالكي لا ينكر رتبة المزي في الحديث ، ولكنه كأنه لاحظ ما هو شرط واقفها ، من أن شيخها لابد أن يكون أشعري العقيدة ، والمزي وإن كان حين ولي كتب بخطه بأنه أشعري إلا أن الناس لا يصدقونه في ذلك. فقال : أعرف أن هذا هو الذي لاحظه صدر الدين ، ولكن من ذار الذي يتجاسر أن يقول : المزي ما يصلح لدار الحديث )) تهذيب الكمال مقدمة المحقق : 1/27.
قلــت: فإذاكان القوم أشد مايكونون فرحا بتلك الجملة المقتبسة أعلاه من كلام ابن كثير رحمه الله فلماذا سعى شيخهم المتعصب في عزل المزي رحمه الله في عن مشيخة دار الحديث الأشرفية بعد إقراره إذاكان الإقرار دليلا على التمهذب حقا !!
ثم لماذا ينتزعها الشيخ كمال الدين المعري من ابن كثير نفسه ولم لم تشفع له أشعريته التي ها أنتم تفرحون بها ؟! انتهى

و قد ذكره الإمام العلامة جمال الدين يوسف بن حسن رحمه الله في كتابه جمع الجيوش عند ذكره لبعض الأئمة و العلماء و الأعيان ممن جانبوا الأشاعرة
__________________________________________
رابعاً : اعترافهم بأنه ليس أشعري العقيدة :

أن القوم أنفسهم اعترفوا بنفي نسبته للأشعرية ووصفوا معتقده بالفساد وأنه على طريقة واحدة هو وابن تيميه، فكيف يكونوا -هو وهم- جميعاً أشاعرة !!؟
ولو كان ابن كثير معهم لما قالوا هذا فيه فالحمد لله الذي أنطقهم بالحق ، ففي مقدمة "الإشارة في علم الكلام" للرازي تحقيق بعض أتباع سعيد فودة وبإشرافه هو وبتقديم علي جمعه مفتي مصر الأشعري فيه ص 32: ((ابن كثير والذهبي كانا على طريقة ابن تيميه في العقائد وإن كان ابن كثير أقل من الذهبي والذهبي أقل من شيخه ، إلا أنهم يجمعهم طريقة واحدة في العقائد))

وهاهو المدعو محمد زاهد الكوثرى فى كتابه المقالات ص 375 يقول :
وأما أمثال ابن كثير والصلاح بن شاكر الكثبي والشمس بن عبد الهادي من الذين اتصلوا به(يعني ابن تيمية)وهم شباب حتى افتتنوا به وعزروا على ذلك فلا يوثق بهم في ترجمة الرجل.

فكيف ينسبون الرجل الى مذهبهم ثم يتهمونه بأنه فاسد المعتقد
____________________________________________

خامسا : ملازمته ودفاعه عن ألد أعداء الأشاعرة اليوم وهو ابن تيمية رحمهما الله :
وفي ذلك نقل الحافظ بن حجر رحمه الله مانصه : ((ولازم المزي وقرأ عليه تهذيب الكمال وصاهره على ابنته وأخذ عن ابن تيمية ففتن بحبه وامتحن لسببه)) الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة لابن حجر:1/125.
* وقال عنه هو رحمهما الله : ((وكان للشيخ تقي الدين من الفقهاء جماعة يحسدونه لتقدمه عند الدولة، وانفراده بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وطاعة الناس له ومحبتهم له وكثرة أتباعه وقيامه في الحق، وعلمه وعمله )) البداية والنهاية لابن كثير :14/42.
* وقال رحمه الله أيضا : ((وفي يوم الاثنين ثامن رجب حضر القضاة والعلماء وفيهم الشيخ تقي الدين بن تيمية عند نائب السلطنة بالقصر وقرئت عقيدة الشيخ تقي الدين الواسطية، وحصل بحث في أماكن منها، وأخرت مواضع إلى المجلس الثاني، فاجتمعوا يوم الجمعة بعد الصلاة ثاني عشر الشهر المذكور وحضر الشيخ صفي الدين الهندي، وتكلم مع الشيخ تقي الدين كلاما كثيرا، ولكن ساقيته لاطمت بحرا)) المصدر السابق.
* وقال أيضـا: ((وفي هذا الشهر باشر قاضي القضاة ابن جماعة مشيخة سعيد السعداء بالقاهرة بطلب الصوفية له، ورضوا منه بالحضور عندهم في الجمعة مرة واحدة، وعزل عنها الشيخ كريم الدين الايكي، لانه عزل منها الشهود، فثاروا عليه وكتبوا في حقه محاضر بأشياء قادحة في الدين، فرسم بصرفه عنهم، وعومل بنظير ما كان يعامل به الناس،ومن جملة ذلك قيامه على شيخ الاسلام ابن تيمية وافتراؤه عليه الكذب، مع جهله وقلة ورعه، فعجل الله له هذا الخزي على يدي أصحابه وأصدقائه جزاء وفاقا )) المصدر السابق: 14/ 57.

قال ولي الدين أبو زرعة العراقي في الذيل على العبر في خبر من غبر عند كلامه عن الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" و كانت له خصوصية بالشيخ تقي الدين ابن تيمية و مناضلة عنه و اتباع له في كثير من ارائه و كان يفتي برأيه في مسألة الطلاق و امتحن بسبب ذلك و أوذي " ص 360
__________________________________________________ _


سادساً : إنكاره تفسير الإستواء بالإستلاء قولا واحدا:
وفي ذلك قال رحمه الله : ((وحكى نفطويه أن جريرا دخل يوما على بشر بن مروان وعنده الأخطل، فقال بشر لجرير: أتعرف هذا ؟ قال: لا، ومن هذا أيها الأمير ؟ فقال: هذا الأخطل، فقال الأخطل، أنا الذي قذفت عرضك، وأسهرت ليلك، وآذيت قومك، فقال جرير: أما قولك شتمت عرضك فما ضر البحر أن يشتمه من غرق فيه، وأما قولك وأسهرت ليلك، فلو تركتني أنام لكان خيرا لك، وأما قولك وآذيت قومك فكيف تؤذي قوما أنت تؤدي الجزية إليهم ؟ وكان الأخطل من نصارى العرب المتنصرة، قبحه الله وأبعد مثواه، وهو الذي أنشد بشر بن مروان قصيدته التي يقول فيها:
قد استوى بشر على العراق ** من غير سيف ودم مهراق
وهذا البيت تستدل به الجهمية على أن الإستواء على العرش بمعني الإستيلاء، وهذا من تحريف الكلم عن مواضعه، وليس في بيت هذا النصراني حجة ولا دليل على ذلك، ولا أراد الله عز وجل باستوائه على عرشه استيلاءه عليه، تعالى الله عن قول الجهمية علوا كبيرا , فإنه إنما يقال استوى على الشئ إذ كان ذلك الشئ عاصيا عليه قبل استيلائه عليه، كاستيلاء بشر على العراق، واستيلاء الملك على المدينة بعد عصيانها عليه، وعرش الرب لم يكن ممتنعا عليه نفسا واحدا، حتى يقال استوى عليه، أو معنى الإستواء الإستيلاء، ولا تجد أضعف من حجج الجهمية، حتى أداهم الإفلاس من الحجج إلى بيت هذا النصراني المقبوح وليس فيه حجة والله أعلم)) البداية والنهاية : 9/290.
_______________________________

سابعاً : موقفه من أهل الكلام والجعجعة :

وفي ذلك نقل رحمه الله في ترجمة الإمام الشافعي مؤيدا لا معارضا حيث قال: ((قال: لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك بالله خير له من أن يلقاه بشئ من الأهواء ,وفي رواية خير من أن يلقاه بعلم الكلام, وقال: لو علم الناس ما في الكلام من الأهواء لفروا منه كما يفرون من الأسد, وقال: حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد، ويطاف بهم في القبائل وينادى عليهم هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام )) البداية والنهاية له :10/ 277.
* وقال فيها رحمه الله : ((ومن شعره في هذا المعنى قوله:
كل العلوم سوى القرآن مشغلة * إلا الحديث وإلا الفقه في الدين
العلم ما كان فيه قال: حدثنا * وما سوى ذاك وسواس الشياطين
وكان يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال مخلوق فهو كافر.
وقد روى عن الربيع وغير واحد من رؤوس أصحابه ما يدل على أنه كان يمر بآيات الصفات وأحاديثها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تحريف، على طريق السلف )) المصدر السابق.
قلــت: أين ذهب الخوض في الكلام والدخول فيه من أوسع الأبواب أم الأصل في ذلك غاب عن الإمام فأدلى فيه ببضاعة مزجاة أم أن الإمام حقا لا يمكن أن يدان بمايحاول القوم إدانته به .
____________________________________________
ثامناً _ إثباته للصفات كلها من غير تأويل:

وفي ذلك قال رحمه الله : ( فإذا نطق الكتاب العزيز ، ووردت الأخبار الصحيحة ، بإثبات السمع والبصر والعين والوجه والعلم والقوة والقدرة والعظمة والمشيئة والإرادة والقول والكلام والرضى والسخط والحب والبغض والفرح والضحك ، وجب اعتقاد حقيقته من غير تشبيه بشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين ، والإنتهاء إلى ما قاله الله سبحانه وتعالى ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم من غير إضافة ولا زيادة عله ، ولا تكييف له وتشبيه ، ولا تحريف ، ولا تبديل ، ولا تغيير ، ولا إزالة لفظ عما تعرفه العرب وتصرفه عليه ، والإمساك عما سوى ذلك )) علاقة الإثبات والتفويض لرضا نعسان معطي:1/51, نقلا عن العقائد لابن كثير رحمه الله .

ومما يثبت انكاره التأويل واثباته للصفات استغرابه من تأويل ابن حزم ووصف ذلك بفساد الحال في الصفات :
وفي ذلك قال رحمه الله : (( والعجب كل العجب منه أنه كان ظاهريا حائرا في الفروع، لا يقول: بشئ من القياس لا الجلي ولا غيره، وهذا الذي وضعه عند العلماء، وأدخل عليه خطأ كبيرا في نظره وتصرفه وكان مع هذا من أشد الناس تأويلا في باب الأصول، وآيات الصفات وأحاديث الصفات، لانه كان أولا قد تضلع من علم المنطق، أخذه عن محمد بن الحسن المذحجي الكناني القرطبي، ذكره ابن ماكولا وابن خلكان، ففسد بذلك حاله في باب الصفات)) البداية والنهاية لابن كثير :12/ 113.

__________________________________________________ ____

تاسعاً _ ترجيحه لمذهب السلف الصالح في الصفات:

وقد ساقه في أكثر من موضع في جميع كتبه وسأختصر على كتابه في التفسير فمن ذلك :
(أ) قوله رحمه الله : (( وأما قوله تعالى: { ثم استوى على العرش } فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدا، ليس هذا موضع بسطها، وإنما يسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح: مالك، والأوزاعي، والثوري والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه وغيرهم، من أئمة المسلمين قديما وحديثا، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل. والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله، فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه، و { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } الشورى, بل الأمر كما قال الأئمة منهم نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري: "من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر". وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه، فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة، على الوجه الذي يليق بجلال الله تعالى، ونفى عن الله تعالى النقائص، فقد سلك سبيل الهدى)) تفسير ابن كثير : 3/ 427.

(ب) قوله رحمه الله : (( وقوله { الرحمن على العرش استوى } : تقدم الكلام على ذلك في سورة الأعراف، بما أغنى عن إعادته أيضا، وأن المسلك الأسلم في ذلك طريقة السلف، إمرار ما جاء في ذلك من الكتاب والسنة من غير تكييف ولا تحريف، ولا تشبيه، ولا تعطيل، ولا تمثيل)) المصدر السابق: 5/ 273.

(ج)قوله رحمه الله : ((فقوله: { وهو العلي العظيم } كقوله: {وهو العلي الكبير} وكقوله: { الكبير المتعال } الرعد.
وهذه الآيات وما في معناها من الأحاديث الصحاح الأجود فيها طريقة السلف الصالح إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه)) المصدر السابق: 1/682.

(د)قوله رحمه الله : (( قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما : { وما قدروا الله حق قدره } هم الكفار الذين لم يؤمنوا بقدرة الله تعالى عليهم، فمن آمن أن الله على كل شي قدير، فقد قدر الله حق قدره، ومن لم يؤمن بذلك فلم يقدر الله حق قدره.

وقد وردت أحاديث كثيرة متعلقة بهذه الآية الكريمة، والطريق فيها وفي أمثالها مذهب السلف، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تحريف)) المصدر السابق:7/113.

__________________________________________________ ____

عاشراً : إقراره بأن الله خلق آدم بيده :

وفي ذلك قال رحمه الله : ((خلق بيده الكريمة آدم أبا البشر، وصور جثته ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته)) البداية والنهاية له :1/5.
فهاهو يقول رحمه الله إنها يد لكن هل يستلزم كونها يد أن تكون كيدي أو كأيادي بقية أفراد العائلة الأشعرية لا ليس الأمر كذلك فللإنسان يد وللفيل يد تليق به .
وللطيور أجنجة وللملائكة تليق بها ولا يستدعي أن تكون اليد مماثلة للتي نعرفهاوهذا هو التشبيه الذي ينفيه مذهب أهل السنة والجماعة كما أن التأويل بكيت وكيت والنفي المطلق هو ما نهى عنه أيضا .
__________________________________________________ _____

الحادى عشر _ اعتماده على الكتاب والسنة أصلا وهو تقديم النقل على العقل:
وفي ذلك قال رحمه الله : ((وإنما الاعتماد والاستناد على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما صح نقله أو حسن وما كان فيه ضعف نبينه وبالله المستعان وعليه التكلان)) البداية والنهاية :1/7.
__________________________________________________ ____

الثانى عشر : إقراره بأن إثبات الصفات هو مذهب السلف:

وفي ذلك قال رحمه الله عن أبي الحسن الأشعري نفسه في "طبقات الشافعيين" في ترجمة أبي الحسن الأشعري مانصه :
((ذكروا للشيخ أبي الحسن الأشعري ثلاثة أحوال أولها حال الاعتزال التي رجع عنها ولا محالة والحال الثاني إثبات الصفات العقلية ؛ وهي الحياة والعلم ، والقدرة ، والارادة ، والسمع ، والبصر ، والكلام . زتأويل الخبرية كالوجة واليدين والقدم والساق ونحو ذلك، الحال الثالث إثبات ذلك كله من غير تكييف ولا تشبيه جرياً على منوال السلف وهي طريقته في الإنابه التي صنفها آخرا وشرحها الباقلاني، ونقلها ابن عساكر وهي التي مال إليها الباقلاني، وإمام الحرمين، وغيرهما من أئمة الأصحاب المتقدمين، في أواخرأقوالهم))إتحاف السادة المتقين للزبيدي: 2/ 4.

فهل يستطيع الأشاعرة اليوم أن يقولوا أنهم على طريقة السلف الصالح وعلى طريقة أبي الحسن الأشعري الأخيرة التي عناها ابن كثير رحمه الله هاهنا ووصفها بمنوال السلف .. لا والله .!
__________________________________________________ __

الثالث عشر : مواقفه من كتب السنة وكتب الصفات :
وفي ذلك قال رحمه الله في ترجمة ابن أبي عاصم مانصه : ((قلت: ومن توفي فيها أبو بكر بن أبي عاصم صاحب السنة والمصنفات وهو: أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الضحاك ابن النبيل، له مصنفات في الحديث كثيرة، منها كتاب السنة في أحاديث الصفات على طريق السلف، وكان حافظا، وقد ولي قضاء أصبهان بعد صالح بن أحمد، وقد طاف البلاد قبل ذلك في طلب الحديث)) البداية والنهاية لابن كثير:11/ 96.

فلا أدرى بعد كل هذا كيف ينسب الأشاعرة ابن كثير الى مذهبهم

هذا وصلى الله على نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه

أبويحى محب الدين
عبدالمعطى بن إبراهيم الباجورى
الأزهرى المصرى ، الشافعى ثم الحنبلى