المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الممتن على القواعد الأربع الجزء الثاني والأخير



أهــل الحـديث
27-10-2013, 05:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


القاعدة الثالثة :": أن النبي صلى الله عليه وسلم ظهر على أناس متفرقين في عبادتهم منهم من يعبد الملائكة. ومنهم من يعبد الأنبياء والصالحين. ومنهم من يعبد الأشجار والأحجار. ومنهم من يعبد الشمس والقمر. وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفرق بينهم. والدليل قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}.
ودليل الشمس والقمر قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}.
ودليل الملائكة قوله تعالى: {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً}.
ودليل الأنبياء قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} . ودليل الصالحين قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} .
ودليل الأشجار والأحجار قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى}، وحديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينطوون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط. فمررنا بسدرة فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط، كما لهم ذات أنواط". الحديث..
أولا : مضمونها "أن الشرك ليس قاصرا على عبادة الأصنام وحدها "
دليل القاعدة : أن النبي صلى الله عليه وسلم ظهر على أناس متفرقين منهم من يعبد الأصنام ،ومنهم من يعبد الملائكة ،ومنهم من يعبد الصالحين ، ومنهم من يعبد الأنبياء، ومع ذلك قاتلهم النبي ولم يفرق بين أحد منهم ، قال تعالى " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " .
ثالثا : من إشارات القاعدة وفوائدها :
1- ساد عند بعض الناس قصر الشرك على عبادة الأصنام وحدها ، فبين المجدد في هذه القاعدة أن النبي عليه الصلاة والسلام ظهر على أناس متفرقين في عبادتهم ولم يفرق بين أحد منهم ، بل قاتلهم جمعيا ، ممايدل على اتساع مفهوم الشرك ليدخل فيه كل من أشرك مع الله أحد وصرف له شيئا من حقوق الخالق .
قلت ومن أدلة تقرير هذه القاعدة سوى ماذكر المصنف رحمة الله مايلي :
1- الآيات التي جاءت بالتحذير من الشرك ، والوعيد عليه ، غالبها جاءت مشوبة بدلالات العموم ولربما استوحي من ذلك اتساع مفهوم الشرك، وتعدد صوره وأنواعه ،وانتقاله إلى كل ماوجد فيه معناه ، قال عبد الله بن مسعود :"الربا بضع وسبعون بابا، والشرك نحو ذلك " 1.
2- جاء في كتاب الله وسنة نبيه تسمية بعض الأعمال شركا، مع أنه ليس فيها عبادة أصنام ،" إن الرقى والتمائم والتولة شرك " ، " الطيرة شرك " ، " من علق تميمة فقد أشرك " ، فدلت على أن الشرك ينتقل إلى كل ماوجد فيه معناه ، قال ابن القيم : فالشرك والكفر هو شرك لحقيقته ومعناه لا لأسمه ولفظه ،فمن سجد لمخلوق وقال ليس هذا سجود له ، هذا خضوع وتقبيل الأرض بالجبهة، أو هذا إكرام ، لم يخرج بهذه الألفاظ عن كونه سجودا لغير الله ، وكذلك من ذبح للشيطان ودعاه واستعاذ به وتقرب إليه بما يحب فقد عبده وإن لم يسم ذلك عبادة "2 .
- عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ مَرَّ بِشَجَرَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهَا : ذَاتُ أَنْوَاطٍ يُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : سُبْحَانَ اللهِ هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ3.
ثانيا : الفوائد المستنبطة من حديث أبي واقد الليثي :
1- أن العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني ، حيث أن النبي عليه الصلاة والسلام جعل طلب أولئك من جنس طلب بني إسرائيل لموسى عليه الصلاة والسلام " اجعل لنا إلهه كما لهم الهه " ، ولم ينظر إلى كونهم سموها ذات أنواط ، فالمشرك مشرك ، وإن سمى شركه ماسماه ، كمن يسمى دعا الأموات والنذر والذبح لهم تعضيما أو محبة ، فإن ذلك هو الشرك ، وإن سماه ماسماه ، وقس على ذلك 4 .
2- فيه خفاء الشرك ،وعدم وضوح بعض مسائلة ، فقد خفي على بعض خيار القوم في عهد رسول الله صلى الله علية وسلم فكيف بمن دونهم ، قال المصنف : وأن قول القائل التوحيد فهمناه هذا من أكبر الجهل ومن مكائد الشيطان .
3- وقد اختلف في طلبهم من النبي عليه الصلاة والسلام هل هو من الشرك الأكبر أو مجرد المشابهة التي لاتصل إلى حدا الشرك الأكبر ؟
فظاهر كلام المولف في كشف الشبهات ، وقبله ابن القيم ،واختيار سليمان بن عبدالله وابن باز 5رحمهم الله بأنه من الشرك الأكبر ، لقوله " قلتم كما قالت بنو إسرائيل لموسى ، اجعل لنا إلها كما لهم آلهة " وإنما لم يكفروا لأمرين :
الأمر الأول : أنهم طلبوا ولم يفعلوا " ولم يقع من هؤلاء شرك وإنما طلبوا الإذن أن يجعل لهم ذات أنواط ، وأما من وقع في الشرك فإنه يحكم عليه أنه مشرك ، لأن هذا من الأمور الظاهرة ".
الأمر الثاني : أنهم حدثاء عهد بكفر ،" وأن المسلم المجتهد إذا تكلم بكلام كفر وهو لايدري فنبه على ذلك فتاب من ساعته أنه لا يكفر ، كما فعل بنو إسرائيل والذين سألوا رسول الله " أفاده المصنف .
4- فيه التغليظ بالإنكار ، حيث غلظ النبي عليهم ليكون أوقع في قلوبهم ، وأبعد لهم عن طلبه مرة أخرى ، وتذكيرا لهم بشدته وخطورته 6.
5- الغضب عند انتهاك حرمات الله ، والوقوع في محارمه ، حيث قال عليه الصلاة والسلام :" الله أكبر إنها السنن قلتم كما قالت بنوا إسرائيل لموسى ..".
6- أن المنتقل من الأمر الباطل الذي اعتاده قلبه لابد أن يكون في قلبه شي من تلك الغائلة 7وهذا يستوجب أمرين :
- تعاهده بالنصح والتوجيه بالرفق واللين ، عدم الضجر إذا بدأت منه تلك الغائلة أو شي من موجباتها لأن مثل يعرض ويزول، ومع التوجيه والتعليم يزول بإذن الله .
7- قال الشوكاني "ولم يكن من قصدهم أن يعبدوا تلك الشجرة ، أو يطلبوا منها مايطلبه أهل القبور من القبور ،ومع ذلك أخبرهم النبي عليه الصلاة والسلام أن هذا بمنزلة الشرك الصريح ،وأنه بمنزلة طلب آلهة مع الله تعالى .." 8
الخلاصة :
وكأني بالمجدد رحمة الله قصد من إيراد القواعد السابقة التقريب بين المشركين الأولين ومن في زمانه حتى وصل إلى تقرير أن مشركي زمانه شركهم كالأولين بل لربما أن شرك بعضهم أشد من شرك الأولين ، وذلك أنه قد أثير على الشيخ في وقته من بعض خصومه ومناوئيه كيف يستدل وينزل ماجاء من الآيات والأحاديث في شأن المشركين الأولين على مشركي زمانه.
وقد تحدث الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن عن هذه الشبهة فكان مما قاله رحمه الله:
(أن من منع تنزيل القرآن، وما دل عليه من الأحكام على الأشخاص والحوادث التي تدخل العموم اللفظي، فهو من أضل الخلق وأجهلهم بما عليه أهل الإسلام وعلماؤهم قرناً بعد قرن، وجيلاً بعد جيل، ومن أعظم الناس تعطيلاً للقرآن، وهجراً له وعزلاً عن الاستدلال به في موارد النزاع، فنصوص القرآن وأحكامه عامة لا خاصة بخصوص السبب.
وما المانع من تكفير من فعل ما فعلت اليهود من الصد عن سبيل الله والكفر به. مع معرفته ؟) 9.
ويقول ابن سحمان:
(فمن فعل كما فعل المشركون من الشرك بالله، بصرف خالص حقّه لغير الله من الأنبياء والأولياء والصالحين، ودعاهم مع الله، واستغاث بهم كما يستغيث بالله، وطلب منهم ما لا يطلب إلا من الله، فما المانع من تنزيل الآيات على من فعل كما فعل المشركون، وتكفيره، وقد ذكر أهل العلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولكن إذا عميت قلوبهم عن معرفة الحق، وتنزيل ما أنزله الله في حق المشركين على من صنع صنيعهم واحتذا حذوهم فلا حيلة فيه) 10.
القاعدة الرابعة : "أن مشركي زماننا أغلظ شركا من الأولين، لأن الأولين يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة، ومشركوا زماننا شركهم دائما في الرخاء والشدة.
والدليل قوله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}"
- أن مشركي زماننا أغلظ شركا من الأولين لعدة أمور :
1- أن الأولين يشركون في الرخاء، ويخلصون في الشدة ، ومشركوا زماننا شركهم دائما في الرخاء والشدة في الغالب ، بل في حالة الشدة أشد في الغالب .
2- أن الأولين شركهم في الألوهية غالبا ، ومشركوا زماننا فشرك كثير منهم في الألوهية والربوبية .
3- كثير من مشركين زماننا يعتقدون فيمن يدعونهم استقلالهم بالنفع والضر ، وأما الأولين فهم إنما يدعونهم ليقربوهم إلى الله زلفى ولم يعتقدوا فيمن يدعونهم تفردهم بالنفع والضر .
4- أهل زماننا قد يدعون مع الله أفسق الناس وأفجرهم ، وأما الأولون فهم في الغالب يدعون مع الله أحجار مطيعة ، أو ملائكة ،أو المسيح ،أو غير ذلك ، وكل شرك ، ولكن ثمة فرق بين من دعا مع الله أفسق الناس وأفجرهم وبين من دعا أحجار مطيعة غير عاصية لله 10.
مسألة : هل يستوي يسير الشرك الأكبر وكثيره ؟ يقال لها اعتباران :
1-: أما باعتبار المآل وهو الوقوع في الشرك والخروج من الملة ، فهما سواء ، لحديث فقالوا لأحدهما قرب قال: ليس عندي شيء أقرب قالوا له: قرب ولو ذباباً، فقرب ذباباً، فخلوا سبيله، فدخل النار، وقالوا للآخر: قرب، فقال: ما كنت لأقرب لأحد شيئاً دون الله عز وجل، فضربوا عنقه فدخل الجنة " 11.
2- : وباعتبار العقوبة والعذاب وشدته فهو مختلف ، لأن النار درجات ينزل فيها أهله على حسب ذنوبهم ومعاصيه ، قال الله تعالى : إنما النسي زيادة في الكفر " وقال تعالى " الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون " .
خلاصة القواعد الأربع :
1- أن الإقرار بتوحيد الربوبية وحده لا يكفي للدخول في الإسلام .
2- أن المشركين إنما دعوا معبوداتهم لتشفع لهم عند الله ، ولم يعتقدوا استقلالها بالنفع والضر ، ومع ذلك كفروا وقاتلهم رسول الله.
3- أن الشرك ليس قاصرا على عبادة الأصنام ، بل ينتقل إلى كل ماوجد فيه معناه .
4- أن مشركي زماننا أشد شركا من الأولين . والحمد لله على التمام والكمال
---------------------------------------------
1 - أخرجه أحمد والبزار من طريق عبدالله بن مسعود وجاء مرفوعا وموقوفا والصواب فيه الوقف ، وله حكم الرفع لأن مثله لايقال من قبيل الرأي .
2- ابن القيم بدائع الفوائد (2-235 ) .
3 - أخرجه الترمذي وأحمد وغيرهم ورجاله ثقات .
4 - أفادة عبدالرحمن بن حسن رحمة الله ( فتح المجيد ص145 )
5- كشف الشبهات وفتح المجيد مع تعليق ابن باز عليه رحمهم الله تعالى .
6 - ابن حميد رحمة الله شرح كشف الشبهات ص 86
7- الدر النضيد الشوكاني ص 9
8 - مصباح الظلام بتصرف يسير 140ص
9- كشف غياهب الظلام عن أوهاب جلاء الأوهام ص195
10- راجع كشف الشبهات للمجدد و العقيدة الصحيحة لأبن باز رحمهما الله .
11- أخرجه أحمد في الزهد وابن أبي شيبة من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن سليمان بن ميسرة عن طارق بن شهاب عن سلمان موقوفا عليه ، وله حكم الرفع .