أهــل الحـديث
26-10-2013, 05:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم
(لَيْسَ غَيْرُ)،وقولُهم:(لا غَيْرُ) لَحْنٌ ؟! :(غَيْر) اسمٌ ملازِمٌ للإضافة في المعنى، ويجوزُ أن يُقطَعَ عنها لفظًا إن فُهِم المعنى،وتَقدّمتْ عليها كلمة (ليس)، تقول: جاءني زيدٌ ليس غيرُ،تريد:ليس غيرُهُ عندي.
وعِلمي أنّ العربَ المعتبر كلامُهم(1) لم تَتفوّه بهذا التّركيب (لا غَيْر)(2)،في نظمها ونثرها،(وإنّما يُستعمَلُ [ذلك] إذا كانتْ "إِلاَّ" و "غيرُ" بعدَ "ليسَ"،ولو كَانَ مَكانَ "لَيْسَ" غَيْرُهَا من أَلْفَاظ الجَحْد لم يَجُزِ الحَذْفُ،ولا يُتَجاوَزُ بذلك مَوْرِدُ السَّمَاع)(3) .
واعتبره ابنُ مالك (ت:672هـ)،واحتجّ له في باب القَسَم من شرح التّسهيل (3/ 209)(4) و (3/ 75)(5)،بشاهد غريب،هو قول الشّاعر (؟) [من الطّويل]:
جَوابًا به تَنْجُو اعْتَمِدْ فَوَرَبِّنا *** لَعَنْ عَمَلٍ أَسْلَفْتَ لا غيرُ تُسْأَلُ(6).
وتبع ابنَ مالك في اعتباره أكثرُ مَن جاء بعده،اعتمادا منهم على هذا البيت الفَرْد،فمنهم:
1- الزّركشي (ت:794هـ) في البحر المحيط (2 /309).
2- الفيروزبادي (ت:817هـ) في القاموس المحيط(7) (ص 453)(8).
3- الأشموني (ت:900هـ) في شرح الألفيّة (2/ 321).
4- خالد الأزهري (ت:905هـ) في شرح التّصريح (1 /718 رقم 547).
5- السُّيوطي (ت:911هـ) في همع الهوامع (2 /145).
6- الزّبيدي (ت:1205هـ) في تاج العروس (13/ 284 - 285).
7- عبد الغنيّ الدّقر (معاصر) في معجم القواعد العربيّة (ص376 لا غير).
و ... الخ .
وقد حاولت جاهِدا أن أظفر بشاهدٍ واحدٍ فقط لتجويز هذا التّوظيف (لا غير)؛فلم أسطِعْ ذلك،ولعلّ الأيّام تُسفِرُ عنه – إن شاء اللّه تعالى – .
ثمّ وقفتُ على ما خطّته يراعة الفاضل فيصل المنصور في ملتقى أهل اللّغة ضمن حلقة النّحو والصّرف تحت عنوان:(وقفة مع وضع ابن مالك للشّواهد النّحوية)(9)،حيث قرّر فيها أنّ ابنَ مالك حشا كتابه بنحو سبع مئة بيتٍ من الشّعر من غير أن ينسبها لأحد،ولا عُرِفَتْ لأحدٍ من الشّعراء قبله؛ذلك لأنّه هو واضِعُها !(10).
كذا قال !،وقد سقت بقيّة كلامه في الحاشية بحروفه؛لتأييد(11) ما ذهبت إليه من كون هذا البيت:
جَوابًا به تَنْجُو اعْتَمِدْ فَوَرَبِّنا *** لَعَنْ عَمَلٍ أَسْلَفْتَ لا غيرُ تسْألُ
فرْدٌ في بابه،وواضعُه – إنْ لم يكن ابنَ مالك رحمه اللّه تعالى – مجهولٌ؛فكيف – والحال على ما وصفت – يُستدلُّ به على توظيف هذا التّركيب اللّغوي (لا غَيْر)،من غير أن يشهد له شاهِدٌ واحد من لغة العرب ؟!؛ممّا يؤكِّد – في نظري - أنّه تركيب دخيل مباين لسنن العرب في الخطاب والكتاب .
وعن هذا الشّاهد قال صاحب الدُّرر اللّوامع على همع الهوامع (1 /450 رقم 820)(12) بعد أن نقل قول الفيروزبادي في القاموس المحيط (ص 453):(وقد سُمِع)،قال:(ولم أعثُر على قائلِ هذا البيت).
وأمّا ابنُ هشام – رحمه اللّه تعالى - فلعلّه أوّل مَن نبَّه إلى هذا الغلط،قال في مغني اللَّبيب(13) (1/ 157 - 158 حرف الغين المعجمة):( غَيْر:اسمٌ ملازِمٌ للإضافة في المعنى،ويجوزُ أن يُقطَعَ عنها لفظا إن فُهِم المعنى، وتَقدّمتْ عليها كلمة " ليس "،وقولهم:" لا غير "(14) لَحْنٌ ... )(15).
وزاده بيانا في شذور الذّهب(16) (ص140):( النّوع الثاني [من الباب السّادس من المبنيّات]: ما أُلحِق بقبلُ وبعدُ من قولهم:" قَبَضْتُ عَشَرَةً لَيْسَ غَيْرُ "،والأصْلُ ليس المقبوض غَيْرَ ذلك؛فأُضْمِرَ اسمُ "ليس" فيها وحُذِفَ ما أضيف إليه "غير" وبُنيت "غير" على الضّم،تشبيها لها بقبلُ وبعدُ،لإبهامها،ويحتمل أنّ التّقدير:ليس غيرُ ذلك مقبوضاً،ثمّ حذف خبر "ليس" وما أُضيفت إليه "غير" وتكون الضمَّةُ على هذا ضمةَ إِعرابٍ،والوجه الأول أوْلى؛لأنّ فيه تقليلا للحذف،ولأنّ الخبر في باب "كان" يضعُفُ حذفُه جداً.ولا يجوز حذف ما أُضيفتْ إليه "غير" إِلاّ بعد "ليس" فقط،كما مثّلنا،وأمّا ما يقع في عبارات العلماء من قولهم:" لا غير "؛فلم تتكلّم به العربُ،فإمّا أنّهم قاسوا "لا" على "ليس"،أو قالوا ذلك سَهْواً عن شرط المسأَلة)(17).
ولعلّ هذه المسألة اللّغوية بحاجة إلى مزيد تروٍ في البحث والتّحقيق لمايلي:
1- قال في همع الهوامع(18) (2 /145):( وذكر ابنُ هشام أنّ شرطَها:أن تقع بعد ليس،وأنّ قول الفقهاء:" لا غيرُ" لحنٌ،وليس كما قال؛فقد صرّح السِّيرافيّ وابنُ السَّرّاج وأبو حَيّان:بأنّ "لا" ك"ليس" في ذلك).
2- قال في شرح التّصريح(19) (1 /718 رقم 547):( ورُدّ بأنّ أبا العبّاس كان يقول:"لا غيرُ" بالبناء على الضَّمِّ ك"قبلُ" و "بعدُ"،وكذا قال الزّمخشريّ وابن الحاجب وابن مالك،وأنشد عليه في باب القسم من شرح التّسهيل:[من الطويل] جَوابًا به تَنْجُو اعْتَمِدْ فَوَرَبِّنا *** لَعَنْ عَمَلٍ أَسْلَفْتَ لا غيرُ تسْألُ
وتبعهم صاحب القاموس).
3- وفي تاج العروس(20) (13/ 284 - 285):((وقد سُمِع) ذلك في قَوْلِ الشّاعرِ المُتقدِّم ذِكْرُه،فلا يكونُ
لَحْناً،وهذا هو الصَّوابُ الّذي نَقَلُوه في كُتُبِ العَرَبِيَّة،وحَقَّقُوه ) .
4- ورد توظيفه مرّة واحدة(21) في الكتاب لسيبويه (4 /247 هذا باب ما لحقته الزّوائد من بنات الثلاثة من غيرِ الفِعل):( ...،ويكون على إِنْفَعْلٍ،قالوا:إِنَقَحْ� �ٌ في الوَصْف لا غير ) .
ويراجع :
1- ارتشاف الضَّرَب من لسان العرب(22) (2 /327 - 328).
2- الكتاب لسيبويه(23) (2/ 344 – 345)(24).
3- المعجم الوسيط(25) (ص668 ع2) أجاز الاستعمالين:(ليس غير) و (لا غير).
4- معجم القواعد العربيّة(26) (ص376 لا غير) و (ص396 ليس غير وليس إلاّ).
5- درّة الغوّاص (ص278 رقم 22 الملحق).
6- شرح الأشموني على الألفيّة(27) (2/ 321 رقم 639).
7- المقتضب(28) (4/ 129(29)، 429(30)).
8- شرح التّصريح (1 /567 رقم 430 فصل:والمستثنى ب"حاشا" عند سيبويه مجرور لا غير).
9- البحر المحيط في أصول الفقه (2 /309)(31) .
الهوامش:
1- ولا يتحقّق ذلك الاعتبار إلاّ في زمن الاحتجاج،أو ما قيس عليه بعدُ .
2- بحذف ما أُضيفت إليه (غَيْر) .
3- عن السِّيرافي كما في البحر المحيط للزّركشي (2 /309)،والقاموس المحيط (ص 453).
4- شرح التّسهيل لابن مالك محمّد بن عبد اللّه جمال الدّين الطّائي الجيّاني الأندلسي،تحقيق:د.عبد الرّحمن السيّد،د.محمّد بدوي المختون،هجر للطّباعة والنّشر والتّوزيع والإعلان،ط/الأولى 1410هـ - 1990م.
5- تحقيق:محمّد عبد القادر عطا،وطارق فتحي السيّد،دار الكتب العلميّة – بيروت،ط/الأولى 1422هـ - 2001م.
6- أحال محقّق طبعة دار هجر إلى:الفرائد الجديدة 1/ 67،ولم أقف عليه بعدُ.
7- عن مكتب تحقيق التّراث في مؤسّسة الرّسالة – بيروت،بإشراف:محمّد نعيم العرقسوسي،ط/الثامنة 1426هـ - 2005م.
8- وقال:( وكأنّ قولَهم:لَحْنٌ مأخوذٌ من قول السِّيرافيّ:"الحذفُ إنّما يُستعمَلُ إذا كانتْ إِلاَّ وغيرُ بعدَ ليسَ،ولو كانَ مكانَ ليسَ غيرُها من ألفاظِ الجَحْدِ،لم يَجُزِ الحذفُ،ولا يُتَجاوَزُ بذلك مَوْرِدُ السّماع ".انتهى كلامُه،وقد سُمِع).
9- لعلّ أوّل مَن أثار هذا الموضوع هو د.نعيم سلمان البدري في كتابه:صناعة الشّاهد الشِّعري عند ابن مالك الأندلسيّ.
10- وإليك تتمّة مرقوم كلامه بحروفه:( قد علمتَ أنَّ هذه الأبياتَ الّتي تبلغُ نحوَ سبعِ مئةِ بيتٍ،والّتي سُقْنَا لكَ بعضَها هي من مَّا تفرَّدَ بروايتِه ابنُ مالكٍ،لم يروِها قبلَه أحدٌ من العُلماءِ.وابنُ مالكٍ كما تعلَمُ من أهلِ القرنِ السَّابعِ،إذْ تُوفِّي سنةَ "672 هـ"،فهل يجوزُ أن تظلَّ مئاتُ الأبيات من الشِّعر سِرًّا مكتَّمًا نحوًا من ستِّ مئةِ سنةٍ وهي تدِبُّ على غرَّةٍ من الدَّهْر،وأهلِه،يُورِّث� �ها السّابِقُ اللاّحقَ،ثمَّ لا يفضُّ أحدٌ ختمَها،ولا يكشِف سرَّها،حتَّى تقعَ إلَى ابنِ مالكٍ وحدَه،ثمَّ تطوَى عن مَّن بعدَه،وترجِعَ إلَى عالَمِ الغيبِ ،فلا يقف أحدٌ على خبرِها البتةَ!.أوَليس هذا من مُحالاتِ العُقول ؟.أوليسَ من العجَبِ العاجِبِ أن يكونَ ابنُ مالكٍ هو النّحويَّ الوحيدَ الّذي يتفرَّدُ بهذا المِقدارِ الهائلِ من الشِّعرِ.وقد كانَ قبلَه كثيرٌ من أيمَّةِ النَّحو،ومقدَّميهِم كسيبويه (ت 180هـ)، والفرّاء (ت 207هـ)،وأبي الحسن الأخفش (ت 215هـ)،والمبرّد (ت 285هـ)،وابن السّرّاج (ت 316هـ)،والزجّاجيِّ (ت 340هـ) ،وأبي سعيد السّيرافيِّ (ت 368هـ)،وأبي علي الفارسيِّ (ت 377هـ)،وابن جنِّي (ت 392هـ)،وغيرِهم،وكانُوا أقربَ إلى العربِ الّذين يُحتجُّ بشعرِهم،وأحدَثَ عهدًا بالرُّواةِ الذين شافَهُوهم،ولكنَّك إذا تصفّحتَ كتبَهم،وجدتَّ شواهِدهم متقارِبةً معروفةً،ومكرَّرةً مألوفةً،ولم تجِد الرّجلَ منهم يتفرَّد بشيءٍ من الشِّعرِ إلاّ علَى سبيلِ الفَرْط،والقِلَّة مع أنَّ كثيرًا منها منسوبٌ إلى قائلِه،أو راويهِ .
وعلَى أنَّا نقول:هذه الأبياتُ الّتي تفرَّد بها ابن مالكٍ إمَّا أن يكونَ قد جمعَها من كتبِ النُّحاةِ،فيكون قد سُبِقَ إلَى الاحتجاجِ بها،وإمَّا أن يكونَ هو الّذي استخرجَها بنفسِه من بطونِ الدّواوينِ.ولا يجوز الاحتِمالُ الأوَّل،لأنَّ كثيرًا من كتبِ النُّحاةِ مطبوعةٌ مبذولةٌ،ولسنا نجِد هذه الأبياتَ فيها.وقد يُقبَل هذا لو كانَ ما تفرَّد به بيتًا،أو بيتينِ،أو قريبًا منها.كما أنَّ العلماءَ الذين كانُوا في وقتِه،وبعدَه وقد أدركُوا كثيرًا من كتبِ النَّحو قبلَ فِقدانِها كانُوا " يتحيَّرون في أمرِه " كما قالَ الصّفديُّ (ت 764 هـ)،ولا يعرِفُون مصدرَ هذه الأبياتِ الّتي يَحتَجُّ بها،وفيهم أبو حيَّانَ (ت 745هـ).وهو أوسَعُ اطِّلاعًا منه،وكثيرًا ما ردَّ عليه دعوَى الإجماع بما ينقضُه من الخِلافِ.ومِثلُه عبدُ القادرِ البغداديُّ (ت 1093هـ).وكانَ عالِمًا عارفًا بالكتب حاويًا لها.كما أنَّ شواهِد كتبِ النَّحو كما نرَى متقارِبةٌ معروفةٌ،فمِن المُحالِ أن يستخرجَ هذا المِقدارَ الكبيرَ من المفقودِ منها،لأنَّا إذا زعمنا أنَّ كلَّ كتابٍ منها تفرَّد بعشرينَ بيتًا لم يروِها غيرُه،ولم ينقلها عنه أحدٌ من العلماءِ المطبوعةِ كتبُهم،وهو عدَدٌ كثيرٌ،فمقتضَى ذلكَ أن يكونَ ابنُ مالكٍ قد اطَّلعَ على ثلاثينَ كتابًا من كتبِ النَّحو كلُّها لم يصِل إلينا،وكلُّها لم يقع عليه أحدٌ من أهلِ عصرِه،ولا من مَّن قبلَهم،ولا من مَّن بعدَهم.وهذا منَ المُحالاتِ الّتي يأبَاها أهلُ العقلِ،والمعرِفةِ.
وأمَّا الاحتِمال الثاني،وهو أن يكون قد استخرجَها من بطون الدّواوينِ،فغيرُ جائِزٍ أيضًا،لأنَّه ليسَ في كلِّ قصيدةٍ يوجَد شاهدٌ.وذلكَ أنَّ أكثرَ الشّواهِد إنّما هي شواهدُ على مسائلَ نادرةٍ قليلةِ الورودِ.وإذا قلنا:إنَّ في كلِّ قصيدةٍ شاهدًا علَى مسألةٍ،وقلنا: إنَّ متوسِّطَ القصيدةِ عشرون بيتًا،فلا بُدَّ أن يكونَ ابن مالكٍ قد اطَّلَع على ما لا يَقِلُّ عن سبعِ مئةِ قصيدةٍ،أو على أربعةَ عشرَ ألفَ بيتٍ لم يطَّلع عليها أهلُ عصرِه من مَّن هم أمسُّ منه بالشِّعر،وأجمعُ له.وهذا من الأمورِ الّتي لا يقبَلها العقلُ الصّحيحُ.وإذن،فلا ريبَ أنَّه هو الّذي وضعَها).
11- وليس لتقرير ما ذهب إليه من حيث الجُملة؛فالموضوع في غاية الحساسيّة،وهو بحاجة إلى تروٍ،وتأنٍ في البحث،مع تضافر لجهود الباحثين.
12- تأليف أحمد بن الأمين الشّنقيطي (ت:1331هـ)،وضع حواشيه:محمّد باسل عيون السّود،دار الكتب العلميّة – بيروت، ط/الأولى 1419هـ - 1999م.
13- طبع:دار إحياء التّراث العربي،تحقيق:محمّد محي الدّين عبد الحميد.
14- لست أدري لِمَ لَمْ يُعلِّق ابنُ هشام على شاهد ابن مالك الّذي احتجّ به على جواز توظيف (لا غير) في اللّغةُ،وقد اطّلع عليه ؟!؛فلعلّه سها عنه فلم يستحضره حين لحّنه،ولعلّ ...
15- تتمّة كلام ابن هشام في مغني اللّبيب،قال:(ويُقال " قبضتُ عشرةً ليس غيرُها "،برفع غير على حذف الخبر،أي مقبوضا، وبنصبها على إضمار الاسم،أي ليس المقبوضُ غيرَها،و" ليس غيرَ " بالفتح من غير تنوين على إضمار الاسم أيضا،وحذف المضاف إليه لفظا ونيّة ثبوته كقراءة بعضهم ( لله الأمرُ من قبلِ ومن بعدِ ) [الرّوم/4] بالكسر من غير تنوين،أي من قبلِ الغَلَبِ ومن بعدِهِ. و" لَيْسَ غَيْرُ " بالضمّ من غير تنوين،فقال المبرّد والمتأخّرون:إنّها ضمّة بناء لا إعراب،وإنّ "غير" شُبّهت بالغايات كقبلُ وبعدُ؛ فعلى هذا يُحتمل أن يكون اسما وأن يكون خبرا،وقال الأخفش:ضمّة إعراب لا بناء؛لأنّه ليس باسم زمان كقبل وبعد،ولا مكان كفوق وتحت،وإنّما هو بمنزلة كلّ وبعض؛وعلى هذا فهو الاسم،وحُذِفَ الخبر،وقال ابن خروف:يحتمل الوجهين.و" ليس غيرًا " بالفتح والتّنوين،و" ليس غَيْرٌ " بالضمّ والتّنوين:وعليهما فالحركة إعرابيّة؛لأنّ التّنوين إمّا للتّمكين فلا يلحق إلاّ المُعْربات،وإمّا للتّعويض فكأنّ المضاف إليه مذكور.ولا تتعرّف " غير " بالإضافة لشدّة إبهامها ...).
16- طبع:المكتبة العصريّة بصيدا – بيروت،تحقيق:محمّد محي الدّين عبد الحميد،ط/الأولى 1416هـ - 1995م.
17- وعلَّق عليه الشّيخ محمّد محي الدّين عبد الحميد في (الهامش1 من ص140)،فقال:( قد ورد هذا الاستعمال الّذي أنكره المؤلِّف في قول الشّاعر:
جَوَابًا بِهِ تَنْجُو اِعْتَمِدْ فَوَرَبِّنا *** لَعَنْ عَمَلٍ أَسْلَفْتَ لاَ غَيْرُ تُسْألُ ) .
18- تحقيق:أحمد شمس الدّين،دار الكتب العلميّة – بيروت،ط/الأولى 1418هـ - 1998م.
19- شرح التّصريح على التّوضيح لخالد بن عبد اللّه الأزهري على أوضح المسالك لابن هشام على ألفيّة ابن مالك،تحقيق:محمّد باسل عيون السّود،دار الكتب العلميّة – بيروت،ط/الأولى 1421هـ - 2000م.
20- مطبعة حكومة الكويت،تحقيق:د.حسين نصّار 1394هـ - 1974م.
21- أظنّ ذلك .
22- لأبي حيّان الأندلسي،تحقيق وتعليق:د.مصطفى أحمد النّماس،مطبعة المدني،ط/الأولى 1408هـ - 1987م.
23- ط/مكتبة الخانجي بالقاهرة،تحقيق وشرح:عبد السّلام محمّد هارون،ط/الثالثة 1408هـ - 1988م.
24- وفيه:(هذا بابٌ يُحذف المستثنى فيه استخفافاً:وذلك قولك:" ليس غَيْرُ "،و " ليس إلاّ "،كأنّه قال:ليس إلاّ ذاك،وليس غيرُ ذاك،ولكنّهم حذفوا ذلك تخفيفاً واكتفاءً بعلم المخاطَب ما يَعني).
25- ط/الرّابعة،مكتبة الشّروق الدّوليّة 1426هـ - 2005م.
26- لعبد الغنيّ الدّقر،دار القلم – دمشق،ط/الأولى 1406هـ - 1986م.
27- دار الكتاب العربي - بيروت،تحقيق:محمّد محي الدّين عبد الحميد،ط/الأولى 1375هـ - 1955م.
28- ط/لجنة إحياء التّراث الإسلامي بالقاهرة،تحقيق:محمّد عبد الخالق عضيمة 1415هـ - 1994م.
29- وفيه:(وممّا يُحذَفُ لعلم المخاطَب بما يقصد له قولُهم:لا عليك،إنّما يريدون:لا بأسَ عليك.وقولهم:ليس إلاّ،وليس غيرُ.إنّما يريدون ليس إلاّ ذلك).
30- وفيه:(هذا بابٌ ما حُذِف من المستثنى تخفيفا،واُجتزيء بعلم المخاطَب:وذلك قولك:عندي درهمٌ ليس غيرُ،أردت ليس غير ذلك،فحذفت وضممت؛كما ضممت قبلُ وبعدُ؛لأنّه غاية).
31- قام بتحريره الشّيخ عبد القادر عبد اللّه العاني،وزارة الأوقاف والشّؤون الإسلاميّة بالكويت،ط/الثانية 1413هـ - 1992م.
(لَيْسَ غَيْرُ)،وقولُهم:(لا غَيْرُ) لَحْنٌ ؟! :(غَيْر) اسمٌ ملازِمٌ للإضافة في المعنى، ويجوزُ أن يُقطَعَ عنها لفظًا إن فُهِم المعنى،وتَقدّمتْ عليها كلمة (ليس)، تقول: جاءني زيدٌ ليس غيرُ،تريد:ليس غيرُهُ عندي.
وعِلمي أنّ العربَ المعتبر كلامُهم(1) لم تَتفوّه بهذا التّركيب (لا غَيْر)(2)،في نظمها ونثرها،(وإنّما يُستعمَلُ [ذلك] إذا كانتْ "إِلاَّ" و "غيرُ" بعدَ "ليسَ"،ولو كَانَ مَكانَ "لَيْسَ" غَيْرُهَا من أَلْفَاظ الجَحْد لم يَجُزِ الحَذْفُ،ولا يُتَجاوَزُ بذلك مَوْرِدُ السَّمَاع)(3) .
واعتبره ابنُ مالك (ت:672هـ)،واحتجّ له في باب القَسَم من شرح التّسهيل (3/ 209)(4) و (3/ 75)(5)،بشاهد غريب،هو قول الشّاعر (؟) [من الطّويل]:
جَوابًا به تَنْجُو اعْتَمِدْ فَوَرَبِّنا *** لَعَنْ عَمَلٍ أَسْلَفْتَ لا غيرُ تُسْأَلُ(6).
وتبع ابنَ مالك في اعتباره أكثرُ مَن جاء بعده،اعتمادا منهم على هذا البيت الفَرْد،فمنهم:
1- الزّركشي (ت:794هـ) في البحر المحيط (2 /309).
2- الفيروزبادي (ت:817هـ) في القاموس المحيط(7) (ص 453)(8).
3- الأشموني (ت:900هـ) في شرح الألفيّة (2/ 321).
4- خالد الأزهري (ت:905هـ) في شرح التّصريح (1 /718 رقم 547).
5- السُّيوطي (ت:911هـ) في همع الهوامع (2 /145).
6- الزّبيدي (ت:1205هـ) في تاج العروس (13/ 284 - 285).
7- عبد الغنيّ الدّقر (معاصر) في معجم القواعد العربيّة (ص376 لا غير).
و ... الخ .
وقد حاولت جاهِدا أن أظفر بشاهدٍ واحدٍ فقط لتجويز هذا التّوظيف (لا غير)؛فلم أسطِعْ ذلك،ولعلّ الأيّام تُسفِرُ عنه – إن شاء اللّه تعالى – .
ثمّ وقفتُ على ما خطّته يراعة الفاضل فيصل المنصور في ملتقى أهل اللّغة ضمن حلقة النّحو والصّرف تحت عنوان:(وقفة مع وضع ابن مالك للشّواهد النّحوية)(9)،حيث قرّر فيها أنّ ابنَ مالك حشا كتابه بنحو سبع مئة بيتٍ من الشّعر من غير أن ينسبها لأحد،ولا عُرِفَتْ لأحدٍ من الشّعراء قبله؛ذلك لأنّه هو واضِعُها !(10).
كذا قال !،وقد سقت بقيّة كلامه في الحاشية بحروفه؛لتأييد(11) ما ذهبت إليه من كون هذا البيت:
جَوابًا به تَنْجُو اعْتَمِدْ فَوَرَبِّنا *** لَعَنْ عَمَلٍ أَسْلَفْتَ لا غيرُ تسْألُ
فرْدٌ في بابه،وواضعُه – إنْ لم يكن ابنَ مالك رحمه اللّه تعالى – مجهولٌ؛فكيف – والحال على ما وصفت – يُستدلُّ به على توظيف هذا التّركيب اللّغوي (لا غَيْر)،من غير أن يشهد له شاهِدٌ واحد من لغة العرب ؟!؛ممّا يؤكِّد – في نظري - أنّه تركيب دخيل مباين لسنن العرب في الخطاب والكتاب .
وعن هذا الشّاهد قال صاحب الدُّرر اللّوامع على همع الهوامع (1 /450 رقم 820)(12) بعد أن نقل قول الفيروزبادي في القاموس المحيط (ص 453):(وقد سُمِع)،قال:(ولم أعثُر على قائلِ هذا البيت).
وأمّا ابنُ هشام – رحمه اللّه تعالى - فلعلّه أوّل مَن نبَّه إلى هذا الغلط،قال في مغني اللَّبيب(13) (1/ 157 - 158 حرف الغين المعجمة):( غَيْر:اسمٌ ملازِمٌ للإضافة في المعنى،ويجوزُ أن يُقطَعَ عنها لفظا إن فُهِم المعنى، وتَقدّمتْ عليها كلمة " ليس "،وقولهم:" لا غير "(14) لَحْنٌ ... )(15).
وزاده بيانا في شذور الذّهب(16) (ص140):( النّوع الثاني [من الباب السّادس من المبنيّات]: ما أُلحِق بقبلُ وبعدُ من قولهم:" قَبَضْتُ عَشَرَةً لَيْسَ غَيْرُ "،والأصْلُ ليس المقبوض غَيْرَ ذلك؛فأُضْمِرَ اسمُ "ليس" فيها وحُذِفَ ما أضيف إليه "غير" وبُنيت "غير" على الضّم،تشبيها لها بقبلُ وبعدُ،لإبهامها،ويحتمل أنّ التّقدير:ليس غيرُ ذلك مقبوضاً،ثمّ حذف خبر "ليس" وما أُضيفت إليه "غير" وتكون الضمَّةُ على هذا ضمةَ إِعرابٍ،والوجه الأول أوْلى؛لأنّ فيه تقليلا للحذف،ولأنّ الخبر في باب "كان" يضعُفُ حذفُه جداً.ولا يجوز حذف ما أُضيفتْ إليه "غير" إِلاّ بعد "ليس" فقط،كما مثّلنا،وأمّا ما يقع في عبارات العلماء من قولهم:" لا غير "؛فلم تتكلّم به العربُ،فإمّا أنّهم قاسوا "لا" على "ليس"،أو قالوا ذلك سَهْواً عن شرط المسأَلة)(17).
ولعلّ هذه المسألة اللّغوية بحاجة إلى مزيد تروٍ في البحث والتّحقيق لمايلي:
1- قال في همع الهوامع(18) (2 /145):( وذكر ابنُ هشام أنّ شرطَها:أن تقع بعد ليس،وأنّ قول الفقهاء:" لا غيرُ" لحنٌ،وليس كما قال؛فقد صرّح السِّيرافيّ وابنُ السَّرّاج وأبو حَيّان:بأنّ "لا" ك"ليس" في ذلك).
2- قال في شرح التّصريح(19) (1 /718 رقم 547):( ورُدّ بأنّ أبا العبّاس كان يقول:"لا غيرُ" بالبناء على الضَّمِّ ك"قبلُ" و "بعدُ"،وكذا قال الزّمخشريّ وابن الحاجب وابن مالك،وأنشد عليه في باب القسم من شرح التّسهيل:[من الطويل] جَوابًا به تَنْجُو اعْتَمِدْ فَوَرَبِّنا *** لَعَنْ عَمَلٍ أَسْلَفْتَ لا غيرُ تسْألُ
وتبعهم صاحب القاموس).
3- وفي تاج العروس(20) (13/ 284 - 285):((وقد سُمِع) ذلك في قَوْلِ الشّاعرِ المُتقدِّم ذِكْرُه،فلا يكونُ
لَحْناً،وهذا هو الصَّوابُ الّذي نَقَلُوه في كُتُبِ العَرَبِيَّة،وحَقَّقُوه ) .
4- ورد توظيفه مرّة واحدة(21) في الكتاب لسيبويه (4 /247 هذا باب ما لحقته الزّوائد من بنات الثلاثة من غيرِ الفِعل):( ...،ويكون على إِنْفَعْلٍ،قالوا:إِنَقَحْ� �ٌ في الوَصْف لا غير ) .
ويراجع :
1- ارتشاف الضَّرَب من لسان العرب(22) (2 /327 - 328).
2- الكتاب لسيبويه(23) (2/ 344 – 345)(24).
3- المعجم الوسيط(25) (ص668 ع2) أجاز الاستعمالين:(ليس غير) و (لا غير).
4- معجم القواعد العربيّة(26) (ص376 لا غير) و (ص396 ليس غير وليس إلاّ).
5- درّة الغوّاص (ص278 رقم 22 الملحق).
6- شرح الأشموني على الألفيّة(27) (2/ 321 رقم 639).
7- المقتضب(28) (4/ 129(29)، 429(30)).
8- شرح التّصريح (1 /567 رقم 430 فصل:والمستثنى ب"حاشا" عند سيبويه مجرور لا غير).
9- البحر المحيط في أصول الفقه (2 /309)(31) .
الهوامش:
1- ولا يتحقّق ذلك الاعتبار إلاّ في زمن الاحتجاج،أو ما قيس عليه بعدُ .
2- بحذف ما أُضيفت إليه (غَيْر) .
3- عن السِّيرافي كما في البحر المحيط للزّركشي (2 /309)،والقاموس المحيط (ص 453).
4- شرح التّسهيل لابن مالك محمّد بن عبد اللّه جمال الدّين الطّائي الجيّاني الأندلسي،تحقيق:د.عبد الرّحمن السيّد،د.محمّد بدوي المختون،هجر للطّباعة والنّشر والتّوزيع والإعلان،ط/الأولى 1410هـ - 1990م.
5- تحقيق:محمّد عبد القادر عطا،وطارق فتحي السيّد،دار الكتب العلميّة – بيروت،ط/الأولى 1422هـ - 2001م.
6- أحال محقّق طبعة دار هجر إلى:الفرائد الجديدة 1/ 67،ولم أقف عليه بعدُ.
7- عن مكتب تحقيق التّراث في مؤسّسة الرّسالة – بيروت،بإشراف:محمّد نعيم العرقسوسي،ط/الثامنة 1426هـ - 2005م.
8- وقال:( وكأنّ قولَهم:لَحْنٌ مأخوذٌ من قول السِّيرافيّ:"الحذفُ إنّما يُستعمَلُ إذا كانتْ إِلاَّ وغيرُ بعدَ ليسَ،ولو كانَ مكانَ ليسَ غيرُها من ألفاظِ الجَحْدِ،لم يَجُزِ الحذفُ،ولا يُتَجاوَزُ بذلك مَوْرِدُ السّماع ".انتهى كلامُه،وقد سُمِع).
9- لعلّ أوّل مَن أثار هذا الموضوع هو د.نعيم سلمان البدري في كتابه:صناعة الشّاهد الشِّعري عند ابن مالك الأندلسيّ.
10- وإليك تتمّة مرقوم كلامه بحروفه:( قد علمتَ أنَّ هذه الأبياتَ الّتي تبلغُ نحوَ سبعِ مئةِ بيتٍ،والّتي سُقْنَا لكَ بعضَها هي من مَّا تفرَّدَ بروايتِه ابنُ مالكٍ،لم يروِها قبلَه أحدٌ من العُلماءِ.وابنُ مالكٍ كما تعلَمُ من أهلِ القرنِ السَّابعِ،إذْ تُوفِّي سنةَ "672 هـ"،فهل يجوزُ أن تظلَّ مئاتُ الأبيات من الشِّعر سِرًّا مكتَّمًا نحوًا من ستِّ مئةِ سنةٍ وهي تدِبُّ على غرَّةٍ من الدَّهْر،وأهلِه،يُورِّث� �ها السّابِقُ اللاّحقَ،ثمَّ لا يفضُّ أحدٌ ختمَها،ولا يكشِف سرَّها،حتَّى تقعَ إلَى ابنِ مالكٍ وحدَه،ثمَّ تطوَى عن مَّن بعدَه،وترجِعَ إلَى عالَمِ الغيبِ ،فلا يقف أحدٌ على خبرِها البتةَ!.أوَليس هذا من مُحالاتِ العُقول ؟.أوليسَ من العجَبِ العاجِبِ أن يكونَ ابنُ مالكٍ هو النّحويَّ الوحيدَ الّذي يتفرَّدُ بهذا المِقدارِ الهائلِ من الشِّعرِ.وقد كانَ قبلَه كثيرٌ من أيمَّةِ النَّحو،ومقدَّميهِم كسيبويه (ت 180هـ)، والفرّاء (ت 207هـ)،وأبي الحسن الأخفش (ت 215هـ)،والمبرّد (ت 285هـ)،وابن السّرّاج (ت 316هـ)،والزجّاجيِّ (ت 340هـ) ،وأبي سعيد السّيرافيِّ (ت 368هـ)،وأبي علي الفارسيِّ (ت 377هـ)،وابن جنِّي (ت 392هـ)،وغيرِهم،وكانُوا أقربَ إلى العربِ الّذين يُحتجُّ بشعرِهم،وأحدَثَ عهدًا بالرُّواةِ الذين شافَهُوهم،ولكنَّك إذا تصفّحتَ كتبَهم،وجدتَّ شواهِدهم متقارِبةً معروفةً،ومكرَّرةً مألوفةً،ولم تجِد الرّجلَ منهم يتفرَّد بشيءٍ من الشِّعرِ إلاّ علَى سبيلِ الفَرْط،والقِلَّة مع أنَّ كثيرًا منها منسوبٌ إلى قائلِه،أو راويهِ .
وعلَى أنَّا نقول:هذه الأبياتُ الّتي تفرَّد بها ابن مالكٍ إمَّا أن يكونَ قد جمعَها من كتبِ النُّحاةِ،فيكون قد سُبِقَ إلَى الاحتجاجِ بها،وإمَّا أن يكونَ هو الّذي استخرجَها بنفسِه من بطونِ الدّواوينِ.ولا يجوز الاحتِمالُ الأوَّل،لأنَّ كثيرًا من كتبِ النُّحاةِ مطبوعةٌ مبذولةٌ،ولسنا نجِد هذه الأبياتَ فيها.وقد يُقبَل هذا لو كانَ ما تفرَّد به بيتًا،أو بيتينِ،أو قريبًا منها.كما أنَّ العلماءَ الذين كانُوا في وقتِه،وبعدَه وقد أدركُوا كثيرًا من كتبِ النَّحو قبلَ فِقدانِها كانُوا " يتحيَّرون في أمرِه " كما قالَ الصّفديُّ (ت 764 هـ)،ولا يعرِفُون مصدرَ هذه الأبياتِ الّتي يَحتَجُّ بها،وفيهم أبو حيَّانَ (ت 745هـ).وهو أوسَعُ اطِّلاعًا منه،وكثيرًا ما ردَّ عليه دعوَى الإجماع بما ينقضُه من الخِلافِ.ومِثلُه عبدُ القادرِ البغداديُّ (ت 1093هـ).وكانَ عالِمًا عارفًا بالكتب حاويًا لها.كما أنَّ شواهِد كتبِ النَّحو كما نرَى متقارِبةٌ معروفةٌ،فمِن المُحالِ أن يستخرجَ هذا المِقدارَ الكبيرَ من المفقودِ منها،لأنَّا إذا زعمنا أنَّ كلَّ كتابٍ منها تفرَّد بعشرينَ بيتًا لم يروِها غيرُه،ولم ينقلها عنه أحدٌ من العلماءِ المطبوعةِ كتبُهم،وهو عدَدٌ كثيرٌ،فمقتضَى ذلكَ أن يكونَ ابنُ مالكٍ قد اطَّلعَ على ثلاثينَ كتابًا من كتبِ النَّحو كلُّها لم يصِل إلينا،وكلُّها لم يقع عليه أحدٌ من أهلِ عصرِه،ولا من مَّن قبلَهم،ولا من مَّن بعدَهم.وهذا منَ المُحالاتِ الّتي يأبَاها أهلُ العقلِ،والمعرِفةِ.
وأمَّا الاحتِمال الثاني،وهو أن يكون قد استخرجَها من بطون الدّواوينِ،فغيرُ جائِزٍ أيضًا،لأنَّه ليسَ في كلِّ قصيدةٍ يوجَد شاهدٌ.وذلكَ أنَّ أكثرَ الشّواهِد إنّما هي شواهدُ على مسائلَ نادرةٍ قليلةِ الورودِ.وإذا قلنا:إنَّ في كلِّ قصيدةٍ شاهدًا علَى مسألةٍ،وقلنا: إنَّ متوسِّطَ القصيدةِ عشرون بيتًا،فلا بُدَّ أن يكونَ ابن مالكٍ قد اطَّلَع على ما لا يَقِلُّ عن سبعِ مئةِ قصيدةٍ،أو على أربعةَ عشرَ ألفَ بيتٍ لم يطَّلع عليها أهلُ عصرِه من مَّن هم أمسُّ منه بالشِّعر،وأجمعُ له.وهذا من الأمورِ الّتي لا يقبَلها العقلُ الصّحيحُ.وإذن،فلا ريبَ أنَّه هو الّذي وضعَها).
11- وليس لتقرير ما ذهب إليه من حيث الجُملة؛فالموضوع في غاية الحساسيّة،وهو بحاجة إلى تروٍ،وتأنٍ في البحث،مع تضافر لجهود الباحثين.
12- تأليف أحمد بن الأمين الشّنقيطي (ت:1331هـ)،وضع حواشيه:محمّد باسل عيون السّود،دار الكتب العلميّة – بيروت، ط/الأولى 1419هـ - 1999م.
13- طبع:دار إحياء التّراث العربي،تحقيق:محمّد محي الدّين عبد الحميد.
14- لست أدري لِمَ لَمْ يُعلِّق ابنُ هشام على شاهد ابن مالك الّذي احتجّ به على جواز توظيف (لا غير) في اللّغةُ،وقد اطّلع عليه ؟!؛فلعلّه سها عنه فلم يستحضره حين لحّنه،ولعلّ ...
15- تتمّة كلام ابن هشام في مغني اللّبيب،قال:(ويُقال " قبضتُ عشرةً ليس غيرُها "،برفع غير على حذف الخبر،أي مقبوضا، وبنصبها على إضمار الاسم،أي ليس المقبوضُ غيرَها،و" ليس غيرَ " بالفتح من غير تنوين على إضمار الاسم أيضا،وحذف المضاف إليه لفظا ونيّة ثبوته كقراءة بعضهم ( لله الأمرُ من قبلِ ومن بعدِ ) [الرّوم/4] بالكسر من غير تنوين،أي من قبلِ الغَلَبِ ومن بعدِهِ. و" لَيْسَ غَيْرُ " بالضمّ من غير تنوين،فقال المبرّد والمتأخّرون:إنّها ضمّة بناء لا إعراب،وإنّ "غير" شُبّهت بالغايات كقبلُ وبعدُ؛ فعلى هذا يُحتمل أن يكون اسما وأن يكون خبرا،وقال الأخفش:ضمّة إعراب لا بناء؛لأنّه ليس باسم زمان كقبل وبعد،ولا مكان كفوق وتحت،وإنّما هو بمنزلة كلّ وبعض؛وعلى هذا فهو الاسم،وحُذِفَ الخبر،وقال ابن خروف:يحتمل الوجهين.و" ليس غيرًا " بالفتح والتّنوين،و" ليس غَيْرٌ " بالضمّ والتّنوين:وعليهما فالحركة إعرابيّة؛لأنّ التّنوين إمّا للتّمكين فلا يلحق إلاّ المُعْربات،وإمّا للتّعويض فكأنّ المضاف إليه مذكور.ولا تتعرّف " غير " بالإضافة لشدّة إبهامها ...).
16- طبع:المكتبة العصريّة بصيدا – بيروت،تحقيق:محمّد محي الدّين عبد الحميد،ط/الأولى 1416هـ - 1995م.
17- وعلَّق عليه الشّيخ محمّد محي الدّين عبد الحميد في (الهامش1 من ص140)،فقال:( قد ورد هذا الاستعمال الّذي أنكره المؤلِّف في قول الشّاعر:
جَوَابًا بِهِ تَنْجُو اِعْتَمِدْ فَوَرَبِّنا *** لَعَنْ عَمَلٍ أَسْلَفْتَ لاَ غَيْرُ تُسْألُ ) .
18- تحقيق:أحمد شمس الدّين،دار الكتب العلميّة – بيروت،ط/الأولى 1418هـ - 1998م.
19- شرح التّصريح على التّوضيح لخالد بن عبد اللّه الأزهري على أوضح المسالك لابن هشام على ألفيّة ابن مالك،تحقيق:محمّد باسل عيون السّود،دار الكتب العلميّة – بيروت،ط/الأولى 1421هـ - 2000م.
20- مطبعة حكومة الكويت،تحقيق:د.حسين نصّار 1394هـ - 1974م.
21- أظنّ ذلك .
22- لأبي حيّان الأندلسي،تحقيق وتعليق:د.مصطفى أحمد النّماس،مطبعة المدني،ط/الأولى 1408هـ - 1987م.
23- ط/مكتبة الخانجي بالقاهرة،تحقيق وشرح:عبد السّلام محمّد هارون،ط/الثالثة 1408هـ - 1988م.
24- وفيه:(هذا بابٌ يُحذف المستثنى فيه استخفافاً:وذلك قولك:" ليس غَيْرُ "،و " ليس إلاّ "،كأنّه قال:ليس إلاّ ذاك،وليس غيرُ ذاك،ولكنّهم حذفوا ذلك تخفيفاً واكتفاءً بعلم المخاطَب ما يَعني).
25- ط/الرّابعة،مكتبة الشّروق الدّوليّة 1426هـ - 2005م.
26- لعبد الغنيّ الدّقر،دار القلم – دمشق،ط/الأولى 1406هـ - 1986م.
27- دار الكتاب العربي - بيروت،تحقيق:محمّد محي الدّين عبد الحميد،ط/الأولى 1375هـ - 1955م.
28- ط/لجنة إحياء التّراث الإسلامي بالقاهرة،تحقيق:محمّد عبد الخالق عضيمة 1415هـ - 1994م.
29- وفيه:(وممّا يُحذَفُ لعلم المخاطَب بما يقصد له قولُهم:لا عليك،إنّما يريدون:لا بأسَ عليك.وقولهم:ليس إلاّ،وليس غيرُ.إنّما يريدون ليس إلاّ ذلك).
30- وفيه:(هذا بابٌ ما حُذِف من المستثنى تخفيفا،واُجتزيء بعلم المخاطَب:وذلك قولك:عندي درهمٌ ليس غيرُ،أردت ليس غير ذلك،فحذفت وضممت؛كما ضممت قبلُ وبعدُ؛لأنّه غاية).
31- قام بتحريره الشّيخ عبد القادر عبد اللّه العاني،وزارة الأوقاف والشّؤون الإسلاميّة بالكويت،ط/الثانية 1413هـ - 1992م.