المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مذاكرة فقهية مفيدة في المسح على الخفين نقلتها من حساب الشيخ (بندار) في تويتر وقمت بتنسيقها



أهــل الحـديث
23-10-2013, 04:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله وبعد:
فهذه مذاكرة فقهية في باب المسح على الخفين أرجو بها النفع لكاتبها وقارئها..

المراد بـ المسح على الخفين:
إمرار الأصابع المبلولة بالماء على خف مخصوص، في زمن مخصوص.
والمراد بالخُفّ: ما يلبس في الرجل من جلد ونحوه.
فيدخل في ذلك كل ما يلبس على الرجل من جلد وقطن أو صوف ونحوها.

والمسح على الخفين جائز عند عامة أهل العلم، ولم يخالف فيه إلا من لا يُعتد به من الشيعة والخوارج، ولهذا ذكر بعض العلماء المسح على الخفين في كتب العقيدة -كالطحاوي- وذلك لأمرين:

1- بيان معتقد أهل السنة، والرد على من خالفهم من أهل البدع، فصار عدم المسح شعارا لغيرهم.

2- بيان أن أحاديث المسح بلغت حد التواتر المعنوي الذي لا ينكره إلا معاند مكابر!

قال الحسن البصري:
حدثني سبعون من أصحاب رسول ﷲ صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخفين.
قال ابن المبارك: ليس في المسح على الخفين اختلاف أنه جائز.
قال الإمام أحمد: ليس في قلبي من المسح شيء.
وذكر أبو القاسم بن منده في "تذكرته" من روى المسح على الخفين فَبَلَّغهم ثمانين.

والمسح على الخفين ثابت في القرآن والسنة المتواترة..
فمن القرآن آية الوضوء على قراءة "الجر" في قوله: ﴿وأرجلكم﴾ وهي قراءة سبعية فتكون معطوفة على قوله: ﴿وامسحوا برؤوسكم﴾، فيكون المراد بذلك المسح على الخفين، وهو أحسن ما توجه به قراءة الجر كما قال الصنعاني.
وأما السنة فقد ثبت جواز المسح على الخفين عن رسول ﷲ صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا، حضرا وسفرا.
وهو من الرخص الدالة على يسر هذه الشريعة ونفي الحرج عنها.

والأفضل في حق الإنسان ما هو موافق لحال قدمه، فإن كان لابسا الخفين فالأفضل أن يمسح، وإن كانت القدمان مكشوفتين غسلها، ولا يتكلف غير حاله.
أما خلعهما عند كل وضوء "احتياطا" للطهارة فهذا بدعة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم مسح عليهما، ويخشى أن يكون ذلك من باب التشبه بالرافضة الذين لا يجيزون المسح.

ومكان المسح أعلى الخف لا أسفله، وهو ظاهر حديث المغيرة: (فمسح عليهما) فإن معنى "على" الدلالة على الفوقية. ولقول علي: (لو كان الدين بالرأي، لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول ﷲ صلى الله عليه وسلم يمسح على الخف).
قال في التلخيص: "إسناده صحيح".

وصفة المسح:
أن يضع يديه مبلولتين بالماء على أطراف رجليه، ثم يمرهما إلى ساقيه، اليمنى باليمنى، واليسرى باليسرى، مرة واحدة.

حكى النووي جواز المسح على ما لا يستر لصفائه، لأن محل الفرض مستور لا يمكن أن يصل إليه الماء.

واختار ابن تيمية جواز المسح على الخف المخرق وذلك لأمور منها:
1- أن أكثر الصحابة فقراء، وغالب الفقراء لا تخلو خفافهم من خروق، ولا سيما في الأسفار، ولو كان لا يجوز لنبههم صلى الله عليه وسلم على ذلك.

2- أن الحكمة من مشروعية المسح التيسير على الناس، فلو لم يجز المسح عليه لم يحصل مقصود الرخصة. وغير ذلك، وانظر مجموع الفتاوى (172/21).

ويشترط لـ المسح على الخفين أن يلبسهما بعد كمال الطهارة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإني أدخلتهما طاهرتين).
فإذا غسل القدمين لَبَس، ولا بد أن يكون اللبس بعد طهارة مائية، فلو تيمم ولبس الخفين لم يجز له أن يمسح عليهما عند وجود الماء أو استطاعة استعماله،لأن طهارة التيمم خاصة بالوجه واليدين ولا تعلق لها بالرجل، فلا بد إذن من غسل القدمين بالماء قبل لبس الخف.

وإذا لبس خُفا على خف فلا يخلو من ثلاث حالات:
1- أن يلبس خُفا على خف بعد الطهارة بالماء وقبل الحدث، فهذا يمسح على الخف الأعلى قولا واحدا عند الجمهور القائلين بجواز لبس الخف على الخف.

2- أن يلبس الخف الأول ثم يحدث، ثم يلبس خفا عليه وهو محدث قبل أن يتوضأ، فهذا يمسح على الأسفل، ولا يمسح على الأعلى على رأي الجمهور. وذلك لأنه لم يلبسه على طهارة مائية وإنما لبسه وهو محدث.

3- أن يلبس الخف الأول ثم يحدث، ثم يتوضأ، ثم يلبس الخف الثاني، فهذا لا يمسح على الأعلى وإنما على الأسفل، وهو قول الجمهور.
وقيل يجوز المسح على الأعلى، ويكون احتساب المدة للأسفل، واختاره النووي وابن عثيمين.

ومدة المسح على الخفين بيّنها علي -رضي ﷲ عنه- بقوله: (جعل النبي صلى الله عليه وسلم للمقيم يوما وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها) رواه مسلم.
والأحاديث في التوقيت كثيرة شهيرة.

وتُبتَدأُ المدة من المسح لا من الحدث على الصحيح، وهو قول عمر بن الخطاب، ورواية عن الإمام أحمد
ذكرها المرداوي في "الإنصاف" وقال إنها من المفردات، واختاره ابن المنذر، ورجحه النووي قائلا: "وهو المختار الراجح دليلا".

ومعنى هذا؛ أنه لو لبس الخف الساعة (6ص) ثم أحدث الساعة (8ص) ولم يتوضأ إلا الساعة (11ص) فعلى هذا القول تبتدئ المدةُ من الساعة (11ص).
ودليل ذلك أن الأحاديث الأحاديث عّلقت ابتداء المدة على المسح لا على الحدث، فكيف نعدل عن ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم إلى قول غيره!

تنبيه:
قال النووي: "واعلم أنه إذا لبسه ثم أراد تجديد الوضوء -قبل أن يحدث- جاز له المسح، فلا تحتسب عليه المدة حتى يحدث".

متفرقات:
- إذا ابتدأ المسح وهو مقيم ثم سافر أثناء مدة المسح؛ فإنه يكمل مسح مسافر على الصحيح، وهو رأي الإمام أحمد أخيرا.

- لو سافر قبل أن يمسح فإنه يمسح مسح مسافر، قال ابن قدامة في المغني: "لا نعلم بين أهل العلم اختلافا في ذلك".

- إذا ابتدأ المسح على الخفين وهو مسافر ثم قدم بلده أثناء مدة المسح، فإنه يتم مسح مقيم إن بقي له من مدة مسح المقيم شيء، وهي يوم وليلة.

- لا تبطل الطهارة بخلع الخف -على الصحيح- حتى يوجد ناقض من نواقص الوضوء، جاء عن طائفة من السلف، واختاره ابن المنذر وابن حزم وابن تيمية. ودليل ذلك أن عليا -رضي ﷲ عنه- توضأ ومسح ثم خلع وصلى. رواه عبدالرزاق وابن أبي شيبة بسند صحيح.
قال الحسن: من خلع خفيه فلا وضوء عليه.

تنبيه:
إن قلنا ببقاء طهارته بعد خلع الخف، فإنه لا يجوز له أن يلبس خُفيه مرّة أخرى إلا بعد طهارة الماء، لقوله صلى الله عليه وسلم: (أدخلتهما طاهرتين).

- إذا كان على الإنسان "كنادر" و"شراب" فإن الأحوط في حقه أن يمسح على الشراب دون الكنادر، لأن طهارته تكون صحيحة على كل الأقوال.

- لا تنتقض الطهارة إذا تمت مدة المسح -على الصحيح- حكاه ابن حزم عن طائفة من السلف وقال: "وهو القول الذي لا يجوز غيره" واختاره ابن تيمية.

- لا فرق في جواز المسح على الخفين أن يكون لحاجة أم لا، فيجوز للمرأة الملازمة لبيتها، والمريض الذي لا يمشي، نقل النووي الإجماع على ذلك.

- فائدة:
يرى سفيان الثوري جواز المسح على الخف المخرق فقال: "امسح عليها ما تعلقت برجلك، وهل كانت خفاف الصحابة إلا مُخرّقة، مشققة، مرقعة".

- يمسح الخُفّان معا، ولا يبدأ باليمن، لأن الشأن في الممسوح أن يكون جميعا، وقول المغيرة: (فمسح [صلى الله عليه وسلم] خُفيه) ولم يذكر التيامن، والأمر واسع.

هذا ما أردت بيانه باختصار، وأظنه مما يُحتاج إليه، وأسأل ﷲ لي ولكم العلم النافع والعمل الصالح، والله أعلم، وصلاة وسلاما على النبي محمد.

17 / 12 / 1434 هـ