المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل تود معرفة كفر العناد والاستكبار؟وكيف يمكن الجمع بين أن العمل ركن من أركان الإيمان وبين الأحاديث الواردة في أن أناسا يدخلون الجنة لم يعملوا خيرا قط؟



أهــل الحـديث
22-10-2013, 10:30 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الفرع الثالث :كفر الاستكبار والعناد:

أولا : ما المقصود بالعناد والإستكبار؟

العناد : هو الإعراض عن الطاعة ، قال تعالى (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ)ق24.

الإستكبار: هو طلب العلو والخروج عن حد العبودية ، قال تعالى (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا)النساء172.

أي لن يترفع المسيح أن يكون عبدا لله مقرا له بالعبودية والخضوع والإذعادن.

والخضوع والسجود والعمل ينفي الإستكبار ، قال تعالى (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ)النحل49.

وقال تعالى (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ)السجدة15.

كفر العناد والإستكبار :هو أن يصدق بإصول الإسلام وأحكامه بقلبه ولسانه ، ولكن يرفض الإنقياد بجوارحه لحكم من أحكامه استكباراً وترفعاً.

ثانيا :ما هي أركان كفر العناد و الاستكبار؟

1- علم القلب :وهو التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر والقدر خيره وشره.
2- قول اللسان:بشهادة التوحيد وقول الحق.
3- انتفاء عمل الجوارح: بإمتناع الجوارح عن الطاعة مع إنتفاء الموانع.
4- إنتفاء عمل القلب : فإنتفاء عمل الجوارح يدل بالضرورة على إنتفاء عمل القلب .

** تلازم عمل الجوارح وعمل القلب :

فعمل الجوارح تابع لعمل القلب ، وجودا وعدما ، زيادة ونقصانا ، صلاحا وفسادا ، إيمانا وكفرا.
الإيمان عند الإطلاق يدل بالمطابقة على القول والعمل أي قول القلب وقول اللسان وعمل القلب وعمل الجوارح.

وعمل القلب يدل بالإلتزام على عمل الجوارح أي أن عمل القلب يستتبع بالضروة عمل الجوارح ، وعمل الجوارح يدل اللزوم على عمل القلب أي أن عمل الجوارح يدل أن هناك عملا في القلب.
وإذا إنتفى عمل الجوارح إنتفاء كاملا دل يقينا على إنتفاء عمل القلب إنتفاء كاملا بشرط سلامة القدرة وإنتفاء الموانع الآخرى كالجهل.

وإذا إنتفى بعض أعمال الجوارح دل على إنتفاء بعض أعمال القلب كل حسب درجته زيادة ونقصا .

** وقد أجمع أهل العلم على كفر من امتنع عن امتثال حكم من أحكام الشرع استكباراً ؛ لأنه معترض على حكمة الله تعالى ، وهذا قدح في ربوبيته جلّ وعلا ، وإنكار لصفة من صفات الله تعالى الثابتة في الكتاب والسنة ، وهي صفة "الحكمة".

** كيف يمكن الجمع بين أن العمل ركن من أركان الإيمان وأن إنتفاء العمل بالكلية يترتب عليه كفر العناد والإستكبار وبين الأحاديث الواردة في أن أناسا يدخلون النار ثم يدخلون الجنة لم يعملوا خيرا قط؟

وهذه الأحاديث التي تكلمنا عنها هي :

× عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صصصقال:(............... حتى إذا خَلَّصَ المؤمنينَ من النارِ، فوالذي نفسي بيدِه ! ما منكم من أحدٍ بِأَشَدَّ منا شِدَّةً للهِ ، في استِقْصاءِ الحَقِّ ، من المؤمنينَ للهِ يومَ القيامةِ لإخوانِهِمُ الذين في النارِ . يقولونَ : ربَّنا ! كانوا يصومون معنا ويُصَلُّونَ ويَحُجُّونَ . فيُقالُ لهم : أَخْرِجُوا مَن عَرَفْتُم . فَتُحَرَّمُ صُوَرُهم على النارِ . فَيُخْرِجُونَ خَلقًا كثيرًا قد أَخذتِ النارُ إلى نِصْفِ ساقَيْهِ وإلى رُكْبَتَيْهِ . ثم يقولونَ : ربَّنا ! ما بَقِيَ فيها أحدٌ مِمَّن أَمَرْتَنَا به . فيقولُ : ارجِعوا . فمَن وَجَدتم في قلبِه مِثقالَ دينارٍ من خيرٍ فَأَخْرِجُوه . فيُخْرِجونَ خَلْقًا كثيرًا . ثم يقولونَ : ربَّنا ! لم نَذَرْ فيها أحدًا مِمَّن أمرتَنا . ثم يقولُ : ارجِعوا . فمَن وجدتم في قلبِه مِثقالَ نِصْفِ دينارٍ من خيرٍ فَأَخْرِجوه . فيُخْرِجونَ خَلْقًا كثيرًا . ثم يقولون : ربَّنا ! لم نَذَرْ فيها مِمَّن أمرتَنا أحدًا . ثم يقول : ارجِعوا . فمن وجدتم في قلبِه مِثقالَ ذرةٍ من خيرٍ فَأَخْرِجوه . فيُخْرِجون خَلْقًا كثيرًا . ثم يقولونَ : ربَّنا ! لم نَذَرْ فيها خيرًا . وكان أبو سعيدٍ الخُدْرِيِّ يقول : إن لم تُصَدِّقُوني بهذا الحديثِ فاقرؤوا إن شِئْتُم : { إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا } [ 4 / النساء / الآية - 4 ] فيقولُ اللهُ عز وجل : شَفَعَتِ الملائكةُ وشَفَعَ النَّبِيُّونَ وشَفَعَ المؤمِنونَ . ولم يَبْقَ إلا أَرْحَمُ الراحِمِينَ . فَيَقْبِضُ قَبْضَةً من النارِ فيُخْرِجُ منها قومًالميَعْمَلُوا خيرًاقَطُّ. قد عادوا حِمَمًا . فَيُلْقِيهِم في نهرٍ في أَفْوَاهِ الجنةِ يُقالُ له نهرُ الحياةِ . فيَخْرُجونَ كما تَخْرُجُ الحِبَّةُ في حَمِيلِ السَّيْلِ ................ قال فيَخْرُجون كاللُّؤْلُؤِ في رقابِهم الخواتِمُ . يعرِفُهم أهلُ الجنةِ .هؤلاءِ عُتَقَاءُ اللهِ الذين أدخلهم اللهُ الجنةَ بغيرِ عَمَلٍ عمِلوه ولا خيرٍ قَدَّمُوهُ. ثم يقولُ : ادخُلُوا الجنةَ فما رأيتُموه فهو لكم . فيقولونَ : ربَّنا ! أعطيتَنا ما لم تُعْطِ أحدًا من العالمينَ ............... .)صحيح مسلم.

× عن أبي هريرة أن رسول الله صصص قال(قال رجلٌلميعملْخيرًاقطُّ: فإذا مات فحرِّقوه ، واذْروا نصفَه في البَرِّ ونصفَه في البحرِ ، فواللهِ لئن قدَر اللهُ عليه لَيُعذِّبنَّه عذابًا لا يُعذِّبُه أحدًا من العالمينَ ، فأمر اللهُ البحرَ فجمع ما فيه ، وأمر البَرَّ فجمعَ ما فيه ، ثم قال : لِمَ فعلْتَ ؟ قال : مِن خَشْيَتِك ، وأنت أعلمُ ، فغَفَر له)صحيح البخاري.

× عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صصصقال :( كان فيمن كان قبلكم رجلٌ قتل تسعةً وتسعين نفسًا . فسأل عن أعلمِ أهلِ الأرضِ فدُلَّ على راهبٍ فأتاه فقال : إنَّه قتل تسعةً وتسعين نفسًا . فهل له من توبةٍ ؟ فقال : لا . فقتله . فكمَّل به مائةً . ثمَّ سأل عن أعلمِ أهلِ الأرضِ فدُلَّ على رجلٍ عالمٍ . فقال : إنَّه قتل مائةَ نفسٍ . فهل له من توبةٍ ؟ فقال : نعم . ومن يحولُ بينه وبين التَّوبةِ ؟ انطلق إلى أرضِ كذا وكذا . فإنَّ بها أُناسًا يعبدون اللهَ فاعبُدِ اللهَ معهم . ولا ترجِعْ إلى أرضِك فإنَّها أرضُ سوءٍ . فانطلق حتَّى إذا نصَف الطَّريقَ أتاه الموتُ . فاختصمت فيه ملائكةُ الرَّحمةِ وملائكةُ العذابِ . فقالت ملائكةُ الرَّحمةِ :جاء تائبًا مقبلًا بقلبِه إلى اللهِ . وقالت ملائكةُ العذابِ : إنَّهلميعمَلْخيرًاقطُّ. فأتاه ملَكٌ في صورةِ آدميٍّ . فجعلوه بينهم . فقال : قِيسوا ما بين الأرضين . فإلى أيَّتِهما كان أدنَى ، فهو له . فقاسوه فوجدوه أدنَى إلى الأرضِ الَّتي أراد . فقبضته ملائكةُ الرَّحمةِ . قال قتادةُ : فقال الحسنُ : ذُكِر لنا ؛أنَّه لمَّا أتاه الموتُ نأَى بصدرِه)صحيح مسلم.

× عن أبي هريرة أن رسول اللهصصصقال (نزَعَرجلٌلميَعْمَلْخيرًا� �طُّغُصْنَ شوكٍ عن الطريقِ، إما كان في شجرةٍ فقَطَعَه وألقاه ، وإما كان موضوعًا فأَماطَه ، فشَكَرَ اللهَ له بها ؛ فأدَخَلَه الجنةَ) أبي داود و حسنه الألباني.

× وعن أبي هريرة أن رسول الله صصصقال (إن رجلاًلميعملخيرًاقطُّ، وكان يُدايِنُ الناسَ ، فيقولُ لرسولِه:خذ ما تَيسَّرَ واتركْ ما عَسُرَ ، وتَجاوزْ لعل اللهَ تعالى ، أن يتجاوزَ عنا ، فلما هلك قال اللهُ عز وجل له:هل عَمِلتَ خيرًا قطُّ؟ قال:لا إلا أنه كان لي غلامٌ وكنتُ أُداينُ الناسَ ، فإذا بعثتُه ليتقاضى ، قلتُ له: خذ ما تَيسَّرَ، واترك ما عَسُرَ، وتجاوزْ ، لعل اللهَ يتجاوزُ عنا ، قال اللهُ تعالى:قد تجاوزتُ عنك)النسائي وصححه الألباني.

× عن عبدالله بن عمرو أن رسول الله صصصقال (إنَّ اللَّهَ سيُخَلِّصُ رجلًا من أمَّتي على رؤوسِ الخلائقِ يومَ القيامةِ فينشُرُ علَيهِ تسعةً وتسعينَ سجلًّا ، كلُّ سجلٍّ مثلُ مدِّ البصرِ ثمَّ يقولُ : أتنكرُ من هذا شيئًا ؟ أظلمَكَ كتبتي الحافِظونَ ؟يقولُ : لا يا ربِّ ، فيقولُ : أفلَكَ عذرٌ ؟ فيقولُ : لا يا ربِّ ، فيقولُ : بلَى ، إنَّ لَكَ عِندَنا حسنةً ، وإنَّهُ لا ظُلمَ عليكَ اليومَ ، فيخرجُ بطاقةً فيها أشهدُ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ ، فيقولُ : احضُر وزنَكَ فيقولُ يا ربِّ ، ما هذِهِ البطاقةُ ما هذِهِ السِّجلَّاتِ ؟ فقالَ : فإنَّكَ لا تُظلَمُ ، قالَ : فتوضَعُ السِّجلَّاتُ في كفَّةٍ ، والبطاقةُ في كفَّةٍفطاشتِالسِّجلَّاتُ وثقُلتِ البطاقةُ ، ولا يثقلُ معَ اسمِ اللَّهِ شيءٌ)الترمذي وصححه الألباني.

الرد على ذلك يكمن فيما يلي :

1- يجب العلم أنه لا يخلد موحدا في النار فيعذب بذنوبه ثم يدخل الجنة بشفاعة الشافعين أو بعتق الرحمن له.
2- يجب العلم أن الجنة محرمة على الكافرين كفرا أكبر والمشركين شركا أكبر والمنافقين نفاقا أكبر فكل من عمل عملا يدخله في نواقض التوحيد الثلاثة السابقة الكفر والشرك والنفاق يعتبر خارج من الملة مخلدا في النار.
3- يجب العلم أن هؤلاء الذين يخرجون من النار إلى الجنة والذي قيل فيهم أنهم لم يعملوا خيرا قط ، أو الذين يدخلون الجنة ولم يدخلوا النار كما في حديث البطاقة هؤلاء جميعا موحدون وليسوا كافرون أو مشركون أو منافقون.
4- يجب عدم إستنباط الحكم من دليل واحد دون النظر إلى باقي الأدلة فالأدلة يفسر بعضها بعضا ويقيد بعضها بعضا.
5- قوله (لم يعلموا خيرا قط ) : هذه اللفظة من الجنس الذي تقوله العرب بنفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال و التمام ، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل: لم يعملوا خيراً قط على التمام و الكمال ، لا على ما أُوجب عليه ، و أُمر به ، ويؤكد ذلك ما يلي:
× ما في مسلم من حديث أنس بن مالك قال قال رسول الله صصص: ((يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال يا بن آدم هل رأيت خيرا قط هل مر بك نعيم قط فيقول لا والله يا رب ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له يا بن آدم هل رأيت بؤسا قط هل مر بك شدة قط فيقول: لا، والله يا رب ما مر بي بؤس قط ، ولا رأيت شدة قط)).
فهذا الرَّجُل مع كونه من أنعم أهل الدُّنيا أجاب عن قوله: (هل رأيت خيرًا ، هل مرَّ بك نعيمٌ قط) فقال: لا، وكذلك الآخر الذي هو أبأس أهل الدنيا ، أي ان لم ير خيرا قط على وجه التمام والكمال.
وكلام العرب المستفيض عندنا غير مستنكر في إزالة العمل عن عامله إذا عمله على غير حقيقته ، ألا ترى أنهم يقولون للصانع إذا كان ليس بمحكم لعمله : ما صنعت شيئاً و لا عملت شيئاً ، و إنما وقع معناه هاهنا على نفي التجويد لا على الصنعة نفسها ، فهو عامل عندهم بالاسم ، و غير عامل بالإتقان ، ويشهد لهذا القول حديث " ارجع فصل فإنك لم تصل " فإنه صلى ولكنه لم يصلي على التمام والكمال لذلك النفي كان عن الكمال وليس عن أصل العمل , وقاتل المائة جاء عنه " أنه لم يعمل خيراً قط " مع كونه تائباً وشرع في الهجرة إلى الأرض الصالحة .
وهذا أمر سائغ في لغة العرب يقولون : أنت لست بولدي ولا يريد نفي البنوة عنه بالمرة بل يريد لست بولدي الطائع لأن من صفات الولد الطاعة لأبيه أي نفي كمال البنوة.
× ورد لفظ ( لم يعمل خيراً قط) في من عمل بعض العمل ؛ مثل حديث من كان يقرض الناس و يسامح المعسر منهم ، و كذلك حديث قاتل مائة نفس ، و في غيرها من الأحاديث التي تدل على أن نفي العمل ليس على إطلاقه ، فهؤلاء قد أتوا بأعمال صالحة ولم يتركوا العمل البتة كالذي كان يتجاوز عن المعسر إبتغاء وجه الله فهذا عمل صالح ، وكالذي قتل مائة نفس وتاب إلى الله والتوبة تجب ما قبلها فغفر الله له ذنوبه ثم هو تاب إلى الله والتوبة عمل من الأعمال يشترك فيها القلب واللسان والجوارح فهذا عمل من الأعمال الصالحة ، ثم هو قد هم بحسنات ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت لها حسنة وهذه الحسنات التي هم بها هي عبادة الله بسائر أنواع العبادات ، وهو بالفعل مشى في الطريق إلى الأرض التي يعبد فيها لله وهذا السعي والمشي عمل من الأعمال الصالحة يثاب عليه كما أنه انقادت جوارحه للعمل وبذلك كملت أركان إيمانه وحيل بينه وبين باقي الأعمال الصالحة بالقدر ولذلك كتب من أهل الجنة لأن ما منعه من العمل الصالح هو القدر ، وكالذي أماط الأذى والغصن عن الطريق فهذا عمل من الأعمال الصالحة وشكر الله له العمل لأنه كان إبتغاء وجه الله وفي الحديث أنه لم يعمل خيرا قط مع أنه قد أتى بهذا العمل ومن ثم فهذا يدل على أن نفي العمل ليس على إطلاقه.
6- النصوص يقيد بعضها بعضا فهم لم يعملوا خيرا قط إلا الأعمال التي يترتب على تركها الخروج من الملة مثل ترك الصلاة بالكلية فيكون بذلك قد صلى والصلاة عمل صالح ومن ثم فقد قام ركن العمل الذي هو ركن من أركان الإيمان.
7- يمكن حمل الأحاديث على أنهم كان لهم أعمال ذهب ثوابها فكأنهم لم يعملوا خيرا قط ، كما في حديث المفلس فالرجل جاء بصيام وصلاة وزكاة وحج وجاء وقد قتل وسب وضرب وأكل المال فيؤخذ كل صاحب مظلمة من حسناته حتى إذا فنيت حسناته طرح في النار فهذا لأنه فنيت حسناته يقال عنه أنه لم يعمل خيرا قط.

رابعا : أمثلة على كفر العناد والإستكبار:

1- رفض إبليس امتثال أمر الله تعالى بالسجود لأبينا آدم عليه السلام:

وذلك استكباراً وترفعاً عن هذا الفعل الذي أمره الله تعالى به ، معترضاً على ذلك بأنه هو أفضل من آدم ، فلن يسجد له ، حيث قال (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) الأعراف :12.

وقال(أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) الإسراء: 61.

فاعترض على حكمة الله تعالى في هذا الأمر، ورفض الانقياد له من أجل ذلك.

2- أن يرفض شخص أن يصلي صلاة الجماعة إستكبارا:

بأن يترفع عنها ، لأنها تسوي بينه وبين الآخرين.
3- أن يمتنع شخص عن لبس لباس الإحرام إستكبارا:

لأنه في زعمه لباس الفقراء ولا يليق به.

4- عدم قيام الحكام بتحكيم شرع الله مع العلم بوجوب ذلك ووجود القدرة وانتفاء الموانع ووجود الإستطاعة.

فمن لم يحكم بما أنزل الله يكون كافرا كفرا أكبر مخرجا من الملة إن عطل أحكام الله وألغى تطبيقها على نفسه وعلى رعيته وحكم فيهم بما يخالف شرع الله سواء كان معتقدا أن ذلك أفضل من حكم الله وأنفع لعباد الله أو معتقدا أنه مماثل لحكم الله أو معتقدا أنه يجوز الحكم بغير ما أنزل الله لأنه لم يرضى بحكم الله ولم يجعل الله حكما بين عباده.

وقد يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفرا أصغر

وذلك إن لم يحكم بغير ما أنزل الله معتقدا أن حكم الله تعالى الأفضل والأنفع لعباده لكنه خرج عنه وهو يشعر أنه عاصي لله وأنه قد حكم لهوى في نفسه أو لسلب حق غيره فهو يحكم بغير ما أنزل الله لا كراهة لحكم الله ولا إستبدالا ولا إعتقادا بأنه أفضل من حكم الله أو مساوي له أو أنه يجوز الحكم به ، وذلك يكون في القضية والواقعة الخاصة.

5- ترك الصلاة بالكلية بلا عذر:

ترك الصلاة من كفر العناد والإستكبار حيث أنه لم ينقاد بجوارحه لله تعالى وانتفى عمل الجوارح ، فمن تركها بالكلية دون عذر فقد خرج من الملة فهذا يدل على إنتفاء إرادة الطاعة وامتناع قلبه عن الإيمان لوجود تلازم بين عمل القلب وعمل الجوارح.

ولابد من التفصيل في ترك الصلاة وذلك للأحاديث الصريحة التي تكفر تارك الصلاة وهي :

قوله صصص (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) أخرجه مسلم.
وقولهصصص(العَهدُ الذي بَينَنا وبَينَهُم الصلاةُ ، فمن تَرَكَها فَقَد كَفَرَ)الترمذي وبن ماجه والنسائي وصححه الألباني.
وتفصيل حكم تارك الصلاة في التالي:
1- من ترك الصلاة مكذبا بوجوبها فقد كفر كفرا أكبر بإجماع المسلمين وهذا من كفر التكذيب .
2- أن من أقر بوجوبها ، ولم يلتزمها أي لم يقر بأنها لازمة له على نفسه أي جحدها ؛ وهذا يكفر بالإجماع وهذا من كفر الجحود.
3- ومن إستحل تركها فهو كافر بإجماع المسلمين ، وهذا من كفر التكذيب.
4- ومن شك في وجوبها فقد كفر بإجماع المسلمين ، وهذا من كفر التكذيب وسببه الشك.
5- أن من أقر بوجوبها ، والتزمها ، لكنه ترك الصلاة تركًا كليًا؛ فهو كافر مرتد بالإجماع ولو قال إنه تركها تهاونا وكسلا لأن الكسل يقتضي أن يكون المرء نشيط أحيانا ومتكاسل أحيانا يصلى أحيانا ويترك أحيانا أما الترك بالكلية فهذا ترك عمد وليس تكاسل ، وسواء عزم على القضاء أم لا، لأن الحكم معلق بالترك الكلي ، وهذا من كفر العناد والإستكبار.
فمن ترك الصلاة بالكلية عمدا فقد كفر كفراً يخرج من ملة الإسلام ويعتبر مرتداً ويستتاب ثلاثة أيام فإن تاب فيها ؛ وإلا قتل لردته ، فلا يصلى عليه صلاة الجنازة ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يسلم عليه حياً أو ميتاً ولا يرد عليه السلام ولا يستغفر له ولا يترحم عليه ولا يرث ولا يورث ماله بل يجعل ماله فيئا في بيت مال المسلمين.
لأن من استتاب ولم يتوب ويعلم أنه سوف يقتل إن لم يصلي فهذا في حقيقته يدل على جحوده وعناده وإستكباره وتكذيبه.
6- من صلى البعض وترك البعض ولو صلاة واحده مع الإيمان بوجوبها وعدم جحودها وعدم الشك في وجوبها ، وهذا ما يسمى بترك الصلاة كسلا ، فقد اختلف فيه العلماء إلى مايلي:
× الرأي الأول:
أنه كافر كفرا أكبر يخرج من الملة.
× الرأي الثاني:
فهو مرتكب كبيرة غير أنه لا يخرج بها من ملة الإسلام وتجب استتابته ثلاثة أيام فإن تاب فالحمد لله وإلا قتل حداً لا كفراً ، وعلى هذا يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدعى له بالمغفرة والرحمة ويدفن في مقابر المسلمين ويرث ويورث ، وبالجملة تجري عليه أحكام المسلمين العصاة حياً وميتاً .
× الراجح عندي:
هو أنه من ترك الصلاة كسلا يعد مرتكبا لكبيرة وهذا العمل يعد كفرا أصغر ، فلا يكفر ويجب استتابته ثلاثة أيام فإن تاب وصلى فبها ونعمة وإن لم يصلي وأصر على معصيته فهو كافر كفرا أكبر لأن من يصر على عدم الصلاة وهو يعرف أنه سوف يقتل فالحالة هذه فيها دلالة على جحوده للصلاة وعناده واستكباره لتركه الصلاة واستهزاءه بشعائر الإسلام وتكذيبه بالصلاة.
والمقصود بترك الصلاة كسلا: أن يصلي بعض الصلاوات ويترك البعض لأن لفظ التكاسل يعني أن المرء يكسل أحيانا عن الصلاة وينشط أحيانا بالصلاة أم الترك بالكلية فهذا ترك العمد.
فالمتكاسل تراه يصلي مثلا فرضا ويترك آخر أو يصلي فرضا في اليوم ويترك الباقي أو لا يصلي إلا الجمع والأعياد أو لا يصلي إلا في رمضان وهكذا.

خامسا:كفر العناد والإستكبار يتردد بين الكفر الأكبر والكفر الأصغر:



الخــــــلاصـــــة


فكفر العناد والإستكبار قد يكون كفرا أكبر وقد يكون كفرا أصغر، فقد يكون كفر أكبر كما ضربنا المثل بكفر إبليس ، وكفر تارك الصلاة عمدا ، وعدم الحكم بغير ما أنزل الله مع العلم بوجوب ذلك ووجود القدرة وانتفاء الموانع ووجود الإستطاعة ، وقد يكون كفرا أصغر كما ضربنا المثل بكفر تارك الصلاة كسلا ، وعدم الحكم بغير ما أنزل الله في الواقعة المعروضة وذلك في حالة الإعتقاد أن الحكم بما أنزل الله واجب وأنه الأفضل والأنفع لكنه لم يحكم به لهوى في نفسه ويعلم أنه عاصي لله.


1- كفر العناد والاستكبار هو أن يصدق المرء بإصول الإسلام وأحكامه بقلبه ولسانه ولكنه يرفض الإنفياد بجوارحه لحكم من أحكامه إستكبارا وترفعا.
2- كفر العناد والإستكبار يتوافر فيه علم القلب بالتصديق الجازم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره وكل ما جاء به النبي ، وقول اللسان بشهادة التوحيد وينتفي فيه عمل الجوارح بإمتناع الجوارح عن الطاعة ويدل ذلك على انتفاء عمل القلب لأن عمل الجوارح تابع لعمل القلب.
3- من الأمثلة على كفر العناد والاستكبار كفر إبليس حيث رفض السجود لآدم إستكبارا وترفقا فقد أراد أن يخرج عن حد العبودية إلى الربوبية وطعن في الحكمة الإلهية ، وعدم القيام بتحكيم شرع الله مع العلم بوجوب ذلك ووجود القدرة وانتفاء الموانع ووجود الإستطاعة ، وترك الصلاة بالكلية بلا عذر مع العلم بوجوبها .
4- كفر العناد والاستكبار قد يكون كفرا أصغر.


من كتاب السراج المنير في شرح العقيدة الإسلامية

لتحميل الكتاب أدخل على الرابط التالي - في الملتقى - المرفقات أسفل الموضوع

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=318807 (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=318807)