تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المكي و المدني من الحديث النبوي



أهــل الحـديث
20-10-2013, 04:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




كما هو معلوم أن علماء القرآن عنوا بتحقيق المكي و المدني من القرآن الكريم عناية فائقة ، فتتبعوا القرآن آية آية ، و سورة سورة ، لترتيبها وفق نزولها ، مراعين في ذلك الزمان و المكان و الخطاب ، و تحدثوا عن معنى المكي و
المدني ، و الفرق بينهما ، و مميزات و خصائص كل منهما ، و ضوابط و سبل معرفتهما ، و أهمية و فوائد هذا العلم ، الأمر الذي يفسر عناية الأمة بالمصدر الأول للتشريع .
هنا يطرح السؤال : أليس معرفة المكي و المدني من الحديث النبوي من الأهمية بمكان كما هو الشأن بالنسبة لمعرفة المكي و المدني من القرآن الكريم ؟
و بالتالي يمكننا أن نتحدث عن علم المكي و المدني في الحديث النبوي ، و اعتباره علما من علوم الحديث له محددات و ضوابط و مميزات و فوائد ، وله مكانة في المصدر الثاني للتشريع الذي هو السنة النبوية ، فهنا تكمن جدة هذا البحث و الذي
سأزيده وضوحا من خلال النقاط التالية :



أسباب اختيار الموضوع



و أجملها فيما يلي :
- خدمة الحديث الشريف من خلال هذه الدراسة .
- افتقار المكتبة الإسلامية إلى رسالة علمية محكمة تخص علم المكي و المدني من الحديث النبوي ، لأن هذا العلم لم يسبق إليه بالتأليف و التفصيل ، فأرجو أن تكون هذه الدراسة هي اللبنة الأولى في هذا العلم .
- الرغبة في زيادة الفائدة على الباحث في علوم الحديث خصوصا و كذا على
الباحثين في العلوم الشرعية عموما .



أهمية الموضوع



تنبع أهمية الموضوع في أن معرفة المكي و المدني من الحديث النبوي يطلعنا أولا على معرفة المتقدم من الحديث من المتأخر ، و فهم الحديث النبوي فهما دقيقا إذ أن معرفة مكان ورود الحديث يعين على فهم المراد منه و معرفة مدلوله ، و كذلك معرفة تاريخ التشريع و تدرجه الحكيم بوجه عام و استخراج سيرة الرسول صلى الله عليه و سلم ، و ذلك بمتابعة أحواله و أحاديثه في مكة و مواقفه في الدعوة ثم أحواله و أحاديثه في المدينة و سيرته في الدعوة إلى الله فيها ، فالموضوع طريف و ودقيق سينضج من خلال هذه الدراسة و سيؤتي أكله بعد حين فيما يستقبل من الدراسات حوله بإذن الله .
أهداف الموضوع و الغاية منه
1- خدمة الحديث النبوي ببيان المكي و المدني منه و التأسيس لهذا العلم بالضوابط و القواعد المستخرجة من مظانها ، و اعتباره علما من علوم الحديث على غرار علم المكي و المدني من القرآن الذي يعتبر علما من علوم القرآن .
2- إثراء المكتبة الإسلامية بدراسة علمية محكمة حول هذا الموضوع ينتفع بها
المسلمون و الباحثون و طلبة العلم ، مما يفسح المجال لمزيد التعمق في هذا العلم مستقبلا .
3- استثمار هذا العلم في دراسة التشريعات و الأحكام المستقاة من هذه الأحاديث وتصحيح الأخطاء في فهم المقصود من بعضها .
4- جمع الأحاديث و تصنيفها إلى مكي و مدني ليستفيد منها الفقيه و المجتهد و
يعرف كيف أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يراعي الزمان و المكان في تعامله مع المسلمين، فيستثمر ذلك الفقيه مراعيا في فتاويه الأحوال و الزمان و المكان الذي يعيش فيه المسلمون .



الدراسات السابقة و المصادر المعتمدة



بعد البحث و الاطلاع على ما كتب في هذا الموضوع ، لم أعثر على رسالة علمية محكمة تتناول هذا الموضوع في إطار دراسة علمية نظرية و تطبيقية متخصصة ، و مظان هذه المادة موجودة في مجموعة من المصادر المتفرقة التي تناولت بعض المباحث لها علاقة بهذا العلم و التي يمكن اعتبارها أساسا لهذا العلم ، كأسباب النزول و أسباب ورود الحديث ، و كتب الحديث و السنة خصوصا التي خرجت الحديث كاملا بسياقه ، و كتب التاريخ و السير التي تناولت سيرة النبي صلى الله عليه و سلم و مراحله و سياسته في الدعوة ، و كذا كتب تراجم الصحابة رضوان الله عليهم إذ أن مخرج الحديث و الذي ينتهي إلى الصحابي قد يعين على معرفة نوع الحديث خصوصا أن من الصحابة من سمع من النبي صلى الله عليه و سلم فقط بالمدينة كالأنصار ، ومن الصحابة من سمع منه و لم يهاجر إلى المدينة و بقي في مكة ، و هكذا على ما سنفصل فيه خلال هذه الدرسة ...



منهج و خطة البحث



سأسير في هذا البحث معتمدا على المنهج الاستقرائي الوصفي ، و سأقوم بتقسيم الدراسة قسمين : قسم يتعلق بما هو نظري حيث سأتطرق إلى تعريف المكي و و المدني و بيان العلاقة بين هذا العلم و المكي و المدني من القرآن، و سبل معرفة المكي و المدني من الأحاديث و ضوابط ذلك ، ثم أبين ما تتميز به الأحاديث المكية من خصائص و مميزات و كذا المدنية، ثم فوائد و ثمرات هذا العلم.و القسم الثاني يتعلق بالتطبيق حيث سأختار صحيح البخاري من كتاب بدء الوحي إلى كتاب الوضوء أو الصلاة ثم بيان الأحاديث المكية و المدنية فيها ، لأن الإحاطة بجميع الأحاديث و بيان المكي المدني منها أمر صعب و متعذر و قد يحتاج إلى وقت و جهد أكبر .
و هاهنا نماذج تقريبية من خلال أحاديث مختارة و بيان المكي و المدني منها :
ابتداء نقرر أن علماء القرآن اختلفوا في تعريف المكي و المدني على ثلاثة مذاهب :
التعريف الأول : أن المكي ما نزل من القرآن قبل هجرة الرسول صلى الله عليه و سلم إلى المدينة حتى ولو نزل بغير مكة ، و المدني ما نزل من القرآن بعد الهجرة و إن كان نزوله بمكة . و هذا التعريف روعي فيه الزمان .
التعريف الثاني : أن المكي ما نزل من القرآن بمكة ولو بعد الهجرة ، و المدني ما نزل بالمدينة ، و يدخل في مكة ضواحيها كالمنزل على النبي صلى الله عليه و سلم بمنى و عرفات و الحديبية ، و يدخل في المدينة ضواحيها أيضا كالمنزل عليه في بدر ، و أحد ، وسلع.. و هذا التعريف لوحظ فيه مكان النزول .
التعريف الثالث : أن المكي ما وقع خطابا لأهل مكة ، و المدني ما وقع خطابا لأهل المدينة ، و هذا التعريف لوحظ فيه المخاطبون .
ثم رجحوا التعريف الأول لأنه ضابط و حاصر و مطرد لا يختلف ، و اعتمده
العلماء و اشتهر بينهم[1] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn1) .
فبهذا التعريف يمكن القول بما يتعلق بالمكي و المدني من الحديث النبوي ، أن المكي ما ورد من حديثه صلى الله عليه و سلم قبل هجرته إلى المدينة ولو ورد بغير مكة ، و المدني ما ورد من حديثه صلى الله عليه و سلم بعد الهجرة و إن كان وروده بمكة .
المثال الأول : عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله و رسوله ، فهجرته إلى الله و رسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه )[2] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn2) ، فهذا الحديث مدني قاله النبي صلى الله عليه و سلم بعد الهجرة ، و سبيل معرفة ذلك هو سبب وروده ، فقد ذكر السيوطي في كتابه اللمع في أسباب ورود الحديث نقلا عن الزبير بن البكار في أخبار المدينة قال : حدثني محمد بن الحسن عن محمد بن طلحة ابن عبد الرحمان عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبيه قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة وعك أصحابه و قدم رجل فتزوج امرأة مهاجرة ، فجلس رسول الله صلى الله عليه و سلم على المنبر فقال : وذكر الحديث[3] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn3) . و الفائدة التي يمكن ذكرها هنا في معرفة أن هذا الحديث مدني أن النبي صلى الله عليه و سلم لما هاجر إلى المدينة و
استقر بها ذكر هذا الحديث ترغيبا في الهجرة من بلد الشرك ( مكة ) إلى دار الإسلام ( المدينة ) و أن يكون ذلك حبا في الله و رسوله و رغبة في إظهار الدين حيث كان يعجز عن ذلك في مكة .
المثال الثاني : عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( اللهم أعز دينك بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام )[4] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn4) ، و الصحابة الذين رووا هذا الحديث لم يصرحوا بالسماع ، و مع ذلك فالحديث مكي و يبدو ذلك منظاهره فعمر بن الخطاب أسلم قبل الهجرة ، و إذا رجعنا إلى أسباب النزول نجد أن هذا الحديث سبب نزول قوله تعالى من سورة فاطر و هي سورة مكية : ( أفمن زين له سوء عمله فرءاه حسنا فإن الله يضل من يشاء و يهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون )[5] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn5) ، قال ابن عباس : فهدى الله عمر و أضل أبا جهل ففيهما أنزلت[6] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn6) . و هذا الحديث المكي يفيدنا كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعاني من أذى المشركين فطلب العون من الله بأحد هذين الرجلين ليعز الدينو ذلك لمكانة هذين الرجلين بمكة آنذاك ، و المسلم في حال ضعفه أو غربته في موطن ما ينبغي له أن يلتجأ إلى الله و يدعو أن يعز الإسلام بمن يعرف أن لهم صولة ومقام في ذلك الموطن .
المثال الثالث : عن الحسن رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
( لن يغلب عسر يسرين )[7] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn7) فهذا الحديث مثلا لن يفهم المقصود منه إلا بالرجوع إلى السياق الذي ورد فيه و معرفة الملابسات التي أحاطت به ، و عليه فالحديث مكي و سبيل معرفة هذا ما ذكر في كتب التفسير و أسباب النزول عن الحسن قال : لما نزلت هذه الآية ( إن مع العسر يسرا )[8] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn8) قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : و ذكر الحديث[9] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn9) ، و سورة الشرح سورة مكية ، فالنبي صلى الله عليه و سلم بشر أصحابهللتخفيف عنهم من الأذى الذي يعانونه من المشركين آنذاك .
المثال الرابع : عن ابن عباس قال : صعد رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم على الصفا فنادى : يا صباحاه ، فاجتمعت إليه قريش فقال : ( أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أكنتم تصدقوني؟) قالوا : بلى . قال : ( فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبولهب : تبا لك ألهذا جمعتنا ؟ )[10] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn10) فالحديث من ظاهره هو حديث مكي يبين بداية سياسة الدعوة إلى الله ، كما أن هذا الحديث سبب نزول سورة المسد و هي سورة مكية[11] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn11) .
المثال الخامس : عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : تنكح المرأة لأربع : لمالها و لحسبها و لجمالها و لدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك )[12] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=41#_ftn12) ، فالحديث مدني و سبيل معرفة دلك مخرج الحديث ، فالصحابي أبو هريرة أسلم في قبيلة دوس على يد الطفيل بن عمرو الدوسي سنة 7 للهجرة ، و هاجر في نفس العام إلى المدينة أثناء فتح خيبر كما يذكر أصحاب التراجم منهم ابن حجر في الإصابة ، فأحاديثه التي رواها مدنية خصوصا التي صرح فيها بالسماع ، فهو لم يسمع من النبي صلى الله عليه و سلم إلا بعد الهجرة ، و هذا الحديث لم يصرح فيه بالسماع فيحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه و سلم قاله في مكة ، و حفظه أبوهريرة من صحابي آخر ، لكن هذا الاحتمال يزول إذا عرفنا سبب الورود الذي يؤكد أن الحديث مدني ، فقد أخرج مسلم و أحمد عن جابر بن عبد الله قال : تزوجت امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا جابر أتزوجت ؟ قلت : نعم ، قال : بكرا أو ثيبا ؟ قلت : ثيبا ، قال : ألا بكرا تلاعبها ؟ قلت : يا رسول الله كن لي
أخوات فخشيت أن تدخل بيني و بينهن ، فقال : و ذكر الحديث ، و معلوم أن جابر بن بن عبد الله من الأنصار و لم يلتقي مع النبي صلى الله عليه و سلم إلا بعد الهجرة ، فيكون الحديث مدنيا ، و هو من جملة الأحاديث المدنية التي تعتبر من أحاديث الأحكام التي تم سنها بعد الاستقرار بالمدينة ، وهذا الحديث إخبار عن واقع الناس بالمدينة حيث أنهم يتقدمون للزواج بالمرأة، إما لمالها أو لحسبها أو لجمالها أو لدينها، ثم أرشدهم النبي صلى الله عليه و سلم أن الذي ينبغي أن يعول عليه هو ذات الدين.فهذه نماذج تقريبية حول هذه الدراسة و التي كما أشرنا من قبل أنها ستعنى باستخراج الأحاديث المكية و المدنية وفق الضوابط و السبل التي سأبينها في القسم الأول من البحث ، و بالتالي تتضح مميزات و خصائص كل من النوعين و ما يتبع ذلك من فوائد و ثمرات . هذا ما تيسر لي قوله في بحثي المستقبلي حول المكي و المدني من الحديث النبوي

- البرهان للزركشي : 187/1 ، الإتقان للسيوطي : 23/1 ، مناهل العرفان للزرقاني : 193/1 .[1]

- أخرجه البخاري في بدء الوحي : ½ ، و مسلم في كتاب الإمارة 4/572 و غيرهما .[2]

- و قد فصل صاحب عمدة القاري شرح صحيح البخاري في بيان السبب و المورد : 1/74[3]

- أخرجه الترمذي في أبواب المناقب ، مناقب عمر بن الخطاب : 2/209 ، و الطبراني عن أنس و ابن مسعود .[4]

- سورة فاطر : 8[5]

- أسباب النزول لجلال الدين السيوطي : ص 185.[6]

- أخرجه ابن جرير الطبري عن الحسن في تفسيره .[7]

- سورة الشرح: 5[8]

- أسباب النزول للسيوطي : ص 246 . تفسير الطبري: 24/495.[9]

- رواه البخاري في كتاب تفسير القرآن باب قوله : ( ما أغنى عني ماليه ) حديث : 4972.[10]

- أسباب النزول للسيوطي : ص 246.[11]

- رواه البخاري في كتاب النكاح : 7/9 ، و مسلم في كتاب الرضاع : 3/651 .[12]