المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفريغ محاضرة: تكوين الملكة الفقهية لمعالي الشيخ سعد بن ناصر الشثري



أهــل الحـديث
20-10-2013, 01:30 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


لمن أراد تحميل التفريغ:
http://ar.salafishare.com/7UU



تكوين الملكة الفقهية
عند
طالب العلم

محاضرة ألقاها:
معالي الشيخ الدكتور:
سعد بن ناصر الشثري








الحمد لله رب العالمين فقه من شاء بمعرفة أحكام دينه، فكانوا ممن يراد بهم الخير، أحمده جل وعلا على نعمه وأشكره على فضله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:

فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: {مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ})[1](، والفقه معناه: الفهم الدقيق والمعرفة لأسباب الأحكام ومآخذها.
وجاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {خِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا})[2] (بضم القاف لا بكسرها.
ما الفرق بين قولك: إذا فَقِهُوا، وإذا فَقُهُوا؟ فَقِهوا بالكسر معناه فهموا وعرفوا الحكم الفقهي. وأما فَقُهُوا بالضم فالمراد به أن يكون الفقه والفهم صفة ثابتة في نفوسهم، وهذا الذي يقول عنه المتأخرون: الملكة الفقهية.

وقد جاء في الترغيب في الفقه في الدين والأمر بمراجعة الفقهاء الكثير من النصوص، قال تعالى: -(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)- [التوبة/122]، وقال تعالى: -(فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)- [النحل/43]، وقال: -(وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)- [النساء/83] والذين يستنبطون الأحكام من الأدلة هؤلاء هم الفقهاء، وهم الذين عندهم الملكة الفقهية، ومن هنا نعرف أن الملكة صفة راسخة في النفس تصدر عنها الأفعال بسهولة، ولذا قال في التقرير والتحبير: "الملكة كيفية راسخة في النفس، متسببة عن استجماع المآخذ والأسباب والشروط التي يكفي المجتهد الرجوع إليها في معرفة الأحكام الشرعية الفرعية التي تنال بالاستنباط" )[3](.

والملكة الفقهية أصلها فضل من رب العزة والجلال ينيلها من يشاء من عباده، {مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ} لذا قال ابن السبكي: "والملكة من فعل الله تعالى"، وقال في تعريف الملكة الفقهية: "هي استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها".
وإذن الملكة الفقهية صفة تكون في نفس الإنسان تمكنه من معرفة حكم الله عز وجل في الوقائع التي ترد إليه، لماذا؟ لأن عنده هذه الصفة العظيمة التي تحويها نفسه.











[من هو صاحب الملكة الفقهية؟ وما صفاته؟]

من هو صاحب الملكة الفقهية؟ هم أهل الاجتهاد، من هم أهل الاجتهاد؟ من وجدت فيهم أربع صفات:
· الصفة الأولى: أن يعرفوا الأدلة الشرعية، خصوصا الكتاب والسنة، فكلما جاءتهم مسألة من المسائل ونازلة من الوقائع تمكنوا من مراجعة النصوص الشرعية في الكتاب والسنة في هذه الواقعة.
· ومن صفات صاحب الملكة الفقهية أنه قد تَعَرَّفَ على أقوال الفقهاء المتقدمين، وعرف مواطن إجماعهم ومواطن خلافهم.
· ومن صفاته أيضا أن يكون قادرا على الاستنباط، بأن يعرف قواعد أصول الفقه ويتمكن من تطبيقها على النصوص الشرعية.
· ويكون عنده من لغة العرب ما يُمَكّنُه من فهم النصوص الشرعية.
إذن هذه صفات أصحاب الملكة، هي صفات أهل الاجتهاد.








[أصناف الفقهاء والمجتهدين]

والناظر في الفقهاء والمجتهدين يجد أنهم على ثلاثة أصناف:
ü صنف نظروا في الفروع، وتمكنوا من الإحاطة بها ومعرفتها، فهذا الصنف هم أقل الأصناف من الفقهاء، لماذا؟ لأنهم اهتموا بالفروع والجزئيات وتركوا الكليات.
ü والصنف الثاني من أصناف الفقهاء أصحاب الملكات الفقهية هم الذين انتقلوا من الفروع والجزئيات إلى الكليات، فكان نظرهم مقتصرا على الكليات، وهذا الصنف هو غالب فقهاء أهل العصر، وإن كان بعضهم التفت إلى الكليات ولم يلتفت إلى الجزئيات بتاتا، فوقع في هفوات كثيرة، ووردت منه فتاوى شاذة عديدة.
ü وأما القسم الثالث فهم الذين تشبعوا بكليات الشريعة وأحاطوا بفروعها وجزئياتها، فهؤلاء هم أصحاب الملكة الفقهية، وهؤلاء هم الذين يرجع إليهم في الأحكام الشرعية.










[طرق تحصيل الملكة الفقهية]

إذا تقرر هذا فينبغي أن يعلم: أن تحصيل الملكة الفقهية أمر ميسور على الناس وليس بالصعب، لكن له طرق لابد من معرفتها، لابد من معرفة طرق تحصيل الملكة الفقهية.
هنا الإخوان كتبوا في العنوان: تكوين الملكة الفقهية، وكان الأولى أن يقال: تنمية الملكة الفقهية أو تنشئة الملكة الفقهية، فهو أولى من كلمة التكوين التي قد يفهم منها أنه ليس عند الإنسان أي جزئية من جزئيات تحصيل الملكة الفقهية.
نأتي بعد أن عرفنا الملكة الفقهية، وعرفنا من هو صاحب الملكة الفقهية، ومن هي صفاته، وكيف يحصلهـا، وما هي المراحل التي يمر بها، نتكلم عن طرق تحصيل الملكة الفقهية.

الملكة الفقهية يمكن أن نتكلم عن تحصيلها من جانبين:
- الجانب الأول: طرائق التحصيل.
- والثاني: أساليب التحصيل.








1- أما طرائق التحصيل فهناك عدد من الطرائق التي نحصل بها الملكة الفقهية:

ü أول هذه الطرائق هو تعويد النفس على مراجعة المسائل الفقهية، بحيث يعيد النظر في كلام الفقهاء مرة بعد مرة.
ü وثاني هذه الطرائق معرفة طرق استنباط الأحكام وطرق النظر في الأدلة.
ü وثالث ذلك: أن ينظر المرء في أقوال العلماء واجتهاداتهم، ويتعرف على العلل والمآخذ التي سار عليها أصحاب كل قول.
يقول الزركشي في البحر المحيط: "ليس يكفي في حصول الملكة على شيء تَعَرُّفُهُ - يعني كونك تعرفه فقط، ليس معناه أنك حصَّلت الملكة -، بل لابد مع ذلك من الارتياض في مباشرته، فلذلك إنما تصير للفقيه ملكة الاحتجاج واستنباط المسائل أن يرتاض في أقوال العلماء وما أتوا به في كتبهم، وربما اعتاد الإنسان العناء في مسائل كثيرة ولا ينتفع بمثل ذلك، إنما ينتفع بذلك إذا تمكن من معرفة الصحيح من تلك الأقوال من فاسدها".
ليس الفقه في أن تحيط بأقوال الفقهاء في المسائل، لو عرفت أقوال الفقهاء وعرفت أدلة كل قول، ولم يغب عليك شيء من هذه الأقوال فلست بفقيه، إنما يكون فقيها من يتمكن من معرفة الراجح من المرجوح في الأقوال بالنظر في الأدلة الشرعية، أما من كان يقلد غيره ولا ينظر في مآخذ المسائل والترجيح بين الأقوال فهذا لا يحصل الملكة الفقهية.
ü ومن الأمور التي ننبه عليها في هذا الباب أن مراجعة الكتب المختصرة قد لا تفيد الإنسان في تربية الملكة الفقهية فائدة كبيرة؛ وذلك لأن مقصود المدرس في كثير من هذه المتون والمختصرات هو فك عبارة المؤلف وبيان معانيها، ومن ثَمَّ لا يحصل الإنسان كثيرا من مقومات الملكة الفقهية، ولذا قال ابن بدران: "فالملكة الحاصلة من التعليم في تلك المختصرات إذا تم على سداده ولم تَعقُبهُ آفة فيه ملكة قاصرة"، أما إذا لم يتم أو جاءته آفة بعد ذلك فحينئذ لايبقى عنده شيء من هذه الملكة.
قال: "فالملكة الحاصلة من التعلم في تلك المختصرات إذا تم على سداده ولم تعقبه آفة فهي ملكة قاصرة عن الملكات التي تحصل فن الموضوعات البسيطة المطولة، وذلك لأن كثرة ما يقع في تلك الكتب من التكرار والإحالة فهذا يجعله يعجز عن الوصول إلى درجة الملكة الفقهية، فإنه إذا اقتصر على التكرار لقلته كشأن هذه الموضوعات المختصرة"، فحينئذ سيحفظ ما في هذه الكتب، لكن لا يعني هذا أنه قد حصل الملكة الفقهية.
ü من أعظم ما يزيد في الملكة الفقهية مراجعة النصوص الشرعية وكثرة قراءتها، والتأمل في معانيهما، وتدبرهما، يقول الزركشي بدر الدين: "على فقيه النفس ذي الملكة الصحيحة تتبع ألفاظ الوحيين الكتاب والسنة، واستخراج المعاني منهما، ومن جعل ذلك دَأَبَه وجدهما - يعني الكتاب والسنة - مملوءة، ووجد أنهما البحر الذي لا ينزف، وكلما ظفر بآية طلب ما هو أعلى منها واستمد من الكتاب والسنة".
ü من الأمور التي ينبغي أن تلاحظ أن الملكة الفقهية لا تحصل بتعلم علم الفقه فقط؛ بل لابد أن يدرس بقية العلوم الشرعية، يدرس التفسير والحديث وشروحه، والأصول، ويدرس في العلوم الفقهية مثل علم القواعد الفقهية، علم المقاصد وعلم...وأنواع الفقه باختلاف درجاتها.
أما أن يكون مركزا على علم ويترك بقية العلوم هذا لا يحصل الملكة الفقهية؛ ولذا قال الشوكاني: "وأكثر علوم الاجتهاد يتعلق بعضها ببعض ويأخذ بعضها بحَجْزَةِ بعض، ولا سيما ما كان من علومه مرجعه إلى ثبوت الملكة، فإنها إذا تمت كان المرء مقتدرا على الاجتهاد في جميع المسائل")[4](.
ü ومن الأمور التي تتكون أو تنشأ بها الملكة الفقهية وتنمو: مجالسة العلماء الفقهاء الذين يشغلون المجالس بطرح المسائل العلمية الفقهية، يقول ابن خلدون: "والأنظار الفقهية تنشأ بمخالطة الفقه، وتنظير المسائل وتفريعها، وتخريج الفروع على الأصول"، فهذا النظر الفقهي لابد أن يكون مستند على هذه الأمور.
ü هكذا من أجل أن تحصل على الملكة الفقهية لابد من أن يكون هناك أوقات طويلة عندك بدلتها للتفقه في الدين ومعرفة أحكام الشرع. يقول الرازي: "كل من واظب على صناعة من الصنائع مدة مديدة صارت تلك الحرفة والصناعة ملكة راسخة قوية، وكلما كانت المواظبة عليها أكثر كانت تلك الملكة أقوى وأرسخ".
ü ومن الأمور التي لابد من الإشارة إليها: أن مزاولة الإنسان للمسائل الفقهية إما بتطبيقها والعمل بها، وإما بدعوة الناس لها، وإما بالفتوى فيها، أو بغير ذلك من طرائق التعامل معها، هذه تكون حياة جديدة لأولئك المتعلمين.
يقول الشوكاني: والحاصل أنه لابد أن تثبت له - يعني للمجتهد - الملكة القوية في هذه العلوم وإنما تتبث هذه الملكة بطول الممارسة، وكثرة الملازمة لشيوخ هذا الفن)[5](.
وفي عصرنا الحاضر استجدت للناس وسائل يتمكنون من تعلم العلم وكوين وتنشئة الملكة الفقهية في ساعات قليلة. إذن هذه وسائل تفيدك في تحصيل الملكة الفقيهة، وسأضرب لكم مثلا بعرض مسألة فقهية وكيفية التعامل معها:
إذا جاءتك المسألة الفقهية فلابد أن تبني النظر فيها على عشرة أجزاء، كم جزء؟ عشرة أجزاء:
1- أول هذه الأجزاء: النظر في تصوير المسألة، وإدراك أبعاد هذه المسألة وجزئياتها، فعندما تُعَوِّد نفسك على تصوير المسائل، أو عندما تراجع كلام الفقهاء في تصوير هذه المسائل، فهذا سينشئ عندك جزءا ولو كان يسيرا من الملكة الفقهية.
تصور المسألة قد يكون بالمعنى الإجمالي، وقد يكون بالنظر في المفردات، [و] النظر في المفردات قد لا يكون له ذلك الأثر في تصور المسائل.
2- الجزئية الثانية: دراسة منشأ الخلاف وأسباب الخلاف، إذا لم تعرف أسباب الخلاف بين العلماء في هذه المسائل فقد تنزل كلامهم على غير مرادهم، وحينئذ يكون عندك غبش كثير في مثل هذه المسائل، ولذا من أسباب وجود هذه الفتاوى الشاذة والأقوال الغريبة هو عدم الالتفات إلى منشأ الخلاف في المسألة، وأعطيكم مثلا:
سجود التلاوة هل يجب أن أتوضأ له؟ وهل يجب أن أُكَبِّرَ قبله وبعده في غير الصلاة؟
هذه المسألة نشأت عن: هل سجود التلاوة صلاة أو ليست بصلاة. فإن قلت إنها صلاة: لابد من وضوء، لابد من استقبال القبلة، لابد من ستر العورة، إذا كانت المرأة تقرأ القرآن وهي كاشفة لرأسها لابد أن تغطي رأسها بناء على قولك بأن سجود التلاوة صلاة.
لكن إذا قلنا: بأن سجود التلاوة ليس بصلاة كما أثر عن ابن عمر وجماعة من التابعين، فحينئذ لا يشترط الوضوء ولا استقبال القبلة ولا تغطية المرأة لرأسها ولا يصح أن تقيسه على بقية أنواع السجود.
وعندما لا يلاحظ سبب الخلاف يقع الإنسان في اضطراب واختلاف؛ تجده مرة في هذه المسألة يقول: يكبر ويسلم، ثم بعد ذلك يقول: لا تغطي رأسها. هذا اضطراب، السَنَنُ واحد إذا اخترت قولا لابد أن تسير على القاعدة.
أعطيكم مثلا آخر: اليوم يوم الجمعة، أليس كذلك؟ لو قُدِّر أن إنسانا كان مسافرا، جاي إلى البحرين أو إلى الأحساء، ووجد الناس يصلون صلاة الجمعة، فصلى معهم.
هل يجوز له أن يصلي صلاة العصر باعتبار أنه مسافر فتكون مقصورة مجموعة مع الجمعة؟
ومثل هذا هل يجوز أن نصلي صلاة الجمعة قبل الزوال؟
أجيبوا عن المسألتين، يجوز نصلي قبل الزوال؟ورد في الحديث أنه صلى قبل الزوال.
طيب، هل تجمع معها العصر؟ عندنا هذه المسألة من مسائل الخلاف، من أين نشأ الخلاف؟ نشأ من مسألة هل الجمعة فرض مستقل أو هي بدل عن صلاة الظهر؟ فإذا قلنا بأن صلاة الجمعة بدل عن الظهر لم يجز جمع العصر مع الجمعة، ولكن لابد أن تلاحظ أنك إذا قلت بذلك، ايش؟ إذا قلنا صلاة الظهر ايش؟ صلاة الجمعة بدل عن صلاة الظهر جاز جمع العصر معها، [و] لابد أن تلاحظ أنه لا يجوز لك أن تفعلها قبل الزوال، وإذا اجتمع جمعة وعيد لزِمك أن تصلي الجمعة و لزِمك أن تصلي العيد بناء على أن الجمعة بدل عن صلاة الظهر.
وإذا قلنا الجمعة فرض مستقل فحينئذ لا يجوز لك أن تجمع الجمعة مع العصر، ويجوز لك أن تفعلها قبل الزوال، ويجوز لك أن تترك الجمعة في يوم العيد إذا كنت قد صليت صلاة العيد.
أما إذا لم تلاحظ منشأ الخلاف فحينئذ تقع في ضلال وفي خطأ كبير، حتى فيما يتعلق بالمسائل الأصولية، إذا لم تلحظ منشأ الخلاف وقعت في إشكالات، وقد تقع في عقائد فاسدة.

ü كذلك من الأمور التي لابد من ملاحظتها عند رغبتنا في تكوين الملكة الفقهية: أن ننظر إلى علة المسألة، العلة، ما المراد بالعلة؟ الوصف الذي يبنى عليه الحكم، ما هي الأوصاف التي تبنى عليها الأحكام حتى تتكون عندنا الملكة الفقهية.
ü مثله أيضا النظر في الأدلة كتابا وسنة وكثرة قراءتها وتدبرهما كما تقدم، وهكذا بقية الأدلة الأخرى.
ü كذلك الجواب عن الاستدلالات، لابد أن تلاحظه.
3- هكذا أيضا هناك جزئية من جزئيات بحث المسائل الفقهية هو النظر في الآثار، لابد أن تنظر ما هي آثار هذه المسألة من أجل أن تتكون عندك الملكة الفقهية.
إذا تقرر هذا فإن الأوصاف التي تبنى عليها الأحكام لابد أن نلاحظها حتى نُكَوِّن الملكة. فلانة وجبت عليها صلاة الظهر، وفلانة لم [تجب] عليها، لماذا؟ لابد فيه سبب.
عندنا مثلا في أبواب الحدود، نجد أن الحد يطبق على شخص والآخر لا يطبق عليه، لماذا؟ لأن هناك عللا وأوصافا لابد من ملاحظتها.
ولكن أنبهكم إلى شيء؛ وهو أن بعض من ينظر في الفقه ويتعالم بادعاء الفقه تغره المسائل التابعة ولا ينظر إلى أصل المسألة؛ تأتينا مثلا معاملات مالية جديدة، ويقترن بها أوصاف أخرى، فعندما ينظر في المسألة تأسره هذه الأوصاف وبالتالي لا ينظر إلى أصل المسألة. أنت قَدِّر المسألة خالية من هذه الأوصاف.
مثال ذلك: هناك العديد من المعاملات المالية الجديدة، فبعض الناس ينظر إلى جزئيات من جزئياتها مما يمكن انفكاك أصل المسألة عنه، فيقع في زلل كبير. يقول: أنا أروح أشتري سيارة من المعرض، لكن المعرض ما يبيعني السيارة إلا إذا أحضرت ورقة التأمين التجاري، وبالتالي يقول: شراء السيارة ما يجوز. نقول: لا؛ نظر الفقيه ينظر إلى الأوصاف الذاتية.

Ø الأوصاف على ثلاثة أنواع:
* وصف عارض: ما معنى عارض؟ يأتي ويزول، هذه الأوصاف العارضة لا [يصح] ولا يجوز أن تبنى عليها الأحكام، مثال ذلك: على الباب رمز الصليب، نقول: هذا وصف عارض لا يصح أن تقول: الباب حرام مطلقا ودائما وأبدا، وإنما نزيل الوصف، والحكم يكون على الوصف، فهنا هذا وصف إيش؟ عارض يأتي ويزول.
* هناك أوصاف ملازمة، لكن يتصور انفكاكها عن الأصل، هناك أوصاف ذاتية فالغالب أن الأحكام الشرعية تبنى على الأوصاف الذاتية الباقية، مثال ذلك: أنتم عليكم كوفيات وثياب، هذه أوصاف ايش؟ عارضة. عندكم أصابع، هذا وصف لازم.
لو قطعت يدك ألا يتصور بقاؤك بعدها؟ إذن هذا وصف لازم.
* وهناك أوصاف ذاتية مثل القلب، القلب هذا وصف ذاتي، لو قطع قلبك ما بقيت، هذا وصف ذاتي.
الأحكام تبنى على الأوصاف الذاتية، ما يصح أن تبنيها على أوصاف عارضة، ولذلك يجد الإنسان أن كثيرا من المسائل الطبية والاقتصادية في عصرنا يتغير نظر الفقيه فيها بالنظر في الأوصاف العارضة، وهذا لا ينبغي أن يكون منطلقا للفقيه في تقرير الحكم الشرعي.

Ø هكذا أيضا الأوصاف يمكن تقسيمها بتقسيم آخر:
* فهناك أوصاف مناسبة يحصل من بناء الحكم عليها جلب مصلحة أو درء مفسدة، مثال ذلك: قطع اليد لم شرع؟ هل هذا وصف مناسب لتشريع الحكم؟ قلنا: نعم، هذا إذن وصف مناسب.
* وهناك أوصاف طردية ليس لها علاقة بالحكم، ولو ربط الحكم بها لما تحقق به مصلحة ولما درء به مفسدة، ويمثلون لذلك بقول بعضهم: مس الذكر لا ينقض الوضوء لأنه آله حرث فأشبه الفأس أو المحراث. وايش رأيكم، استدلال جيد؟ أجيبوا؟
هذا الوصف وصف طردي غير مؤثر، يسميه بعضهم بوصف شبهي.
لو قال قائل: بأن خالد بن الوليد شجاع، فهذا خالد هذا شجاع. نقول: هذا استدلال خاطئ؛ لماذا؟ لأن بناء الحكم بالشجاعة على اسم خالد هذا من بناء الأحكام على الأوصاف الطردية غير المؤثرة.
* هناك نوع ثالث يقع في الوسط؛ ليس وصفا مناسبا، وإنما يشتمل على المناسبة. وللفقهاء في بناء الأحكام عليه كلام كثير.

ü من الأمور التي تعين على تكوين الملكة الفقهية النظر في مباحث القياس، وخصوصا مباحث العلة وتقسيماتها، وشروطها وصفاتها، فهذا يُكَوِّنُ الملكة، لأنك تعرف متى يكون الوصف مناسبا.

ü وهكذا أيضا النظر في مباحث مقاصد الشريعة، لأنه يزيد في تكوين ملكة الفقه عند الإنسان لأنه يعرف بالمعاني التي قصدها الشرع.
ü هكذا أيضا القواعد الفقهية تعينك وتمكنك من تكوين أو من تنمية الملكة الفقهية عندك. إذن لابد لتنمية الملكة الفقهية من النظر في العلل والتأمل فيها، وخصوصا العلل العامة الكلية التي تشمل ما لا يتناهى من الصور.




[أحكام وفوائد وثمرات تكوين الملكة الفقهية]

تكوين الملكة الفقهية يترتب عليه عدد من الأحكام والفوائد والثمرات:
v الملكة هي منشأ الحكمة، قال تعالى: -(وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا)- [البقرة/269]، يقول بعض أهل العلم: العلم في عرف العلماء استكمال النفس الإنسانية باقتباس العلوم النظرية، واكتساب الملكة التامة.
v إذا أكثر الإنسان من مطالعة المسائل الفقهية أورثه ذلك معرفة أو التمييز بين الأقوال الشاذة والأقوال المقبولة، وجعله كذلك يحكم حكما ابتدائيا على ما يرد عليه من المسائل، ولا يكون هذا إلا بكثرة النظر في المسائل الفقهية، يقول الشوكاني: "والحاصل أنه لابد أن تثبت للمجتهد الملكة القوية في هذه العلوم، وإنما تثبت هذه الملكة بطول الممارسة وكثرة الملازمة لشيوخ هذا الفن")[6](.









[علاقة الاستحسان بالملكة الفقهية]

ننتقل إلى جزئية أخيرة وهي أو قبل الجزئية هذه علاقة الاستحسان بالملكة الفقهية:
الاستحسان له ثلاثة معاني:
ü المعنى الأول: ترك القياس من أجل دليل خاص، هذا يسمونه [استحسانا]، وترك القياس هذا سبب من أسباب وقوع الوهم عند المجتهد بحيث يظن أن الملكة الفقهية تدل على إثبات الحكم في شيء، وتكون تلك المسألة مستثناة.
ü والمعنى الثاني من معاني الاستحسان: ما يستحسنه المجتهد بعقله ويرى أنه هو الحكم الشرعي، هذا لا يصح بناء الحكم عليه ولا قيمة له، لأنه ليس مبنيا على أصول شرعية صحيحة، فمثل أصحاب هذا النوع قد يظنون أن هذا من الملكة.
ü والمعنى الثالث من معاني الاستحسان قالوا هو معنى ينقدح في ذهن المجتهد يعجز عن التعبير عنه، هذا ملكة.
هل يجوز بناء الأحكام عليه؟ نقول: لا؛ لابد من وجود الدليل [و]التعليل.
طيب، كيف؟ لماذا لم تتثمر الملكة؟ نقول: أثمرت الملكة؛ حرَّكت نفسه ليتمكن من استخراج الحكم من الدليل.
وبالتالي مبحث الاستحسان له علاقة وثيقة بمباحث الملكات.





[من أسباب وقوع الوهم في باب الملكات الفقهية]

من أسباب وقوع الوهم في باب الملكات الفقهية بحيث نجد أن بعض الناس يبني حكما على لا شيء عدد من الأمور:
§ الأمر الأول: وجود التعارض بين العلل في المسألة الجزئية، بحيث لا يلتفت الفقيه إلى إحدى العلتين ويغفل عن العلة الأخرى وقد تكون أقوى، وهذا فيه من الفقه الشيء الكثير، يسمونه فقه الموازنات.
مثال ذلك: عندما يأتيك خاطب كفئ صاحب ديانة، ما من صفة طيبة إلا وقد توفرت فيه [و] وجدت فيه، يخطب ابنتك، الجواب وايش تقول؟ تزوجونه ولا ما تزوجونه؟ تزوجونه.
طيب، تبين أن المرأة ترفض هذا الرجل تقول: الموت أحب إلي من معيشة معه، وتراكم إن زوجتوني ... ولا تسألوا عن فعلي بعد ذلك.
وايش تقولون: يزوج ولا ما يزوج؟ ايش؟ ما يزوج، طيب تَوْ تقولون يزوج و[الآن رفضتم] أليس صاحب دين وخلق؟ ما انتفت منه.
فهنا وُجِد علتان متعارضتان، فلابد من مراعاة إحداهما ولو في سبيل تجاوز علة الأخرى.
ولهذا مثلا -أجيب لكم مثلا قديما -: إذا حجرنا على المفلس لم نصحح تصرفاته، لكن إذا أعتق صح التصرف، لم؟ هنا وجدت علة أقوى وهو تشوف الشرع للعتق. هذا من تعارض العلل.

§ كذلك من أسباب وقوع الوهم في الملكة الفقهية: أن من يحاول إعمال الملكة الفقهية قد ينظر إلى العلة وينظر إلى مأخذ الحكم لكنه يغفل عن الشروط، ويغفل عن الضوابط ويغفل عن الموانع، [و] بالتالي يقع في إشكال.
عندنا شخص قاتل لأبيه، يرث ولا ما يرث؟ وايش تقولون؟ ما يرث؟ ما يرث.
طيب، تبين أن قتله بحق، إذن هو لا يرث القاتل لا يرث، لكن منعه من الميراث هذا له شروط وهناك موانع.
جاءنا وقال: امرأة صامت جميع رمضان تقضي ولا ما تقضي؟ نقول: أخطئت في صيام أيام الحيض، هي عندها علة لإيجاب الصوم وإيجاب الصلاة، كونها مسلمة عاقلة بالغة إلى آخره. لكن هناك شرط لم يوجد أو هناك مانع وجد، الحيض مانع من إيجابا لصلاة.
وعدم مراعاة الشروط والضوابط يوقع من يعملون الملكات الفقهية في الكثير من مخالفة الشريعة، بل قد يقال أن أكثر أسباب اختلاف الفقهاء هو هذا الجانب.
§ من أسباب وقوع الوهم عند إعمال الملكة الفقهية هو ظن المكلف أن العلة توجد في المسألة ولا يكون الأمر كذلك.
مثال ذلك: متى تجب صلاة الظهر؟ بزوال الشمس. إذا ظن ان الشمس قد زالت ولم يكن الأمر كذلك لم يجز له الصلاة، ولو صلى لطالبناه بإعادتها، لماذا؟ نقول: هنا أخطأ في إعمال الملكة الفقهية؛ بحيث توهم وجود سبب الحكم في المسألة ولم يكن الأمر كذلك.
هناك مسائل مستثناة من أصل القياس، وبالتالي إذا جاءنا الفقيه وأراد أن يعمل الحكم الشرعي بناء عليها، وقع في اضطراب واختلاف.
جاء في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم منع من المزابنة. ايش المزابنة؟ بيع التمر بالرطب، لماذا مُنِع؟ لأننا لا نتحقق من التساوي بينهما في الحجم، وبالتالي نمنع. استثني من ذلك العرايا، فعندما يأتي الفقيه وينظر ويقول: القاعدة أن بيع التمر بالرطب ممنوع منه. نقول: لكن جاءنا استثناء، في هذه المسألة تخصيص. فمن أسباب وقوع الخطأ عند أصحاب الملكات وجود مثل هذا الاستثناء.

هناك عدد من الأخطاء التي تقع في هذا الباب، ولذلك لابد من مراعاتها.
















2- أساليب تكوين الملكة الفقهية:

أختم حديثي بالكلام عن مسألة متعلقة بتكوين الملكة أو تنمية وتنشئة الملكة: قلنا: كيف تتكون الملكة؟ عندنا وسائل وعندنا أساليب؛ الوسائل من مثل مراجعة الكتب، ومن مثل كثرة ملازمة الفقهاء، ومن مثل استخراج علل الأحكام بطرائق مسالك العلة.
- وهناك أساليب: من ضمن هذه الأساليب قلنا النظر في تصوير المسألة، في منشأ الخلاف فيها، في علة المسألة، في الأدلة والأقوال والآثار -آثار المسألة-.
- من الأمور التي تصد الناس عن تكوين الملكة الفقهية الاشتغال بأمور أخرى لا ينتفعون بها لا في دنيا ولا آخرة، تجدون يتحدثون فيما لا ناقة لهم ولا جمل ولا يستفيدون منه، لا يؤجرون عليه بل قد يأثمون،، عندما تتحدث بما عند الأشخاص الآخرين من المعاصي هذا ليس طاعة بل معصية، وهو من أكبر أسباب منع تكوين أو منع تنمية الملكة الفقهية.
- ومثل هذا أيضا سماع الأخبار الكاذبة، كثير من وسائل الإعلام تنقل أخبار كاذبة لايتورعون فيها، وبالتالي فإن سماع مثل هذه الأخبار الكاذبة يمنع من تكون الملكة الفقهية وتنميتها.
يقول الله تعالى: -(وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)- [المائدة/41-42]
إذن لماذا وُجِدت الفتنة عندهم؟ من أنواع الفتنة أن ترى الحق باطلا وأن ترى الباطل حقا، وما يوجد عندك هذا الافتتان إلا إذا ضعفت الملكة الفقهية أو زالت.
لماذا وُجِدت الفتنة؟ بسببين هما: سماع الأخبار الكاذبة وأكل المال الحرام.
- من أكبر أسباب نماء الذهن سواء فيما يتعلق بالمسائل الفقهية أو غيرها: تنشئة النفس على توحيد رب العزة والجلال، بحيث تكون الأعمال كلها لله ليبارك لك فيها.



















[مدى ينتفع الطالب بعلم الأصول في تنمية الملكة الفقهية؟]

أختم حديثي بالكلام عن أن معرفة علم الأصول بدون القدرة على تطبيق هذه القواعد قد لا ينتفع به صاحبها، ولذلك نجد أن مدرسي الأصول على أصناف:
- منهم من يدرس دراسة نظرية بدون تطبيق، فهذا إذا كان فاهما فأنت ستستفيد منه، الإشكالية إذا جاءك من لا يفهم.
- لكن أحسن منه من يطبق هذه القواعد على أمثلة قد ذكرها الأصوليون المتقدمون، هذا أحسن آو الأول؟ هذا أحسن.
- وأحسن منه من يطبق القواعد الأصولية على فروع فقهية مذكورة في كتب الفقهاء، يروح يدور في كتب الفقه عن فروع فقهية لتلك المسألة، آه هذا أحسن ولا الذي قبله؟ هذا أحسن.
- وأحسن منه من يطبق القواعد الأصولية على المسائل النازلة الواقعة في حياة الناس، وبالتالي يتفاوت الناس في العلم والفقه بسبب مثل ذلك.

سبق أن ذكرت لكم أن النظر في كتب المختصرات هو شأن كثير من الناس، لكن بعض الناس يأخذ المعلومة الجزئية اليسيرة ويمكنه الله عز وجل من فهمها ومن تطبيقها ومن تكوين ما لا يتناهى من المسائل عليها.
أسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإياكم لخيري الدنيا والآخرة، كما أسأله جل وعلا أن يمكن أذهانكم من تدبر كتابه وفهم مراده، ومعرفة معانيه وعلله، فيمكنكم الله من الفهم والفقه والاستنباط.
هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
[الأسئلة:]

* يقول: ما أفضل الكتب التي تعين على تكوين لو قال: تنمية أحسن، تنمية الملكة الفقهية، وهل لكل مذهب طريقة خاصة في تنمية الملكة لفقهية؟
- الملكة الفقهية أساسها ومنشؤها هبة من رب العزة والجلال كما تقدم، ولكن لها أسباب وهي الأسباب السابقة التي ذكرت.
صاحب الملكة الفقهية الذي سيقول أنا سأقتصر على كتاب واحد، نقول: وقف أنت أتعبت نفسك ولن تحصل الملكة الفقهية، ما تحصل إلا بمراجعة كتاب بعد كتاب، ولا تحصل بالنظر في الكتب الفقهية بدون ملاحظة كليات الشريعة.


* هل تبنى الأحكام الفقهية على الأوصاف اللازمة؟
- الأوصاف العارضة ما يصح، بل كثير من أخطاء الناس في نظرهم وفتاواهم تنشأ من ربطهم الحكم على وصف عارض، ربط الحكم بالأوصاف اللازمة هذا من مواطن الخلاف بين الفقهاء، ولكن الإشكال ليس في بناء الحكم على الوصف اللازم، وإنما الحكم على المحل بوصف لازم له، إذا قلت مثلا: تنتفي الكتابة على من وجدت يده، هنا بنيت الحكم على وصف لازم، هذا جائز. لكن كونك تحكم على الأصل بناء على وجود وصف ملازم له هذا هو الإشكال.

* سؤال: هل الاستهزاء بأهل المعاصي من النصيحة للدين؟
- الجواب: لا؛ السخرية والاستهزاء منهي عنه مطلقا.
* هنا أسئلة جزئية متعلقة بمسائل أخرى.
هذا يشير إلى ملحوظة وخطأ يقع عند كثير من الناس، وهو أنهم يبنون الأحكام على الذوات، بينما الأحكام الشرعية تبنى على الأفعال، إذن الحكم الشرعي للفعل بناء على علة، وليس الحكم الشرعي على الذوات.
ما حكمك؟ جائز أنت؟ ايش تقول؟ أجب: أنت جائز ولا حرام و لا مكروه ولا مستحب؟ أنت جائز؟ ايش تقولون؟ نقول: غلط هذا ذات والذات ليس لها أحكام، لكن ما حكم ذهابك؟ ما حكم جلوسك؟ ما حكم رفع يدك؟ ما حكم أن تحضر المحاضرة ثم لا تفهم؟ ...الجواب ايش؟ تؤجر عليه، مو بجائز تؤجر عليه مستحب.

أسأل الله جل وعلا أن ينيلكم علما صحيحا مؤصلا وعملا فاضلا متقبلا، كما أسأله جل وعلا أن يصلح قلوبكم وأن يجعلها أوعية للعلم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالتمثيل: {مثل ما بعثني الله به من الهدى كمثل غيث نازل من السماء})[7]( ثم قسم الناس إلى ثلاثة أقسام، جعل أحدهم بمثابة الأرض الخصبة لما جاءها المطر أنبتت، وجعل الآخر بمثابة مماسك الماء تمسك الماء لينتفع بها الناس، وجعل القسم الثالث الأراضي التي لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعظم لنا ولكم لأجر، وأن يكثر لنا ولكم الثواب، ونسأله صلاح أحوال المسلمين، ونسأله جل وعلا أن يعيدهم إلى دينه عودا حميدا، اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان، اللهم اجمع كلمتهم على الحق.
هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.


نشكر فضيلة الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري على هذه المحاضرة القيمة، وأسأل الله عز وجل أن يجعل ذلك في ميزان حسناته.
وأشكركم كذلك أيها الإخوة على حضوركم وحسن استماعكم إلى لقاء آخر من فعاليات دارة الأوقاف السنية جزاكم الله خيرا والحمد لله رب العالمين.




)[1]( - متفق عليه: أخرجه البخاري (70)، ومسلم (1725) عن الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.
)[2]( - أخرجه الإمام أحمد في المسند (10088)، وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع (3267).
)[3]( - انظر: التقرير والتحبير لمحمد بن محمد بن أمير حاج الحنفي (ج:1/ص:47).
)[4]( - إرشاد الفحول (ج:2/ص:1043) الطبعة الأولى لدار الفضيلة.
)[5]( - إرشاد الفحول: (ج:2/ص:1032).
)[6]( - إرشاد الفحول (ج:2/ص:1032).