المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : غض البصر ( 2 ) : الشيخ زيد البحري



حواء غرابيل
18-10-2013, 07:10 PM
غض البصر 2

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
www.albahre.com (http://www.albahre.com/)
أما بعد ، فيا عباد الله :
تحدثنا في الجمعة الماضية ، عن غض البصر ، ثم تحدثنا في الجمعة السالفة عن تكملةٍ لغض البصر، وعن منفذٍ ينفذ فيه عدم غض البصر إلى أمر قد لا يطيقه الإنسان ، وهو العشق
وكان الحديث ، كان قد جرى في مجرياته في الجمعة الماضية ، كما ذكره ابن القيم رحمه الله عن العشق ، وعن أضراره ، ولم يبقَ لنا مما ذكره رحمه الله ،في شتى كتبه التي ذكرتها ، لم يبقَ إلا أربعة أضرار
من بين أضرار العشق الذي سببه عدم غض البصر :
- أنّ آفات الدارين الدنيا والآخرة ، هي أسرع إلى عشّاق الصور من النار إلى الحطب ،والعشب اليابس ،وسبب ذلك : أن القلب ، كلما تمكّن فيه العشق ، واستحكم فيه ، وقوي اتصاله به بعٌد عن الله عزّ وجلّ . وإذا بعٌد القلب عن الله ، حلتْ به الآفات ، وتمكن منه الشيطان ، ولم يدعْ أذىً يوصله إلى أن يوقعه في هذا القلب ، لم يتوانى عنه طرفة عين ، فما ظنّكم بقلبٍ تحكّم واستحكم فيه الشيطان
ومن أضرار العشق :
أنّ العشق إذا تمكن من القلب ،واستحكم فيه أفسد الذهن ،وربما أحدث الوسواس، وربما ألحق صاحبه بالمجانين ، وأخبار العشاق في ذلك موجودةٌ ، مشاهدةٌ في العيان ،وأشرف وأفضل ما لدى الإنسان عقله ، فإذا ذهب عقله أصبح في عداد المجانين .
وهل أذهب عقلَ مجنون ليلى وأحزابه إلا ذلك :
قالوا جُننتَ بمن تهوى فقلتُ لهم العشق أعظم مما بالمجانينِ العشق لا يفيق الدهرَ صاحبه وإنما يُصدَعُ المجنونُ في الحينِ
ومن أضرار العشق :
- أنه يُفسِد الحواس ، أو يفسد بعضها فساداً معنوياً، وإذا فسد القلب فسدَ البدنُ ،وفسدت العينُ ، وفسدت الأذنُ ، وإذا فسدت العين رأت القبيحَ حسناً ، فإنه يرى ما يفعل ، وما يفعل معشوقُه ؟إنما هو من الأمور المستحسنة ، كما قيل :
هويتُكَ إذ عيني عليها غشاوةٌ فلما انجلت قطعتُ نفسي ألومها
ويقول رحمه الله : (( ولا يرى عيوب الشيء إلا من دخل فيه ، ثمّ خرج منه ، وإذا فسدت الحواس فإنّ القلب يمرض ، وكذلك البدنُ ، فربما أدّى إلى تلف البدن كلية ))
رُفِعَ شابٌ إلى ابن عباس ، وهو في عرفة ، وقد نحُل جسمه ، فسأل عن سبب نحول جسمه ، فقيل له : العشق ، فجعل – رضي الله عنه – يتعوذ من العشق يومه ذلك .
ومن أضرار العشق – كما قيل في الشعر :
وعشْ خالياُ ، فالحب أوله عنى وأوسطه سقم ، وآخره قتل
وقال آخر :
تولّعَ بالعشق حتى عشق فلمـــــــــا استقلّ به لم يُطق رأى لُجّة ظنها موجـــة فلمــــــــــا تمكّنَ منه غرق
ثم ذكرَ رحمه الله ، لأن ما ذكره من الأضرار ذكره في كتاب (( الجواب الكافي ))
ثم انتقل رحمه الله ،أو ننتقل معه رحمه الله إلى كتابه :زاد المعاد
فقال رحمه الله ، في بيان علاج هذا العشق :
إذا حلّ هذا العشق في الإنسان ، ماذا يصنع ُ به ؟ ماذا يفعل به ؟ كيف يتخلص منه ؟
فيقول رحمه الله : (( العشق مركب من أمرين ، العشق مركب من أمرين ، إذا انتفى أحدهما انتفى الآخر تلقائياً : أولاً : استحسان المعشوق ثانياً : طمع الوصول إليه .))
تصور أنه إذا خلا منه الأمر الأول ، وهو استحسان المعشوق ، إنه لا رغبة له في الوصول إليه ، الأمر الثاني : أنه إذا ليس له طمع في الوصول إليه ، فإنه لا يكون عاشقا له .
ولذا يقول رحمه الله : (( إذا انتفى أحدهما انتفى الآخر))
ما علاج العشق ؟ أسباب تأتي مركبة :
أولاً : الزواج ، ولذا هو السبب الشرعي النافع للعشاق ، قال النبي صلى الله عليه وسلم – كما في الصحيحين : (( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغضٌ للبصر ، وأحصن للفرج )
وليتزوج ممن يعشقها ، ولذا في حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – عند ابن ماجة مرفوعا (( لم نرَ للمتحابين مثل النكاح )) فهذا أحسن ما يكون ، ولذا أشار القرآن إلى أهمية الزواج ، أباح لنا عزّ وجلّ أن نتزوج بالنساء ،
ثم ذكر بعد ذلك في سورة النساء {يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً }النساء28
فالإنسان ضعيف ، أن تنحبسَ فيه هذه الشهوة ، فجعل جلّ وعلا طريقاً لخروجها ، وهو طريقٌ شرعي الذي هو الزواج من باب الرحمة والتخفيف من عزّ وجلّ على عباده .
فإذا لم يقدر أن يتزوج بمعشوقه ، فعليه أن يُمكِّن في قلبه اليأس منه لأنّ الإنسان إذا يئس من الشيء ابتعد عنه ، لكن إذا كان الإنسان يتحدث في هذا الشيء ، ويشغل ذهنه ، وقلبه ، وحواسه به ، فإنه لا يزال متواصلاً معه ، ولو كان بعيداً عنه .
لكنه إذا جعل اليأس في قلبه من هذا المعشوق ، فإنه يبتعد عنه ويستريح منه ، ولا يلتفت إليه ، فإن لم يزُل باليأس ، فيقول – رحمه الله : فقد انحرف الطبع انحرافا كبيرا عظيما ،
فماذا يصنع ؟ ينتقل إلى معالجة عقله ، فيخاطـــــــب عقـــــــــــله : كيف له أن يعشق شيئا في عداد المستحيل ، ويحدث نفسه قائلا : إنماعشقك بهذه المرأة أو بهذا الإنسان ،إنما هو بمثابة عشق الشمس ، ومن عشقَ الشمس فإنه يُعدُّ في زمرة المجانين .
إذا لم يستطع أو لم يتمكن ، فليخاطب عقله بالمساوئ والمضارّ ، والمفاسد التي تحدث له من جراء هذا العشق التي لا تنفي مصالحه ، وإنما تعدم مصالحه في الدين ، والدنيا ، والآخرة .
فإن لم يستطع ، فليتصور قبائح هذا المُستحسَن ، فإنه لو نظر نظرة تأمل وجد فيه من القبائح أكثر من المحاسن التي تدعو نفسُه إلى محبته .


فإن عجز عن هذه الأدوية كلها وما استطاع أن يعالج نفسه بأي دواء مما سبق ، فقال – رحمه الله – : (( فلم يبق َ له إلا صدق اللجوء إلى الله عزّ وجلّ ، والتضرع إليه، وأن يطرح نفسه أمام بابه ، لأنه بمثابة المضطر ، وإذا وُفِقَ لِقرع هذا الباب ، وُفــــق إلى بـــــاب التوفيق )).
ثم قال رحمه الله :
ولا يُغترُ بالحديث الذي يُروى من قوله – عليه الصلاة والسلام - (( من عشقَ ، فعفَّ ،وصبرَ ، غُفِرَ له ودخل الجنة )) وفي رواية هذا الحديث الذي هو مُختلق مُلفَق على النبي صلى الله عليه وسلم : (( من عشق ، فعفّ فكتم ، فمات فهو شهيد )) فهذا الحديث باطل من عدة وجوه :
أولاً : يقول رحمه الله ، قال : إنه لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم . ثانياً : أنّ منزلة الشهداء منزلةٌ عاليةٌ ، جمع جلّ وعلا بينها وبين مرتبة الصدِّيقية ، ولها أحوال ،وكرامات ، فكيف يجعل العشق بمنزلة الشهداء ؟!
ثالثاً : أنّ النبي – صلى الله عليه وسلم – ذكر في الصحيحين أنّ الشهداء خمسة ، وذكر عند أبي داود وغيره أنهم سبعة ، ومع ذلك لم يكن للعشق في هذه الأحاديث ذكرٌ أبداً . رابعاً : كيف يكون عشق المردان ، وعشق النساء الذي هو شركٌ في محبة الله ، الذي هو فراغ القلب من الله عزّ وجلّ ؟! كيف تُنال مرتبة الشهادة بالحب لغير الله عزّ وجلّ ؟! هذا من المحال
خامساً : كيف يحكم النبي – صلى الله عليه وسلم – على عشق النساء ، وعلى عشق المردان بأنه من الشهادة في سبيل الله؟ وهل هذا إلا خلاف المعلوم من دينه إلا بالضرورة .

ثم ننتقل مع ابن القيم – رحمه الله – إلى كتابه (( روضة المحبين )) فإنه – رحمه الله – ذكر أنواع الحب
وذكر فيما ذكر من قوله :
أولاً :صرف المحبة كلها لله عزّ وجلّ ، وهذا وإن سُمي عشقاً ، فإنه من باب التجوز ، وإلا فلا يُطلق على الله أنه عاشق ، ولا يُطلق على العبد أنه عاشق لله عزّ وجلّ ، كما ذكر ابن أبي العز الحنفي في شرحه على الطحاوية ، لِمَ ؟ لأنّ العشق في غالبه إنما يكون بشهوة ، ولكن تجوزا ، لو قيل : عشق ، فهذا على ما ذُكرَ تجوزاً وإلا فإنّ أعظم أنواع الحب هو أن تصرفَ الحب كله لله عزّ وجلّ .
قال رحمه الله : (( فهذا أعظم صلاح العبد ، وصلاح قلبه ، وهو غاية صلاحه ، ولا يمكن أن يكون للقلب نعيم ، ولا سعادة إلا بهذا النوع من أنواع الحب ، أن يكون الله ورسوله أحــب إليـــــه مما سواهما )) .
وأن تكون محبتك للآخرين تابعة لمحبة الله ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم .


ولذا قال – عليه الصلاة والسلام - : ((ثلاث مَن كنّ فيه وجدَ حلاوة الإيمان ، .................(منها) أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما )) وهذه المحبة – كما يقول رحمه الله – فوق ما يجده المحب من محبوبه بدرجات عالية ، لمَ ؟ لأنّ هذه المحبة ، وهي محبة العبد لله عزّ وجلّ ، تقتضي أن يُقدمَ نفسه ، وماله وولده لله عزّ وجلّ ، وهذا لا يمكن أن يكون في أحوال العشاق ، بل إن هناك أعظم وأعظم مما ذُكر ، وهو كما قال عليه الصلاة والسلام : ((ويكره أن يكفر ولو أُلقي في النار )) فإنه لو طُلب منه أن يكفر بالله عزّ وجلّ وإلا قُذفَ في النار ، فإنه يُقدم نفسه ويقذفها في النار محبةً لله عزّ وجلّ ، ومثل هذه المحبة لا تُوجد في أحوال العشاق ، أبداً ، مهما كانت محبة هذا المخلوق للمخلوق .

ومن أنواع المحبة ، كما ذكر رحمه الله :
- محبة القرآن : بحيث يُستغنى بسماعه عن سماع غيره ، بحيث يذكره ، بحيث يقرؤه ، لمَ ؟ لأن من أحب شخصاً أحبّ كلامه ، فمن أحبّ كلام الله عزّ وجلّ فقد أحبّ الله .
ولذا كما قال الشاعر :
إن كنتَ تزعم حبي فلمَ هجرتَ كتابي أما تأملت َما فيه من لذيذ خطابي

ومن أنواع الحب :
محبة ذكر الله عزّ وجلّ ، فإنّ المحب لا يشبع من ذكر محبوبه ، بل يبحث عمن يُذكِّره بالحديث عن محبوبه .
فإن أحب العبد ذكرَ الله عزّ وجلّ ، وأحبّ مَن يُذكره بهذا ، فإنّ في هذا دليل على محبته لله عزّ وجلّ ،وهذا من أنفع وأفضل أنواع العشق .
ثمّ ذكرَ رحمه الله نوعا آخر من أنواع العشق :
وهو عشق الأوصاف الحميدة ، من الكرم ، والصدق ، والصلة ، ونحو ذلك
ثمّ ذكر أيضا من أنواع العشق :
عشق العلم ، وهذا لا تناله إلا النفوس الزكية الشريفة ، فإنّ العلم لو صّوِّر على صورة رجل يقول – رحمه الله - : (( لو صُوِّر العلم على صورة رجل لكان أجمل من الشمس والقمر )).
كما أنّ محبة الله عزّ وجلّ ومحبة رسوله صلى الله عليــه وسلم لا ينالها إلا أصحاب النفوس العلوية السماوية لا أصحاب النفوس الدنيئة الأرضية .
وإذا أردتَ أن تعرف قدر هذا المخلوق ، فانظر إلى مدى اهتمامه وانظر إلى ما يحبه ، فإنه دليل على قدره ومكانته .
ثمّ ذكرَ – رحمه الله - : أنّ هناك نوعاّ من أنواع العشق :
وهو أن يعشق الرجلُ امرأته ، ثمّ يكون بينه وبينها فــراق ، إما بموت أو بغيره ، فيظل هذا العشق في قلبه مع ذهاب هذا المعشوق . فيقول رحمه الله : (( هذا نوع من الابتلاء ، إن صبر واحتسب نال الأجرَ من الله عزّ وجلّ ، وإن سخط فاته الأجر وحلّ بــــه الإثم ))
ولذا قال رحمه الله في كتاب (( زاد المعاد )) :
(( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُ نساءه ، وأحبُ نسائه إليه عائشة رضي الله عنها ))
ولذا لما سأله عمرو بن العاص ، كما في الصحيحين :
- من أحبّ الناس إليك ؟ قال : عائشة . قال: فمن الرجال ؟ قال : أبوها .
ولذا كان عليه الصلاة والسلام يحبها حباً عظيماً ،ومع ذلـــــك يقول رحمه الله: (( مع أنه يحب عائشة فإنّ محبته عليه الصلاة والسلام ، لها لا تبلغ محبة الله عزّ وجلّ ، لا هي ولا غيرها من الناس )) لم؟ لأنّ قلبه عليه الصلاة والسلام قد امتلأ امتلاءً كبيراً ، بحيث لا يبقى منه مكان ، امتلأ من محبة الله عزّ وجلّ .
ولذا قال – عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين : ((لو كنتُ مُتخذاً خليلاً ، لاتخذتُ أبا بكر خليلاً )) وفي رواية مسلم (( ولكن صاحبَكم خليل الله ))
ثمّ ذكرَ رحمه الله في كتابه (( الجواب الكافي )) عن هذا الأمر ، وهو أمر عشق النساء ، قال : (( وأما محبة الزوجات فإنه لا لُؤمَ فيه ، بل إنه من كمال الإنسان ، لِمَ ؟ لأنّ الله عزّ وجلّ امتن على عباده ، فقال {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً{
ولِهذا ، النبي صلى الله عليه وسلم يقول – كما في صحيح مسلم – عن خديجة رضي الله عنها قال : (( إنّي رُزقْتُ حبها )) فكان عليه الصلاة والسلام يحبُ نساءه .
ولذا عليه الصلاة والسلام ، قد شفع لِعاشق عند معشوقته ، وهذا مغيث كان زوجاً لبريرة ، وهي مولاة ،وهو عبدٌ أسود ، وفي الإسلام أنّ المرأة إذا كانت أمة ، وكان زوجها عبداً ، ثمّ أُعتقتْ ،فإنها تختار نفسها، إن شاءت أن تبقى مع زوجها فَلتبقَ ، وإن شاءت ألا تبقى فلها ذلك . فإنها لمّا عتُقتْ لم ترغب فيه – وهذا ثابت في الصحيحين - فجعل مغيث تسيل دموعه على خديه، ويجري حولها وخلفها في سكك المدينة .
فقال عليه الصلاة والسلام : ألا تنظرين إلى مغيث فقالــــــــــــــت : يارسول الله ، أتأمرني ؟ قال عليه الصلاة والسلام : لا ، إنما أنا أشفع . فقالت : لا حاجة لي فيه . فالتفت النبي عليه الصلاة والسلام إلى عمه العباس ، فقال : ألا تعجب من بغض بريرة لمغيث ومن حبه لها .
فالنبي عليه الصلاة والسلام لما توقف وشفع لأمر هذا العبد ، دلّ على أنّ هذا من أنواع العشق المحمود ، وهو أن يعشقَ زوجته .
وهناك نوع آخر ، وقبل هذا النوع يقول رحمه الله ، يقول : (( ولاسيما في عشق الزوجات – يقول رحمه الله – يكون قربة لله عزّ وجلّ ، لا يكون من أنواع المباحات فحسب ، بل يكون قربة وطاعة لله عزّ وجلّ ، متى ؟
إذا كان هذا العشق صارفاً لهذا العبد عمّا يُغضب الله عزّ وجلّ فإذا كانت زوجته أحبها وعشقها ، ومن ثَمّ غضّ بصره ، وحصن فرجه ، فإنّ هذا محمود عند الله ، وعند الناس .
وهناك نوع آخر، يقول رحمه الله : ((مباح ، لا لوم على الإنسان فيه ، لأنه من اختياره ، وذلك بأن تُوصف له امرأة جميلة ، فيقع في قلبه شيء من العشق ، أو أنه مرّ بطريقٍ فرأى صورة امرأة من غير قصد ، ثُمّ تعلق قلبه بها.
فهذا يقول – رحمه الله – من المباح ولا لوم فيه ، شريطة ألا يجره إلى ذنب بأن يتجسسَ ، وأن يبحث ، وأن يستطل .
ثُم يقول رحمه الله ، ما علاج هذا العشق ؟
يقول : أن يبتعد عنه ، وأن يُسلي قلبه عنه ، فإنه إذا أشغل ذهنه به تمكّن من قلبه ، ومن ثَمّ يحل به الداء العضال .
ثُمّ يقول رحمه الله : وما عدا ما ذُكرَ فهو عشق مقت وسخط من الله عزّ وجلّ ، ولذا قال بعض السلف : (( من عشق المردان فقد سقط من عين الله عزّ وجلّ ))
انتهى كلامه – رحمه الله – وبهذا انتهت هذه الخطبة .
أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله لي ولكم ، فاستغفروه وتوبوا إليه ، إنّ ربي كان غفورا رحيما .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ،وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله ، إمام المهتدين المقتدين ، صلى الله عليه ، وعلى آله وأصحابه ، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد ، فيا عبد الله :
سمعتَ ما سمعتَ من كلام هذا العالم الجليل ، من مساوئ ومن مضارّ العشق ، وإذا أراد الإنسان أن يخلص نفسه من هذا الداء العضال ، فعليه أن يفعلَ أمراً وهو يسير عليه .
ما هو هذا الأمر ؟ نعود على ما قدمناه في ما قبل خطبتين ، وهو أن يغُضّ بصره ، فإذا غضضتَ بصرك سلمتَ بإذن الله عزّ وجلّ من مشاكل العشق ، ومن مشاكل الحب .
نسأل اللهَ عزّ وجلّ أن يملأ قلوبنا بمحبته عزّ وجلّ ، ومن محبة رسوله عليه الصلاة والسلام ، ومن محبة طاعته ، ومن محبة كتابه وذكره ، والاشتغال بذكر أوصافه وأحكامه عزّ وجلّ .