معلم
17-10-2013, 07:40 PM
المال 2
فضيلة الشيخ " زيد بن مسفر البحري "
www.albahre.com (http://www.albahre.com/)
أما بعد ، فيا عباد الله :
تحدثنا في الجمعة الماضية عن أهمية المال في الإسلام وأن المال في الإسلام يُعد نعمة من النعم التي ينعم الله بها على عبده إذا هو أحسن استغلالها .
وذكرنا فيما سلف ، النصوص الواردة من كتاب الله ، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حول ذلك .
المال نعمة باعتبار صرفه في مواضعه الشرعية لكن لتعلم ان هذا المال قد يكون نقمة يبتلي بها الله جل وعلا من أعطاه هذا المال ؛ وذلك إذا صرف هذا المال في غير مواضعه الشرعية .
يقول الشاعر :
قد يُنعِم الله بالبلوى وإن عظُمت
ويبتلي الله بعض الناس بالنعمِ
يقول : إن البلوى والمصيبة التي لا تلائم العبد قد تكون عظمى لكن في نهاية المطاف تكون هذه البلوى نعمة من الله عز وجل إذ يشكر الله عليها ويصبر ويرضى ويسلم .
ويبتلي الله بعض الناس بالنعم .
فالنعمة قد تكون بلوى من الله جل وعلا
ولذا قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه – كما في سنن الترمذي – قال : " بُلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالضراء فصبرنا ، وابتلينا بعده بالسراء فلم نصبر "
من هو عبد الرحمن بن عوف؟
هو ذلكم الرجل الغني الثري من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، قدم من مكة إلى المدينة وهو لا يحمل متاعا ولا درهما ولا شيئا من أمور الدنيا حتى آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين " سعد بن الربيع" كما في صحيح البخاري :
فقال سعد بن الربيع : هذا نصف مالي
فقال : بارك الله لك في مالك
قال : هذه إحدى زوجتي ، لأطلق إحداهما ، ولتأخذها
فقال رضي الله عنه : بارك الله لك في أهلك ، دلني على السوق
وهو لا يملك متاعا ولا درهما ولا دينارا ، فدله على السوق ، ثم أثرى ثراءً عجيبا .
ما حال عبد الرحمن بن عوف ؟
حاله إنه قُدم له ذات يوم طعامٌ من صنفين ، وكان صائما ، فلما قُربا إليه الطعامان بكى بكاءً شديدا حتى ترك الطعام :
وقال : سبحان الله! ما كنا نجد مثل هذا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم
هذه مقولته تربطنا بحاله رضي الله عنه بعد هجرته من مكة إلى المدينة .
ماذا قال جل وعلا عن بني إسرائيل ؟
قال جل وعلا :{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ }
على أحد وجوهي التفسير : يكون هذا البلاء العظيم راجعا إلى الإنجاء
فإنجاؤه جل وعلا لبني إسرائيل بلوى منه جل وعلا ، هل يشكرون عليها أم لا ؟
وهناك وجه آخر من أن الضميرفي قوله تعالى : ((وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ)) أن الضمير في هذا الابتلاء عائد إلى سومهم سوم العذاب .
ماذا يقول جل وعلا منكرا على من ظن أن المال إذا كان في أحضانه أن هذا من باب رحمة الله جل وعلا به أو من باب إكرامه ، قال منكرا : ((أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ{55} نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ))
هذا إنكار منه جل وعلا حتى لا يظن ظان ، ولا يغتر مغتر بما منحه الله جل وعلا من النعم أو من المناصب أو من أمر من أمور الدنيا .
ماذا قال نبيكم صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي ؟ محذرا من خطورة المال محذرا من خطورة المناصب .
قال عليه الصلاة والسلام كما عند الترمذي : (( ما ذئبان جائعان – انظر إلى هذا التعبير النبوي – ما ذئبان جائعان أُرسلا في غنم بأفسد على المرء من حرصه على المال والشرف لدينه ))
انظر: ذئبان
وصفتهما أنهما جائعان
أُرسلا في غنم ، غنم ضعيفة
ماذا سيصنعان بهذه الغنم ؟
سيفسدانها
مع ذلك حرص العبد على الشرف ، على المنصب ، حرصه على المال يفسدان دينه إفسادا كبيرا ، بل أشد من إفساد هذين الذئبين الجائعين في الغنم
ولذا جل وعلا حذرنا من أن نشتغل بأمور الحياة عن أمور الآخرة .
((وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ))
قال جل وعلا كما أسلفنا في الجمعة الماضية : ((الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)) لكن لتكن على حذر ((وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ))
وقال جل وعلا مناديا لأهل الإيمان بأعظم وصف يوصفون به وهو الإيمان – وهذا يدل على أن مقتضى الإيمان لا ينبغي من صاحبه أن يفعل هذه الفعلة ،
قال :((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا))
نداء من الله جل وعلا لأهل الإيمان .
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ـــــ ما العاقبة ؟فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ))
ثم انظر إلى ترابط الآيات بعضها ببعض ، وهذا واجب علينا أن نتأمل وأن نتدبر كتاب الله جل وعلا .
فلا ننظر إلى آية دون الآية التي قبلها ، والتي بعدها .
ماذا قال؟
((وَأَنفِقُوا))
إذن هذا المال ما وُضع في يدك إلا للإنفاق علىأهلك من غير سرف ولا تقتير
على الفقراء
على المساكين
في المشاريع الخيرية
{وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ }
في ذات يوم من الأيام كان مع النبي صلى الله عليه وسلم عقبة بن عامر- وهذا في مسند الإمام أحمد – فقال عليه الصلاة والسلام :(( يا عقبة إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا وهو مقيم على معاصيه ، فاعلم أنه استدراج ، ثم تلا قوله تعالى : " فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ – من كتاب الله ، من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم زادهم الله دنيا زادهم الله مالا – فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ – لم يقل بابا ، وإنما قال : "أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ "ليس من صنف واحد ، بل من أصناف متعددة بل من كل شيء .
((فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ– ما العاقبة ؟ - أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ{44} فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِالَّذِينَ ظَلَمُواْ))ثم ذيّل جل وعلا الآية بقوله :((وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ))
فكل أفعاله يُحمد عليها جل وعلا .
الله جل وعلا ابتلى الأمم ببلايا متعددة ، فتن .
وهذه الأمة مفتَتَنة كما قال عليه الصلاة والسلام عند الترمذي : (( لكل امة فتنة ، وفتنة أمتي في المال ))
المال
اقرأ كتاب الله جل وعلا ، تأمل ما فيه تجد أن المال سبب للبطر، للطغيان ، للجبروت ، للعظمة : ((كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى ـــ لم ؟ - أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى))
قال جل وعلا : ((وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ ــــ ما النتيجة ؟ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ)) ولكن من حكمته جل وعلا : ((وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ ))
انظر إلى ختام الآية :((إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ)) يعلم من يصلحه الفقر ، يعلم من يصلحه الغنى .
قال جل وعلا :((إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ)) يعني يقلل ((إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً))
وقال جل وعلا في وصف ذلك الكافر في سورة القلم : ((عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ))لم ؟((أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ))
كان من الواجب أن يقابل هذه النعمة بالإحسان
أن يقابل هذه النعمة بطاعة الله جل وعلا .
لكن ما الذي جرى ؟
((عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ ــــ لم ؟ - أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ{14} إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ)) ما عقوبته في الدنيا فضلا عما يستقبله في الآخرة من أنواع العقوبات ؟
((سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ))
قال جل وعلا :((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ ـــ فيمن ؟ ـــــ فِي رِبِّهِ))
في الله جل وعلا الذي منحك أنت أيها الضعيف الفقير الحقير الذليل تحاج في الله جل وعلا .
أين عقلك ؟
((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِــــ لم ؟ــــأَنْ آتَاهُ اللّهُ))
ما الذي صنعه قارون ؟
((إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ))
كان من المستضعفين من بني إسرائيل تسام سوء العذاب – كما قال جل وعلا عن بني إسرائيل .
((إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ ــــــ ثم ماذا ؟ لم بغى ؟ ((وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ ( لتثقل العصبة قيل إن العصبة : أربعون رجلا ، المفاتيح مفاتيح خزائنه تثقل أربعين رجلا لا يستطيعون أن يحملوها إلا بشدة ) مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ{76} وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ)) كن معتدلا لا تنس نصيبك من الدنيا ((وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ))
نسأل الله العافية
ما هو جوابه ؟
((قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ))
هذا المال افتتنت فيه أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، والافتتان به في هذا العصر أكثر مما سبق .
انظروا إلى أسواق المسلمين وماذا تعج به من أنواع المعاملات المحرمة في شتى وتباين صورها :
الربا
الرشوة
هذان مثلان ، ويتبع هذين المثالين أمثلة ، والأمثلة تورد هنا للتمثيل لا للحصر .
نأتي إلى الربا الذي عج في أسواق المسلمين وفي تعاملاتهم سواء على مستوى البنوك أو مستوى الأفراد .
قال جل وعلا : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ))
إيمان
أين إيمانك ؟
كيف تقدم على الربا ؟
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }
أعاد لفظ الإيمان مرة أخرى
يا مؤمن والله لا ينبغي لك
والله ما ينبغي لك ولا يليق بك أن تتعامل هذه المعاملات الربوية ، وان تأكل الربا .
((فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ))
يقول ابن عباس رضي الله عنهما عند تفسير هذه الآية :يُعطى سلاحا يوم القامة فيقال له :حارب الله جل وعلا
عبد ضعيف يحارب من ؟ ربه جل وعلا إذا تعامل بالربا .
ما عقوبة الربا ؟
في الدنيا :
محق البركة
لا خير في مال يُؤتى من طريق حرام
النبي عليه الصلاة والسلام قال – كما في مستدرك الحاكم : (( الربا وإن كثر فإن عاقبته إلى قل ))
إما محق حسي :
يتلفه الله جل وعلا بحريق ، أو بمرض يتداوى به .
أو بمحق معنوي :
فإذا بالمال يتناثر من بين يديه من غير أن يعلم كيف ذهب ؟
وأما في القبر :
فكما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام في صحيح البخاري عن رؤياه :
" أنه رأى رجلا يسبح في نهر من الدم ، وإذا برجل قائم على الشاطئ يلقمه في فمه حجرا ثم يعود "
قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( هذا هو الذي يأكل الربا يُصنع به إلى يوم القيامة ))
العقاب في الآخرة :
من حين ما يقوم من محشره :يقوم
كالمجنون
كالصريع
كالممسوس من الجن
((الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا))
النبي عليه الصلاة والسلام يقول – كما في مستدرك الحاكم : (( الربا سبعون بابا ))
( وفي رواية اثنان وسبعون بابا )
( وفي رواية ثلاثة وسبعون بابا )أيسرها أن ينكح الرجل أمه ))
هذه هي أيسر أبواب الربا .
قال عليه الصلاة والسلام – كما في المسند – قال : (( درهم من الربا يأكله العبد أشد عند الله من ست وثلاثين زنية ))
من صور المعاملات الربوية :
ما يجري الآن في بعض البنوك ؛ وذلك أن تعطي العميل مبلغا من المال على قدر راتبه لمدة معينة إما ثلاثون أو ستون يوما ، فإذا مضت هذه المدة وتأخر في السداد زادوا في الأرباح ، وليست بأرباح إنما هو عين الربا الذي كان عليه أهل الجاهلية .
ليس هذا بإحسان ؛ لأن ابن عباس رضي الله عنهما قال – وقد ورد مرفوعا لكن فيه ضعف – قال :" كل قرض جرّ نفعا فهو ربا "
أينما تقرض شخصا مبلغا من المال يجب أن تقرضه من باب الإرفاق والإحسان ، لا من باب المعاوضة وإلا انتقل من الأجر إلى الإثم
وما يُفعل في أسواق المسلمين على مستوى الأفراد أو البنوك ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام من " بيع العينة " كما في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود : (( إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ))
ذلك أن يأتي الشخص ويبيع .
والمشهور في هذا العصر بيع السيارات :
أن يأتي ويبيعه سيارة إلى أجل ، ثم يشتريها نفس البائع هذا هو بيع العينة
يشتريها بأقل أو يتفق هذا البائع مع شريكه في هذه السلعة ويقول : أبيعها عليه لتذهب كأنك طرف أجنبي وتشتري منه هذه السلعة
هذا هو بيع العينة
من الصور :
الاكتساب من أسهم في شركة اقترضت من الربا ، فلا يحل لمسلم أن يشارك وأن يكتسب في هذه الشركات ولو اقترضت ريالا من الربا
أين حديث النبي صلى الله عليه وسلم : (( درهم من الربا – لم يقل دراهم – درهم _ بل لم يعبر عليه الصلاة والسلام بالدينار؛ لأن الدينار عملة من الذهب في عصره عليه الصلاة والسلام أما الدرهم فعملة من الفضة ، والذهب أغلى من الفضة ، لذلك عبر عنه عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث : " درهم "
فما هو القول ؟
لتطهرْ هذه الشركة إذا كان الاقتراض من الربا خمسة في المئة أو عشرة في المئة .
سبحان الله!
ما الذي أحل خمسة في المئة ، وحرم خمسة ونصف في المئة - أين الدليل ؟
ثم إن القول بأن هذه الشركة إن لم تقترض قروضا ربوية لم تقم للمسلمين قائمة ، ولم يحصل لهم تقدم ـــــ هذا ليس بصحيح .
أما القول :بأنه إن لم يكن هناك اقتراض ربوي لم نرَ كهرباء هذا ليس بمبرر أن نبيح المحرمات .
هبْ أنه لا كهرباء هل سيموت الناس ؟
ثم والله لو أن الناس أخذوا في معاملتهم بالمعاملات الشرعية لتصببت عليهم النعم من كل جانب .
((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ - لم يقل بركة ــ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ))
من فوقهم ، ومن تحتهم .
{وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ }
من الصور التي تجري الآن :
أن تباع الأسهم قبل أن يقوم للشركة نشاط :
خمسون ريالا للسهم الواحد ثم يُعلن بأن هناك تداولا للأسهم ، والشركة لم تعمل بعد ثم يبيعونها .
اشتراها بخمسين وباعها بمئة أو بمئتين .
هذا هو عين الربا ؛ لأنك بعت مالا بمال ، بعت خمسين ريالا بمئة ريال ولم يقم للشركة نشاط .
وهذا هو عين الربا .
ثم إن الواحد ليعجب : كيف هذه الأرباح ؟
حتى دعا البعض إلى أن يبيع منزله من أجل أن يدخل في هذه الأسهم .
عجب يدخل الشخص بعشرة آلاف ريال ويخرج شهريا بخمسة آلاف ريال أو بستة آلاف ريال أو بألفين .
هذه الأرباح من أين تأتي ؟
فهي محل ريبة وشك
ولذا إذا قيل للبعض حينما يستفتي :
اتق الله هذه شبهة.
قال : هذه شبهة وهذه شبهة وهذه شبهة ما أحللتم شيئا ؟
نقول :والله إن الشرع أحل جميع المعاملات إلا ما ورد النص بتحريمه ، والأصل في المعاملات هو الحل قال جل وعلا :((وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ))
لكن ممارسة الناس بالمعاملات هي التي جعلتها من الأمور المحرمة .
والله لو أن المسلمين جروا في معاملاتهم على وفق الشريعة لأُبيحت لهم معاملات كثيرة .
لكن الخطأ والعيب ليس في الشرع ، إنما العيب فينا نحن .
ولذا إذا قيل للبعض :هذه شبهة .
قال :شبهة شبهة .
نعم شبهة ، هل أنت أفقه من عمر رضي الله عنه ؟
ماذا قال رضي الله عنه كما في سنن ابن ماجة ؟
قال : (( وددت لو أن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن لنا هذه الآية " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا "
ثم قال رضي الله عنه : فاتقوا الربا والريبة .
فهو عليه الصلاة والسلام بين هذه الآية ، لم يمت عليه الصلاة والسلام إلا وقد بيّن كل شيء .
لكن عمر رضي الله عنه أراد أن يلفت انتباه الناس إلى أن الربا له مسالك له طرق خفية
فإذا ما تراءى للعبد طريق خفي فيه شبهة عليه أن يدعه
ولذا لما قالها رضي الله عنه قال :" فاتقوا الربا والريبة " يعني الشبهة
ثم إن العجب أن البعض من الناس يحصر نظره في فتوى عالم من العلماء
هو مجتهد ‘ن أصاب فله أجران ، وإن أخطأ فله أجر واحد.
وتُنسى آراء كثير من العلماء .
أعطيكم مثلا :
الإيجار المنتهي بالتمليك .
في عهد سماحة الشيخ ابن باز رحمة الله عليه ، وفي عهد سماحة الشيخ ابن العثيمين رحمة الله عليه ، كثير من العلماء هيئة كبار العلماء أفتوا بتحريمه ولم ينازع في ذلك إلا اثنان أو ثلاثة .
ومع ذلك انظروا إلى أحوال الناس ثم إذا نظرت في هذه المعاملة وجدتَ فيها الغبن والظلم عليك أنت -عبد الله -
أنت أيها العميل تُطالب بدفعة متعبة ثم تطالب في آخر المطاف بدفعة مثقلة
ممكن أن تكون هذه الدفعة تصل إلى عشرين أو إلى ثلاثين أو إلى أربعين ألفا ، ثم إذا تخلفت في شهرين مقتضى العقد
لا تنظر إلى تسامحهم ، قد يتسامحون ، وقد لا يتسامحون .
يجب في المعاملة إذا عُقدت أن تعقد على وفق الشريعة ، بقطع النظر عن سماحة الآخرين
ثم البعض إذا وصل إلى الدفعة الأخيرة عجز عنها كأن يشتري سيارة ذهبت لذتها وذهب طعمها وحلاوتها فيسلمها إليهم قد خسر في أوله وفي آخره .
ثم إذا أراد أن يقسط هذه الدفعة المتأخرة قالوا : نقسطها لك ، لكن بنسبة معينة ، يدخلونها ضمن برنامج معين يجملونه ، وهذا هو بيع السري وهو أن تبيع هذا الدين ببيع آخر بأكثر منه وهذا هو مصب عين الربا .
ومما يجري الآن :
أن تباع السلعة قبل أن تُملك .
وذلك كأن يعطي البنك العميل شيكا لهذه السيارة ، ويسلمها إلى صاحب المعرض ثم يستلم سيارته
السلعة السيارة هي بمثابة إمرارة لهذا العقد الربوي
بل كما قال شيخ الإسلام رحمة الله عليه ، قال :" إن هذه هي الحيلة الثلاثية "وذلك أن تكون السيارة في المعرض ثم يأتي البائع من بنك ثم يبيع هذه السيارة في مكانها ،ثم يشتري هذه السيارة من مكانها"
ثم يقوم هذا المشتري المسكين الذي أُخذ من جانبين ثم يقوم فيبيعها على صاحب المعرض والسيارة في مكانها هي هي لم تبرح
وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن بيع الطعام حتى يُقبض .
قال ابن عباس رضي الله عنهما :" أحسب كل شيء مثل الطعام "
قال عليه الصلاة والسلام – كما عند أبي داود لحكيم بن حزام : (( لا تبع ما ليس عندك ))
لا تبع ما لا تملك
(( والنبي عليه الصلاة والسلام نهى أن تبتاع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم ))
إذا اشتريت فلا تشتر بهذه الطريقة .
الطريقة السليمة :
أن يذهب معك هذا الفرد أو هذا المندوب من البنك وأن يشتري السيارة ثم يخرجها من المعرض ، لا يجوز أن تباع في مكانها ثم إذا أخرجها مازلت بالخيار إلى هذه الساعة : إن شئت أن تعرض عن البيع فلتعرض عنه .
أما إن كان هناك إلزام مسبق فلا يجوز ؛ لأنه بيع للسلعة قبل أن تملك
ثم تتعاقد مع البنك على أي صورة تشاء من السنين ومن الأجرة ، ثم إذا أردت أن تبيعها الأفضل أن تبيعها على غير صاحب المعرض ، ثم لتعلم إن كان صاحب المعرض شريكا للبنك فلا يجوز ، لكن إن لم يكن فيجوز ان تبيعها عليه ، لكن لا يجوز أن تبيع هذه السيارة في مكانها الذي اشتريتها فيه .
وما يجري الآن من بيع الأسماء أو الشراكة في الأسماء ، له نصيب محدد في الاكتتاب في شركة ما ، ويأخذ أسماء الآخرين ، يعطيه في مقابلها مبلغا من المال .
هذا لا يجوز ؛ ولذا أفتى المجمع الفقهي أنه ليس هناك في الشرع شركة بهذه الصورة ، ليست هناك شركة جاءت في الشريعة أن تشارك باسمك .
الشركة :
إما مال وعمل من الطرفين
وإما مال من أحدهما وعمل من الآخر
أو بوجاهة هؤلاء الشركاء
أما بالاسم فخطأ
ثم ماذا يجري بعد ذلك يحصل اختلاس، تحصل مخادعة ، الأسهم باسم هذا الرجل ، ثم قد يبيعها ثم يحدث النزاع والشقاق ، وهذا كله من الجهالة والغرر ، وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الغرر .
ومن المعاملات المحرمة التي تكون نقمة على العبد:
" الرشوة "
قال عليه الصلاة والسلام – كما في مسند الإمام أحمد ، وسنن أبي داود : (( لعن الله الراشي والمرتشي ))
لا يجوز لك أيها الموظف أن تتقاضى شيئا من المال نظير إتمام معاملة
أنت محبوس في هذه المدة للدولة ، وقد أعطتك الدولة مرتبا .
(( لعن الله الراشي والمرتشي ))
ولذا يملحونها يقولون :
" إكرامية "
" عطية "
" منحة "
" هبة "
" هدية "
صدق عليه الصلاة والسلام – كما قال في سنن ابن ماجة : (( ليشربنّ ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها ))
وهذا هو اختلال المفاهيم .
ومن المعاملات المحرمة التي يُكتسب بها المال ، وهو نقمة بهذا الاعتبار :
أن يأخذ الإنسان على شفاعته أجرا .
قال عليه الصلاة والسلام – كما في سنن أبي داود : (( من شفع لأخيه شفاعة ، ثم أهدى له هدية فقبلها ، فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا ))
يقول شيخ الإسلام رحمة الله عليه - وهذا ما يتعلق بالوساطة ، وذلك نظير مبلغ من المال .
هذا لا يجوز .
يقول شيخ الإسلام رحمة الله عليه كما في الفتاوى – يقول :" كما يجب عليك أن تصلي وأن تصوم يجب عليك أن تبذل جاهك لله جل وعلا في نفع إخوانك المسلمين "
أما إذا كنت تتقاضى هذا الأجر نظير أتعابك ، وذهابك وإيابك ، وليست لك علاقة بهذا المسئول ، إنما لك لسان تستطيع أن تتحدث به مع أكبر مسئول فهذا يجوز ، وهذا ما يُسمى بـ " الجعالة "
أما بهذه الصورة فلا يجوز .
ومن المخالفات :
ما يجري الآن وآكاد أن أطبق أنه لم يسلم منه أحد " مخالفة النظام "
يأتون إلى المحل ويؤجرونه على العامل ، ويتقاضى مرتبا ، يتقاضى هذا المواطن مرتبا من هذا العامل .
وهذا لا يجوز
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ))
يقول البعض :إن هذا العامل لا آمنه قد يختلس منه.
أقول : يا أخي أعطه راتبا ، وأعطه نسبة على كل مئة ، ريالا ، أعطه عشرة ريالات عشرين ريالا .
شجعه على أن يبذل في العمل .
أما بهذه الطريقة فلا يجوز
ولذا الشراكة الآن غالبها بالأسماء، إنما يشترك المواطن باسمه ، والمعاملة تُجرى عن طريق هذا العامل ، ويُعطى المواطن مبلغا من المال .
ومن المعاملات المحرمة :
هدايا البنوك .
لتعلم أن ما تودعه في البنوك الآن هو قرض تقرضه هذا البنك ـــــــ لم ؟
لأنك أبحت لهم أن يتصرفوا فيه ، وليس هذا بوديعة في حكم الشرع كما قال العلماء
لأنك حينما تعطي هذا البنك هذا المال للإيداع إنما أبحت لهم أن يتصرفوا فيه ، وأنه متى ما طلبته وجدته وهذا هو القرض.
ولذا تعطي بعض البنوك هدايا .
وكل على قدر رصيده ، وهذا يدل على أن هناك نفعا كل على قدر رصيده فلا يجوز أن تُؤخذ هذه الهدايا ـــــــــ لم ؟
لأنك أقرضت البنك فلا يجوز أن تتعاوض عن هذا القرض بمبلغ من المال أو بهدية من الهدايا
فقد مرّ معنا قول ابن عباس رضي الله عنهما : " كل قرض جرّ نفعا فهو ربا "
ومن المعاملات المحرمة :
هدايا الموظفين للرؤساء .
لا يجوز لك أن تقبل من الموظف الذي تحت يدك هدية
قال النبي عليه الصلاة والسلام – كما في معجم الطبراني - : (( هدايا العمال غلول ))ــــــــــ لم ؟
لأن القلوب جُبلت على حب من أحسن إليها ، فإذا أهدى إليك هذا الموظف هدية يسّرت له ما لم تيسِّره لغيره .
ثم ما هذه الهدية ؟
أهي جاءتك محبة أم جاءتك من أجل المنصب ؟
ولذا النبي عليه الصلاة والسلام لما أرسل رجلا ،وقال له : ابن االلُّتْبية كما في الصحيحين ، أتى وقال : يا رسول الله ، هذا لكم ، وهذا أُهدي إليّ
فقال عليه الصلاة والسلام :(( إني أستعمل الرجل منكم ثم يقول : هذا لكم ، وهذا أُهدي إليّ ، أفلا جلس في بيت أبيه أو أمه فلتأته هديته إن كان صادقا ))
اجلس في بيتك وانظر : هل تأتيك هذه الهدايا أو لا ؟
ومن المعاملات المحرمة :
الصرف :
وذلك أن يأتي البعض ويقول لصاحب البقالة أوغيرها : اصرف لي هذه المئة
يقول هذا البقال أو صاحب المحل : ليس عندي إلا تسعة وتسعون ريالا
فيقول : هاتها ثم أرجع إليك فيما بعد
هذا لا يجوز .
النبي عليه الصلاة والسلام قال – كما في الصحيحين من حديث عبادة -: (( الذهب بالذهب مثلا بمثل يدا بيد ( يعني في الحال ) والفضة بالفضة مثلا بمثل يدا بيد ))
والأوراق النقدية يجري فيها حكم الذهب والفضة.
لكن لا تختلط هذه الصورة بصورة أخرى :
وهو أن تأتي إلى صاحب البقالة مثلا ثم تشتري بعض الأشياء ويبقى مبلغ من المال فيجوز ؛ لأنها لم تجر معاملة صرف بينكما إنما اشتريت وبقي مال فلا حرج
لكن الحرج أن تقول : " اصرف لي فيصرف لك ، ولا يكمل لك المبلغ "
ومن المعاملات المحرمة :
الغش
قال عليه الصلاة والسلام – كما في صحيح مسلم - : (( من غشنا فليس منا ))
سواء كان غشا في الاختبارات ، وهذا موجود وللأسف حتى في اللغة الإنجليزية لا يجوز ان نغش فيها .
البعض يقول : إنها لغة الأجانب .حتى ولو كان .
أنت بهذه الشهادة ستتقاضى مرتبا فلا يجوز ولا يحل لك أن تفعل هذا
وهنا بعض مراكز الحاسوب تبيع الشهادات : شهادات الحاسوب تباع ثم يترقى هذا الموظف بهذه الشهادة المغشوش فيها ، فيكون ما يأخذه من هذا المرتب حرام .
فليتق العبد ربه .
والصور كثيرة جدا ، لكن المقام لا يسع لذكرها ، ونخشى من الإطالة ، وليس هذا الموضع موضع إطالة
لكن كما قال عليه الصلاة والسلام كما في مسند الإمام أحمد : (( كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به ))
وقال عليه الصلاة والسلام – كما عند ابن ماجة : (( اتقوا الله وأجملوا في الطلب ))
يعني أجملوا في طلب الدنيا ، خفف من الطلب ، لا تحرص عليها
ولذا بعض الناس عبد – كما قال عليه الصلاة والسلام ، ودعا عليه عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري ، قال :(( تعس عبد الدرهم ، تعس عبد الدينار ، تعس عبد الخميصة ، تعس عبد الخميلة ، تعس وانتكس ، وإذا شيك فلا انتقش ))
وقال عليه الصلاة والسلام :(( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع ...،ومنها :عن ماله من أين اكتسبه ؟ وفيم أنفقه ؟ ))
دنيا - كما قال علي رضي الله عنه – حلالها حساب ، أما حرامها عقاب
ولذا قال عليه الصلاة والسلام – كما عند الترمذي - :(( يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمس مئة عام ))
أقول ما تسمع وأستغفر الله لي ولك ، فاستغفره ، وتب إليه إن ربي كان توابا رحيما .
الخطبة الثانية
أما بعد ، فيا عباد الله :
هناك أمر يتعلق بالمادة ، وهي : " النظرية البحتة المبجلة لأهل الأموال "
أصبحت المادة محل التكريم والتعظيم ، عُظم أهل الأموال مع أن بعضهم من أفجر وأفسق الناس .
فأصبحت محل الاحترام ، إذا كنت ذا مادة فأنت المحترم المقدر ، وإن لم تكن فأنت الذليل المحتقر
الانتكاس في المفاهيم ، وليست هذه النظرة وليدة هذا العصر ، بل هي في السابق ، ولذا قالت بنو إسرائيل في حق " طالوت " ، قالوا : ((قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ))
لما جاء الوفد إلى سليمان ، قالت بلقيس : ((وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ{35} فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ (يعني لما جاء الوفد سليمان ) قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ))
ولذا قد يُزوج الضعيف في دينه من أجل ماله .
ولذا قال من حبس نظره في هذه المادة من الشعراء :
قال :
وما الناس إلا مع الدنيا وصاحبها
فكلما انقلبت به يوما انقلبوا
يعظمون أخا الدنيا فإن وفدت
يوما بما لا يشتهيه وثبوا
ولذا النبي عليه الصلاة والسلام قال – كما عند الترمذي - : (( الحسب المال )) ثم لم يسكت عليه الصلاة والسلام قال : (( الكرم التقوى ))
إن كنت تريد الإكرام في الدنيا فالمال هو أصلك ، لكن هذا من باب التحذير
لتطلب الكرامة العليا ، وهي " الكرامة في الآخرة " ولا تنال إلا بتقوى الله جل وعلا
ولذا قال عليه الصلاة والسلام – كما في سنن النسائي - : (( إن أحسابكم التي تذهبون إليها في هذه الدنيا هي الأموال ))
يقول أحد الشعراء :
وكل مُقِلٍّ حين يغدو لحاجة
على كل ما يلقى من الناس مذنبُ
وكانت بنو عمي يقولون مرحبا
فلما رأوني معدما مات مرحبُ
ولا يُفهم من ذلك أن أهل الأموال لا يُعظمون ، ولا يُنزلون منازلهم لا
يُعظمون ولهم مكانتهم ، وقد قال عليه الصلاة والسلام – كما في المسند - : (( نعم المال الصالح للمرء الصالح))
فإذا زُوج التقي الغني هذا خير على خير.
إذا أُكرم فهذا نور على نور .
أما أن يُعظم الفساق من أجل أموالهم فهذا هو عين الخطر، وعين اختلال المفاهيم .
ولذا قال بعض الأغنياء لما افتقر ، وهو أحد الشعراء
قال :
إن قلّ مالي فلا خل يصاحبني
وإن زاد مالي فكل الناس خلاني
فكم من عدو لأجل المال صاحبني
وكم من صديق لفقد المال عاداني
وقال بعضهم :
إذا كنت في حاجة مرسلا
وأنت بها كُلفٌ مغرمُ
فأرسل حكيما ولا توصه
وذاك الحكيم هو الدرهمُ
وقال بعضهم :
إن الغني إذا تكلم بالخطا
قالوا صدقتَ وما نطقتَ مُحالا
وأما الفقير إذا تكلم صادقا
قالوا كذبت وأبطلوا ما قالَ
وقال بعضهم :
إن الدراهم في المواطن كلها
تكسو الرجال مهابة وجمالا
فهي اللسان لمن أراد فصاحة
وهي السلاح لمن أراد قتالا
عياذا بالله من اختلال المفاهيم ، ومن نظرة الجاهلية
فالواجب على المسلمين أن يعودوا إلى ميزان الشرع
ما ميزان الشرع ؟
((إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ))
ولذا قال بعض الشعراء :
لو يجمع الله ما في الأرض قاطبة
عند امرئ لم يقل حسبي فلا تزدِ
كل يروح من الدنيا الغرور كما أتى
بها بلا عدد منها ولا عُدَدِ
لو كان يأخذ شيئا قبلنا أحد
( لو كان ما قبلنا يأخذ الأموال ما النتيجة ؟)
قال :
لو كان يأخذ شيئا قبلنا أحد
لم يبق لنا من سالف الأمدِ
لم يبق لنا شيء من سالف الأمد
فضيلة الشيخ " زيد بن مسفر البحري "
www.albahre.com (http://www.albahre.com/)
أما بعد ، فيا عباد الله :
تحدثنا في الجمعة الماضية عن أهمية المال في الإسلام وأن المال في الإسلام يُعد نعمة من النعم التي ينعم الله بها على عبده إذا هو أحسن استغلالها .
وذكرنا فيما سلف ، النصوص الواردة من كتاب الله ، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حول ذلك .
المال نعمة باعتبار صرفه في مواضعه الشرعية لكن لتعلم ان هذا المال قد يكون نقمة يبتلي بها الله جل وعلا من أعطاه هذا المال ؛ وذلك إذا صرف هذا المال في غير مواضعه الشرعية .
يقول الشاعر :
قد يُنعِم الله بالبلوى وإن عظُمت
ويبتلي الله بعض الناس بالنعمِ
يقول : إن البلوى والمصيبة التي لا تلائم العبد قد تكون عظمى لكن في نهاية المطاف تكون هذه البلوى نعمة من الله عز وجل إذ يشكر الله عليها ويصبر ويرضى ويسلم .
ويبتلي الله بعض الناس بالنعم .
فالنعمة قد تكون بلوى من الله جل وعلا
ولذا قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه – كما في سنن الترمذي – قال : " بُلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالضراء فصبرنا ، وابتلينا بعده بالسراء فلم نصبر "
من هو عبد الرحمن بن عوف؟
هو ذلكم الرجل الغني الثري من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، قدم من مكة إلى المدينة وهو لا يحمل متاعا ولا درهما ولا شيئا من أمور الدنيا حتى آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين " سعد بن الربيع" كما في صحيح البخاري :
فقال سعد بن الربيع : هذا نصف مالي
فقال : بارك الله لك في مالك
قال : هذه إحدى زوجتي ، لأطلق إحداهما ، ولتأخذها
فقال رضي الله عنه : بارك الله لك في أهلك ، دلني على السوق
وهو لا يملك متاعا ولا درهما ولا دينارا ، فدله على السوق ، ثم أثرى ثراءً عجيبا .
ما حال عبد الرحمن بن عوف ؟
حاله إنه قُدم له ذات يوم طعامٌ من صنفين ، وكان صائما ، فلما قُربا إليه الطعامان بكى بكاءً شديدا حتى ترك الطعام :
وقال : سبحان الله! ما كنا نجد مثل هذا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم
هذه مقولته تربطنا بحاله رضي الله عنه بعد هجرته من مكة إلى المدينة .
ماذا قال جل وعلا عن بني إسرائيل ؟
قال جل وعلا :{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ }
على أحد وجوهي التفسير : يكون هذا البلاء العظيم راجعا إلى الإنجاء
فإنجاؤه جل وعلا لبني إسرائيل بلوى منه جل وعلا ، هل يشكرون عليها أم لا ؟
وهناك وجه آخر من أن الضميرفي قوله تعالى : ((وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ)) أن الضمير في هذا الابتلاء عائد إلى سومهم سوم العذاب .
ماذا يقول جل وعلا منكرا على من ظن أن المال إذا كان في أحضانه أن هذا من باب رحمة الله جل وعلا به أو من باب إكرامه ، قال منكرا : ((أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ{55} نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ))
هذا إنكار منه جل وعلا حتى لا يظن ظان ، ولا يغتر مغتر بما منحه الله جل وعلا من النعم أو من المناصب أو من أمر من أمور الدنيا .
ماذا قال نبيكم صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي ؟ محذرا من خطورة المال محذرا من خطورة المناصب .
قال عليه الصلاة والسلام كما عند الترمذي : (( ما ذئبان جائعان – انظر إلى هذا التعبير النبوي – ما ذئبان جائعان أُرسلا في غنم بأفسد على المرء من حرصه على المال والشرف لدينه ))
انظر: ذئبان
وصفتهما أنهما جائعان
أُرسلا في غنم ، غنم ضعيفة
ماذا سيصنعان بهذه الغنم ؟
سيفسدانها
مع ذلك حرص العبد على الشرف ، على المنصب ، حرصه على المال يفسدان دينه إفسادا كبيرا ، بل أشد من إفساد هذين الذئبين الجائعين في الغنم
ولذا جل وعلا حذرنا من أن نشتغل بأمور الحياة عن أمور الآخرة .
((وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ))
قال جل وعلا كما أسلفنا في الجمعة الماضية : ((الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)) لكن لتكن على حذر ((وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ))
وقال جل وعلا مناديا لأهل الإيمان بأعظم وصف يوصفون به وهو الإيمان – وهذا يدل على أن مقتضى الإيمان لا ينبغي من صاحبه أن يفعل هذه الفعلة ،
قال :((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا))
نداء من الله جل وعلا لأهل الإيمان .
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ـــــ ما العاقبة ؟فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ))
ثم انظر إلى ترابط الآيات بعضها ببعض ، وهذا واجب علينا أن نتأمل وأن نتدبر كتاب الله جل وعلا .
فلا ننظر إلى آية دون الآية التي قبلها ، والتي بعدها .
ماذا قال؟
((وَأَنفِقُوا))
إذن هذا المال ما وُضع في يدك إلا للإنفاق علىأهلك من غير سرف ولا تقتير
على الفقراء
على المساكين
في المشاريع الخيرية
{وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ }
في ذات يوم من الأيام كان مع النبي صلى الله عليه وسلم عقبة بن عامر- وهذا في مسند الإمام أحمد – فقال عليه الصلاة والسلام :(( يا عقبة إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا وهو مقيم على معاصيه ، فاعلم أنه استدراج ، ثم تلا قوله تعالى : " فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ – من كتاب الله ، من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم زادهم الله دنيا زادهم الله مالا – فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ – لم يقل بابا ، وإنما قال : "أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ "ليس من صنف واحد ، بل من أصناف متعددة بل من كل شيء .
((فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ– ما العاقبة ؟ - أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ{44} فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِالَّذِينَ ظَلَمُواْ))ثم ذيّل جل وعلا الآية بقوله :((وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ))
فكل أفعاله يُحمد عليها جل وعلا .
الله جل وعلا ابتلى الأمم ببلايا متعددة ، فتن .
وهذه الأمة مفتَتَنة كما قال عليه الصلاة والسلام عند الترمذي : (( لكل امة فتنة ، وفتنة أمتي في المال ))
المال
اقرأ كتاب الله جل وعلا ، تأمل ما فيه تجد أن المال سبب للبطر، للطغيان ، للجبروت ، للعظمة : ((كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى ـــ لم ؟ - أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى))
قال جل وعلا : ((وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ ــــ ما النتيجة ؟ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ)) ولكن من حكمته جل وعلا : ((وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ ))
انظر إلى ختام الآية :((إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ)) يعلم من يصلحه الفقر ، يعلم من يصلحه الغنى .
قال جل وعلا :((إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ)) يعني يقلل ((إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً))
وقال جل وعلا في وصف ذلك الكافر في سورة القلم : ((عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ))لم ؟((أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ))
كان من الواجب أن يقابل هذه النعمة بالإحسان
أن يقابل هذه النعمة بطاعة الله جل وعلا .
لكن ما الذي جرى ؟
((عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ ــــ لم ؟ - أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ{14} إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ)) ما عقوبته في الدنيا فضلا عما يستقبله في الآخرة من أنواع العقوبات ؟
((سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ))
قال جل وعلا :((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ ـــ فيمن ؟ ـــــ فِي رِبِّهِ))
في الله جل وعلا الذي منحك أنت أيها الضعيف الفقير الحقير الذليل تحاج في الله جل وعلا .
أين عقلك ؟
((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِــــ لم ؟ــــأَنْ آتَاهُ اللّهُ))
ما الذي صنعه قارون ؟
((إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ))
كان من المستضعفين من بني إسرائيل تسام سوء العذاب – كما قال جل وعلا عن بني إسرائيل .
((إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ ــــــ ثم ماذا ؟ لم بغى ؟ ((وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ ( لتثقل العصبة قيل إن العصبة : أربعون رجلا ، المفاتيح مفاتيح خزائنه تثقل أربعين رجلا لا يستطيعون أن يحملوها إلا بشدة ) مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ{76} وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ)) كن معتدلا لا تنس نصيبك من الدنيا ((وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ))
نسأل الله العافية
ما هو جوابه ؟
((قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ))
هذا المال افتتنت فيه أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، والافتتان به في هذا العصر أكثر مما سبق .
انظروا إلى أسواق المسلمين وماذا تعج به من أنواع المعاملات المحرمة في شتى وتباين صورها :
الربا
الرشوة
هذان مثلان ، ويتبع هذين المثالين أمثلة ، والأمثلة تورد هنا للتمثيل لا للحصر .
نأتي إلى الربا الذي عج في أسواق المسلمين وفي تعاملاتهم سواء على مستوى البنوك أو مستوى الأفراد .
قال جل وعلا : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ))
إيمان
أين إيمانك ؟
كيف تقدم على الربا ؟
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }
أعاد لفظ الإيمان مرة أخرى
يا مؤمن والله لا ينبغي لك
والله ما ينبغي لك ولا يليق بك أن تتعامل هذه المعاملات الربوية ، وان تأكل الربا .
((فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ))
يقول ابن عباس رضي الله عنهما عند تفسير هذه الآية :يُعطى سلاحا يوم القامة فيقال له :حارب الله جل وعلا
عبد ضعيف يحارب من ؟ ربه جل وعلا إذا تعامل بالربا .
ما عقوبة الربا ؟
في الدنيا :
محق البركة
لا خير في مال يُؤتى من طريق حرام
النبي عليه الصلاة والسلام قال – كما في مستدرك الحاكم : (( الربا وإن كثر فإن عاقبته إلى قل ))
إما محق حسي :
يتلفه الله جل وعلا بحريق ، أو بمرض يتداوى به .
أو بمحق معنوي :
فإذا بالمال يتناثر من بين يديه من غير أن يعلم كيف ذهب ؟
وأما في القبر :
فكما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام في صحيح البخاري عن رؤياه :
" أنه رأى رجلا يسبح في نهر من الدم ، وإذا برجل قائم على الشاطئ يلقمه في فمه حجرا ثم يعود "
قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( هذا هو الذي يأكل الربا يُصنع به إلى يوم القيامة ))
العقاب في الآخرة :
من حين ما يقوم من محشره :يقوم
كالمجنون
كالصريع
كالممسوس من الجن
((الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا))
النبي عليه الصلاة والسلام يقول – كما في مستدرك الحاكم : (( الربا سبعون بابا ))
( وفي رواية اثنان وسبعون بابا )
( وفي رواية ثلاثة وسبعون بابا )أيسرها أن ينكح الرجل أمه ))
هذه هي أيسر أبواب الربا .
قال عليه الصلاة والسلام – كما في المسند – قال : (( درهم من الربا يأكله العبد أشد عند الله من ست وثلاثين زنية ))
من صور المعاملات الربوية :
ما يجري الآن في بعض البنوك ؛ وذلك أن تعطي العميل مبلغا من المال على قدر راتبه لمدة معينة إما ثلاثون أو ستون يوما ، فإذا مضت هذه المدة وتأخر في السداد زادوا في الأرباح ، وليست بأرباح إنما هو عين الربا الذي كان عليه أهل الجاهلية .
ليس هذا بإحسان ؛ لأن ابن عباس رضي الله عنهما قال – وقد ورد مرفوعا لكن فيه ضعف – قال :" كل قرض جرّ نفعا فهو ربا "
أينما تقرض شخصا مبلغا من المال يجب أن تقرضه من باب الإرفاق والإحسان ، لا من باب المعاوضة وإلا انتقل من الأجر إلى الإثم
وما يُفعل في أسواق المسلمين على مستوى الأفراد أو البنوك ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام من " بيع العينة " كما في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود : (( إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ))
ذلك أن يأتي الشخص ويبيع .
والمشهور في هذا العصر بيع السيارات :
أن يأتي ويبيعه سيارة إلى أجل ، ثم يشتريها نفس البائع هذا هو بيع العينة
يشتريها بأقل أو يتفق هذا البائع مع شريكه في هذه السلعة ويقول : أبيعها عليه لتذهب كأنك طرف أجنبي وتشتري منه هذه السلعة
هذا هو بيع العينة
من الصور :
الاكتساب من أسهم في شركة اقترضت من الربا ، فلا يحل لمسلم أن يشارك وأن يكتسب في هذه الشركات ولو اقترضت ريالا من الربا
أين حديث النبي صلى الله عليه وسلم : (( درهم من الربا – لم يقل دراهم – درهم _ بل لم يعبر عليه الصلاة والسلام بالدينار؛ لأن الدينار عملة من الذهب في عصره عليه الصلاة والسلام أما الدرهم فعملة من الفضة ، والذهب أغلى من الفضة ، لذلك عبر عنه عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث : " درهم "
فما هو القول ؟
لتطهرْ هذه الشركة إذا كان الاقتراض من الربا خمسة في المئة أو عشرة في المئة .
سبحان الله!
ما الذي أحل خمسة في المئة ، وحرم خمسة ونصف في المئة - أين الدليل ؟
ثم إن القول بأن هذه الشركة إن لم تقترض قروضا ربوية لم تقم للمسلمين قائمة ، ولم يحصل لهم تقدم ـــــ هذا ليس بصحيح .
أما القول :بأنه إن لم يكن هناك اقتراض ربوي لم نرَ كهرباء هذا ليس بمبرر أن نبيح المحرمات .
هبْ أنه لا كهرباء هل سيموت الناس ؟
ثم والله لو أن الناس أخذوا في معاملتهم بالمعاملات الشرعية لتصببت عليهم النعم من كل جانب .
((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ - لم يقل بركة ــ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ))
من فوقهم ، ومن تحتهم .
{وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ }
من الصور التي تجري الآن :
أن تباع الأسهم قبل أن يقوم للشركة نشاط :
خمسون ريالا للسهم الواحد ثم يُعلن بأن هناك تداولا للأسهم ، والشركة لم تعمل بعد ثم يبيعونها .
اشتراها بخمسين وباعها بمئة أو بمئتين .
هذا هو عين الربا ؛ لأنك بعت مالا بمال ، بعت خمسين ريالا بمئة ريال ولم يقم للشركة نشاط .
وهذا هو عين الربا .
ثم إن الواحد ليعجب : كيف هذه الأرباح ؟
حتى دعا البعض إلى أن يبيع منزله من أجل أن يدخل في هذه الأسهم .
عجب يدخل الشخص بعشرة آلاف ريال ويخرج شهريا بخمسة آلاف ريال أو بستة آلاف ريال أو بألفين .
هذه الأرباح من أين تأتي ؟
فهي محل ريبة وشك
ولذا إذا قيل للبعض حينما يستفتي :
اتق الله هذه شبهة.
قال : هذه شبهة وهذه شبهة وهذه شبهة ما أحللتم شيئا ؟
نقول :والله إن الشرع أحل جميع المعاملات إلا ما ورد النص بتحريمه ، والأصل في المعاملات هو الحل قال جل وعلا :((وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ))
لكن ممارسة الناس بالمعاملات هي التي جعلتها من الأمور المحرمة .
والله لو أن المسلمين جروا في معاملاتهم على وفق الشريعة لأُبيحت لهم معاملات كثيرة .
لكن الخطأ والعيب ليس في الشرع ، إنما العيب فينا نحن .
ولذا إذا قيل للبعض :هذه شبهة .
قال :شبهة شبهة .
نعم شبهة ، هل أنت أفقه من عمر رضي الله عنه ؟
ماذا قال رضي الله عنه كما في سنن ابن ماجة ؟
قال : (( وددت لو أن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن لنا هذه الآية " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا "
ثم قال رضي الله عنه : فاتقوا الربا والريبة .
فهو عليه الصلاة والسلام بين هذه الآية ، لم يمت عليه الصلاة والسلام إلا وقد بيّن كل شيء .
لكن عمر رضي الله عنه أراد أن يلفت انتباه الناس إلى أن الربا له مسالك له طرق خفية
فإذا ما تراءى للعبد طريق خفي فيه شبهة عليه أن يدعه
ولذا لما قالها رضي الله عنه قال :" فاتقوا الربا والريبة " يعني الشبهة
ثم إن العجب أن البعض من الناس يحصر نظره في فتوى عالم من العلماء
هو مجتهد ‘ن أصاب فله أجران ، وإن أخطأ فله أجر واحد.
وتُنسى آراء كثير من العلماء .
أعطيكم مثلا :
الإيجار المنتهي بالتمليك .
في عهد سماحة الشيخ ابن باز رحمة الله عليه ، وفي عهد سماحة الشيخ ابن العثيمين رحمة الله عليه ، كثير من العلماء هيئة كبار العلماء أفتوا بتحريمه ولم ينازع في ذلك إلا اثنان أو ثلاثة .
ومع ذلك انظروا إلى أحوال الناس ثم إذا نظرت في هذه المعاملة وجدتَ فيها الغبن والظلم عليك أنت -عبد الله -
أنت أيها العميل تُطالب بدفعة متعبة ثم تطالب في آخر المطاف بدفعة مثقلة
ممكن أن تكون هذه الدفعة تصل إلى عشرين أو إلى ثلاثين أو إلى أربعين ألفا ، ثم إذا تخلفت في شهرين مقتضى العقد
لا تنظر إلى تسامحهم ، قد يتسامحون ، وقد لا يتسامحون .
يجب في المعاملة إذا عُقدت أن تعقد على وفق الشريعة ، بقطع النظر عن سماحة الآخرين
ثم البعض إذا وصل إلى الدفعة الأخيرة عجز عنها كأن يشتري سيارة ذهبت لذتها وذهب طعمها وحلاوتها فيسلمها إليهم قد خسر في أوله وفي آخره .
ثم إذا أراد أن يقسط هذه الدفعة المتأخرة قالوا : نقسطها لك ، لكن بنسبة معينة ، يدخلونها ضمن برنامج معين يجملونه ، وهذا هو بيع السري وهو أن تبيع هذا الدين ببيع آخر بأكثر منه وهذا هو مصب عين الربا .
ومما يجري الآن :
أن تباع السلعة قبل أن تُملك .
وذلك كأن يعطي البنك العميل شيكا لهذه السيارة ، ويسلمها إلى صاحب المعرض ثم يستلم سيارته
السلعة السيارة هي بمثابة إمرارة لهذا العقد الربوي
بل كما قال شيخ الإسلام رحمة الله عليه ، قال :" إن هذه هي الحيلة الثلاثية "وذلك أن تكون السيارة في المعرض ثم يأتي البائع من بنك ثم يبيع هذه السيارة في مكانها ،ثم يشتري هذه السيارة من مكانها"
ثم يقوم هذا المشتري المسكين الذي أُخذ من جانبين ثم يقوم فيبيعها على صاحب المعرض والسيارة في مكانها هي هي لم تبرح
وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن بيع الطعام حتى يُقبض .
قال ابن عباس رضي الله عنهما :" أحسب كل شيء مثل الطعام "
قال عليه الصلاة والسلام – كما عند أبي داود لحكيم بن حزام : (( لا تبع ما ليس عندك ))
لا تبع ما لا تملك
(( والنبي عليه الصلاة والسلام نهى أن تبتاع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم ))
إذا اشتريت فلا تشتر بهذه الطريقة .
الطريقة السليمة :
أن يذهب معك هذا الفرد أو هذا المندوب من البنك وأن يشتري السيارة ثم يخرجها من المعرض ، لا يجوز أن تباع في مكانها ثم إذا أخرجها مازلت بالخيار إلى هذه الساعة : إن شئت أن تعرض عن البيع فلتعرض عنه .
أما إن كان هناك إلزام مسبق فلا يجوز ؛ لأنه بيع للسلعة قبل أن تملك
ثم تتعاقد مع البنك على أي صورة تشاء من السنين ومن الأجرة ، ثم إذا أردت أن تبيعها الأفضل أن تبيعها على غير صاحب المعرض ، ثم لتعلم إن كان صاحب المعرض شريكا للبنك فلا يجوز ، لكن إن لم يكن فيجوز ان تبيعها عليه ، لكن لا يجوز أن تبيع هذه السيارة في مكانها الذي اشتريتها فيه .
وما يجري الآن من بيع الأسماء أو الشراكة في الأسماء ، له نصيب محدد في الاكتتاب في شركة ما ، ويأخذ أسماء الآخرين ، يعطيه في مقابلها مبلغا من المال .
هذا لا يجوز ؛ ولذا أفتى المجمع الفقهي أنه ليس هناك في الشرع شركة بهذه الصورة ، ليست هناك شركة جاءت في الشريعة أن تشارك باسمك .
الشركة :
إما مال وعمل من الطرفين
وإما مال من أحدهما وعمل من الآخر
أو بوجاهة هؤلاء الشركاء
أما بالاسم فخطأ
ثم ماذا يجري بعد ذلك يحصل اختلاس، تحصل مخادعة ، الأسهم باسم هذا الرجل ، ثم قد يبيعها ثم يحدث النزاع والشقاق ، وهذا كله من الجهالة والغرر ، وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الغرر .
ومن المعاملات المحرمة التي تكون نقمة على العبد:
" الرشوة "
قال عليه الصلاة والسلام – كما في مسند الإمام أحمد ، وسنن أبي داود : (( لعن الله الراشي والمرتشي ))
لا يجوز لك أيها الموظف أن تتقاضى شيئا من المال نظير إتمام معاملة
أنت محبوس في هذه المدة للدولة ، وقد أعطتك الدولة مرتبا .
(( لعن الله الراشي والمرتشي ))
ولذا يملحونها يقولون :
" إكرامية "
" عطية "
" منحة "
" هبة "
" هدية "
صدق عليه الصلاة والسلام – كما قال في سنن ابن ماجة : (( ليشربنّ ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها ))
وهذا هو اختلال المفاهيم .
ومن المعاملات المحرمة التي يُكتسب بها المال ، وهو نقمة بهذا الاعتبار :
أن يأخذ الإنسان على شفاعته أجرا .
قال عليه الصلاة والسلام – كما في سنن أبي داود : (( من شفع لأخيه شفاعة ، ثم أهدى له هدية فقبلها ، فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا ))
يقول شيخ الإسلام رحمة الله عليه - وهذا ما يتعلق بالوساطة ، وذلك نظير مبلغ من المال .
هذا لا يجوز .
يقول شيخ الإسلام رحمة الله عليه كما في الفتاوى – يقول :" كما يجب عليك أن تصلي وأن تصوم يجب عليك أن تبذل جاهك لله جل وعلا في نفع إخوانك المسلمين "
أما إذا كنت تتقاضى هذا الأجر نظير أتعابك ، وذهابك وإيابك ، وليست لك علاقة بهذا المسئول ، إنما لك لسان تستطيع أن تتحدث به مع أكبر مسئول فهذا يجوز ، وهذا ما يُسمى بـ " الجعالة "
أما بهذه الصورة فلا يجوز .
ومن المخالفات :
ما يجري الآن وآكاد أن أطبق أنه لم يسلم منه أحد " مخالفة النظام "
يأتون إلى المحل ويؤجرونه على العامل ، ويتقاضى مرتبا ، يتقاضى هذا المواطن مرتبا من هذا العامل .
وهذا لا يجوز
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ))
يقول البعض :إن هذا العامل لا آمنه قد يختلس منه.
أقول : يا أخي أعطه راتبا ، وأعطه نسبة على كل مئة ، ريالا ، أعطه عشرة ريالات عشرين ريالا .
شجعه على أن يبذل في العمل .
أما بهذه الطريقة فلا يجوز
ولذا الشراكة الآن غالبها بالأسماء، إنما يشترك المواطن باسمه ، والمعاملة تُجرى عن طريق هذا العامل ، ويُعطى المواطن مبلغا من المال .
ومن المعاملات المحرمة :
هدايا البنوك .
لتعلم أن ما تودعه في البنوك الآن هو قرض تقرضه هذا البنك ـــــــ لم ؟
لأنك أبحت لهم أن يتصرفوا فيه ، وليس هذا بوديعة في حكم الشرع كما قال العلماء
لأنك حينما تعطي هذا البنك هذا المال للإيداع إنما أبحت لهم أن يتصرفوا فيه ، وأنه متى ما طلبته وجدته وهذا هو القرض.
ولذا تعطي بعض البنوك هدايا .
وكل على قدر رصيده ، وهذا يدل على أن هناك نفعا كل على قدر رصيده فلا يجوز أن تُؤخذ هذه الهدايا ـــــــــ لم ؟
لأنك أقرضت البنك فلا يجوز أن تتعاوض عن هذا القرض بمبلغ من المال أو بهدية من الهدايا
فقد مرّ معنا قول ابن عباس رضي الله عنهما : " كل قرض جرّ نفعا فهو ربا "
ومن المعاملات المحرمة :
هدايا الموظفين للرؤساء .
لا يجوز لك أن تقبل من الموظف الذي تحت يدك هدية
قال النبي عليه الصلاة والسلام – كما في معجم الطبراني - : (( هدايا العمال غلول ))ــــــــــ لم ؟
لأن القلوب جُبلت على حب من أحسن إليها ، فإذا أهدى إليك هذا الموظف هدية يسّرت له ما لم تيسِّره لغيره .
ثم ما هذه الهدية ؟
أهي جاءتك محبة أم جاءتك من أجل المنصب ؟
ولذا النبي عليه الصلاة والسلام لما أرسل رجلا ،وقال له : ابن االلُّتْبية كما في الصحيحين ، أتى وقال : يا رسول الله ، هذا لكم ، وهذا أُهدي إليّ
فقال عليه الصلاة والسلام :(( إني أستعمل الرجل منكم ثم يقول : هذا لكم ، وهذا أُهدي إليّ ، أفلا جلس في بيت أبيه أو أمه فلتأته هديته إن كان صادقا ))
اجلس في بيتك وانظر : هل تأتيك هذه الهدايا أو لا ؟
ومن المعاملات المحرمة :
الصرف :
وذلك أن يأتي البعض ويقول لصاحب البقالة أوغيرها : اصرف لي هذه المئة
يقول هذا البقال أو صاحب المحل : ليس عندي إلا تسعة وتسعون ريالا
فيقول : هاتها ثم أرجع إليك فيما بعد
هذا لا يجوز .
النبي عليه الصلاة والسلام قال – كما في الصحيحين من حديث عبادة -: (( الذهب بالذهب مثلا بمثل يدا بيد ( يعني في الحال ) والفضة بالفضة مثلا بمثل يدا بيد ))
والأوراق النقدية يجري فيها حكم الذهب والفضة.
لكن لا تختلط هذه الصورة بصورة أخرى :
وهو أن تأتي إلى صاحب البقالة مثلا ثم تشتري بعض الأشياء ويبقى مبلغ من المال فيجوز ؛ لأنها لم تجر معاملة صرف بينكما إنما اشتريت وبقي مال فلا حرج
لكن الحرج أن تقول : " اصرف لي فيصرف لك ، ولا يكمل لك المبلغ "
ومن المعاملات المحرمة :
الغش
قال عليه الصلاة والسلام – كما في صحيح مسلم - : (( من غشنا فليس منا ))
سواء كان غشا في الاختبارات ، وهذا موجود وللأسف حتى في اللغة الإنجليزية لا يجوز ان نغش فيها .
البعض يقول : إنها لغة الأجانب .حتى ولو كان .
أنت بهذه الشهادة ستتقاضى مرتبا فلا يجوز ولا يحل لك أن تفعل هذا
وهنا بعض مراكز الحاسوب تبيع الشهادات : شهادات الحاسوب تباع ثم يترقى هذا الموظف بهذه الشهادة المغشوش فيها ، فيكون ما يأخذه من هذا المرتب حرام .
فليتق العبد ربه .
والصور كثيرة جدا ، لكن المقام لا يسع لذكرها ، ونخشى من الإطالة ، وليس هذا الموضع موضع إطالة
لكن كما قال عليه الصلاة والسلام كما في مسند الإمام أحمد : (( كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به ))
وقال عليه الصلاة والسلام – كما عند ابن ماجة : (( اتقوا الله وأجملوا في الطلب ))
يعني أجملوا في طلب الدنيا ، خفف من الطلب ، لا تحرص عليها
ولذا بعض الناس عبد – كما قال عليه الصلاة والسلام ، ودعا عليه عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري ، قال :(( تعس عبد الدرهم ، تعس عبد الدينار ، تعس عبد الخميصة ، تعس عبد الخميلة ، تعس وانتكس ، وإذا شيك فلا انتقش ))
وقال عليه الصلاة والسلام :(( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع ...،ومنها :عن ماله من أين اكتسبه ؟ وفيم أنفقه ؟ ))
دنيا - كما قال علي رضي الله عنه – حلالها حساب ، أما حرامها عقاب
ولذا قال عليه الصلاة والسلام – كما عند الترمذي - :(( يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمس مئة عام ))
أقول ما تسمع وأستغفر الله لي ولك ، فاستغفره ، وتب إليه إن ربي كان توابا رحيما .
الخطبة الثانية
أما بعد ، فيا عباد الله :
هناك أمر يتعلق بالمادة ، وهي : " النظرية البحتة المبجلة لأهل الأموال "
أصبحت المادة محل التكريم والتعظيم ، عُظم أهل الأموال مع أن بعضهم من أفجر وأفسق الناس .
فأصبحت محل الاحترام ، إذا كنت ذا مادة فأنت المحترم المقدر ، وإن لم تكن فأنت الذليل المحتقر
الانتكاس في المفاهيم ، وليست هذه النظرة وليدة هذا العصر ، بل هي في السابق ، ولذا قالت بنو إسرائيل في حق " طالوت " ، قالوا : ((قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ))
لما جاء الوفد إلى سليمان ، قالت بلقيس : ((وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ{35} فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ (يعني لما جاء الوفد سليمان ) قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ))
ولذا قد يُزوج الضعيف في دينه من أجل ماله .
ولذا قال من حبس نظره في هذه المادة من الشعراء :
قال :
وما الناس إلا مع الدنيا وصاحبها
فكلما انقلبت به يوما انقلبوا
يعظمون أخا الدنيا فإن وفدت
يوما بما لا يشتهيه وثبوا
ولذا النبي عليه الصلاة والسلام قال – كما عند الترمذي - : (( الحسب المال )) ثم لم يسكت عليه الصلاة والسلام قال : (( الكرم التقوى ))
إن كنت تريد الإكرام في الدنيا فالمال هو أصلك ، لكن هذا من باب التحذير
لتطلب الكرامة العليا ، وهي " الكرامة في الآخرة " ولا تنال إلا بتقوى الله جل وعلا
ولذا قال عليه الصلاة والسلام – كما في سنن النسائي - : (( إن أحسابكم التي تذهبون إليها في هذه الدنيا هي الأموال ))
يقول أحد الشعراء :
وكل مُقِلٍّ حين يغدو لحاجة
على كل ما يلقى من الناس مذنبُ
وكانت بنو عمي يقولون مرحبا
فلما رأوني معدما مات مرحبُ
ولا يُفهم من ذلك أن أهل الأموال لا يُعظمون ، ولا يُنزلون منازلهم لا
يُعظمون ولهم مكانتهم ، وقد قال عليه الصلاة والسلام – كما في المسند - : (( نعم المال الصالح للمرء الصالح))
فإذا زُوج التقي الغني هذا خير على خير.
إذا أُكرم فهذا نور على نور .
أما أن يُعظم الفساق من أجل أموالهم فهذا هو عين الخطر، وعين اختلال المفاهيم .
ولذا قال بعض الأغنياء لما افتقر ، وهو أحد الشعراء
قال :
إن قلّ مالي فلا خل يصاحبني
وإن زاد مالي فكل الناس خلاني
فكم من عدو لأجل المال صاحبني
وكم من صديق لفقد المال عاداني
وقال بعضهم :
إذا كنت في حاجة مرسلا
وأنت بها كُلفٌ مغرمُ
فأرسل حكيما ولا توصه
وذاك الحكيم هو الدرهمُ
وقال بعضهم :
إن الغني إذا تكلم بالخطا
قالوا صدقتَ وما نطقتَ مُحالا
وأما الفقير إذا تكلم صادقا
قالوا كذبت وأبطلوا ما قالَ
وقال بعضهم :
إن الدراهم في المواطن كلها
تكسو الرجال مهابة وجمالا
فهي اللسان لمن أراد فصاحة
وهي السلاح لمن أراد قتالا
عياذا بالله من اختلال المفاهيم ، ومن نظرة الجاهلية
فالواجب على المسلمين أن يعودوا إلى ميزان الشرع
ما ميزان الشرع ؟
((إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ))
ولذا قال بعض الشعراء :
لو يجمع الله ما في الأرض قاطبة
عند امرئ لم يقل حسبي فلا تزدِ
كل يروح من الدنيا الغرور كما أتى
بها بلا عدد منها ولا عُدَدِ
لو كان يأخذ شيئا قبلنا أحد
( لو كان ما قبلنا يأخذ الأموال ما النتيجة ؟)
قال :
لو كان يأخذ شيئا قبلنا أحد
لم يبق لنا من سالف الأمدِ
لم يبق لنا شيء من سالف الأمد