أهــل الحـديث
17-10-2013, 12:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اقرءوا هذه المواقع
http://as-salaf.com/ (http://as-salaf.com/)
http://www.khayma.com/kshf/K/SHERK.
Htm
أنواع التوحيد ثلاثة: توحيد الربوبية, وتوحيد الإلهية, وتوحيد الأسماءوالصفات,
توحيد الربوبية: هو إفراد الله تعالى بالخلق والرزقوالإحياء والإماتة وسائر أنواع التصريف والتدبير لملكوت السماوات والأرض, وإفرادهتعالى بالحكم والتشريع بإرسال الرسل وإنزال الكتب, قال اللهتعالى:(أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأٌّمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُرَبُّ الْعَالَمِينَ)
وتوحيد الألوهية: هو إفراد الله تعالى بالعبادة فلا يعبد غيره, ولا يدعى سواه, ولا يستغاث ولا يستعانإلا به, ولا ينذر ولا يذبح ولا ينحر إلا له, قال الله تعالى :( قُلْإِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَشَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ). وقال: ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر )ْ
وتوحيد الأسماء والصفات: هو وصف الله تعالىوتسميته بما وصف وسمى به نفسه،وبما وصفه وسماه به رسوله صلى الله عليه وسلم فيالأحاديث الصحيحة, وإثبات ذلك له من غير تشبيه ولا تمثيل ومن غير تأويل ولا تعطيل, ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ...
وبالله التوفيق، وصلىالله على نبينا محمد, وآله وصحبه وسلم.
أكبر دليل على الحكم بكون مسألة ما من مسائل الكفر هو أن يرد فيها نص شرعي، ففي الحديث الصحيح: إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله. رواه الطبراني. وقد روى أحمد وأبو داودوالترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد. وفي رواية: من أتى ساحرا أو كاهنا أو عرافا... وفي الحديث: ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، وقاطع الرحم، ومصدق بالسحر. رواه ابن حبان وغيره.
ومن الواضح في الأمر أن الاستغاثة دعاء، والدعاء عبادة، والعبادة صرفها لغير الله شرك كما قال سبحانه وتعالى: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ * وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. {يونس: 106-107}.
وأما السحرة فإنهم في الغالب يكذبون فيما يخبرون به، ويأتون بالخرافات التي تتعارض مع العقيدة، فمن أتاهم وصدقهم في قولهم معتقدا علمهم بالغيب فإنه يكفر وذلك لإشراكه بهم مع الله في علم الغيب الذي استأثر به لنفسه. قال سبحانه: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ. {النمل:65}.
إجراء نصوص القرآن والسنة على ظاهرها دون تحريف لاسيما نصوص الصفات حيث لا مجال للرأي فيها.
ودليل ذلك: السمع، والعقل أما السمع: فقوله تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:193] وقوله: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف:2] وقوله: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الزخرف:3] وهذا يدل على وجوب فهمه على ما يقتضيه ظاهره باللسان العربي إلا أن يمنع منه دليل شرعي وقد ذم الله تعالى اليهود على تحريفهم، وبين أنهم بتحريفهم من أبعد الناس عن الإيمان فقال: أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:75] وقال تعالى:مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا [النساء:46] الآية وأما العقل: فلأن المتكلم بهذه النصوص أعلم بمراده من غيره، وقد خاطبنا باللسان العربي المبين فوجب قبوله على ظاهره وإلا لاختلفت الآراء وتفرقت الأمة
والمراد بالظاهر: الظاهر الشرعي، وذلك بإثبات الصفات الواردة في الكتاب والسنة على حقيقة الإثبات وتنزيه الخالق عن مشابهة الخلق له في تلك الصفات مع قطع الطمع عن إدراك الكيفية – ... – وبهذا يعلم أن معاني نصوص الصفات مفهومة، وأن إدراك كيفية الصفات شيء ممتنع. فما يتبادر إلى الذهن من المعاني الشرعية هو المراد بالظاهر.
وأما ترك التحريف، فالمراد به عدم التسلط على نصوص الصفات بصرف معانيها المتبادرة بأصل الوضع أو السياق إلى معاني أخرى غير متبادرة، وهذا الذي يسميه أهله تأويلاً،. ...
المسألة الأولى دواعي حمل النصوص على ظاهرها
وهذه الدواعي هي أدلة كلية تبين أن حمل نصوص الصفات على ظاهرها متعين، وهو أمر لا خفاء فيه ولا غموض، ويمكن حصرها... في أربعة أدلة:
الدليل الأول: وصف القرآن بالبيان والهدى:
إذا كان السامع متمكناً من الفهم، وكان خطاب المتكلم بيناً واضحاً، فهم المخاطب مراد المتكلم بكلامه. وقد وصف الله تعالى كتابه بأنه تبيان لكل شيء فقال: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ [النحل: 89] وقال: وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [النحل: 64]، وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم: 4]، وقال تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل: 44].
فاتضح من هذه النصوص – وغيرها كثير – أن كتاب الله تعالى فيه بيان الحق للناس، وأنه قد أنزل بلسان عربي مبين، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم – مبين للناس هذا الكتاب بلسان قومه، فهذا يفيد أن نصوص الصفات مما بينه الله تعالى للناس، وهي كثيرة جداً وتتناول كل الصفات مثل العلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والحياة والإرادة والاستواء واليدين والوجه والغضب والرضا، ولا يوجد مع هذا دليل واحد يفيد أن هذه النصوص مراد بها خلاف ظاهرها. فإخلاء المتكلم كلامه من قرينة تفيد أن ظاهره غير مراد ينافي بيانه وإرشاده، مع ملاحظة الأمور الآتية:
الأمر الأول: إن الله تعالى أعلم بما ينزل .
الأمر الثاني: إنه لو كان الظاهر غير مراد لجاء البيان بذلك – إذ تأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع، ووقت الحاجة هو وقت الخطاب، وعلى فرض جواز تأخره إلى ما بعد ذلك فلا يجوز تأخيره بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أنه على كثرة النصوص الواردة بذكر الصفات لم يأت نص واحد يصرفها عن ظاهرها. فعلم بهذه الأمور مجتمعة أن خطاب الشرع في صفات رب العالمين يجب حمله على ظاهره إذ المخاطب أعلم بما ينزل وكلامه هدى وبيان وقد أخلاه عما يصرفه عن ظاهره.
الدليل الثاني: وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم – المبين للكتاب – كما قال الله تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل: 44] وهو الهادي إلى صراط مستقيم كما قال الله تعالى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [الشورى: 52] قد اشتملت سنته على ذكر الصفات لله تعالى، إما تصريحاً بالقول وإما إقراراً، وكل من القول والإقرار إما أن يكون قد ورد مثله في القرآن أو لم يرد، وكل من ذلك إما صفات فعلية أو ذاتية.
فمثال قوله صلى الله عليه وسلم في الصفات وهي مذكورة في القرآن: صفة اليدين، وصفة الاستواء، فالأولى صفة ذاتية، والثانية فعلية ...
ومثال قوله صلى الله عليه وسلم في صفات لم يأت ذكرها في القرآن: الضحك والأصابع. ومثال إقراره صلى الله عليه وسلم – لبعض الصفات، وهي مذكورة في القرآن: الاستواء، كما هو في حديث الجارية، لما سألها أين الله؟ قالت في السماء، فقال لسيدها ((أعتقها فإنها مؤمنة))ومثال إقراره صلى الله عليه وسلم لبعض الصفات، ولم يأت ذكرها في القرآن: الأصابع، كحديث الحبر اليهودي،... وقد يفسر الرسول صلى الله عليه وسلم – صفة قد لا يفهم من نص القرآن أنها صفة لله تعالى كصفة الساق.
الدليل الثالث: فهم الصحابة لها أن ظاهرها مراد.....
الدليل الرابع: إجماع الأئمة على أن ظاهرها مراد.
قال الوليد بن مسلم: (سألت الأوزاعي ومالك بن أنس وسفيان الثوري والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي فيها الرؤية وغير ذلك، فقالوا: أمضها بلا كيف) وفي رواية أنه سألهم (... عن الأحاديث التي فيها الصفات فكلهم قال: أمروها كما جاءت بلا تفسير) . وقال أبو عبيد القاسم بن سلام (هذه الأحاديث صحاح حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض وهي عندنا حق لا نشك فيه...) وقال الإمام أحمد: (ولا تفسر هذه الأحاديث إلا مثل ما جاءت ولا نردها...) وقال الإمام أبو عمر بن عبد البر (ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز، إذ لا سبيل إلى أتباع ما أنزل إلينا من ربنا تعالى إلا على ذلك، وإنما يوجه كلام الله عز وجل إلى الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم. ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبارات، وجل الله أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب من معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين. والاستواء معلوم في اللغة مفهوم، وهو العلو والارتفاع على شيء.. إلخ) اهـ .
وأقوال الأئمة كثيرة في هذا الباب يصعب حصرها، وفيما ذكر الكفاية وبالله التوفيق.
فهذا الذي تقدم يدل دلالة قاطعة على أن ما جاء في نصوص الصفات حق على ظاهره المراد شرعاً، فيجب إثباتها بلا تمثيل، وتنزيه الله عن مشابهة خلقه فيها بلا تعطيل، ذلك أن ذكرها في القرآن بلا قرينة تصرفها عن ظاهرها ثم تأكيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك في سنته قولاً وإقراراً بذكرها كما وردت في القرآن، بل يذكر صفات أخرى لم ترد فيه وهو الذي قال الله فيه: وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم: 3-4] يدل دلالة قاطعة أن نصوص الصفات يجب إجراؤها على ظاهرها، إذ المأمور ببيان الدين لم يصرف عن ظاهرها – وهذا أمر بين
الحمد لله
استدلّ أهل السنة على علو الله تعالى على خلقه علواً ذاتياً بالكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة :
أولا : فأما الكتاب فقد تنوعت دلالته على علو الله ، فتارة بذكر العلو، وتارة بذكر الفوقية ، وتارة بذكر نزول الأشياء من عنده ، وتارة بذكر صعودها إليه ، وتارة بكونه في السموات...
فالعلو مثل قوله : ( وهو العلي العظيم ) البقرة/255 ، ( سبح اسم ربك الأعلى ) الأعلى/1.
والفوقية: ( وهو القاهر فوق عباده ) الأنعام/18 ، ( يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ) النحل/50.
ونزول الأشياء منه، مثل قوله : ( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض) السجدة/5 ، ( إنا نحن نزلنا الذكر ) الحجر/9 وما أشبه ذلك .
وصعود الأشياء إليه ، مثل قوله : ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) فاطر/10 ومثل قوله : ( تعرج الملائكة والروح إليه ) المعارج/4.
كونه في السماء ، مثل قوله: ( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ) الملك /16.
ثانياً: وأما السنة فقد تواترت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله وإقراره :
فمما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم في ذكر العلو والفوقية قوله ( سبحان ربي الأعلى ) كما كان يقول في سجوده وقوله في الحديث : ( والله فوق العرش ) .
(2) وأما الفعل ، فمثل رفع أصبعه إلى السماء ، وهو يخطب الناس في أكبر جمع ، وذلك في يوم عرفه، عام حجة الوداع فقال علية الصلاة والسلام ( ألا هل بلغت؟ ) . قالوا : نعم ( ألا هل بلغت؟ ) قالوا: نعم ( ألا هل بلغت؟ ) قالوا : نعم . وكان يقول : ( اللهم ! أشهد ) ، يشير إلى السماء بأصبعه ، ثم يُشير إلى الناس . ومن ذلك رفع يديه إلى السماء في الدعاء كما ورد في عشرات الأحاديث . وهذا إثبات للعلو بالفعل .
(3) وأما التقرير، كما جاء في حديث الجارية التي قال لها النبي صلى الله عليه وسلم : أين الله؟ قالت : في السماء. فقال : ( من أنا؟ ) قالت : رسول الله . فقال لصاحبها : ( أعتقها، فإنها مؤمنة ) .
فهذه جارية غير متعلمة كما هو الغالب على الجواري ، وهي أمة غير حرة ، لا تملك نفسها، تعلم أن ربها في السماء، وضُلّال بني آدم ينكرون أن الله في السماء ، ويقولون: إنه لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال بل يقولون : إنه في كل مكان !!.
ثالثاً: وأما دلالة الإجماع ، فقد أجمع السلف على أن الله تعالى بذاته في السماء ، كما نقل أقوالهم أهل العلم كالذهبي رحمه الله في كتابه : " العلوّ للعليّ الغفار " .
رابعاً: وأما دلالة العقل فنقول إن العلو صفة كمال باتفاق العقلاء ، وإذا كان صفة كمال، وجب أن يكون ثابتاً لله لأن كل صفة كمال مطلقة ، فهي ثابتة لله .
خامساً: وأما دلالة الفطرة: فأمر لا يمكن المنازعة فيها ولا المكابرة ، فكل إنسان مفطور على أن الله في السماء، ولهذا عندما يفجؤك الشيء الذي لا تستطيع دفعه ، وتتوجه إلى الله تعالى بدفعه، فإن قلبك ينصرف إلى السماء وليس إلى أيّ جهة أخرى ، بل العجيب أنّ الذين ينكرون علو الله على خلقه لا يرفعون أيديهم في الدعاء إلا إلى السماء .
وحتى فرعون وهو عدو الله لما أراد أن يجادل موسى في ربه قال لوزيره هامان : ( يا هامان ابن لي صرحاً لعلي ابلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى .. الآية ) . وهو في حقيقة أمره وفي نفسه يعلم بوجود الله تعالى حقّا كما قال عزّ وجلّ : ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ) .
فهذه عدّة من الأدلة على أن الله في السماء من الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة بل ومن كلام الكفار نسأل الله الهداية إلى الحق .
وقد سئل شيخ الإسلام عن القرآن: هل هو حرف وصوت؟ فأجاب بأن إطلاق هذا الجواب – نفياً وإثباتاً – من البدع المولدة، الحادثة بعد المئة الثالثة، ثم قال: "والصواب الذي عليه سلف الأمة، كالإمام أحمد والبخاري صاحب الصحيح في كتاب (خلق أفعال العباد)، وغيره، وسائر الأئمة قبلهم وبعدهم – أتباع النصوص الثابتة، وإجماع سلف الأمة, وهو أن القرآن جميعه كلام الله، حروفه ومعانيه، ليس شيء من ذلك كلاماً لغيره... وأن الله يتكلم بصوت كما جاءت به الأحاديث الصحاح..." .
وهذا من دقة السلف رحمهم الله في مسائل العقيدة، وخاصة ما يتعلق منها بالله وصفاته. حيث إنهم لا يبتدعون كلاماً جديداً، بل يصفون الله بما وصف به نفسه, ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، ولما لم يرد إطلاق أن القرآن بحرف وصوت لم يطلقوه عليه كما يفعله البعض، وإنما يقولون: القرآن كله حروفه ومعانيه كلام الله، كما يقولون إن الله نادى موسى، والنداء لا يكون إلا بصوت، والرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أن الله ينادي بصوت. ومن المعلوم أن الكلام إذا أطلق فإنه يشمل الحروف والمعاني, وهذا هو الذي فهمه السلف من صفة الكلام لله تعالى – على ما يليق بجلاله وعظمته -.
ولكن لما وجد – في أهل البدع – من ينكر الحرف والصوت لينكروا كلام الله، بين السلف أن كلام الله شامل للحروف والمعاني، وأنه تعالى يتكلم بصوت، كما يصفونه بما ورد من التكليم, والمناداة, والمناجاة .
وقد وردت نصوص فيها ذكر الحرف في كلام الله، وهو القرآن، ومن ذلك حديث: ((إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف))، وحديث ((أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك، فاتحة الكتاب, وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته))، وحديث ((أقرأني جبريل على حرف...)). وحديث: ((إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف))وحديث: ((من قرأ حرفاً من كتاب الله...)). وغيرها
http://www.salafi.com/ (http://www.salafi.com/)
http://www.ahlos-sunnah.com/daleel/ (http://www.ahlos-sunnah.com/daleel/)
www.sultan.org/a/ (http://www.sultan.org/a/)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فلّما كانت العقيدة الصحيحة هي أصل دين الإسلام، وأساس الملة، رأيت أن تكون هي موضوع المحاضرة، ومعلوم بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة أن الأعمال والأقوال إنما تصح وتقبل إذا صدرت عن عقيدة صحيحة، فإن كانت العقيدة غير صحيحة بطل ما يتفرع عنها من أعمال وأقوال، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[1] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn1#_ftn1)، وقال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.[2] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn2#_ftn2)
والآيات في هذا المعنى كثيرة، وقد دل كتاب الله المبين وسنة رسوله الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم، على أن العقيدة الصحيحة تتلخص في: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، فهذه الأمور الستة هي أصول العقيدة الصحيحة التي نزل بها كتاب الله العزيز، وبعث الله بها رسوله محمداً - عليه الصلاة والسلام-، ويتفرع عن هذه الأصول كل ما يجب الإيمان به من أمور الغيب، وجميع ما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم. وأدلة هذه الأصول الستة في الكتاب والسنة كثيرةٌ جداً، فمن ذلك قول الله سبحانه: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَة ِوَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ}[3] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn3#_ftn3). وقوله سبحانه:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}[4] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn4#_ftn4) الآية، وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا}[5] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn5#_ftn5). وقوله سبحانه: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}[6] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn6#_ftn6). أما الأحاديث الصحيحة الدالة على هذه الأصول فكثيرةٌ جداً، منها الحديث الصحيح المشهور الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن جبريل عليه السلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فقال له: ((الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره))الحديث، وأخرجه الشيخان مع اختلاف يسير من حديث أبي هريرة، وهذه الأصول الستة يتفرع عنها جميع ما يجب على المسلم اعتقاده في حق الله سبحانه، وفي أمر المعاد وغير ذلك من أمور الغيب.
فمن الإيمان بالله سبحانه، الإيمان بأنه الإله الحق المستحق للعبادة دون كل ما سواه؛ لكونه خالق العباد والمحسن إليهم والقائم بأرزاقهم والعالم بسرهم وعلانيتهم، والقادر على إثابة مطيعهم وعقاب عاصيهم، ولهذه العبادة خلق الله الثقلين وأمرهم بها، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}[7] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn7#_ftn7)، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[8] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn8#_ftn8)، وقد أرسل الله الرسل وأنزل الكتب لبيان هذا الحق والدعوة إليه.
والتحذير مما يضاده، كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[9] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn9#_ftn9)، وقال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ}[10] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn10#_ftn10)، وقال عز وجل: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ}[11] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn11#_ftn11). وحقيقة هذه العبادة: هي إفراد الله سبحانه بجميع ما تعبد العباد به من دعاءٍ، وخوفٍ، ورجاءٍ، وصلاةٍ، وصومٍ، وذبحٍ، ونذرٍ، وغير ذلك من أنواع العبادة، على وجه الخضوع له والرغبة، والرهبة مع كمال الحب له سبحانه والذل لعظمته، وغالب القرآن الكريم نزل في هذا الأصل العظيم، كقوله سبحانه: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}[12] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn12#_ftn12)، وقوله سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ}[13] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn13#_ftn13)، وقوله عز وجل: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}[14] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn14#_ftn14). وفي الصحيحين عن معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا)).
ومن الإيمان بالله أيضا الإيمان بجميع ما أوجبه على عباده وفرضه عليهم من أركان الإسلام الخمسة الظاهرة وهي: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا، وغير ذلك منالفرائض التي جاء بها الشرع المطهر، وأهم هذه الأركان وأعظمها شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فشهادة أن لا إله إلا الله تقتضي: إخلاص العبادة لله وحده ونفيها عما سواه، وهذا هو معنى لا إله إلا الله، فإن معناها: لا معبود بحق إلا الله، فكل ما عبد من دون الله من بشر أو ملك أو جني أو غير ذلك، فكله معبود بالباطل، والمعبود بالحق هو الله وحده، كما قال سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ}[15] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn15#_ftn15). وقد سبق بيان أن الله سبحانه خلق الثقلين لهذا الأصل الأصيل وأمرهم به، وأرسل به رسله وأنزل به كتبه، فتأمل ذلك جيداً وتدبره كثيراً ليتضح لك ما وقع فيه أكثر المسلمين من الجهل العظيم بهذا الأصل الأصيل حتى عبدوا مع الله غيره، وصرفوا خالص حقه لسواه، فالله المستعان.
ومن الإيمان بالله سبحانه، الإيمان بأنه خالق العالم ومدبر شئونهم والمتصرف فيهم بعلمه وقدرته كما يشاء سبحانه وأنه مالك الدنيا والآخرة ورب العالمين جميعا لا خالق غيره، ولا رب سواه، وأنه أرسل الرسل وأنزل الكتب لإصلاح العباد ودعوتهم إلى ما فيه نجاتهم وصلاحهم في العاجل والآجل، وأنه سبحانه لا شريك له في جميع ذلك، وقال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}[16] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn16#_ftn16)، وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[17] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn17#_ftn17).
ومن الإيمان بالله أيضا: الإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته العلى الواردة في كتابه العزيز، والثابتة عن رسوله الأمين من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، بل يجب أن تمر كما جاءت بلا كيف، مع الإيمان بما دلت عليه من المعاني العظيمة التي هي أوصاف لله عز وجل يجب وصفه بها على الوجه اللائق به من غير أن يشابه خلقه في شيء من صفاته، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[18] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn18#_ftn18)، وقال عز وجل: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[19] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn19#_ftn19)، وهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، وهي التي نقلها الإمام: أبو الحسن الأشعري رحمه الله في كتابه: (المقالات) عن أصحاب الحديث وأهل السنة، ونقله غيره من أهل العلم والإيمان.
قال الأوزاعي رحمه الله: (سئل الزهري ومكحول عن آيات الصفات، فقالا: أمروها كما جاءت)، وقال الوليد بن مسلم رحمه الله: (سئل مالك والأوزاعي والليث بن سعد وسفيان الثوري رحمهم الله عن الأخبار الواردة في الصفات، فقالوا جميعا: أمروها كما جاءت بلا كيف)، وقال الأوزاعي رحمه الله: (كنا والتابعون متوافرون نقول إن الله سبحانه على عرشه، ونؤمن بما ورد في السنة من الصفات)، ولما سئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخ مالك رحمة الله عليهما عن الاستواء قال: (الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ المبين، وعلينا التصديق). ولما سئل الإمام مالك رحمه الله عن ذلك، قال: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، ثم قال للسائل: ما أراك إلا رجل سوء، وأمر به فأخرج). وروي هذا المعنى عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، وقال الإمام أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك رحمة الله عليه: (نعرف ربنا سبحانه بأنه فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه)، وكلام الأئمة في هذا الباب كثير جداً لا يمكن نقله في هذه المحاضرة. ومن أراد الوقوف على كثير من ذلك فليراجع ما كتبه علماء السنة في هذا الباب مثل: كتاب (السنة) لعبد الله بن الإمام أحمد، و(التوحيد) للإمام الجليل محمد ابن خزيمة، وكتاب (السنة) لأبي القاسم اللالكائي الطبري، وكتاب (السنة) لأبي بكر بن أبي عاصم، وجواب شيخ الإسلام ابن تيمية لأهل حماة، وهو جواب عظيم كثير الفائدة قد أوضح فيه رحمه الله عقيدة أهل السنة، ونقل فيه الكثير من كلامهم والأدلة الشرعية والعقلية على صحة ما قاله أهل السنة، وبطلان ما قاله خصومهم، وهكذا رسالته الموسومة بـ (التدمرية) قد بسط فيها المقام، وبين فيها عقيدة أهل السنة بأدلتها النقلية والعقلية، والرد على المخالفين بما يظهر الحق، ويدمغ الباطل لكل من نظر في ذلك من أهل العلم، بقصد صالح ورغبة في معرفة الحق، وكل من خالف أهل السنة فيما اعتقدوا في باب الأسماء والصفات فإنه يقع ولا بد في مخالفة الأدلة النقلية والعقلية مع التناقض الواضح في كل ما يثبته وينفيه.
أما أهل السنة والجماعة فأثبتوا لله سبحانه ما أثبته لنفسه في كتابه الكريم، أو أثبته له رسوله محمد صلى الله عليه وسلم في سنّته، إثباتاً بلا تمثيل، ونزهوه سبحانه عن مشابهة خلقه تنزيهاً بريئاً من التعطيل ففازوا بالسلامة من التناقض، وعملوا بالأدلة كلها، وهذه سنة الله سبحانه فيمن تمسك بالحق الذي بعث به رسله، وبذل وسعه في ذلك وأخلص لله في طلبه، أن يوفقه للحق ويظهر حجته، كما قال تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ}[20] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn20#_ftn20)، وقال تعالى: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}[21] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn21#_ftn21)، وقد ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره المشهور عند كلامه على قول الله عز وجل: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}[22] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn22#_ftn22) الآية، كلاماً حسناً في هذا الباب يحسن نقله ها هنا لعظم فائدته.
قال رحمه الله ما نصه: (للناس في هذا المقام مقالات كثيرة جداً ليس هذا موضع بسطها، وإنما نسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح مالك، والأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم من أئمة المسلمين قديماً وحديثاً، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل، والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله، فإن الله لا يشبهه شيءٌ من خلقه، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير، بل الأمر كما قال الأئمة، منهم نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري قال: "من شبه الله بخلقه كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر"، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه، فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال الله، ونفى عن الله تعالى النقائص فقد سلك سبيل الهدى)انتهى كلام ابن كثير رحمه الله .
وأما الإيمان بالملائكة فيتضمن: الإيمان بهم إجمالاً وتفصيلاً، فيؤمن المسلم بأن لله ملائكة خلقهم لطاعته، ووصفهم بأنهم: {عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}[23] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn23#_ftn23)، وهم أصناف كثيرة منهم الموكلون بحمل العرش، ومنهم خزنة الجنة والنار، ومنهم الموكلون بحفظ أعمال العباد، ونؤمن على سبيل التفصيل بمن سمى الله ورسوله منهم، كجبريل وميكائيل ومالك خازن النار، وإسرافيل الموكل بالنفخ في الصور، وقد جاء ذكرهم في أحاديث صحيحة، وقد ثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم))خرّجه مسلم في صحيحه، وهكذا الإيمان بالكتب يجب الإيمان إجمالاً بأن الله سبحانه أنزل كتباً على أنبيائه ورسله، لبيان حقه والدعوة إليه، كما قال تعالي: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}[24] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn24#_ftn24) الآية، وقال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ}[25] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn25#_ftn25) الآية.
ونؤمن على سبيل التفصيل بما سمى الله منها كالتوراة والإنجيل والزبور والقرآن، والقرآن هو أفضلها وخاتمها، وهو المهيمن والمصدق لها، وهو الذي يجب على جميع الأمة اتباعه، وتحكيمه مع ما صحت به السنّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله سبحانه بعث رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم رسولاً إلى جميع الثقلين، وأنزل عليه هذا القرآن ليحكم به بينهم، وجعله شفاء لما في الصدور، وتبياناً لكل شيء وهدى ورحمةً للمؤمنين، كما قال تعالي: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[26] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn26#_ftn26)، وقال سبحانه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}[27] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn27#_ftn27)، وقال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[28] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn28#_ftn28).
والآيات في هذا المعنى كثيرة، وهكذا الرسل يجب الإيمان بهم إجمالاً وتفصيلاً فنؤمن أن الله سبحانه أرسل إلى عباده رسلاً منهم مبشرين ومنذرين ودعاة إلى الحق، فمن أجابهم فاز بالسعادة، ومن خالفهم باء بالخيبة والندامة، وخاتمهم وأفضلهم هو نبينا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[29] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn29#_ftn29)، وقال تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[30] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn30#_ftn30)، وقال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}[31] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn31#_ftn31). ومن سمى الله منهم أو ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسميته آمنا به على سبيل التفصيل والتعيين، كنوح وهود وصالح وإبراهيم وغيرهم صلى الله وسلم عليهم وعلى آلهم وأتباعهم.
وأما الإيمان باليوم الآخر فيدخل فيه الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت كفتنة القبر وعذابه ونعيمه، وما يكون يوم القيامة من الأهوال، والشدائد، والصراط، والميزان، والحساب، والجزاء، ونشر الصحف بين الناس، فآخذ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله، أو من وراء ظهره، ويدخل في ذلك أيضا الإيمان بالحوض المورود لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والإيمان بالجنة والنار، ورؤية المؤمنين لربهم سبحانه وتكليمه إياهم، وغير ذلك مما جاء في القرآن الكريم والسنَّة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجب الإيمان بذلك كله وتصديقه على الوجه الذي بينه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وأما الإيمان بالقدر فيتضمن: الإيمان بأمور أربعة:
أولها: أن الله سبحانه قد علم ما كان وما يكون، وعلم أحوال عباده، وعلم أرزاقهم وآجالهم وأعمالهم وغير ذلك من شئونهم، لا يخفى عليه من ذلك شيء سبحانه وتعالى، كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[32] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn32#_ftn32)، وقال عز وجل: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}[33] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn33#_ftn33).
والأمر الثاني: كتابته سبحانه لكل ما قدره وقضاه كما قال سبحانه: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ}[34] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn34#_ftn34)، وقال تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}[35] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn35#_ftn35)، وقال تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}.[36 (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn36#_ftn36)] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn36#_ftn36)
الأمر الثالث: الإيمان بمشيئته النافذة فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}[37] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn37#_ftn37)، وقال عز وجل: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[38] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn38#_ftn38)، وقال سبحانه: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[39] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn39#_ftn39).
الأمر الرابع: خلقه سبحانه لجميع الموجودات لا خالق غيره ولا رب سواه، كما قال سبحانه: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}[40] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn40#_ftn40)، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}[41] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn41#_ftn41).
فالإيمانبالقدر يشمل الإيمان بهذه الأمور الأربعة عند أهل السنة والجماعة، خلافاً لمن أنكر بعض ذلك من أهل البدع. ويدخل في الإيمان بالله: اعتقاد أن الإيمان قولٌ وعملٌ يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وأنه لا يجوز تكفير أحدٍ من المسلمين بشيءٍ من المعاصي التي دون الشرك والكفر، كالزنا، والسرقة وأكل الربا، وشرب المسكرات، وعقوق الوالدين، وغير ذلك من الكبائر ما لم يستحل ذلك؛ لقول الله سبحانه:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[42] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn42#_ftn42).
ولما ثبت في الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، ومن الإيمان بالله الحب في الله والبغض في الله، والموالاة في الله والمعاداة في الله، فيحب المؤمن المؤمنين ويواليهم، ويبغض الكفار ويعاديهم.
وعلى رأس المؤمنين من هذه الأمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأهل السنة والجماعة يحبونهم ويوالونهم، ويعتقدون أنهم خير الناس بعد الأنبياء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم))متفق على صحته، ويعتقدون أن أفضلهم أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين، ثم علي المرتضى رضي الله عنهم أجمعين.
وبعدهم بقية العشرة، ثم بقية الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ويمسكون عما شجر بين الصحابة، ويعتقدون أنهم في ذلك مجتهدون، من أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر، ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين به، ويتولونهم ويتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، ويترضون عنهن جميعا، ويتبرءون من طريقة الروافض الذين يبغضون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسبونهم ويغلون في أهل البيت، ويرفعونهم فوق منزلتهم التي أنزلهم الله عز وجل، كما يتبرءون من طريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل.
وجميع ما ذكرناه في هذه الكلمة الموجزة داخل في العقيدة الصحيحة التي بعث الله بها رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، وهي عقيدة الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله سبحانه))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة علي ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة)) فقال الصحابة من هي يا رسول الله؟ قال: ((من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي))، وهي العقيدة التي يجب التمسك بها والاستقامة عليها والحذر مما خالفها.
وأما المنحرفون عن هذه العقيدة والسائرون على ضدها فهم أصناف كثيرة، فمنهم عباد الأصنام والأوثان والملائكة والأولياء والجن والأشجار والأحجار وغيرها، فهؤلاء لم يستجيبوا لدعوة الرسل، بل خالفوهم وعاندوهم، كما فعلت قريش وأصناف العرب مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا يسألون معبوداتهم قضاء الحاجات، وشفاء المرضى، والنصر على الأعداء، ويذبحون لهم، وينذرون لهم، فلمَّا أنكر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وأمرهم بإخلاص العبادة لله وحده، استغربوا ذلك وأنكروه، وقالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[43] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn43#_ftn43). فلم يزل صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلي الله وينذرهم من الشرك، ويشرح لهم حقيقة ما يدعو إليه حتى هدى الله منهم من هدى، ثم دخلوا بعد ذلك في دين الله أفواجاً، فظهر دين الله على سائر الأديان بعد دعوة متواصلة، وجهاد طويلٍ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم، والتابعين لهم بإحسان، ثم تغيرت الأحوال، وغلب الجهل على أكثر الخلق حتى عاد الأكثرون إلي دين الجاهلية، بالغلو في الأنبياء والأولياء ودعائهم والاستغاثة بهم، وغير ذلك من أنواع الشرك، ولم يعرفوا معنى لا إله إلا الله كما عرف معناها كفار العرب، فالله المستعان.
ولم يزل هذا الشرك يفشوا في الناس إلي عصرنا هذا، بسبب غلبة الجهل وبعد العهد بعصر النبوة.
وشبهة هؤلاء المتأخرين هي شبهة الأولين، وهي قولهم:{هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}[44] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn44#_ftn44)،{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[45] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn45#_ftn45). وقد أبطل الله هذه الشبهة وبين أن من عبد غيره كائناً من كان فقد أشرك به، وكفر، كما قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}[46] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn46#_ftn46)، فرد الله عليهم سبحانه بقوله: {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون}[47] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn47#_ftn47).
فبين سبحانه في هذه الآية أن عبادة غيره من الأنبياء والأولياء أو غيرهم، هي الشرك الأكبر، وإن سماها فاعلوها بغير ذلك وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[48] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn48#_ftn48)، فرد الله عليهم سبحانه بقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}[49] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn49#_ftn49). فأبان بذلك سبحانه أن عبادتهم لغيره بالدعاء، والخوف، والرجاء، ونحو ذلك كفر به سبحانه، وأكذبهم في قولهم: إن آلهتهم تقربهم إليه زلفى.
ومن العقائد الكفرية المضادة للعقيدة الصحيحة، والمخالفة لما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام: ما يعتقده الملاحدة في هذا العصر من أتباع ماركس ولينين وغيرهما، من دعاة الإلحاد والكفر، سواء سموا ذلك اشتراكية أو شيوعية أو بعثية أو غير ذلك من الأسماء، فإن من أصول هؤلاء الملاحدة: أنه لا إله والحياة مادة، ومن أصولهم إنكار المعاد، وإنكار الجنة والنار، والكفر بالأديان كلها، ومن نظر في كتبهم ودرس ما هم عليه علم ذلك يقيناً، ولا ريب أن هذه العقيدة مضادةٌ لجميع الأديان السماوية، ومفضية بأهلها إلى أسوأ العواقب في الدنيا والآخرة.
ومن العقائد المضادة للحق ما يعتقده بعض المتصوفة: من أن بعض من يسمونهم بالأولياء يشاركون الله في التدبير، ويتصرفون في شئون العالم، ويسمونهم بالأقطاب والأوتاد والأغواث، وغير ذلك من الأسماء التي اخترعوها لآلهتهم، وهذا من أقبح الشرك في الربوبية، وهو شر من شرك جاهلية العرب؛ لأن كفار العرب لم يشركوا في الربوبية وإنما أشركوا في العبادة، وكان شركهم في حال الرخاء، أما في حال الشدَّة فيخلصون لله العبادة، كما قال الله سبحانه: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}[50] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn50#_ftn50). أما الربوبية فكانوا معترفين بها لله وحده، كما قال سبحانه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[51] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn51#_ftn51)، وقال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ}[52] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn52#_ftn52) والآيات في هذا المعنى كثيرة.
أما المشركون المتأخرون فزادوا على الأولين من جهتين، إحداهما: شرك بعضهم في الربوبية، والثانية: شركهم في الرخاء والشدة، كما يعلم ذلك من خالطهم وسبر أحوالهم، ورأى ما يفعلون عند قبر الحسين والبدوي وغيرهما في مصر، وعند قبر العيدروس في عدن، والهادي في اليمن وابن عربي في الشام، والشيخ عبد القادر الجيلاني في العراق، وغيرها من القبور المشهورة التي غلت فيها العامة وصرفوا لها الكثير من حق الله عز وجل، وقل من ينكر عليهم ذلك ويبين لهم حقيقة التوحيد الذي بعث الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، ومن قبله من الرسل عليهم الصلاة والسلام، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ونسأله سبحانه أن يردهم إلى رشدهم، وأن يكثر بينهم دعاة الهدى، وأن يوفق قادة المسلمين وعلماءهم لمحاربة هذا الشرك والقضاء عليه ووسائله، إنه سميع قريب.
ومن العقائد المضادة للعقيدة الصحيحة في باب الأسماء والصفات عقائد أهل البدع: من الجهمية، والمعتزلة، ومن سلك سبيلهم في نفي صفات الله عز وجل، وتعطيله سبحانه من صفات الكمال، ووصفه عز وجل بصفة المعدومات والجمادات والمستحيلات، تعالى الله عن قولهم علوا كبيراً.
ويدخل في ذلك من نفى بعض الصفات وأثبت بعضها، كالأشاعرة، فإنه يلزمهم فيما أثبتوه من الصفات نظير ما فروا منه من الصفات التي نفوها، وتأولوا أدلتها، فخالفوا بذلك الأدلة السمعية والعقلية، وتناقضوا في ذلك تناقضاً بيناً؛ أما أهل السنة والجماعة فقد أثبتوا لله سبحانه ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات على وجه الكمال، ونزهوه عن مشابهة خلقه، تنزيهاً بريئاً من شائبة التعطيل، فعملوا بالأدلة كلها ولم يحرفوا ولم يعطلوا، وسلموا من التناقض الذي وقع فيه غيرهم - كما سبق بيان ذلك - وهذا هو سبيل النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة، وهو الصراط المستقيم الذي سلكه سلف هذه الأمة وأئمتها، ولن يصلح آخرهم إلا ما صلح به أولهم وهو اتباع الكتاب والسنة، وترك ما خالفهما.
والله ولي التوفيق، وهو سبحانه حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا به، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه.
http://www.binbaz.org.sa/mat/8174 (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174)
http://www.khayma.com/kshf/H/Akeedah.htm (http://www.khayma.com/kshf/H/Akeedah.htm)
http://www.khayma.com/kshf/H/Otymeen-A.htm (http://www.khayma.com/kshf/H/Otymeen-A.htm)
عقيدة السلف الصالح
أهل السنة والجماعة
في صفة الاسْتِوَاء وعُلُوِّ الله على خَلْقِه
(جزء 1 من 3)
إعداد: أم عبد الله المِيساوي
أُعِدّ لموقع: عقيدة السلف الصالح (http://www.as-salaf.com/)
باقي الأجزاء:
علو الله على خلقه (جزء 2) (http://as-salaf.com/article.php?aid=24&lang=ar)
علو الله على خلقه (جزء 3) (http://as-salaf.com/article.php?aid=29&lang=ar)
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
هذا المقال يبين بإختصار عقيدة السلف الصالح - أهل الأثر- أصحاب الحديث -، وهم أهل السنة والجماعة، في صفة الإستواء وعلو الله علىخلقه.
عقيدة السلف، أهلالسنة:
1. أن الله عز وجل فوق العرش، فوقالسماوات، فوق جميع خلقه.
الآدلة منالقرآن الكريم:
* قال الله تعالى:
{الرَّحْمَنُعَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]
والعرش أعلى المخلوقات، فهو فوق السماوات وكل المخلوقات.
* وقال سبحانه: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْمِنْ فَوْقِهِمْوَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل : 50]
* وقال: {تَعْرُجُالْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُإِلَيْهِفِي يَوْمٍ كَانَمِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 3-4] والعروج: الصعود. (1) أي الملائكة تصعدإلى الله عز وجل، لأنه فوق.
* وقال: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّاقَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَاصَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِيشَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَاقَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْرَفَعَهُ اللَّهُإِلَيْهِ} [النساء : 157 ، 158]
* وقال عز وجل: {أَأَمِنْتُمْمَنْ فِي السَّمَاءِأَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَاهِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء...} الآية [الملك: 16-17]
قالأبو بكر أحمدالصبغي (342 هـ) : (قد تضع العرب «في» بموضع «على» قال الله عز وجل: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} [التوبة : 2]، وقال {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِالنَّخْلِ} [طه : 71] ومعناه: على الأرض وعلىالنخل ، فكذلك قوله: {في السماء} أيعلى العرش فوق السماء، كما صحت الأخبار عن النبي صلى اللهعليه وسلم) (2)
وانظرهذا المقال (http://as-salaf.com/article.php?aid=9&lang=ar) لمزيد توضيحلمعنى «في السماء» وأقوال العلماء في هذهالآية.
* وقال تعالى: {هُوَ الأوَّلُ وَالآخِرُوَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:3]
عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يقولإذا أوى إلى فراشه: ”اللهم رب السموات ورب الأرض ورب كل شيءفالق الحب والنوى منزل التوراة والإنجيل والقرآن ؛ أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذبناصيته ، أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنتالظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء“ [صحيح مسلم، وسنن أبي داود واللفظ لأبي داود] و«دونك» هنا معناها: أقرب، أي أقرب بعلمه.
قالابن جرير الطبري (310 هـ) : وقوله: {وَالظَّاهِرُ} يقول: وهو الظاهر على كل شيء دونه، وهو العاليفوق كل شيء، فلا شيء أعلى منه. {وَالْبَاطِنُ} يقول: وهوالباطن جميع الأشياء، فلا شيء أقرب إلى شيء منه، كما قال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق : 16] (3) . وذكر فيتفسير تلك الآية: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِالْوَرِيدِ}: بالعلمبما تُوَسْوس به نفسه.
قالابن أبي زَمَنِين (399 هـ) : (والظاهر العالي فوق كلشيء ما خُلق ، والباطن بطن علمه بخلقه تعالى {وَهُوَ بِكُلِّشَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد : 3]) (4)
وغيرها من الآيات.
الأدلة من السنة:
* حديث الجارية:
عن معاويةبن الحكم قال: وَكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍوَالْجَوَّانِيَّةِ فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّيبُ قَدْ ذَهَبَبِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَلَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ قُلْتُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَاأُعْتِقُهَا؟"
قَالَ: (ائْتِنِي بِهَا) فَأَتَيْتُهُ بِهَا ، فَقَالَ لَهَا: ”أَيْنَ اللَّهُ“، قَالَتْ: «فِي السَّمَاءِ (http://as-salaf.com/article.php?aid=9&lang=ar)».
قَالَ: ”مَنْأَنَا ؟“ قَالَتْ: «أَنْتَ رَسُولُاللَّهِ»
قَالَ: ”أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَامُؤْمِنَةٌ“ [رواه مسلم في صحيحه]
* في حجة الوداع قال النبي صلى الله عليه وسلم: ”قَدْ تَرَكْتُفِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابُ اللَّهِوَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا: نشْهَدُأَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ. فَقَالَبِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُبهَا (5) إِلَى النَّاسِ: اللَّهُمَّاشْهَدْاللَّهُم َّ اشْهَدْ ثَلَاثَ مَرَّات...“ [صحيح مسلم]. والنبي صلى الله عليه وسلم كان مستشهدا باللهحينئِذ ولم يكن داعِيا حتى يُقال: السماء قِبلة الدعاء.
* قال النبي صلى اللهعليه وسلم: ”الْمَلاَئِكَةُ يَتَعَاقَبُونَ ، مَلاَئِكَةٌبِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ ، وَيَجْتَمِعُونَ فِى صَلاَةِ الْفَجْرِوَالْعَصْرِ ، ثُمَّيَعْرُجُ إِلَيْهِالَّذِينَبَاتُوا فِيكُمْ ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ ، فَيَقُولُ كَيْفَ تَرَكْتُمْعِبَادِى فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ يُصَلُّونَ ، وَأَتَيْنَاهُمْيُصَلُّونَ “ [صحيح البخاري]
أما أقوالالسلف الصالح وأئمة السنة في هذا الاعتقاد فهو في الجزئينالثاني (http://as-salaf.com/article.php?aid=24&lang=ar) والثالث (http://as-salaf.com/article.php?aid=29&lang=ar)لهذاالمقال.
2. أن الله استوى علىعرشه
قال الله تعالى:
{الرَّحْمَنُ عَلَىالْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]
وقال: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش} [الأعراف:54؛ يونس:3؛ الرعد:2؛ الفرقان:59؛ السجدة:4؛الحديد:4]
قَالَالتابعي مُجَاهِدٌ (102هـ) : {اسْتَوَى} علا على العرش. (6)
قالبشر بن عمر الزهراني (209هـ) : سمعتغير واحد من المفسرينيقول : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}: ارتفع. (7)
قال اللغويأبو العباس ثعلب (291 هـ) : {استوى على العرش}: علا. (8)
قال المفسرابن جرير الطبري (310 هـ) في تفسير الأية الأولى: (الرحمن على عرشه ارتفع وعلا»، وفيتفسير الآية الثانية: (يعني: (علا عليه»
3. أن الله عز وجل استوى على عرشه لأنه {فَعّـالٌ لِمَا يُرِيد} [سورة البروج : 16] وليس لحاجته للعرش، بل الله مستغن عن العرشوغير العرش.
قال الله تعالى:
{إِنَّ اللَّهَلَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت : 6]
{هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِوَمَا فِي الْأَرْضِ} [يونس : 68]
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِوَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر : 15]
وقالأبو جعفر الطحاوي (321 هـ) فيعقيدته المشهورة: (وهو مستغن عن العرش وما دونه. محيط بكل شيءوفوقه)
4. أن الله بائن (9) منخلقه:
معنى أن الله بائن من خلقه: أي أنه منفصل عن المخلوقات، فليس فيذاته شيء من مخلوقاته، ولا في مخلوقاته شيء من ذاته. ولا يحويه أو يُحيط به شيء منخلقه.
قال الله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِاسْتَوَى} [طه: 5]
فكل المخلوقات تحتالعرش والله فوق العرش فهو بائنٌ عنهم.
ابن المبارك (181هـ) : روى ابن شقيق أنه قيل لابن المبارك: "كيف نعرف ربنا؟"
قال: «بأنه فوق السماء السابعة على العرش،بائن منخلقه» (10)
إسحاق بن راهويه (238 هـ) : قال حرب الكرماني: قلت لإسحاق بنراهويه: "في قول الله {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍإِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة : 7] كيفتقول فيه ؟" قال: «حيث ما كنت فهو أقرب إليك من حبل الوريد،وهو بائن من خلقه.»
ثم ذكر عن ابن المبارك: (هو على عرشه بائن من خلقه)، ثم قال: «أعلى شيء في ذلك وأثبتهقوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}» (11)
5. أناستواء الله عز وجل ليس كاستواء المخلوقين، نؤمن بأن الله استوى على عرشه استواءًيليق بجلاله لا يشبه استواء المخلوق.
لقول الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى : 11]
وقوله {وَلَمْيَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص : 4] كفوا: أي مَثِيلاً.
6. أن كَيفِيَّة استواءالله عز وجل غير معلومة لنا، فلم يُعلمنا الله تعالى ولا رسوله –صلى الله عليهوسلم- تفاصيل ذلك، ولا يجوز السؤال عن كيفية صفاته، فالله وحده يعلم كيف استوى علىعرشه، وواجبنا الإيمان والتسليم.
قالالإماممالك (179 هـ) جوابا على من سأله "كيف استوى؟": «الإستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والسؤال عنه بدعة، والإيمانبه واجب». والأثر مشهور عند أهل العلم.
قالوكيع بنالجراح (197 هـ) في أحاديث الصفات: « نُسلِّم هذهالأحاديث كما جاءت ، ولا نقول كيف هذا؟ ولم جاء هذا ؟» (12)
قالأبو بكر الإسماعيلي (371هـ) : (وأنه عز وجل استوى على العرش بلا كيف، فإن الله تعالى أنهى (13) إلى أنّه استوى على العرش، ولم يذكُر كيف كاناستواؤُه.) (14)
عقيدة السلف الصالح
أهل السنةوالجماعة
في صفة الاسْتِوَاء وعُلُوِّ الله على خَلْقِه
(جزء 2 من 3)
إعداد: أم عبد الله الميساوي
أُعِدّ لموقع: عقيدة السلف الصالح (http://www.as-salaf.com/)
باقي الأجزاء::
علو الله على خلقه (جزء 1) (http://as-salaf.com/article.php?aid=14&lang=ar)
علو الله على خلقه (جزء 3) (http://as-salaf.com/article.php?aid=29&lang=ar)
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
يشتمل هذا المقال على:
1. أقوال السلفالصالح في صفة الإستواء وعلو الله على خلقه.
2. شهادة العلماء الذين أتوا منبعدهم بأن هذه هي عقيدة السلف الصالح وأهل السنة والجماعة.
ملاحظة: الترتيب حسبتاريخ الوفاة.
أقوال السلفالصالح:
الصحابة رضوان اللهعليهم
1. أبو بكر الصديقرضي الله عنه:
لما مات النبي صلى الله عليه وسلم، صعد أبو بكر رضي الله عنه المنبر فحمد اللهوأثنى عليه ثم قال: «أيها الناس! إن كان محمدٌ إلهكم الذيتعبدون فإن إلهكم محمدًا قد مات، وإن كانإلهكم الذيفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9?=ar) فإن إلهكم لم يمت، ثم تلا: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُأَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} (1) حتى ختمالآية ...» (2) إسناده حسن.
2. قالعبد الله بنمسعودرضي الله عنه: «بين سماء الدنيا والتي تليهامسيرة خمس مئة عام وبين كل سماءين مسيرة خمس مئة عام وبين السماء السابعة وبينالكرسي مسيرة خمس مئة عام وبين الكرسي وبين الماء مسيرة خمس مئة عام والعرش فوقالماءوالله تبارك وتعالى فوق العرشوهو يعلم ما أنتمعليه» درجته: حسن. (3)
بعد جيلالصحابة إلى 200 هـ
3. قالابن اسحاق (150هـ) إمام المغازي: «يقول تبارك وتعالى لنبيه محمد صلىالله عليه وسلم: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَىالْعَرْشِ} [الأعراف : 54] الآية، وقال تعالى {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِأَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود : 7] الآية، فكان كما وصف نفسه تبارك وتعالىإذ ليس إلاالماء، عليه العرش، وعلى العرشذوالجلال والعزةوالسلطانوالملك والقدرة والحلم والعلم والرحمة والنعمة الفعال لما يريد،الواحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، الأول لم يكن قبله شيءلخلقه الخلق وليس معه شيء غيره، الآخر لبقائه بعد الخلق كما كان ليس قبله شيء،الظاهر الباطن في علوه على خلقه فليس شيء فوقه، الباطن لإحاطته بخلقه فليس دونهشيء.» (62)
4. أبو حنيفة النعمان (ت 150 هـ) :
قال الإمام الطحاوي في "العقيدة الطحاوية" التي أملى فيها عقيدة الإمام أبيحنيفة وصاحبيهأبو يوسف ومحمد بنالحسن: «والعرش والكرسي حق كمابين في كتابه، وهو مستغن عن العرش وما دونه محيط بكل شيء وفوقه» قوله: (وفوقه) أي "وفوق كل شيء" إثبات لفوقية الله عزوجل فوق كل المخلوقات بما فيها العرش.
وقوله في موضع آخر «لا تحويه الجهات الست كسائرالمبتدعات» نفي لإحاطة الخلق بالله عز وجل، فـ(لا تحويه الجهات الست) التي هي مخلوقاته، بل هو فوق الجهات والمخلوقات كلها. وهو رد على الحلُولِيَّةوالجهمية الذين كانوا يقولون بأن الله حالٌّ في خلقه، وأنه في كل مكان، تعالى اللهعلو الكبيرا.
ورُوي عن الإمام أبي حنيفة أنه قال في الفقه الأكبر: «من قال: "لا أعرف الله أفي السماء أم فيالأرض" فقد كفر، قال الله تعالى {الرحمن على العرشاستوى} فإن قال: "أقول بهذه الآية ولكن لا أدري أين العرش في السماء أم فيالأرض" فقد كفر أيضا» (4) وذلك لأن في كلا القولين شك في فوقية اللهعز وجل، لا يدري هل الله فوق مخلوقاته أم لا، وفيه اعتقاد احتمال وجود الله عز وجلفي الأرض داخل مخلوقاته، تعالى الله علوا كبيرا. فكان بذلك منكرا للنصوص الشرعية،ومعتقدًا جواز حلول الله في خلقه، وكلاهما كفر.
5. مالكبن أنس (179 هـ) : جاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله {الرحمن على العرش استوى} فكيف استوى؟ فأطرق مالك برأسه حتىعلاه الرحضاء (5)، ثم قال: «الإستواء غير مجهول، والكيف غيرمعقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعا» فأمر بهأن يخرج. (6)
قال أبو بكر ابن العربي المالكي عند حديثه عن أحاديث الصفات: (ومذهب مالك رحمه الله أن كل حديث منها معلوم المعنى ولذلك قال للذي سأله: "الإستواء معلوم والكيفية مجهولة".) (7)
وعن الإمام مالك أنه قال: «اللهفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9?=ar) وعلمه في كل مكان لايخلو منه شيء» (8)
الذين شهدوا بأن هذه هي عقيدةالإمام مالك رحمه الله: أبو حاتم الرازي (277 هـ) - ابن أبي زيد القيرواني (386 هـ) - محمد بن موهب المالكي (406 هـ) - أبوالقاسم اللالكائي (418 هـ) - أبو نصر السجزي (444 هـ)، وسيأتي ذكر أقوالهم إن شاء الله.
6. قالحمادبن زيد (179 هـ): (إنما يدورون على أن يقولوا: ليسفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9?=ar) إله) يعني الجهمية. صحيح.(9)
7. ابن المبارك (181 هـ) : قال علي بن الحسن بن شقيق: سألت عبدالله بن المبارك: "كيف ينبغي لنا أن نعرف ربنا عز وجل؟"
قال: «على السماء السابعة على عرشه، ولا نقول كما تقول الجهمية: أنه هاهنا في الأرض» (10) صحيح.
وفي رواية: قال ابن المبارك: «بأنه فوق السماء السابعة على العرش بائن من خلقه» (11) إسناده حسن.
8. أبو يوسف القاضي (182 هـ) ومحمد بن الحسنالشيباني (189 هـ) صاحبا أبي حنيفة: قد مر ذكر اعتقادهما عند ذكر اعتقادالإمام أبي حنيفة رحمهم الله جميعا.
9. قالجرير بن عبدالحميد الضبي (188 هـ) : (كلام الجهمية أوله عسل، وآخره سم، وإنما يحاولونأن يقولوا: ليسفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9?=ar) إله) (12)
10. قالأبو معاذخالد بن سليمان البلخي (199 هـ) : (كان جهمعلى معبر ترمذ، وكان فصيح اللسان، ولم يكن له علم ولا مجالسة أهل العلم، فكلمالسُمَنية [ديانة بوذية]، فقالوا له: صف لنا ربكالذي تعبده. فدخل البيت لا يخرج، ثم خرج إليهم بعد أيام فقال: "هو هذا الهواء مع كلشيء، وفي كل شيء، ولا يخلوا منه شيء." قال أبو معاذ: "كذب عدو الله، إن اللهفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9?=ar) على العرش كما وصف نفسه.") (61)
201 إلى 300 هـ
11. محمد بن إدريس الشافعي (204 هـ) : قال أبو عثمان الصابوني: "وإمامنا أبو عبد الله محمد بن إدريس السافعي رضي الله عنه احتج في كتابه المبسوطفي مسألة اعتاق الرقبة المؤمنة في الكفارة، وأن غير المؤمنة لا يصح التكفير بهابخير معاوية بن الحكم، وأنه أراد أن يعتق الجارية السوداء لكفارة، وسأل رسول اللهصلى الله عليه وسلم عن إعتاقه إياها، فامتحنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقاللها: ”من أنا؟“ فأشارت إليه وإلى السماء، يعني أنكرسول الله الذيفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9?=ar)، فقال صلى الله عليهوسلم: ”أعتقها فإنها مؤمنة“. فحكم رسول الله صلى اللهعليه وسلم بإسلامها وإيمانها لما اقرت بأن ربهافي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9?=ar)، وعرفت ربها بصفة العلو والفوقية. وإنمااحتج الشافعي رحمة الله عليه على المخالفين في قولهم بجواز إعتاق الرقبة الكافرة فيالكفارة بهذا الخبر؛ لاعتقاده أن الله سبحانه فوق خلقه، وفوق سبع سماواته على عرشه،كما معتقد المسلمين من أهل السنة والجماعة، سلَفِهم وخلفِهم؛ إذ كان رحمه الله لايرو خبرًا صحيحًا ثم لا يقول به." ثم ذكرًا آثرين في ذلك منها قول الشافعي رحمهالله - منكرًا على رجل سأله عن حديث حدث به الشافعي هل يقول به؟ - : «... أروي حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم لا أقول به !». [عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني ص118و189]
وممن شهد بأنها عقيدة الإمامالشافعي : الحافظ أبو حاتم الرازي (195 - 277 هـ)، وسيأتي ذكر قوله.
12. قالسعيد بن عامر الضبعي (208 هـ) وهو من شيوخ البخاري: « الجهمية شرٌّ قولاً من اليهود والنصارى، قد اجتمعت اليهودوالنصارى وأهل الأديان: أن الله تبارك وتعالى على العرش، وقالوا هم: ليس على العرششيء.» صحيح. (13)
13. قالمحمد بن يوسف الفريابي (212 هـ) وهو من شيوخ البخاري: «من قال: إن الله ليسعلى عرشه فهو كافر.» [خلق أفعال العباد للإمامالبخاري (ج2 ص39)]
14. قالمحمد بن مصعب الدَّعَّاء (228 هـ) : « من زعم أنك لا تَتَكلَّم ولا تُرَى فيالآخرة فهو كافر بوجهك لا يعرفك، أشهدُ أنك فوق العرش فوق سبع سموات، ليس كما يقولأعداء الله الزنادقة » صحيح. (14)
15. أبو عبد اللهابن الأعرابي (231 هـ) : قال أبو سليمان داود بن علي: كنا عند ابن الاعرابيفأتاه رجل فقال له: "ما معنى قول الله عز و جل: {الرحمن علىالعرش استوى} ؟
فقال: « هو على عرشه كما أخبر عز وجل. »
فقال: "يا أبا عبد الله ليس هذا معناه، إنما معناهاستولى."
قال: « اسكت! ما أنت وهذا لا يقال: استولى علىالشيء إلا أن يكون له مضاد فإذا غلب أحدهما قيل: استولى، أما سمعت النابغة:
ألا لمثلك أو من أنت سابقه *** سبق الجواد إذا استولى علىالأمد» (15)
16. قالقتيبة بن سعيد (240هـ) : « هذا قول الأئمة المأخوذ في الإسلاموالسنة» وذكر مجموعة من العقائد منها: «ونعرف اللهفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9&lang=ar) السابعة علىعرشه، كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُمَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَالثَّرَى} [طه : 5 ، 6] » (16) صحيح.
17. أحمد بن حنبل (241 هـ) : قال يوسف بن موسىالقطان (17): (قيل لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: الله عز و جل فوق السماء السابعةعلى عرشه بائن من خلقه وقدرته وعلمه في كل مكان؟
قال: « نعم على العرش وعلمه لا يخلو منه مكان. “ صحيح. (18)
الذين شهدوا بأن هذه هي عقيدة الإمام أحمد رحمه الله: صاحباه: أبو حاتم الرازي (277 هـ) وحرب الكرماني (280هـ) - أبو القاسم اللالكائي (418 هـ) - أبو نصر السجزي (444 هـ). وسيأتي ذكر أقوالهم إن شاءالله.
18. قالمحمد بن أسلم الطوسي (242 هـ) : قال لي عبد الله بن طاهر: "قد بلغني أنك لا ترفع رأسك إلى السماء"، فقلتُ برأسيهكذا إلى السماء ساعة، ثم قلت: «ولِمَ لا أرفع رأسي إلىالسماء؟ وهل أرجو الخير إلا ممنفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9?=ar) ؟! » [سيرأعلام النبلاء للذهبي (12 / 202)، والعلو للعلي الغفار (ص191)، بإسناد جيد من طريقأبي عبد الله الحاكم قال: دثنا يحيى العنبري حدثنا أحمد بن سلمة حدثنا محمد بنأسلم.]
19. قالالحارث المحاسبي الصوفي (243هـ) : « وأما قوله {عَلَىالْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه : 5]) {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام : 18] و{أَأَمِنْتُمْ مَنْفِي السَّمَاءِ} [الملك : 16]» وذكرعددًا من الآيات، ثم قال: «فهذا يوجب أنه فوق العرش، فوقالأشياء، منزه عن الدخول في خلقه، لا يخفى عليه منهم خافية، لأنه أبان في هذهالآيات أن ذاته بنفسه فوق عباده لأنه قال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْفِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ [الملك : 16]} يعني فوق العرش، والعرش على السماء، لأن من كان فوق شيء علىالسماء فهوفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9&lang=ar)، وقد قال مثل ذلك {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} [التوبة : 2] يعني على الأرض لا يريد الدخول في جوفهاوكذلك قوله: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِالنَّخْلِ} [طه : 71] يعني فوقها» (19)
20. قالخُشَيْش بن أصرم (253 هـ) في كتابه "الإستقامة": «وأنكر جهم أن يكون اللهفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9?=ar) دون الأرض، وقد دل في كتابه أنهفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9?=ar) دون الأرض بقوله حين قال لعيسى عليه السلام {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَالَّذِينَ كَفَرُوا} [آل عمران : 55]، وقوله {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُإِلَيْهِ} [النساء:157 ، 158] وقال: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُإِلَيْهِ} [السجدة : 5]» وذكر جملة منالأدلة من القرآن، ثم قال: «لو كان في الأرض كما هوفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9&lang=ar) لم يُنَزّل منالسماء إلى الأرض شيئا، ولكان يصعد من الأرض إلى السماء كما ينزل من السماء إلىالأرض، وقد جاءت الآثار عن النبي أن الله عز و جلفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9?=ar) دون الأرض) ثم ذكر أحاديث عن الرسول صلىالله عليه وسلم.
وقال: «من كفر بآية من كتاب الله فقد كفربه أجمع، فمن أنكر العرش فقد كفر به أجمع، ومن أنكر العرش فقد كفر بالله، وجاءتالآثار بأن لله عرشا وأنه على عرشه.» (20)
21. محمدبن يحيى الذهلي (258 هـ) : كتب أبو عمرو المستملي (21) : (سُئل محمد بن يحيىعن حديث عبد الله بن معاوية عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ليعلم العبد أن اللهمعه حيث كان." فقال: « يريد أن الله علمه محيط بكل ما كان،والله على العرش.» (22)
22. أبو زرعة الرازي (264هـ) : قال ابن أبي حاتم الرازي: سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة فيأصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان من ذلك فقالا: « أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازا وعراقا وشاما ويمنافكان من مذهبهم:» وذكرا أمورا منها «وأن الله عز و جلعلى عرشه بائن من خلقه، كما وصف نفسه في كتابه وعلى لسان رسول صلى الله عليه و سلمبلا كيف، أحاط بكل شيء علما {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَالسَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى : 11] » (23)
23. قالإسماعيل بن يحيي المزني الشافعي (264هـ) في كتابه في السنة : « عالٍ على عرشه، وهو دانٍبعلمه من خلقه، أحاط علمه بالأمور، وأنفذ في خَلْقِه سابق المقدور {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر : 19]»
وقال في موضع آخر: « عالٍ على عرشه، بائن من خلقه » (24)
24. أبو حاتم الرازي (277 هـ) : قال أبو القاسم اللالكائي: "ووجدتفي بعض كتب أبي حاتم محمد بن إدريس ابن المنذر الحنظلي الرازي -رحمه الله- مما سمعمنه، يقول: « مذهبنا واختيارنا اتباع رسول الله صلى الله عليهوسلم وأصحابه والتابعين ومن بعدهم بإحسان، مذهب أهل الأثرمثلأبي عبد الله أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن إبراهيم ، وأبي عبيد القاسم بن سلام ،والشافعي . ولزوم الكتاب والسنة، والذب عن الأئمة المتبعة لآثار السلف،واختيار ما اختاره أهل السنة من الأئمة في الأمصار مثل : مالكبن أنس في المدينة ، والأوزاعي بالشام ، والليث بن سعد بمصر ، وسفيان الثوري وحمادبن زيادبالعراق من الحوادث مما لا يوجد فيه رواية عن النبي صلى الله عليهوسلم والصحابة والتابعين) ) وذكر أمورا منها: « أن الله علىعرشه بائن من خلقه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُالْبَصِيرُ} [الشورى : 11] »." (25)
25. قالأبو عيسى الترمذي (279 هـ) : « عِلْم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان، وهو على العرش كما وصف فيكتابه. » (26)
26. قالحرب بن إسماعيل الكرماني (280هـ) في مسائله: « هذا مذهب أهل العلم، وأصحاب الأثر،وأهل السنة المتمسّكين بها، المُقتدى بهم فيها من لَدُن أصحاب النبي -صلى الله عليهوسلم- إلى يومنا هذا، وأدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز والشام -وغيرهم-؛ فَمَنخالف شيئاً من هذه المذاهب أو طعن فيها، أو عاب قائلَها، فهو مخالفٌ مبتدعٌ خارجٌعن الجماعة، زائلٌ عن منهج السّنّة وطريق الحق. وهومذهب أحمدوإسحاقَ بن إبراهيم بن مَخْلَد، وعبدالله بن الزبير الحُمَيدي، وسعيد بن منصور -وغيرهم- ممن جالسْنا وأخذنا عنهم العلم، فكان من قولهم: » (27) وذكرأمورا كثيرة منها: « وخلق سبع سماوات بعضها فوق بعض وسبعأرضين بعضها أسفل من بعض، وبين الأرض العليا إلى السماء الدنيا مسيرة خمس مئة عام ،وبين كل سماء إلى سماء خمس مئة عام، والماء فوق السماء العليا السابعة، وعرش الرحمن - عز وجل- فوق الماء،والله - عز وجل- على العرش ... وهو علىالعرش فوق السماء السابعة،ودونه حجب من نار ونور وظلمة، وما هو أعلم به. فإذا احتج مبتدع أو مخالف بقول الله - عز وجل-: {وَنَحْنُأَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16]، وبقوله - تعالى-: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَىثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَاأَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَاكَانُوا} [ المجادلة:7 ] ،ونحو هذا من متشابهالقرآن؛ فقل إنما يعني بذلك العلم؛ لأنالله - عز وجل- علىالعرش فوق السماء السابعة العليا، يعلم ذلك كله وهو بائن من خلقه، لا يخلومن علمه مكان.) (28)
وقال ابن أبي حاتم في كتابه "الرد على الجهمية": أخبرني حرببن إسماعيل الكرماني: « الجهمية أعداء الله، وهم الذين يزعمونأن القرآن مخلوق، وأنه لا يعرف لله مكان، وليس على عرش، ولا كرسي، وهم كفارفاحذرهم.» (29)
27. قالعثمان الدارمي (280هـ) : (وقد اتفقت الكلمة من المسلمين أن الله تعالى فوق عرشه فوق سمواته) (30)
وقال: (فالله تبارك وتعالى فوق عرشه، فوق سمواته، بائن من خلقه، فمن لميعرفه بذلك لم يعرف إلهه الذي يعبده) (31)
28. قالأبو بكربن أبي عاصم (287 هـ) في كتابه "السنة": «باب: ما ذكرأن الله تعالى في سمائه دون أرضه» ثم روى بإسناده حديث الجارية الذي فيهسؤال النبي صلى الله عليه وسلم "أين الله؟". (32)
29. قالأبو جعفر بن أبي شيبة (297 هـ) : « فهوفوق السماوات وفوق العرش بذاته متخلصا من خلقه بائنا منهم، علمه في خلقه لا يخرجونمن علمه. » (33)
30. قالعمرو بن عثمان المكي الصوفي (297 هـ) في كتاب "أداب المريدين والتعرف لأحوال العبّاد" في باب ما يجيء بهالشياطين للتائبين: (إذا هم امتنعوا عليه واعتصموا بالله فإنه يوسوس لهم في أمرالخالق ليفسد عليهم أحوال التوحيد) وذكر كلاما طويلا إلى أن قال: « فهو تعالى القائل: {أنا الله} لاالشجرة، الجائي قبل أن يكون جائيا، لا أمره، المستوي على عرشه بعظمة جلاله دون كلمكان » (34)
شهادة العلماءالذين أتوا بعد عهد السلف الصالحبأن هذا الإعتقاد هو عقيدة السلف، عقيدةالمسلمين، عقيدة أهل السنة وأصحاب الحديث:
من 301إلى 500 هـ)
31. قالأبو الحسن الأشعري (324هـ) في كتابه "مقالات الإسلاميين": (باب اختلافهم في البارىء هل هو في مكاندون مكان؟ أم لا في مكان؟ أم في كل مكان ؟ ) وذكر أقوال الفرق ثم قال: (قالأهل السنة وأصحاب الحديث: ... وأنه على العرش كما قال عز وجل {الرحمن على العرش} ولا نقدم بين يدى الله في القول بلنقول استوى بلا كيف) (35)
وقال في موضع آخر: (جُملة ما عليهأهل الحديث والسنة: الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله) وذكر أمورا منها: (وأن الله سبحانه على عرشه كما قال {الرحمن على العرشاستوى} (36)
32. قالأبو بكر الآجري (360 هـ) : (فعِلْمُه عز وجل محيط بجميع خلقه، وهو على عرشه،وهذا قولالمسلمين.) (37)
33. قالابن أبي زيد القيروانيالمالكي (386 هـ) في كتابه "الجامع" : (فمما أجمعت عليهالأمةمن أمور الديانة، ومن السنن التي خِلافُها بدعةٌ وضلالة: أن اللهتبارك اسمه) وذكر أمورا منها: (وأنه فوق سماواته على عرشه دون أرضه، وأنه في كلمكان بعلمه) وذكر باقي الإعتقاد ثم قال في آخره: (وكل ما قدَّمنا ذِكْرَه فهوقول أهل السنة وأيمة الناسفي الفقهِ والحديث على ما بيناه،وكله قول مالك، فمنه منصوص من قوله، ومنه معلوم منمذهبه.) (38)
34. قالابن بطة العكبري الحنبلي (387هـ) في كتابه الإبانة الكبرى: ( وأجمع المسلمونمنالصحابة والتابعين وجميع أهل العلم من المؤمنين أن الله تبارك وتعالى على عرشه فوقسماواته بائن من خلقه وعلمه محيط بجميع خلقه لا يأبى ذلك ولا ينكره إلا من انتحلمذاهب الحلولية.)
35. قالابن أبي زَمَنِين المالكي (ت 399هـ) : (ومن قول أهل السنة : أن الله عز وجل خلقالعرش واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق ، ثم استوى عليه كيف شاء ، كما أخبرعن نفسه في قوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُمَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَالثَّرَى} [طه: 5 ، 6]) (39)
وقال: (ومنقول أهل السنة : أن الله عز وجل بائن من خلقه، مُحتجب عنهمبالحُجُب) (40)
36. قالمحمد بن موهب المالكي (406هـ) في شرحه لرسالة الإمام ابن أبي زيد: (وقد تأتي لفظة «في» في لغة العرب بمعنى فوق، كقوله {فأمشوا في مناكبها} و(في جذوع النخل} و{أأمنتم من في السماء} قال أهل التأويل(41): يريد فوقها، وهوقول مالكمما فهمه عمن أدرك منالتابعينمما فهموهعن الصحابةمما فهموهعن النبيصلى الله عليه وسلم أن الله فيالسماء يعني فوقها وعليها) (42)
37. قالأبو القاسماللالكائي الشافعي (418 هـ) : (سياق ما رُوي في قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} وأن الله على عرشهفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9&lang=ar). وقال عز وجل: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} وقال: {أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض} وقال: {وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة}. فدلت هذه الآيات أنهتعالىفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9&lang=ar) وعلمه بكل مكانمن أرضه وسمائه. ورُوي ذلكعن الصحابة: عن عمر وابنمسعود وابن عباس وأم سلمة. ومن التابعين: ربيعة بن أبيعبد الرحمن وسليمان التيمي ومقاتل بن حيان. وبه قال الفقهاء: مالك بن أنس وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل.) (43)
38. قالأبو عمر الطلمنكي المالكي (429 هـ) في كتابه "الوصول إلىمعرفة الأصول": (أجمع المسلمون من أهل السنةعلى أن معنىقوله: {وهو معكم أينما كنتم} ونحو ذلك من القرآن: أنهعلمه، وأن الله تعالى فوق السموات بذاته، مستو على عرشه كيف شاء.
وقال أهل السنةفي قوله: {الرحمن على العرشاستوى} : إن الإستواء من الله على عرشه على الحقيقة لا على المجاز) (44)
39. قالأبو نعيم الأصبهاني الصوفي (ت 430هـ) في كتابه "محجة الواثقين: (وأجمعواأن الله فوق سماواتهوأنه عال على عرشه ، مستو عليه ، لا مستول كما تقول الجهمية) (45)
وقال في كتابالإعتقاد له: (طريقناطريق السلف المتبعين للكتاب والسنة وإجماعالأمة، ومما اعتقدوه: أن الله لم يزل كاملا بجميع صفاته القديمة) وذكر جملةمن العقائد منها: (وأن الأحاديث التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم في العرش،وإستواء الله عليه، يثبتونها، من غير تكييف، ولا تمثيل، وأن الله تعالى بائن منخلقه، والخلق بائنون منه، لا يحل فيهم ولا يمتزج بهم، وهو مستو على عرشه في سمائهدون أرضه) (46)
40. قالأبو نصر السجزي الحنفي (ت. 444هـ) في كتابه الإبانة: (أئمتناكسفيان الثوري، ومالك،وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، عبد الله بن المبارك، والفضيل بن عياض، وأحمد بنحنبل، وإسحاق بن راهويهمتفقون على أن الله سبحانه وتعالى بذاته فوق العرش،وعلمه بكل مكان) (47)
41. قالأبو عثمان الصابوني الشافعي (ت 449هـ) في كتابه "عقيدة السلف أصحاب الحديث": (ويعتقدأصحاب الحديثويشهدون أن الله سبحانه فوق سبع سمواته، على عرشه مستو؛ كمانطق به كتابه، في قوله عز وجل في سورة الأعراف: {إِنَّرَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف :54]) وذكر آيات الإستواء على العرش وآيات أخرى في علو الله، بعضها ذكرناهافي الجزء الأول للمقال، ثم قال: (وعلماء الأمة وأعيان الأئمة منالسلفرحمهم الله لم يختلفوا في أن الله على عرشه، وعرشه فوق سمواته.) (48)
42. قالابن عبد البر المالكي (ت 463 هـ) فيكتابه "التمهيد": (وأما احتجاجهم بقوله عز {مَا يَكُونُ مِنْنَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْوَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَاكَانُوا} [المجادلة:7] فلا حجة لهم في ظاهرهذه الآية، لأنعلماء الصحابة والتابعينالذين حملت عنهمالتآويل (49) في القرآن قالوا في تأويل هذه الآية: هو على العرش وعلمه في كل مكانوما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله.) (50)
وقال في شرح حديث النزول: (وفيه دليلعلى أن الله عز وجلفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9&lang=ar) على العرش من فوقسبع سموات،كما قالت الجماعة. وهو من حجتهم على المعتزلةوالجهمية في قولهم أن الله عز وجل في كل مكان، وليس على العرش.) (51)
وقال في "الإستذكار": (الله عز وجلفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9&lang=ar) على العرش مِنفوقِ سبع سماوات، وعِلْمُه في كل مكان كما قالتالجماعة أهل السنةأهل الفقه والأثر.) (52)
من 501 إلى 750 هـ
43. قالالحسين البغوي الشافعي (ت 510هـ) : (وقال الله عز وجل (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) وقالالله تعالى (ثم استوى على العرش) ) وذكر عددا من الآيات والأحاديث في الصفات، ثمقال-: (فهذه ونظائرها صفات لله تعالى ورد بها السمع يجب الإيمان بها، وإمرارها علىظاهرها معرضا فيها عن التأويل ، مجتنبا عن التشبيه، معتقدا أن الباري سبحانه وتعالىلا يشبه شيء من صفاته صفات الخلق، كما لا تشبه ذاته ذوات الخلق ، قال الله سبحانهوتعالى : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) [ الشورى : 11 ]. وعلى هذا مضىسلف الأمة ، وعلماء السنة) (53)
44. قاليحيى العمراني الشافعي (ت 558هـ) : (عند أصحاب الحديث والسنةأن الله سبحانه بذاته، بائن عنخلقه، على العرش استوى فوق السموات، غير مماس له، وعلمه محيط بالأشياء كلها) (54)
45. قالابن قدامة المقدسي الحنبلي (ت 620هـ) : (فإن الله تعالى وصف نفسه بالعلوفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9?=ar) ووصفه بذلك محمد خاتم الأنبياء،وأجمع على ذلك جميع العلماء من الصحابه الأتقياء والأئمة منالفقهاء، وتواترت الأخبار بذلك على وجه حصل به اليقين، وجمع الله تعالى عليهقلوب المسلمين، وجعله مغروزًا في طباع الخلق أجمعين، فتَرَاهم عند نزول الكرب بهميلحظون السماء بأعينهم ويرفعون نحوها للدعاء أيديهم، وينتظرون مجئ الفرج من ربهم،وينطقون بذلك بألسنتهم لا ينكر ذلك إلا مبتدع غال في بدعته، أو مفتون بتقليدهواتباعه على ضلالته) (55)
46. كتبابن الصلاح الشافعي (ت 643هـ) على القصيدة في السنة المنسوبة إلى أبي الحسن الكرجي (532 هـ) : (هذه عقيدة أهل السنة وأصحاب الحديث) (56)، ومما جاء فيتلك القصيدة:
عقيدة أصحاب الحديث فقد سمت *** بأرباب دين الله أسنى المراتب
عقائدهم أن الإله بذاته *** على عرشه مع علمه بالغوائب
47. قالأبو عبد الله القرطبي المالكي (671 هـ= في كتابه "الأسنى فيشرح أسماء الله الحسنى": (وأظهر هذه الأقوال ... ما تظاهرت عليه الآي والأخبار أنالله سبحانه على عرشه كما أخبر في كتابه وعلى لسان نبيه بلا كيف، بائن من جميع خلقههذا جملةمذهب السلف الصالحفيما نقل عنهم الثقات.) (57)
وقال في تفسيره: (وقد كان السلف الأول رضي الله عنهم لا يقولون بنفي الجهةولا ينطقون بذلك، بل نَطَقوا هم والكافَّة بإثباتها (58) لله تعالى كما نطق كتابُهوأخبرت رسله. ولم يُنكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة. وخصَّ العرشبذلك لأنه أعظم مخلوقاته، وإنما جَهِلوا كيفية الاستواء فإنه لا تُعلم حقيقته. قالمالك رحمه الله: الاستواء معلوم - يعني في اللغة – والكيف مجهول، والسؤال عن هذابدعة.) (59)
48. قالشمس الدين الذهبي الشافعي (ت 748هـ) في خاتمة كتابه "العلو للعلي الغفار" : (والله فوق عرشه كما أجمععليه الصدر الأول ونقله عنهم الأئمة)
وقال في كتاب العرش له: (الدليل على أنالله تعالى فوق العرش، فوق المخلوقات، مباين لها، ليس بداخل في شيء منها، على أنعلمه في كل مكان. الكتاب، والسنة، وإجماع الصحابة، والتابعين، والأئمة المهديين.) (60)
إعداد: أم عبد اللهالميساوي
أُعِدّ لموقع: عقيدة السلف الصالح
كلمة "لا إله إلا الله"
- {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًاكَلِمَةًطَيِّبَةًك َشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِيالسَّمَاءِ} [إبراهيم : 24]
- كلمة التوحيد والإخلاصالتي دعا إليها النبيُّون كلهم من آدمإلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {وَمَاأَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَإِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء : 25]
- كلمة التقوى، كما جاء عن ابن عباس ـرضي الله عنهما ـ وتلميذه مجاهد في قوله -تعالى- {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} يقول: شهادة أن لا إلهإلا الله. (2)
- كلمةمنكانت آخر كلامهفي الدنيا دخل الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم (من كانآخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) [رواه أبو داودوغيره، وهو حديث حسن]
فضائل «لا إله إلاالله» كثيرة جدا، اقتصرنا على هذه الأمثلة اختصارًا، وقد كُتب عنها كثيرًامن أراد الاستزادة، فليراجع ذلك في مظانَّه.
هذه الكلمة العظيمة -كلمةالتوحيد- يقولها المسلم في صلواته كل يوم، ويسمعها من المؤذن كل يوم مرارًا، لكن هليعرف كثير من الناس معناها وما دلت عليه ؟!
الهدف من هذا المقال هو تبيين المعنىالصحيح لـ«لا إله إلا الله»، حتى يعلم المسلم معنىكلمة التوحيد، فيعمل به ويدعو إليه.
معنى "إله"
قال ابن فارس (395 هـ): الهمزةواللام والهاء أصل واحد، وهو التعبُّد. فالإله الله تعالى، وسمّيَ بذلك لأنّهمعبود. ويقال تألّه الرجُل، إذا تعبّد. (3)
والإله المعبود، وهو الله عز وجل، ثم استعارهالمشركون لما عبدوه (من الأصنام وغيرها) من دون الله تعالى (4)، لاعتقادهم أَن العبادة تَحُقُّ لها. (5)
وبهذا يظهر غلط من زعم أن قول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِإِلَهٌ} [الزخرف : 84] يدل على أن الله في كلمكان، بل معناها أنه سبحانه وتعالى معبود في السماء والأرض.
جملة من أقوال العلماء في تفسير هذه الآية:
- قتادة ( * ) : أي يُعبد فيالسماء، ويُعبد في الأرض. (6)
- ابن جرير الطبري (310هـ) : (يقول تعالى ذكره: والله الذي له الألوهة ( ** ) فيالسماء معبود، وفي الأرض معبود كما هو في السماء معبود، لا شيء سواه تصلح عبادته; يقول تعالى ذكره: فأفردوا لمن هذه صفته العبادة، ولا تشركوا به شيئا غيره.) (7)
- ابن أبي زَمَنِين (399هـ) : هو المُوَحَّدُ في السماء وفي الأرض. (8)
- أبو المظفر السمعاني (489هـ) : أي : معبود في السماء والأرض. (9)
- ابن كثير (774هـ) : وقوله: {وَهُوَاللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْوَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} اختلف مفسرو هذه الآية على أقوال، بعد الاتفاقعلى تخطئة قول الجَهْمِيَّة الأول القائلين بأنه -تعالى عن قولهم علوًا كبيرًا-فيكل مكان؛ حيث حملوا الآية على ذلك، فأصح الأقوال أنه المدعو الله في السموات وفيالأرض، أي: يعبده ويوحده ويقر له بالإلهية من في السموات ومن في الأرض، ويسمونهالله، ويدعونه رَغَبًا ورَهَبًا، إلا من كفر من الجن والإنس، وهذه الآية على هذاالقول كقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌوَفِي الأرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84]، أي: هوإله مَنْ في السماء وإله مَنْ في الأرض. (11)
معنى لا إلهإلا الله
قول بعض أهل العلم في معنى "لا إله إلا الله" :
- ابن جرير الطبري : "فإنه {لا إلهإلا هو} يقول : لا معبود يستحق عليك إخلاص العبادة له إلا الله الذي هو فالقالحب والنوى ، وفالق الإصباح ، وجاعل الليل سكنا ، والشمس والقمر حسبانا." (12)
وقال: "{وأن لا إله إلاهو} يقول: وأيقنوا أيضا أن لا معبود يستحق الألوهة على الخلق إلا الله الذيله الخلق والأمر ، فاخلعوا الأنداد والآلهة ، وأفردوا له العبادة." (13)
- أبو جعفر النحاس (ت. 338هـ) قال: "{أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُاللَّهِ} أي معبود يستحق العبادة {سُبْحَانَ اللَّهِعَمَّا يُشْرِكُونَ} أي تنزيها لله جل وعز مما يعبدونه من دونه." (23)
- أبو المظفر السمعاني (ت. 489هـ) : {إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني} أي : لا أحد يستحق العبادة سواي. (14)
- البيهقي (458هـ) : فمعنى الإله: المعبود، وقول الموحدين: لاإله إلا الله معناه لا معبود غير الله. (15)
- القرطبي (671هـ) : قوله تعالى: {لاإِلَهَ إِلاَّ هُوَ} نفي وإثبات. أولها كفر وآخرها إيمان، ومعناه لا معبودإلا الله. (16)
قال أبو هلال العسكري (بعد 395 هـ) : وأما قول الناس "لا معبود إلا الله" فمعناهأن لا يستحق العبادة إلا الله تعالى. (17)
- ابن كثير (ت. 774هـ): فقوله {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ} إخبار بأنه المتفرد بالإلهيةلجميع الخلائق. (18)
- السيوطي (911هـ) : «اللَّه لَاإلَه» أي لا معبود بحق في الوجود «إلَّا هُوَ». (19)
- البهوتي (1051هـ) : (أي لا معبود بحق إلا ذلك الواحد الحق) (20)
وغيرهمكثير
فبهذا يُعلم أن اعتقاد بعض المسلمين بأن معنى «لاإله إلا الله» أي: لا خالق إلا الله، غلط؛ فإن مشركي العرب وغيرهم كانوامُقرِّين بأن الله وحده الخالق ولكنهم عبدوا الأصنام والملائكة وغيرها، قال الله عزوجل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِوَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّىيُؤْفَكُونَ} [العنكبوت : 61] وغيرها أدلةكثيرة في القرآن الكريم، سنفرد لها مقالا خاصا بها إن شاء الله.
وشهادةأن لا إله إلا الله تتضمن إفراد الله عز وجل بالخلق والملك والتدبير، فالذي يستحقالعبادة هو خالق العباد ومالكهم ومدبر شؤونهم، وقد حجّ الله عز وجل المشركينباعتقادهم بانفراد الله بالخلق والملك والتدبير على إفراده بالعبادة دون آلهتهمالباطلة التي ليس لها شيء من ذلك، وقد كان المشركون يقولون في تلبيتهم «لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَإِلاَّ شَرِيكًاهُوَ لَكَتَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ)» يَقُولُونَهَذَا وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ. (21)
ولوكان هناك إله غير الله مستحق للعبادة لكان مماثلا لله عز وجل، فيكون أيضا خالقاومالكا ومدبرا، وهذا ظاهر الفساد، قال الله عز وجل {مَااتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّإِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّايَصِفُونَ} [المؤمنون : 91]
قالابن جرير الطبريفي تفسير هذه الآية:
(يقول تعالى ذكره: ما لله من ولد، ولا كان معه في القديم، ولا حين ابتدع الأشياء من تصلح عبادته، ولوكان معه في القديم أو عند خلقه الأشياء من تصلح عبادته {مِنْإِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ} يقول: إذن لاعتزل كل إله منهم {بِمَا خَلَقَ} من شيء، فانفرد به، ولتغالبوا، فلعلا بعضهم علىبعض، وغلب القويّ منهم الضعيف؛ لأن القويّ لا يرضى أن يعلوه ضعيف، والضعيف لا يصلحأن يكون إلها، فسبحان الله ما أبلغها من حجة وأوجزها، لمن عقل وتدبر.) (22)
فـ«لا إله إلاالله» تعني: لا معبود بحق إلا الله، أو لا يستحق العبادة إلا الله. والشهادةبذلك تتضمن الشهادة بأنه وحده الخالق المالك المدبر، وأنه لا مثل له ولا نظير، لأنالذي تصلح عبادته هو خالق كل شيء ومدبره ومالكه، ليس كمثله شيء.
التوحيد: أهميته
- هو الغاية من خلق الإنس والجن:
قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات : 56]
- هو أصل دعوة الرسل:
وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء : 25]
- لا يُقبل عمل إلا بالتوحيد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تبارك وتعالى: ”أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ“ [صحيح مسلم]
قال يحيى بن سلَّام (200 هـ) : ({وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} أي: عدلا؛ وهو لا إله إلا الله {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} لا يقبل العمل إلا ممن قال: لا إله إلا الله، مخلصا من قلبه) (1)
- الجنة مُحرمة على من أشرك بالله
قال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة : 72]
- من أشرك حَبِط عمله
وقال سبحانه: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام : 88]
- هو أعظم سبب لمغفرة الذنوب
في الحديث القدسي: ”وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ (2) خَطِيئَةً لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً“ [صحيح مسلم]
وغير ذلك.
التوحيد: لا إله إلا الله
قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُون} [الأنبياء : 25]
قال النبي صلى الله عليه وسلم ”من قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله ، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله.“
في رواية : ”من وحد الله...“ ثم ذكر مثله . [صحيح مسلم]
قال عثمان الدارمي (http://as-salaf.com/article.php?aid=20&lang=ar) (280 هـ) : «وتفسير التوحيد عند الأمة وصوابه قول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له"». (3)
وقال أبو جعفر النحَّاس (338 هـ) : (قوله جل وعز {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات : 35] أي: عن توحيد الله عز وجل.) (4)
وقال أبو عبد الله القرطبي (671 هـ) : (و{قل هو الله أحد} فيها التوحيد كله. وبهذا المعنى وقع البيان في قوله عليه السلام لأُبيٍّ. ”أي آية في القرآن أعظم؟“ قال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}. وإنما كانت أعظم آية لأنها توحيد كلها، كما صار قوله: «أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له» أفضل الذكر، لأنها كلمات حَوَت جميع العلوم في التوحيد.) (5)
وقال ابن كثير (774 هـ) : ({مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ} [يوسف : 38] هذا التوحيد - وهو الإقرار بأنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له) (6)
وقال ابن رجب الحنبلي (795 هـ) : (ولعل من قال: إن المراد بالاستقامة على التوحيد؛ إنما أراد التوحيد الكامل الذي يحرّم صاحبه على النار، وهو تحقيق معنى «لا إله إلا الله» (http://as-salaf.com/article.php?aid=13&lang=ar)فإن الإِله هو المعبود الذي يُطاع فلا يُعصى؛ خشيةً، وإجلالا، ومهابةً، ومحبةً، ورجاءً، وتوكلا، ودعاءً.) (7)
التوحيد: معناه وغايته عبادة الله وحده
- معنى كلمة التوحيد «لا إله إلا الله»كما فسرها أهل العلم (http://as-salaf.com/article.php?aid=13&lang=ar): (لا معبود بحق أو لا مستحق للعبادة إلا الله).
- من القرآن:
قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة : 31]
وقال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة : 5 ، 6]
وغيرها من الآيات
- من السنة:
1. قال البخاري: (باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى) وذكر أحاديث منها:
عن معاذ بن جبل قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ”يَا مُعَاذُ أَتَدْرِى مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ ؟“ قَالَ: اللَّه وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قال: ”أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، أَتَدْرِى مَا حَقُّهُمْ عَلَيْهِ ؟» قَال: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَم. قَال: «أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمْ.“
2. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ:
”إِنَّكَ سَتَأْتِى قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِى كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ...“ الحديث . [صحيح البخاري ومسلم]
وفي رواية: ”... فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ ...“ الحديث. [صحيح البخاري ومسلم]
وفي رواية: ”... فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ ...“ الحديث. [صحيح البخاري]
قال ابن حجر العسقلاني في هذه الروايات الثلاث:
(ويُجمع بينها بأن المراد بعبادة الله توحيده وبتوحيده الشهادة له بذلك ولنبيه بالرسالة، ووقعت البداءة بهما لأنهما أصل الدين الذي لا يصح شيء غيرهما إلا بهما.) (8)
وقال في موضع آخر: (ووجه الجمع بينها أن المراد بالعبادة: التوحيد، والمراد بالتوحيد: الإقرار بالشهادتين، والإشارة بقوله ذلك إلى التوحيد، وقوله: « فإذا عرفوا الله » أي عرفوا توحيد الله، والمراد بالمعرفة الإقرار والطواعية فبذلك يجمع بين هذه الألفاظ المختلفة في القصة الواحدة وبالله التوفيق.) (9)
3. قال البيهقي (458 هـ) : (الباب الأول في توحيد الله في عبادته دون سواه) ثم ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم:
”مَنْ وَحَّدَ اللهَ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ.“ (10) [صحيح مسلم]
من أقوال السلف والعلماء:
قال قَتادة (117 هـ/ تابعي) في قوله تعالى: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} [الزخرف : 28]: (التوحيد والإخلاص، لا يزال في ذريته من يوحد الله ويعبده.) (11)
قال يحيى بن سلَّام (200 هـ) : (فقال: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ} وحدوا الله {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُون} كل من عبد غير الله سبحانه فقد افترى الكذب على الله تعالى لأن الله عز وجل أمر العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا) (12)
قال ابن جرير الطبري (310 هـ) في تفسير قوله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ} [البقرة : 132]: (قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: {ووصى بها}، ووصى بهذه الكلمة. عنى بـ"الكلمة" قوله: {أسلمت لرب العالمين}، وهي "الإسلام" الذي أمر به نبيه صلى الله عليه وسلم، وهو إخلاص العبادة والتوحيد لله، وخضوع القلب والجوارح له.) (13)
قال أبو جعفر النحَّاس (338 هـ) : (روى مَعْمر عن قتادة: قال: {الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [النحل : 60] : لا إله إلا الله.
ورَوى سعيد عن قتادة قال: {الْمَثَلُ الْأَعْلَى}: الإخلاص، والتوحيد.
والمعنيان واحد، أي لله عز وجل التوحيد ونفي كل معبود دونه.) (14)
قال ابن كثير (774 هـ) في تفسيره: (ثم قال تعالى مخبرًا أنه الأحد الصمد، الذي لا إله غيره، فقال: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التغابن : 13] فالأول خَبَرٌ عن التوحيد، ومعناه معنى الطلب، أي: وحدوا الإلهية (17) له، وأخلصوها لديه، وتوكلوا عليه) (18)
وغيرهم كثير، اقتصرنا على هذا القدر للاختصار.
التوحيد: أصل دعوة الرسل أجمعين
جميع الرسل:
قال الله تعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء : 25]
{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل : 36]
{إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} [فصلت : 14 ، 15]
أفرادهم:
نوح عليه السلام:
قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [المؤمنون : 23 ، 24]
إبراهيم عليه السلام
{وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [العنكبوت : 16 ، 17]
هود عليه السلام
{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [الأعراف : 65]
{قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الأعراف : 70]
صالح عليه السلام
{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف : 73]
شعيب عليه السلام
{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف : 85]
يعقوب عليه السلام
{أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة : 133]
عيسى عليه السلام
{وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة : 72 ، 73]
محمد صلى الله عليه وسلم
{قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي} [الزمر : 11 - 14]
من السنة:
عن ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُول: لَمَّا بَعَثَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - مُعَاذًا نَحْوَ الْيَمَنِ قَالَ لَهُ ”إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِى يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ ، فَإِذَا صَلُّوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً فِى أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ غَنِيِّهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فَقِيرِهِمْ ، فَإِذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ“. [صحيح البخاري]
من أقوال السلف والعلماء:
قال قتادة (117 هـ) : (قوله: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} يقول: سبيلا وسُنّة. والسنن مختلفة: للتوراة شريعة، وللإنجيل شريعة، وللقرآن شريعة، يحلُّ الله فيها ما يشاء، ويحرِّم ما يشاء بلاءً، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه. ولكن الدين الواحد الذي لا يقبل غيره: التوحيدُ والإخلاصُ لله، الذي جاءت به الرسل.) (19)
قال ابن جرير الطبري (310 هـ) : (يقول تعالى ذكره: وما أرسلنا يا محمد من قبلك من رسول إلى أمة من الأمم إلا نوحي إليه أنه لا معبود في السماوات والأرض، تصلح العبادة له سواي فاعبدون يقول: فأخلصوا لي العبادة، وأفردوا لي الألوهية.) (20)
قال ابن كثير (774 هـ) : (ثم فسرها بقوله: {أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا} لا وَثَنا، ولا صنما، ولا صليبا ولا طاغوتا، ولا نارًا، ولا شيئًا، بل نُفْرِدُ العبادة لله وحده لا شريك له. وهذه دعوة جميع الرسل)
وقال: (جميع الأنبياء قبله كلهم كانت دعوتهم إلى الإسلام، وأصله عبادة الله وحده لا شريك له.) (21)
وقال: (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن معشر الأنبياء أولاد عَلات ديننا واحد"، يعني: أن المقصود هو عبادة الله وحده لا شريك له بشرائع متنوعة لرسله، كما قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة :48]) (22)
قال الملا علي القاري (1014 هـ) في شرحه للفقه الأكبر (ص49) : (وقد أعرض الإمام عن بحث الوجود اكتفاءً بما هو ظاهر في مقام الشهود؛ ففي التنزيل: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ...} [إبراهيم : 10]، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ...} [العنكبوت : 61]، فوجود الحق ثابت في فطرة الخلق كما يشير إليه قوله سبحانه وتعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم : 30] ، ويومئ إليه حديث «كل مولود يولد على فطرة الإسلام» وإنما جاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لبيان التوحيد وتبيان التفريد، ولذا أطبقت كلمتهم وأجمعت حجتهم على كلمة: لا إله إلا الله، ولم يُؤمَروا بأن يَأمُروا أهل ملتهم بأن يقولوا: الله موجود، بل قصدوا إظهار أن غيره ليس بمعبود ردا لما توهموا وتخيلوا حيث قالوا: {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس : 18] و{ا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر : 3]، على أن التوحيد يفيد الوجود مع مزيد التأييد.)
قد بيّنا فيما سبق (http://as-salaf.com/article.php?aid=21&lang=ar)أن الحكمة التي من أجلها خُلِق الخَلق هي عبادة الله وحده، ونفي كل معبود سواه، وهو التوحيد الذي هو أصل دعوة الرسل أجمعين.
والدعوة إلى توحيد العبادة تتضمن أمورا أخرى هي أيضا من التوحيد، منها الإيمان بكمال بربوبية [1] الله عز وجل، حيث إن الله عز وجل احتجَّ على استحقاقه وحده للعبادة بانفراده بالخلق والملك والتدبير، والآيات في هذا كثيرة جدا في القرآن الكريم، منها قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر : 3]
وقوله: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الأنعام : 102]
وبيّن الله فساد القول بوجود إله آخر بإبطال القول بوجود خالق آخر، فقال:
{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء : 22] لأنه لو كان هناك إله آخر مستحق للعبادة لكان مشارك لله في الخلق و{لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُون} [المؤمنون : 91]
وغير ذلك آيات كثيرة سنفرد لها مقالا إن شاء الله تعالى.
فاعتقاد استحقاق الله وحده للعبادة يتضمن اعتقاد وجود الله عز وجل وأنه وحده الرب الخالق، فلو لم يعتقد ذلك لما عَبَدَ الله لعدم إيمانه بوجوده أصلا.
واعتقاد انفراده بالربوبية يستلزم اعتقاد أن الله واحد لا مثل له، فكما أنه لا خالق غيره فإنه لا إله غيره، وعلى هذا فما سواه مخلوق مربوب، وهو واحد لا شريك له.
فبَيْن كل هذه الأمور تلازم.
ولما كان مشركو العرب مقرين بأصل ربوبية الله عز وجل، بأنه هو الخالق المالك الرازق المدبر، احتجَّ الله تعالى عليهم بإقرارهم بتلك الأمور وأنه يلزمهم أن يفردوه بالعبادة، ومن أدلة كون مشركي العرب مقرين بربوبية الله في الجملة قوله تعالى:
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [العنكبوت : 61]
وفي الحديث: ”كان المشركون يقولون في تلبيتهم «لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ إِلاَّ شَرِيكًا هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ» يَقُولُونَ هَذَا وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ.“ [صحيح مسلم]
قال قتادة (تابعي) : «قوله: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} في إيمانهم هذا. إنك لست تلقى أحدًا منهم إلا أنبأك أن الله ربه، وهو الذي خلقه ورزقه ، وهو مشرك في عبادته» (2)
قال ابن جرير الطبري (310 هـ) : (وذلك أن الله جلّ ثناؤه وبَّخ هؤلاء المشركين، الذين يجعلون له من خلقه آلهة يعبدونها، وأشركوهم في عبادتهم إياه، وهم مع ذلك يقرّون بأنها خَلْقُه وهم عبيده) (3)
ومع إقرار المشركين العرب بأصل الربوبية لله عز وجل، من الخلق والملك والرزق وغيرها، فإنهم كانوا يشركون في بعض أفراد صفات الربوبية كاعتقادهم تأثير بعض الأنواء بكونها منزلةً للمطر أو سبباً لنزوله، واعتقادهم النفع والضر في أصنامهم، وغير ذلك.
ولكن إقرارهم جملةً بربوبية الله عز وجل وأنه خالق كل شيء ومالكه ومن ضمنها الآلهة التي كانوا يعبدونها، كان حُجّة عليهم في عبادة الله وحده من دونها، فربُّ العالمين الذي خلق وملك كل ما يعبدونه من دون الله هو الأحق بالعبادة، فكيف يُعبد من هو مخلوق مملوك مربوب مع الخالق المالك لها؟
ولهذا حجَّ الله المشركين بكونه الخالق والمالك لكل شيء بما في ذلك الأصنام والآلهة الأخرى، على استحقاقه وحده للعبادة من دونها.
قال الله تعالى: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد : 16]
معنى الآية هو أنهم لم يتخذوا لله شركاء خالقين مثله حتى يتشابه عليهم الخلق فيقولوا: "هؤلاء خلقوا كما خلق الله فاستحقوا العبادة كما استحقها"، ولكنهم اتخذوا شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه الخلق فضلا عما يقدر عليه الخالق.
قال ابن جرير الطبري (310 هـ) : (وقوله: {قل الله خالق كل شيء}، يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المشركين إذا أقرُّوا لك أن أوثانهم التي أشركوها في عبادة الله لا تخلق شيئًا: فاللهُ خالقكم وخالق أوثانكم، وخالق كل شيء، فما وجهُ إشراكِكم ما لا تَخلُقُ ولا تَضرُّ ؟ ) (4)
قال ابن كثير (774 هـ) : (إنما عبد هؤلاء المشركون معه آلهة هم يعترفون أنها مخلوقة له عبيد له، كما كانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك. وكما أخبر تعالى عنهم في قوله: { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] فأنكر تعالى ذلك عليهم، حيث اعتقدوا ذلك، وهو تعالى لا يشفع عنده أحدإلا بإذنه، {وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 23]، {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: 26] وقال: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: 93 -95] فإذا كان الجميع عبيدا، فلم يعبد بعضهم بعضا بلا دليل ولا برهان، بل بمجرد الرأي والاختراع والابتداع؟ ثم قد أرسل رسله من أولهم إلى آخرهم تزجرهم عن ذلك، وتنهاهم عن عبادة من سوى الله، فكذبوهم وخالفوهم، فحقت عليهم كلمة العذاب لا محالة) (5)
وقال سبحانه بعد ذكره لعجائب خلقه وتدبيره: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل : 17-18]
قال ابن جرير الطبري: (يقول تعالى ذكره لعَبَدةِ الأوثان والأصنام: أفمن يخلقُ هذه الخلائق العجيبة، التي عدَّدناها عليكم، ويُنْعِمُ عليكم هذه النَّعم العظيمة، كمن لا يخلق شيئا، ولا يُنعِمُ عليكم نعمة صغيرةً ولا كبيرةً. يقول: أتُشركون هذا في عبادة هذا؟) ثم قال: (قال لهم جلَّ ثناؤه مُوَبَّخَّهم: {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} أيها الناس. يقول: أفلا تذكرون نِعمَ الله عليكم، وعظيم سُلطانه وقدرته على ما شاء، وعجز أوثانكم وضعفَها ومهانتَها، وأنها لا تجلُبُ إلى نفسها نفعًا، ولا تَدفعُ عنها ضُرًّا، فتعرفوا بذلك خطأ ما أنتم عليه مُقيمون، من عبادِتكُموها، وإقرارِكم لها بالألُوهة.) [6]
وقد حَجَّ موسى عليه السلام فرعون بذلك، فقال الله عز وجل حاكيًا ما حصل بين موسى عليه السلام وفرعون، عندما دعاهم موسى عليه السلام لعبادة رب العالمين: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء : 23 - 29]
كان فرعون طاغية في غاية الاستكبار حتى إنه ادَّعى الربوبية ، واسْتَخَفَّ عقول قومه فدعاهم إلى الضلالة، فأطاعوه وكذَّبوا موسى، واستضعف بني إسرائيل واستعبدهم ، حتى لم يجرؤوا على إنكار دعواه أو إظهار ما يخالفها إذ كان عقاب من يفعل ذلك التعذيب المريع، والقتل الشنيع فنشأة ناشئتهم على هذه الدعوى الباطلة ما بين معتقد لها مصدق بها ومنكر في نفسه غير قادر على الجهر بالحق. فلما دعاهم موسى عليه السلام إلى عبادة الله وحده، إلى عبادة رب العالمين، ربهم ورب آبائهم، قال فرعون لقومه إن موسى الذي يدَّعي الرسالة مجنون، لأنه يقول ما لا يعرفونه ويعقلونه، فقد كان قوم فرعون الأقباط قد نشأوا على أن ملكهم فرعون هو ربهم، وكان آباؤهم الذين مضوا معتقدين ملوكهم أربابا، وكانوا يرون أن الذي لا يعتقد ما يعتقدون ليس بعاقل (7). فأجاب موسى عليه السلام مبيِّنّا مَن ربُّ العالمين بصفاته التي لا يتصف بها سواه: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} و{رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعلقون} أي خالق ومالك السموات والأرض وما بينهما، وخالق ومالك المشرق والمغرب وما بينهما.(8) وفي آية أخرى لمَّا قال فرعون فيما حكاه الله عنه: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى* قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه : 49 - 50]
قال ابن جرير الطبري: (فلما أخبرَهم عليه السلام بالأمر الذي علِموا أنه الحق الواضح، إذ كان فرعون ومن قبله من ملوك مصر، لم يُجاوز مُلكُهم عريش مصر، وتبَيَّن لفرعون ولمن حوله من قومه أن الذي يدعوهم موسى إلى عبادته، هو الملِكُ الذي يَمْلِكُ الملوك – قال فرعون حينئذ؛ استكبارًا عن الحق وتماديًا في الغيَّ لموسى: {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}) (9)
فكل من ادعّى الربوبية واستعبد بها الناس، كان مَحْجُوجًا بِنَقصِ ربوبيته ومطلق ربوبية الله عز وجل، وأنه رب كل شيء وخالقه، بما في ذلك مُدَّعي الربوبية، فاستحق بذلك العبادة من دونهم.
وإضافة إلى ذلك، فإن في نفس تلك الآيات التي حَجَّ الله فيها المشركين، أدلة على وجود الله عز وجل، بذكر انتظام سير الكون وابداع الخلق وغير ذلك، فهي حُجّة على الدَّهرية (10) وكل من يُنكر وجود الله عز وجل وخالقيته. ولعلنا نفرد مقالا لذلك إن يسر الله.
فمن تأمل وتدبر كلام الله وجد أن كل هذه الأمور مرتبطة بعضها ببعض.
وقد اجتمع كل ما ذكرناه مما يتمضنه التوحيد في آية واحدة:
في آية الكرسي: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة : 255]
هذه أعظم آية في كتاب الله عز وجل، تشتمل على ربوبية الله ووحدانيته وعلى أسماء الله وصفاته، جمع الله فيها بين النفي والإثبات: نفي النقائص والعيوب عنه، وإثبات الكمال له سبحانه وتعالى.
سنقتصر على ذكر بعض أجزاءه التي فيها ذكر لكل ما يتضمنه توحيد الله عز وجل:
فتوحيد العبادة في قوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} أي: لا معبود بحق إلا هو.
والربوبية في قوله تعالى {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} فهو مالك السماوات والأرض وما فيهن.
والأسماء والصفات في قوله {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} وقوله {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}
واجتمع التوحيد كله أيضا في قوله تعالى: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) [مريم : 65]
الربوبية: {رب السماوات والأرض وما بينهما}
العبودية: {فاعبده واصطبر لعبادته}
في أسمائه وصفاته {هل تعلم له سميًّا} سميًّا: أي مثلا أو شبيها.
واجتمعت في سورة الفاتحة:
قوله تعالى {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}: إثبات ربوبيته لكل الخلق.
وقوله {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}: ذكر لأسمائه وصفاته.
وقوله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}: توحيده في العبادة.
وفي سورة الناس:
الربوبية في قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}
والصفات في قوله {مَلِكِ النَّاسِ}
والألوهية/ العبودية في قوله {إِلَه (11) النَّاسِ}
وغير ذلك من الآيات والسور.
أما في السنة فقد اجتمعت في امتحان النبي صلى الله عليه وسلم لعدد من الجواري، فقد حصلت عدة أحداث احتيج فيها لاعتاق رقبة مؤمنة، فتنوعت أسئلته للجواري، ومن تلك الأسئلة:
1. «تشهدين أن لا إله إلا الله ؟»:
عَنْ عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود:
أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَارِيَةٍ لَهُ سَوْدَاءَ فَقَال: "يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَلَيَّ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً. فَإِنْ كُنْتَ تَرَاهَا مُؤْمِنَةً أُعْتِقُهَا.
فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: ”أَتَشْهَدِينَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟“ قَالَت: "نَعَمْ."
قَالَ: ”أفَتَشْهَدِينَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟“ قَالَتْ: "نَعَمْ"
قَالَ: ”أَتُوقِنِينَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْت؟“ قَالَتْ: "نَعَمْ."
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ”أَعْتِقْهَا“ (12)
2. « من ربك؟ »
عن الشَّرِيد (بن سويد الثقفي رضي الله عنه) :
أَنَّ أُمَّهُ أَوْصَتْ أَنْ يُعْتِقَ عَنْهَا رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِك،َ فَقَال: "عِنْدِي جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ ْ نُوبِيَّةٌ، فَأَعْتِقُهَا؟ "
فَقَالَ: ”ائْتِ بِهَا“ فَدَعَوْتُهَا، فَجَاءَتْ،
فَقَالَ لَهَا: ”مَنْ رَبُّكِ؟“ قَالَتْ: "اللَّهُ"
قَالَ: (مَنْ أَنَا؟) فَقَالَتْ: "أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ."
قَال:َ ”أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ“ [مسند الإمام أحمد] (13)
3. « أين الله؟ »:
عن معاوية بن الحكم رضي الله عنه قال:
وَكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّيبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أُعْتِقُهَا؟»
قَالَ: ”ائْتِنِي بِهَا“ فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ لَهَا: ”أَيْنَ اللَّهُ“، قَالَتْ: «فِي السَّمَاءِ.»
قَالَ: ”مَنْ أَنَا“ قَالَتْ: «أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ.»
قَالَ: ”أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ“ [صحيح مسلم]
فالأول سؤال عن اعتقاد الجارية في وحدانية الله في العبادة.
والثاني سؤال عن ربها.
والثالث سؤال في صفة من صفات الله عز وجل، وهي علوه فوق خلقه.
فالله:
واحد لا رب سواه
واحد لا إله غيره
واحد لا مثل له
وما ذكرناه قد ذكره بعض السلف والأئمة من بعدهم في كلامهم في التوحيد، منهم:
قال البخاري (256 هـ) في صحيحه:
(بَاب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى)
فذكر فيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ”يَا مُعَاذُ أَتَدْرِى مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ؟ “ قَالَ: «اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ» قال: «أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا».ا.هـ وهذا توحيد الله في العبادة.
وذكر الحديث: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِـ{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال:َ”سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِك“َ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: «لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا» فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ”أخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ.“ وهذه في الربوبية والأسماء والصفات، كما هو بَيّن في معنى سورة الإخلاص، وكونه صفة الرحمن، الله عز وجل.
قال محمد بن نصر المروزي (294 هـ) :
«الحمد لله الممتن على عباده المؤمنين بما دَلّهم عليه من معرفته، وشرح صدورهم للإيمان به، والإخلاص بالتوحيد لربوبيته، وخلع كل معبود سواه)
وقال في موضع آخر عند حديثه عن الإسلام والإيمان:
(إلا أن له أصلا وفرعًا فأصله الإقرار بالقلب عن المعرفة، وهو الخضوع لله بالعبودية، والخضوع له بالربوبية، وكذلك خضوع اللسان بالإقرار بالإلهية بالإخلاص له من القلب، واللسان، أنه واحد لا شريك له، ثم فروع هذين الخضوع له بأداء الفرائض كلها) (14)
قال ابن جرير الطبري (310 هـ) : (يقول: فاعبدوا ربكم الذي هذه صفته، وأخلصوا له العبادة ، وأفردوا له الألوهية والربوبية، بالذلة منكم له ، دون أوثانكم وسائر ما تشركون معه في العبادة) (15)
وقال: (وأما قوله: {لا إله إلا هو}، فإنه خبرٌ منه تعالى ذكره أنه لا رب للعالمين غيرُه، ولا يستوجبُ على العبادِ العبادةَ سواه) (16)
قال أبو جعفر الطحاوي (321 هـ) في عقيدته المشهورة بالعقيدة الطحاوية:
(نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله : إن الله واحد لا شريك له،
ولا شيء مثله ، [في الصفات]
ولا شيء يعجزه ، [الربوبية]
ولا إله غيره .) [الألوهية وهي العبودية]
قال أبو منصور الأزهري (370 هـ) :
("الواحد" في صفة الله تعالى له معنيان:
أحدهما: أنه واحد لا نظير له وليس كمثله شيء، والعرب يقول فلان واحد قومه، إذا لم يكن له نظير.
والمعنى الثاني: أنه إله واحد ورب واحد ليس له في ألوهيته وربوبيته شريك.) (17)
قال ابن بطة العكبري (387 هـ) :
(وذلك أن أصل الايمان بالله الذي يجب على الخلق اعتقاده في إثبات الايمان به ثلاثة أشياء:
أحدها: أن يعتقد العبد آنيته (18) ليكون بذلك مباينا لمذهب أهل التعطيل الذين لا يثبتون صانعا.
والثاني:أن يعتقد وحدانيته؛ ليكون مباينا بذلك مذاهب أهل الشرك الذين أقروا بالصانع وأشركوا معه في العبادة غيره.
والثالث: أن يعتقده موصوفا بالصفات التي لا يجوز إلا أن يكون موصوفا بها من العلم والقدرة والحكمة وسائر ما وصف به نفسه في كتابه؛ إذ قد علمنا أن كثيرا ممن يقربه ويوحده بالقول المطلق قد يلحد في صفاته؛ فيكون إلحاده في صفاته قادحا في توحيده.
ولأنا نجد الله تعالى قد خاطب عباده بدعائهم إلى اعتقاد كل واحدة في هذه الثلاث والايمان بها.) (19)
قال أبو بكر الباقلاني (403 هـ) :
(والتوحيد له هو: الإقرار بأنه ثابت موجود: وإله واحد فرد معبود ليس كمثله شيء.)
وقال في موضع آخر: (وكذلك قولنا أحد، وفرد وجود ذلك إنما نريد به أنه لا شبيه له ولا نظير، ونريد بذلك أن ليس معه من يستحق الإلهية سواه، وقد قال تعالى: {إنما اللّه إله واحد} ومعناه: لا إله إلا الله.) (20)
وغيرهم. اقتصرنا على من ذكرناهم اختصارًا.
http://as-salaf.com/category.php?cid=11&lang=ar (http://as-salaf.com/category.php?cid=11&lang=ar)
الآية:
قال الله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ } الآية [الملك: 16-17]
حديث الجارية:
عن معاوية بن الحكم قال: وَكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّيبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أُعْتِقُهَا؟»
قَالَ: ”ائْتِنِي بِهَا“ فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ لَهَا: ”أَيْنَ اللَّهُ“، قَالَتْ: «فِي السَّمَاءِ.»
قَالَ: ”مَنْ أَنَا“ قَالَتْ: «أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ.»
قَالَ: ”أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ“ [صحيح مسلم]
اتفق أئمة المسلمين على أن كلمة «في السماء» في الآية وحديث الجارية ليست بمعنى داخل السماء، فتعالى سبحانه أن يكون حالَ في شيءٍ من المخلوقات أو أنها تحَويِه، فهذا معنى باطل قد أجمع أئمة السلف على خِلافِه، وفسروها بما يوافق اللغة، والنصوص الشرعية الكثيرة، والعقل، والفطرة.
ففسر أهل العلم "السماء" بالعرش، لأن معنى السماء في اللغة هو سقف الشيء، والعرش سقف المخلوقات، فهو فوق المخلوقات كلها، وكل المخلوقات تحته.
قال الزجاج (311 هـ) : (السماء في اللغة: يقال لكل ما ارتفع وعلا قد سَمَا يَسمُو، وكل سقف فهو سماء، ومن هذا قيل للسحاب: السَّماءُ، لأنها عالية.) [1]
وقال ابن فارس (395 هـ) : (والسماء: سقف البيت. وكلُّ عالٍ مطلٍّ سماء، حتَّى يقال لظهر الفرس سَماء) [2]
وفُسِّرت «في» بـ«على» :
قال أبو بكر أحمد الصبغي (342 هـ) : (قد تضع العرب «في» بموضع «على» قال الله عز وجل: {فسيحوا في الأرض}، وقال {لأصلبنكم في جذوع النخل} ومعناه: على الأرض وعلى النخل ، فكذلك قوله: {في السماء} أي على العرش فوق السماء، كما صحت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم) [3]
قال الحارث المحاسبي (ت 243 هـ) في معناها: (يعني فوق العرش، والعرش على السماء لأن من كان فوق شيء على السماء فهو في السماء) [4]
قال أبو بكر البيهقي (458هـ) : (وقال {أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} وأراد من فوق السماء ، كما قال {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه : 71] يعني على جذوع النخل ، وقال {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} [التوبة : 2] يعني على الأرض ، وكل ما علا فهو سماء ، والعرش أعلى السماوات ، فمعنى الآية والله أعلم: أأمنتم من على العرش ، كما صرح به في سائر الآيات) [5]
فمعنى «في السماء» في الآية وحديث الجارية: فوق السماء على العرش.
المقصود بـ"مَن" في الآية: هو الله -عز وجل-:
- جواب الجارية على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم ”أين الله؟“ بـ: «في السماء»، فشهد لها بالإيمان.
- قال محمد بن يزيد المبرد (286 هـ) : (والسؤال عن كل ما يعقل بـ"مَن" كما قال عز وجل: {أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض}. فـ"مَن" لله عز وجل) (6)
- قال ابن جرير الطبري (310 هـ) : {أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} وهو الله. (7)
- قال ابن أبي زَمَنِين (399هـ) : {من في السماء} يعني نفسه. (8)
- قال أبو المظفر السمعاني (489 هـ) في تفسير الآية: أأمنتم ربكم. (9)
قال الله تعالى:
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}
ما هو التشبيه وما حكمه
إعداد: أم عبد الله الميساوي
أُعِدّ لموقع: عقيدة السلف الصالح (http://www.as-salaf.com/)
مقدمة:
مر معنا فيمقدمة عقيدة السلف في صفات الله عز وجل (http://as-salaf.com/article.php?aid=8&lang=ar) أن الأسس التي تقوم عليها عقيـدة الإسلام في الصفات هي:
- إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله من الصفات والإيمان بها
- تنزيهالله عن مماثلة المخلوقات
- عدم الخوض في كيفية صفات الله
وهذا المقال سيتحدثعن الأساس الثاني وهو تنزيه الله عن مماثلة المخلوقات، وعدم تشبيه ذاته وصفاتهبذوات المخلوقين وصفاتهم.
تعريفالتشبيه:
في اللغة: الشِّبْهُ والشَّبَهُ والشَّبِيهُ: المِثْلُ، والجمعأَشْباهٌ، وأَشْبَه الشيءُ الشيءَ: مَاثَله.(1) فالتشبيه: التمثيل.(2)
وشَبَّه: إذا ساوَى بين شيءٍ وشيء. (3)
قالأبو القاسم إسماعيلالأصبهاني (ت. 535 هـ) : «وأما التشبيه: فهو مصدر شبّهيشبّه تشبيها، يُقال: شبهت الشيء بالشيء أ مثلته به، وقسته عليه، إما بذاته أوبصفاته، أو بأفعاله.» (4)
الأدلة علىتنزيه الله عن التشبيه والتمثيل:
{لَيْسَكَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى : 11]
قالأبو جعفرالنَّحّاس (ت. 338 هـ) عن الكاف في "كمثله" : «الكافزائدة للتوكيد.» (5)
قالأبو منصور معمر بن أحمدالأصبهاني (ت. 418 هـ) : «فـ{ليسكمثله شيء} ينفي كل تشبيه وتمثيل، {وهو السميعالبصير} ينفي كل تعطيل وتأول. فهذا مذهب أهل السنة والجماعة والأثر» (6)
{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَافَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِهَلْ تَعْلَمُ لَهُسَمِيًّا} [مريم : 65]
سميًّا: أيمثلا أو شبيها
{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص : 4]
أي ليس له كفء ولامثل.
التشبيه في صفاتالله
أولا: التشبيه في صفات الله عز وجل يكون بتشبيه صفات لله بصفاتالمخلوق: كأن يعتقد المسلم أو يقول: حياة الله مثل حياة المخلوقين، أو كلامالله مثل كلام البشر، أو وجه الله كوجه المخلوقين .. إلخ. فيكون نفي التشبيهوالتمثيل (أي التنزيه) باعتقاد أن صفات الله عز وجل ليست كصفات المخلوقين، وأنهاعلى صفة تليق بجلال الله وكماله لا نعلمها، وعلينا الإيمان والتسليم.
- قالإسحاق بن راهويه (ت. 238 هـ) : «إنما يكون التشبيه إذا قال يد كيد أو مثل يد أو سمع كسمع أو مثلسمع. فإذا قال سمع كسمع أو مثل سمع فهذا التشبيه وأما إذا قال كما قال الله تعالىيد وسمع وبصر ولا يقول كيف ولا يقول مثل سمع ولا كسمع فهذا لا يكون تشبيها وهو كماقال الله تعالى فى كتابه: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَالسَّمِيعُ الْبَصِيرُ } » (7)
- قالخُشَيْش بن أصرم (ت. 253 هـ) في "الاستقامة" : «وأنكر جهم أن يكون لله سمع وبصر، وقد أخبرنا الله عز وجل في كتابه،ووصف نفسه في كتابه، قال الله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌوَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى : 11]، ثم أخبر عن خلقه، فقال عز وجل {فَجَعَلْنَاهُسَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان : 2]. فهذه صفةمن صفات الله أخبرنا أنها في خلقه، غير أنَّا لا نقول: إن سمعه كسمع الآدميين، ولابصره كأبصارهم ...) ثم ذكر أدلة على أن الله يسمع ويرى، إضافة إلى صفات أخرى، ثمقال: (فقد وصف الله من نفسه أشياء جعلها في خلقه والذي يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وإنما أوجب الله على المؤمنيناتباع كتابه وسنة رسوله.» (8)
- قالعثمانالدارمي (ت. 280 هـ) في رده على بِشر المريسي المعتزلي:
«وادعى المعارض أيضا أن المقري حدَّث عن حرملة بن عمران عن أبي موسىيونس عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي –صلى الله عليه وسلم أنه قرأ: {سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء : 58] فوضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه (9). وقد عرفنا هذا من روايةالمقري وغيره كما روى المعارض، غير أنه ادعى أن بعض كتبة الحديث ثبتوا به بصرًابعين كعين وسمعًا كسمع جارحًا مركبًا.
فيقال لهذا المعارض: أما دعواك عليهمأنهم ثبتوا له سمعا وبصرا، فقد صدقت. وأما دعواك عليهم أنه كعينٍ وكسمعٍ فإنه كذبادعيت عليهم؛ لأنه ليس كمثله شيء، ولا كصفاته صفة.
وأما دعواك أنهم يقولون: "جارح مركب" فهذا كفر لا يقوله أحد من المسلمين، ولكنا نثبت له السمع والبصر والعينبلا تكييف، كما أثبته لنفسه فيما أنزل من كتابه، وأثبته له الرسول –صلى الله عليهوسلم-، وهذا الذي تكرره مرة بعد مرة: جارح وعضو وما أشبهه، حشو وخرافات، وتشنيع لايقوله أحد من العالمين: وقد روينا روايات السمع والبصر والعين في صدر هذا الكتاببأسانيدها وألفاظها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فنقول كما قال، ونعني بهاكما عنى والتكييف عنا مرفوع، وذكر الجوارح والأعضاء تكلف منك وتشنيع.» (10)
- قالأبو إسحاق إبراهيم بن شاقلا الحنبلي (ت. 369هـ) لأبي سليمان الدمشقي – أحد أتباع ابن كُلاب- في مناظرة بينهما عندما قالله أبو سليمان: "أنتم المشبهة"، قال ابن شاقلا: (حاشا لله، المُشبِّه الذي يقول: وجهٌ كوجهِي، ويَدٌ كَيَدِي، فأما نحن فنقول: له وجهه، كما أثبت لنفسه وجهًا، ولهيدٌ، كما أثبتَ لنفسه يَداً، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَالسَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى : 11] ومنقال هذا فقد سَلِم.) (11)
- قالأبو عثمان الصابوني الشافعي (ت. 449 هـ) : (ولا يعتقدون تشبيها لصفاته بصفات خلقه، فيقولون: إنه خلق آدمبيديه، كما نص سبحانه عليه في قوله –عز من قائل- {قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } [ص : 75]. ولا يحرفون الكلام عن مواضعه، بحمل اليدين علىالنعمتين، أو القوتين؛ تحريف المعتزلة والجهمية – أهلكهم الله-، ولا يكيفونهمابكيف، أو يشبهونهما بأيدي المخلوقين، تشبيه المشبهة –خذلهم الله-.) (12)
- قالابن البنا الحنبلي (ت. 471 هـ) : (وأما المشبهةوالمجسمة فهم الذين يجعلون صفات الله -عز وجل- مثل صفات المخلوقين، وهم كفار.) (13)
- قال الحافظالذهبي (ت. 748) : (ليس يلزم منإثبات صفاته شيء من إثبات التشبيه والتجسيم، فإن التشبيه إنما يقال: يدٌ كيدنا ... وأما إذا قيل: يد لا تشبه الأيدي، كما أنّ ذاته لا تشبه الذوات، وسمعه لا يشبهالأسماع، وبصره لا يشبه الأبصار ولا فرق بين الجمع، فإن ذلك تنزيه.) (14)
- قالابن الوزير (ت. 840 هـ) : (وكذلك كل صفة يوصف بها الربسبحانه ويوصف بها العبد، وان الرب يوصف بها على أتم الوصف مجردة عن جميع النقائص،والعبد يوصف بها محفوفة بالنقص، وبهذا فسر أهل السنة نفي التشبيه، ولم يفسروه بنفيالصفات وتعطيلها كما صنعت الباطنية الملاحدة.) (15)
ثانيا: التشبيه والتمثيل يكون فيكيفيّة وحقيقة الصفة، أي كيف هي على الحقيقة، وليس في معنى الصفة. والخوض فيالكيفية تشبيه، فالإنسان يصف الشيء على ما يشاهده، والله {ليسكمثله شيء وهو السميع البصير}.
- قالعبد الرحمنبن مهدي (ت. 198 هـ) لِفَتى من ولد جعفر بن سليمان: «مكانك»
فقعد حتىتفرق الناس. ثم قال ابن مهدي: «تعرف ما في هذه الكورة من الأهواء والاختلاف، وكلذلك يجري مني على بالٍ رَضِي إلا أمرُك وما بلغني، فإن الأمر لا يزال هَيِّنًا مالم يصر إليكم، يعني السلطان، فإذا صار إليكم جلَّ وعَظُم.»
فقال (الغلام) : "ياأبا سعيد وما ذاك؟ "
قال: « بلغني أنكتتكلم في الرب تباركوتعالى وتصفه وتشبهه. »
فقال الغلام: "نعم". فأخذ يتكلم فيالصفة.
فقال: «رُويدك يا بُني حتى نتكلم أول شيء في المخلوق، فإذا عجزنا عنالمخلوقات فنحن عن الخالق اعجز واعجز. أخبرني عن حديث حدثنيه شعبة عن الشيباني قال: سمعت زرًا قال: قال عبد الله في قوله: {لَقَدْ رَأَى مِنْآيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم : 18]
قال: رأى جبريل له ستمائة جناح؟ قال: نعم. فعرف الحديث.
فقال عبدالرحمن: «صِف لي خلقًا من خلق الله له ستمائة جناح.» فبقي الغلام ينظرإليه.
فقال عبد الرحمن: «يا بُني فإني أُهوِّن عليك المسألة، واضع عنك خمس مائةوسبعة وتسعين (جناحًا)، صِف لي خلقا بثلاثة أجنحة، ركب الجناح الثالث منه موضعًاغير الموضعين اللذين ركبهما الله حتى أعلم»
فقال (الغلام) : "يا أبا سعيد، نحنقد عجزنا عن صفة المخلوق ونحن عن صفة الخالق أعجز وأعجز، فأشهدك إني قد رجعت عن ذلكواستغفر الله." (16)
قالابن عبد البر المالكي (ت. 463هـ) : (ومُحالٌ أن يكون مَن قال عن اللهِ ما هو في كتابه منصوصٌ مُشبهًا إذالم يُكيّف شيئا، وأقرّ أنه ليس كمثله شيء.) (40)
قالالحسينالبغوي الشافعي (ت. 510 هـ) في صفات الله عز وجل : (وكذلك كل ما جاء من هذاالقبيل في الكتاب أو السنة كاليد والإصبع ، والعين والمجيء ، والإتيان، فالإيمانبها فرض، والامتناع عن الخوض فيها واجب، فالمهتدي من سلك فيها طريق التسليم ،والخائض فيها زائغ ، والمنكر معطل،والمُكيِّف مشبه،تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا {لَيْسَ كَمِثْلِهِشَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}) (17)
ثالثًا: الكلام في الصفات فرعٌ عنالكلام في الذات،فكما لم يلزم التشبيه في إثبات الذات، لم يلزم التشبيه فيإثبات الصفات.
قالأبو القاسم إسماعيل الأصبهانيالشافعي (ت. 535 هـ) بعد ذكر مجموعة من الآيات والأحاديث في صفات الله عزوجل : (فهذا وأمثاله مما صح نقله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن مذهبنا فيهومذهب السلف إثباته وإجراؤه على ظاهره، ونفي الكيفية والتشبيه عنه .... والأصل فيهذا أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، وإثبات الله تعالى إنما هو إثباتوجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فإذاقلنا يد، وسمع، وبصر، ونحوها، فإنما هي صفات أثبتها الله لنفسه ولم يقل: معنى اليد: القوة، ولا معنى السمع والبصر: العلم والإدراك. ولا نشبهها بالأيدي والأسماعوالأبصار، ونقول إنما وجب إثباتها لأن الشرع ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها لقولهتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُالْبَصِيرُ}، كذلك قال علماء السلف في أخبار الصفات: أمروها كما جـاءت (http://as-salaf.com/article.php?aid=68&lang=ar).) (18)
رابعا: الاشتراك في مطلق الاسم لا يقتضي التشبيهوالتمثيل:
- قالعثمان الدارمي (ت. 280هـ) في رده على بِشر المريسي المعتزلي:
« إنمانصفه بالأسماء لا بالتكييف ولا بالتشبيه، كما يقال: إنه ملك كريم، عليم، حكيم،حليم، رحيم، لطيف، مؤمن، عزيز، جبار، متكبر. وقد يجوز أن يدعى البشر ببعض هذهالأسماء، وإن كانت مخالفة لصفاتهم. فالأسماء فيها متفقة، والتشبيه والكيفية مفترقة،كما يقال: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء، يعني في الشبه والطعم والذوقوالمنظر واللون. فإذا كان كذلك فالله أبعد من الشبه وأبعد. فإن كنا مشبهة عندك أنوحدنا الله إلهًا واحدًا بصفات أخذناها عنه وعن كتابه، فوصفناه بما وصف به نفسه فيكتابه، فالله في دعواكم أول المشبهين بنفسه، ثم رسوله الذي أنبأنا ذلك عنه. فلاتظلموا أنفسكم ولا تكابروا العلم؛ إذ جهلتموه فإن التسمية في التشبيهبعيدة.» (19)
- قالابن خزيمة الشافعي (ت. 311هـ) : (نحن نقول: إن الله سميع بصير كما أعلمنا خالقنا وبارؤنا، ونقول: منله سمع وبصر من بني آدم فهو سميع بصير، ولا نقول أن هذا تشبيه المخلوق بالخالق.) (20)
وقـال: (ولو لزم - يا ذوى الحجا- أهل السنة والآثار إذا أثبتوا لمعبودهميدين كما ثبتهما الله لنفسه، وثبتوا له نفسا -عز ربنا وجل-، وأنه سميع بصير، يسمعويرى، ما ادعى هؤلاء الجهلة عليهم أنهم مشبهة، للزم كل من سمى الله ملكًا، أوعظيمًا ورؤوفًا، ورحيمًا، وجبارًا، ومتكبرًا، أنه قد شبه خالقه -عز وجل- بخلقه، حاشلله أن يكون من وصف الله جل وعلا، بما وصف الله به نفسه، في كتابه، أو على لساننبيه المصطفى –صلى الله عليه وسلم- مشبها خالقه بخلقه.) (21)
- قالأبو عمر الطلمنكي المالكي الأندلسي (ت. 429 هـ) في كتاب "الوصول إلى معرفة الأصول" : (قال قوم من المعتزلة والجهمية: لا يجوز أن يسمى اللهعز وجل بهذه الإسماء على الحقيقة ويسمى بها المخلوق. فنفوا عن الله الحقائق منأسمائه، وأثبتوها لخلقه، فإذا سُئلوا ما حملهم على هذا الزيغ؟ قالوا: الإجتماع فيالتسمية يوجب التشبيه.
قلنا: هذا خروج عن اللغة التي خوطبنا بها لأن المعقول فياللغة أن الإشتباه في اللغة لا تحصل بالتسمية، وإنما تشبيهالأشياء بأنفسها أو بهيئات فيهاكالبياض بالبياض، والسواد بالسواد، والطويلبالطويل، والقصير بالقصير، ولو كانت الأسماء توجب إشتباها لاشتبهت الأشياء كلهالشمول إسم الشيء لها، وعموم تسمية الأشياء به، فنسألهم: أتقولون إن الله موجود؟ فإنقالوا: نعم. قيل لهم: يلزمكم على دعواكم أن يكون مشبها للموجودين. وإن قالوا: موجودولا يوجب وجوده الإشتباه بينه وبين الموجودات. قلنا: فكذلك هو حيٌ، عالمٌ، قادرٌ،مريدٌ، سميعٌ، بصيرٌ، متكلمٌ، يعني ولا يلزم إشتباهه بمن اتصف بهذه الصفات.) (23)
قالأبو نصر السجزي الحنفي (ت. 444 هـ) : (والأصل الذي يجب أن يُعلم: أن اتفاق التسميات لا يوجب اتِّفاق المسمّين بها، فنحنإذا قلنا: إن الله موجود رؤوف واحد حيٌّ عليم سميع بصير متكلم، وقلنا: إن النبي صلىالله عليه وسلم كان موجودًا حيًّا عالمًا سميعًا بصيرًا متكلمًا، لم يكن ذلكتشبيها، ولا خالفنا به أحدًا من السلف والأئمة، بل الله موجود لم يزل، واحد حي قديمقيوم عالم سميع بصير متكلم فيما لم يزل، ولا يجوز أن يوصف بأضداد هذه الصفات.) (24)
خامسًا: كلمُعطل مُمثل، وكل مُمثل مُعطل: وذلك لأن المُعطِّل تصوّر التشبيه في ذهنهفنفى الصفة، والمُمثل عطَّل الصفة بتمثيله الخالق بالمخلوق، إذ ليست هي حقيقة الصفةكما أنه عطل النصوص.
قالابن بطة العكبري الحنبلي (ت. 387 هـ) في الإبانة: (الجهمية ترد هذه الأحاديث وتجحدها وتكذب الرواة، وفيتكذيبها لهذه الأحاديث رد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاندة له، ومن رد علىرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد رد على الله ؛ قال الله عز وجل : {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُفَانْتَهُوا } [الحشر : 7] ، فإذا قامتالحُّجة على الجَهْمِي، وعلم صحة هذه الأحاديث ولم يقدر على جحدها، قال: الحديثصحيح، وإنما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ”ينزل ربنافي كل ليلة“ ينزل أمره. قلنا: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ”ينزل الله عز وجل“ ، ”وينزلربنا“ ولو أراد أمره لقال: «ينزل أمر ربنا». فيقول (الجهمي) : إن قلنا: "ينزل"، فقد قلنا: إنه يزول والله لا يزول، ولو كان ينزللزال؛ لأن كل نازل زائل.
فقلنا: أوَ لستم تزعمون أنكم تنفون التشبيه عن ربالعالمين؟ فقد صرتم بهذه المقالة إلى أقبح التشبيه، وأشد الخلاف؛ لأنكم إن جحدتمالآثار، وكذبتم بالحديث، رددتم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله، وكذبتمخبره، وإن قلتم: لا ينزل إلا بزوال، فقد شبهتموه بخلقه، وزعمتم أنه لا يقدر أن ينزلإلا بزواله على وصف المخلوق الذي إذا كان بمكان خلا منه مكان. لكنا نصدق نبينا صلىالله عليه وسلم ونقبل ما جاء به فإنا بذلك أمرنا وإليه ندبنا، فنقول كما قال: ”ينزل ربنا عز وجل“ ولا نقول : إنه يزول، بل ينزل كيف شاء،لا نصف نزوله، ولا نحدّه، ولا نقول: إن نزوله زواله.)
أقوال السلف الصالح والأئمة من بعدهم في تنزيه الله عنالتشبيه:
- قالعبد الرحمن بن القاسم (ت. 191هـ) صاحب الإمام مالك: «لا ينبغي لأحد أن يصف الله إلابما وصف به نفسه في القرآن، ولا يشبه يديه بشيء، ولا وجهه بشيء، ولكن يقول : لهيدان كما وصف نفسه في القرآن، وله وجه كما وصف نفسه، يقف عندما وصف به نفسه فيالكتاب، فإنه تبارك وتعالى لا مثل له ولا شبيه، ولكن هو الله لا إله إلا هو كما وصفنفسه» (25)
- قالنُعيم بن حماد (ت. 228 هـ) : «حق على كل مؤمن أن يؤمن بجميع ما وصف الله به نفسه ويتركالتفكر في الرب تبارك وتعالى ويتبع حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "تفكروا في الخلق ولا تتفكروا في الخالق". قال نعيم : ليس كمثله شيء ولا يشبهه شيءمن الأشياء» (26)
- قالعثمان الدارمي (ت. 280هـ) : «وكما أنه ليس كمثله شيء فليس كيده يد.» (27)
وقال: «وكما ليس كمثله شيء ليس كسمعه سمع ولا كبصرهبصر ولا لهما عند الخلق قياس ولا مثال ولا شبيه.» (28)
وقـال: «فهذه الأحاديث قد جاءت كلها وأكثر منها في نزول الرب تبارك وتعالىفي هذه المواطن، وعلى تصديقها والإيمان بها أدركنا أهل الفقه والبصر من مشايخنا، لاينكرها منهم أحد ولا يمتنع من روايتها، حتى ظهرت هذه العصابة (الجهمية) فعارضت آثاررسول الله برد، وتشمروا لدفعها بجد فقالوا: "كيف نزوله هذا؟" قلنا: لم نُكلف معرفةكيفية نزوله في ديننا ولا تعقله قلوبنا، وليس كمثله شيء من خلقه فنشبه منه فعلا أوصفة بفعالهم وصفتهم.» (29)
- قالابن أبيزَمَنِين المالكي الأندلسي (ت. 399 هـ) : (فهذه صفاتُ ربِّنا التي وصف بهانفسه في كتابه، ووصفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم، وليس في شيء منها تحديد، ولاتشبيه، ولا تقدير، فسبحان من {ليس كمثله شيء وهو السميعالبصير}. لم تره العيون فتحده كيف هو كَيْنُونِيته، لكن رأته القلوب فيحقائق الإيمان به.) (30)
- قاليحيى بن عمار الحنبلي (ت. 422 هـ) في رسالته إلى السلطان محمود: (ولا نحتاج في هذا الباب إلى قولٍأكثر من هذا أن نؤمن به، وننفي الكيفية عنه، ونتقي الشك فيه، ونوقن بأن ما قالهالله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا نتفكر في ذلك ولا نسلط عليهالوهم، والخاطر، والوسواس، وتعلم حقًّا يقينا أن كل ما تصور في همك ووهمك من كيفيةأو تشبيه، فإن الله سبحانه بخلافه وغيره.) (31)
وغيرهم كثير، اقتصرنا على ماذكرناه اختصارًا.
حُكمالتشبيه:
تشبيه صفات الله عز وجل كُفرٌ، فهو ردٌّ للنصوص كقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُالْبَصِيرُ} [الشورى : 11]، وقوله سبحانه: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص : 4] وغيرها من نصوص التنزيه.
- قالنعيم بن حماد (ت. 228 هـ) : «من شبه الله بشيء من خلقه فقدكفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر، فليس ما وصف الله به نفسه ورسولهتشبيه» (32)
- قالإسحاق بن راهويه (ت. 238 هـ) : «من وصف الله فشبه صفاته بصفت أحد من خلق الله فهو كافر باللهالعظيم، لأنه وصف بصفاته، إنما هو استسلام لأمر الله ولما سن الرسول.» (33)
- يزيد بن هارون (ت. 206هـ) : قال شاذ بن يحيىالواسطي: كنت قاعدًا عند يزيد بن هارون، فجاء رجل فقال: يا أبا خالد، ما تقول فيالجهمية ؟
قال: «يُستتابون، إن الجهمية غلت ففرغت في غلوهاإلى أن نَفَت، وإنّ المشبهة غلت ففرغت في غلوها حتى مثلت. فالجهمية يستتابون،والمشبهة: كذى» رماهم بأمر عظيم. (34)
من علامات أهل البدع: تسميتهم لأهل السنة – أهل الأثر- بالمشبهة
- قالإسحاق بن راهويه (ت. 238هـ) : « علامة جهم وأصحابه دعواهم على أهل الجماعة -وما أولعوا به من الكذب- أنهم مشبهة، بل هم المعطلة، ولو جاز أن يُقال لهم: همالمشبهة، لاحتمل ذلك، وذلك أنهم يقولن: إن الرب -تبارك وتعالى- في كل مكان بكماله،في أسفل الأرضين وأعلى السموات على معنى واحد، وكذبوا في ذلك، ولزمهمالكفر.» (35)
- قال أبو زرعة الرازي (ت. 264هـ) : «المعطلة النافية الذين ينكرون صفات الله عز وجلالتي وصف بها نفسه في كتابه، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، ويكذبون بالأخبارالصحاح التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصفات، ويتأولونها بآرائهمالمنكوسة على موافقة ما اعتقدوا من الضلالة وينسبون رواتها إلى التشبيه، فمن نسبالواصفين ربهم تبارك وتعالى بما وصف به نفسه في كتابه، وعلى لسان نبيه –صلى اللهعليه وسلم-، من غير تمثيل ولا تشبيه، إلى التشبيه فهو مُعطل نافٍ، ويُستدل عليهمبنسبتهم إياهم إلى التشبيه أنهم معطلة نافية، كذلك كان أهل العلم يقولون منهم: عبدالله بن المبارك، ووكيع بن الجراح.» (36)
وقـال: «علامة الجمهية: تسميتهم أهل السنة مشبهة» (37)
- وقالأبو حاتم الرازي (ت. 277 هـ) : «وعلامة الجهمية: أن يسموا أهل السنة مشبهة ونابتة» (38)
- قالأبو عثمان الصابوني (ت. 449 هـ) : (وعلامات البدع على أهلها ظاهرة بادية، وأظهر آياتهم وعلاماتهم: شدة معاداتهم لحملةأخبار النبي صلى الله عليه وسلم، واحتقارهم لهم، وتسميتهم إياهم حشويّة، وجهلة،وظاهرية، ومشبهة. اعتقادًا منهم في أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها بمعزلعن العلم، وأن العلم ما يلقيه الشيطان إليهم، من نتائج عقولهم الفاسدة، ووساوسصدورهم المظلمة، وهواجس قلوبهم الخالية عن الخير، العاطلة، وحججهم بل شبههم الداحضةالباطلة {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْوَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ } [محمد : 23]، {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَيَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج : 18].) (39)
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
وردت عدة آثار صحيحة عن السلف الصالح في أحاديثالصفات بأنها " تُمر كما جاءت بلا كيفَ "، وعن بعضهم بأن "قراءته تفسيره"، ولكن مامعنى أقوالهم هذه؟
سيتبين الجواب عن هذا السؤال في هذا المقال إن شاء اللهتعالى.
ذكر بعض هذه الآثار:
- سفيان بن عيينة (198 هـ) : قال أحمد بن نصر: سألت سفيانبن عيينة قلت:
"يا أبا محمد أريد أسألك"، قال : "لا تسأل"،
قلت: "إذا لمأسألك فمن أسأل"، قال: "سل."
قلت: "ما تقول في هذه الأحاديث التي رويت نحو : القلوب بين أصبعين، وأن الله يضحك أو يعجب ممن يذكره في الأسواق؟"
فقال: «أمروها كما جاءتبلا كيف (http://www.as-salaf.com/article.php?aid=75&lang=ar).» (1) سندهصحيح.
وقال في رواية: «كل شيء وصف الله به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره لا كيفولا مثل » (2)
وفي لفظ: «كل ما وصف الله به نفسه في كتابهفتفسيره تلاوته والسكوت عنه.» (3)
- الأوزاعي (157 هـ)
- سفيان الثوري (161 هـ)
- الليث بن سعد (175 هـ)
- مالك بن أنس (179 هـ)
قال الوليد بن مسلم: سألتُ الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنسوالليث بن سعد عن هذهالاحاديث التي فيها الصفة والرؤيةوالقرآنفقال: "أمروها كما جاءتبلا كيف (http://www.as-salaf.com/article.php?aid=75&lang=ar)." (4)
وفيرواية: " سألت سفيان الثوري، ومالك بن أنس، والأوزاعي، والليث بن سعد عن هذهالأحاديث التي في الرؤية والصفاتقال : أمروها على ما جاءت، ولاتفسروها." (5)
- أحمد بن حنبل (241 هـ) : قالأبو بكر المروذي: سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تردها الجهمية فيالصفات، والرؤية، والإسراء، وقصة العرش، فصححها أبو عبد الله،وقال : « قد تلقتها العلماء بالقبول، نسلم الأخبار كما جاءت، قال : فقلت له : إنرجلا اعترض في بعض هذه الأخبار كما جاءت، فقال : «يجفى»، وقال: «ما اعتراضه في هذاالموضع، يسلم الأخبار كما جاءت.» (6)
- وقال عبد الله: سألت أبي (الإمامأحمد بن حنبل) رحمه الله عن قوم يقولون: لما كلم الله عز وجل موسى لم يتكلم بصوت. فقال أبي: بلى إن ربك عز وجل تكلم بصوت، هذه الاحاديث نرويها كما جاءت. (13)
- قالأبو عيسى الترمذي (279 هـ) : «وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم روايات كثيرة مثل هذاما يُذكر فيهأمرُ الرؤية أن الناس يرون ربهم وذِكرُالقَدَم وما أشبه هذه الأشياء. والمذهب في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثلسفيان الثوري، ومالك بن أنس، وابن المبارك، وابن عيينة، ووكيع وغيرهم أنهم رَوَواهذه الأشياء، ثمَّ قالوا: " تُرْوى هذه الأحاديث ونؤمن بها، ولا يُقالُ: كَيفَ ؟،وهذا الذي اخْتَاره أهل الحديث أن يَرْووا هذه الأشياء كما جاءت ويؤمن بها ولاتُفسر ولا تتوهَّمُ ولا يُقالُ: كيفَ، وهذا أمرُ أهل العلم الذي اختاروه وذهبواإليه. ومعنى قوله في الحديث "فيعرفهم نفسه" يعني يتجلى لهم.» (7)
وقالابن أبي عاصم (ت. 287 هـ) : "ومما اتفقأهل العلم على أن نسبوه إلى السنة: ... وإثبات رؤية الله عز وجل، يراه أولياؤه فيالآخرة، نظر عيان، كما جاءت الأخبار." (14)
معناها:
يتضح معنى قولهم «أمروها كما جاءت» بما ورد في هذه الآثار التي تُبيّنإثباتهم للمعنى الظاهر قولا واحدًا، فقد ورد في عدد منها ذكر أحاديث الرؤية معأحاديث الصفات أو ذكرها منفردة،؛ وأحاديث الرؤية واضحة مفهومة المعنى، كان السلفالصالح يؤمنون بها على ظاهرها وهو رؤية الله عز وجل في الآخرة بأبصارهم عيَانًا منغير تكييف (18)، وقد نقلنا الآثار الصحيحة في ذلك عنهم -رحمهم الله- في مقال"رؤية الله عز وجل" (http://as-salaf.com/article.php?aid=51?=ar).
وقال هذه العبارة الإمامأحمد في حديث الصوت كما تقدم، حيث صرح بأن معنى الحديث على ظاهره، وهو أن الله عزوجل تكلم بصوت.
وكذلك في أثر الإمام أحمد عندما قال له أبو بكر المروذي: "إنرجلا اعترض في بعض هذه الأخباركما جاءت"، فلو كانمعنى "أمروها كما جاءت" تعني فقط الإيمان باللفظ دون أي معنى يُفهم منه لما كانهناك مجال
للاعتراض، ولكن لأن معناها الإيمان بها على ظاهرها اعترض بعض الجهلةعلى ذلك لظنهم أن اعتقاد ظاهرها يعنيالتشبيه (http://www.as-salaf.com/article.php?aid=82&lang=ar)، وهو ليسكذلك.
ومعنى قولنا: «المعنى الظاهر» أو «على ظاهرها» أي: على المعنى الظاهر الواضح من السياق (17). وما يلي بعض الأمثلة التي توضح المقصود:
مثال 1 : "وأنا في أفريقيا شاهدت أسدًاوهو ينقض على فريسته."
هنا ظاهر الكلام أن الأسد الذي انقض على فريسته هوالحيوان المعروف.
مثال 2 : " كان خالد في ساحة القتال أسدًا."
ظاهره أنالمقصود هو الشجاعة وليس الحيوان.
فهذا هو منهج السلف مع نصوص الصفات كقولهتعالى: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَاخَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص : 75]
فأمَرّالسلف هذه الآية على ظاهرها وهو أن الله عز وجل خلق آدم بيديه التي هي صفة له،وآمَنوا بأن لله يدين تليق بجلاله لا تشبه أيدي المخلوقات.
ويؤيد صحة ماذهبنا إليه ما قاله الإمام سفيان بن عيينة رحمه الله: « كـلشيء وصفالله به نفسهفي كتابه...» فلم يستثن رحمهالله أي صفة وردت في القرآن الكريم؛ إذًا كلامه يشمل كل صفة مذكورة في القرآنالكريم ولا يحتمل المقام التفريق بين صفة وأخرى لهذا قال بعض المحققين: «القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر» أي لا مجالللتفريق في حكم الإيمان بين صفة العلم واليد، بل كلها تُساق مساقًا واحدا وهو إثباتالمعنى الظاهر المفهوم وتفويض الكيفية إلى الله عز وجل. ومن الصفات المذكورة فيالقرآن الكريم: الحياة، والعلم، والسمع، والإرادة، والبصر، والقوة والكلام،والرحمة، والوجه، والغضب، واليدين، وغير ذلك كثير، ولا شك أن السلف الصالح أثبتواصفة الحياة والعلم والإرادة وغيرها على معناها الظاهر من غير تمثيل ولا تكييف، فعلىهذا فإن كل صفة أخرى ذُكرت في القرآن الكريم تأخذ نفس الحكم, و من فرّق في الإيمانبين صفة وأخرى فهذا محض تحكّم وهوى لا دليل عليه من الكتاب أو السنة أو أقول سلفالأمة.
وبهذا التفصيل يتضح معنى قولهم " تُمر كماجاءت" و" قراءته تفسيره" : أي على ظاهرها من غير تأويل ولا تحريفولا تمثيل (http://as-salaf.com/article.php?aid=82&lang=ar)ولا تكييف (http://www.as-salaf.com/article.php?aid=75&lang=ar)
ومما يؤكد ذلكتفسير العلماء السابقين لها:
قالأبو منصور الأزهري (282 - 370 هـ) - بعد ذكر حديث أن جهنمتمتلئ حتى يضع الله فيها قدمه- : (وأخبرني محمد بن إسحاق السعدي عن العباسالدُّورِي أنه سأل أبا عبيدٍ عن تفسيره وتفسير غيره من حديث النزول والرؤية فقال: "هذه أحاديث رواها لنا الثقاتُ عن الثقات حتى رفعوها إلى النبي عليه السلام؛ ومارأينا أحدًا يفسرها، فنحن نؤمن بها على ما جاءت ولا نفسرها." أراد أنها تترك على ظاهرها كما جاءت. (8)
وقالأبو سليمان الخطابي (ت. 388 هـ) في حديث النزول: (هذا الحديثوما أشبهه من الأحاديث في الصفات كان مذهب السلف فيها الإيمان بها،وإجراءها على ظاهرهاونفي الكيفية عنها.) ثم ذكر آثار السلفالتي فيها "أمروها كما جاءت." (9)
وقالأبو القاسمإسماعيل الأصبهاني (ت. 535 هـ)، وقد سُئل عن صفات الرب تعالى فقال: (مذهبمالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وحماد ابن سلمة، وحماد بن زيد، وأحمد، ويحيىبن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وإسحاق بن راهويه، أن صفات الله التي وصف بهانفسه، ووصفه بها رسوله، من السمع، والبصر، والوجه، واليدين، وسائر أوصافه، إنما هيعلى ظاهرها المعروف المشهور، من غير كيف يتوهم فيها، ولا تشبيه ولا تأويل، قال ابنعيينة: «كل شيء وصف الله به نفسه فقراءته تفسيره» ثمقال: أي هو على ظاهره لا يجوز صرفه إلى المجاز بنوع منالتأويل.) (10)
وقالالذهبي (ت. 748 هـ) : (وكما قال سفيان وغيره "قراءتها تفسيرها"،يعني أنها بينةواضحة في اللغة، لا يبتغى بها مضائق التأويل والتحريف. وهذا هو مذهب السلفمع إتفاقهم أيضا أنها لا تُشْبِه صفات البشر بوجه إذ الباري لا مثل له لا في ذاتهولا في صفاته.) (11)
إضافة إلى أقوال أخرى للسلف والعلماء المتقدمينوالمتأخرين في بيان عقيدة السلف الصالح، والتي سيُفرد لها مقال إن شاءالله.
معنى قول الإمام أحمد: "بلا كيف (http://www.as-salaf.com/article.php?aid=75&lang=ar) ولامعنى"
ورد أثر عنالإمام أحمدرحمه اللهفيه أنه قال: « الأحاديث التي تُروى "إن الله تبارك وتعالىينزل إلى سماء الدنيا"، و«الله يُرى»، وأنه يضع قدمه، وما أشبه بذلك، نؤمن بها،ونصدق ولا كيف، ولا معنى، ولا نرد شيئا منها ...» إلخ
وعلى القولبصحة هذه الرواية فإن معنى قوله رحمه الله: "ولا معنى" أنه لا معنى إلا ما ورد فيظاهر النص، ومما يدل على ذلك أنه ورد في لفظٍ آخر لهذه الرواية عند ابن بطة فيكتابه "الإبانة الكبرى"، وعند ابن قدامة في كتابه "تحريم النظر في كتب الكلام" أنهقال: "بلا كيف (http://www.as-salaf.com/article.php?aid=75&lang=ar) ولا معنى إلا علىما وصف به نفسه تعالى."
ويدل على ذلك أيضا أن الإمام أحمد ذكر من ضمن الأحاديثحديث الرؤية، وهي من الأحاديث التي يثبتها السلف الصالح على ظاهرها من غير تكييف،ولا يؤمنون بمجرد لفظها دون معنًا يُفهم منه. وقد صرح الإمام أحمد في قول آخر لهبالإيمان بحديث الرؤية على ظاهره، فقال:
«والإيمان بالرؤيةيوم القيامة كما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم من الأحاديث الصحاح، وأن النبيصلى الله عليه و سلم قد رأى ربه، وأنه مأثور عن رسول الله صلى الله عليه و سلمصحيح، رواه قتادة عن عكرمة عن ابن عباس، ورواه الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس،ورواه علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس، والحديث عندناعلى ظاهره كما جاءعن النبي صلى الله عليه و سلم، والكلام فيهبدعة، ولكن نؤمن به كما جاء على ظاهره ولا تناظر فيه أحدا.» (12)
ومما يؤكد ذلك أن الإمام أحمد رحمه الله قال مثل عبارة: "أمروها كماجاءت" في غير أحاديث الصفات، ولا يُعقل أن يقصد تفويض المعنى، من تلكالآثار:
- سُئِل الإمام أحمد عن قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي اللهعنه: ”من كنت مولاه فعلي مولاه“ ما وجهه؟ قال: «لا تكلم في هذا،دع الحديث كما جاء. » (15)
- قال أبو بكر المروذي: سألتُ أبا عبد الله (الإمام أحمد) عن قولالنبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: ”أنت منيبمنزلة هارون من موسى“ ايش تفسيره؟ قال: «أسكت عن هذا،لا تسأل عن ذا،الخبر كما جاء. » (16)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاةوالسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
منهج السلف الصالح فينصوص صفات الله عز وجل هو الإيمان بها على ظاهرها بلا تشبيهٍ لها بصفات المخلوقين،ولا خوض في كيفيتها(1)، فالواجب في أسماء الله وصفاته هو إثبات ما أثبته الله تعالىلنفسه في كتابه العزيز، وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، مع نفي التمثيل،وتفويض كيفيتها إلى الله عز وجل.
ولا تُصرف الآيات والأحاديث عن ظاهرها إلابدليل صحيح، خلافاً لما يفعله كثير من أهل البدع، حيث صرفوا كثير من نصوص الصفات عنظاهرها اتباعًا لأهوائهم، ولما توهموه من أدلة عقلية وإنما هي شبهات، فأخطئوا فهمالنصوص وأساءوا في تأويلها بدعوى التنزيه؛ وكذا فعل غيرهم مع نصوص الوعد والوعيدوغيرها، فادّعوا المجاز في كثير من الآيات والأحاديث، وأولوا النصوص فألحدوا فيها.
قالأبو منصور الازهري الشافعي (282-370هـ) بعد ذكره لإلحاد المشركين في أسماء الله: «وملحدوا زمانناهذا: هؤلاء الذين تلقبوا بـ"الباطنية" وادعوا أن للقرآن ظاهرًا وباطنا، وأن علمالباطن فيه معهم، فأحالوا شرائع الإسلام بما تأولوا فيها من الباطن الذي يخالف ظاهرالعربية التي بها نزل القرآن، وكل باطن يدعيه مدع في كتاب الله عز وجل مُخالف ظاهركلام العرب الذين خوطبوا به فهو باطل، لأنه إذا جاز لهم أ، يدعوا فيه باطنا خلافالظاهر، جاز لغيرهم ذلك، وهو إبطال الأصل. وإنما زاغوا عن إنكار القرآن ولاذوابالباطل الذي تأولوه ليغروا به الغرّ الجاهل، ولئلا يُنسبوا إلى التعطيلوالزندقة.» (2)
وقال الحافظابن رجب الحنبلي (ت. 795 هـ) عند حديثه عن نصوص الصفات: «وكان السلفينسبون تأويل (3) هذه الآيات والأحاديث الصحيحة إلى الجهمية، لأن جهْمّا وأصحابهأولُ من اشتهر عنهم أن الله تعالى مُنزّهٌ عما دلّت عليه هذه النصوص بأدلة العقولالتي سموّها "أدلة قطعية" وهي المحكمات، وجعلوا ألفاظ الكتاب والسنة هي المتشابهات،فعرضوا ما فيها على تلك الخيالات، فقبلوا ما دلّت على ثبوته بزعمهم، وردّوا ما دلّتعلى نفيه بزعمهم، ووافقهم على ذلك سائر طوائف أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم،وزعموا أنّ ظاهر ما يدلّ عليه الكتاب والسنة تشبيه وتجسيم وضلال، واشتقّوا من ذلك -لمن آمن بما أنزل الله على رسوله- أسماء ما أنزلَ اللهُ بها من سلطان؛ بل هيافتراءٌ على الله، يُنفّرون بها عن الإيمان بالله ورسوله. وزعموا أنّ ما ورد فيالكتاب والسنة من ذلك - مع كثرته وانتشاره - من باب التوسع والتجوز، وأنه يُحمل علىمجازات اللغة المستبعدة، وهذا من أعظم أبواب القدحِ في الشريعة المحكمةِالمُطهّرةِ، وهو من جِنس حَمْل الباطنية نصوصَ الإخبار عن الغُيوبِ؛ كالمعاد والجنةوالنار على التوسع والمجاز دون الحقيقة، وحملِهم نصوص الامر والنهي عن مثل ذلك،وهذا كله مروق عن دين الإسلام.» (4)
وقد وردت أقوال للسلف والأئمة منبعدهم تدل على أن السلف الصالح أثبتوا نصوص الصفات على ظاهرها دون تشبيه أو تكييف؛ولكن قبل الشروع في ذكر تلك الأقوال، يجب بيان المقصود من "الظاهر" الذي أثبتهالسلف الصالح، والذي يجب على كل مسلم إثباته من غير تشبيه ولا تكييف.
المقصود بالظاهر: المعنى اللغوي الظاهر الواضح من سياقالكلام(5)؛ وما يلي بعض الأمثلة التي توضح المقصود:
مثال 1 : "وأنا في أفريقياشاهدت أسدًا وهو ينقض على فريسته."
هنا ظاهر الكلام أن الأسد الذي انقض علىفريسته هو الحيوان المعروف.
مثال 2 : " كان خالد في ساحة القتالأسدًا."
ظاهره أن المقصود هو الشجاعة وليس الحيوان.
هذا هو منهج السلف معنصوص الصفات كقوله تعالى: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَأَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص : 75]
فأثبت السلف هذه الآية على ظاهرها وهو أن الله عز وجل خلق آدم بيديهالتي هي صفة له، مع اعتقادهم بأنها لا تشبه أيدي المخلوقين؛ أما أهل البدع فردواظاهرها وقالوا بأن اليدين في الآية ليست حقيقية، وأن معناها هو القدرة أو النعمة أوغير ذلك من المعاني المجازية لليد.
فليس المقصود من إثبات الظاهر إثبات كيفيةصفات الله، فالاتفاق فقط في أصل معنى الصفة وليس في كيفية الصفة، فلا يعلم كيفيةصفات الله إلا هو سبحانه، وهي ليست ككيفية صفات المخلوقين {ليسكمثله شيء وهو السميع البصير}
وما يلي مجموعة من أقوال السلف ومن جاءبعدهم في الإيمان بآيات وأحاديث الصفات على ظاهرها من غير تشبيه ولاتكييف:
أقوال السلف الصالح:
1. ورد عن جمْعٍ من السلف الصالح، منهمالأوزاعي (ت. 157 هـ)،وسفيان الثوري (ت. 161 هـ)، و الليث بن سعد (ت. 175 هـ)، والإمام مالك بن أنس (ت. 179 هـ)، والإمام أحمد بن حنبل (ت. 241 هـ) أنهم قالوا عن أحاديث الصفاتوالرؤية: «أمروها كما جاءت بلا كيف»؛ وقد بيّن الإماماللغوي أبو منصور الأزهري (ت. 370 هـ) معنى مقولة السلف هذه بعد ذكر قول أبي عبيدٍالقاسم بن سلام (ت. 224هـ) في حديث القَدم ونزول الله إلى السماء الدنيا ورؤيةالمؤمنين ربهم يوم القيامة: "نحن نؤمن بها على ما جاءت ولا نفسرها." قائلا: «أراد أنها تترك على ظاهرها كما جاءت.» (6)
2. قول الإمامسفيان بن عيينة (ت. 198هـ) : «كل شيء وصف الله به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره لا كيف ولامثل». (7)
قال أبو القاسم إسماعيل الأصبهاني الشافعي (ت. 535 هـ) مبينالمعنى مقولة ابن عيينة "فقراءته تفسيره" : « أي هو على ظاهرهلا يجوز صرفه إلى المجاز بنوع من التأويل.» (8)
3. قالأبو بكر ابن أبي عاصم (ت. 287هـ) : «وجميع ما في كتابنا كتاب السنة الكبير الذي فيه الأبواب من الأخبارالتي ذكرنا أنها توجب العلم، فنحن نؤمن بها لصحتها، وعدالة ناقليها، ويجب التسليملها على ظاهرها، وترك تكلف الكلام في كيفيتها» فذكر في ذلك النزول إلى سماءالدنيا، والإستواء على العرش، وغير ذلك. (9)
أقوال العلماء من بعدهم:
- ابن جرير الطبري (ت. 310هـ) :
قال بعد نقاشه مع فرقةمن أهل البدع في صفتي النزول والمجيء: «فإن قال لنا منهمقائلٌ: فما أنت قائلٌ في معنى ذلك؟ قيل له: معنى ذلك ما دلّ عليه ظاهر الخبر، وليسعندنا للخبر إلا التسليم والإيمان به، فنقول: يجيء ربنا -جل جلاله- يوم القيامة والملك صفاً صفاً، ويهبط إلى السماء الدنيا وينزل إليها في كل ليلةٍ ... وكالذي قلنافي هذه المعاني من القول: الصواب من القيل في كل ما ورد به الخبر في صفات الله عزوجل وأسمائه تعالى ذكره بنحو ما ذكرناه.» (10)
- أبو عثمان الصابوني الشافعي (ت. 449هـ) :
قال عندحديثه عن عقيدة السلف أصحاب الحديث في صفات الله: «بل ينتهونفيها إلى ما قاله الله تعالى، وقاله رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير زيادة عليه،ولا إضافة إليه، ولا تكييف له ولا تشبيه، ولا تحريف، ولا تبديل، ولا تغيير، ولاإزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب وتضعه عليه بتأويل منكر، ويجرونه على الظاهر،ويكِلُون علمه (11) إلى الله تعالى». (12)
وقال في وصيته أنه "يسلكفي الآيات التي وردت في ذكر صفات البارئ –جل جلاله-، والأخبار التي صحت عن رسولالله صلى الله عليه وسلم، في بابها، كآيات مجيء الرب يوم القيامة، وإتيان الله فيظُلل من الغمام، وخلق آدم بيده، واستوائه على عرشه، وكأخبار نزوله كل ليلة إلى سماءالدنيا، والضحك والنجوى، ووضع الكنيف على من يُناجيه يوم القيامة، وغيرها، مسلكالسلف الصالح، وأئمة الدين، من قوبها وروايتها على وجهها، بعد صحة سندها، وإيرادِهاعلى ظاهرها، والتصديق بها والتسليم لها، واتقاء اعتقاد التكييف، والتشبيه فيها،واجتناب ما يؤدي إلى القول بردّها، وترك قبولها، أو تحريفها بتأويل يُستنكر، ولمينزل الله به سلطانا، ولم يجر به للصحابة والتابعين والسلف الصالح لسان". (13)
- أبو محمد الحسين البغوي الشافعي (ت. 510 هـ) :
قال: «وكذلك كل ما جاء به الكتاب أوالسنة من هذا القبيل في صفات الله تعالى، كالنفس، والوجه، والعين، واليد، والرجل،والإتيان، والمجيء، والنزول إلى السماء الدنيا، والاستواء على العرش، والضحك،والفرح ...» فذكر أدلة هذه الصفات من القرآن والسنة ثم قال: «فهذه ونظائرها صفات الله تعالى، ورد بها السمع يجب الإيمان بها،وإمرارها على ظاهرها معرضا فيها عن التأويل، مجتنبا عن التشبيه، ومُعتقدًا أنالباري سبحانه وتعالى لا يشبه شيء من صفاته صفات الخلق، كما لا تشبه ذاته ذواتالخلق، قال الله سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌوَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى : 11]، وعلى هذا مضى سلف الأمة، وعلماء السنة.» (14)
- أبو القاسم إسماعيل الأصبهاني الشافعي (http://as-salaf.com/article.php?aid=87&lang=ar) (ت. 535 هـ) :
قال بعد ذكر الآيات في صفة الاستواءوالغضب والرضا والنزول وغيرها: «فهذا وأمثاله مما صح نقله عنرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن مذهبنا فيه ومذهب السلف، إثباته وإجراؤه علىظاهره، ونفي الكيفية والتشبيه عنه، وقد نفى قوم الصفات فأبطلوا ما أثبته اللهتعالى، وتأولها قوم على خلاف الظاهر فخرجوا من ذلك إلى ضرب من التعطيل والتشبيه،والقصد إنما هو سلوك الطريقة المتوسطة بين الأ/رين، لأن دين الله تعالى بين الاليوالمقصر عنه.» (15)
وقال عندما سُئل عن صفات الرب تعالى: «مذهب مالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وحماد ابن سلمة، وحمادبن زيد، وأحمد، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وإسحاق بن راهويه، أنصفات الله التي وصف بها نفسه، ووصفه بها رسوله، من السمع، والبصر، والوجه، واليدين،وسائر أوصافه، إنما هي على ظاهرها المعروف المشهور، من غير كيف يتوهم فيها، ولاتشبيه ولا تأويل...» (16)
- محمد أنورشاه الكشميري الحنفي :
قال في شرحه لسنن الترمذي: «واعلم أن المشابهات مثل نزول الله إلى السماء الدنيا، واستواءه علىالعرش، فراي السلف فيها الإيمان على ظاهره ما ورد إمهاله على ظاهره بلا تأويل ولاتكييف، ويفوض أمر الكيفية إلى الله تعالى » ثم ذكر كلاما طويلا في أقوالالفرق والمذاهب إلى أن قال: «فحاصل الباب أن نؤمن بالمتشابهاتكما وردت بظاهرها ونفوض التفاصيل إلى الله» (17)
صفات الله حقيقيّة أم غيرحقيقية؟
إعداد: أم عبد الله الميساوي
لـ« موقع عقيدة السلف الصالح » (http://www.as-salaf.com/)
مقدمة:
إن معرفة الله عز وجل هي أهم وأجلّ العلوم،ومعرفته سبحانه تكون بمعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العلى، وهي تُستمد من نصوص الوحي: القرآن والسنة، فلا يُوصف الله عز وجل إلا بما وصف به نفسه في كتابه العزيز أو علىلسان رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن تدبر هذه النصوص العظيمة وجدها واضحة وجليّة فيدلالتها على صفاته العليا. ورغم وضوحها فقد وقع من بعض المنتسبين للإسلام تحريفٌلمعاني هذه النصوص، فنَفوا عنها حقيقتها تذرعًا بالمجاز، ظنّا منهم أنه الحق. والسبب في ذلك هو أنهم جعلوا عقولهم حَكَمًا فيها دون نصوص الوحي، فاعتقدوا أنإثبات تلك الصفات حقيقةً لله يقتضي التشبيه، وهو ليس كذلك، فكما قال الحافظنُعيم بن حماد (ت. 228 هـ) : «ليسما وصف الله به نفسه ورسوله تشبيه»(1)، فالتشبيه يكون باعتقاد أن صفات اللهكصفات المخلوقين، قال الإمامإسحاق بن راهويه (http://as-salaf.com/article.php?aid=41&lang=ar) (ت. 238هـ) : «إنما يكون التشبيه إذا قال: يد كيد أو مثل يد، أو سمعكسمع أو مثل سمع. فإذا قال سمع كسمع أو مثل سمع، فهذا التشبيه؛ أما إذا قال كما قالالله تعالى: يد وسمع وبصر، ولا يقول: كيفَ؟ ولا يقول: مثلَ سمع، ولا كسمع، فهذا لايكون تشبيها، وهو كما قال الله تعالى في كتابه: {لَيْسَكَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى : 11]»(2). فلو أن هؤلاء القوم تأملواوتدبروا آيات الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم حق التدبر ودرسوا آثار السلفالصالح في هذه النصوص، لما صرفوها عن حقائقها بأنواع المجازات؛ لأنها بينة فيدلالتها، لا تقتضي تشبيها ولا معاني باطلة.
ودلالة النصوص على حقيقة صفاتالله عز وجل تكون أحيانًا مُستفادةً من سياق الآية أو الحديث، وأحيانًا من فِعلالنبي صلى الله عليه وسلم نفسه، وأحيانًا أخرى من غير ذلك مما سنُبَيّنُه في هذاالمقال إن شاء الله تعالى.
دلالة نصوصالكتاب والسنة على أن صفات الله حقيقية:
- القرآن الكريم:
1. قال الله تعالى: {فَأَمَّا عَادٌفَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّاقُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْقُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} [فصلت : 15]
ففي الآية أن قوم عاد سألوا: «من أشد مناقوة؟»
فأجابهم الله عز وجل بقوله: {أَوَلَمْ يَرَوْاأَنَّاللَّهَالَّذِ ي خَلَقَهُمْهُوَأَشَدُّ مِنْهُمْ قوة}
ولا يصح أن يكون الجواب إلا موافقًاللسؤال، قالأبو أحمد الكرجي القصاب (ت. 360هـ) فيهذه الآية: «وقوله (تعالى) ... حجة على المعتزلة والجهميةفيما يزعمون: أن كل ما وُصف به المخلوق لم يجز أن يوصف به الخالق، من أجل التشبيه،وهذا نص القرآن ينكر على عاد ادعاء القوة، ويخبر أن الله أشد قوة منهم، والرد لايكون إلا بمثله»(3). ولا شك أن قوة عاد حقيقية، فقوة الله أيضا حقيقيةولكنها أعظم، فقوة المخلوق لا شيء عند قوة الله عز وجل، بل هو سبحانه الذي أعطاناهذه القوة.
2. قال الله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا} [النساء : 125]
تفسير هذه الآية في سنة النبي صلى اللهعليه وسلم، والسنة مبينة للقرآن، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
”إِنِّى أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ أَنْ يَكُونَ لِى مِنْكُمْ خَلِيلٌفَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدِ اتَّخَذَنِى خَلِيلاً كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَخَلِيلاً وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِى خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُ أَبَابَكْرٍ خَلِيلاً“ [صحيح مسلم].
وقال صلىالله عليه وسلم: ”أَلاَ إِنِّى أَبْرَأُ إِلَى كُلِّ خِلٍّمِنْ خِلِّهِ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍخَلِيلاً إِنَّ صَاحِبَكُمْ(4) خَلِيلُ اللَّهِ“ [صحيح مسلم]
وفي لفظ: ”ألا إنيأبرأ إلى كل خليل من خُلّته“(5).
والخليل من "الخُلّة" – بضم الخاء كمافي الرواية الثالثة-، وهي غاية المحبة وخالصها وأتمها. قالالزجّاج (311هـ): «الخليل: المُحب الذيليس في محبته خلل»(6).
وقالابن كثير (ت. 774هـ): «والخُلّة: هي غاية المحبة ... وهكذا نال هذه المنزلةخاتم الأنبياء وسيُد الرسل محمد، صلوات الله وسلامه عليه كما ثبت في الصحيحينوغيرهما»(7).
والدليل على أن خُلّة الله لإبراهيم عليه السلام ونبينامحمد صلى الله عليه وسلم حقيقية، هو أن النبي صلى الله عليه وسلم امتنع عن اتخاذأبي بكر رضي الله عنه خليلا لأجل أنه خليل الله، ولو لم تكن خُلة الله لنبيه حقيقيةلما كان هناك مانع في اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكرخليلا.
3. قال تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء : 164]
الفعل "كَلّم" في هذه الآية مؤكدبالمصدر "تكليمًا"، وهو دليل على أن الله كلّم موسى حقيقةً، قالأبو جعفر النحّاس (ت. 338هـ) : «{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} مصدر مؤكد، وأجمع النحويّون على أنك إذا أكدّت الفعل بالمصدر لم يكن مجازًا ... فكذا لما قال: {تكليمًا}، وَجَبَ أن يكون كلامًا علىالحقيقة من الكلام الذي يُعقل»(8).
4. قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَكَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء : 58]
وهذه تفسيرها بفعل نبينا صلى الله عليه وسلم، فقد روى أبو يونس مولىأبي هريرة أنه سمع أبا هريرة يقرأ هذه الآية: {إِنَّ اللَّهَيَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}، ويضع إبهامهعلى أذنه والتي تليها على عينه، ويقول: هكذا سمعت رسول الله يقرأها ويضع إصبعيه. (9)
قَصَدَ النبي صلى الله عليه وسلم بفعله هذا إثبات أن الله مُتّصِف بسمع وبصرحقيقيّين فالحديث عن صفتي السمع والبصر، وليس مقصوده تشبيه صفات الله بصفاتالمخلوق، فحاشا أن يُشبّه رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه بالمخلوقين، والله عزوجل يقول: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُالْبَصِيرُ} [الشورى : 11]، فأثبت الله عزوجل لنفسه السمع والبصر، ونَفَى عنها المِثل.
- السنة النبوية:
5. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ” لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًابِتَوْبَةِعَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِفَلاَةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَافَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِى ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَاهُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّقَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِى وَأَنَا رَبُّكَ. أَخْطَأَمِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ“.
وفي رواية سنن الترمذى: ”لَلَّهُ أَفْرَحُبِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْمِنْ رَجُلٍ...“.
وفي رواية سنن الدارمي: ”فما هو بأشد فرحا بها من اللهبتوبة عبده إذا تابإليه“.
الحديث واضح من سياقه، وهو دليل على أن الله متصف بالفرح حقيقةً،ولكن فرحه لا يشبه فرح المخلوقين، فهو فرح يليق بجلاله لا يعلم كيفيته إلا هوسبحانه، وواجبنا الإيمان والتسليم.
قال الحافظشمسالدين الذهبي (ت. 748 هـ) عند تعقيبه على تأويل أحد العلماء لصفة الفرح للهتعالى : «ليت المؤلف سكت فإن الحديث من أحاديث الصفات التيتمر على ما جاءت كما هو معلوم من مذهب السلف، والتأويل الذي ذكره ليس بشيء ... والنبي صلى الله عليه وسلم قد جعل فرح الخالق عز وجل أشد من فرح الذي ضلت راحلته،فتأمل هذا وكُف، واعلم أن نبيك لا يقول إلا حقا، فهو أعلم بما يجب لله وما يمتنععليه من جميع الخلق، اللهم اكتب لنا الإيمان بك في قلوبنا وأيدنا بروح منك». (10)
6. عن عمر بن الخطاب أنه قال: قدِم علىرسول الله صلى الله عليه وسلم بِسَبْي، فإذا امرأة من السبي تبتغي، إذا وجدت صبيافي السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته؛ فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِىالنَّارِ؟“ قُلْنَا: لاَ وَاللَّهِ وَهِىَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَتَطْرَحَهُ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”لَلَّهُأَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا“. [صحيح البخاري ومسلم]
هو واضح من سياقه كالحديث الذيقبله، ففيه إثبات صفة الرحمة لله عز وجل حقيقةً.
7. قال ابن عمر رضي الله عنه: «سمعترسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: ”يأخذالجبّار سماواته وأرضيه بيده“ وقبض بيده فجعل يقبضها ويبسطها ”ثم يقول: أنا الجبار، أين الجبارون؟ أين المتكبرون“، قال: ويتميّل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه وعن شماله، حتى نظرت إلى المنبريتحرك من أسفل شيء منه، حتى إنّي لأقول: أساقط هو برسول الله صلى الله عليهوسلم؟». [صحيح مسلم، وسنن النسائي، واللفظ لابنماجه](11)
قبَضَ النبي صلى الله عليه وسلم يده ليُبَيّن أن الله يقبضالأرض والسموات بيده حقيقةً، وليس مقصوده تشبيه قبض الله بقبضه.
8. عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليهوسلم قال: ”آخر من يدخل الجنة رجل، فهو يمشي مرة، ويكْبُومرة، وتسفَعُه النار مرة“ إلى أن قال: ”ثم ترفع لهشجرة عند باب الجنة هي أحسن من الأُوليَيْن، فيقول: أي رب، أدنِني من هذه لأستظلبظلها، وأشرب من مائها، لا أسألك غيرها. فيقول: يا ابن آدم ألم تعاهدني أن لاتسألني غيرها؟ قال: بلى يا رب، هذه لا أسألك غيرها. وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبرله عليها، فيدنيه منها، فإذا أدناه منها سمِع أصوات أهل الجنة، فيقول: أي ربأدخلنيها. فيقول: يا ابن آدم، ما يَصْريني منك(12)؟ أيُرضيك أن أعطيك الدنيا،ومثلها معها؟ قال: يا رب أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟“ فضحك ابن مسعودفقال: ألا تسألوني ممّ أضحك؟ فقالوا: مم تضحك؟ قال: هكذا ضحك رسول الله صلى اللهعليه وسلم، فقالوا: مم تضحك يا رسول الله؟ قال: ”من ضحك ربالعالمين حين قال: أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ فيقول: إني لا أستهزئ منك، ولكنيعلى ما أشاء قادر“. [صحيح مسلموغيره](13)
في هذا دليل واضح على أن الله يضحك حقيقة، فالنبي صلى اللهعليه وسلم ضحك من ضحك الله عز وجل، وضحكه -سبحانه- ليس كضحك المخلوقين، وكيفيته لايعلمها إلا الله عز وجل، وما علينا إلا الإيمان والتسليم.
فهم السلف الصالح لنصوص الصفات:
ثبت عن عدد منأئمة السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم فتابعيهم، أقوال وأفعال تدل علىأنهم فهموا هذه الصفات على الحقيقة كما هو ظاهر النص، فأثبتوها لله عز وجل من غيرتشبيه ولا تكييف ولا تحريف بالمجازات، وما يلي ذكرٌ لمجموعةٍ منها:
- أم المؤمنين عائشة (ت. 58 هـ) رضي الله عنها:
قالت فيصفة السمع لله عز وجل: «الحمد لله الذي وسع سمْعُه الأصوات،لقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تُكلمه، وأنا في ناحية البيت ماأسمع ما تقول، فأنزل الله عز وجل: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَالَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة : 1] إلى آخر الآية».(14)
- الصحابيابن مسعود (ت. 33 هـ) رضي الله عنه:
عن عبد الله بنمسعود -رضى الله عنه- قال: جاء حبر من اليهود فقال: "إنه إذا كان يوم القيامة جعلالله السموات على إصبع ، والأرضين على إصبع، والماء والثرى على إصبع، والخلائق علىإصبع، ثم يهزهن، ثم يقول: أنا الملك أنا الملك." فلقد رأيت النبى صلى الله عليهوسلم يضحك حتى بدت نواجذه تعجبا وتصديقا لقوله؛ ثم قال النبى صلى الله عليه وسلم: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًاقَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِسُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر : 67]
فابن مسعود رضي الله عنه فهم أن ضحك النبي صلى الله عليه وسلم كانلتعجبه وتصديقه لقول اليهودي، من أن الخلائق يوم القيامة ستكون على أصابع الله عزوجل حقيقة، ولكن من غير تشبيهها بصفة المخلوقين، وكيفيتها لا يعلمها إلا هو سبحانه،وواجبنا الإيمان والتسليم.
- سليمان الأعمش (ت. 148 هـ) :
روى الأعمش قول النبي صلى الله عليه وسلم: ”إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل يُقلبها“ [حديث صحيح]، ثم أشار بإصبعيه(15).
- حماد بن أبي حنيفة (ت. 176هـ) :
قال في مناظرة له معالمبتدعة: «قلنا لهؤلاء : أرأيتم قول الله عز وجل{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر : 22] وقوله عز وجل: {هَلْيَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِوَالْمَلَائِكَة ُ} [البقرة : 210] فهل يجيءربنا كما قال؟ وهل يجيء الملك صفًا صفًا؟ » قالوا: أما الملائكة فيجيئون صفاصفا، وأما الرب تعالى فإنا لا ندري ما عنى بذلك، ولا ندري كيف جيئته. فقلنا لهم: «إنا لم نكلفكم أن تعلموا كيف جيئته، ولكنا نكلفكم أن تؤمنوابمجيئه، أرأيتم من أنكر أن الملك لا يجيء صفا صفا، ما هو عندكم؟ » قالوا: كافرمكذب.
قلنا: «فكذلك من أنكر أن الله سبحانه لا يجيء فهوكافر مكذب». (16)
- حمّاد بن زيد (http://as-salaf.com/article.php?aid=108&lang=ar) (ت. 179 هـ) :
قال: «مَثَلُ الجهمية مثل رجل قيل له: أفي دارك نخلة؟قال: نعم. قيل: فلها خوص؟ قال: لا. قيل: فلها سعف؟ قال: لا. قيل: فلها كرب؟ قال: لا. قيل: فلها جذع؟ قال: لا. قيل: فلها أصل؟ قال: لا. قيل: فلا نخلة في دارك. هؤلاءمِثل الجهمية قيل لهم:
لكم ربّ؟ قالوا: نعم. قيل: يتكلم؟ قالوا: لا. قيل: فلهيد(17)؟ قالوا: لا. قيل: فله قدم(18)؟ قالوا: لا. قيل: فله إصبع؟ قالوا: لا. قيل: فيرضىويغضب؟ قالوا: لا. قيل: فلا رب لكم! » إسناده صحيح.(19)
- يحيى بن سعيد القطان (ت. 198 هـ) :
قال عبد الله ابنالإمام أحمد بن حنبل: سمعت أبـي رحمه الله: حدثنا يحيى بن سعيد بحديث سفيان ... عنالنبي صلى الله عليه وسلم: ”أن الله يمسك السموات علىأصبع“ قال أبي رحمه الله: جعل يحيى يشير بأصابعه، وأراني أبي كيف جعل يشيربأصبعه، يضع أصبعا أصبعا حتى أتى على آخرها.(20)
- أبو معمر الهذلي (ت. 236 هـ) :
قال: «من زعم أن الله عز وجل لا يتكلم، ولا يسمع، ولا يبصر، ولا يغضب،ولا يرضى -وذكر أشياء من هذه الصفات-، فهو كافر بالله عز وجل، إن رأيتموه على بئرواقفًا فألقوه فيها، بهذا أدين الله عز وجل، لأنهم كفار بالله»(21) إسنادهصحيح.
- الإمام أحمد بن حنبل (ت. 241 هـ) :
روى الخلال في كتابه "السنة" أن أبا بكر المروزي حدث بحديث ”إن الله يمسك السموات على أصبع“ عن الإمام أحمد وقال: رأيتأبا عبد الله يشير بإصبع إصبع.(22)
- عمرو بنعثمان المكي الصوفي (297 هـ) :
قال في كتابه "أداب المريدين والتعرفلأحوال العبّاد" في باب: ما يجيء به الشياطين للتائبين : «وأما الوجه الثالث الذي يأتي به الناس إذا هم امتنعوا عليهواعتصموا بالله، فإنه يوسوس لهم في أمر الخالق ليفسد عليهم أحوال التوحيد ...» وذكر كلاما طويلا إلى أن قال: «فهذا من أعظم مايوسوس به في التوحيد بالتشكيك، وفي صفات الرب بالتشبيه والتمثيل، أو بالجحد لهاوالتعطيل، وأن يُدخل عليهم مقاييس عظمة الرب بقدر عقولهم؛ فيهلكوا إن قبلوا، أويضعضع(23) أركانهم، إلا أن يلجأوا في ذلك إلى العلم، وتحقيق المعرفة بالله عز وجلمن حيث أخبر عن نفسه، ووصف به رسوله؛ فهو تعالى القائل: {أناالله} لا الشجرة. الجائي هو لا أمره، المستوي على عرشه بعظمة جلاله دون كلمكان، الذي كلم موسى تكليما، وأراه من آياته عظيمًا، فسمع موسى كلام الله الوارثلخلقه، السميع لأصواتهم، الناظر بعينه إلى أجسامهم، يداه مبسوطتان وهما غير نعمتهوقدرته، وخلق آدم بيده»(24).
أقوالأئمة السنة ممن جاء بعدهم:
- ابن جريرالطبري (ت. 310 هـ) :
ذكر مجموعة من الصفات منها: اليد، والسمع، وصفةالنزول، والبصر، والضحك، وغيرها مما ثبت في نصوص القرآن والسنة، ثم قال: «فإن قال لنا قائلٌ: فما الصواب من القول في معاني هذه الصفات التيذكرت، وجاء ببعضها كتاب الله عز وجل ووحيه، وجاء ببعضها رسول الله صلى الله عليهوسلم؟
قيل: الصواب من هذا القول عندنا: أن نُثبت حقائقها على ما نعرف من جهةالإثبات، ونفي التشبيه كما نفى ذلك عن نفسه –جل ثناؤه- فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى : 11]».(25)
- أبو العباس السراج الشافعي (ت. 313 هـ) :
قال: «من لم يقر ويؤمن بأن الله تعالى: يعجب، ويضحك، وينزل كل ليلة إلىالسماء الدنيا فيقول: ”مَن يسألني فأعطيه؟“؛ فهوزنديق كافر، يُستتاب، فإن تاب وإلا ضُرب عنقه»(26).
- أبو أحمد الكرجي القصاب (ت. 360 هـ) :
قال في كتاب "السنة" له: «كل صفة وصف الله بها نفسه أو وصف بها نبيه، فهيصفةٌ حقيقةً لا مجازًا»(27).
- أبو عمرالطلمنكي المالكي (ت. 429 هـ) :
قال في كتاب "الوصول إلى معرفة الأصول" : (قال قوم من المعتزلة والجهمية: لا يجوز أن يسمى الله عز وجل بهذه الإسماء علىالحقيقة ويسمى بها المخلوق. فنفوا عن الله الحقائق من أسمائه، وأثبتوها لخلقه، فإذاسُئلوا ما حملهم على هذا الزيغ؟
قالوا: الإجتماع في التسمية يوجب التشبيه. قلنا: هذا خروج عن اللغة التي خوطبنا بها لأن المعقول في اللغة أن الإشتباه في اللغة لاتحصل بالتسمية، وإنما تشبيه الأشياء بأنفسها أو بهيئات فيها كالبياض بالبياض،والسواد بالسواد، والطويل بالطويل، والقصير بالقصير، ولو كانت الأسماء توجب إشتباهالاشتبهت الأشياء كلها لشمول إسم الشيء لها، وعموم تسمية الأشياء به، فنسألهم: أتقولون إن الله موجود؟ فإن قالوا: نعم، قيل لهم: يلزمكم على دعواكم أن يكون مشبهاللموجودين»(28).
- أبو الحسن ابن القزوينيالشافعي (ت. 442 هـ) :
أخرج الخليفة العباسي القائم بأمر الله الاعتقادالقادري في سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، فقُرئ في الديوان، وحضر الزهاد والعلماء،وممن حضر: الشيخ أبو الحسن علي بن عمر القزويني، فكتب بخطه تحته قبل أن يكتبالفقهاء: «هذا قول أهل السنة، وهو اعتقادي، وعليهاعتمادي».
ومما جاء في الاعتقاد القادري: «وما وصفالله سبحانه به نفسه، أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو صفات الله عزوجل على حقيقته لا على سبيل المجاز»(29).
- ابن عبد البر المالكي (ت. 463 هـ) :
قال في "التمهيد": «أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردةكلها في القرآن والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهملا يُكيّفون شيئا من ذلك، ولا يحدون فيه صفة محصورة. وأما أهل البدع والجهميةوالمعتزلة كلها والخوارج؛ فكلهم ينكرها، ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة، ويزعمونأن من أقَرّ بها مُشبّه»(30).
وقال في "الاستذكار": «أقول: إن الله ليس بظلام للعبيد، ولو عذبهم لم يكن ظالمًا لهم،ولكنْ جلّ مَن تَسمّى بالغفور الرحيم الرءوف الحكيم، أن تكون صفاته إلا حقيقةً لاإله إلا هو، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } [الأنبياء : 23]»(31).
- أبو القاسم إسماعيل الأصبهاني الشافعي (ت. 535 هـ) :
قال: «ولا يجوز إضافة المجاز إلى صفات اللهتعالى». (32)
- ابن القيم الحنبلي (ت. 751هـ) :
قال في "إعلام الموقعين" : «وقد تنازعالصحابة في كثير من مسائل الأحكام وهم سادات المؤمنين وأكمل الأمة إيمانا ولكن بحمدالله لم يتنازعوا في مسألة واحدة من مسائل الأسماء والصفات والأفعال، بل كلهم علىإثبات ما نطق به الكاتب والسنة كلمة واحدة من أولهم إلى آخرهم؛ لم يسوموها تأويلا،ولم يحرفوها عن مواضعها تبديلا، ولم يبدوا لشيء منها إبطالا، ولا ضربوا لها أمثالا،ولم يدفعوا في صدورها وأعجازها، ولم يقل أحد منهم يجب صرفها عن حقائقها وحملها علىمجازها، بل تلقوها بالقبول والتسليم، وقابلوها بالإيمان والتعظيم، وجعلوا الأمرفيها كلها أمرًا واحدًا، وأجروها على سنن واحد.»
- ابن رجب الحنبلي (ت. 795 هـ) :
قال في "ذيل طبقاتالحنابلة"، في ترجمة الحافظ عبد الغني المقدسي الحنبلي:
«وأما قوله: "ولا أنزهه تنزيهاً ينفي حقيقة النزول"، فإنْ صح هذاعنه، فهو حق، وهو كقول القائل: لا أنزهه تنزيهاً ينفي حقيقة وجوده، أو حقيقة كلامه،أو حقيقة علمه، أو سمعه وبصره، ونحو ذلك».
وغيرهم، اقتصرنا على مَن ذكرنااختصارًا.
وبهذا يتبين أن الحق هو إثبات هذه الصفات كما جاءت في نصوص الكتابوالسنة، نثبتها لله عز وجل حقيقةً من غير تشبيه ولا وصفٍ لكيفيتها، ومن لم يبلغ ذلكعقله، فعليه التسليم، فلم يوجب الله علينا إدراكه.
الاستغاثة بغير الله تعالى شرك
الحمد لله الذي منّ على المؤمنين فجعل دعاءهم إياه عبادة، وتفضل عليهم فأكرمهم مع ذلك بتعجيل الإجابة أو تأجيل الرّفادة، والصلاة والسلام على من حصر الله في اتباعه السعادة، وآله وصحبه أهل الفضل والريادة.
اعلم- أخي المسلم- أن المنكر إذا فشا في الناس وتعاظم وإن كان من قبيل الصغائر، فإن الصالحين يشملهم غضب الله إن هم استمرؤوا عدم الإنكار عليهم، فكيف إذا كان من جنس الكبائر، أو جنس أكبر الكبائر؟!
ثم اعلم أن انتشار الفساد لا يزيد أهل الإيمان إلا تشبثا بدينهم وعقيدتهم تحقيقا لسنة الله في المدافعة بين الحق والباطل، وتصديقا لسنة أبي القاسم -صلى الله عليه وسلم- في صفة أهل الغربة، وأنه يأتي على الناس زمانٌ القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صى الله عليه وسلم: ”بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا، فطوبى للغرباء“ وزاد أحمد في مسنده:
قيل: "يا رسول الله من الغرباء؟" قال: ”الذين يصلحون إذا فسد الناس.“
وقال الفضيل بن عياض: «عليك بطريق الحق ولا تستوحش من قلة السالكين وإياك وطريق الباطل ولا تغتر بكثرة الهالكين.»
وإليك أخي التذكرة فخذها بقوة تنفعْك في الآخرة:-
أولا: بيان أن الدعاءَ : عبادة
بيّن الله ذلك في آيات كثيرة جدًا، منها قوله تعالى: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر : 60] وكان يمكن أن يقول (إن الذين يستكبرون عن دعائي) كما هو مقتضى صدر الآية، فلما استبدل بقوله "دعائي" قولَه {عبادتي} دل أنه جعل "الدعاء هو العبادة"، وهذا عين ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أصلا من حديث النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ”الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ“ ثُمَّ قَرَأَ {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [رواه الترمذي بإسناد صحيح]
وذلك نظير قول القائل: " تفضّل علي بالزيارة ,إنك إن أبيت صلتي أغضبْ "،فجعل الزيارة هي الصلة.
ثانيا:
إذا تقرر ذلك – وهو جلي جدًا- فإنك إن قصدت أحد المخلوقين مهما عظم شأنه ولو كان سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، وقرأت حاجتك بين يدي قبره، كأن تطلب زيادة رزق، أو تفريج كرب، أو تستشفي، أو تشكو هما، بِنيّة أن يخلصك منه، ولو دون طلب صريح، فقد صرفت شيئا من العبادة لغير الله تعالى، ولذلك قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأعراف : 194] فدلت هذه الآية على أن من يحتج قائلا: "دعوناهم وجاءت الإجابة" على معاندة الرب الجليل، ومعارضة تحديه، ولم يعرف المسكين أن الله يستدرجهم ويفتنهم بتحقيق الإجابة، كما قال سبحانه {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف : 5].
- وقال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } [الجن : 18] والنكرة في سياق النهي تدل على العموم، فإما أن تدعو الله وتطلب أيضا من غيره، فتكون دعوت (مع) الله أحدا؛ وإما أن تدعو الله وحده، فتسلم.
والله يُحب للعبد أن يحِب (فيه) و(له)، ويكره للعبد أن يشرِك به فيُحِب (معه) بالتوجه لغيره، كما قال تعالى في وصف المشركين مع آلهتهم: {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ } [البقرة : 165] أي لأنهم دعوا غير الله معه، ولم ينفِ عنهم حبًا لله، فتدبر!
ثالثا:
كلما عظم الكرب كانت الاستغاثة بغير الله، أو دعاؤه، أو سمها ما شئت، بزيارة قبره وتسمية الحاجة عنده أشد شركا، وأعظم اجتراءً على مقام الإلهية، ذلك أن الله تعالى يقول واصفًا المشركين الأوائل: {فإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [العنكبوت : 65] ولها في الكتاب العزيز نظائر كثيرة، فتأمل وصفه المشركين بالإخلاص في الدعاء حال النازلة، ثم إثباته لشركهم حال النجاة، فاحتج عليهم سبحانه بدعائهم إياه حال الشدة والعسر، على بطلان دعائهم غيره حال الرخاء واليسر، والمعنى أنهم يعودون لما نهوا عنه من دعاء الصالحين، وقصدهم بطلب الحوائج مع كون ما يطلبونه منهم مما لا يقدر عليه إلا الله، إما حال حياتهم، وإما لكونه مقدورًا في الأصل في حياتهم ولكنه غير مقدور لأجل موتهم.
فسل نفسك أخي..هل يكون مخلصا في دعائه من يقول:يا فلان اجلب لي الولد أم يكون مشركا إذ سأل المخلوق ما حقه أن يختص بالخالق"وما أضلنا إلا المجرمون* إذ نسويكم برب العالمين"..وإذا علمت أنه مامن مشرك قط قال: أنا أعدل غير الله بالله..علمت معنى التسوية في الآية
رابعا: تفنيد شبهتين مشهورتين عند من يدعون الصالحين:-
اعتاد أهل الزيغ أن يلبسوا الحق بالباطل، فقالوا: إنما نتوجه للصالحين بالطلب لا اعتقادًا باستقلال نفعهم وضرهم، وإنما لمقامهم عند الله، فنتخذهم وسيلة إلى الرب.
والرد على هذا إذا قصدنا استيفاءه مما يطول ولا يسعنا هنا إلا القصر على رد موجز، وهو يأتلف من جزئين:-
1-بيان أن المشركين كأبي جهل وأضرابه كانوا مقرين بأن الله متفرد بكمال الخلق والتدبير والملك، كما بينه الله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [يونس : 31]
2-وبيان أنهم كانوا مع ذلك يدعون غير الله فلم يعتدّ الله باعترافهم لأن فعلهم ناقضه، وحاصله أنهم أثبتوا نفعا جزئيا لمن يدعونهم، فقالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر : 3]
وقالوا: {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس : 18] فرد الله عليهم دعواهم بقوله سبحانه: {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس : 18]
وذلك عين ما يقوله زوار المقامات اليوم، فهم يحتجون تارة باتخاذهم وسيلة وقربى، وتارة بالشفاعة، ولو قدّر جدلا أنه يمكن تصور إنسان يدعو غير الله بلفظه مع جزمه بنفي الضرر والنفع مطلقا عن الأولياء، وادعى أنه إنما يقصد دعاء الله وحده، وأن ذكر اسم الولي من باب التيمن- مثلا- فحسب، فإن صيغة دعائه -وإن على هذا الفرض الخيالي- لابد مورثته تعلقَ الأسباب بهم وهو يؤول للشرك إذن.
وكذلك فإن اعتقاد هؤلاء بأن الصالحين يوصلون حاجاتهم للمولى عز وجل، يجعل همتهم تنصرف إلى تعظيمهم، والغلو فيهم، حتى يرضى هؤلاء عنهم فيقبلوا التوسّط إلى الله! وهذا عين الشرك أيضا.
وأيضا فإن قناعة المستغيثين بهم أنهم غوث كل مكروب يعني أنهم أحاطوا علما بالحاجات الملقاة إليهم في وقت واحد، ولا يكون ذلك إلا للعليم الخبير، فاشتمل فعلهم على الشرك في الألوهية والربوبية معا.
ثم إن دعوى التوسل بهم إلى الله لفضلهم تنقضها الصيغة المبدوءة بـ«يا» التي للنداء، ثم تعقيبها بخطاب المدعو مباشرة بطلب الحاجة التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى، وبعضهم يتحذلق ويقول: إننا نناديهم ولا ندعوهم! فيقال إن الله قال {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ} [الأنبياء : 76].
وتنقضها كذلك واقع الحال، فإن المشاهد لأحوال هؤلاء يدرك أنهم يعتقدون تأثيرا بالنفع والضر يختص بهؤلاء المعظمين عندهم، فمن أنكر ذلك مع إصراره على هذا النداء للأموات كمن يقول: "أعبد الله وحده" أثناء سجوده للصنم، والله المستعان.
الشبهة الثانية: قولهم إن المشركين إنما دعوا أصناما، فالجواب باختصار من وجهين:
الأول: أن اللات التي نعى الله عليهم دعاءها ليست إلا علما على رجل صالح كان يلتّ السويق للحجاج، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما؛ فكانوا على التحقيق يدعونه، وقس على اللات غيره كيغوث ويعوق ونسر، سواء بسواء، كما يدعو أهل زماننا موتى الصالحين أو من يظنونهم كذلك.
الثاني أن الآيات التي تقدم ذكرها وغيرها عامة وجلية في بيان أن من دعا غير الله، أو ناداه، فقد اتخذه إلهًا، وإن ادعى عدم ذلك، والقول بتخصيصها بالأصنام تحكم مبناه على اتباع الهوى لاغير، فلا يسعفه علة، ولا يدل عليه معنى، وإليك بيانه باختصار:
قال تعالى : {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون : 117] ولما كان الله تعالى لا معبود بحق سواه، ثبت أن ليس ثَمّ إلهٌ عليه برهان، فكان من يدعو غير الله تعالى متخذًا إلها آخر ولابد، وتأمل إن شئت خاتمة الآية {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}.
ومما يدل على العموم، وأنه غير مختص بالأصنام الحجرية، قوله تعالى: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [فاطر : 14]، هذه الآية نص في كون دعاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى شرك كما تراه جليًا، وكذلك فيها إشارة إلى أن المدعوين من العقلاء وغيرهم أيضا، وإن كان متعلق الخطاب بالعقلاء أظهر لقوله {يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ}؛ واشتملت أيضا على الإيماء بأن من يصر فيدعو موتى الصالحين، لم يقبل خَبَر الخبير الغيبي، ولا أمره العيني.
بيان: متى تكون الاستعانة أو الاستغاثة بغير الله جائزة:-
قد يشكل هذا الكلام على أقوام فيقال إذا كانت الاستغاثة بغير الله شركا فما حال الغريق الموشك على الهلكة وحوله أناس قد ينقذونه؟
الجواب أن الله تعالى إنما حرم الاستغاثة بغيره فيما جرت العادة أنه لا يقدر عليه إلا الله تعالى، ولذلك قال عز في علاه: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [فاطر : 14]
أما طلب المعونة والنجدة من الحي بشرط أن تكون في دائرة المقدورات عادة فلا يؤاخذ عليها وليست من الشرك في شيء.
وختاما..
فإن الله أرشدنا لدعائه هو فقال:
{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ} [البقرة : 186]، فكل من دعا غيره لم يقنع بقربه تعالى، كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم وقال لحبر الأمة ”إذا سألت فاسأل الله، و إذا استعنت فاستعن بالله“ [رواه الترمذي وقال حسن صحيح].
ثم تفضل علينا سبحانه ببيان المسلك الذي يحبه في دعائه هو، فقال: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } [الأعراف : 180] فأرشد لطريقة دعائه.
ثم حذر من الوقوع في الشرك به بدعاء غيره فقال سبحانه:{وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ * وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس : 106 ، 107].
ثم تحدى من يدعون غيره وتهكم بهم فقال: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا} [الإسراء : 56]
ثم أثبت أن من تلبس بهذا المنكر فقد أشرك لأن دعاء غيره ليس إلا اتخاذه إلها، فقال {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ } [النمل : 62]، فإياك أخي ثم إياك أن تقطع حبل الله الممدود إليك بنصب الوسائط بينك وبين الله، وقد وقع في عبادتهم من فعل ذلك، وإن كان يزعم التوصلّ بهم إلى الرب ويسمي فعله التوسلّ، كذلك فعل الذين من قبل فقالوا مثل هذا.
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اقرءوا هذه المواقع
http://as-salaf.com/ (http://as-salaf.com/)
http://www.khayma.com/kshf/K/SHERK.
Htm
أنواع التوحيد ثلاثة: توحيد الربوبية, وتوحيد الإلهية, وتوحيد الأسماءوالصفات,
توحيد الربوبية: هو إفراد الله تعالى بالخلق والرزقوالإحياء والإماتة وسائر أنواع التصريف والتدبير لملكوت السماوات والأرض, وإفرادهتعالى بالحكم والتشريع بإرسال الرسل وإنزال الكتب, قال اللهتعالى:(أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأٌّمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُرَبُّ الْعَالَمِينَ)
وتوحيد الألوهية: هو إفراد الله تعالى بالعبادة فلا يعبد غيره, ولا يدعى سواه, ولا يستغاث ولا يستعانإلا به, ولا ينذر ولا يذبح ولا ينحر إلا له, قال الله تعالى :( قُلْإِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَشَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ). وقال: ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر )ْ
وتوحيد الأسماء والصفات: هو وصف الله تعالىوتسميته بما وصف وسمى به نفسه،وبما وصفه وسماه به رسوله صلى الله عليه وسلم فيالأحاديث الصحيحة, وإثبات ذلك له من غير تشبيه ولا تمثيل ومن غير تأويل ولا تعطيل, ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ...
وبالله التوفيق، وصلىالله على نبينا محمد, وآله وصحبه وسلم.
أكبر دليل على الحكم بكون مسألة ما من مسائل الكفر هو أن يرد فيها نص شرعي، ففي الحديث الصحيح: إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله. رواه الطبراني. وقد روى أحمد وأبو داودوالترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد. وفي رواية: من أتى ساحرا أو كاهنا أو عرافا... وفي الحديث: ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، وقاطع الرحم، ومصدق بالسحر. رواه ابن حبان وغيره.
ومن الواضح في الأمر أن الاستغاثة دعاء، والدعاء عبادة، والعبادة صرفها لغير الله شرك كما قال سبحانه وتعالى: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ * وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. {يونس: 106-107}.
وأما السحرة فإنهم في الغالب يكذبون فيما يخبرون به، ويأتون بالخرافات التي تتعارض مع العقيدة، فمن أتاهم وصدقهم في قولهم معتقدا علمهم بالغيب فإنه يكفر وذلك لإشراكه بهم مع الله في علم الغيب الذي استأثر به لنفسه. قال سبحانه: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ. {النمل:65}.
إجراء نصوص القرآن والسنة على ظاهرها دون تحريف لاسيما نصوص الصفات حيث لا مجال للرأي فيها.
ودليل ذلك: السمع، والعقل أما السمع: فقوله تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:193] وقوله: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف:2] وقوله: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الزخرف:3] وهذا يدل على وجوب فهمه على ما يقتضيه ظاهره باللسان العربي إلا أن يمنع منه دليل شرعي وقد ذم الله تعالى اليهود على تحريفهم، وبين أنهم بتحريفهم من أبعد الناس عن الإيمان فقال: أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:75] وقال تعالى:مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا [النساء:46] الآية وأما العقل: فلأن المتكلم بهذه النصوص أعلم بمراده من غيره، وقد خاطبنا باللسان العربي المبين فوجب قبوله على ظاهره وإلا لاختلفت الآراء وتفرقت الأمة
والمراد بالظاهر: الظاهر الشرعي، وذلك بإثبات الصفات الواردة في الكتاب والسنة على حقيقة الإثبات وتنزيه الخالق عن مشابهة الخلق له في تلك الصفات مع قطع الطمع عن إدراك الكيفية – ... – وبهذا يعلم أن معاني نصوص الصفات مفهومة، وأن إدراك كيفية الصفات شيء ممتنع. فما يتبادر إلى الذهن من المعاني الشرعية هو المراد بالظاهر.
وأما ترك التحريف، فالمراد به عدم التسلط على نصوص الصفات بصرف معانيها المتبادرة بأصل الوضع أو السياق إلى معاني أخرى غير متبادرة، وهذا الذي يسميه أهله تأويلاً،. ...
المسألة الأولى دواعي حمل النصوص على ظاهرها
وهذه الدواعي هي أدلة كلية تبين أن حمل نصوص الصفات على ظاهرها متعين، وهو أمر لا خفاء فيه ولا غموض، ويمكن حصرها... في أربعة أدلة:
الدليل الأول: وصف القرآن بالبيان والهدى:
إذا كان السامع متمكناً من الفهم، وكان خطاب المتكلم بيناً واضحاً، فهم المخاطب مراد المتكلم بكلامه. وقد وصف الله تعالى كتابه بأنه تبيان لكل شيء فقال: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ [النحل: 89] وقال: وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [النحل: 64]، وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم: 4]، وقال تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل: 44].
فاتضح من هذه النصوص – وغيرها كثير – أن كتاب الله تعالى فيه بيان الحق للناس، وأنه قد أنزل بلسان عربي مبين، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم – مبين للناس هذا الكتاب بلسان قومه، فهذا يفيد أن نصوص الصفات مما بينه الله تعالى للناس، وهي كثيرة جداً وتتناول كل الصفات مثل العلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والحياة والإرادة والاستواء واليدين والوجه والغضب والرضا، ولا يوجد مع هذا دليل واحد يفيد أن هذه النصوص مراد بها خلاف ظاهرها. فإخلاء المتكلم كلامه من قرينة تفيد أن ظاهره غير مراد ينافي بيانه وإرشاده، مع ملاحظة الأمور الآتية:
الأمر الأول: إن الله تعالى أعلم بما ينزل .
الأمر الثاني: إنه لو كان الظاهر غير مراد لجاء البيان بذلك – إذ تأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع، ووقت الحاجة هو وقت الخطاب، وعلى فرض جواز تأخره إلى ما بعد ذلك فلا يجوز تأخيره بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أنه على كثرة النصوص الواردة بذكر الصفات لم يأت نص واحد يصرفها عن ظاهرها. فعلم بهذه الأمور مجتمعة أن خطاب الشرع في صفات رب العالمين يجب حمله على ظاهره إذ المخاطب أعلم بما ينزل وكلامه هدى وبيان وقد أخلاه عما يصرفه عن ظاهره.
الدليل الثاني: وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم – المبين للكتاب – كما قال الله تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل: 44] وهو الهادي إلى صراط مستقيم كما قال الله تعالى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [الشورى: 52] قد اشتملت سنته على ذكر الصفات لله تعالى، إما تصريحاً بالقول وإما إقراراً، وكل من القول والإقرار إما أن يكون قد ورد مثله في القرآن أو لم يرد، وكل من ذلك إما صفات فعلية أو ذاتية.
فمثال قوله صلى الله عليه وسلم في الصفات وهي مذكورة في القرآن: صفة اليدين، وصفة الاستواء، فالأولى صفة ذاتية، والثانية فعلية ...
ومثال قوله صلى الله عليه وسلم في صفات لم يأت ذكرها في القرآن: الضحك والأصابع. ومثال إقراره صلى الله عليه وسلم – لبعض الصفات، وهي مذكورة في القرآن: الاستواء، كما هو في حديث الجارية، لما سألها أين الله؟ قالت في السماء، فقال لسيدها ((أعتقها فإنها مؤمنة))ومثال إقراره صلى الله عليه وسلم لبعض الصفات، ولم يأت ذكرها في القرآن: الأصابع، كحديث الحبر اليهودي،... وقد يفسر الرسول صلى الله عليه وسلم – صفة قد لا يفهم من نص القرآن أنها صفة لله تعالى كصفة الساق.
الدليل الثالث: فهم الصحابة لها أن ظاهرها مراد.....
الدليل الرابع: إجماع الأئمة على أن ظاهرها مراد.
قال الوليد بن مسلم: (سألت الأوزاعي ومالك بن أنس وسفيان الثوري والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي فيها الرؤية وغير ذلك، فقالوا: أمضها بلا كيف) وفي رواية أنه سألهم (... عن الأحاديث التي فيها الصفات فكلهم قال: أمروها كما جاءت بلا تفسير) . وقال أبو عبيد القاسم بن سلام (هذه الأحاديث صحاح حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض وهي عندنا حق لا نشك فيه...) وقال الإمام أحمد: (ولا تفسر هذه الأحاديث إلا مثل ما جاءت ولا نردها...) وقال الإمام أبو عمر بن عبد البر (ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز، إذ لا سبيل إلى أتباع ما أنزل إلينا من ربنا تعالى إلا على ذلك، وإنما يوجه كلام الله عز وجل إلى الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم. ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبارات، وجل الله أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب من معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين. والاستواء معلوم في اللغة مفهوم، وهو العلو والارتفاع على شيء.. إلخ) اهـ .
وأقوال الأئمة كثيرة في هذا الباب يصعب حصرها، وفيما ذكر الكفاية وبالله التوفيق.
فهذا الذي تقدم يدل دلالة قاطعة على أن ما جاء في نصوص الصفات حق على ظاهره المراد شرعاً، فيجب إثباتها بلا تمثيل، وتنزيه الله عن مشابهة خلقه فيها بلا تعطيل، ذلك أن ذكرها في القرآن بلا قرينة تصرفها عن ظاهرها ثم تأكيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك في سنته قولاً وإقراراً بذكرها كما وردت في القرآن، بل يذكر صفات أخرى لم ترد فيه وهو الذي قال الله فيه: وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم: 3-4] يدل دلالة قاطعة أن نصوص الصفات يجب إجراؤها على ظاهرها، إذ المأمور ببيان الدين لم يصرف عن ظاهرها – وهذا أمر بين
الحمد لله
استدلّ أهل السنة على علو الله تعالى على خلقه علواً ذاتياً بالكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة :
أولا : فأما الكتاب فقد تنوعت دلالته على علو الله ، فتارة بذكر العلو، وتارة بذكر الفوقية ، وتارة بذكر نزول الأشياء من عنده ، وتارة بذكر صعودها إليه ، وتارة بكونه في السموات...
فالعلو مثل قوله : ( وهو العلي العظيم ) البقرة/255 ، ( سبح اسم ربك الأعلى ) الأعلى/1.
والفوقية: ( وهو القاهر فوق عباده ) الأنعام/18 ، ( يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ) النحل/50.
ونزول الأشياء منه، مثل قوله : ( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض) السجدة/5 ، ( إنا نحن نزلنا الذكر ) الحجر/9 وما أشبه ذلك .
وصعود الأشياء إليه ، مثل قوله : ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) فاطر/10 ومثل قوله : ( تعرج الملائكة والروح إليه ) المعارج/4.
كونه في السماء ، مثل قوله: ( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ) الملك /16.
ثانياً: وأما السنة فقد تواترت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله وإقراره :
فمما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم في ذكر العلو والفوقية قوله ( سبحان ربي الأعلى ) كما كان يقول في سجوده وقوله في الحديث : ( والله فوق العرش ) .
(2) وأما الفعل ، فمثل رفع أصبعه إلى السماء ، وهو يخطب الناس في أكبر جمع ، وذلك في يوم عرفه، عام حجة الوداع فقال علية الصلاة والسلام ( ألا هل بلغت؟ ) . قالوا : نعم ( ألا هل بلغت؟ ) قالوا: نعم ( ألا هل بلغت؟ ) قالوا : نعم . وكان يقول : ( اللهم ! أشهد ) ، يشير إلى السماء بأصبعه ، ثم يُشير إلى الناس . ومن ذلك رفع يديه إلى السماء في الدعاء كما ورد في عشرات الأحاديث . وهذا إثبات للعلو بالفعل .
(3) وأما التقرير، كما جاء في حديث الجارية التي قال لها النبي صلى الله عليه وسلم : أين الله؟ قالت : في السماء. فقال : ( من أنا؟ ) قالت : رسول الله . فقال لصاحبها : ( أعتقها، فإنها مؤمنة ) .
فهذه جارية غير متعلمة كما هو الغالب على الجواري ، وهي أمة غير حرة ، لا تملك نفسها، تعلم أن ربها في السماء، وضُلّال بني آدم ينكرون أن الله في السماء ، ويقولون: إنه لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال بل يقولون : إنه في كل مكان !!.
ثالثاً: وأما دلالة الإجماع ، فقد أجمع السلف على أن الله تعالى بذاته في السماء ، كما نقل أقوالهم أهل العلم كالذهبي رحمه الله في كتابه : " العلوّ للعليّ الغفار " .
رابعاً: وأما دلالة العقل فنقول إن العلو صفة كمال باتفاق العقلاء ، وإذا كان صفة كمال، وجب أن يكون ثابتاً لله لأن كل صفة كمال مطلقة ، فهي ثابتة لله .
خامساً: وأما دلالة الفطرة: فأمر لا يمكن المنازعة فيها ولا المكابرة ، فكل إنسان مفطور على أن الله في السماء، ولهذا عندما يفجؤك الشيء الذي لا تستطيع دفعه ، وتتوجه إلى الله تعالى بدفعه، فإن قلبك ينصرف إلى السماء وليس إلى أيّ جهة أخرى ، بل العجيب أنّ الذين ينكرون علو الله على خلقه لا يرفعون أيديهم في الدعاء إلا إلى السماء .
وحتى فرعون وهو عدو الله لما أراد أن يجادل موسى في ربه قال لوزيره هامان : ( يا هامان ابن لي صرحاً لعلي ابلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى .. الآية ) . وهو في حقيقة أمره وفي نفسه يعلم بوجود الله تعالى حقّا كما قال عزّ وجلّ : ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ) .
فهذه عدّة من الأدلة على أن الله في السماء من الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة بل ومن كلام الكفار نسأل الله الهداية إلى الحق .
وقد سئل شيخ الإسلام عن القرآن: هل هو حرف وصوت؟ فأجاب بأن إطلاق هذا الجواب – نفياً وإثباتاً – من البدع المولدة، الحادثة بعد المئة الثالثة، ثم قال: "والصواب الذي عليه سلف الأمة، كالإمام أحمد والبخاري صاحب الصحيح في كتاب (خلق أفعال العباد)، وغيره، وسائر الأئمة قبلهم وبعدهم – أتباع النصوص الثابتة، وإجماع سلف الأمة, وهو أن القرآن جميعه كلام الله، حروفه ومعانيه، ليس شيء من ذلك كلاماً لغيره... وأن الله يتكلم بصوت كما جاءت به الأحاديث الصحاح..." .
وهذا من دقة السلف رحمهم الله في مسائل العقيدة، وخاصة ما يتعلق منها بالله وصفاته. حيث إنهم لا يبتدعون كلاماً جديداً، بل يصفون الله بما وصف به نفسه, ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، ولما لم يرد إطلاق أن القرآن بحرف وصوت لم يطلقوه عليه كما يفعله البعض، وإنما يقولون: القرآن كله حروفه ومعانيه كلام الله، كما يقولون إن الله نادى موسى، والنداء لا يكون إلا بصوت، والرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أن الله ينادي بصوت. ومن المعلوم أن الكلام إذا أطلق فإنه يشمل الحروف والمعاني, وهذا هو الذي فهمه السلف من صفة الكلام لله تعالى – على ما يليق بجلاله وعظمته -.
ولكن لما وجد – في أهل البدع – من ينكر الحرف والصوت لينكروا كلام الله، بين السلف أن كلام الله شامل للحروف والمعاني، وأنه تعالى يتكلم بصوت، كما يصفونه بما ورد من التكليم, والمناداة, والمناجاة .
وقد وردت نصوص فيها ذكر الحرف في كلام الله، وهو القرآن، ومن ذلك حديث: ((إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف))، وحديث ((أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك، فاتحة الكتاب, وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته))، وحديث ((أقرأني جبريل على حرف...)). وحديث: ((إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف))وحديث: ((من قرأ حرفاً من كتاب الله...)). وغيرها
http://www.salafi.com/ (http://www.salafi.com/)
http://www.ahlos-sunnah.com/daleel/ (http://www.ahlos-sunnah.com/daleel/)
www.sultan.org/a/ (http://www.sultan.org/a/)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فلّما كانت العقيدة الصحيحة هي أصل دين الإسلام، وأساس الملة، رأيت أن تكون هي موضوع المحاضرة، ومعلوم بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة أن الأعمال والأقوال إنما تصح وتقبل إذا صدرت عن عقيدة صحيحة، فإن كانت العقيدة غير صحيحة بطل ما يتفرع عنها من أعمال وأقوال، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[1] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn1#_ftn1)، وقال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.[2] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn2#_ftn2)
والآيات في هذا المعنى كثيرة، وقد دل كتاب الله المبين وسنة رسوله الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم، على أن العقيدة الصحيحة تتلخص في: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، فهذه الأمور الستة هي أصول العقيدة الصحيحة التي نزل بها كتاب الله العزيز، وبعث الله بها رسوله محمداً - عليه الصلاة والسلام-، ويتفرع عن هذه الأصول كل ما يجب الإيمان به من أمور الغيب، وجميع ما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم. وأدلة هذه الأصول الستة في الكتاب والسنة كثيرةٌ جداً، فمن ذلك قول الله سبحانه: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَة ِوَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ}[3] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn3#_ftn3). وقوله سبحانه:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}[4] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn4#_ftn4) الآية، وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا}[5] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn5#_ftn5). وقوله سبحانه: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}[6] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn6#_ftn6). أما الأحاديث الصحيحة الدالة على هذه الأصول فكثيرةٌ جداً، منها الحديث الصحيح المشهور الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن جبريل عليه السلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فقال له: ((الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره))الحديث، وأخرجه الشيخان مع اختلاف يسير من حديث أبي هريرة، وهذه الأصول الستة يتفرع عنها جميع ما يجب على المسلم اعتقاده في حق الله سبحانه، وفي أمر المعاد وغير ذلك من أمور الغيب.
فمن الإيمان بالله سبحانه، الإيمان بأنه الإله الحق المستحق للعبادة دون كل ما سواه؛ لكونه خالق العباد والمحسن إليهم والقائم بأرزاقهم والعالم بسرهم وعلانيتهم، والقادر على إثابة مطيعهم وعقاب عاصيهم، ولهذه العبادة خلق الله الثقلين وأمرهم بها، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}[7] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn7#_ftn7)، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[8] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn8#_ftn8)، وقد أرسل الله الرسل وأنزل الكتب لبيان هذا الحق والدعوة إليه.
والتحذير مما يضاده، كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[9] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn9#_ftn9)، وقال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ}[10] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn10#_ftn10)، وقال عز وجل: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ}[11] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn11#_ftn11). وحقيقة هذه العبادة: هي إفراد الله سبحانه بجميع ما تعبد العباد به من دعاءٍ، وخوفٍ، ورجاءٍ، وصلاةٍ، وصومٍ، وذبحٍ، ونذرٍ، وغير ذلك من أنواع العبادة، على وجه الخضوع له والرغبة، والرهبة مع كمال الحب له سبحانه والذل لعظمته، وغالب القرآن الكريم نزل في هذا الأصل العظيم، كقوله سبحانه: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}[12] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn12#_ftn12)، وقوله سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ}[13] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn13#_ftn13)، وقوله عز وجل: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}[14] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn14#_ftn14). وفي الصحيحين عن معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا)).
ومن الإيمان بالله أيضا الإيمان بجميع ما أوجبه على عباده وفرضه عليهم من أركان الإسلام الخمسة الظاهرة وهي: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا، وغير ذلك منالفرائض التي جاء بها الشرع المطهر، وأهم هذه الأركان وأعظمها شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فشهادة أن لا إله إلا الله تقتضي: إخلاص العبادة لله وحده ونفيها عما سواه، وهذا هو معنى لا إله إلا الله، فإن معناها: لا معبود بحق إلا الله، فكل ما عبد من دون الله من بشر أو ملك أو جني أو غير ذلك، فكله معبود بالباطل، والمعبود بالحق هو الله وحده، كما قال سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ}[15] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn15#_ftn15). وقد سبق بيان أن الله سبحانه خلق الثقلين لهذا الأصل الأصيل وأمرهم به، وأرسل به رسله وأنزل به كتبه، فتأمل ذلك جيداً وتدبره كثيراً ليتضح لك ما وقع فيه أكثر المسلمين من الجهل العظيم بهذا الأصل الأصيل حتى عبدوا مع الله غيره، وصرفوا خالص حقه لسواه، فالله المستعان.
ومن الإيمان بالله سبحانه، الإيمان بأنه خالق العالم ومدبر شئونهم والمتصرف فيهم بعلمه وقدرته كما يشاء سبحانه وأنه مالك الدنيا والآخرة ورب العالمين جميعا لا خالق غيره، ولا رب سواه، وأنه أرسل الرسل وأنزل الكتب لإصلاح العباد ودعوتهم إلى ما فيه نجاتهم وصلاحهم في العاجل والآجل، وأنه سبحانه لا شريك له في جميع ذلك، وقال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}[16] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn16#_ftn16)، وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[17] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn17#_ftn17).
ومن الإيمان بالله أيضا: الإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته العلى الواردة في كتابه العزيز، والثابتة عن رسوله الأمين من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، بل يجب أن تمر كما جاءت بلا كيف، مع الإيمان بما دلت عليه من المعاني العظيمة التي هي أوصاف لله عز وجل يجب وصفه بها على الوجه اللائق به من غير أن يشابه خلقه في شيء من صفاته، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[18] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn18#_ftn18)، وقال عز وجل: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[19] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn19#_ftn19)، وهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، وهي التي نقلها الإمام: أبو الحسن الأشعري رحمه الله في كتابه: (المقالات) عن أصحاب الحديث وأهل السنة، ونقله غيره من أهل العلم والإيمان.
قال الأوزاعي رحمه الله: (سئل الزهري ومكحول عن آيات الصفات، فقالا: أمروها كما جاءت)، وقال الوليد بن مسلم رحمه الله: (سئل مالك والأوزاعي والليث بن سعد وسفيان الثوري رحمهم الله عن الأخبار الواردة في الصفات، فقالوا جميعا: أمروها كما جاءت بلا كيف)، وقال الأوزاعي رحمه الله: (كنا والتابعون متوافرون نقول إن الله سبحانه على عرشه، ونؤمن بما ورد في السنة من الصفات)، ولما سئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخ مالك رحمة الله عليهما عن الاستواء قال: (الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ المبين، وعلينا التصديق). ولما سئل الإمام مالك رحمه الله عن ذلك، قال: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، ثم قال للسائل: ما أراك إلا رجل سوء، وأمر به فأخرج). وروي هذا المعنى عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، وقال الإمام أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك رحمة الله عليه: (نعرف ربنا سبحانه بأنه فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه)، وكلام الأئمة في هذا الباب كثير جداً لا يمكن نقله في هذه المحاضرة. ومن أراد الوقوف على كثير من ذلك فليراجع ما كتبه علماء السنة في هذا الباب مثل: كتاب (السنة) لعبد الله بن الإمام أحمد، و(التوحيد) للإمام الجليل محمد ابن خزيمة، وكتاب (السنة) لأبي القاسم اللالكائي الطبري، وكتاب (السنة) لأبي بكر بن أبي عاصم، وجواب شيخ الإسلام ابن تيمية لأهل حماة، وهو جواب عظيم كثير الفائدة قد أوضح فيه رحمه الله عقيدة أهل السنة، ونقل فيه الكثير من كلامهم والأدلة الشرعية والعقلية على صحة ما قاله أهل السنة، وبطلان ما قاله خصومهم، وهكذا رسالته الموسومة بـ (التدمرية) قد بسط فيها المقام، وبين فيها عقيدة أهل السنة بأدلتها النقلية والعقلية، والرد على المخالفين بما يظهر الحق، ويدمغ الباطل لكل من نظر في ذلك من أهل العلم، بقصد صالح ورغبة في معرفة الحق، وكل من خالف أهل السنة فيما اعتقدوا في باب الأسماء والصفات فإنه يقع ولا بد في مخالفة الأدلة النقلية والعقلية مع التناقض الواضح في كل ما يثبته وينفيه.
أما أهل السنة والجماعة فأثبتوا لله سبحانه ما أثبته لنفسه في كتابه الكريم، أو أثبته له رسوله محمد صلى الله عليه وسلم في سنّته، إثباتاً بلا تمثيل، ونزهوه سبحانه عن مشابهة خلقه تنزيهاً بريئاً من التعطيل ففازوا بالسلامة من التناقض، وعملوا بالأدلة كلها، وهذه سنة الله سبحانه فيمن تمسك بالحق الذي بعث به رسله، وبذل وسعه في ذلك وأخلص لله في طلبه، أن يوفقه للحق ويظهر حجته، كما قال تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ}[20] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn20#_ftn20)، وقال تعالى: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}[21] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn21#_ftn21)، وقد ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره المشهور عند كلامه على قول الله عز وجل: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}[22] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn22#_ftn22) الآية، كلاماً حسناً في هذا الباب يحسن نقله ها هنا لعظم فائدته.
قال رحمه الله ما نصه: (للناس في هذا المقام مقالات كثيرة جداً ليس هذا موضع بسطها، وإنما نسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح مالك، والأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم من أئمة المسلمين قديماً وحديثاً، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل، والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله، فإن الله لا يشبهه شيءٌ من خلقه، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير، بل الأمر كما قال الأئمة، منهم نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري قال: "من شبه الله بخلقه كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر"، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه، فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال الله، ونفى عن الله تعالى النقائص فقد سلك سبيل الهدى)انتهى كلام ابن كثير رحمه الله .
وأما الإيمان بالملائكة فيتضمن: الإيمان بهم إجمالاً وتفصيلاً، فيؤمن المسلم بأن لله ملائكة خلقهم لطاعته، ووصفهم بأنهم: {عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}[23] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn23#_ftn23)، وهم أصناف كثيرة منهم الموكلون بحمل العرش، ومنهم خزنة الجنة والنار، ومنهم الموكلون بحفظ أعمال العباد، ونؤمن على سبيل التفصيل بمن سمى الله ورسوله منهم، كجبريل وميكائيل ومالك خازن النار، وإسرافيل الموكل بالنفخ في الصور، وقد جاء ذكرهم في أحاديث صحيحة، وقد ثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم))خرّجه مسلم في صحيحه، وهكذا الإيمان بالكتب يجب الإيمان إجمالاً بأن الله سبحانه أنزل كتباً على أنبيائه ورسله، لبيان حقه والدعوة إليه، كما قال تعالي: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}[24] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn24#_ftn24) الآية، وقال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ}[25] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn25#_ftn25) الآية.
ونؤمن على سبيل التفصيل بما سمى الله منها كالتوراة والإنجيل والزبور والقرآن، والقرآن هو أفضلها وخاتمها، وهو المهيمن والمصدق لها، وهو الذي يجب على جميع الأمة اتباعه، وتحكيمه مع ما صحت به السنّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله سبحانه بعث رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم رسولاً إلى جميع الثقلين، وأنزل عليه هذا القرآن ليحكم به بينهم، وجعله شفاء لما في الصدور، وتبياناً لكل شيء وهدى ورحمةً للمؤمنين، كما قال تعالي: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[26] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn26#_ftn26)، وقال سبحانه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}[27] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn27#_ftn27)، وقال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[28] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn28#_ftn28).
والآيات في هذا المعنى كثيرة، وهكذا الرسل يجب الإيمان بهم إجمالاً وتفصيلاً فنؤمن أن الله سبحانه أرسل إلى عباده رسلاً منهم مبشرين ومنذرين ودعاة إلى الحق، فمن أجابهم فاز بالسعادة، ومن خالفهم باء بالخيبة والندامة، وخاتمهم وأفضلهم هو نبينا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[29] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn29#_ftn29)، وقال تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[30] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn30#_ftn30)، وقال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}[31] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn31#_ftn31). ومن سمى الله منهم أو ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسميته آمنا به على سبيل التفصيل والتعيين، كنوح وهود وصالح وإبراهيم وغيرهم صلى الله وسلم عليهم وعلى آلهم وأتباعهم.
وأما الإيمان باليوم الآخر فيدخل فيه الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت كفتنة القبر وعذابه ونعيمه، وما يكون يوم القيامة من الأهوال، والشدائد، والصراط، والميزان، والحساب، والجزاء، ونشر الصحف بين الناس، فآخذ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله، أو من وراء ظهره، ويدخل في ذلك أيضا الإيمان بالحوض المورود لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والإيمان بالجنة والنار، ورؤية المؤمنين لربهم سبحانه وتكليمه إياهم، وغير ذلك مما جاء في القرآن الكريم والسنَّة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجب الإيمان بذلك كله وتصديقه على الوجه الذي بينه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وأما الإيمان بالقدر فيتضمن: الإيمان بأمور أربعة:
أولها: أن الله سبحانه قد علم ما كان وما يكون، وعلم أحوال عباده، وعلم أرزاقهم وآجالهم وأعمالهم وغير ذلك من شئونهم، لا يخفى عليه من ذلك شيء سبحانه وتعالى، كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[32] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn32#_ftn32)، وقال عز وجل: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}[33] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn33#_ftn33).
والأمر الثاني: كتابته سبحانه لكل ما قدره وقضاه كما قال سبحانه: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ}[34] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn34#_ftn34)، وقال تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}[35] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn35#_ftn35)، وقال تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}.[36 (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn36#_ftn36)] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn36#_ftn36)
الأمر الثالث: الإيمان بمشيئته النافذة فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}[37] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn37#_ftn37)، وقال عز وجل: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[38] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn38#_ftn38)، وقال سبحانه: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[39] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn39#_ftn39).
الأمر الرابع: خلقه سبحانه لجميع الموجودات لا خالق غيره ولا رب سواه، كما قال سبحانه: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}[40] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn40#_ftn40)، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}[41] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn41#_ftn41).
فالإيمانبالقدر يشمل الإيمان بهذه الأمور الأربعة عند أهل السنة والجماعة، خلافاً لمن أنكر بعض ذلك من أهل البدع. ويدخل في الإيمان بالله: اعتقاد أن الإيمان قولٌ وعملٌ يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وأنه لا يجوز تكفير أحدٍ من المسلمين بشيءٍ من المعاصي التي دون الشرك والكفر، كالزنا، والسرقة وأكل الربا، وشرب المسكرات، وعقوق الوالدين، وغير ذلك من الكبائر ما لم يستحل ذلك؛ لقول الله سبحانه:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[42] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn42#_ftn42).
ولما ثبت في الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، ومن الإيمان بالله الحب في الله والبغض في الله، والموالاة في الله والمعاداة في الله، فيحب المؤمن المؤمنين ويواليهم، ويبغض الكفار ويعاديهم.
وعلى رأس المؤمنين من هذه الأمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأهل السنة والجماعة يحبونهم ويوالونهم، ويعتقدون أنهم خير الناس بعد الأنبياء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم))متفق على صحته، ويعتقدون أن أفضلهم أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين، ثم علي المرتضى رضي الله عنهم أجمعين.
وبعدهم بقية العشرة، ثم بقية الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ويمسكون عما شجر بين الصحابة، ويعتقدون أنهم في ذلك مجتهدون، من أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر، ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين به، ويتولونهم ويتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، ويترضون عنهن جميعا، ويتبرءون من طريقة الروافض الذين يبغضون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسبونهم ويغلون في أهل البيت، ويرفعونهم فوق منزلتهم التي أنزلهم الله عز وجل، كما يتبرءون من طريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل.
وجميع ما ذكرناه في هذه الكلمة الموجزة داخل في العقيدة الصحيحة التي بعث الله بها رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، وهي عقيدة الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله سبحانه))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة علي ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة)) فقال الصحابة من هي يا رسول الله؟ قال: ((من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي))، وهي العقيدة التي يجب التمسك بها والاستقامة عليها والحذر مما خالفها.
وأما المنحرفون عن هذه العقيدة والسائرون على ضدها فهم أصناف كثيرة، فمنهم عباد الأصنام والأوثان والملائكة والأولياء والجن والأشجار والأحجار وغيرها، فهؤلاء لم يستجيبوا لدعوة الرسل، بل خالفوهم وعاندوهم، كما فعلت قريش وأصناف العرب مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا يسألون معبوداتهم قضاء الحاجات، وشفاء المرضى، والنصر على الأعداء، ويذبحون لهم، وينذرون لهم، فلمَّا أنكر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وأمرهم بإخلاص العبادة لله وحده، استغربوا ذلك وأنكروه، وقالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[43] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn43#_ftn43). فلم يزل صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلي الله وينذرهم من الشرك، ويشرح لهم حقيقة ما يدعو إليه حتى هدى الله منهم من هدى، ثم دخلوا بعد ذلك في دين الله أفواجاً، فظهر دين الله على سائر الأديان بعد دعوة متواصلة، وجهاد طويلٍ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم، والتابعين لهم بإحسان، ثم تغيرت الأحوال، وغلب الجهل على أكثر الخلق حتى عاد الأكثرون إلي دين الجاهلية، بالغلو في الأنبياء والأولياء ودعائهم والاستغاثة بهم، وغير ذلك من أنواع الشرك، ولم يعرفوا معنى لا إله إلا الله كما عرف معناها كفار العرب، فالله المستعان.
ولم يزل هذا الشرك يفشوا في الناس إلي عصرنا هذا، بسبب غلبة الجهل وبعد العهد بعصر النبوة.
وشبهة هؤلاء المتأخرين هي شبهة الأولين، وهي قولهم:{هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}[44] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn44#_ftn44)،{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[45] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn45#_ftn45). وقد أبطل الله هذه الشبهة وبين أن من عبد غيره كائناً من كان فقد أشرك به، وكفر، كما قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}[46] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn46#_ftn46)، فرد الله عليهم سبحانه بقوله: {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون}[47] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn47#_ftn47).
فبين سبحانه في هذه الآية أن عبادة غيره من الأنبياء والأولياء أو غيرهم، هي الشرك الأكبر، وإن سماها فاعلوها بغير ذلك وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[48] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn48#_ftn48)، فرد الله عليهم سبحانه بقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}[49] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn49#_ftn49). فأبان بذلك سبحانه أن عبادتهم لغيره بالدعاء، والخوف، والرجاء، ونحو ذلك كفر به سبحانه، وأكذبهم في قولهم: إن آلهتهم تقربهم إليه زلفى.
ومن العقائد الكفرية المضادة للعقيدة الصحيحة، والمخالفة لما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام: ما يعتقده الملاحدة في هذا العصر من أتباع ماركس ولينين وغيرهما، من دعاة الإلحاد والكفر، سواء سموا ذلك اشتراكية أو شيوعية أو بعثية أو غير ذلك من الأسماء، فإن من أصول هؤلاء الملاحدة: أنه لا إله والحياة مادة، ومن أصولهم إنكار المعاد، وإنكار الجنة والنار، والكفر بالأديان كلها، ومن نظر في كتبهم ودرس ما هم عليه علم ذلك يقيناً، ولا ريب أن هذه العقيدة مضادةٌ لجميع الأديان السماوية، ومفضية بأهلها إلى أسوأ العواقب في الدنيا والآخرة.
ومن العقائد المضادة للحق ما يعتقده بعض المتصوفة: من أن بعض من يسمونهم بالأولياء يشاركون الله في التدبير، ويتصرفون في شئون العالم، ويسمونهم بالأقطاب والأوتاد والأغواث، وغير ذلك من الأسماء التي اخترعوها لآلهتهم، وهذا من أقبح الشرك في الربوبية، وهو شر من شرك جاهلية العرب؛ لأن كفار العرب لم يشركوا في الربوبية وإنما أشركوا في العبادة، وكان شركهم في حال الرخاء، أما في حال الشدَّة فيخلصون لله العبادة، كما قال الله سبحانه: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}[50] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn50#_ftn50). أما الربوبية فكانوا معترفين بها لله وحده، كما قال سبحانه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[51] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn51#_ftn51)، وقال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ}[52] (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174#_ftn52#_ftn52) والآيات في هذا المعنى كثيرة.
أما المشركون المتأخرون فزادوا على الأولين من جهتين، إحداهما: شرك بعضهم في الربوبية، والثانية: شركهم في الرخاء والشدة، كما يعلم ذلك من خالطهم وسبر أحوالهم، ورأى ما يفعلون عند قبر الحسين والبدوي وغيرهما في مصر، وعند قبر العيدروس في عدن، والهادي في اليمن وابن عربي في الشام، والشيخ عبد القادر الجيلاني في العراق، وغيرها من القبور المشهورة التي غلت فيها العامة وصرفوا لها الكثير من حق الله عز وجل، وقل من ينكر عليهم ذلك ويبين لهم حقيقة التوحيد الذي بعث الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، ومن قبله من الرسل عليهم الصلاة والسلام، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ونسأله سبحانه أن يردهم إلى رشدهم، وأن يكثر بينهم دعاة الهدى، وأن يوفق قادة المسلمين وعلماءهم لمحاربة هذا الشرك والقضاء عليه ووسائله، إنه سميع قريب.
ومن العقائد المضادة للعقيدة الصحيحة في باب الأسماء والصفات عقائد أهل البدع: من الجهمية، والمعتزلة، ومن سلك سبيلهم في نفي صفات الله عز وجل، وتعطيله سبحانه من صفات الكمال، ووصفه عز وجل بصفة المعدومات والجمادات والمستحيلات، تعالى الله عن قولهم علوا كبيراً.
ويدخل في ذلك من نفى بعض الصفات وأثبت بعضها، كالأشاعرة، فإنه يلزمهم فيما أثبتوه من الصفات نظير ما فروا منه من الصفات التي نفوها، وتأولوا أدلتها، فخالفوا بذلك الأدلة السمعية والعقلية، وتناقضوا في ذلك تناقضاً بيناً؛ أما أهل السنة والجماعة فقد أثبتوا لله سبحانه ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات على وجه الكمال، ونزهوه عن مشابهة خلقه، تنزيهاً بريئاً من شائبة التعطيل، فعملوا بالأدلة كلها ولم يحرفوا ولم يعطلوا، وسلموا من التناقض الذي وقع فيه غيرهم - كما سبق بيان ذلك - وهذا هو سبيل النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة، وهو الصراط المستقيم الذي سلكه سلف هذه الأمة وأئمتها، ولن يصلح آخرهم إلا ما صلح به أولهم وهو اتباع الكتاب والسنة، وترك ما خالفهما.
والله ولي التوفيق، وهو سبحانه حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا به، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه.
http://www.binbaz.org.sa/mat/8174 (http://www.binbaz.org.sa/mat/8174)
http://www.khayma.com/kshf/H/Akeedah.htm (http://www.khayma.com/kshf/H/Akeedah.htm)
http://www.khayma.com/kshf/H/Otymeen-A.htm (http://www.khayma.com/kshf/H/Otymeen-A.htm)
عقيدة السلف الصالح
أهل السنة والجماعة
في صفة الاسْتِوَاء وعُلُوِّ الله على خَلْقِه
(جزء 1 من 3)
إعداد: أم عبد الله المِيساوي
أُعِدّ لموقع: عقيدة السلف الصالح (http://www.as-salaf.com/)
باقي الأجزاء:
علو الله على خلقه (جزء 2) (http://as-salaf.com/article.php?aid=24&lang=ar)
علو الله على خلقه (جزء 3) (http://as-salaf.com/article.php?aid=29&lang=ar)
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
هذا المقال يبين بإختصار عقيدة السلف الصالح - أهل الأثر- أصحاب الحديث -، وهم أهل السنة والجماعة، في صفة الإستواء وعلو الله علىخلقه.
عقيدة السلف، أهلالسنة:
1. أن الله عز وجل فوق العرش، فوقالسماوات، فوق جميع خلقه.
الآدلة منالقرآن الكريم:
* قال الله تعالى:
{الرَّحْمَنُعَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]
والعرش أعلى المخلوقات، فهو فوق السماوات وكل المخلوقات.
* وقال سبحانه: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْمِنْ فَوْقِهِمْوَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل : 50]
* وقال: {تَعْرُجُالْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُإِلَيْهِفِي يَوْمٍ كَانَمِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 3-4] والعروج: الصعود. (1) أي الملائكة تصعدإلى الله عز وجل، لأنه فوق.
* وقال: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّاقَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَاصَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِيشَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَاقَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْرَفَعَهُ اللَّهُإِلَيْهِ} [النساء : 157 ، 158]
* وقال عز وجل: {أَأَمِنْتُمْمَنْ فِي السَّمَاءِأَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَاهِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء...} الآية [الملك: 16-17]
قالأبو بكر أحمدالصبغي (342 هـ) : (قد تضع العرب «في» بموضع «على» قال الله عز وجل: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} [التوبة : 2]، وقال {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِالنَّخْلِ} [طه : 71] ومعناه: على الأرض وعلىالنخل ، فكذلك قوله: {في السماء} أيعلى العرش فوق السماء، كما صحت الأخبار عن النبي صلى اللهعليه وسلم) (2)
وانظرهذا المقال (http://as-salaf.com/article.php?aid=9&lang=ar) لمزيد توضيحلمعنى «في السماء» وأقوال العلماء في هذهالآية.
* وقال تعالى: {هُوَ الأوَّلُ وَالآخِرُوَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:3]
عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يقولإذا أوى إلى فراشه: ”اللهم رب السموات ورب الأرض ورب كل شيءفالق الحب والنوى منزل التوراة والإنجيل والقرآن ؛ أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذبناصيته ، أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنتالظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء“ [صحيح مسلم، وسنن أبي داود واللفظ لأبي داود] و«دونك» هنا معناها: أقرب، أي أقرب بعلمه.
قالابن جرير الطبري (310 هـ) : وقوله: {وَالظَّاهِرُ} يقول: وهو الظاهر على كل شيء دونه، وهو العاليفوق كل شيء، فلا شيء أعلى منه. {وَالْبَاطِنُ} يقول: وهوالباطن جميع الأشياء، فلا شيء أقرب إلى شيء منه، كما قال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق : 16] (3) . وذكر فيتفسير تلك الآية: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِالْوَرِيدِ}: بالعلمبما تُوَسْوس به نفسه.
قالابن أبي زَمَنِين (399 هـ) : (والظاهر العالي فوق كلشيء ما خُلق ، والباطن بطن علمه بخلقه تعالى {وَهُوَ بِكُلِّشَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد : 3]) (4)
وغيرها من الآيات.
الأدلة من السنة:
* حديث الجارية:
عن معاويةبن الحكم قال: وَكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍوَالْجَوَّانِيَّةِ فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّيبُ قَدْ ذَهَبَبِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَلَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ قُلْتُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَاأُعْتِقُهَا؟"
قَالَ: (ائْتِنِي بِهَا) فَأَتَيْتُهُ بِهَا ، فَقَالَ لَهَا: ”أَيْنَ اللَّهُ“، قَالَتْ: «فِي السَّمَاءِ (http://as-salaf.com/article.php?aid=9&lang=ar)».
قَالَ: ”مَنْأَنَا ؟“ قَالَتْ: «أَنْتَ رَسُولُاللَّهِ»
قَالَ: ”أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَامُؤْمِنَةٌ“ [رواه مسلم في صحيحه]
* في حجة الوداع قال النبي صلى الله عليه وسلم: ”قَدْ تَرَكْتُفِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابُ اللَّهِوَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا: نشْهَدُأَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ. فَقَالَبِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُبهَا (5) إِلَى النَّاسِ: اللَّهُمَّاشْهَدْاللَّهُم َّ اشْهَدْ ثَلَاثَ مَرَّات...“ [صحيح مسلم]. والنبي صلى الله عليه وسلم كان مستشهدا باللهحينئِذ ولم يكن داعِيا حتى يُقال: السماء قِبلة الدعاء.
* قال النبي صلى اللهعليه وسلم: ”الْمَلاَئِكَةُ يَتَعَاقَبُونَ ، مَلاَئِكَةٌبِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ ، وَيَجْتَمِعُونَ فِى صَلاَةِ الْفَجْرِوَالْعَصْرِ ، ثُمَّيَعْرُجُ إِلَيْهِالَّذِينَبَاتُوا فِيكُمْ ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ ، فَيَقُولُ كَيْفَ تَرَكْتُمْعِبَادِى فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ يُصَلُّونَ ، وَأَتَيْنَاهُمْيُصَلُّونَ “ [صحيح البخاري]
أما أقوالالسلف الصالح وأئمة السنة في هذا الاعتقاد فهو في الجزئينالثاني (http://as-salaf.com/article.php?aid=24&lang=ar) والثالث (http://as-salaf.com/article.php?aid=29&lang=ar)لهذاالمقال.
2. أن الله استوى علىعرشه
قال الله تعالى:
{الرَّحْمَنُ عَلَىالْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]
وقال: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش} [الأعراف:54؛ يونس:3؛ الرعد:2؛ الفرقان:59؛ السجدة:4؛الحديد:4]
قَالَالتابعي مُجَاهِدٌ (102هـ) : {اسْتَوَى} علا على العرش. (6)
قالبشر بن عمر الزهراني (209هـ) : سمعتغير واحد من المفسرينيقول : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}: ارتفع. (7)
قال اللغويأبو العباس ثعلب (291 هـ) : {استوى على العرش}: علا. (8)
قال المفسرابن جرير الطبري (310 هـ) في تفسير الأية الأولى: (الرحمن على عرشه ارتفع وعلا»، وفيتفسير الآية الثانية: (يعني: (علا عليه»
3. أن الله عز وجل استوى على عرشه لأنه {فَعّـالٌ لِمَا يُرِيد} [سورة البروج : 16] وليس لحاجته للعرش، بل الله مستغن عن العرشوغير العرش.
قال الله تعالى:
{إِنَّ اللَّهَلَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت : 6]
{هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِوَمَا فِي الْأَرْضِ} [يونس : 68]
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِوَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر : 15]
وقالأبو جعفر الطحاوي (321 هـ) فيعقيدته المشهورة: (وهو مستغن عن العرش وما دونه. محيط بكل شيءوفوقه)
4. أن الله بائن (9) منخلقه:
معنى أن الله بائن من خلقه: أي أنه منفصل عن المخلوقات، فليس فيذاته شيء من مخلوقاته، ولا في مخلوقاته شيء من ذاته. ولا يحويه أو يُحيط به شيء منخلقه.
قال الله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِاسْتَوَى} [طه: 5]
فكل المخلوقات تحتالعرش والله فوق العرش فهو بائنٌ عنهم.
ابن المبارك (181هـ) : روى ابن شقيق أنه قيل لابن المبارك: "كيف نعرف ربنا؟"
قال: «بأنه فوق السماء السابعة على العرش،بائن منخلقه» (10)
إسحاق بن راهويه (238 هـ) : قال حرب الكرماني: قلت لإسحاق بنراهويه: "في قول الله {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍإِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة : 7] كيفتقول فيه ؟" قال: «حيث ما كنت فهو أقرب إليك من حبل الوريد،وهو بائن من خلقه.»
ثم ذكر عن ابن المبارك: (هو على عرشه بائن من خلقه)، ثم قال: «أعلى شيء في ذلك وأثبتهقوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}» (11)
5. أناستواء الله عز وجل ليس كاستواء المخلوقين، نؤمن بأن الله استوى على عرشه استواءًيليق بجلاله لا يشبه استواء المخلوق.
لقول الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى : 11]
وقوله {وَلَمْيَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص : 4] كفوا: أي مَثِيلاً.
6. أن كَيفِيَّة استواءالله عز وجل غير معلومة لنا، فلم يُعلمنا الله تعالى ولا رسوله –صلى الله عليهوسلم- تفاصيل ذلك، ولا يجوز السؤال عن كيفية صفاته، فالله وحده يعلم كيف استوى علىعرشه، وواجبنا الإيمان والتسليم.
قالالإماممالك (179 هـ) جوابا على من سأله "كيف استوى؟": «الإستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والسؤال عنه بدعة، والإيمانبه واجب». والأثر مشهور عند أهل العلم.
قالوكيع بنالجراح (197 هـ) في أحاديث الصفات: « نُسلِّم هذهالأحاديث كما جاءت ، ولا نقول كيف هذا؟ ولم جاء هذا ؟» (12)
قالأبو بكر الإسماعيلي (371هـ) : (وأنه عز وجل استوى على العرش بلا كيف، فإن الله تعالى أنهى (13) إلى أنّه استوى على العرش، ولم يذكُر كيف كاناستواؤُه.) (14)
عقيدة السلف الصالح
أهل السنةوالجماعة
في صفة الاسْتِوَاء وعُلُوِّ الله على خَلْقِه
(جزء 2 من 3)
إعداد: أم عبد الله الميساوي
أُعِدّ لموقع: عقيدة السلف الصالح (http://www.as-salaf.com/)
باقي الأجزاء::
علو الله على خلقه (جزء 1) (http://as-salaf.com/article.php?aid=14&lang=ar)
علو الله على خلقه (جزء 3) (http://as-salaf.com/article.php?aid=29&lang=ar)
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
يشتمل هذا المقال على:
1. أقوال السلفالصالح في صفة الإستواء وعلو الله على خلقه.
2. شهادة العلماء الذين أتوا منبعدهم بأن هذه هي عقيدة السلف الصالح وأهل السنة والجماعة.
ملاحظة: الترتيب حسبتاريخ الوفاة.
أقوال السلفالصالح:
الصحابة رضوان اللهعليهم
1. أبو بكر الصديقرضي الله عنه:
لما مات النبي صلى الله عليه وسلم، صعد أبو بكر رضي الله عنه المنبر فحمد اللهوأثنى عليه ثم قال: «أيها الناس! إن كان محمدٌ إلهكم الذيتعبدون فإن إلهكم محمدًا قد مات، وإن كانإلهكم الذيفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9?=ar) فإن إلهكم لم يمت، ثم تلا: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُأَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} (1) حتى ختمالآية ...» (2) إسناده حسن.
2. قالعبد الله بنمسعودرضي الله عنه: «بين سماء الدنيا والتي تليهامسيرة خمس مئة عام وبين كل سماءين مسيرة خمس مئة عام وبين السماء السابعة وبينالكرسي مسيرة خمس مئة عام وبين الكرسي وبين الماء مسيرة خمس مئة عام والعرش فوقالماءوالله تبارك وتعالى فوق العرشوهو يعلم ما أنتمعليه» درجته: حسن. (3)
بعد جيلالصحابة إلى 200 هـ
3. قالابن اسحاق (150هـ) إمام المغازي: «يقول تبارك وتعالى لنبيه محمد صلىالله عليه وسلم: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَىالْعَرْشِ} [الأعراف : 54] الآية، وقال تعالى {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِأَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود : 7] الآية، فكان كما وصف نفسه تبارك وتعالىإذ ليس إلاالماء، عليه العرش، وعلى العرشذوالجلال والعزةوالسلطانوالملك والقدرة والحلم والعلم والرحمة والنعمة الفعال لما يريد،الواحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، الأول لم يكن قبله شيءلخلقه الخلق وليس معه شيء غيره، الآخر لبقائه بعد الخلق كما كان ليس قبله شيء،الظاهر الباطن في علوه على خلقه فليس شيء فوقه، الباطن لإحاطته بخلقه فليس دونهشيء.» (62)
4. أبو حنيفة النعمان (ت 150 هـ) :
قال الإمام الطحاوي في "العقيدة الطحاوية" التي أملى فيها عقيدة الإمام أبيحنيفة وصاحبيهأبو يوسف ومحمد بنالحسن: «والعرش والكرسي حق كمابين في كتابه، وهو مستغن عن العرش وما دونه محيط بكل شيء وفوقه» قوله: (وفوقه) أي "وفوق كل شيء" إثبات لفوقية الله عزوجل فوق كل المخلوقات بما فيها العرش.
وقوله في موضع آخر «لا تحويه الجهات الست كسائرالمبتدعات» نفي لإحاطة الخلق بالله عز وجل، فـ(لا تحويه الجهات الست) التي هي مخلوقاته، بل هو فوق الجهات والمخلوقات كلها. وهو رد على الحلُولِيَّةوالجهمية الذين كانوا يقولون بأن الله حالٌّ في خلقه، وأنه في كل مكان، تعالى اللهعلو الكبيرا.
ورُوي عن الإمام أبي حنيفة أنه قال في الفقه الأكبر: «من قال: "لا أعرف الله أفي السماء أم فيالأرض" فقد كفر، قال الله تعالى {الرحمن على العرشاستوى} فإن قال: "أقول بهذه الآية ولكن لا أدري أين العرش في السماء أم فيالأرض" فقد كفر أيضا» (4) وذلك لأن في كلا القولين شك في فوقية اللهعز وجل، لا يدري هل الله فوق مخلوقاته أم لا، وفيه اعتقاد احتمال وجود الله عز وجلفي الأرض داخل مخلوقاته، تعالى الله علوا كبيرا. فكان بذلك منكرا للنصوص الشرعية،ومعتقدًا جواز حلول الله في خلقه، وكلاهما كفر.
5. مالكبن أنس (179 هـ) : جاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله {الرحمن على العرش استوى} فكيف استوى؟ فأطرق مالك برأسه حتىعلاه الرحضاء (5)، ثم قال: «الإستواء غير مجهول، والكيف غيرمعقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعا» فأمر بهأن يخرج. (6)
قال أبو بكر ابن العربي المالكي عند حديثه عن أحاديث الصفات: (ومذهب مالك رحمه الله أن كل حديث منها معلوم المعنى ولذلك قال للذي سأله: "الإستواء معلوم والكيفية مجهولة".) (7)
وعن الإمام مالك أنه قال: «اللهفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9?=ar) وعلمه في كل مكان لايخلو منه شيء» (8)
الذين شهدوا بأن هذه هي عقيدةالإمام مالك رحمه الله: أبو حاتم الرازي (277 هـ) - ابن أبي زيد القيرواني (386 هـ) - محمد بن موهب المالكي (406 هـ) - أبوالقاسم اللالكائي (418 هـ) - أبو نصر السجزي (444 هـ)، وسيأتي ذكر أقوالهم إن شاء الله.
6. قالحمادبن زيد (179 هـ): (إنما يدورون على أن يقولوا: ليسفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9?=ar) إله) يعني الجهمية. صحيح.(9)
7. ابن المبارك (181 هـ) : قال علي بن الحسن بن شقيق: سألت عبدالله بن المبارك: "كيف ينبغي لنا أن نعرف ربنا عز وجل؟"
قال: «على السماء السابعة على عرشه، ولا نقول كما تقول الجهمية: أنه هاهنا في الأرض» (10) صحيح.
وفي رواية: قال ابن المبارك: «بأنه فوق السماء السابعة على العرش بائن من خلقه» (11) إسناده حسن.
8. أبو يوسف القاضي (182 هـ) ومحمد بن الحسنالشيباني (189 هـ) صاحبا أبي حنيفة: قد مر ذكر اعتقادهما عند ذكر اعتقادالإمام أبي حنيفة رحمهم الله جميعا.
9. قالجرير بن عبدالحميد الضبي (188 هـ) : (كلام الجهمية أوله عسل، وآخره سم، وإنما يحاولونأن يقولوا: ليسفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9?=ar) إله) (12)
10. قالأبو معاذخالد بن سليمان البلخي (199 هـ) : (كان جهمعلى معبر ترمذ، وكان فصيح اللسان، ولم يكن له علم ولا مجالسة أهل العلم، فكلمالسُمَنية [ديانة بوذية]، فقالوا له: صف لنا ربكالذي تعبده. فدخل البيت لا يخرج، ثم خرج إليهم بعد أيام فقال: "هو هذا الهواء مع كلشيء، وفي كل شيء، ولا يخلوا منه شيء." قال أبو معاذ: "كذب عدو الله، إن اللهفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9?=ar) على العرش كما وصف نفسه.") (61)
201 إلى 300 هـ
11. محمد بن إدريس الشافعي (204 هـ) : قال أبو عثمان الصابوني: "وإمامنا أبو عبد الله محمد بن إدريس السافعي رضي الله عنه احتج في كتابه المبسوطفي مسألة اعتاق الرقبة المؤمنة في الكفارة، وأن غير المؤمنة لا يصح التكفير بهابخير معاوية بن الحكم، وأنه أراد أن يعتق الجارية السوداء لكفارة، وسأل رسول اللهصلى الله عليه وسلم عن إعتاقه إياها، فامتحنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقاللها: ”من أنا؟“ فأشارت إليه وإلى السماء، يعني أنكرسول الله الذيفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9?=ar)، فقال صلى الله عليهوسلم: ”أعتقها فإنها مؤمنة“. فحكم رسول الله صلى اللهعليه وسلم بإسلامها وإيمانها لما اقرت بأن ربهافي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9?=ar)، وعرفت ربها بصفة العلو والفوقية. وإنمااحتج الشافعي رحمة الله عليه على المخالفين في قولهم بجواز إعتاق الرقبة الكافرة فيالكفارة بهذا الخبر؛ لاعتقاده أن الله سبحانه فوق خلقه، وفوق سبع سماواته على عرشه،كما معتقد المسلمين من أهل السنة والجماعة، سلَفِهم وخلفِهم؛ إذ كان رحمه الله لايرو خبرًا صحيحًا ثم لا يقول به." ثم ذكرًا آثرين في ذلك منها قول الشافعي رحمهالله - منكرًا على رجل سأله عن حديث حدث به الشافعي هل يقول به؟ - : «... أروي حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم لا أقول به !». [عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني ص118و189]
وممن شهد بأنها عقيدة الإمامالشافعي : الحافظ أبو حاتم الرازي (195 - 277 هـ)، وسيأتي ذكر قوله.
12. قالسعيد بن عامر الضبعي (208 هـ) وهو من شيوخ البخاري: « الجهمية شرٌّ قولاً من اليهود والنصارى، قد اجتمعت اليهودوالنصارى وأهل الأديان: أن الله تبارك وتعالى على العرش، وقالوا هم: ليس على العرششيء.» صحيح. (13)
13. قالمحمد بن يوسف الفريابي (212 هـ) وهو من شيوخ البخاري: «من قال: إن الله ليسعلى عرشه فهو كافر.» [خلق أفعال العباد للإمامالبخاري (ج2 ص39)]
14. قالمحمد بن مصعب الدَّعَّاء (228 هـ) : « من زعم أنك لا تَتَكلَّم ولا تُرَى فيالآخرة فهو كافر بوجهك لا يعرفك، أشهدُ أنك فوق العرش فوق سبع سموات، ليس كما يقولأعداء الله الزنادقة » صحيح. (14)
15. أبو عبد اللهابن الأعرابي (231 هـ) : قال أبو سليمان داود بن علي: كنا عند ابن الاعرابيفأتاه رجل فقال له: "ما معنى قول الله عز و جل: {الرحمن علىالعرش استوى} ؟
فقال: « هو على عرشه كما أخبر عز وجل. »
فقال: "يا أبا عبد الله ليس هذا معناه، إنما معناهاستولى."
قال: « اسكت! ما أنت وهذا لا يقال: استولى علىالشيء إلا أن يكون له مضاد فإذا غلب أحدهما قيل: استولى، أما سمعت النابغة:
ألا لمثلك أو من أنت سابقه *** سبق الجواد إذا استولى علىالأمد» (15)
16. قالقتيبة بن سعيد (240هـ) : « هذا قول الأئمة المأخوذ في الإسلاموالسنة» وذكر مجموعة من العقائد منها: «ونعرف اللهفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9&lang=ar) السابعة علىعرشه، كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُمَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَالثَّرَى} [طه : 5 ، 6] » (16) صحيح.
17. أحمد بن حنبل (241 هـ) : قال يوسف بن موسىالقطان (17): (قيل لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: الله عز و جل فوق السماء السابعةعلى عرشه بائن من خلقه وقدرته وعلمه في كل مكان؟
قال: « نعم على العرش وعلمه لا يخلو منه مكان. “ صحيح. (18)
الذين شهدوا بأن هذه هي عقيدة الإمام أحمد رحمه الله: صاحباه: أبو حاتم الرازي (277 هـ) وحرب الكرماني (280هـ) - أبو القاسم اللالكائي (418 هـ) - أبو نصر السجزي (444 هـ). وسيأتي ذكر أقوالهم إن شاءالله.
18. قالمحمد بن أسلم الطوسي (242 هـ) : قال لي عبد الله بن طاهر: "قد بلغني أنك لا ترفع رأسك إلى السماء"، فقلتُ برأسيهكذا إلى السماء ساعة، ثم قلت: «ولِمَ لا أرفع رأسي إلىالسماء؟ وهل أرجو الخير إلا ممنفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9?=ar) ؟! » [سيرأعلام النبلاء للذهبي (12 / 202)، والعلو للعلي الغفار (ص191)، بإسناد جيد من طريقأبي عبد الله الحاكم قال: دثنا يحيى العنبري حدثنا أحمد بن سلمة حدثنا محمد بنأسلم.]
19. قالالحارث المحاسبي الصوفي (243هـ) : « وأما قوله {عَلَىالْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه : 5]) {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام : 18] و{أَأَمِنْتُمْ مَنْفِي السَّمَاءِ} [الملك : 16]» وذكرعددًا من الآيات، ثم قال: «فهذا يوجب أنه فوق العرش، فوقالأشياء، منزه عن الدخول في خلقه، لا يخفى عليه منهم خافية، لأنه أبان في هذهالآيات أن ذاته بنفسه فوق عباده لأنه قال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْفِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ [الملك : 16]} يعني فوق العرش، والعرش على السماء، لأن من كان فوق شيء علىالسماء فهوفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9&lang=ar)، وقد قال مثل ذلك {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} [التوبة : 2] يعني على الأرض لا يريد الدخول في جوفهاوكذلك قوله: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِالنَّخْلِ} [طه : 71] يعني فوقها» (19)
20. قالخُشَيْش بن أصرم (253 هـ) في كتابه "الإستقامة": «وأنكر جهم أن يكون اللهفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9?=ar) دون الأرض، وقد دل في كتابه أنهفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9?=ar) دون الأرض بقوله حين قال لعيسى عليه السلام {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَالَّذِينَ كَفَرُوا} [آل عمران : 55]، وقوله {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُإِلَيْهِ} [النساء:157 ، 158] وقال: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُإِلَيْهِ} [السجدة : 5]» وذكر جملة منالأدلة من القرآن، ثم قال: «لو كان في الأرض كما هوفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9&lang=ar) لم يُنَزّل منالسماء إلى الأرض شيئا، ولكان يصعد من الأرض إلى السماء كما ينزل من السماء إلىالأرض، وقد جاءت الآثار عن النبي أن الله عز و جلفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9?=ar) دون الأرض) ثم ذكر أحاديث عن الرسول صلىالله عليه وسلم.
وقال: «من كفر بآية من كتاب الله فقد كفربه أجمع، فمن أنكر العرش فقد كفر به أجمع، ومن أنكر العرش فقد كفر بالله، وجاءتالآثار بأن لله عرشا وأنه على عرشه.» (20)
21. محمدبن يحيى الذهلي (258 هـ) : كتب أبو عمرو المستملي (21) : (سُئل محمد بن يحيىعن حديث عبد الله بن معاوية عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ليعلم العبد أن اللهمعه حيث كان." فقال: « يريد أن الله علمه محيط بكل ما كان،والله على العرش.» (22)
22. أبو زرعة الرازي (264هـ) : قال ابن أبي حاتم الرازي: سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة فيأصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان من ذلك فقالا: « أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازا وعراقا وشاما ويمنافكان من مذهبهم:» وذكرا أمورا منها «وأن الله عز و جلعلى عرشه بائن من خلقه، كما وصف نفسه في كتابه وعلى لسان رسول صلى الله عليه و سلمبلا كيف، أحاط بكل شيء علما {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَالسَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى : 11] » (23)
23. قالإسماعيل بن يحيي المزني الشافعي (264هـ) في كتابه في السنة : « عالٍ على عرشه، وهو دانٍبعلمه من خلقه، أحاط علمه بالأمور، وأنفذ في خَلْقِه سابق المقدور {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر : 19]»
وقال في موضع آخر: « عالٍ على عرشه، بائن من خلقه » (24)
24. أبو حاتم الرازي (277 هـ) : قال أبو القاسم اللالكائي: "ووجدتفي بعض كتب أبي حاتم محمد بن إدريس ابن المنذر الحنظلي الرازي -رحمه الله- مما سمعمنه، يقول: « مذهبنا واختيارنا اتباع رسول الله صلى الله عليهوسلم وأصحابه والتابعين ومن بعدهم بإحسان، مذهب أهل الأثرمثلأبي عبد الله أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن إبراهيم ، وأبي عبيد القاسم بن سلام ،والشافعي . ولزوم الكتاب والسنة، والذب عن الأئمة المتبعة لآثار السلف،واختيار ما اختاره أهل السنة من الأئمة في الأمصار مثل : مالكبن أنس في المدينة ، والأوزاعي بالشام ، والليث بن سعد بمصر ، وسفيان الثوري وحمادبن زيادبالعراق من الحوادث مما لا يوجد فيه رواية عن النبي صلى الله عليهوسلم والصحابة والتابعين) ) وذكر أمورا منها: « أن الله علىعرشه بائن من خلقه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُالْبَصِيرُ} [الشورى : 11] »." (25)
25. قالأبو عيسى الترمذي (279 هـ) : « عِلْم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان، وهو على العرش كما وصف فيكتابه. » (26)
26. قالحرب بن إسماعيل الكرماني (280هـ) في مسائله: « هذا مذهب أهل العلم، وأصحاب الأثر،وأهل السنة المتمسّكين بها، المُقتدى بهم فيها من لَدُن أصحاب النبي -صلى الله عليهوسلم- إلى يومنا هذا، وأدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز والشام -وغيرهم-؛ فَمَنخالف شيئاً من هذه المذاهب أو طعن فيها، أو عاب قائلَها، فهو مخالفٌ مبتدعٌ خارجٌعن الجماعة، زائلٌ عن منهج السّنّة وطريق الحق. وهومذهب أحمدوإسحاقَ بن إبراهيم بن مَخْلَد، وعبدالله بن الزبير الحُمَيدي، وسعيد بن منصور -وغيرهم- ممن جالسْنا وأخذنا عنهم العلم، فكان من قولهم: » (27) وذكرأمورا كثيرة منها: « وخلق سبع سماوات بعضها فوق بعض وسبعأرضين بعضها أسفل من بعض، وبين الأرض العليا إلى السماء الدنيا مسيرة خمس مئة عام ،وبين كل سماء إلى سماء خمس مئة عام، والماء فوق السماء العليا السابعة، وعرش الرحمن - عز وجل- فوق الماء،والله - عز وجل- على العرش ... وهو علىالعرش فوق السماء السابعة،ودونه حجب من نار ونور وظلمة، وما هو أعلم به. فإذا احتج مبتدع أو مخالف بقول الله - عز وجل-: {وَنَحْنُأَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16]، وبقوله - تعالى-: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَىثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَاأَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَاكَانُوا} [ المجادلة:7 ] ،ونحو هذا من متشابهالقرآن؛ فقل إنما يعني بذلك العلم؛ لأنالله - عز وجل- علىالعرش فوق السماء السابعة العليا، يعلم ذلك كله وهو بائن من خلقه، لا يخلومن علمه مكان.) (28)
وقال ابن أبي حاتم في كتابه "الرد على الجهمية": أخبرني حرببن إسماعيل الكرماني: « الجهمية أعداء الله، وهم الذين يزعمونأن القرآن مخلوق، وأنه لا يعرف لله مكان، وليس على عرش، ولا كرسي، وهم كفارفاحذرهم.» (29)
27. قالعثمان الدارمي (280هـ) : (وقد اتفقت الكلمة من المسلمين أن الله تعالى فوق عرشه فوق سمواته) (30)
وقال: (فالله تبارك وتعالى فوق عرشه، فوق سمواته، بائن من خلقه، فمن لميعرفه بذلك لم يعرف إلهه الذي يعبده) (31)
28. قالأبو بكربن أبي عاصم (287 هـ) في كتابه "السنة": «باب: ما ذكرأن الله تعالى في سمائه دون أرضه» ثم روى بإسناده حديث الجارية الذي فيهسؤال النبي صلى الله عليه وسلم "أين الله؟". (32)
29. قالأبو جعفر بن أبي شيبة (297 هـ) : « فهوفوق السماوات وفوق العرش بذاته متخلصا من خلقه بائنا منهم، علمه في خلقه لا يخرجونمن علمه. » (33)
30. قالعمرو بن عثمان المكي الصوفي (297 هـ) في كتاب "أداب المريدين والتعرف لأحوال العبّاد" في باب ما يجيء بهالشياطين للتائبين: (إذا هم امتنعوا عليه واعتصموا بالله فإنه يوسوس لهم في أمرالخالق ليفسد عليهم أحوال التوحيد) وذكر كلاما طويلا إلى أن قال: « فهو تعالى القائل: {أنا الله} لاالشجرة، الجائي قبل أن يكون جائيا، لا أمره، المستوي على عرشه بعظمة جلاله دون كلمكان » (34)
شهادة العلماءالذين أتوا بعد عهد السلف الصالحبأن هذا الإعتقاد هو عقيدة السلف، عقيدةالمسلمين، عقيدة أهل السنة وأصحاب الحديث:
من 301إلى 500 هـ)
31. قالأبو الحسن الأشعري (324هـ) في كتابه "مقالات الإسلاميين": (باب اختلافهم في البارىء هل هو في مكاندون مكان؟ أم لا في مكان؟ أم في كل مكان ؟ ) وذكر أقوال الفرق ثم قال: (قالأهل السنة وأصحاب الحديث: ... وأنه على العرش كما قال عز وجل {الرحمن على العرش} ولا نقدم بين يدى الله في القول بلنقول استوى بلا كيف) (35)
وقال في موضع آخر: (جُملة ما عليهأهل الحديث والسنة: الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله) وذكر أمورا منها: (وأن الله سبحانه على عرشه كما قال {الرحمن على العرشاستوى} (36)
32. قالأبو بكر الآجري (360 هـ) : (فعِلْمُه عز وجل محيط بجميع خلقه، وهو على عرشه،وهذا قولالمسلمين.) (37)
33. قالابن أبي زيد القيروانيالمالكي (386 هـ) في كتابه "الجامع" : (فمما أجمعت عليهالأمةمن أمور الديانة، ومن السنن التي خِلافُها بدعةٌ وضلالة: أن اللهتبارك اسمه) وذكر أمورا منها: (وأنه فوق سماواته على عرشه دون أرضه، وأنه في كلمكان بعلمه) وذكر باقي الإعتقاد ثم قال في آخره: (وكل ما قدَّمنا ذِكْرَه فهوقول أهل السنة وأيمة الناسفي الفقهِ والحديث على ما بيناه،وكله قول مالك، فمنه منصوص من قوله، ومنه معلوم منمذهبه.) (38)
34. قالابن بطة العكبري الحنبلي (387هـ) في كتابه الإبانة الكبرى: ( وأجمع المسلمونمنالصحابة والتابعين وجميع أهل العلم من المؤمنين أن الله تبارك وتعالى على عرشه فوقسماواته بائن من خلقه وعلمه محيط بجميع خلقه لا يأبى ذلك ولا ينكره إلا من انتحلمذاهب الحلولية.)
35. قالابن أبي زَمَنِين المالكي (ت 399هـ) : (ومن قول أهل السنة : أن الله عز وجل خلقالعرش واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق ، ثم استوى عليه كيف شاء ، كما أخبرعن نفسه في قوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُمَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَالثَّرَى} [طه: 5 ، 6]) (39)
وقال: (ومنقول أهل السنة : أن الله عز وجل بائن من خلقه، مُحتجب عنهمبالحُجُب) (40)
36. قالمحمد بن موهب المالكي (406هـ) في شرحه لرسالة الإمام ابن أبي زيد: (وقد تأتي لفظة «في» في لغة العرب بمعنى فوق، كقوله {فأمشوا في مناكبها} و(في جذوع النخل} و{أأمنتم من في السماء} قال أهل التأويل(41): يريد فوقها، وهوقول مالكمما فهمه عمن أدرك منالتابعينمما فهموهعن الصحابةمما فهموهعن النبيصلى الله عليه وسلم أن الله فيالسماء يعني فوقها وعليها) (42)
37. قالأبو القاسماللالكائي الشافعي (418 هـ) : (سياق ما رُوي في قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} وأن الله على عرشهفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9&lang=ar). وقال عز وجل: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} وقال: {أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض} وقال: {وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة}. فدلت هذه الآيات أنهتعالىفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9&lang=ar) وعلمه بكل مكانمن أرضه وسمائه. ورُوي ذلكعن الصحابة: عن عمر وابنمسعود وابن عباس وأم سلمة. ومن التابعين: ربيعة بن أبيعبد الرحمن وسليمان التيمي ومقاتل بن حيان. وبه قال الفقهاء: مالك بن أنس وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل.) (43)
38. قالأبو عمر الطلمنكي المالكي (429 هـ) في كتابه "الوصول إلىمعرفة الأصول": (أجمع المسلمون من أهل السنةعلى أن معنىقوله: {وهو معكم أينما كنتم} ونحو ذلك من القرآن: أنهعلمه، وأن الله تعالى فوق السموات بذاته، مستو على عرشه كيف شاء.
وقال أهل السنةفي قوله: {الرحمن على العرشاستوى} : إن الإستواء من الله على عرشه على الحقيقة لا على المجاز) (44)
39. قالأبو نعيم الأصبهاني الصوفي (ت 430هـ) في كتابه "محجة الواثقين: (وأجمعواأن الله فوق سماواتهوأنه عال على عرشه ، مستو عليه ، لا مستول كما تقول الجهمية) (45)
وقال في كتابالإعتقاد له: (طريقناطريق السلف المتبعين للكتاب والسنة وإجماعالأمة، ومما اعتقدوه: أن الله لم يزل كاملا بجميع صفاته القديمة) وذكر جملةمن العقائد منها: (وأن الأحاديث التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم في العرش،وإستواء الله عليه، يثبتونها، من غير تكييف، ولا تمثيل، وأن الله تعالى بائن منخلقه، والخلق بائنون منه، لا يحل فيهم ولا يمتزج بهم، وهو مستو على عرشه في سمائهدون أرضه) (46)
40. قالأبو نصر السجزي الحنفي (ت. 444هـ) في كتابه الإبانة: (أئمتناكسفيان الثوري، ومالك،وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، عبد الله بن المبارك، والفضيل بن عياض، وأحمد بنحنبل، وإسحاق بن راهويهمتفقون على أن الله سبحانه وتعالى بذاته فوق العرش،وعلمه بكل مكان) (47)
41. قالأبو عثمان الصابوني الشافعي (ت 449هـ) في كتابه "عقيدة السلف أصحاب الحديث": (ويعتقدأصحاب الحديثويشهدون أن الله سبحانه فوق سبع سمواته، على عرشه مستو؛ كمانطق به كتابه، في قوله عز وجل في سورة الأعراف: {إِنَّرَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف :54]) وذكر آيات الإستواء على العرش وآيات أخرى في علو الله، بعضها ذكرناهافي الجزء الأول للمقال، ثم قال: (وعلماء الأمة وأعيان الأئمة منالسلفرحمهم الله لم يختلفوا في أن الله على عرشه، وعرشه فوق سمواته.) (48)
42. قالابن عبد البر المالكي (ت 463 هـ) فيكتابه "التمهيد": (وأما احتجاجهم بقوله عز {مَا يَكُونُ مِنْنَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْوَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَاكَانُوا} [المجادلة:7] فلا حجة لهم في ظاهرهذه الآية، لأنعلماء الصحابة والتابعينالذين حملت عنهمالتآويل (49) في القرآن قالوا في تأويل هذه الآية: هو على العرش وعلمه في كل مكانوما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله.) (50)
وقال في شرح حديث النزول: (وفيه دليلعلى أن الله عز وجلفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9&lang=ar) على العرش من فوقسبع سموات،كما قالت الجماعة. وهو من حجتهم على المعتزلةوالجهمية في قولهم أن الله عز وجل في كل مكان، وليس على العرش.) (51)
وقال في "الإستذكار": (الله عز وجلفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9&lang=ar) على العرش مِنفوقِ سبع سماوات، وعِلْمُه في كل مكان كما قالتالجماعة أهل السنةأهل الفقه والأثر.) (52)
من 501 إلى 750 هـ
43. قالالحسين البغوي الشافعي (ت 510هـ) : (وقال الله عز وجل (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) وقالالله تعالى (ثم استوى على العرش) ) وذكر عددا من الآيات والأحاديث في الصفات، ثمقال-: (فهذه ونظائرها صفات لله تعالى ورد بها السمع يجب الإيمان بها، وإمرارها علىظاهرها معرضا فيها عن التأويل ، مجتنبا عن التشبيه، معتقدا أن الباري سبحانه وتعالىلا يشبه شيء من صفاته صفات الخلق، كما لا تشبه ذاته ذوات الخلق ، قال الله سبحانهوتعالى : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) [ الشورى : 11 ]. وعلى هذا مضىسلف الأمة ، وعلماء السنة) (53)
44. قاليحيى العمراني الشافعي (ت 558هـ) : (عند أصحاب الحديث والسنةأن الله سبحانه بذاته، بائن عنخلقه، على العرش استوى فوق السموات، غير مماس له، وعلمه محيط بالأشياء كلها) (54)
45. قالابن قدامة المقدسي الحنبلي (ت 620هـ) : (فإن الله تعالى وصف نفسه بالعلوفي السماء (http://as-salaf.com/article.php?aid=9?=ar) ووصفه بذلك محمد خاتم الأنبياء،وأجمع على ذلك جميع العلماء من الصحابه الأتقياء والأئمة منالفقهاء، وتواترت الأخبار بذلك على وجه حصل به اليقين، وجمع الله تعالى عليهقلوب المسلمين، وجعله مغروزًا في طباع الخلق أجمعين، فتَرَاهم عند نزول الكرب بهميلحظون السماء بأعينهم ويرفعون نحوها للدعاء أيديهم، وينتظرون مجئ الفرج من ربهم،وينطقون بذلك بألسنتهم لا ينكر ذلك إلا مبتدع غال في بدعته، أو مفتون بتقليدهواتباعه على ضلالته) (55)
46. كتبابن الصلاح الشافعي (ت 643هـ) على القصيدة في السنة المنسوبة إلى أبي الحسن الكرجي (532 هـ) : (هذه عقيدة أهل السنة وأصحاب الحديث) (56)، ومما جاء فيتلك القصيدة:
عقيدة أصحاب الحديث فقد سمت *** بأرباب دين الله أسنى المراتب
عقائدهم أن الإله بذاته *** على عرشه مع علمه بالغوائب
47. قالأبو عبد الله القرطبي المالكي (671 هـ= في كتابه "الأسنى فيشرح أسماء الله الحسنى": (وأظهر هذه الأقوال ... ما تظاهرت عليه الآي والأخبار أنالله سبحانه على عرشه كما أخبر في كتابه وعلى لسان نبيه بلا كيف، بائن من جميع خلقههذا جملةمذهب السلف الصالحفيما نقل عنهم الثقات.) (57)
وقال في تفسيره: (وقد كان السلف الأول رضي الله عنهم لا يقولون بنفي الجهةولا ينطقون بذلك، بل نَطَقوا هم والكافَّة بإثباتها (58) لله تعالى كما نطق كتابُهوأخبرت رسله. ولم يُنكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة. وخصَّ العرشبذلك لأنه أعظم مخلوقاته، وإنما جَهِلوا كيفية الاستواء فإنه لا تُعلم حقيقته. قالمالك رحمه الله: الاستواء معلوم - يعني في اللغة – والكيف مجهول، والسؤال عن هذابدعة.) (59)
48. قالشمس الدين الذهبي الشافعي (ت 748هـ) في خاتمة كتابه "العلو للعلي الغفار" : (والله فوق عرشه كما أجمععليه الصدر الأول ونقله عنهم الأئمة)
وقال في كتاب العرش له: (الدليل على أنالله تعالى فوق العرش، فوق المخلوقات، مباين لها، ليس بداخل في شيء منها، على أنعلمه في كل مكان. الكتاب، والسنة، وإجماع الصحابة، والتابعين، والأئمة المهديين.) (60)
إعداد: أم عبد اللهالميساوي
أُعِدّ لموقع: عقيدة السلف الصالح
كلمة "لا إله إلا الله"
- {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًاكَلِمَةًطَيِّبَةًك َشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِيالسَّمَاءِ} [إبراهيم : 24]
- كلمة التوحيد والإخلاصالتي دعا إليها النبيُّون كلهم من آدمإلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {وَمَاأَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَإِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء : 25]
- كلمة التقوى، كما جاء عن ابن عباس ـرضي الله عنهما ـ وتلميذه مجاهد في قوله -تعالى- {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} يقول: شهادة أن لا إلهإلا الله. (2)
- كلمةمنكانت آخر كلامهفي الدنيا دخل الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم (من كانآخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) [رواه أبو داودوغيره، وهو حديث حسن]
فضائل «لا إله إلاالله» كثيرة جدا، اقتصرنا على هذه الأمثلة اختصارًا، وقد كُتب عنها كثيرًامن أراد الاستزادة، فليراجع ذلك في مظانَّه.
هذه الكلمة العظيمة -كلمةالتوحيد- يقولها المسلم في صلواته كل يوم، ويسمعها من المؤذن كل يوم مرارًا، لكن هليعرف كثير من الناس معناها وما دلت عليه ؟!
الهدف من هذا المقال هو تبيين المعنىالصحيح لـ«لا إله إلا الله»، حتى يعلم المسلم معنىكلمة التوحيد، فيعمل به ويدعو إليه.
معنى "إله"
قال ابن فارس (395 هـ): الهمزةواللام والهاء أصل واحد، وهو التعبُّد. فالإله الله تعالى، وسمّيَ بذلك لأنّهمعبود. ويقال تألّه الرجُل، إذا تعبّد. (3)
والإله المعبود، وهو الله عز وجل، ثم استعارهالمشركون لما عبدوه (من الأصنام وغيرها) من دون الله تعالى (4)، لاعتقادهم أَن العبادة تَحُقُّ لها. (5)
وبهذا يظهر غلط من زعم أن قول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِإِلَهٌ} [الزخرف : 84] يدل على أن الله في كلمكان، بل معناها أنه سبحانه وتعالى معبود في السماء والأرض.
جملة من أقوال العلماء في تفسير هذه الآية:
- قتادة ( * ) : أي يُعبد فيالسماء، ويُعبد في الأرض. (6)
- ابن جرير الطبري (310هـ) : (يقول تعالى ذكره: والله الذي له الألوهة ( ** ) فيالسماء معبود، وفي الأرض معبود كما هو في السماء معبود، لا شيء سواه تصلح عبادته; يقول تعالى ذكره: فأفردوا لمن هذه صفته العبادة، ولا تشركوا به شيئا غيره.) (7)
- ابن أبي زَمَنِين (399هـ) : هو المُوَحَّدُ في السماء وفي الأرض. (8)
- أبو المظفر السمعاني (489هـ) : أي : معبود في السماء والأرض. (9)
- ابن كثير (774هـ) : وقوله: {وَهُوَاللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْوَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} اختلف مفسرو هذه الآية على أقوال، بعد الاتفاقعلى تخطئة قول الجَهْمِيَّة الأول القائلين بأنه -تعالى عن قولهم علوًا كبيرًا-فيكل مكان؛ حيث حملوا الآية على ذلك، فأصح الأقوال أنه المدعو الله في السموات وفيالأرض، أي: يعبده ويوحده ويقر له بالإلهية من في السموات ومن في الأرض، ويسمونهالله، ويدعونه رَغَبًا ورَهَبًا، إلا من كفر من الجن والإنس، وهذه الآية على هذاالقول كقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌوَفِي الأرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84]، أي: هوإله مَنْ في السماء وإله مَنْ في الأرض. (11)
معنى لا إلهإلا الله
قول بعض أهل العلم في معنى "لا إله إلا الله" :
- ابن جرير الطبري : "فإنه {لا إلهإلا هو} يقول : لا معبود يستحق عليك إخلاص العبادة له إلا الله الذي هو فالقالحب والنوى ، وفالق الإصباح ، وجاعل الليل سكنا ، والشمس والقمر حسبانا." (12)
وقال: "{وأن لا إله إلاهو} يقول: وأيقنوا أيضا أن لا معبود يستحق الألوهة على الخلق إلا الله الذيله الخلق والأمر ، فاخلعوا الأنداد والآلهة ، وأفردوا له العبادة." (13)
- أبو جعفر النحاس (ت. 338هـ) قال: "{أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُاللَّهِ} أي معبود يستحق العبادة {سُبْحَانَ اللَّهِعَمَّا يُشْرِكُونَ} أي تنزيها لله جل وعز مما يعبدونه من دونه." (23)
- أبو المظفر السمعاني (ت. 489هـ) : {إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني} أي : لا أحد يستحق العبادة سواي. (14)
- البيهقي (458هـ) : فمعنى الإله: المعبود، وقول الموحدين: لاإله إلا الله معناه لا معبود غير الله. (15)
- القرطبي (671هـ) : قوله تعالى: {لاإِلَهَ إِلاَّ هُوَ} نفي وإثبات. أولها كفر وآخرها إيمان، ومعناه لا معبودإلا الله. (16)
قال أبو هلال العسكري (بعد 395 هـ) : وأما قول الناس "لا معبود إلا الله" فمعناهأن لا يستحق العبادة إلا الله تعالى. (17)
- ابن كثير (ت. 774هـ): فقوله {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ} إخبار بأنه المتفرد بالإلهيةلجميع الخلائق. (18)
- السيوطي (911هـ) : «اللَّه لَاإلَه» أي لا معبود بحق في الوجود «إلَّا هُوَ». (19)
- البهوتي (1051هـ) : (أي لا معبود بحق إلا ذلك الواحد الحق) (20)
وغيرهمكثير
فبهذا يُعلم أن اعتقاد بعض المسلمين بأن معنى «لاإله إلا الله» أي: لا خالق إلا الله، غلط؛ فإن مشركي العرب وغيرهم كانوامُقرِّين بأن الله وحده الخالق ولكنهم عبدوا الأصنام والملائكة وغيرها، قال الله عزوجل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِوَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّىيُؤْفَكُونَ} [العنكبوت : 61] وغيرها أدلةكثيرة في القرآن الكريم، سنفرد لها مقالا خاصا بها إن شاء الله.
وشهادةأن لا إله إلا الله تتضمن إفراد الله عز وجل بالخلق والملك والتدبير، فالذي يستحقالعبادة هو خالق العباد ومالكهم ومدبر شؤونهم، وقد حجّ الله عز وجل المشركينباعتقادهم بانفراد الله بالخلق والملك والتدبير على إفراده بالعبادة دون آلهتهمالباطلة التي ليس لها شيء من ذلك، وقد كان المشركون يقولون في تلبيتهم «لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَإِلاَّ شَرِيكًاهُوَ لَكَتَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ)» يَقُولُونَهَذَا وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ. (21)
ولوكان هناك إله غير الله مستحق للعبادة لكان مماثلا لله عز وجل، فيكون أيضا خالقاومالكا ومدبرا، وهذا ظاهر الفساد، قال الله عز وجل {مَااتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّإِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّايَصِفُونَ} [المؤمنون : 91]
قالابن جرير الطبريفي تفسير هذه الآية:
(يقول تعالى ذكره: ما لله من ولد، ولا كان معه في القديم، ولا حين ابتدع الأشياء من تصلح عبادته، ولوكان معه في القديم أو عند خلقه الأشياء من تصلح عبادته {مِنْإِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ} يقول: إذن لاعتزل كل إله منهم {بِمَا خَلَقَ} من شيء، فانفرد به، ولتغالبوا، فلعلا بعضهم علىبعض، وغلب القويّ منهم الضعيف؛ لأن القويّ لا يرضى أن يعلوه ضعيف، والضعيف لا يصلحأن يكون إلها، فسبحان الله ما أبلغها من حجة وأوجزها، لمن عقل وتدبر.) (22)
فـ«لا إله إلاالله» تعني: لا معبود بحق إلا الله، أو لا يستحق العبادة إلا الله. والشهادةبذلك تتضمن الشهادة بأنه وحده الخالق المالك المدبر، وأنه لا مثل له ولا نظير، لأنالذي تصلح عبادته هو خالق كل شيء ومدبره ومالكه، ليس كمثله شيء.
التوحيد: أهميته
- هو الغاية من خلق الإنس والجن:
قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات : 56]
- هو أصل دعوة الرسل:
وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء : 25]
- لا يُقبل عمل إلا بالتوحيد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تبارك وتعالى: ”أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ“ [صحيح مسلم]
قال يحيى بن سلَّام (200 هـ) : ({وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} أي: عدلا؛ وهو لا إله إلا الله {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} لا يقبل العمل إلا ممن قال: لا إله إلا الله، مخلصا من قلبه) (1)
- الجنة مُحرمة على من أشرك بالله
قال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة : 72]
- من أشرك حَبِط عمله
وقال سبحانه: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام : 88]
- هو أعظم سبب لمغفرة الذنوب
في الحديث القدسي: ”وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ (2) خَطِيئَةً لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً“ [صحيح مسلم]
وغير ذلك.
التوحيد: لا إله إلا الله
قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُون} [الأنبياء : 25]
قال النبي صلى الله عليه وسلم ”من قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله ، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله.“
في رواية : ”من وحد الله...“ ثم ذكر مثله . [صحيح مسلم]
قال عثمان الدارمي (http://as-salaf.com/article.php?aid=20&lang=ar) (280 هـ) : «وتفسير التوحيد عند الأمة وصوابه قول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له"». (3)
وقال أبو جعفر النحَّاس (338 هـ) : (قوله جل وعز {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات : 35] أي: عن توحيد الله عز وجل.) (4)
وقال أبو عبد الله القرطبي (671 هـ) : (و{قل هو الله أحد} فيها التوحيد كله. وبهذا المعنى وقع البيان في قوله عليه السلام لأُبيٍّ. ”أي آية في القرآن أعظم؟“ قال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}. وإنما كانت أعظم آية لأنها توحيد كلها، كما صار قوله: «أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له» أفضل الذكر، لأنها كلمات حَوَت جميع العلوم في التوحيد.) (5)
وقال ابن كثير (774 هـ) : ({مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ} [يوسف : 38] هذا التوحيد - وهو الإقرار بأنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له) (6)
وقال ابن رجب الحنبلي (795 هـ) : (ولعل من قال: إن المراد بالاستقامة على التوحيد؛ إنما أراد التوحيد الكامل الذي يحرّم صاحبه على النار، وهو تحقيق معنى «لا إله إلا الله» (http://as-salaf.com/article.php?aid=13&lang=ar)فإن الإِله هو المعبود الذي يُطاع فلا يُعصى؛ خشيةً، وإجلالا، ومهابةً، ومحبةً، ورجاءً، وتوكلا، ودعاءً.) (7)
التوحيد: معناه وغايته عبادة الله وحده
- معنى كلمة التوحيد «لا إله إلا الله»كما فسرها أهل العلم (http://as-salaf.com/article.php?aid=13&lang=ar): (لا معبود بحق أو لا مستحق للعبادة إلا الله).
- من القرآن:
قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة : 31]
وقال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة : 5 ، 6]
وغيرها من الآيات
- من السنة:
1. قال البخاري: (باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى) وذكر أحاديث منها:
عن معاذ بن جبل قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ”يَا مُعَاذُ أَتَدْرِى مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ ؟“ قَالَ: اللَّه وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قال: ”أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، أَتَدْرِى مَا حَقُّهُمْ عَلَيْهِ ؟» قَال: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَم. قَال: «أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمْ.“
2. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ:
”إِنَّكَ سَتَأْتِى قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِى كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ...“ الحديث . [صحيح البخاري ومسلم]
وفي رواية: ”... فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ ...“ الحديث. [صحيح البخاري ومسلم]
وفي رواية: ”... فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ ...“ الحديث. [صحيح البخاري]
قال ابن حجر العسقلاني في هذه الروايات الثلاث:
(ويُجمع بينها بأن المراد بعبادة الله توحيده وبتوحيده الشهادة له بذلك ولنبيه بالرسالة، ووقعت البداءة بهما لأنهما أصل الدين الذي لا يصح شيء غيرهما إلا بهما.) (8)
وقال في موضع آخر: (ووجه الجمع بينها أن المراد بالعبادة: التوحيد، والمراد بالتوحيد: الإقرار بالشهادتين، والإشارة بقوله ذلك إلى التوحيد، وقوله: « فإذا عرفوا الله » أي عرفوا توحيد الله، والمراد بالمعرفة الإقرار والطواعية فبذلك يجمع بين هذه الألفاظ المختلفة في القصة الواحدة وبالله التوفيق.) (9)
3. قال البيهقي (458 هـ) : (الباب الأول في توحيد الله في عبادته دون سواه) ثم ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم:
”مَنْ وَحَّدَ اللهَ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ.“ (10) [صحيح مسلم]
من أقوال السلف والعلماء:
قال قَتادة (117 هـ/ تابعي) في قوله تعالى: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} [الزخرف : 28]: (التوحيد والإخلاص، لا يزال في ذريته من يوحد الله ويعبده.) (11)
قال يحيى بن سلَّام (200 هـ) : (فقال: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ} وحدوا الله {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُون} كل من عبد غير الله سبحانه فقد افترى الكذب على الله تعالى لأن الله عز وجل أمر العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا) (12)
قال ابن جرير الطبري (310 هـ) في تفسير قوله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ} [البقرة : 132]: (قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: {ووصى بها}، ووصى بهذه الكلمة. عنى بـ"الكلمة" قوله: {أسلمت لرب العالمين}، وهي "الإسلام" الذي أمر به نبيه صلى الله عليه وسلم، وهو إخلاص العبادة والتوحيد لله، وخضوع القلب والجوارح له.) (13)
قال أبو جعفر النحَّاس (338 هـ) : (روى مَعْمر عن قتادة: قال: {الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [النحل : 60] : لا إله إلا الله.
ورَوى سعيد عن قتادة قال: {الْمَثَلُ الْأَعْلَى}: الإخلاص، والتوحيد.
والمعنيان واحد، أي لله عز وجل التوحيد ونفي كل معبود دونه.) (14)
قال ابن كثير (774 هـ) في تفسيره: (ثم قال تعالى مخبرًا أنه الأحد الصمد، الذي لا إله غيره، فقال: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التغابن : 13] فالأول خَبَرٌ عن التوحيد، ومعناه معنى الطلب، أي: وحدوا الإلهية (17) له، وأخلصوها لديه، وتوكلوا عليه) (18)
وغيرهم كثير، اقتصرنا على هذا القدر للاختصار.
التوحيد: أصل دعوة الرسل أجمعين
جميع الرسل:
قال الله تعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء : 25]
{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل : 36]
{إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} [فصلت : 14 ، 15]
أفرادهم:
نوح عليه السلام:
قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [المؤمنون : 23 ، 24]
إبراهيم عليه السلام
{وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [العنكبوت : 16 ، 17]
هود عليه السلام
{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [الأعراف : 65]
{قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الأعراف : 70]
صالح عليه السلام
{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف : 73]
شعيب عليه السلام
{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف : 85]
يعقوب عليه السلام
{أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة : 133]
عيسى عليه السلام
{وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة : 72 ، 73]
محمد صلى الله عليه وسلم
{قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي} [الزمر : 11 - 14]
من السنة:
عن ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُول: لَمَّا بَعَثَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - مُعَاذًا نَحْوَ الْيَمَنِ قَالَ لَهُ ”إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِى يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ ، فَإِذَا صَلُّوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً فِى أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ غَنِيِّهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فَقِيرِهِمْ ، فَإِذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ“. [صحيح البخاري]
من أقوال السلف والعلماء:
قال قتادة (117 هـ) : (قوله: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} يقول: سبيلا وسُنّة. والسنن مختلفة: للتوراة شريعة، وللإنجيل شريعة، وللقرآن شريعة، يحلُّ الله فيها ما يشاء، ويحرِّم ما يشاء بلاءً، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه. ولكن الدين الواحد الذي لا يقبل غيره: التوحيدُ والإخلاصُ لله، الذي جاءت به الرسل.) (19)
قال ابن جرير الطبري (310 هـ) : (يقول تعالى ذكره: وما أرسلنا يا محمد من قبلك من رسول إلى أمة من الأمم إلا نوحي إليه أنه لا معبود في السماوات والأرض، تصلح العبادة له سواي فاعبدون يقول: فأخلصوا لي العبادة، وأفردوا لي الألوهية.) (20)
قال ابن كثير (774 هـ) : (ثم فسرها بقوله: {أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا} لا وَثَنا، ولا صنما، ولا صليبا ولا طاغوتا، ولا نارًا، ولا شيئًا، بل نُفْرِدُ العبادة لله وحده لا شريك له. وهذه دعوة جميع الرسل)
وقال: (جميع الأنبياء قبله كلهم كانت دعوتهم إلى الإسلام، وأصله عبادة الله وحده لا شريك له.) (21)
وقال: (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن معشر الأنبياء أولاد عَلات ديننا واحد"، يعني: أن المقصود هو عبادة الله وحده لا شريك له بشرائع متنوعة لرسله، كما قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة :48]) (22)
قال الملا علي القاري (1014 هـ) في شرحه للفقه الأكبر (ص49) : (وقد أعرض الإمام عن بحث الوجود اكتفاءً بما هو ظاهر في مقام الشهود؛ ففي التنزيل: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ...} [إبراهيم : 10]، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ...} [العنكبوت : 61]، فوجود الحق ثابت في فطرة الخلق كما يشير إليه قوله سبحانه وتعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم : 30] ، ويومئ إليه حديث «كل مولود يولد على فطرة الإسلام» وإنما جاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لبيان التوحيد وتبيان التفريد، ولذا أطبقت كلمتهم وأجمعت حجتهم على كلمة: لا إله إلا الله، ولم يُؤمَروا بأن يَأمُروا أهل ملتهم بأن يقولوا: الله موجود، بل قصدوا إظهار أن غيره ليس بمعبود ردا لما توهموا وتخيلوا حيث قالوا: {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس : 18] و{ا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر : 3]، على أن التوحيد يفيد الوجود مع مزيد التأييد.)
قد بيّنا فيما سبق (http://as-salaf.com/article.php?aid=21&lang=ar)أن الحكمة التي من أجلها خُلِق الخَلق هي عبادة الله وحده، ونفي كل معبود سواه، وهو التوحيد الذي هو أصل دعوة الرسل أجمعين.
والدعوة إلى توحيد العبادة تتضمن أمورا أخرى هي أيضا من التوحيد، منها الإيمان بكمال بربوبية [1] الله عز وجل، حيث إن الله عز وجل احتجَّ على استحقاقه وحده للعبادة بانفراده بالخلق والملك والتدبير، والآيات في هذا كثيرة جدا في القرآن الكريم، منها قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر : 3]
وقوله: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الأنعام : 102]
وبيّن الله فساد القول بوجود إله آخر بإبطال القول بوجود خالق آخر، فقال:
{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء : 22] لأنه لو كان هناك إله آخر مستحق للعبادة لكان مشارك لله في الخلق و{لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُون} [المؤمنون : 91]
وغير ذلك آيات كثيرة سنفرد لها مقالا إن شاء الله تعالى.
فاعتقاد استحقاق الله وحده للعبادة يتضمن اعتقاد وجود الله عز وجل وأنه وحده الرب الخالق، فلو لم يعتقد ذلك لما عَبَدَ الله لعدم إيمانه بوجوده أصلا.
واعتقاد انفراده بالربوبية يستلزم اعتقاد أن الله واحد لا مثل له، فكما أنه لا خالق غيره فإنه لا إله غيره، وعلى هذا فما سواه مخلوق مربوب، وهو واحد لا شريك له.
فبَيْن كل هذه الأمور تلازم.
ولما كان مشركو العرب مقرين بأصل ربوبية الله عز وجل، بأنه هو الخالق المالك الرازق المدبر، احتجَّ الله تعالى عليهم بإقرارهم بتلك الأمور وأنه يلزمهم أن يفردوه بالعبادة، ومن أدلة كون مشركي العرب مقرين بربوبية الله في الجملة قوله تعالى:
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [العنكبوت : 61]
وفي الحديث: ”كان المشركون يقولون في تلبيتهم «لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ إِلاَّ شَرِيكًا هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ» يَقُولُونَ هَذَا وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ.“ [صحيح مسلم]
قال قتادة (تابعي) : «قوله: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} في إيمانهم هذا. إنك لست تلقى أحدًا منهم إلا أنبأك أن الله ربه، وهو الذي خلقه ورزقه ، وهو مشرك في عبادته» (2)
قال ابن جرير الطبري (310 هـ) : (وذلك أن الله جلّ ثناؤه وبَّخ هؤلاء المشركين، الذين يجعلون له من خلقه آلهة يعبدونها، وأشركوهم في عبادتهم إياه، وهم مع ذلك يقرّون بأنها خَلْقُه وهم عبيده) (3)
ومع إقرار المشركين العرب بأصل الربوبية لله عز وجل، من الخلق والملك والرزق وغيرها، فإنهم كانوا يشركون في بعض أفراد صفات الربوبية كاعتقادهم تأثير بعض الأنواء بكونها منزلةً للمطر أو سبباً لنزوله، واعتقادهم النفع والضر في أصنامهم، وغير ذلك.
ولكن إقرارهم جملةً بربوبية الله عز وجل وأنه خالق كل شيء ومالكه ومن ضمنها الآلهة التي كانوا يعبدونها، كان حُجّة عليهم في عبادة الله وحده من دونها، فربُّ العالمين الذي خلق وملك كل ما يعبدونه من دون الله هو الأحق بالعبادة، فكيف يُعبد من هو مخلوق مملوك مربوب مع الخالق المالك لها؟
ولهذا حجَّ الله المشركين بكونه الخالق والمالك لكل شيء بما في ذلك الأصنام والآلهة الأخرى، على استحقاقه وحده للعبادة من دونها.
قال الله تعالى: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد : 16]
معنى الآية هو أنهم لم يتخذوا لله شركاء خالقين مثله حتى يتشابه عليهم الخلق فيقولوا: "هؤلاء خلقوا كما خلق الله فاستحقوا العبادة كما استحقها"، ولكنهم اتخذوا شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه الخلق فضلا عما يقدر عليه الخالق.
قال ابن جرير الطبري (310 هـ) : (وقوله: {قل الله خالق كل شيء}، يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المشركين إذا أقرُّوا لك أن أوثانهم التي أشركوها في عبادة الله لا تخلق شيئًا: فاللهُ خالقكم وخالق أوثانكم، وخالق كل شيء، فما وجهُ إشراكِكم ما لا تَخلُقُ ولا تَضرُّ ؟ ) (4)
قال ابن كثير (774 هـ) : (إنما عبد هؤلاء المشركون معه آلهة هم يعترفون أنها مخلوقة له عبيد له، كما كانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك. وكما أخبر تعالى عنهم في قوله: { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] فأنكر تعالى ذلك عليهم، حيث اعتقدوا ذلك، وهو تعالى لا يشفع عنده أحدإلا بإذنه، {وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 23]، {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: 26] وقال: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: 93 -95] فإذا كان الجميع عبيدا، فلم يعبد بعضهم بعضا بلا دليل ولا برهان، بل بمجرد الرأي والاختراع والابتداع؟ ثم قد أرسل رسله من أولهم إلى آخرهم تزجرهم عن ذلك، وتنهاهم عن عبادة من سوى الله، فكذبوهم وخالفوهم، فحقت عليهم كلمة العذاب لا محالة) (5)
وقال سبحانه بعد ذكره لعجائب خلقه وتدبيره: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل : 17-18]
قال ابن جرير الطبري: (يقول تعالى ذكره لعَبَدةِ الأوثان والأصنام: أفمن يخلقُ هذه الخلائق العجيبة، التي عدَّدناها عليكم، ويُنْعِمُ عليكم هذه النَّعم العظيمة، كمن لا يخلق شيئا، ولا يُنعِمُ عليكم نعمة صغيرةً ولا كبيرةً. يقول: أتُشركون هذا في عبادة هذا؟) ثم قال: (قال لهم جلَّ ثناؤه مُوَبَّخَّهم: {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} أيها الناس. يقول: أفلا تذكرون نِعمَ الله عليكم، وعظيم سُلطانه وقدرته على ما شاء، وعجز أوثانكم وضعفَها ومهانتَها، وأنها لا تجلُبُ إلى نفسها نفعًا، ولا تَدفعُ عنها ضُرًّا، فتعرفوا بذلك خطأ ما أنتم عليه مُقيمون، من عبادِتكُموها، وإقرارِكم لها بالألُوهة.) [6]
وقد حَجَّ موسى عليه السلام فرعون بذلك، فقال الله عز وجل حاكيًا ما حصل بين موسى عليه السلام وفرعون، عندما دعاهم موسى عليه السلام لعبادة رب العالمين: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء : 23 - 29]
كان فرعون طاغية في غاية الاستكبار حتى إنه ادَّعى الربوبية ، واسْتَخَفَّ عقول قومه فدعاهم إلى الضلالة، فأطاعوه وكذَّبوا موسى، واستضعف بني إسرائيل واستعبدهم ، حتى لم يجرؤوا على إنكار دعواه أو إظهار ما يخالفها إذ كان عقاب من يفعل ذلك التعذيب المريع، والقتل الشنيع فنشأة ناشئتهم على هذه الدعوى الباطلة ما بين معتقد لها مصدق بها ومنكر في نفسه غير قادر على الجهر بالحق. فلما دعاهم موسى عليه السلام إلى عبادة الله وحده، إلى عبادة رب العالمين، ربهم ورب آبائهم، قال فرعون لقومه إن موسى الذي يدَّعي الرسالة مجنون، لأنه يقول ما لا يعرفونه ويعقلونه، فقد كان قوم فرعون الأقباط قد نشأوا على أن ملكهم فرعون هو ربهم، وكان آباؤهم الذين مضوا معتقدين ملوكهم أربابا، وكانوا يرون أن الذي لا يعتقد ما يعتقدون ليس بعاقل (7). فأجاب موسى عليه السلام مبيِّنّا مَن ربُّ العالمين بصفاته التي لا يتصف بها سواه: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} و{رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعلقون} أي خالق ومالك السموات والأرض وما بينهما، وخالق ومالك المشرق والمغرب وما بينهما.(8) وفي آية أخرى لمَّا قال فرعون فيما حكاه الله عنه: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى* قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه : 49 - 50]
قال ابن جرير الطبري: (فلما أخبرَهم عليه السلام بالأمر الذي علِموا أنه الحق الواضح، إذ كان فرعون ومن قبله من ملوك مصر، لم يُجاوز مُلكُهم عريش مصر، وتبَيَّن لفرعون ولمن حوله من قومه أن الذي يدعوهم موسى إلى عبادته، هو الملِكُ الذي يَمْلِكُ الملوك – قال فرعون حينئذ؛ استكبارًا عن الحق وتماديًا في الغيَّ لموسى: {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}) (9)
فكل من ادعّى الربوبية واستعبد بها الناس، كان مَحْجُوجًا بِنَقصِ ربوبيته ومطلق ربوبية الله عز وجل، وأنه رب كل شيء وخالقه، بما في ذلك مُدَّعي الربوبية، فاستحق بذلك العبادة من دونهم.
وإضافة إلى ذلك، فإن في نفس تلك الآيات التي حَجَّ الله فيها المشركين، أدلة على وجود الله عز وجل، بذكر انتظام سير الكون وابداع الخلق وغير ذلك، فهي حُجّة على الدَّهرية (10) وكل من يُنكر وجود الله عز وجل وخالقيته. ولعلنا نفرد مقالا لذلك إن يسر الله.
فمن تأمل وتدبر كلام الله وجد أن كل هذه الأمور مرتبطة بعضها ببعض.
وقد اجتمع كل ما ذكرناه مما يتمضنه التوحيد في آية واحدة:
في آية الكرسي: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة : 255]
هذه أعظم آية في كتاب الله عز وجل، تشتمل على ربوبية الله ووحدانيته وعلى أسماء الله وصفاته، جمع الله فيها بين النفي والإثبات: نفي النقائص والعيوب عنه، وإثبات الكمال له سبحانه وتعالى.
سنقتصر على ذكر بعض أجزاءه التي فيها ذكر لكل ما يتضمنه توحيد الله عز وجل:
فتوحيد العبادة في قوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} أي: لا معبود بحق إلا هو.
والربوبية في قوله تعالى {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} فهو مالك السماوات والأرض وما فيهن.
والأسماء والصفات في قوله {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} وقوله {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}
واجتمع التوحيد كله أيضا في قوله تعالى: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) [مريم : 65]
الربوبية: {رب السماوات والأرض وما بينهما}
العبودية: {فاعبده واصطبر لعبادته}
في أسمائه وصفاته {هل تعلم له سميًّا} سميًّا: أي مثلا أو شبيها.
واجتمعت في سورة الفاتحة:
قوله تعالى {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}: إثبات ربوبيته لكل الخلق.
وقوله {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}: ذكر لأسمائه وصفاته.
وقوله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}: توحيده في العبادة.
وفي سورة الناس:
الربوبية في قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}
والصفات في قوله {مَلِكِ النَّاسِ}
والألوهية/ العبودية في قوله {إِلَه (11) النَّاسِ}
وغير ذلك من الآيات والسور.
أما في السنة فقد اجتمعت في امتحان النبي صلى الله عليه وسلم لعدد من الجواري، فقد حصلت عدة أحداث احتيج فيها لاعتاق رقبة مؤمنة، فتنوعت أسئلته للجواري، ومن تلك الأسئلة:
1. «تشهدين أن لا إله إلا الله ؟»:
عَنْ عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود:
أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَارِيَةٍ لَهُ سَوْدَاءَ فَقَال: "يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَلَيَّ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً. فَإِنْ كُنْتَ تَرَاهَا مُؤْمِنَةً أُعْتِقُهَا.
فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: ”أَتَشْهَدِينَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟“ قَالَت: "نَعَمْ."
قَالَ: ”أفَتَشْهَدِينَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟“ قَالَتْ: "نَعَمْ"
قَالَ: ”أَتُوقِنِينَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْت؟“ قَالَتْ: "نَعَمْ."
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ”أَعْتِقْهَا“ (12)
2. « من ربك؟ »
عن الشَّرِيد (بن سويد الثقفي رضي الله عنه) :
أَنَّ أُمَّهُ أَوْصَتْ أَنْ يُعْتِقَ عَنْهَا رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِك،َ فَقَال: "عِنْدِي جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ ْ نُوبِيَّةٌ، فَأَعْتِقُهَا؟ "
فَقَالَ: ”ائْتِ بِهَا“ فَدَعَوْتُهَا، فَجَاءَتْ،
فَقَالَ لَهَا: ”مَنْ رَبُّكِ؟“ قَالَتْ: "اللَّهُ"
قَالَ: (مَنْ أَنَا؟) فَقَالَتْ: "أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ."
قَال:َ ”أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ“ [مسند الإمام أحمد] (13)
3. « أين الله؟ »:
عن معاوية بن الحكم رضي الله عنه قال:
وَكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّيبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أُعْتِقُهَا؟»
قَالَ: ”ائْتِنِي بِهَا“ فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ لَهَا: ”أَيْنَ اللَّهُ“، قَالَتْ: «فِي السَّمَاءِ.»
قَالَ: ”مَنْ أَنَا“ قَالَتْ: «أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ.»
قَالَ: ”أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ“ [صحيح مسلم]
فالأول سؤال عن اعتقاد الجارية في وحدانية الله في العبادة.
والثاني سؤال عن ربها.
والثالث سؤال في صفة من صفات الله عز وجل، وهي علوه فوق خلقه.
فالله:
واحد لا رب سواه
واحد لا إله غيره
واحد لا مثل له
وما ذكرناه قد ذكره بعض السلف والأئمة من بعدهم في كلامهم في التوحيد، منهم:
قال البخاري (256 هـ) في صحيحه:
(بَاب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى)
فذكر فيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ”يَا مُعَاذُ أَتَدْرِى مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ؟ “ قَالَ: «اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ» قال: «أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا».ا.هـ وهذا توحيد الله في العبادة.
وذكر الحديث: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِـ{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال:َ”سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِك“َ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: «لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا» فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ”أخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ.“ وهذه في الربوبية والأسماء والصفات، كما هو بَيّن في معنى سورة الإخلاص، وكونه صفة الرحمن، الله عز وجل.
قال محمد بن نصر المروزي (294 هـ) :
«الحمد لله الممتن على عباده المؤمنين بما دَلّهم عليه من معرفته، وشرح صدورهم للإيمان به، والإخلاص بالتوحيد لربوبيته، وخلع كل معبود سواه)
وقال في موضع آخر عند حديثه عن الإسلام والإيمان:
(إلا أن له أصلا وفرعًا فأصله الإقرار بالقلب عن المعرفة، وهو الخضوع لله بالعبودية، والخضوع له بالربوبية، وكذلك خضوع اللسان بالإقرار بالإلهية بالإخلاص له من القلب، واللسان، أنه واحد لا شريك له، ثم فروع هذين الخضوع له بأداء الفرائض كلها) (14)
قال ابن جرير الطبري (310 هـ) : (يقول: فاعبدوا ربكم الذي هذه صفته، وأخلصوا له العبادة ، وأفردوا له الألوهية والربوبية، بالذلة منكم له ، دون أوثانكم وسائر ما تشركون معه في العبادة) (15)
وقال: (وأما قوله: {لا إله إلا هو}، فإنه خبرٌ منه تعالى ذكره أنه لا رب للعالمين غيرُه، ولا يستوجبُ على العبادِ العبادةَ سواه) (16)
قال أبو جعفر الطحاوي (321 هـ) في عقيدته المشهورة بالعقيدة الطحاوية:
(نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله : إن الله واحد لا شريك له،
ولا شيء مثله ، [في الصفات]
ولا شيء يعجزه ، [الربوبية]
ولا إله غيره .) [الألوهية وهي العبودية]
قال أبو منصور الأزهري (370 هـ) :
("الواحد" في صفة الله تعالى له معنيان:
أحدهما: أنه واحد لا نظير له وليس كمثله شيء، والعرب يقول فلان واحد قومه، إذا لم يكن له نظير.
والمعنى الثاني: أنه إله واحد ورب واحد ليس له في ألوهيته وربوبيته شريك.) (17)
قال ابن بطة العكبري (387 هـ) :
(وذلك أن أصل الايمان بالله الذي يجب على الخلق اعتقاده في إثبات الايمان به ثلاثة أشياء:
أحدها: أن يعتقد العبد آنيته (18) ليكون بذلك مباينا لمذهب أهل التعطيل الذين لا يثبتون صانعا.
والثاني:أن يعتقد وحدانيته؛ ليكون مباينا بذلك مذاهب أهل الشرك الذين أقروا بالصانع وأشركوا معه في العبادة غيره.
والثالث: أن يعتقده موصوفا بالصفات التي لا يجوز إلا أن يكون موصوفا بها من العلم والقدرة والحكمة وسائر ما وصف به نفسه في كتابه؛ إذ قد علمنا أن كثيرا ممن يقربه ويوحده بالقول المطلق قد يلحد في صفاته؛ فيكون إلحاده في صفاته قادحا في توحيده.
ولأنا نجد الله تعالى قد خاطب عباده بدعائهم إلى اعتقاد كل واحدة في هذه الثلاث والايمان بها.) (19)
قال أبو بكر الباقلاني (403 هـ) :
(والتوحيد له هو: الإقرار بأنه ثابت موجود: وإله واحد فرد معبود ليس كمثله شيء.)
وقال في موضع آخر: (وكذلك قولنا أحد، وفرد وجود ذلك إنما نريد به أنه لا شبيه له ولا نظير، ونريد بذلك أن ليس معه من يستحق الإلهية سواه، وقد قال تعالى: {إنما اللّه إله واحد} ومعناه: لا إله إلا الله.) (20)
وغيرهم. اقتصرنا على من ذكرناهم اختصارًا.
http://as-salaf.com/category.php?cid=11&lang=ar (http://as-salaf.com/category.php?cid=11&lang=ar)
الآية:
قال الله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ } الآية [الملك: 16-17]
حديث الجارية:
عن معاوية بن الحكم قال: وَكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّيبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أُعْتِقُهَا؟»
قَالَ: ”ائْتِنِي بِهَا“ فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ لَهَا: ”أَيْنَ اللَّهُ“، قَالَتْ: «فِي السَّمَاءِ.»
قَالَ: ”مَنْ أَنَا“ قَالَتْ: «أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ.»
قَالَ: ”أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ“ [صحيح مسلم]
اتفق أئمة المسلمين على أن كلمة «في السماء» في الآية وحديث الجارية ليست بمعنى داخل السماء، فتعالى سبحانه أن يكون حالَ في شيءٍ من المخلوقات أو أنها تحَويِه، فهذا معنى باطل قد أجمع أئمة السلف على خِلافِه، وفسروها بما يوافق اللغة، والنصوص الشرعية الكثيرة، والعقل، والفطرة.
ففسر أهل العلم "السماء" بالعرش، لأن معنى السماء في اللغة هو سقف الشيء، والعرش سقف المخلوقات، فهو فوق المخلوقات كلها، وكل المخلوقات تحته.
قال الزجاج (311 هـ) : (السماء في اللغة: يقال لكل ما ارتفع وعلا قد سَمَا يَسمُو، وكل سقف فهو سماء، ومن هذا قيل للسحاب: السَّماءُ، لأنها عالية.) [1]
وقال ابن فارس (395 هـ) : (والسماء: سقف البيت. وكلُّ عالٍ مطلٍّ سماء، حتَّى يقال لظهر الفرس سَماء) [2]
وفُسِّرت «في» بـ«على» :
قال أبو بكر أحمد الصبغي (342 هـ) : (قد تضع العرب «في» بموضع «على» قال الله عز وجل: {فسيحوا في الأرض}، وقال {لأصلبنكم في جذوع النخل} ومعناه: على الأرض وعلى النخل ، فكذلك قوله: {في السماء} أي على العرش فوق السماء، كما صحت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم) [3]
قال الحارث المحاسبي (ت 243 هـ) في معناها: (يعني فوق العرش، والعرش على السماء لأن من كان فوق شيء على السماء فهو في السماء) [4]
قال أبو بكر البيهقي (458هـ) : (وقال {أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} وأراد من فوق السماء ، كما قال {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه : 71] يعني على جذوع النخل ، وقال {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} [التوبة : 2] يعني على الأرض ، وكل ما علا فهو سماء ، والعرش أعلى السماوات ، فمعنى الآية والله أعلم: أأمنتم من على العرش ، كما صرح به في سائر الآيات) [5]
فمعنى «في السماء» في الآية وحديث الجارية: فوق السماء على العرش.
المقصود بـ"مَن" في الآية: هو الله -عز وجل-:
- جواب الجارية على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم ”أين الله؟“ بـ: «في السماء»، فشهد لها بالإيمان.
- قال محمد بن يزيد المبرد (286 هـ) : (والسؤال عن كل ما يعقل بـ"مَن" كما قال عز وجل: {أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض}. فـ"مَن" لله عز وجل) (6)
- قال ابن جرير الطبري (310 هـ) : {أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} وهو الله. (7)
- قال ابن أبي زَمَنِين (399هـ) : {من في السماء} يعني نفسه. (8)
- قال أبو المظفر السمعاني (489 هـ) في تفسير الآية: أأمنتم ربكم. (9)
قال الله تعالى:
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}
ما هو التشبيه وما حكمه
إعداد: أم عبد الله الميساوي
أُعِدّ لموقع: عقيدة السلف الصالح (http://www.as-salaf.com/)
مقدمة:
مر معنا فيمقدمة عقيدة السلف في صفات الله عز وجل (http://as-salaf.com/article.php?aid=8&lang=ar) أن الأسس التي تقوم عليها عقيـدة الإسلام في الصفات هي:
- إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله من الصفات والإيمان بها
- تنزيهالله عن مماثلة المخلوقات
- عدم الخوض في كيفية صفات الله
وهذا المقال سيتحدثعن الأساس الثاني وهو تنزيه الله عن مماثلة المخلوقات، وعدم تشبيه ذاته وصفاتهبذوات المخلوقين وصفاتهم.
تعريفالتشبيه:
في اللغة: الشِّبْهُ والشَّبَهُ والشَّبِيهُ: المِثْلُ، والجمعأَشْباهٌ، وأَشْبَه الشيءُ الشيءَ: مَاثَله.(1) فالتشبيه: التمثيل.(2)
وشَبَّه: إذا ساوَى بين شيءٍ وشيء. (3)
قالأبو القاسم إسماعيلالأصبهاني (ت. 535 هـ) : «وأما التشبيه: فهو مصدر شبّهيشبّه تشبيها، يُقال: شبهت الشيء بالشيء أ مثلته به، وقسته عليه، إما بذاته أوبصفاته، أو بأفعاله.» (4)
الأدلة علىتنزيه الله عن التشبيه والتمثيل:
{لَيْسَكَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى : 11]
قالأبو جعفرالنَّحّاس (ت. 338 هـ) عن الكاف في "كمثله" : «الكافزائدة للتوكيد.» (5)
قالأبو منصور معمر بن أحمدالأصبهاني (ت. 418 هـ) : «فـ{ليسكمثله شيء} ينفي كل تشبيه وتمثيل، {وهو السميعالبصير} ينفي كل تعطيل وتأول. فهذا مذهب أهل السنة والجماعة والأثر» (6)
{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَافَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِهَلْ تَعْلَمُ لَهُسَمِيًّا} [مريم : 65]
سميًّا: أيمثلا أو شبيها
{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص : 4]
أي ليس له كفء ولامثل.
التشبيه في صفاتالله
أولا: التشبيه في صفات الله عز وجل يكون بتشبيه صفات لله بصفاتالمخلوق: كأن يعتقد المسلم أو يقول: حياة الله مثل حياة المخلوقين، أو كلامالله مثل كلام البشر، أو وجه الله كوجه المخلوقين .. إلخ. فيكون نفي التشبيهوالتمثيل (أي التنزيه) باعتقاد أن صفات الله عز وجل ليست كصفات المخلوقين، وأنهاعلى صفة تليق بجلال الله وكماله لا نعلمها، وعلينا الإيمان والتسليم.
- قالإسحاق بن راهويه (ت. 238 هـ) : «إنما يكون التشبيه إذا قال يد كيد أو مثل يد أو سمع كسمع أو مثلسمع. فإذا قال سمع كسمع أو مثل سمع فهذا التشبيه وأما إذا قال كما قال الله تعالىيد وسمع وبصر ولا يقول كيف ولا يقول مثل سمع ولا كسمع فهذا لا يكون تشبيها وهو كماقال الله تعالى فى كتابه: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَالسَّمِيعُ الْبَصِيرُ } » (7)
- قالخُشَيْش بن أصرم (ت. 253 هـ) في "الاستقامة" : «وأنكر جهم أن يكون لله سمع وبصر، وقد أخبرنا الله عز وجل في كتابه،ووصف نفسه في كتابه، قال الله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌوَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى : 11]، ثم أخبر عن خلقه، فقال عز وجل {فَجَعَلْنَاهُسَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان : 2]. فهذه صفةمن صفات الله أخبرنا أنها في خلقه، غير أنَّا لا نقول: إن سمعه كسمع الآدميين، ولابصره كأبصارهم ...) ثم ذكر أدلة على أن الله يسمع ويرى، إضافة إلى صفات أخرى، ثمقال: (فقد وصف الله من نفسه أشياء جعلها في خلقه والذي يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وإنما أوجب الله على المؤمنيناتباع كتابه وسنة رسوله.» (8)
- قالعثمانالدارمي (ت. 280 هـ) في رده على بِشر المريسي المعتزلي:
«وادعى المعارض أيضا أن المقري حدَّث عن حرملة بن عمران عن أبي موسىيونس عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي –صلى الله عليه وسلم أنه قرأ: {سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء : 58] فوضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه (9). وقد عرفنا هذا من روايةالمقري وغيره كما روى المعارض، غير أنه ادعى أن بعض كتبة الحديث ثبتوا به بصرًابعين كعين وسمعًا كسمع جارحًا مركبًا.
فيقال لهذا المعارض: أما دعواك عليهمأنهم ثبتوا له سمعا وبصرا، فقد صدقت. وأما دعواك عليهم أنه كعينٍ وكسمعٍ فإنه كذبادعيت عليهم؛ لأنه ليس كمثله شيء، ولا كصفاته صفة.
وأما دعواك أنهم يقولون: "جارح مركب" فهذا كفر لا يقوله أحد من المسلمين، ولكنا نثبت له السمع والبصر والعينبلا تكييف، كما أثبته لنفسه فيما أنزل من كتابه، وأثبته له الرسول –صلى الله عليهوسلم-، وهذا الذي تكرره مرة بعد مرة: جارح وعضو وما أشبهه، حشو وخرافات، وتشنيع لايقوله أحد من العالمين: وقد روينا روايات السمع والبصر والعين في صدر هذا الكتاببأسانيدها وألفاظها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فنقول كما قال، ونعني بهاكما عنى والتكييف عنا مرفوع، وذكر الجوارح والأعضاء تكلف منك وتشنيع.» (10)
- قالأبو إسحاق إبراهيم بن شاقلا الحنبلي (ت. 369هـ) لأبي سليمان الدمشقي – أحد أتباع ابن كُلاب- في مناظرة بينهما عندما قالله أبو سليمان: "أنتم المشبهة"، قال ابن شاقلا: (حاشا لله، المُشبِّه الذي يقول: وجهٌ كوجهِي، ويَدٌ كَيَدِي، فأما نحن فنقول: له وجهه، كما أثبت لنفسه وجهًا، ولهيدٌ، كما أثبتَ لنفسه يَداً، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَالسَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى : 11] ومنقال هذا فقد سَلِم.) (11)
- قالأبو عثمان الصابوني الشافعي (ت. 449 هـ) : (ولا يعتقدون تشبيها لصفاته بصفات خلقه، فيقولون: إنه خلق آدمبيديه، كما نص سبحانه عليه في قوله –عز من قائل- {قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } [ص : 75]. ولا يحرفون الكلام عن مواضعه، بحمل اليدين علىالنعمتين، أو القوتين؛ تحريف المعتزلة والجهمية – أهلكهم الله-، ولا يكيفونهمابكيف، أو يشبهونهما بأيدي المخلوقين، تشبيه المشبهة –خذلهم الله-.) (12)
- قالابن البنا الحنبلي (ت. 471 هـ) : (وأما المشبهةوالمجسمة فهم الذين يجعلون صفات الله -عز وجل- مثل صفات المخلوقين، وهم كفار.) (13)
- قال الحافظالذهبي (ت. 748) : (ليس يلزم منإثبات صفاته شيء من إثبات التشبيه والتجسيم، فإن التشبيه إنما يقال: يدٌ كيدنا ... وأما إذا قيل: يد لا تشبه الأيدي، كما أنّ ذاته لا تشبه الذوات، وسمعه لا يشبهالأسماع، وبصره لا يشبه الأبصار ولا فرق بين الجمع، فإن ذلك تنزيه.) (14)
- قالابن الوزير (ت. 840 هـ) : (وكذلك كل صفة يوصف بها الربسبحانه ويوصف بها العبد، وان الرب يوصف بها على أتم الوصف مجردة عن جميع النقائص،والعبد يوصف بها محفوفة بالنقص، وبهذا فسر أهل السنة نفي التشبيه، ولم يفسروه بنفيالصفات وتعطيلها كما صنعت الباطنية الملاحدة.) (15)
ثانيا: التشبيه والتمثيل يكون فيكيفيّة وحقيقة الصفة، أي كيف هي على الحقيقة، وليس في معنى الصفة. والخوض فيالكيفية تشبيه، فالإنسان يصف الشيء على ما يشاهده، والله {ليسكمثله شيء وهو السميع البصير}.
- قالعبد الرحمنبن مهدي (ت. 198 هـ) لِفَتى من ولد جعفر بن سليمان: «مكانك»
فقعد حتىتفرق الناس. ثم قال ابن مهدي: «تعرف ما في هذه الكورة من الأهواء والاختلاف، وكلذلك يجري مني على بالٍ رَضِي إلا أمرُك وما بلغني، فإن الأمر لا يزال هَيِّنًا مالم يصر إليكم، يعني السلطان، فإذا صار إليكم جلَّ وعَظُم.»
فقال (الغلام) : "ياأبا سعيد وما ذاك؟ "
قال: « بلغني أنكتتكلم في الرب تباركوتعالى وتصفه وتشبهه. »
فقال الغلام: "نعم". فأخذ يتكلم فيالصفة.
فقال: «رُويدك يا بُني حتى نتكلم أول شيء في المخلوق، فإذا عجزنا عنالمخلوقات فنحن عن الخالق اعجز واعجز. أخبرني عن حديث حدثنيه شعبة عن الشيباني قال: سمعت زرًا قال: قال عبد الله في قوله: {لَقَدْ رَأَى مِنْآيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم : 18]
قال: رأى جبريل له ستمائة جناح؟ قال: نعم. فعرف الحديث.
فقال عبدالرحمن: «صِف لي خلقًا من خلق الله له ستمائة جناح.» فبقي الغلام ينظرإليه.
فقال عبد الرحمن: «يا بُني فإني أُهوِّن عليك المسألة، واضع عنك خمس مائةوسبعة وتسعين (جناحًا)، صِف لي خلقا بثلاثة أجنحة، ركب الجناح الثالث منه موضعًاغير الموضعين اللذين ركبهما الله حتى أعلم»
فقال (الغلام) : "يا أبا سعيد، نحنقد عجزنا عن صفة المخلوق ونحن عن صفة الخالق أعجز وأعجز، فأشهدك إني قد رجعت عن ذلكواستغفر الله." (16)
قالابن عبد البر المالكي (ت. 463هـ) : (ومُحالٌ أن يكون مَن قال عن اللهِ ما هو في كتابه منصوصٌ مُشبهًا إذالم يُكيّف شيئا، وأقرّ أنه ليس كمثله شيء.) (40)
قالالحسينالبغوي الشافعي (ت. 510 هـ) في صفات الله عز وجل : (وكذلك كل ما جاء من هذاالقبيل في الكتاب أو السنة كاليد والإصبع ، والعين والمجيء ، والإتيان، فالإيمانبها فرض، والامتناع عن الخوض فيها واجب، فالمهتدي من سلك فيها طريق التسليم ،والخائض فيها زائغ ، والمنكر معطل،والمُكيِّف مشبه،تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا {لَيْسَ كَمِثْلِهِشَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}) (17)
ثالثًا: الكلام في الصفات فرعٌ عنالكلام في الذات،فكما لم يلزم التشبيه في إثبات الذات، لم يلزم التشبيه فيإثبات الصفات.
قالأبو القاسم إسماعيل الأصبهانيالشافعي (ت. 535 هـ) بعد ذكر مجموعة من الآيات والأحاديث في صفات الله عزوجل : (فهذا وأمثاله مما صح نقله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن مذهبنا فيهومذهب السلف إثباته وإجراؤه على ظاهره، ونفي الكيفية والتشبيه عنه .... والأصل فيهذا أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، وإثبات الله تعالى إنما هو إثباتوجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فإذاقلنا يد، وسمع، وبصر، ونحوها، فإنما هي صفات أثبتها الله لنفسه ولم يقل: معنى اليد: القوة، ولا معنى السمع والبصر: العلم والإدراك. ولا نشبهها بالأيدي والأسماعوالأبصار، ونقول إنما وجب إثباتها لأن الشرع ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها لقولهتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُالْبَصِيرُ}، كذلك قال علماء السلف في أخبار الصفات: أمروها كما جـاءت (http://as-salaf.com/article.php?aid=68&lang=ar).) (18)
رابعا: الاشتراك في مطلق الاسم لا يقتضي التشبيهوالتمثيل:
- قالعثمان الدارمي (ت. 280هـ) في رده على بِشر المريسي المعتزلي:
« إنمانصفه بالأسماء لا بالتكييف ولا بالتشبيه، كما يقال: إنه ملك كريم، عليم، حكيم،حليم، رحيم، لطيف، مؤمن، عزيز، جبار، متكبر. وقد يجوز أن يدعى البشر ببعض هذهالأسماء، وإن كانت مخالفة لصفاتهم. فالأسماء فيها متفقة، والتشبيه والكيفية مفترقة،كما يقال: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء، يعني في الشبه والطعم والذوقوالمنظر واللون. فإذا كان كذلك فالله أبعد من الشبه وأبعد. فإن كنا مشبهة عندك أنوحدنا الله إلهًا واحدًا بصفات أخذناها عنه وعن كتابه، فوصفناه بما وصف به نفسه فيكتابه، فالله في دعواكم أول المشبهين بنفسه، ثم رسوله الذي أنبأنا ذلك عنه. فلاتظلموا أنفسكم ولا تكابروا العلم؛ إذ جهلتموه فإن التسمية في التشبيهبعيدة.» (19)
- قالابن خزيمة الشافعي (ت. 311هـ) : (نحن نقول: إن الله سميع بصير كما أعلمنا خالقنا وبارؤنا، ونقول: منله سمع وبصر من بني آدم فهو سميع بصير، ولا نقول أن هذا تشبيه المخلوق بالخالق.) (20)
وقـال: (ولو لزم - يا ذوى الحجا- أهل السنة والآثار إذا أثبتوا لمعبودهميدين كما ثبتهما الله لنفسه، وثبتوا له نفسا -عز ربنا وجل-، وأنه سميع بصير، يسمعويرى، ما ادعى هؤلاء الجهلة عليهم أنهم مشبهة، للزم كل من سمى الله ملكًا، أوعظيمًا ورؤوفًا، ورحيمًا، وجبارًا، ومتكبرًا، أنه قد شبه خالقه -عز وجل- بخلقه، حاشلله أن يكون من وصف الله جل وعلا، بما وصف الله به نفسه، في كتابه، أو على لساننبيه المصطفى –صلى الله عليه وسلم- مشبها خالقه بخلقه.) (21)
- قالأبو عمر الطلمنكي المالكي الأندلسي (ت. 429 هـ) في كتاب "الوصول إلى معرفة الأصول" : (قال قوم من المعتزلة والجهمية: لا يجوز أن يسمى اللهعز وجل بهذه الإسماء على الحقيقة ويسمى بها المخلوق. فنفوا عن الله الحقائق منأسمائه، وأثبتوها لخلقه، فإذا سُئلوا ما حملهم على هذا الزيغ؟ قالوا: الإجتماع فيالتسمية يوجب التشبيه.
قلنا: هذا خروج عن اللغة التي خوطبنا بها لأن المعقول فياللغة أن الإشتباه في اللغة لا تحصل بالتسمية، وإنما تشبيهالأشياء بأنفسها أو بهيئات فيهاكالبياض بالبياض، والسواد بالسواد، والطويلبالطويل، والقصير بالقصير، ولو كانت الأسماء توجب إشتباها لاشتبهت الأشياء كلهالشمول إسم الشيء لها، وعموم تسمية الأشياء به، فنسألهم: أتقولون إن الله موجود؟ فإنقالوا: نعم. قيل لهم: يلزمكم على دعواكم أن يكون مشبها للموجودين. وإن قالوا: موجودولا يوجب وجوده الإشتباه بينه وبين الموجودات. قلنا: فكذلك هو حيٌ، عالمٌ، قادرٌ،مريدٌ، سميعٌ، بصيرٌ، متكلمٌ، يعني ولا يلزم إشتباهه بمن اتصف بهذه الصفات.) (23)
قالأبو نصر السجزي الحنفي (ت. 444 هـ) : (والأصل الذي يجب أن يُعلم: أن اتفاق التسميات لا يوجب اتِّفاق المسمّين بها، فنحنإذا قلنا: إن الله موجود رؤوف واحد حيٌّ عليم سميع بصير متكلم، وقلنا: إن النبي صلىالله عليه وسلم كان موجودًا حيًّا عالمًا سميعًا بصيرًا متكلمًا، لم يكن ذلكتشبيها، ولا خالفنا به أحدًا من السلف والأئمة، بل الله موجود لم يزل، واحد حي قديمقيوم عالم سميع بصير متكلم فيما لم يزل، ولا يجوز أن يوصف بأضداد هذه الصفات.) (24)
خامسًا: كلمُعطل مُمثل، وكل مُمثل مُعطل: وذلك لأن المُعطِّل تصوّر التشبيه في ذهنهفنفى الصفة، والمُمثل عطَّل الصفة بتمثيله الخالق بالمخلوق، إذ ليست هي حقيقة الصفةكما أنه عطل النصوص.
قالابن بطة العكبري الحنبلي (ت. 387 هـ) في الإبانة: (الجهمية ترد هذه الأحاديث وتجحدها وتكذب الرواة، وفيتكذيبها لهذه الأحاديث رد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاندة له، ومن رد علىرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد رد على الله ؛ قال الله عز وجل : {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُفَانْتَهُوا } [الحشر : 7] ، فإذا قامتالحُّجة على الجَهْمِي، وعلم صحة هذه الأحاديث ولم يقدر على جحدها، قال: الحديثصحيح، وإنما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ”ينزل ربنافي كل ليلة“ ينزل أمره. قلنا: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ”ينزل الله عز وجل“ ، ”وينزلربنا“ ولو أراد أمره لقال: «ينزل أمر ربنا». فيقول (الجهمي) : إن قلنا: "ينزل"، فقد قلنا: إنه يزول والله لا يزول، ولو كان ينزللزال؛ لأن كل نازل زائل.
فقلنا: أوَ لستم تزعمون أنكم تنفون التشبيه عن ربالعالمين؟ فقد صرتم بهذه المقالة إلى أقبح التشبيه، وأشد الخلاف؛ لأنكم إن جحدتمالآثار، وكذبتم بالحديث، رددتم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله، وكذبتمخبره، وإن قلتم: لا ينزل إلا بزوال، فقد شبهتموه بخلقه، وزعمتم أنه لا يقدر أن ينزلإلا بزواله على وصف المخلوق الذي إذا كان بمكان خلا منه مكان. لكنا نصدق نبينا صلىالله عليه وسلم ونقبل ما جاء به فإنا بذلك أمرنا وإليه ندبنا، فنقول كما قال: ”ينزل ربنا عز وجل“ ولا نقول : إنه يزول، بل ينزل كيف شاء،لا نصف نزوله، ولا نحدّه، ولا نقول: إن نزوله زواله.)
أقوال السلف الصالح والأئمة من بعدهم في تنزيه الله عنالتشبيه:
- قالعبد الرحمن بن القاسم (ت. 191هـ) صاحب الإمام مالك: «لا ينبغي لأحد أن يصف الله إلابما وصف به نفسه في القرآن، ولا يشبه يديه بشيء، ولا وجهه بشيء، ولكن يقول : لهيدان كما وصف نفسه في القرآن، وله وجه كما وصف نفسه، يقف عندما وصف به نفسه فيالكتاب، فإنه تبارك وتعالى لا مثل له ولا شبيه، ولكن هو الله لا إله إلا هو كما وصفنفسه» (25)
- قالنُعيم بن حماد (ت. 228 هـ) : «حق على كل مؤمن أن يؤمن بجميع ما وصف الله به نفسه ويتركالتفكر في الرب تبارك وتعالى ويتبع حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "تفكروا في الخلق ولا تتفكروا في الخالق". قال نعيم : ليس كمثله شيء ولا يشبهه شيءمن الأشياء» (26)
- قالعثمان الدارمي (ت. 280هـ) : «وكما أنه ليس كمثله شيء فليس كيده يد.» (27)
وقال: «وكما ليس كمثله شيء ليس كسمعه سمع ولا كبصرهبصر ولا لهما عند الخلق قياس ولا مثال ولا شبيه.» (28)
وقـال: «فهذه الأحاديث قد جاءت كلها وأكثر منها في نزول الرب تبارك وتعالىفي هذه المواطن، وعلى تصديقها والإيمان بها أدركنا أهل الفقه والبصر من مشايخنا، لاينكرها منهم أحد ولا يمتنع من روايتها، حتى ظهرت هذه العصابة (الجهمية) فعارضت آثاررسول الله برد، وتشمروا لدفعها بجد فقالوا: "كيف نزوله هذا؟" قلنا: لم نُكلف معرفةكيفية نزوله في ديننا ولا تعقله قلوبنا، وليس كمثله شيء من خلقه فنشبه منه فعلا أوصفة بفعالهم وصفتهم.» (29)
- قالابن أبيزَمَنِين المالكي الأندلسي (ت. 399 هـ) : (فهذه صفاتُ ربِّنا التي وصف بهانفسه في كتابه، ووصفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم، وليس في شيء منها تحديد، ولاتشبيه، ولا تقدير، فسبحان من {ليس كمثله شيء وهو السميعالبصير}. لم تره العيون فتحده كيف هو كَيْنُونِيته، لكن رأته القلوب فيحقائق الإيمان به.) (30)
- قاليحيى بن عمار الحنبلي (ت. 422 هـ) في رسالته إلى السلطان محمود: (ولا نحتاج في هذا الباب إلى قولٍأكثر من هذا أن نؤمن به، وننفي الكيفية عنه، ونتقي الشك فيه، ونوقن بأن ما قالهالله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا نتفكر في ذلك ولا نسلط عليهالوهم، والخاطر، والوسواس، وتعلم حقًّا يقينا أن كل ما تصور في همك ووهمك من كيفيةأو تشبيه، فإن الله سبحانه بخلافه وغيره.) (31)
وغيرهم كثير، اقتصرنا على ماذكرناه اختصارًا.
حُكمالتشبيه:
تشبيه صفات الله عز وجل كُفرٌ، فهو ردٌّ للنصوص كقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُالْبَصِيرُ} [الشورى : 11]، وقوله سبحانه: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص : 4] وغيرها من نصوص التنزيه.
- قالنعيم بن حماد (ت. 228 هـ) : «من شبه الله بشيء من خلقه فقدكفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر، فليس ما وصف الله به نفسه ورسولهتشبيه» (32)
- قالإسحاق بن راهويه (ت. 238 هـ) : «من وصف الله فشبه صفاته بصفت أحد من خلق الله فهو كافر باللهالعظيم، لأنه وصف بصفاته، إنما هو استسلام لأمر الله ولما سن الرسول.» (33)
- يزيد بن هارون (ت. 206هـ) : قال شاذ بن يحيىالواسطي: كنت قاعدًا عند يزيد بن هارون، فجاء رجل فقال: يا أبا خالد، ما تقول فيالجهمية ؟
قال: «يُستتابون، إن الجهمية غلت ففرغت في غلوهاإلى أن نَفَت، وإنّ المشبهة غلت ففرغت في غلوها حتى مثلت. فالجهمية يستتابون،والمشبهة: كذى» رماهم بأمر عظيم. (34)
من علامات أهل البدع: تسميتهم لأهل السنة – أهل الأثر- بالمشبهة
- قالإسحاق بن راهويه (ت. 238هـ) : « علامة جهم وأصحابه دعواهم على أهل الجماعة -وما أولعوا به من الكذب- أنهم مشبهة، بل هم المعطلة، ولو جاز أن يُقال لهم: همالمشبهة، لاحتمل ذلك، وذلك أنهم يقولن: إن الرب -تبارك وتعالى- في كل مكان بكماله،في أسفل الأرضين وأعلى السموات على معنى واحد، وكذبوا في ذلك، ولزمهمالكفر.» (35)
- قال أبو زرعة الرازي (ت. 264هـ) : «المعطلة النافية الذين ينكرون صفات الله عز وجلالتي وصف بها نفسه في كتابه، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، ويكذبون بالأخبارالصحاح التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصفات، ويتأولونها بآرائهمالمنكوسة على موافقة ما اعتقدوا من الضلالة وينسبون رواتها إلى التشبيه، فمن نسبالواصفين ربهم تبارك وتعالى بما وصف به نفسه في كتابه، وعلى لسان نبيه –صلى اللهعليه وسلم-، من غير تمثيل ولا تشبيه، إلى التشبيه فهو مُعطل نافٍ، ويُستدل عليهمبنسبتهم إياهم إلى التشبيه أنهم معطلة نافية، كذلك كان أهل العلم يقولون منهم: عبدالله بن المبارك، ووكيع بن الجراح.» (36)
وقـال: «علامة الجمهية: تسميتهم أهل السنة مشبهة» (37)
- وقالأبو حاتم الرازي (ت. 277 هـ) : «وعلامة الجهمية: أن يسموا أهل السنة مشبهة ونابتة» (38)
- قالأبو عثمان الصابوني (ت. 449 هـ) : (وعلامات البدع على أهلها ظاهرة بادية، وأظهر آياتهم وعلاماتهم: شدة معاداتهم لحملةأخبار النبي صلى الله عليه وسلم، واحتقارهم لهم، وتسميتهم إياهم حشويّة، وجهلة،وظاهرية، ومشبهة. اعتقادًا منهم في أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها بمعزلعن العلم، وأن العلم ما يلقيه الشيطان إليهم، من نتائج عقولهم الفاسدة، ووساوسصدورهم المظلمة، وهواجس قلوبهم الخالية عن الخير، العاطلة، وحججهم بل شبههم الداحضةالباطلة {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْوَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ } [محمد : 23]، {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَيَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج : 18].) (39)
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
وردت عدة آثار صحيحة عن السلف الصالح في أحاديثالصفات بأنها " تُمر كما جاءت بلا كيفَ "، وعن بعضهم بأن "قراءته تفسيره"، ولكن مامعنى أقوالهم هذه؟
سيتبين الجواب عن هذا السؤال في هذا المقال إن شاء اللهتعالى.
ذكر بعض هذه الآثار:
- سفيان بن عيينة (198 هـ) : قال أحمد بن نصر: سألت سفيانبن عيينة قلت:
"يا أبا محمد أريد أسألك"، قال : "لا تسأل"،
قلت: "إذا لمأسألك فمن أسأل"، قال: "سل."
قلت: "ما تقول في هذه الأحاديث التي رويت نحو : القلوب بين أصبعين، وأن الله يضحك أو يعجب ممن يذكره في الأسواق؟"
فقال: «أمروها كما جاءتبلا كيف (http://www.as-salaf.com/article.php?aid=75&lang=ar).» (1) سندهصحيح.
وقال في رواية: «كل شيء وصف الله به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره لا كيفولا مثل » (2)
وفي لفظ: «كل ما وصف الله به نفسه في كتابهفتفسيره تلاوته والسكوت عنه.» (3)
- الأوزاعي (157 هـ)
- سفيان الثوري (161 هـ)
- الليث بن سعد (175 هـ)
- مالك بن أنس (179 هـ)
قال الوليد بن مسلم: سألتُ الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنسوالليث بن سعد عن هذهالاحاديث التي فيها الصفة والرؤيةوالقرآنفقال: "أمروها كما جاءتبلا كيف (http://www.as-salaf.com/article.php?aid=75&lang=ar)." (4)
وفيرواية: " سألت سفيان الثوري، ومالك بن أنس، والأوزاعي، والليث بن سعد عن هذهالأحاديث التي في الرؤية والصفاتقال : أمروها على ما جاءت، ولاتفسروها." (5)
- أحمد بن حنبل (241 هـ) : قالأبو بكر المروذي: سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تردها الجهمية فيالصفات، والرؤية، والإسراء، وقصة العرش، فصححها أبو عبد الله،وقال : « قد تلقتها العلماء بالقبول، نسلم الأخبار كما جاءت، قال : فقلت له : إنرجلا اعترض في بعض هذه الأخبار كما جاءت، فقال : «يجفى»، وقال: «ما اعتراضه في هذاالموضع، يسلم الأخبار كما جاءت.» (6)
- وقال عبد الله: سألت أبي (الإمامأحمد بن حنبل) رحمه الله عن قوم يقولون: لما كلم الله عز وجل موسى لم يتكلم بصوت. فقال أبي: بلى إن ربك عز وجل تكلم بصوت، هذه الاحاديث نرويها كما جاءت. (13)
- قالأبو عيسى الترمذي (279 هـ) : «وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم روايات كثيرة مثل هذاما يُذكر فيهأمرُ الرؤية أن الناس يرون ربهم وذِكرُالقَدَم وما أشبه هذه الأشياء. والمذهب في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثلسفيان الثوري، ومالك بن أنس، وابن المبارك، وابن عيينة، ووكيع وغيرهم أنهم رَوَواهذه الأشياء، ثمَّ قالوا: " تُرْوى هذه الأحاديث ونؤمن بها، ولا يُقالُ: كَيفَ ؟،وهذا الذي اخْتَاره أهل الحديث أن يَرْووا هذه الأشياء كما جاءت ويؤمن بها ولاتُفسر ولا تتوهَّمُ ولا يُقالُ: كيفَ، وهذا أمرُ أهل العلم الذي اختاروه وذهبواإليه. ومعنى قوله في الحديث "فيعرفهم نفسه" يعني يتجلى لهم.» (7)
وقالابن أبي عاصم (ت. 287 هـ) : "ومما اتفقأهل العلم على أن نسبوه إلى السنة: ... وإثبات رؤية الله عز وجل، يراه أولياؤه فيالآخرة، نظر عيان، كما جاءت الأخبار." (14)
معناها:
يتضح معنى قولهم «أمروها كما جاءت» بما ورد في هذه الآثار التي تُبيّنإثباتهم للمعنى الظاهر قولا واحدًا، فقد ورد في عدد منها ذكر أحاديث الرؤية معأحاديث الصفات أو ذكرها منفردة،؛ وأحاديث الرؤية واضحة مفهومة المعنى، كان السلفالصالح يؤمنون بها على ظاهرها وهو رؤية الله عز وجل في الآخرة بأبصارهم عيَانًا منغير تكييف (18)، وقد نقلنا الآثار الصحيحة في ذلك عنهم -رحمهم الله- في مقال"رؤية الله عز وجل" (http://as-salaf.com/article.php?aid=51?=ar).
وقال هذه العبارة الإمامأحمد في حديث الصوت كما تقدم، حيث صرح بأن معنى الحديث على ظاهره، وهو أن الله عزوجل تكلم بصوت.
وكذلك في أثر الإمام أحمد عندما قال له أبو بكر المروذي: "إنرجلا اعترض في بعض هذه الأخباركما جاءت"، فلو كانمعنى "أمروها كما جاءت" تعني فقط الإيمان باللفظ دون أي معنى يُفهم منه لما كانهناك مجال
للاعتراض، ولكن لأن معناها الإيمان بها على ظاهرها اعترض بعض الجهلةعلى ذلك لظنهم أن اعتقاد ظاهرها يعنيالتشبيه (http://www.as-salaf.com/article.php?aid=82&lang=ar)، وهو ليسكذلك.
ومعنى قولنا: «المعنى الظاهر» أو «على ظاهرها» أي: على المعنى الظاهر الواضح من السياق (17). وما يلي بعض الأمثلة التي توضح المقصود:
مثال 1 : "وأنا في أفريقيا شاهدت أسدًاوهو ينقض على فريسته."
هنا ظاهر الكلام أن الأسد الذي انقض على فريسته هوالحيوان المعروف.
مثال 2 : " كان خالد في ساحة القتال أسدًا."
ظاهره أنالمقصود هو الشجاعة وليس الحيوان.
فهذا هو منهج السلف مع نصوص الصفات كقولهتعالى: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَاخَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص : 75]
فأمَرّالسلف هذه الآية على ظاهرها وهو أن الله عز وجل خلق آدم بيديه التي هي صفة له،وآمَنوا بأن لله يدين تليق بجلاله لا تشبه أيدي المخلوقات.
ويؤيد صحة ماذهبنا إليه ما قاله الإمام سفيان بن عيينة رحمه الله: « كـلشيء وصفالله به نفسهفي كتابه...» فلم يستثن رحمهالله أي صفة وردت في القرآن الكريم؛ إذًا كلامه يشمل كل صفة مذكورة في القرآنالكريم ولا يحتمل المقام التفريق بين صفة وأخرى لهذا قال بعض المحققين: «القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر» أي لا مجالللتفريق في حكم الإيمان بين صفة العلم واليد، بل كلها تُساق مساقًا واحدا وهو إثباتالمعنى الظاهر المفهوم وتفويض الكيفية إلى الله عز وجل. ومن الصفات المذكورة فيالقرآن الكريم: الحياة، والعلم، والسمع، والإرادة، والبصر، والقوة والكلام،والرحمة، والوجه، والغضب، واليدين، وغير ذلك كثير، ولا شك أن السلف الصالح أثبتواصفة الحياة والعلم والإرادة وغيرها على معناها الظاهر من غير تمثيل ولا تكييف، فعلىهذا فإن كل صفة أخرى ذُكرت في القرآن الكريم تأخذ نفس الحكم, و من فرّق في الإيمانبين صفة وأخرى فهذا محض تحكّم وهوى لا دليل عليه من الكتاب أو السنة أو أقول سلفالأمة.
وبهذا التفصيل يتضح معنى قولهم " تُمر كماجاءت" و" قراءته تفسيره" : أي على ظاهرها من غير تأويل ولا تحريفولا تمثيل (http://as-salaf.com/article.php?aid=82&lang=ar)ولا تكييف (http://www.as-salaf.com/article.php?aid=75&lang=ar)
ومما يؤكد ذلكتفسير العلماء السابقين لها:
قالأبو منصور الأزهري (282 - 370 هـ) - بعد ذكر حديث أن جهنمتمتلئ حتى يضع الله فيها قدمه- : (وأخبرني محمد بن إسحاق السعدي عن العباسالدُّورِي أنه سأل أبا عبيدٍ عن تفسيره وتفسير غيره من حديث النزول والرؤية فقال: "هذه أحاديث رواها لنا الثقاتُ عن الثقات حتى رفعوها إلى النبي عليه السلام؛ ومارأينا أحدًا يفسرها، فنحن نؤمن بها على ما جاءت ولا نفسرها." أراد أنها تترك على ظاهرها كما جاءت. (8)
وقالأبو سليمان الخطابي (ت. 388 هـ) في حديث النزول: (هذا الحديثوما أشبهه من الأحاديث في الصفات كان مذهب السلف فيها الإيمان بها،وإجراءها على ظاهرهاونفي الكيفية عنها.) ثم ذكر آثار السلفالتي فيها "أمروها كما جاءت." (9)
وقالأبو القاسمإسماعيل الأصبهاني (ت. 535 هـ)، وقد سُئل عن صفات الرب تعالى فقال: (مذهبمالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وحماد ابن سلمة، وحماد بن زيد، وأحمد، ويحيىبن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وإسحاق بن راهويه، أن صفات الله التي وصف بهانفسه، ووصفه بها رسوله، من السمع، والبصر، والوجه، واليدين، وسائر أوصافه، إنما هيعلى ظاهرها المعروف المشهور، من غير كيف يتوهم فيها، ولا تشبيه ولا تأويل، قال ابنعيينة: «كل شيء وصف الله به نفسه فقراءته تفسيره» ثمقال: أي هو على ظاهره لا يجوز صرفه إلى المجاز بنوع منالتأويل.) (10)
وقالالذهبي (ت. 748 هـ) : (وكما قال سفيان وغيره "قراءتها تفسيرها"،يعني أنها بينةواضحة في اللغة، لا يبتغى بها مضائق التأويل والتحريف. وهذا هو مذهب السلفمع إتفاقهم أيضا أنها لا تُشْبِه صفات البشر بوجه إذ الباري لا مثل له لا في ذاتهولا في صفاته.) (11)
إضافة إلى أقوال أخرى للسلف والعلماء المتقدمينوالمتأخرين في بيان عقيدة السلف الصالح، والتي سيُفرد لها مقال إن شاءالله.
معنى قول الإمام أحمد: "بلا كيف (http://www.as-salaf.com/article.php?aid=75&lang=ar) ولامعنى"
ورد أثر عنالإمام أحمدرحمه اللهفيه أنه قال: « الأحاديث التي تُروى "إن الله تبارك وتعالىينزل إلى سماء الدنيا"، و«الله يُرى»، وأنه يضع قدمه، وما أشبه بذلك، نؤمن بها،ونصدق ولا كيف، ولا معنى، ولا نرد شيئا منها ...» إلخ
وعلى القولبصحة هذه الرواية فإن معنى قوله رحمه الله: "ولا معنى" أنه لا معنى إلا ما ورد فيظاهر النص، ومما يدل على ذلك أنه ورد في لفظٍ آخر لهذه الرواية عند ابن بطة فيكتابه "الإبانة الكبرى"، وعند ابن قدامة في كتابه "تحريم النظر في كتب الكلام" أنهقال: "بلا كيف (http://www.as-salaf.com/article.php?aid=75&lang=ar) ولا معنى إلا علىما وصف به نفسه تعالى."
ويدل على ذلك أيضا أن الإمام أحمد ذكر من ضمن الأحاديثحديث الرؤية، وهي من الأحاديث التي يثبتها السلف الصالح على ظاهرها من غير تكييف،ولا يؤمنون بمجرد لفظها دون معنًا يُفهم منه. وقد صرح الإمام أحمد في قول آخر لهبالإيمان بحديث الرؤية على ظاهره، فقال:
«والإيمان بالرؤيةيوم القيامة كما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم من الأحاديث الصحاح، وأن النبيصلى الله عليه و سلم قد رأى ربه، وأنه مأثور عن رسول الله صلى الله عليه و سلمصحيح، رواه قتادة عن عكرمة عن ابن عباس، ورواه الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس،ورواه علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس، والحديث عندناعلى ظاهره كما جاءعن النبي صلى الله عليه و سلم، والكلام فيهبدعة، ولكن نؤمن به كما جاء على ظاهره ولا تناظر فيه أحدا.» (12)
ومما يؤكد ذلك أن الإمام أحمد رحمه الله قال مثل عبارة: "أمروها كماجاءت" في غير أحاديث الصفات، ولا يُعقل أن يقصد تفويض المعنى، من تلكالآثار:
- سُئِل الإمام أحمد عن قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي اللهعنه: ”من كنت مولاه فعلي مولاه“ ما وجهه؟ قال: «لا تكلم في هذا،دع الحديث كما جاء. » (15)
- قال أبو بكر المروذي: سألتُ أبا عبد الله (الإمام أحمد) عن قولالنبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: ”أنت منيبمنزلة هارون من موسى“ ايش تفسيره؟ قال: «أسكت عن هذا،لا تسأل عن ذا،الخبر كما جاء. » (16)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاةوالسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
منهج السلف الصالح فينصوص صفات الله عز وجل هو الإيمان بها على ظاهرها بلا تشبيهٍ لها بصفات المخلوقين،ولا خوض في كيفيتها(1)، فالواجب في أسماء الله وصفاته هو إثبات ما أثبته الله تعالىلنفسه في كتابه العزيز، وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، مع نفي التمثيل،وتفويض كيفيتها إلى الله عز وجل.
ولا تُصرف الآيات والأحاديث عن ظاهرها إلابدليل صحيح، خلافاً لما يفعله كثير من أهل البدع، حيث صرفوا كثير من نصوص الصفات عنظاهرها اتباعًا لأهوائهم، ولما توهموه من أدلة عقلية وإنما هي شبهات، فأخطئوا فهمالنصوص وأساءوا في تأويلها بدعوى التنزيه؛ وكذا فعل غيرهم مع نصوص الوعد والوعيدوغيرها، فادّعوا المجاز في كثير من الآيات والأحاديث، وأولوا النصوص فألحدوا فيها.
قالأبو منصور الازهري الشافعي (282-370هـ) بعد ذكره لإلحاد المشركين في أسماء الله: «وملحدوا زمانناهذا: هؤلاء الذين تلقبوا بـ"الباطنية" وادعوا أن للقرآن ظاهرًا وباطنا، وأن علمالباطن فيه معهم، فأحالوا شرائع الإسلام بما تأولوا فيها من الباطن الذي يخالف ظاهرالعربية التي بها نزل القرآن، وكل باطن يدعيه مدع في كتاب الله عز وجل مُخالف ظاهركلام العرب الذين خوطبوا به فهو باطل، لأنه إذا جاز لهم أ، يدعوا فيه باطنا خلافالظاهر، جاز لغيرهم ذلك، وهو إبطال الأصل. وإنما زاغوا عن إنكار القرآن ولاذوابالباطل الذي تأولوه ليغروا به الغرّ الجاهل، ولئلا يُنسبوا إلى التعطيلوالزندقة.» (2)
وقال الحافظابن رجب الحنبلي (ت. 795 هـ) عند حديثه عن نصوص الصفات: «وكان السلفينسبون تأويل (3) هذه الآيات والأحاديث الصحيحة إلى الجهمية، لأن جهْمّا وأصحابهأولُ من اشتهر عنهم أن الله تعالى مُنزّهٌ عما دلّت عليه هذه النصوص بأدلة العقولالتي سموّها "أدلة قطعية" وهي المحكمات، وجعلوا ألفاظ الكتاب والسنة هي المتشابهات،فعرضوا ما فيها على تلك الخيالات، فقبلوا ما دلّت على ثبوته بزعمهم، وردّوا ما دلّتعلى نفيه بزعمهم، ووافقهم على ذلك سائر طوائف أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم،وزعموا أنّ ظاهر ما يدلّ عليه الكتاب والسنة تشبيه وتجسيم وضلال، واشتقّوا من ذلك -لمن آمن بما أنزل الله على رسوله- أسماء ما أنزلَ اللهُ بها من سلطان؛ بل هيافتراءٌ على الله، يُنفّرون بها عن الإيمان بالله ورسوله. وزعموا أنّ ما ورد فيالكتاب والسنة من ذلك - مع كثرته وانتشاره - من باب التوسع والتجوز، وأنه يُحمل علىمجازات اللغة المستبعدة، وهذا من أعظم أبواب القدحِ في الشريعة المحكمةِالمُطهّرةِ، وهو من جِنس حَمْل الباطنية نصوصَ الإخبار عن الغُيوبِ؛ كالمعاد والجنةوالنار على التوسع والمجاز دون الحقيقة، وحملِهم نصوص الامر والنهي عن مثل ذلك،وهذا كله مروق عن دين الإسلام.» (4)
وقد وردت أقوال للسلف والأئمة منبعدهم تدل على أن السلف الصالح أثبتوا نصوص الصفات على ظاهرها دون تشبيه أو تكييف؛ولكن قبل الشروع في ذكر تلك الأقوال، يجب بيان المقصود من "الظاهر" الذي أثبتهالسلف الصالح، والذي يجب على كل مسلم إثباته من غير تشبيه ولا تكييف.
المقصود بالظاهر: المعنى اللغوي الظاهر الواضح من سياقالكلام(5)؛ وما يلي بعض الأمثلة التي توضح المقصود:
مثال 1 : "وأنا في أفريقياشاهدت أسدًا وهو ينقض على فريسته."
هنا ظاهر الكلام أن الأسد الذي انقض علىفريسته هو الحيوان المعروف.
مثال 2 : " كان خالد في ساحة القتالأسدًا."
ظاهره أن المقصود هو الشجاعة وليس الحيوان.
هذا هو منهج السلف معنصوص الصفات كقوله تعالى: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَأَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص : 75]
فأثبت السلف هذه الآية على ظاهرها وهو أن الله عز وجل خلق آدم بيديهالتي هي صفة له، مع اعتقادهم بأنها لا تشبه أيدي المخلوقين؛ أما أهل البدع فردواظاهرها وقالوا بأن اليدين في الآية ليست حقيقية، وأن معناها هو القدرة أو النعمة أوغير ذلك من المعاني المجازية لليد.
فليس المقصود من إثبات الظاهر إثبات كيفيةصفات الله، فالاتفاق فقط في أصل معنى الصفة وليس في كيفية الصفة، فلا يعلم كيفيةصفات الله إلا هو سبحانه، وهي ليست ككيفية صفات المخلوقين {ليسكمثله شيء وهو السميع البصير}
وما يلي مجموعة من أقوال السلف ومن جاءبعدهم في الإيمان بآيات وأحاديث الصفات على ظاهرها من غير تشبيه ولاتكييف:
أقوال السلف الصالح:
1. ورد عن جمْعٍ من السلف الصالح، منهمالأوزاعي (ت. 157 هـ)،وسفيان الثوري (ت. 161 هـ)، و الليث بن سعد (ت. 175 هـ)، والإمام مالك بن أنس (ت. 179 هـ)، والإمام أحمد بن حنبل (ت. 241 هـ) أنهم قالوا عن أحاديث الصفاتوالرؤية: «أمروها كما جاءت بلا كيف»؛ وقد بيّن الإماماللغوي أبو منصور الأزهري (ت. 370 هـ) معنى مقولة السلف هذه بعد ذكر قول أبي عبيدٍالقاسم بن سلام (ت. 224هـ) في حديث القَدم ونزول الله إلى السماء الدنيا ورؤيةالمؤمنين ربهم يوم القيامة: "نحن نؤمن بها على ما جاءت ولا نفسرها." قائلا: «أراد أنها تترك على ظاهرها كما جاءت.» (6)
2. قول الإمامسفيان بن عيينة (ت. 198هـ) : «كل شيء وصف الله به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره لا كيف ولامثل». (7)
قال أبو القاسم إسماعيل الأصبهاني الشافعي (ت. 535 هـ) مبينالمعنى مقولة ابن عيينة "فقراءته تفسيره" : « أي هو على ظاهرهلا يجوز صرفه إلى المجاز بنوع من التأويل.» (8)
3. قالأبو بكر ابن أبي عاصم (ت. 287هـ) : «وجميع ما في كتابنا كتاب السنة الكبير الذي فيه الأبواب من الأخبارالتي ذكرنا أنها توجب العلم، فنحن نؤمن بها لصحتها، وعدالة ناقليها، ويجب التسليملها على ظاهرها، وترك تكلف الكلام في كيفيتها» فذكر في ذلك النزول إلى سماءالدنيا، والإستواء على العرش، وغير ذلك. (9)
أقوال العلماء من بعدهم:
- ابن جرير الطبري (ت. 310هـ) :
قال بعد نقاشه مع فرقةمن أهل البدع في صفتي النزول والمجيء: «فإن قال لنا منهمقائلٌ: فما أنت قائلٌ في معنى ذلك؟ قيل له: معنى ذلك ما دلّ عليه ظاهر الخبر، وليسعندنا للخبر إلا التسليم والإيمان به، فنقول: يجيء ربنا -جل جلاله- يوم القيامة والملك صفاً صفاً، ويهبط إلى السماء الدنيا وينزل إليها في كل ليلةٍ ... وكالذي قلنافي هذه المعاني من القول: الصواب من القيل في كل ما ورد به الخبر في صفات الله عزوجل وأسمائه تعالى ذكره بنحو ما ذكرناه.» (10)
- أبو عثمان الصابوني الشافعي (ت. 449هـ) :
قال عندحديثه عن عقيدة السلف أصحاب الحديث في صفات الله: «بل ينتهونفيها إلى ما قاله الله تعالى، وقاله رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير زيادة عليه،ولا إضافة إليه، ولا تكييف له ولا تشبيه، ولا تحريف، ولا تبديل، ولا تغيير، ولاإزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب وتضعه عليه بتأويل منكر، ويجرونه على الظاهر،ويكِلُون علمه (11) إلى الله تعالى». (12)
وقال في وصيته أنه "يسلكفي الآيات التي وردت في ذكر صفات البارئ –جل جلاله-، والأخبار التي صحت عن رسولالله صلى الله عليه وسلم، في بابها، كآيات مجيء الرب يوم القيامة، وإتيان الله فيظُلل من الغمام، وخلق آدم بيده، واستوائه على عرشه، وكأخبار نزوله كل ليلة إلى سماءالدنيا، والضحك والنجوى، ووضع الكنيف على من يُناجيه يوم القيامة، وغيرها، مسلكالسلف الصالح، وأئمة الدين، من قوبها وروايتها على وجهها، بعد صحة سندها، وإيرادِهاعلى ظاهرها، والتصديق بها والتسليم لها، واتقاء اعتقاد التكييف، والتشبيه فيها،واجتناب ما يؤدي إلى القول بردّها، وترك قبولها، أو تحريفها بتأويل يُستنكر، ولمينزل الله به سلطانا، ولم يجر به للصحابة والتابعين والسلف الصالح لسان". (13)
- أبو محمد الحسين البغوي الشافعي (ت. 510 هـ) :
قال: «وكذلك كل ما جاء به الكتاب أوالسنة من هذا القبيل في صفات الله تعالى، كالنفس، والوجه، والعين، واليد، والرجل،والإتيان، والمجيء، والنزول إلى السماء الدنيا، والاستواء على العرش، والضحك،والفرح ...» فذكر أدلة هذه الصفات من القرآن والسنة ثم قال: «فهذه ونظائرها صفات الله تعالى، ورد بها السمع يجب الإيمان بها،وإمرارها على ظاهرها معرضا فيها عن التأويل، مجتنبا عن التشبيه، ومُعتقدًا أنالباري سبحانه وتعالى لا يشبه شيء من صفاته صفات الخلق، كما لا تشبه ذاته ذواتالخلق، قال الله سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌوَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى : 11]، وعلى هذا مضى سلف الأمة، وعلماء السنة.» (14)
- أبو القاسم إسماعيل الأصبهاني الشافعي (http://as-salaf.com/article.php?aid=87&lang=ar) (ت. 535 هـ) :
قال بعد ذكر الآيات في صفة الاستواءوالغضب والرضا والنزول وغيرها: «فهذا وأمثاله مما صح نقله عنرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن مذهبنا فيه ومذهب السلف، إثباته وإجراؤه علىظاهره، ونفي الكيفية والتشبيه عنه، وقد نفى قوم الصفات فأبطلوا ما أثبته اللهتعالى، وتأولها قوم على خلاف الظاهر فخرجوا من ذلك إلى ضرب من التعطيل والتشبيه،والقصد إنما هو سلوك الطريقة المتوسطة بين الأ/رين، لأن دين الله تعالى بين الاليوالمقصر عنه.» (15)
وقال عندما سُئل عن صفات الرب تعالى: «مذهب مالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وحماد ابن سلمة، وحمادبن زيد، وأحمد، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وإسحاق بن راهويه، أنصفات الله التي وصف بها نفسه، ووصفه بها رسوله، من السمع، والبصر، والوجه، واليدين،وسائر أوصافه، إنما هي على ظاهرها المعروف المشهور، من غير كيف يتوهم فيها، ولاتشبيه ولا تأويل...» (16)
- محمد أنورشاه الكشميري الحنفي :
قال في شرحه لسنن الترمذي: «واعلم أن المشابهات مثل نزول الله إلى السماء الدنيا، واستواءه علىالعرش، فراي السلف فيها الإيمان على ظاهره ما ورد إمهاله على ظاهره بلا تأويل ولاتكييف، ويفوض أمر الكيفية إلى الله تعالى » ثم ذكر كلاما طويلا في أقوالالفرق والمذاهب إلى أن قال: «فحاصل الباب أن نؤمن بالمتشابهاتكما وردت بظاهرها ونفوض التفاصيل إلى الله» (17)
صفات الله حقيقيّة أم غيرحقيقية؟
إعداد: أم عبد الله الميساوي
لـ« موقع عقيدة السلف الصالح » (http://www.as-salaf.com/)
مقدمة:
إن معرفة الله عز وجل هي أهم وأجلّ العلوم،ومعرفته سبحانه تكون بمعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العلى، وهي تُستمد من نصوص الوحي: القرآن والسنة، فلا يُوصف الله عز وجل إلا بما وصف به نفسه في كتابه العزيز أو علىلسان رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن تدبر هذه النصوص العظيمة وجدها واضحة وجليّة فيدلالتها على صفاته العليا. ورغم وضوحها فقد وقع من بعض المنتسبين للإسلام تحريفٌلمعاني هذه النصوص، فنَفوا عنها حقيقتها تذرعًا بالمجاز، ظنّا منهم أنه الحق. والسبب في ذلك هو أنهم جعلوا عقولهم حَكَمًا فيها دون نصوص الوحي، فاعتقدوا أنإثبات تلك الصفات حقيقةً لله يقتضي التشبيه، وهو ليس كذلك، فكما قال الحافظنُعيم بن حماد (ت. 228 هـ) : «ليسما وصف الله به نفسه ورسوله تشبيه»(1)، فالتشبيه يكون باعتقاد أن صفات اللهكصفات المخلوقين، قال الإمامإسحاق بن راهويه (http://as-salaf.com/article.php?aid=41&lang=ar) (ت. 238هـ) : «إنما يكون التشبيه إذا قال: يد كيد أو مثل يد، أو سمعكسمع أو مثل سمع. فإذا قال سمع كسمع أو مثل سمع، فهذا التشبيه؛ أما إذا قال كما قالالله تعالى: يد وسمع وبصر، ولا يقول: كيفَ؟ ولا يقول: مثلَ سمع، ولا كسمع، فهذا لايكون تشبيها، وهو كما قال الله تعالى في كتابه: {لَيْسَكَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى : 11]»(2). فلو أن هؤلاء القوم تأملواوتدبروا آيات الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم حق التدبر ودرسوا آثار السلفالصالح في هذه النصوص، لما صرفوها عن حقائقها بأنواع المجازات؛ لأنها بينة فيدلالتها، لا تقتضي تشبيها ولا معاني باطلة.
ودلالة النصوص على حقيقة صفاتالله عز وجل تكون أحيانًا مُستفادةً من سياق الآية أو الحديث، وأحيانًا من فِعلالنبي صلى الله عليه وسلم نفسه، وأحيانًا أخرى من غير ذلك مما سنُبَيّنُه في هذاالمقال إن شاء الله تعالى.
دلالة نصوصالكتاب والسنة على أن صفات الله حقيقية:
- القرآن الكريم:
1. قال الله تعالى: {فَأَمَّا عَادٌفَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّاقُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْقُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} [فصلت : 15]
ففي الآية أن قوم عاد سألوا: «من أشد مناقوة؟»
فأجابهم الله عز وجل بقوله: {أَوَلَمْ يَرَوْاأَنَّاللَّهَالَّذِ ي خَلَقَهُمْهُوَأَشَدُّ مِنْهُمْ قوة}
ولا يصح أن يكون الجواب إلا موافقًاللسؤال، قالأبو أحمد الكرجي القصاب (ت. 360هـ) فيهذه الآية: «وقوله (تعالى) ... حجة على المعتزلة والجهميةفيما يزعمون: أن كل ما وُصف به المخلوق لم يجز أن يوصف به الخالق، من أجل التشبيه،وهذا نص القرآن ينكر على عاد ادعاء القوة، ويخبر أن الله أشد قوة منهم، والرد لايكون إلا بمثله»(3). ولا شك أن قوة عاد حقيقية، فقوة الله أيضا حقيقيةولكنها أعظم، فقوة المخلوق لا شيء عند قوة الله عز وجل، بل هو سبحانه الذي أعطاناهذه القوة.
2. قال الله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا} [النساء : 125]
تفسير هذه الآية في سنة النبي صلى اللهعليه وسلم، والسنة مبينة للقرآن، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
”إِنِّى أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ أَنْ يَكُونَ لِى مِنْكُمْ خَلِيلٌفَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدِ اتَّخَذَنِى خَلِيلاً كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَخَلِيلاً وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِى خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُ أَبَابَكْرٍ خَلِيلاً“ [صحيح مسلم].
وقال صلىالله عليه وسلم: ”أَلاَ إِنِّى أَبْرَأُ إِلَى كُلِّ خِلٍّمِنْ خِلِّهِ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍخَلِيلاً إِنَّ صَاحِبَكُمْ(4) خَلِيلُ اللَّهِ“ [صحيح مسلم]
وفي لفظ: ”ألا إنيأبرأ إلى كل خليل من خُلّته“(5).
والخليل من "الخُلّة" – بضم الخاء كمافي الرواية الثالثة-، وهي غاية المحبة وخالصها وأتمها. قالالزجّاج (311هـ): «الخليل: المُحب الذيليس في محبته خلل»(6).
وقالابن كثير (ت. 774هـ): «والخُلّة: هي غاية المحبة ... وهكذا نال هذه المنزلةخاتم الأنبياء وسيُد الرسل محمد، صلوات الله وسلامه عليه كما ثبت في الصحيحينوغيرهما»(7).
والدليل على أن خُلّة الله لإبراهيم عليه السلام ونبينامحمد صلى الله عليه وسلم حقيقية، هو أن النبي صلى الله عليه وسلم امتنع عن اتخاذأبي بكر رضي الله عنه خليلا لأجل أنه خليل الله، ولو لم تكن خُلة الله لنبيه حقيقيةلما كان هناك مانع في اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكرخليلا.
3. قال تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء : 164]
الفعل "كَلّم" في هذه الآية مؤكدبالمصدر "تكليمًا"، وهو دليل على أن الله كلّم موسى حقيقةً، قالأبو جعفر النحّاس (ت. 338هـ) : «{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} مصدر مؤكد، وأجمع النحويّون على أنك إذا أكدّت الفعل بالمصدر لم يكن مجازًا ... فكذا لما قال: {تكليمًا}، وَجَبَ أن يكون كلامًا علىالحقيقة من الكلام الذي يُعقل»(8).
4. قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَكَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء : 58]
وهذه تفسيرها بفعل نبينا صلى الله عليه وسلم، فقد روى أبو يونس مولىأبي هريرة أنه سمع أبا هريرة يقرأ هذه الآية: {إِنَّ اللَّهَيَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}، ويضع إبهامهعلى أذنه والتي تليها على عينه، ويقول: هكذا سمعت رسول الله يقرأها ويضع إصبعيه. (9)
قَصَدَ النبي صلى الله عليه وسلم بفعله هذا إثبات أن الله مُتّصِف بسمع وبصرحقيقيّين فالحديث عن صفتي السمع والبصر، وليس مقصوده تشبيه صفات الله بصفاتالمخلوق، فحاشا أن يُشبّه رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه بالمخلوقين، والله عزوجل يقول: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُالْبَصِيرُ} [الشورى : 11]، فأثبت الله عزوجل لنفسه السمع والبصر، ونَفَى عنها المِثل.
- السنة النبوية:
5. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ” لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًابِتَوْبَةِعَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِفَلاَةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَافَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِى ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَاهُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّقَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِى وَأَنَا رَبُّكَ. أَخْطَأَمِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ“.
وفي رواية سنن الترمذى: ”لَلَّهُ أَفْرَحُبِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْمِنْ رَجُلٍ...“.
وفي رواية سنن الدارمي: ”فما هو بأشد فرحا بها من اللهبتوبة عبده إذا تابإليه“.
الحديث واضح من سياقه، وهو دليل على أن الله متصف بالفرح حقيقةً،ولكن فرحه لا يشبه فرح المخلوقين، فهو فرح يليق بجلاله لا يعلم كيفيته إلا هوسبحانه، وواجبنا الإيمان والتسليم.
قال الحافظشمسالدين الذهبي (ت. 748 هـ) عند تعقيبه على تأويل أحد العلماء لصفة الفرح للهتعالى : «ليت المؤلف سكت فإن الحديث من أحاديث الصفات التيتمر على ما جاءت كما هو معلوم من مذهب السلف، والتأويل الذي ذكره ليس بشيء ... والنبي صلى الله عليه وسلم قد جعل فرح الخالق عز وجل أشد من فرح الذي ضلت راحلته،فتأمل هذا وكُف، واعلم أن نبيك لا يقول إلا حقا، فهو أعلم بما يجب لله وما يمتنععليه من جميع الخلق، اللهم اكتب لنا الإيمان بك في قلوبنا وأيدنا بروح منك». (10)
6. عن عمر بن الخطاب أنه قال: قدِم علىرسول الله صلى الله عليه وسلم بِسَبْي، فإذا امرأة من السبي تبتغي، إذا وجدت صبيافي السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته؛ فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِىالنَّارِ؟“ قُلْنَا: لاَ وَاللَّهِ وَهِىَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَتَطْرَحَهُ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”لَلَّهُأَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا“. [صحيح البخاري ومسلم]
هو واضح من سياقه كالحديث الذيقبله، ففيه إثبات صفة الرحمة لله عز وجل حقيقةً.
7. قال ابن عمر رضي الله عنه: «سمعترسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: ”يأخذالجبّار سماواته وأرضيه بيده“ وقبض بيده فجعل يقبضها ويبسطها ”ثم يقول: أنا الجبار، أين الجبارون؟ أين المتكبرون“، قال: ويتميّل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه وعن شماله، حتى نظرت إلى المنبريتحرك من أسفل شيء منه، حتى إنّي لأقول: أساقط هو برسول الله صلى الله عليهوسلم؟». [صحيح مسلم، وسنن النسائي، واللفظ لابنماجه](11)
قبَضَ النبي صلى الله عليه وسلم يده ليُبَيّن أن الله يقبضالأرض والسموات بيده حقيقةً، وليس مقصوده تشبيه قبض الله بقبضه.
8. عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليهوسلم قال: ”آخر من يدخل الجنة رجل، فهو يمشي مرة، ويكْبُومرة، وتسفَعُه النار مرة“ إلى أن قال: ”ثم ترفع لهشجرة عند باب الجنة هي أحسن من الأُوليَيْن، فيقول: أي رب، أدنِني من هذه لأستظلبظلها، وأشرب من مائها، لا أسألك غيرها. فيقول: يا ابن آدم ألم تعاهدني أن لاتسألني غيرها؟ قال: بلى يا رب، هذه لا أسألك غيرها. وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبرله عليها، فيدنيه منها، فإذا أدناه منها سمِع أصوات أهل الجنة، فيقول: أي ربأدخلنيها. فيقول: يا ابن آدم، ما يَصْريني منك(12)؟ أيُرضيك أن أعطيك الدنيا،ومثلها معها؟ قال: يا رب أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟“ فضحك ابن مسعودفقال: ألا تسألوني ممّ أضحك؟ فقالوا: مم تضحك؟ قال: هكذا ضحك رسول الله صلى اللهعليه وسلم، فقالوا: مم تضحك يا رسول الله؟ قال: ”من ضحك ربالعالمين حين قال: أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ فيقول: إني لا أستهزئ منك، ولكنيعلى ما أشاء قادر“. [صحيح مسلموغيره](13)
في هذا دليل واضح على أن الله يضحك حقيقة، فالنبي صلى اللهعليه وسلم ضحك من ضحك الله عز وجل، وضحكه -سبحانه- ليس كضحك المخلوقين، وكيفيته لايعلمها إلا الله عز وجل، وما علينا إلا الإيمان والتسليم.
فهم السلف الصالح لنصوص الصفات:
ثبت عن عدد منأئمة السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم فتابعيهم، أقوال وأفعال تدل علىأنهم فهموا هذه الصفات على الحقيقة كما هو ظاهر النص، فأثبتوها لله عز وجل من غيرتشبيه ولا تكييف ولا تحريف بالمجازات، وما يلي ذكرٌ لمجموعةٍ منها:
- أم المؤمنين عائشة (ت. 58 هـ) رضي الله عنها:
قالت فيصفة السمع لله عز وجل: «الحمد لله الذي وسع سمْعُه الأصوات،لقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تُكلمه، وأنا في ناحية البيت ماأسمع ما تقول، فأنزل الله عز وجل: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَالَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة : 1] إلى آخر الآية».(14)
- الصحابيابن مسعود (ت. 33 هـ) رضي الله عنه:
عن عبد الله بنمسعود -رضى الله عنه- قال: جاء حبر من اليهود فقال: "إنه إذا كان يوم القيامة جعلالله السموات على إصبع ، والأرضين على إصبع، والماء والثرى على إصبع، والخلائق علىإصبع، ثم يهزهن، ثم يقول: أنا الملك أنا الملك." فلقد رأيت النبى صلى الله عليهوسلم يضحك حتى بدت نواجذه تعجبا وتصديقا لقوله؛ ثم قال النبى صلى الله عليه وسلم: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًاقَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِسُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر : 67]
فابن مسعود رضي الله عنه فهم أن ضحك النبي صلى الله عليه وسلم كانلتعجبه وتصديقه لقول اليهودي، من أن الخلائق يوم القيامة ستكون على أصابع الله عزوجل حقيقة، ولكن من غير تشبيهها بصفة المخلوقين، وكيفيتها لا يعلمها إلا هو سبحانه،وواجبنا الإيمان والتسليم.
- سليمان الأعمش (ت. 148 هـ) :
روى الأعمش قول النبي صلى الله عليه وسلم: ”إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل يُقلبها“ [حديث صحيح]، ثم أشار بإصبعيه(15).
- حماد بن أبي حنيفة (ت. 176هـ) :
قال في مناظرة له معالمبتدعة: «قلنا لهؤلاء : أرأيتم قول الله عز وجل{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر : 22] وقوله عز وجل: {هَلْيَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِوَالْمَلَائِكَة ُ} [البقرة : 210] فهل يجيءربنا كما قال؟ وهل يجيء الملك صفًا صفًا؟ » قالوا: أما الملائكة فيجيئون صفاصفا، وأما الرب تعالى فإنا لا ندري ما عنى بذلك، ولا ندري كيف جيئته. فقلنا لهم: «إنا لم نكلفكم أن تعلموا كيف جيئته، ولكنا نكلفكم أن تؤمنوابمجيئه، أرأيتم من أنكر أن الملك لا يجيء صفا صفا، ما هو عندكم؟ » قالوا: كافرمكذب.
قلنا: «فكذلك من أنكر أن الله سبحانه لا يجيء فهوكافر مكذب». (16)
- حمّاد بن زيد (http://as-salaf.com/article.php?aid=108&lang=ar) (ت. 179 هـ) :
قال: «مَثَلُ الجهمية مثل رجل قيل له: أفي دارك نخلة؟قال: نعم. قيل: فلها خوص؟ قال: لا. قيل: فلها سعف؟ قال: لا. قيل: فلها كرب؟ قال: لا. قيل: فلها جذع؟ قال: لا. قيل: فلها أصل؟ قال: لا. قيل: فلا نخلة في دارك. هؤلاءمِثل الجهمية قيل لهم:
لكم ربّ؟ قالوا: نعم. قيل: يتكلم؟ قالوا: لا. قيل: فلهيد(17)؟ قالوا: لا. قيل: فله قدم(18)؟ قالوا: لا. قيل: فله إصبع؟ قالوا: لا. قيل: فيرضىويغضب؟ قالوا: لا. قيل: فلا رب لكم! » إسناده صحيح.(19)
- يحيى بن سعيد القطان (ت. 198 هـ) :
قال عبد الله ابنالإمام أحمد بن حنبل: سمعت أبـي رحمه الله: حدثنا يحيى بن سعيد بحديث سفيان ... عنالنبي صلى الله عليه وسلم: ”أن الله يمسك السموات علىأصبع“ قال أبي رحمه الله: جعل يحيى يشير بأصابعه، وأراني أبي كيف جعل يشيربأصبعه، يضع أصبعا أصبعا حتى أتى على آخرها.(20)
- أبو معمر الهذلي (ت. 236 هـ) :
قال: «من زعم أن الله عز وجل لا يتكلم، ولا يسمع، ولا يبصر، ولا يغضب،ولا يرضى -وذكر أشياء من هذه الصفات-، فهو كافر بالله عز وجل، إن رأيتموه على بئرواقفًا فألقوه فيها، بهذا أدين الله عز وجل، لأنهم كفار بالله»(21) إسنادهصحيح.
- الإمام أحمد بن حنبل (ت. 241 هـ) :
روى الخلال في كتابه "السنة" أن أبا بكر المروزي حدث بحديث ”إن الله يمسك السموات على أصبع“ عن الإمام أحمد وقال: رأيتأبا عبد الله يشير بإصبع إصبع.(22)
- عمرو بنعثمان المكي الصوفي (297 هـ) :
قال في كتابه "أداب المريدين والتعرفلأحوال العبّاد" في باب: ما يجيء به الشياطين للتائبين : «وأما الوجه الثالث الذي يأتي به الناس إذا هم امتنعوا عليهواعتصموا بالله، فإنه يوسوس لهم في أمر الخالق ليفسد عليهم أحوال التوحيد ...» وذكر كلاما طويلا إلى أن قال: «فهذا من أعظم مايوسوس به في التوحيد بالتشكيك، وفي صفات الرب بالتشبيه والتمثيل، أو بالجحد لهاوالتعطيل، وأن يُدخل عليهم مقاييس عظمة الرب بقدر عقولهم؛ فيهلكوا إن قبلوا، أويضعضع(23) أركانهم، إلا أن يلجأوا في ذلك إلى العلم، وتحقيق المعرفة بالله عز وجلمن حيث أخبر عن نفسه، ووصف به رسوله؛ فهو تعالى القائل: {أناالله} لا الشجرة. الجائي هو لا أمره، المستوي على عرشه بعظمة جلاله دون كلمكان، الذي كلم موسى تكليما، وأراه من آياته عظيمًا، فسمع موسى كلام الله الوارثلخلقه، السميع لأصواتهم، الناظر بعينه إلى أجسامهم، يداه مبسوطتان وهما غير نعمتهوقدرته، وخلق آدم بيده»(24).
أقوالأئمة السنة ممن جاء بعدهم:
- ابن جريرالطبري (ت. 310 هـ) :
ذكر مجموعة من الصفات منها: اليد، والسمع، وصفةالنزول، والبصر، والضحك، وغيرها مما ثبت في نصوص القرآن والسنة، ثم قال: «فإن قال لنا قائلٌ: فما الصواب من القول في معاني هذه الصفات التيذكرت، وجاء ببعضها كتاب الله عز وجل ووحيه، وجاء ببعضها رسول الله صلى الله عليهوسلم؟
قيل: الصواب من هذا القول عندنا: أن نُثبت حقائقها على ما نعرف من جهةالإثبات، ونفي التشبيه كما نفى ذلك عن نفسه –جل ثناؤه- فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى : 11]».(25)
- أبو العباس السراج الشافعي (ت. 313 هـ) :
قال: «من لم يقر ويؤمن بأن الله تعالى: يعجب، ويضحك، وينزل كل ليلة إلىالسماء الدنيا فيقول: ”مَن يسألني فأعطيه؟“؛ فهوزنديق كافر، يُستتاب، فإن تاب وإلا ضُرب عنقه»(26).
- أبو أحمد الكرجي القصاب (ت. 360 هـ) :
قال في كتاب "السنة" له: «كل صفة وصف الله بها نفسه أو وصف بها نبيه، فهيصفةٌ حقيقةً لا مجازًا»(27).
- أبو عمرالطلمنكي المالكي (ت. 429 هـ) :
قال في كتاب "الوصول إلى معرفة الأصول" : (قال قوم من المعتزلة والجهمية: لا يجوز أن يسمى الله عز وجل بهذه الإسماء علىالحقيقة ويسمى بها المخلوق. فنفوا عن الله الحقائق من أسمائه، وأثبتوها لخلقه، فإذاسُئلوا ما حملهم على هذا الزيغ؟
قالوا: الإجتماع في التسمية يوجب التشبيه. قلنا: هذا خروج عن اللغة التي خوطبنا بها لأن المعقول في اللغة أن الإشتباه في اللغة لاتحصل بالتسمية، وإنما تشبيه الأشياء بأنفسها أو بهيئات فيها كالبياض بالبياض،والسواد بالسواد، والطويل بالطويل، والقصير بالقصير، ولو كانت الأسماء توجب إشتباهالاشتبهت الأشياء كلها لشمول إسم الشيء لها، وعموم تسمية الأشياء به، فنسألهم: أتقولون إن الله موجود؟ فإن قالوا: نعم، قيل لهم: يلزمكم على دعواكم أن يكون مشبهاللموجودين»(28).
- أبو الحسن ابن القزوينيالشافعي (ت. 442 هـ) :
أخرج الخليفة العباسي القائم بأمر الله الاعتقادالقادري في سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، فقُرئ في الديوان، وحضر الزهاد والعلماء،وممن حضر: الشيخ أبو الحسن علي بن عمر القزويني، فكتب بخطه تحته قبل أن يكتبالفقهاء: «هذا قول أهل السنة، وهو اعتقادي، وعليهاعتمادي».
ومما جاء في الاعتقاد القادري: «وما وصفالله سبحانه به نفسه، أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو صفات الله عزوجل على حقيقته لا على سبيل المجاز»(29).
- ابن عبد البر المالكي (ت. 463 هـ) :
قال في "التمهيد": «أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردةكلها في القرآن والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهملا يُكيّفون شيئا من ذلك، ولا يحدون فيه صفة محصورة. وأما أهل البدع والجهميةوالمعتزلة كلها والخوارج؛ فكلهم ينكرها، ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة، ويزعمونأن من أقَرّ بها مُشبّه»(30).
وقال في "الاستذكار": «أقول: إن الله ليس بظلام للعبيد، ولو عذبهم لم يكن ظالمًا لهم،ولكنْ جلّ مَن تَسمّى بالغفور الرحيم الرءوف الحكيم، أن تكون صفاته إلا حقيقةً لاإله إلا هو، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } [الأنبياء : 23]»(31).
- أبو القاسم إسماعيل الأصبهاني الشافعي (ت. 535 هـ) :
قال: «ولا يجوز إضافة المجاز إلى صفات اللهتعالى». (32)
- ابن القيم الحنبلي (ت. 751هـ) :
قال في "إعلام الموقعين" : «وقد تنازعالصحابة في كثير من مسائل الأحكام وهم سادات المؤمنين وأكمل الأمة إيمانا ولكن بحمدالله لم يتنازعوا في مسألة واحدة من مسائل الأسماء والصفات والأفعال، بل كلهم علىإثبات ما نطق به الكاتب والسنة كلمة واحدة من أولهم إلى آخرهم؛ لم يسوموها تأويلا،ولم يحرفوها عن مواضعها تبديلا، ولم يبدوا لشيء منها إبطالا، ولا ضربوا لها أمثالا،ولم يدفعوا في صدورها وأعجازها، ولم يقل أحد منهم يجب صرفها عن حقائقها وحملها علىمجازها، بل تلقوها بالقبول والتسليم، وقابلوها بالإيمان والتعظيم، وجعلوا الأمرفيها كلها أمرًا واحدًا، وأجروها على سنن واحد.»
- ابن رجب الحنبلي (ت. 795 هـ) :
قال في "ذيل طبقاتالحنابلة"، في ترجمة الحافظ عبد الغني المقدسي الحنبلي:
«وأما قوله: "ولا أنزهه تنزيهاً ينفي حقيقة النزول"، فإنْ صح هذاعنه، فهو حق، وهو كقول القائل: لا أنزهه تنزيهاً ينفي حقيقة وجوده، أو حقيقة كلامه،أو حقيقة علمه، أو سمعه وبصره، ونحو ذلك».
وغيرهم، اقتصرنا على مَن ذكرنااختصارًا.
وبهذا يتبين أن الحق هو إثبات هذه الصفات كما جاءت في نصوص الكتابوالسنة، نثبتها لله عز وجل حقيقةً من غير تشبيه ولا وصفٍ لكيفيتها، ومن لم يبلغ ذلكعقله، فعليه التسليم، فلم يوجب الله علينا إدراكه.
الاستغاثة بغير الله تعالى شرك
الحمد لله الذي منّ على المؤمنين فجعل دعاءهم إياه عبادة، وتفضل عليهم فأكرمهم مع ذلك بتعجيل الإجابة أو تأجيل الرّفادة، والصلاة والسلام على من حصر الله في اتباعه السعادة، وآله وصحبه أهل الفضل والريادة.
اعلم- أخي المسلم- أن المنكر إذا فشا في الناس وتعاظم وإن كان من قبيل الصغائر، فإن الصالحين يشملهم غضب الله إن هم استمرؤوا عدم الإنكار عليهم، فكيف إذا كان من جنس الكبائر، أو جنس أكبر الكبائر؟!
ثم اعلم أن انتشار الفساد لا يزيد أهل الإيمان إلا تشبثا بدينهم وعقيدتهم تحقيقا لسنة الله في المدافعة بين الحق والباطل، وتصديقا لسنة أبي القاسم -صلى الله عليه وسلم- في صفة أهل الغربة، وأنه يأتي على الناس زمانٌ القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صى الله عليه وسلم: ”بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا، فطوبى للغرباء“ وزاد أحمد في مسنده:
قيل: "يا رسول الله من الغرباء؟" قال: ”الذين يصلحون إذا فسد الناس.“
وقال الفضيل بن عياض: «عليك بطريق الحق ولا تستوحش من قلة السالكين وإياك وطريق الباطل ولا تغتر بكثرة الهالكين.»
وإليك أخي التذكرة فخذها بقوة تنفعْك في الآخرة:-
أولا: بيان أن الدعاءَ : عبادة
بيّن الله ذلك في آيات كثيرة جدًا، منها قوله تعالى: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر : 60] وكان يمكن أن يقول (إن الذين يستكبرون عن دعائي) كما هو مقتضى صدر الآية، فلما استبدل بقوله "دعائي" قولَه {عبادتي} دل أنه جعل "الدعاء هو العبادة"، وهذا عين ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أصلا من حديث النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ”الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ“ ثُمَّ قَرَأَ {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [رواه الترمذي بإسناد صحيح]
وذلك نظير قول القائل: " تفضّل علي بالزيارة ,إنك إن أبيت صلتي أغضبْ "،فجعل الزيارة هي الصلة.
ثانيا:
إذا تقرر ذلك – وهو جلي جدًا- فإنك إن قصدت أحد المخلوقين مهما عظم شأنه ولو كان سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، وقرأت حاجتك بين يدي قبره، كأن تطلب زيادة رزق، أو تفريج كرب، أو تستشفي، أو تشكو هما، بِنيّة أن يخلصك منه، ولو دون طلب صريح، فقد صرفت شيئا من العبادة لغير الله تعالى، ولذلك قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأعراف : 194] فدلت هذه الآية على أن من يحتج قائلا: "دعوناهم وجاءت الإجابة" على معاندة الرب الجليل، ومعارضة تحديه، ولم يعرف المسكين أن الله يستدرجهم ويفتنهم بتحقيق الإجابة، كما قال سبحانه {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف : 5].
- وقال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } [الجن : 18] والنكرة في سياق النهي تدل على العموم، فإما أن تدعو الله وتطلب أيضا من غيره، فتكون دعوت (مع) الله أحدا؛ وإما أن تدعو الله وحده، فتسلم.
والله يُحب للعبد أن يحِب (فيه) و(له)، ويكره للعبد أن يشرِك به فيُحِب (معه) بالتوجه لغيره، كما قال تعالى في وصف المشركين مع آلهتهم: {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ } [البقرة : 165] أي لأنهم دعوا غير الله معه، ولم ينفِ عنهم حبًا لله، فتدبر!
ثالثا:
كلما عظم الكرب كانت الاستغاثة بغير الله، أو دعاؤه، أو سمها ما شئت، بزيارة قبره وتسمية الحاجة عنده أشد شركا، وأعظم اجتراءً على مقام الإلهية، ذلك أن الله تعالى يقول واصفًا المشركين الأوائل: {فإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [العنكبوت : 65] ولها في الكتاب العزيز نظائر كثيرة، فتأمل وصفه المشركين بالإخلاص في الدعاء حال النازلة، ثم إثباته لشركهم حال النجاة، فاحتج عليهم سبحانه بدعائهم إياه حال الشدة والعسر، على بطلان دعائهم غيره حال الرخاء واليسر، والمعنى أنهم يعودون لما نهوا عنه من دعاء الصالحين، وقصدهم بطلب الحوائج مع كون ما يطلبونه منهم مما لا يقدر عليه إلا الله، إما حال حياتهم، وإما لكونه مقدورًا في الأصل في حياتهم ولكنه غير مقدور لأجل موتهم.
فسل نفسك أخي..هل يكون مخلصا في دعائه من يقول:يا فلان اجلب لي الولد أم يكون مشركا إذ سأل المخلوق ما حقه أن يختص بالخالق"وما أضلنا إلا المجرمون* إذ نسويكم برب العالمين"..وإذا علمت أنه مامن مشرك قط قال: أنا أعدل غير الله بالله..علمت معنى التسوية في الآية
رابعا: تفنيد شبهتين مشهورتين عند من يدعون الصالحين:-
اعتاد أهل الزيغ أن يلبسوا الحق بالباطل، فقالوا: إنما نتوجه للصالحين بالطلب لا اعتقادًا باستقلال نفعهم وضرهم، وإنما لمقامهم عند الله، فنتخذهم وسيلة إلى الرب.
والرد على هذا إذا قصدنا استيفاءه مما يطول ولا يسعنا هنا إلا القصر على رد موجز، وهو يأتلف من جزئين:-
1-بيان أن المشركين كأبي جهل وأضرابه كانوا مقرين بأن الله متفرد بكمال الخلق والتدبير والملك، كما بينه الله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [يونس : 31]
2-وبيان أنهم كانوا مع ذلك يدعون غير الله فلم يعتدّ الله باعترافهم لأن فعلهم ناقضه، وحاصله أنهم أثبتوا نفعا جزئيا لمن يدعونهم، فقالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر : 3]
وقالوا: {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس : 18] فرد الله عليهم دعواهم بقوله سبحانه: {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس : 18]
وذلك عين ما يقوله زوار المقامات اليوم، فهم يحتجون تارة باتخاذهم وسيلة وقربى، وتارة بالشفاعة، ولو قدّر جدلا أنه يمكن تصور إنسان يدعو غير الله بلفظه مع جزمه بنفي الضرر والنفع مطلقا عن الأولياء، وادعى أنه إنما يقصد دعاء الله وحده، وأن ذكر اسم الولي من باب التيمن- مثلا- فحسب، فإن صيغة دعائه -وإن على هذا الفرض الخيالي- لابد مورثته تعلقَ الأسباب بهم وهو يؤول للشرك إذن.
وكذلك فإن اعتقاد هؤلاء بأن الصالحين يوصلون حاجاتهم للمولى عز وجل، يجعل همتهم تنصرف إلى تعظيمهم، والغلو فيهم، حتى يرضى هؤلاء عنهم فيقبلوا التوسّط إلى الله! وهذا عين الشرك أيضا.
وأيضا فإن قناعة المستغيثين بهم أنهم غوث كل مكروب يعني أنهم أحاطوا علما بالحاجات الملقاة إليهم في وقت واحد، ولا يكون ذلك إلا للعليم الخبير، فاشتمل فعلهم على الشرك في الألوهية والربوبية معا.
ثم إن دعوى التوسل بهم إلى الله لفضلهم تنقضها الصيغة المبدوءة بـ«يا» التي للنداء، ثم تعقيبها بخطاب المدعو مباشرة بطلب الحاجة التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى، وبعضهم يتحذلق ويقول: إننا نناديهم ولا ندعوهم! فيقال إن الله قال {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ} [الأنبياء : 76].
وتنقضها كذلك واقع الحال، فإن المشاهد لأحوال هؤلاء يدرك أنهم يعتقدون تأثيرا بالنفع والضر يختص بهؤلاء المعظمين عندهم، فمن أنكر ذلك مع إصراره على هذا النداء للأموات كمن يقول: "أعبد الله وحده" أثناء سجوده للصنم، والله المستعان.
الشبهة الثانية: قولهم إن المشركين إنما دعوا أصناما، فالجواب باختصار من وجهين:
الأول: أن اللات التي نعى الله عليهم دعاءها ليست إلا علما على رجل صالح كان يلتّ السويق للحجاج، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما؛ فكانوا على التحقيق يدعونه، وقس على اللات غيره كيغوث ويعوق ونسر، سواء بسواء، كما يدعو أهل زماننا موتى الصالحين أو من يظنونهم كذلك.
الثاني أن الآيات التي تقدم ذكرها وغيرها عامة وجلية في بيان أن من دعا غير الله، أو ناداه، فقد اتخذه إلهًا، وإن ادعى عدم ذلك، والقول بتخصيصها بالأصنام تحكم مبناه على اتباع الهوى لاغير، فلا يسعفه علة، ولا يدل عليه معنى، وإليك بيانه باختصار:
قال تعالى : {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون : 117] ولما كان الله تعالى لا معبود بحق سواه، ثبت أن ليس ثَمّ إلهٌ عليه برهان، فكان من يدعو غير الله تعالى متخذًا إلها آخر ولابد، وتأمل إن شئت خاتمة الآية {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}.
ومما يدل على العموم، وأنه غير مختص بالأصنام الحجرية، قوله تعالى: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [فاطر : 14]، هذه الآية نص في كون دعاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى شرك كما تراه جليًا، وكذلك فيها إشارة إلى أن المدعوين من العقلاء وغيرهم أيضا، وإن كان متعلق الخطاب بالعقلاء أظهر لقوله {يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ}؛ واشتملت أيضا على الإيماء بأن من يصر فيدعو موتى الصالحين، لم يقبل خَبَر الخبير الغيبي، ولا أمره العيني.
بيان: متى تكون الاستعانة أو الاستغاثة بغير الله جائزة:-
قد يشكل هذا الكلام على أقوام فيقال إذا كانت الاستغاثة بغير الله شركا فما حال الغريق الموشك على الهلكة وحوله أناس قد ينقذونه؟
الجواب أن الله تعالى إنما حرم الاستغاثة بغيره فيما جرت العادة أنه لا يقدر عليه إلا الله تعالى، ولذلك قال عز في علاه: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [فاطر : 14]
أما طلب المعونة والنجدة من الحي بشرط أن تكون في دائرة المقدورات عادة فلا يؤاخذ عليها وليست من الشرك في شيء.
وختاما..
فإن الله أرشدنا لدعائه هو فقال:
{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ} [البقرة : 186]، فكل من دعا غيره لم يقنع بقربه تعالى، كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم وقال لحبر الأمة ”إذا سألت فاسأل الله، و إذا استعنت فاستعن بالله“ [رواه الترمذي وقال حسن صحيح].
ثم تفضل علينا سبحانه ببيان المسلك الذي يحبه في دعائه هو، فقال: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } [الأعراف : 180] فأرشد لطريقة دعائه.
ثم حذر من الوقوع في الشرك به بدعاء غيره فقال سبحانه:{وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ * وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس : 106 ، 107].
ثم تحدى من يدعون غيره وتهكم بهم فقال: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا} [الإسراء : 56]
ثم أثبت أن من تلبس بهذا المنكر فقد أشرك لأن دعاء غيره ليس إلا اتخاذه إلها، فقال {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ } [النمل : 62]، فإياك أخي ثم إياك أن تقطع حبل الله الممدود إليك بنصب الوسائط بينك وبين الله، وقد وقع في عبادتهم من فعل ذلك، وإن كان يزعم التوصلّ بهم إلى الرب ويسمي فعله التوسلّ، كذلك فعل الذين من قبل فقالوا مثل هذا.