المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ( الفوائد المنتقاة من تقريب التدمرية للشيخ العثيمين رحمه الله)



أهــل الحـديث
15-10-2013, 01:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الحمدُ لله وحده , وصلاة الله وسلامه علي نبيه المصطفي محمدٍ وآله الطاهرين وصحبه
المجاهدين , أهلُ الفقه في الدين .

وبعد /
رسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية على اختصارها - جامعة لأصول مهمة ، وقواعد نافعة في باب الأسماء والصفات ، والشرع والقدر ، فقد حوت التدمرية خلاصة ما حرّره المؤلف في كتبه الكثيرة والمطوّلة .
واعتنى جمعٌ من العلماء والباحثين المعاصرين بالرسالة التدمرية ، تحقيقاً وتعليقاً ، وشرحاً ، وتقريباً.
ومنهم العلامة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - ألّف"تقريب التدمرية " ، فاختصرها ، وقرّب معانيها. .
- فهذه فوائد انتقيتُها من رسالة ( تقريب التدمرية )
للشيخ محمد بن صالح العثيمين
رجاء نفع طلبة العلم بها.
( ربِّ يسِّر وأعنْ )
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
1-بين المؤلف سبب تأليف هذه الرسالة بقوله: "أما بعد: فقد سألني من تعينت إجابتهم أن أكتب لهم مضمون ما سمعوه مني في بعض المجالس من الكلام في التوحيد والصفات، وفي الشرع والقدر".

2-الكلام في التوحيد والصفات من باب الخبر: الدائر بين النفي والإثبات من قبل المتكلم، المقابل بالتصديق أو التكذيب من قبل المخاطب.

3-الكلام في الشرع والقدر فهو من باب الطلب: الدائر بين الأمر والنهي من قبل المتكلم، المقابل بالطاعة أو المعصية من قبل المخاطب.


4-الجمع بين النفي والإثبات في باب الصفات هو حقيقة التوحيد فيه؛ وذلك لأن التوحيد مصدر "وحد/ يوحد" ولا يمكن صدق حقيقته إلا بنفي وإثبات، لأن الاقتصار على النفي المحض تعطيل محض. والاقتصار على الإثبات المحض لا يمنع المشاركة.

5-واعلم أن الصفات الثبوتية التي وصف الله بها نفسه كلها صفات كمال، والغالب فيها التفصيل، لأنه كلما كثر الإخبار عنها وتنوعت دلالتها ؛ ظهر من كمال الموصوف بها ما لم يكن معلوماً من قبل؛ ولهذا كانت الصفات الثبوتية التي أخبر الله بها عن نفسه أكثر من الصفات المنفية التي نفاها الله عن نفسه.


6-الصفات المنفية التي نفاها الله عن نفسه فكلها صفات نقص ولا تليق به كالعجز، والتعب، والظلم، ومماثلة المخلوقين، والغالب فيها الإجمال؛ لأن ذلك أبلغ في تعظيم الموصوف وأكمل في التنزيه. فإن تفصيلها لغير سبب يقتضيه فيه سخرية وتنقص للموصوف.

7-من المعلوم بالعقل أن المعاني والأوصاف تتقيد وتتميز بحسب ما تضاف إليه، فكما أن الأشياء مختلفة في ذواتها فإنها كذلك مختلفة في صفاتها وفي المعاني المضافة إليها، فإن صفة كل موصوف تناسبه لا يفهم منها ما يقصر عن موصوفها أو يتجاوزه.


8-الزائغون عن سبيل الرسل وأتباعهم في أسماء الله وصفاته قسمان: ممثلة، ومعطلة، وكل منهم غلا في جانب، وقصر في جانب. فالممثلة غلوا في جانب الإثبات، وقصروا في جانب النفي. والمعطلة غلوا في جانب النفي. وقصروا في جانب الإثبات، فخرج كل منهم عن الاعتدال في الجانبين.


9-الاشتراك في الاسم والصفة في المخلوقات لا يستلزم التماثل في الحقيقة مع كون كل منها مخلوقاً ممكناً، فانتفاء التلازم في ذلك بين الخالق والمخلوق أولى وأجلى، بل التماثل في ذلك بين الخالق والمخلوق ممتنع غاية الامتناع.


10-القول بالمماثلة بين الخالق والمخلوق يستلزم نقص الخالق سبحانه؛ لأن تمثيل الكامل بالناقص يجعله ناقصاً.

11- القول بمماثلة الخالق للمخلوق يقتضي بطلان العبودية الحق؛ لأنه لا يخضع عاقل لأحد ويذل له على وجه التعظيم المطلق إلا أن يكون أعلى منه.


12- العقل لا يمكنه أن يدرك بالتفصيل ما يجب ويجوز ويمتنع في حق الله تعالى؛ فيكون تحكيم العقل في ذلك مخالفاً للعقل.


13- التفريق بين إثبات الأسماء ونفي الصفات تناقض فإما أن يثبتوا الجميع فيوافقوا السلف، وإما أن ينفوا الجميع فيوافقوا غلاة الجهمية والباطنية، وإما أن يفرقوا فيقعوا في التناقض.(بتصرف يسير)


14- أن الله تعالى وصف أسماءه بأنها حسنى، وأمرنا بدعائه بها فقال سبحانه وتعالي: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [لأعراف: 180]. وهذا يقتضي أن تكون دالة على معاني عظيمة تكون وسيلة لنا في دعائنا، ولا يصح خلوها عنها ولو كانت أعلاماً محضة لكانت غير دالة على معنى سوى تعيين المسمى، فضلاً عن أن تكون حسن ووسيلة في الدعاء.


15 {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [الحشر: 23]؟ فلو كانت الأسماء مترادفة ترادفاً محضاً لكان ذكرها مجتمعة لغواً من القول لعدم الفائدة.


16-قولهم: "لا يوجد شيء متصف بالصفات إلا جسم": ممنوع؛ فإننا نجد من الأشياء ما يصح أن يوصف وليس بجسم، فإنه يقال: ليل طويل، ونهار قصير، وبرد شديد، وحر خفيف... ونحو ذلك، وليست هذه أجساماً ؛على أن إضافة لفظ الجسم إلى الله تعالى إثباتاً أو نفياً من الطرق البدعية التي يتوصل بها أهل التعطيل إلى نفي الصفات التي أثبتها الله لنفسه.


17-"إن الصفة عين الموصوف، وإن كل صفة عين الصفة الأخرى" مكابرة في المعقولات، سفسطة في البدهيات، فإن من المعلوم بضرورة العقل والحس أن الصفة غير الموصوف، وأن كل صفة غير الصفة الأخرى، فالعلم غير العالم، والقدرة غير القادر، والكلام غير المتكلم، كما أن العلم والقدرة والكلام صفات متغايرة.


18- عُلم بضرورة العقل والحس أن الموجود الممكن لابد له من موجد واجب الوجود، فإننا نعلم حدوث المحدثات ونشاهدها، ولا يمكن أن تحدث بدون محدث، ولا أن تحدث نفسها بنفسها لقوله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35]. فتعين أن يكون لها خالق واجب الوجود وهو الله تعالى.
ففي الوجود إذن موجودان
أحدهما: أزلي واجب الوجود نفسه.
الثاني: محدث ممكن الوجود، موجود بغيره.
ولا يلزم من اتفاقهما في مسمى الوجود أن يتفقا في خصائصه، فإن وجود الواجب يخصه، ووجود المحدث يخصه:
وجود الخالق: واجب أزلي ممتنع الحدوث، أبدي ممتنع الزوال.
ووجود المخلوق: ممكن حادث بعد العدم قابل للزوال.
فمن لم يثبت ما بينهما من الاتفاق والافتراق =لزمه أن تكون الموجودات كلها إما أزلية واجبة الوجود بنفسها أو محدثة ممكنة الوجود بغيرها ، وكلاهما معلوم الفساد بالاضطرار.

19- يقال لمن يثبت بعض الصفات دون بعض: القول في بعض الصفات كالقول في بعض.
أي: أن من أثبت شيئاً مما أثبته الله لنفسه من الصفات ألزم بإثبات الباقي، ومن نفى شيئاً منه ألزم بنفي ما أثبته وإلا كان متناقضاً.

20-يقال لمن يقر بذات الله تعالى ويمثل في صفاته أو ينفيها: القول في الصفات كالقول في الذات.
يعني أن من أثبت لله تعالى ذاتاً لا تماثل ذوات المخلوقين لزمه أن يثبت له صفات لا تماثل صفات المخلوقين، لأن القول في الصفات كالقول في الذات
وهذا الأصل يخاطب به أهل التمثيل، وأهل التعطيل من المعتزلة ونحوهم.

21-العلم بكيفية الصفة فرع عن العلم بكيفية الموصوف وهو الذات، فإذا كنا لا نعلم كيفية ذات الله، فكذلك لا نعلم كيفية صفاته.

22-" قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء"
فإذا كانت هذه الأسماء دالة على مسمياتها حقيقة، وكان اتفاقها مع ما في الدنيا من الأسماء لا يستلزم اتفاق المسميات في الحقيقة، بل بينهما من التباين ما لا يعلمه إلا الله، فإن مباينة الخالق للمخلوق أعظم وأظهر من مباينة المخلوق للمخلوق؛ لأن التباين بين المخلوقات تباين بين مخلوق ومخلوق مثله، فإذا ظهر التباين بينها كان بينها وبين الخالق أظهر وأولى.

23- ومنهم طوائف من أهل الفلسفة وصفوها(الروح) بأمور لا يتصف بها إلا ممتنع الوجود، فقالوا: لا هي داخل البدن ولا خارجه، ولا مداخلة له ولا مباينة، ولا متحركة ولا ساكنة، ولا تصعد ولا تهبط، ولا هي جسم ولا عرض. وقد يقولون إنها لا داخل العالم ولا خارجه، ولا مباينة له ولا مداخلة، كما يصفون بذلك الخالق الواجب الوجود.
- فإذا قيل لهم: إثبات هذا القول ممتنع في العقل ضرورة.
قالوا: هذا ممكن، بدليل أن الكليات ممكنة موجودة وهي غير مشار إليها. وقد غفلوا عن كون الكليات لا توجد كلية إلا في الأذهان لا في الأعيان، فإن الذهن يفرض أشياء في الخيال لا يمكن وجودها في الخارج، كأن يتخيل ارتفاع النقيضين أو اجتماعهما مع أن هذا ممتنع.

24-فإذا كانت الروح حقيقة، واتصافها بما وصفت به في الكتاب والسنة حقيقة، مع أنها لا تماثل الأجسام المشهودة، كان اتصاف الخالق بما يستحقه من صفات الكمال مع مباينته للمخلوقات من باب أولى، وكان عجز أهل العقول عن أن يحدوا الله أو يكيفوه أبين من عجزهم عن حد الروح وتكييفها.
وإذا كان من نفى صفات الروح جاحداً معطلاً، ومن مثلها بما يشاهد من المخلوقات جاهلاً بها ممثلاً، فالخالق سبحانه أولى أن يكون من نفى صفاته جاحداً معطلاً، ومن قاسه بخلقه جاهلاً به ممثلاً.


25-القاعدة الأولى: في أن الله تعالى موصوف بالنفي والإثبات
يعني أن الله تعالى جمع فيما وصف به نفسه بين النفي والإثبات؛ كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11].
وإنما جمع الله تعالى لنفسه بين النفي والإثبات؛ لأنه لا يتم كمال الموصوف إلا بنفي صفات النقص، وإثبات صفات الكمال.


26-النفي المحض عدم محض، والعدم المحض ليس بشيء، وما ليس بشيء فكيف يكون مدحاً وكمالاً؟!


27- وبهذا علم أن الذين لا يصفون الله تعالى إلا بالنفي المحض =لم يثبتوا في الحقيقة إلهاً محموداً بل ولا موجوداً؛ كقولهم في الله عز وجل: إنه ليس بداخل العالم، ولا خارجه، ولا مباين، ولا محايث (1), ولا فوق، ولا تحت، ولا متصل، ولا منفصل... ونحو ذلك.
ولهذا قال محمود بن سبكتكين لمن أدعى ذلك في الخالق جل وعلا
"ميز لنا بين هذا الرب الذي تثبته وبين المعدوم"!
ولقد صدق -رحمه الله -فإنه لن يوصف المعدوم بوصف أبلغ من هذا الوصف الذي وصفوا به الخالق جل وعلا.

(1)- المحايث : المداخل.