المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لذهبي وللمازري كلام على الإحياء يدل على تبحره وتحقيقه



أهــل الحـديث
30-09-2013, 03:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الحمد لله أما بعد : مما استحسنته وأعجبني سياقه وتحقيقه كلام لأبي عبد الله المازري المالكي
على كتاب عمت به البلوى وتعلق به أهل التصوف تعلقا عجيبا وهو كتاب الإحياء للغزالي
فهاكموه مع التنبه إلى أشعرية المازري رحمه الله وليت هذاالنص ينقل لمواقع الصوفية الأشعرية لعل الله أن يهدي به متعصبا للغزالي وقد صادفت أناسا من المتزهدة جل اعتمادهم على الغزالي في الزهد والتصوف مع أن الرجل قد رجع إلى مذهب أهل الحديث رحمه الله
وقبل ذلك فائدة في ضبط اسم الغزالي وهو بتشديد الزاي نسبة إلى الغزل
قال في تاريخ الاسلام : وقولهم: الغزّاليّ، والعطّاريّ، والخبّازيّ، نسبة إلى الصَّنائع بلغة العجم، وإنّما ينبغي أن يقال: الغزّال، والعطّار، ونحوه انتهى
قال الشيخ المؤرخ شمس الدين الذهبي في تاريخه :
وللإمام أَبِي عَبْد الله محمد بْن عليّ المازريّ الصَّقَلّيّ كلام عَلَى "الإحياء" يدلّ عَلَى تبحُّره وتحقيقه، يَقُولُ فيه: وبعد فقد تكرّرتْ مكاتبتُكُم في استعلام مذهبنا في الكتاب المترجَم "بإحياء علوم الدّين"، وذكرتم أنّ آراء الناس فيه قد اختلفت، فطائفة انتصرت وتعصّبت لإشهاره، وطائفة منه حذرت وعنه نفرت، وطائفة لعنته أظهرت، وكُتُبه حرّقت، ولم تنفردوا أهل المغرب باستعلام ما عندي، بل كاتبني أهل المشرق بمثل ذلك، فوجب عندي إبانة الحق، ولم يتقدم لي قراءة هذا الكتاب سوى نُبَذٍ منه، فإن نَفَّس الله في العُمر، مَدَدْتُ في هذا الكتاب الأنفاس، وأزلت عن القلوب الالتباس، واعلموا أنّ هذا الرجل، وإن لم أكن قرأت كتابه، فقد رَأَيْت تلامذته وأصحابه، فكلٌ منهم يحكي لي نوعًا مِن حاله وطريقته، استلْوح منها مِن مذاهبه وسيرته، ما قام لي مقام العِيان، فأنا أقتصر في هذا الإملاء عَلَى ذِكر حال الرجل، وحال كتابه، وذِكر جُمِل مِن مذاهب الموحّدين، والفلاسفة، والمتصوّفة وأصحاب الإشارات، فإنّ كتابه متردّد بين هذه الطّرائق الثّلاث، لَا تعدوها، ثمّ أُتْبع ذَلِكَ بذِكر حيَل أهل مذهبٍ عَلَى أهل مذهب آخر، ثُمَّ أبين عن طرق الغرور، وأكشف عما دفن من خيال الباطل، ليُحذَر مِن الوقوع في حبال صائده.
ثمّ أثنى المازَريّ عَلَى أَبِي حامد في الفقه، وقال: هُوَ بالفقه أعرف منه بأُصُوله، وأمّا عِلم الكلام الَّذِي هُوَ أُصول الدّين، فإنّه صنَّف فيه أيضًا، وُلّيس بالمستبحر فيها، ولقد فطنت لسبب عدم استبحاره فيها، وذلك أنه قرأ علوم الفلسفة قبل استبحاره في فنّ الأصول، فكسبته قراءةُ الفلسفة جُرأةً عَلَى المعاني، وتسهُّلًا للهجوم عَلَى الحقائق، لأنّ الفلاسفة تمرّ مَعَ خواطرها، وليس لها حكم شرع يزعها، ولا تخاف من مخالفة أئمة تتبعها، وعرّفني بعض أصحابه أنّه كَانَ لَهُ عُكُوف على رسائل إخوان الصفا، وهي إحدى وخمسون رسالة، ومصنفها فيلسوف قد خاض في علم الشرع والنقل، فمزج ما بين العِلْمَيْن، وذكر الفلسفة، وحسّنها في قلوب أهل الشرع بآيات يتلوها عندها، وأحاديث يذكرها.
ثمّ كَانَ في هذا الزّمان المتأخّر رجلٌ مِن الفلاسفة يُعرف بابن سينا، ملأ الدُّنيا تواليف في علوم الفلسفة، وهو فيها إمامٌ كبير، وقد أدّاه قُوتُه في الفلسفة إلى أن حاول ردّ أُصول العقائد إلى علم الفلسفة، وتلطّف جَهْدَه حَتَّى تم لَهُ ما لم يتم لغيره، وقد رَأَيْت جملا من دواوينه، ووجدت هَذَا الغَزَالِي يعوّل عليه في أكثر ما يشير إِليْهِ مِن علوم الفلسفة.
إلى أن قَالَ: وأمّا مذاهب الصُّوفيّة، فلست أدري عَلَى مِن عوَّل فيها، لكني رَأَيْت فيما علّق عَنْهُ بعضُ أصحابه، أنّه ذكر كُتُب ابن سينا وما فيها، وذكر بعد ذَلِكَ كُتُب أَبِي حَيّان التّوحيديّ، وعندي أنّه عَليْهِ عوّل في مذاهب الصُّوفيّة، وقد أُعْلِمتُ أنّ أبا حَيّان ألّف ديوانًا عظيمًا في هذا الفنّ، ولم يُنقل إلينا شيءٌ منه.
ثمّ ذكر المازَرِيّ تَوَهُّنَه أكثر ما في "الإحياء" مِن الأحاديث، وقال: عادة المتورّعين أن لَا يقولوا: قَالَ مالك، قَالَ الشّافعيّ، فيما لم يثبُت عندهم، وفي كتابه مذاهب وآراء في العمليّات هِيَ خارجة عَنْ مذاهب الأئمّة، واستحسانات عليها طلاوة، لَا تستأهل أن يُفتى بها، وإذا تأمّلتَ الكتابَ وجدتَ فيه مِن الأحاديث والفَتْوى ما قلته، فَيَستحسن أشياء مبناها عَلَى ما لَا حقيقة لَهُ، مثل قصّ الأظْفار أن تبدأ بالسَّبّابة، لأنّ لها الفضل عَلَى بقيّة الأصابع، لأنها المُسَبّحة، ثمّ تقص ما يليها مِن الوسطى، لأنّها ناحية اليمين، وتختم بإبهام اليمنى، وذَكَر في ذَلِكَ أثرًا.
وقال: مِن مات بعد بلوغه ولم يعلم أنّ البارئ قديم، مات مسلمًا إجماعًا، ومن تَساهلَ في حكاية الإجماع في مثل هذا الَّذِي الأقرب أن يكون فيه الإجماع يعكس ما قال، فحقيق أن لا يوثق بما نقل.
وقد رَأَيْت لَهُ في الجزء الأوّل أنّه ذكر أنّ في علومه هذه ما لَا يسوغ أن تُودَع في كتاب، فليت شِعْري، أحقٌ هُوَ أو باطل؟ فإنْ كَانَ باطلًا فصَدق، وإن كَانَ حقًا، وهو مُرادُه بلا شكّ، فلِمَ لَا يودَع في الكُتُب، أَلغُمَوضه ودِقّته؟ فإن كَانَ هُوَ فَهْمُه، فما المانع من أن يفهمه غيره؟!