المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التنبهات الفرنسية على الفتاوى الحازمية



أهــل الحـديث
29-09-2013, 11:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم ؛


إن الحمد لله؛ نحمده و نستعينه و نستغفره، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، و من يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمداً عبده و رسوله: أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، و أحسن الهدي هدي محمّد ، و شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، و كل بدعة ضلالة، و كل ضلالة في النار.


حيا الله الجميع و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.


و بعد ؛ فلقد تأسفت كثيراً و أنا أسمع و أتابع كعادتي فوائد و درر الشيخ الأصولي أحمد بن عمر الحازمي -وفقه الله و سدد خطاه و بارك الله فيه و في علمه - سلسلة محاضرات له أسماها »الأدلة والبراهين القطعية على بطلان الفتوى التونسية« يرد فيها على فتوى تنسب للشيخ الحافظ سليمان بن ناصر العلوانحفظه الله و سدد خطاه.


و إليك نص هذه الفتوى المنسوبة للشيخ علوان حفظه الله : »قال السائل : سألت شيخنا العلامة سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله منذ قليل على الهاتف حول مسألة العذر بالجهل ورأيه في من يقول أن من يعذر بالجهل في الشرك الأكبر لا يسمى مسلما ؟فأجابني بالنص :"من يقول أن من يعذر بالجهل في الشرك الأكبر ليس بمسلم هذا من أهل الجهل والضلال ولا يسمى عالما بل ولا طالب علم وهذا القول هو قول الخوارج والمعتزلة , نعم لو قال أن من يعذر فقد غلط فهذا لا شىء فيه ومازال أهل العلم مختلفون في هذه المسألة ولم يبدع بعضهم بعضا فضلا عن التكفير فهذا القول لا أصل له " « انتهى.


قلت: و لا يضر إن صحت هذه الفتوى أو لم تصح لأن هذا هو مذهب الشيخ قال على سبيل المثال في كتابه المسمى بـــــ : »التبيان شرح نواقض الإسلام «ضمن شرحه لقاعدة من لم يكفر المشركين أو شك في كفره أو صحح مذهبهم : : » ولا يحكم بإسلام المرء حتى يُكَفِّرَ المشركين، فإن توقّف في ذلك مع ظهور الأمر فيهم، أو شك في كفرهم مع تبينه؛ فهو مثلهم«.


فقاعدة من لم يكفر الكافر خاضعة كغريها من المسائل لموانع و شروطٍ في التكفير و أن الشبهة و التأويل و الخطأ معتبر في حق من شك أو لم يكفر المشرك ممن تلبس بناقض من نواقض الإسلام ؛ مثل الخلط في الأدلة و جعل نتيجة هذا الخلط مانع من موانع التكفير في هذا المشرك.

و لم يخالف في هذه التأصيل و التقعيد إلا بعض الجمعات التي جعلت التكفير شرط في صحت الإيمان و أدرجوا هذه القاعدة في الكفر بالطاغوت فمن لم يكفر المشرك عندهم فهو كافر و لوْ لشبهة أو خطأ أو خلط دليل بدليل آخر ؛ و جعلوا من يعذر في الشرك الأكبر بالجهل كافر لأنه لم يحقق التوحيد " زعموا ".


و هؤلاء هم جامعات أبرزهم على السّاحة هم جماعة أبو ضياء القدسي الأردني و جماعة أبي مريم المخلف الكويتي و جماعة عبد الرحمن شاكر نعم الله المصري و لهم بعض الشَبَهِ في أصول معتقداتهم مع جماعة " التكفير و الهجرة " و لكن مع بعض الإختلفات بينهم في بعض المسآئل؛ و من مناهج هؤلاء الجماعات أنهم يكفرون بعضهم بعضاً إذا اختلفوا في مسألة كمسألة تبعية الديار و تبعية أولاد المشركين و غريها من المسائل.


مذهب الشيخ الحازمي في هذا الأمر:
- فالشيخ يرى أن من لم يكفر المشرك أو الطاغوت عموماً فهو كافر مرتد و يستثنى من هذا التكفير إلا من جهل حال هذا المشرك بمعنى أنه لا يدري أن فلان يشرك بالله فإذا علم و لم يكفره فهو مشرك مثله ؛ قال حفظه الله ضمن هذه السلسلة : » من يعذر بالشرك الأكبر من يعذر من وقع في الشرك الأكبر لا يسمى مسلما وإذا لم يسم مسلما يسمى كافرا يعني تكفير العاذر فعندنا تكفيران تكفير من وقع في الشرك الأكبر وتكفير من لم يكفر هؤلاء المشركين حينئذ كل منهما كافر وكل منهما قام الإجماع على تكفيره « انتهى ] الشريط الأول من السلسلة [.


- و الشيخ يرى أن تكفير المشرك داخل في الكفر بالطاغوت بمعنى أن ترك التكفير لشبهة أو لتأويل فهو مرتد لم يحقق الكفر بالطاغوت يقول حفظه الله : »و الكفر بالطاغوت لا بد من ترك الشرك و لا بد من تكفير المشركين و يدخل هذان الأمران في الكفر بالطاغوت حنئذ من لم يكفر بالطاغوت لا يكون مؤمناً و من لم يترك الشرك لا يكون كافرا بالطاغوت و من لم يكفر المشركين لا يكون كافرا بالطاغوت هذه مسآئل مرطبتة بعضها ببعض « انتهى ]الشريط الثاني من السلسلة [.


و يقول […] » و لا يبقى حنئذ إلا منازعة و مدافعة هوى فقط و أما من حيث الأدلة هذا أمر واضح إذا فهمت حقيقة الإسلام حينئذٍ عرفت هؤلاء المشركين و أنهم كفار بالإجماع و حقيقة من أثبت لهم الإسلام و لو عذرهم بالجهل بأنه كافر كذلك و ملحق بهم إذن لا فرق بين هذا و ذاك« أنتهــــ ]الشريط الثاني من السلسلة [.


- و الشيخ يرى أن من قال : " أن القول بخارجية من كفر مَن لم يكفر المشرك " أن هذا القول كفرٌ و ردة و أنّ هذا الكلام لا يقوله مسلم يقول وفقه الله :[…] » الأمر الثاني يتعلق في من يتوقف في كفرهؤلاء المشركين يعني ]" أو " غير واضح[ بكونهم مشركين بل يحكم بكونهم مسلمين حينئذٍ ما حكمه ؟
حكمه أنه ملحق بالمشركين بمعنى أنه يعتبر كافرا مرتدا عن الإسلام و لذلك محط أو بحث درسنا اليوم في ما يتعلق بجوهر هذه الفتوى لأنه متعلقة بالعاذر و أنه من كفره حينئذٍ يكون على مذهب الخوارج و المعتزلة و هذا لا شك أنه قول باطل لا يصدر عن مسلم أصلا من اعتقد هذا أن هذا مذهب الخوارج هذه ردة عن الإسلام باتفاق من زعم أن تكفيرالعاذر هو مذهب الخوارج و المعتزلة و أنه باطلا لا أصل له هذا لا يقوله إلا مرتد عن الإسلام« .

و هذا قول عظيم و لست أدري إن كان الشيخ يعلم أن هذه الفتوى منسوبة للشيخ العلوان أم لا ؟ فلوْ أخذنا ما قاله الشيخ بتمامه فيكون الشيخ سليمان العلوان حفظه الله كافر مرتد و يكون كل من قال أن تكفير من لم يكفر المشرك على إطلاقه دون مرعاة الموانع و الشروط في حق العاذر أو المتوقف أنه مذهب الخوارج الغلاة يصير حسب مذهب الشيخ كافر مشرك مرتد و لا حول و لا قوة إلا بالله.

و قد اعتمد الشيخ في إدخال " التكفير " ضمن الكفر بالطاغوت و جعله أصلا لا يقوم الإسلام إلا به على بعض الأدلة و الأصول و هي :
ـ أن الشرك الأكبر أمر مجمع عليه فمن لم يكفر المشرك الجاهل يلحق به نظرا لهذا الإجماع.
ـ أنّ أصل دين الإسلام يكون بترك الشرك و تكفير من أشرك و إلا ما حقق أصل الدين.
ـ أنّ تكفير المشرك أمر معلوم بالاضطرار.
ـ أنّ تكفير المشرك ملة إبراهيم و الرسل أجمعين.

هذه عموما بعض الأدلة و الأصول التي اعتمد عليها الشيخ في سلسلة رده على الفتوى المنسوبة للشيخ العلوان و سأقوم بالتعقيب على هذه النقاط التي أرى قد جانب الشيخ فيها الصواب ؛ و الغرظ من هذه المشاركة هو مجرد إسهاب مختصر لما أراه مجانبا للحق و ليس الغرظ من هذه المشاركة الدخول في التفاصيل و الرد على كل شبهة وإلا لطال بنا الوقت ...




] كون العاذر قد خالف أمراً مجمعاً عليه [

الإجماع خاضع للنص ؛ وكما أن النص قد يقع فيه التأويل و قد يجهل أو يخطأ الإنسان في فهمه الفهم الصحيح فكذلك الإجماع ؛ لأن الإجماع مبني على النص فقد يؤوَّل أو يجهل كما أن النص يؤوَّل و يجهل.

قال شيخ الإسلام : » وَالتَّحْقِيقُ : أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمَعْلُومَ يَكْفُرُ مُخَالِفُهُ كَمَا يَكْفُرُ مُخَالِفُ النَّصِّ بِتَرْكِهِ لَكِنَّ هَذَا لَا يَكُونُ إلَّا فِيمَا عَلِمَ ثُبُوتَ النَّصِّ بِهِ . وَأَمَّا الْعِلْمُ بِثُبُوتِ الْإِجْمَاعِ فِي مَسْأَلَةٍ لَا نَصَّ فِيهَا فَهَذَا لَا يَقَعُ وَأَمَّا غَيْرُ الْمَعْلُومِ فَيَمْتَنِعُ تَكْفِيرُهُ وَحِينَئِذٍ فَالْإِجْمَاعُ مَعَ النَّصِّ دَلِيلَانِ كَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ « انتهى [الفتاوى 19/268].

و لا يجود نص صريح قطعي الدلالة يقول بكفر من لم يكفر الكافر فلا وجه حينئذٍ لتكفير من أحجم عن تكفير المشرك الجاهل لشبهة أو لتأويل عرضت له ما دام أنه في الجملة مؤمن بحرمة الشرك و تركه و هو تارك للشرك محقق للتوحيد فلا وجه لتكفيره حينئذٍ.

فحرمة الشرك و كفر فاعله قائم على النص ؛ و النص لم يقل إلا بكفر و حرمة الوقوع في الشرك ؛ فمن تجنب الشرك و لم يقع فيه فقد حقق مراد النص حتى و لو تأول أو وقعت له شبهة أو خلط دليلا بدليل آخر فوصل به الحال على عدم تكفير من لم يحقق مراد هذا النص. فلا وجه حينئذٍ لتكفيره لأن النص في هذه الحالة غائب.

فلا يكون حينئذٍ كفر من لم يكفر الكافر إلا من جهة رد النصوص فقط و لا يكون هذا إلا في من كان كفره بيِّنا و الشآك في كفر المشرك لشبهة أو تأويل لم يرُد شيئاً من النصوص و إنما وقع الإشكال في الحكم على تارك التوحيد لا كونه رد نصا.

هذا من جانب ؛ أما من جانب آخر قلنا أن النص قد يؤول أو يجهل فكذلك الإجماع لأن الإجماع قائم على النص ؛ حينئذٍ يكون من قال بكفر من عذر المشرك الجاهل لأن المسألة قائمة على النص فيكون صاحب هذا القول قد وقع في التناقض لأنه يوجد كثير من المسائل المجمعة عليها التي خالف فيها أهل البدع و الضلال مثل القول بخلق القرآن و الإستوى على العرش و رؤية الله يوم القيامة و قد خالف كذلك بعض أهل العلم في مسألة تكفير تارك الصلاة.

فكما أن النصَّ قدْ نصَّ على كفر المشرك فكذلك الَصُّ قد نصَّ على رؤية الله يوم القيامة و على إستواء الله فوق عرشه و أن القرآن كلام الله و على كفر تارك الصلاة ؛ فمن عذر في جانب و كفّر في جانب آخر علماً أن جميع هذه المسائل مبنية على النص فقد وقع في التناقض حينئذٍ.

فإن قيل : المراد من قاعدة من لم يكفر الكافر هو الاختلاف في أصل الدين فقط و أهل العلم اختلفوا في ما دون ذلك لا في أصله ]حتى يخرجوا من هذا المأزق [.

فنقول حينئذ :

أولاً : كل كفر يقع من الإنسان فهو ناقض لأصل الدين فلا يوجد خمسين ألف منزلة إما مشرك و إما موحد فمن تحققت فيه الشروط و انتفت فيه الموانع فيكون حينئذٍ كفره ناقض لأصل دينه حتى و لو كانت هذه المسألة تعد من الكفريات لا الشركيات من حيث الوصف كترك الصلاة مثلاً فيكون حينئذٍ مشرك كافر.

ثانياً : الشرك ينقض شرط الإخلاص من كلمة لا إله إلا الله و ترك الصلاة ينقض شرط الإنقياد ؛ فكلا المسألتين ناقضتين لجانب من جوانب كلمة التوحيد فمن فرّق بينهما و جعل يكفّر من لم يكفّر من لم يحقق شرط الإخلاص و عذر من لم يكفّر من لم يحقق شرط الإنقياد فقد وقع في التناقض ، لأن كلا الشرطيْن من كلمة لا إله إلا الله.

ثالثاً : قد اعترض الشيخ و قال أن كفر تارك الصلاة أمر مجمع عليه و لكن اختلف فيه المتأخرين فيكون من لم يكفر تارك الصلاة ليس بكافر من أجل هذا الإختلاف قال ما نصه : » من الكفر ما هو مجمع عليه و من الكفر ما هو مختلف عليه ؛ صحيح أو لا ؟ تارك الصلاة مجمع عليه ؛ عند المتأخرين ماذا ؟ مختلف فيه . حينئذٍ لو رجح زيد من الناس أن تارك الصلاة كافر و رجح عمر أنه ليس بكافر ؛ حينئذٍ هل يصح لهذا يقول من لم يكفر تارك الصلاة فهو كافر ؟ هل يصح ؟ لا يصح بالإجماع؛ حينئذ هو في نفسه إذا ظهر له و تحقق أن زيداً من الناس لا يصل مطلقاً و هو رجح أن أو دل الدليل عنده أنه من لم يصل فهو كافر هو في نفسه إذا لم يكفره صار مكذبا للنص ؛ فيكون ماذا ؟ يكون كافراً. و لكن لا يتعد الحكم إلى غيره و لذلك هذه المسائل من لم يكفر المشركين فهو كافر من لم يكفر الكفار فهو كافر : هذه مسائل مجمع عليه ؛ معلمومة من الدين بالضرورة ؛ حينئذٍ ما لم يكن مجمع عليه ينظر في كل ناقض بحسبه و لا يتعد الحكم البتبة ؛ و لا يستلزم التسلسل في ذلك إلخ ... « انتهى.

مانع التكفير الذي ذكره الشيخ هنا في من لم يكفر تارك الصلاة هو : كون المتأخرين اختلفوا في هذه المسألة !

فالشيخ و كل من لم يعذر بالجهل يرى أن الشرك الأكبر كفر مجمع عليه عند السلف و الشيخ يرى كذلك صحة الإجماع المنقول من الصحابة و السلف على كفر تارك الصلاة علماً أنَّ كلا الإجماعين نقله لنا السلف.

إذاً صار عندنا كم من إجماع منقول من السلف ؟ أجماعان ، إجماع كفر تارك الصلاة و إجماع كفر تارك التوحيد.

فكيف يكون من خالف في إجماع كفر تارك الصلاة معذور و من خالف في إجماع تكفير تارك التوحيد كافرٌ مشركُ مرتدٌ ؟!

لماذا لم يكن " إختلاف المتأخرين " مانع في تكفير من لم يكفر المشرك الجاهل و يكون مانع في من لم يكفر تارك الصلاة ؟!

ثم هل المتأخرين حجة حتى صار إختلافهم أو إتفاقهم مانع من الموانع أو ناقض من النواقض ؟

لا حجة لأحد في مسائل التكفير إلا نص من النبي صلى الله عليه و سلم أو نص من القران الكريم على فهم الصحابة و السلف.

رابعاً : السلف لم يفرقوا في قاعدة من لم يكفر الكافر فأدرجوا فيها المكفرات و الشركيات ؛ و أول استعمال لهذه القاعدة كانت حول قضية خلق القرآن فنصوا على أن القائل بخلق القرآن كافر و من لم يكفره فهو كافرٌ مثله ؛ علماً أن القول بخلق القرآن كفر و ليس بشرك و علماً أن السلف و أهل العلم اختلفوا في كفر قائله و بعضهم عذر فيه بالجهل ؛ فمن فرّق في هذه القاعدة و جعلها تنطبق إلا في الشرك الأكبر دون سائر المكفرات حتى يستقيم مذهبه الباطل فهو مبتدع ضال و مخالف لمذهب السلف ؛ و لنا تفصيل حول هذه النقطة سنذكره في ما بعد إن شاء الله.




]كون تكفير المشرك من أصل الدين و هو معنى الكفر بالطاغوت]


أولاً : هذا ادّعاء من دون بيّنة و قد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم أن البيّنة على من ادّعى و جاء في القرآن أن الصادق في دعواه يأتي ببرهانه ؛ و مراد الشيخ في ذلك و من وافقه من الجماعات الغالية المكفّرة أنّ تارك تكفير المشرك الجاهل لشبهة أو لتأويل كافر لم يحقق أصل الدين ؛ و لا يعذر إلا جاهل الحال ]لا الحكم[ أو المكره.

علماً أنه لم ينقل أحد من السلف أو الخلف أن تكفير المشرك داخل في الكفر بالطاغوت أو أنه من أصل دين الإسلام ؛ أو أن الكفر بالطاغوت هو التكفير ؛ فالتكفير شيءٌ و الكفرُ بالشيءِ شيءٌ آخر... والكفر بالشيء هو الإنكار و الجحود لغةً ؛ و شرعاً يكون بالإعتقاد و القول و العمل ؛ أما التكفير فهو شرعا إيقاع حكم الكفر على المعين. فدونكم و كتب التفسير و كلام المفسرين الذين فسروا{ الكفر بالطاغوت} لا تجد مفسراً إلا و يفسر هذه الآية بترك الشرك و اجتنابه.

ثانباً : يقول الطبري على سبيل المثال و تفسيره من أقدم التفسيرات الموجودة : »فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذًا : فَمَنْ يَجْحَدُ رُبُوبِيَّةَ كُلِّ مَعْبُودٍ مِنْ دُونِ اللَّهِ ، فَيَكْفُرُ بِهِ «

و يقول ابن كثير و هو من المتأخرين : » وَقَوْلُهُ : {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِالْلَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } أَيْ : مَنْ خَلَعَ الْأَنْدَادَ وَالْأَوْثَانَ وَمَا يَدْعُو إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ مِنْ عِبَادَةِ كُلِّ مَا يُعْبَدُ مَنْ دُونِ اللَّهِ ، وَوَحَّدَ اللَّهَ فَعَبَدَهُ وَحْدَهُ وَشَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ { فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } أَيْ : فَقَدْ ثَبَتَ فِي أَمْرِهِ وَاسْتَقَامَ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمُثْلَى وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ «.

إذاً فـــ{ الكفر بالطاغوت} هو خلع الشرك لا التكفير ؛ هذا ما دلّ عليه النص لغةً و شرعاً و تفسيراً.

ثالثاً : لا يستقيم أن يكون الكفر هو التكفير لأنه يستلزم من ذلك فهم بعض الآيات على وجه غريب و عجيب كقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ } هل يعني هذا أنّ الكفر بالذكر هنا هو تكفير الذكر ؟ أو كقوله : { وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} هل يعني ذلك هنا أنّ الكفر بالله و رسوله هو تكفير الله و رسوله ؟


رابعاً : و إن قالوا بل { الكفر بالطاغوت} هو التكفير و بآقي الآيات التي وردت فيها كلمة {الكفر} ليست بمعنى التكفير ؛ قلنا لهم حينئذٍ هاتوا برهانكم على هذا التفريق و التخصيص من حديث نبوي أو آية أو قول واحد من الصحابة أو السلف أو التابعين يقول بهذا التخصيص ؛ و هيهات هيهات أن يجدوا ذلك.

و قد قلنا أنه لا يجود دليل واحد من الكتاب أو من السنة أو من سلف هذه الأمة على شرط التكفير في قبول التوحيد و أن المسألة خاضعة للنص كغيرها من المسائل فيكون حينئذٍ مناط التكفير في هذه القاعدة هو " رد " النصوص لا غير.

خامساً : يقول ابن تيمية - رحمه الله ‏‎‏:‏ »والإسلام هو أن يستسلم لله لا لغيره ، فيعبد الله ولا يشرك به شيئاً ، ويتوكل عليه وحده ‏، ويرجوه ويخافه وحده ، ‏ويحب الله المحبة التامة لا يحب مخلوقاً كحبه لله .. فمن استكبر ‏عن عبادة الله لم يكن مسلماً ، ومن عبد مع الله ‏غيره لم يكن مسلماً‎‏ «‏[ كتاب النبوات ص ‏‏127‏‎ ‎‏].

ويقول أيضاً : » فَإِنَّ أَهْلَ الْمِلَلِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الرُّسُلَ جَمِيعَهُمْ نُهُوا عَنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ ، وَكَفَّرُوا مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ ؛ وَأَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا حَتَّى يَتَبَرَّأَ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَكُلِّ مَعْبُودٍ سِوَى اللَّهِ «[مجموع الفتاوى : 2/128].

و يقول : » وَلِهَذَا كَانَ رَأْسُ الْإِسْلَامِ شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَهِيَ مُتَضَمِّنَةٌ عِبَادَةَ اللَّهِ وَحْدَهُ ، وَتَرْكَ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ الْعَامُّ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ الْأَوَّلِينَ والآخرين دِينًا سِوَاهُ ؛ كَمَا قَالَ - تَعَالَى - : {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ، وَقَالَ - تَعَالَى - : {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (*) إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} . وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ أَصْلَ الدِّينِ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْأُمُورُ الْبَاطِنَةُ مِنْ الْعُلُومِ وَالْأَعْمَالِ ، وَأَنَّ الْأَعْمَالَ الظَّاهِرَةَ لَا تَنْفَعُ بِدُونِهَا . كَمَا قَالَ النَّبِيُّ  فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَد فِي مُسْنَدِهِ : " الْإِسْلَامُ عَلَانِيَةٌ ، وَالْإِيمَانُ فِي الْقَلْبِ" » [مجموع الفتاوى : 10/15].

وقال:‏ » وَعِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ : هِيَ أَصْلُ الدِّينِ ، وَهُوَ التَّوْحِيدُ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ الرُّسُلَ ، وَأَنْزَلَ بِهِ الْكُتُبَ ، فَقَالَ تَعَالَى : {‏وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} « [مجموع الفتاوى : 3/397].

وقال:‏ » وَأَصْلُ الدِّينِ هُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ ، الَّذِي أَصْلُهُ الْحُبُّ وَالْإِنَابَةُ وَالْإِعْرَاضُ عَمَّا سِوَاهُ ، وَهُوَ الْفِطْرَةُ الَّتِي فَطَرَ عَلَيْهَا النَّاسَ ‏‏ « ‏[مجموع الفتاوى : 15/438].

فأصل الدين هو عبادة الله وحده دون الإشراك به في عبادته هذا هو القدر المطلوب حتى يصير به الإنسان مسلم هذا الذي دل عليه النصوض المستفيضة من الكتاب و السنة ؛ و لا دخل للتكفير فيه البتة.

أما إحتجاج الشيخ بقوله تعالى{ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُون}في أنها دالة على شرطية التكفير فنقول:

مَن مِن المفسرين قال بهاذا ؟ و مَن مِن السلف قال بهاذا القول ؟ هل عندكم إمام واحد معتبر من القرون الثلاثة الأولى المفضلة قال بهذا القول ؟

أما قوله صلى الله عليه و سلم : " فَإِنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ " فهوعليكم لا لكم ؛ لأن النبي أوصى الصحابة بقراءتها قبل النوم لتبرئهم من الردة ؛ فيكون " الكفر " داخلٌ في الشرك المذكور في الحديث لأنه لا معنى أن يوصيهم بقراءتها خوفا من الشرك دون الكفر !

علما أن الشرك قد يطلق و يراد منه الكفر كقوله تعالى { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} فالشرك المذكور هنا هو الشرك و الكفر معاً لأنه لا معنى أن لا يغفر الله إلا الشرك دون الكفر !

فنلزمكم بنص هذا الحديث الذي جعلتموه دليلاً على شرطية التكفير حتى يصح التوحيد أن تدخلوا جميع الكفريات في قاعدة من لم يكفر الكافر و تكفروا كل من لم يكفر تارك الصلاة و تكفروا كل من لم يكفر من قال بخلق القرآن و غير ذلك من الكفريات و إن أبيتم فقد تناقضتم و لا زلنا نلزمكم !

و قد نص الحافظ بن كثير أنّ الكفر في قوله {قل يا أيها الكافرون} أنها جامعة و شاملة لجميع أصناف الكفار أي جميع الكفريات و الشركيات التي تجعل الإنسان يوصف كونه كافراً ، قال الحافظ بن كثير : » فَقَوْلُهُ : { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } شَمِلَ كُلَّ كَافِرٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ، وَلَكِنَّ الْمُوَاجَهِينَ بِهَذَا الْخِطَابِ هُمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ «.

فلفظ " الكافرون " يشمل كل من نقض أصل دينه و يدخل في ذلك المشرك و من ترك الصلاة و من قال بخلق القرآن و من جحد إستواء الله و كل كافر و مشرك و مرتد؛ فمن جوّز إعمال الشروط و الموانع في من لم يكفر الواقع في الكفردون الواقع في الشرك فقد وقع في التناقض و ما زلنا نلزمهم بتكفير كل من لم يكفر جميع أصناف الكفار.

أما إحتجاج الشيخ بقوله تعالى { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}كونها دالة على شرطية التكفير فنقول :

كون ما جاء به إبراهيم عليه السلام و جميع الأنبياء أسوة حسنة لا يعني أن جميع تلك الأُسَى أصلٌ في الكفر بالطاغوت.

و على فرض صحة ما ذهبتم إليه ؛ فالنص لا يستقيم البتة لوْ أوَّلناه على فهمكم ، لأن الله أخبر أن الكفّ عن العدواة و البغضاء و البراءة منه يكون {حتى} يحقق هذا الذي أصيب بالعدواة و البغضاء و البراءة من قبل الآخرين الإيمان بالله وحده ؛ فإن كان معنى {كفرنا بكم} أي كفّرناكم لماذا جعل الله عز و جل مجرد قبوله لوحدنية الله كافية لرفع البغض و العداوة و البراءة عنه ؟

فإن كان معنى{كفرنا بكم} أي كفّرناكم كونها شرط في صحة الإيمان لكان لا يكفي مجرد الإيمان بوحدنية الله أي ترك الشرك و لكان التكفير مع إيمانه بالله شرط في صحة توحيده و لكان الله بيّنه!

ثم يقال : حتى لو فرضنا جدلاً أن هذه الآية دالة على التكفير فيكون هذا التكفير من حيث الأسوة و التأسي بالأنبياء لا كونه شرط لأن عاذر المشرك الجاهل محقق للإيمان بالله وحده أي تارك للشرك و أن الإشكال الواقع مع العاذر هو في عذره للمشرك لا كونه هو في نفسه مشرك ؛ فيكون حينئذٍ لا وجه للإستدلال بهاذه الآية لأنه لا تنطبق عليه و إنما هي مخاطبة للمشرك الواقع في الشرك لا من تعذّر له ؛ فتنبه لهاذا يرعاك الله.

و ما المراد من قوله تعالى { حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} ما المقصود من هذا الإيمان و ما تفسيره ؟

فقد فسره النبي صلى الله عليه و سلم كما في الحديث بإتيان التوحيد و بعص أعمال الجوارح فقال : »آمركم بالإيمان بالله، أتدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيموا الصلاة، وتؤتوا الزكاة، وتؤدوا خمس المغنم « بخاري و مسلم.

تأمل كيف فسّر النبي صلى الله عليه و سلم الإيمان بالله بأنه شهادة التوحيد و شهادة الرسالة و بعض أعمال الجوارح ؛ أين التكفير كونه شرط في صحة التوحيد ؟

فيكون حينئذٍ{كفرنا بكم}له منعى آخر حتى يستقيم النص و هو بمعنى : الكفر بما يعبد من دون الله و ترك الشرك و خلعه كما فسره المفسرون و إليكم جانب من أقوال أئمة التفسير حول هذه الآية :

قال الطبري : » وَقَوْلُهُ : ( كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ أَنْبِيَائِهِ لِقَوْمِهِمُ الْكَفَرَةِ : كَفَرْنَا بِكُمْ ، أَنْكَرْنَا مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَجَحَدْنَا عِبَادَتَكُمْ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْ تَكُونَ حَقًّا « .

و قال القرطبي : » " كَفَرْنَا بِكُمْ " أَيْ بِمَا آمَنْتُمْ بِهِ مِنَ الْأَوْثَانِ . وَقِيلَ : أَيْ بِأَفْعَالِكُمْ وَكَذَبْنَاهَا وَأَنْكَرْنَا أَنْ تَكُونُوا عَلَى حَقٍّ «

و قال بن كثير : » ( وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ ) أَيْ: بِدِينِكُمْ وَطَرِيقِكُمْ « .

و قال البغوي : » ( وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ ) جَحَدْنَا وَأَنْكَرْنَا دِينَكُمْ « .

و بهذا النحو فسره أغلب المفسرين ؛ فدونكم و كتب أهل التفسير و كتب التوحيد التي صنفها السلف هل واحد منهم ذكر أن معنى كفرنا بكم أنه بمعنى التكفير أو أنه شرط في صحة التوحيد ؟ لن تجدوا قول واحد يذكر ما ذهبتم إليه و بالله التوفيق.

و أخيراً نقول أن في الآية أشياء لا تصلح أن تكون من أصل الدين كإظهار العدواة و البغضاء فإن أصلها و محلها في القلب و عدم إظهارها لا يستلزم التكفير و لا أظن الشيخ يخالف في ذلك ، فكيف جعل الشيخ قوله تعالى {كفرنا بكم} دليلاً على شرطية التكفير ، و ترك الباقي دون أن يجعل الكل ركن من أركان التوحيد الذي لا يقبل من المرء إلا به ؟ لأن الكل أي إظهار العداوة و البغضاء و البراءة ذكر ضمن هذه الآية فلا يستقيم أن يكون كفرنا بكم شرط في صحة الإيمان دون الباقي !

إذاً هذه الآية لا تصلح وحدها أن نميز من خلالها أركان التوحيد من موجباته فلا بد من دليل إضافي خارجي عن هذه الآية يبين أن تكفير المشرك من شرط التوحيد.



] كون تكفير المشرك أمر معلوم بالإضطرار من دين المسلمين [


و قد أكثر الشيخ حفظه الله في سلسلته القول بأن تكفير المشرك أمر معلوم من الدين بالضرورة فلا عذر حينئذٍ لأحد إذا شك أو توقف في تكفير المشرك و أنه كافر مشرك ملحق بالمشرك و مثله.

فنقول : بما أنّ الشيخ يكفر العاذر لأنه خالف أمراً معلوماً من الدين بالضرورة ، هلّا كفّر الشيخ من لم يكفر من قال بعدم استواء الله فوق عرشه أو قال بخلق القرآن لكونهما أمرين معلومين من الدين بالضرورة ؟

قال الشيخ سحمان : » فمسألة عُلُوِّ الله على خلقه، واستوائه على عرشه، وإثبات صفات كماله ونعوت جلاله - من المسائل الجليَّة الظاهرة، ومما عُلِمَ من الدِّين بالضرورة؛ فإنَّ الله قد وضَّحها في كتابه وعلى لسان رسوله، فمن سمع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، فقد قامت عليه الحجة وإنْ لم يَفهمْها، فإن كان ممن يقرأ القرآن، فالأمر أعظم وأطمُّ، لا سِيَّما إن عاند وزعم أن ما كان عليه هو الحق، وأنَّ القرآن لم يبين ذلك بيانًا شافيًا كافيًا، فهذا كفره أوضح من الشمس في نحر الظهيرة ] « كشف الأوهام والالتباس: ص 117.[

فكون الشيء معلوم من الدين بالضرورة لا يعني أنّ من تأول أو جهل حكم مسألة معلومة من الدين بالضرورة أنه يكون كافرا مرتدا دون مرعاة للشروط و موانع التكفير.

و كون الأنبياء و الرسل كفروا عابد الشرك لا يعنى أن هذا التكفير شرط في صحة التوحيد لأن ملة إبراهيم و الرسل قائمة على أركان لا يصلح التوحيد إلا به كترك الشرك و بغضه و واجبات كإظهار البراءة و العداوة و إظهار الشماتة بهم و التكفير فإظهار هذا الضرب ليس ركناً لا يقوم التوحيد إلا به و إلا صار كافرٌ مرتدا ، هذا لا يقوله من فهم حقيقة النصوص الدالة على ركنية التوحيد : واجباته و فرضه.

فإن قيل : فما هو السبيل لمعرفة أركان و واجبات ملة إبراهيم ؟

الجواب : هو النص القطعي في دلالته الذي يفهم منه كفر قائله أو تاركه أو معتقده ، فكون الشيء من ملة إبراهيم لا يعني تكفير تاركه إلا مع النظر إلى نصوص أخرى تدل على كفر ما ذكر من خصائص هذه الملة.

فالمقصود بالمعلوم من الدين بالضرورة : هو كل أمر أو علم قائم على نصٍ أجمع عليه المسلمون و ظهر دليله و تجلى و اشتهر حكه من حيث الحرمة أو الإباحة بين عامة الناس و الخاصة أي أهل العلم ، فالمعلوم من الدين بالضرورة قد يكون : إباحة الملبس ، جواز أكل الخبز ، إباحة الطلاق ، حرمة الخنزير أو حرمة الشرك و غير ذلك من الأمور.

يقول بن تيمية : و اللحم و النكاح و اللباس و غير ذلك مما علمت إباحته بالاضطرار من دين الإسلام فهذه المسائل مما لم ينازع فيها المسلمون لا سنيهم و لا بدعيهم.

و يقول : قد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن الله أباح الطلاق كما أباح النكاح.

فكما أن الشرك علم بالإضطرار على تحريمه و كفر فاعله فكذلك غيرها من المسائل لا تُعَدُّ شركاً من حيث الوصف لكنّ قائلها يكون كافراً بعد إقامة الحجة فلا يستقيم أن تكفروا العاذر في الشرك الأكبر بحجة أنّ تكفيره معلوم من الدين بالضرورة و لا تكفروا من لم يكفر من وقع في كفرٍ حكمه محسوب على ما عُلِمَ من الدين بالضرورة بحجة أنّ ذلك الكفر لا علاقة له بأصل الدين لأن الأئمة إختلفوا فيه " زعمو ".

بل هذا التقسيم البدعي جعلتموه و اصطلحتم عليه حتى يستقيم مذهبكم و لا تتورطوا في تكفير كثير من الأئمة و السلف لما عذر بعذهم و لم يكفر القائل بكفريات معلومة من الدين بالضرورة مثل المسائل المتعلقة بالأسماء و الصفات و تارك الصلاة و غيرها.

أما تكفير المخالف لما علم من الدين بالضرورة فلا يكون إلا بعد إقامة الحجة قال المناوي : » ((حتَّى تَطْلُعَ الشمس من مغربها))؛ فإذا طلعت منه، غُلِقَ بابُ التَّوبة؛ قال في "المطامح": ومن أنكر طُلُوعَها من مغربها، كفر، وسمعت عن بعض أهل عصرنا أنَّه ينكره، نعوذ بالله من الخُذْلان، انتهى، وأنت خبيرٌ بأنَّ جزمه بالتكفير لا يكاد يكون صحيحًا، سيَّما في حقِّ العامَّة؛ لأنَّه لم يبلغ مبلغَ المعلوم من الدِّين بالضَّرورة، ومُجرد وروده في أخبارٍ صحاح لا يوجب التكفير فتدبر « ]فيض القدير : 2/281[

فكيف بتكفير عاذر المشرك الذي لم يقم أي دليل على ردته !




[بيان بدعية تقْسيم قاعدة من لم يكفر الكافر و حصرها في الشرك الأكبر فقط]


و هذه بدعة لم يسبقهم بها أحد من السلف أو الأئمة ، و إنما حتى يستقيم مذهبهم و يتخلصوا من لازم تكفير جمع غفير من الأئمة و السلف قالوا كما زعموا أنَّ : " المقصود من هذه القاعدة هو كل من لم يكفر من كان كفره متعلق بأصل دين الأنبياء و الرسل ، و دون ذلك من إختلفات العلماء لا يدخل ضمن هذه القاعدة لأنه ليس خلاف متعلق بما جائت به الأنبياء و الرسل و اتفقوا عليه "

و طبعاً هذا الكلام لا دليل عليه بل هو بدعة مخالفة لمذهب السلف لأن السلف هم أول من استعمل هذه القاعدة و الشيخ محمد بن عبد الوهاب و غيره من أئمة نجد متبع في ذلك مذهب السلف. فالشيخ ما ابتدع هذه القاعدة من رأسه فلا يفهم إطلاقات الشيخ في من لم يكفر المشركين فهو كافر إلا على ما اصطلح عليه السلف لأن الشيخ متبع لا مبتدع أو مخترع.

و لو نظرنا لكلام السلف لرأينا أنهم أدرجوا تحت هذه القاعدة جميع الكفريات و أدرجوا فيها المعذور بالجهل و غير المعذور بجهله بل أوّل استعمال لهذه القاعدة كانت في مسألة الصفات لا سيما مسائل القول بخلق القرآن و غيرها من المسائل المتعلقة بتوحيد الأسماء و الصفات.

ـ قال سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى : ( القرآن كلام الله عز وجل من قال مخلوق فهو كافر ، ومن شك في كفره فهو كافر )أهـ.رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في السنة رقم(25).

ـ وقد سئل أيضا أبو بكر بن عياش المقريء الثقة العابد ، كما في السنة للالكائي ( 2/250) رقم (412) عمن يقول القرآن مخلوق ؟ فقال : ( كافر ومن لم يقل إنه كافر فهو كافر ).

- وقال ابن حجر في التهذيب (2/303): قال داود بن الحسين البيهقي ؛بلغني أن الحلواني (1) قال : لا أكفر من وقف في القرآن ، قال داود : فسألت سلمة بن شبيب عن الحلواني ،فقال :( يرمى في الحُش ،من لم يشهد بكفر الكافر فهو كافر ).

- وقال ابن بطة الحنبلي في كتابه [الشرح والإبانة "الإبانة الصغرى"]: ومن قال : مخلوق ، أو قال كلام الله ووقف ، أو شك ، أو قال بلسانه وأضمره في نفسه ، فهو بالله كافر ، حلال الدم ، بريء من الله ، والله منه بريء ، ومن شك في كفره ووقف عن تكفيره فهو كافر.

فأنظر إلى استعمال هذه القاعدة من قبل السلف و كيف أنهم أطلقوا التكفير على من لم يكفر الكافر ممن يقول بخلق القرآن و مع ذلك تجد كثيرا من العلماء من يعمل بالموانع و شروط التكفير و لا يكفرون من قال بخلق القرآن إطلاقا فضلا أن يكفروا من لم يكفره.

بل إن أكثر الشافعية لا يرون كفر من قال بخلق القرآن قال الإمام النووي : » وأما من يقول بخلق القرآن فهو مبتدع . واختلف أصحابنا في تكفيره ؛ فأطلق أبو علي الطبري في "الإفصاح" والشيخ أبو حامد الإسفراييني ومتابعوه القول بأنه كافر . قال أبو حامد ومتابعوه : المعتزلة كفار ، والخوارج ليسوا بكفار . ونقل المتولي تكفير من يقول بخلق القرآن عن الشافعي . وقال القفال وكثيرون من الأصحاب : يجوز الاقتداء بمن يقول بخلق القرآن وغيره من أهل البدع . قال صاحب العدة : هذا هو المذهب . ( قلت ) : وهذا هو الصواب ، فقد قال الشافعي - رحمه الله - : أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية ؛ لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم . ولم يزل السلف والخلف يرون الصلاة وراء المعتزلة ونحوهم ، ومناكحتهم وموارثتهم ، وإجراء سائر الأحكام عليهم . وقد تأول الإمام الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي وغيره من أصحابنا المحققين ما نقل عن الشافعي وغيره من العلماء من تكفير القائل بخلق القرآن ، على أن المراد كفران النعمة لا كفران الخروج عن الملة ، وحملهم على هذا التأويل ما ذكرته من إجراء أحكام الإسلام عليهم « [المجموع : 4/150].

فهل نأخذ بكلام السلف على إطلاقه و نكفر النووي و جمهور الشافعية لأنهم ما كفروا من قال بخلق القرآن ؟

و كذلك مناط التكفير في هذه القاعدة يكون في من رد النص و النص لا يُرَد إلا بعد بلوغه فلا بد من اعتبار الشروط و موانع التكفير هذا ما قرره أهل العلم في تعاملهم مع هذه القاعدة.

قال القاضي عياض :« وقد نحا الغزّالي قريبا من هذا المنحى في كتاب التفرقة ،وقائل هذا كله كافر بالإجماع على كفر من لم يكفر أحدا من النصارى و اليهود وكل من فارق دين المسلمين أو وقف في تكفيرهم أو شك ، قال القاضي أبو بكر : لأن التوقيف والإجماع اتفقا على كفرهم فمن توقف في ذلك فقد كذّب النص والتوقيف أو شك فيه ، والتكذيب أو الشك فيه ، لا يقع إلا من كافر».

و إليكم هذا النقل المفيد من كلام الشيخ أبو محمد المقدسي في رسالته " الثلاثنية في التحذير من الغلو في التكفير" ما نصه : » * ولذلك كان من فقه الإمام أبي عبيد القاسم بن سلام (224هـ) في هذا الباب أنه قال في الجهمية : ( ما رأيت قوما أضل في كفرهم منهم ، وإني لأستجهل من لا يكفرهم ، إلا من لا يعرف كفرهم ) أهـ . من فتاوى شيخ الإسلام ( 12/272).

* ويعزى قريب منه للإمام البخاري ( 256هـ) قال في (خلق أفعال العباد ) ص 19 رقم 35 : ( نظرت في كلام اليهود والنصارى والمجوس ، فما رأيت أضل من كفرهم منهم { يعني الجهمية } وإني لأستجهل من لا يكفرهم إلا من لا يعرف كفرهم ) .

تأمّل : ولم يقل : وإني ( لأكفّر من لا يكفرهم ) ، ومع هذا استثنى من التجهيل ؛ من لم يكفرهم لعدم معرفته لكفرهم .

* أما الإمام أحمد فقد ورد عنه أيضا إطلاق الوعيد بهذه القاعدة في رسالته التي كتبها جوابا على رسالة مسدد بن مسرهد البصري التي سأله فيها عن الاختلاف في القدر والرفض والاعتزال وخلق القرآن والإرجاء ؛ فجاء في جوابه عن القرآن قوله : ( فهو كلام الله غير مخلوق ، فمن قال : مخلوق ، فهو كافر بالله العظيم ، ومن لم يكفره فهو كافر . ) أهـ من طبقات الحنابلة لأبي يعلى (1/315) .

وذكر عنه شيخ الإسلام في الفتاوى حول ذلك روايتان في سياق ذكر مذهبه في تكفير أهل الأهواء من القدرية والجهمية ونحوهم ، صحّح فيه أنه لم يكن يكفر بمثل هذه القاعدة ، فقال : ( وعنه في تكفير من لا يكفر ،روايتان أصحهما لا يكفر . ) أهـ . (12/260) ( ط.دار ابن حزم) .

ولعله يريد بذلك عدم تكفير أعيان من لم يكفروا الجهمية وأمثالهم ، لا مطلق الوعيد بالقاعدة فقد عرفت إطلاق أحمد واستعماله لها كما هو أعلاه .

ثم قال شيخ الإسلام : ( وربما جعل بعضهم الخلاف في تكفير من لم يكفر مطلقا وهو خطأ محض ) أهـ.

فكأنه يشير إلى أهمية التفصيل في هذا الباب – وهو مستقرٌ لدينا بعد تتبع هذه القاعدة على ما سترى « انتهى




[ القول » بردّة « من قال أنَّ إطلاق قاعدة » من لم يكفر المشرك من قول الخوارج« ]


و هذا لمن العجب العجاب ، كيف آن للشيخ حفظه الله أن يستعمل مثل هذه الإطلاقات التي توحي بردّة الشيخ الحافظ سليمان بن نصار العلوان ـ حفظه الله ـ إنْ صحتْ عنه نسبة هذه الفتوى.

فما زال أهل البدع يتهمون أهل السنة بالتبديع و التضليل و لم ينقل عن أحدٍ من السلف بأنّ تلك الإتهامات تجعلهم من جملة المرتدين ، سبحانك هذا بهتانٌ عظيم.

قال الإمام أحمد رحمه الله : » و أما الخوارج فإنهم يسمون أهل السنة و الجماعة مرجئة و كذبت الخوارج في قولهم أنهم على إيمان و حق دون الناس, بل هم المرجئة , يزعمون أنهم على إيمان و حق دون الناس و من خالفهم كافر ».

هل غاب عن الإمام أحمد أن ينقل إلينا القول بردّة هؤلاء الخوارج لأنهم سمّوا « الحق» إرجاءً ؟! فكما أنّ القول بتكفير «من لم يكفر المشرك» حقاً عند فضيلة الشيخ ، فكذلك تسّمية العصاة من أهل القبلة «مسلمون» حقاً لا محيد عنه عند السلف !

فالخوارج سمّوا هذا « الحق» بدعةً كما سمّى مَنْ يرى الشيخ «ردّتهم» تكفير من لم يكفر المشرك « بدعةً» و لا فرق !

قال الإمام الذهبي رحمه الله : » وقد حطَّ أبو بكر بن العربي علىٰ أبي محمد في كتاب القواصم والعواصم وعلىٰ الظَّاهرية، فقال: هي أمَّة سخيفة، تسوَّرت علىٰ مرتبة ليست لها، وتكلمت بكلام لم نفهمه، تلقوهَّ من إخوانهم الخوارجحين حكَّم علي يوم صفِيِّن فقالت: لا حكم إ للهَّ. وكان أولَّ بدعة لقيتُ في رحلتي القول بالباطن فلما عُدت، وجدت القول بالظَّاهر قد ملأ المغرب سخيف كان في بادية إشبيلية يُعرف بابن حزمنشأ وتعلَّق بمذهب الشافعي ثم ا نتسب إلىٰ داود ثمَّ خلع الكلَّ، واستقل بنفسه، وزعم أنه إمام الأمة يضع ويرفع، ويحكم ويشرع، ينسب دين اللهَّ ما ليس فيه، ويقول عن العلماء ما لم يقولوا تنفيرًا للقلوب منهم، وخرج عن طريق المشبهة في ذات اللهَّ وصفاته، فجاء فيه بطوام، وا تفق كونه بين قوم لا بصَرَ لهم إلا في بالمسائل، فإذا طالبهم بالدَّليل كاعُوا، فيتضاحك مع أصحابه منهم،وعضدَتْه الرئاسة بما كان عنده من أدب، وبشبَه كان يُوردها علىٰ الملوك، فكانوا يحملونه، ويحمونه، بما كان يُلقي إليهم من شبه البدع والشرك « ] سير أعلام النبلاء 13 / 542-543 ، ترجمة رقم 4172 لا بن حزم الأندلسي.[

تأمّل كيف يصف أبو بكر بن العربي صاحب التفسير الإمام بن حزم بأنه «خارجي» لأنه يأخذ بظاهر النصوص فتأمّل وصفه لذلك ! فهل نقول أنّ أبا بكر بن العربي «مرتدّ» ؟

يقول الحافظ ا بن عبدالبر ما لفظه : « معنىٰ قوله في هذا الحديث: حبط عمله أي: حبط عمله فيها فلم يصل علىٰ أجر مَن صلاها في وقتها يعني: أنه إذا عملها بعد خروج وقتها فقد أجر عملها في وقتها وفضله، واللهَّ أعلم. لا أنه حبط عمله جملة في سائر الصلوات وسائر الأعمال البر، أعوذ باللهَّ من مثل هذا التَّأويل، فإنه مذهب الخوارج وإنما يحبط الأعمال الكفر باللهَّ وحده؛ قال اللهَّ عزَّ وجلَّ: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} وفي هذا النَّص دليل واضح أن مَن لم يكفر بالإيمان لم يحبط عمله... [إلىٰ أَن قال] : وقد ذكرنا أحكام تارك الصلاة عامدًا، وما للعلماء في ذلك من مذاهب في باب «زيد بن أسلم » والحمد للَّه. ومَن ترك صلاة العصر أو غيرها جحودًا بها، فهو كافر، قد حبط عمله عند الجميع، وباللهَّ التَّوفيق. »]التَّمهيد 393394 -/5 ، تحت الحديث الحادي والعسرين لنافع عن ا بن عمر[.

الله أكبر ! الأخذ بظاهر النصوص الذي ينصّ على ردّة تارك الصلاة مذهب الخوارج عن الحافظ ابن عبد البر ! فهل نقول «بردّةِ» الحافظ ؟

و قال الإمام ابن قيم في نونيّته (176- 182) تحت عنوان (فصل في بيان كذبهم ورميهم أهل الحق بأنهم أشباه الخوارج وبيان شبههم المحقق بالخوارج) :



ومن العجائب أنهم قالوا لمن *** قد دان بالآثار والقرآن


أنتم بذا مثل الخوارج إنهم *** أخذوا الظواهر ما اهتدوا لمعان


فانظر إلى ذا البهت هذا وصفهم *** نسبوا إليه شيعة الإيمان. أهــ


وقال ابن تيمية : » قال الخلال في السنة: قال أبو عبد الله - أحمد بن حنبل -: بلغني أن أبا خالد وموسى بن منصور وغيرهما يجلسون في ذلك الجانب فيعيبون قولنا، ويدعون أن هذا القول: أنه لا يقال (أي القرآن) مخلوق وغير مخلوق، ويعيبون من يكفر، ويقولون: إنا نقول بقول الخوارج. ثم تبسم أبو عبد الله كالمغتاظ « ]الفتاوى الكبرى (6/479)[

فتبديع أهل السنة و السلف قديماً كان أمراً معلوماً بل ربّما كفّر بعض الضُلَّال أهل السنة بناءً على بدعة أو ضلالة رأوها حسنة ، رغم ذلك لم ينقل عن أحد من السلف القول بردة من بدّعهم أو جعل السنة بدعةً.



[بعض كلام أهل العلم في من لم يكفّر الكافر]


ـ فلقد سئل ابن تيمية في من لم يكفر التتار و جعلهم بنزلة البغاة و هذا جزء من السؤال: » وَمَا يُقَالُ فِيمَنْ زَعَمَ أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ ، وَالْمُقَاتِلُونَ لَهُمْ مُسْلِمُونَ ، وَكِلَاهُمَا ظَالِمٌ ، فَلَا يُقَاتَلُ مَعَ أَحَدِهِمَا . وَفِي قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ كَمَا تُقَاتَلُ الْبُغَاةُ الْمُتَأَوِّلُونَ ؟ وَمَا الْوَاجِبُ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَأَهْلِ الْقِتَالِ وَأَهْلِ الْأَمْوَالِ فِي أَمْرِهِمْ ؟ أَفْتُونَا فِي ذَلِكَ بِأَجْوِبَةِ مَبْسُوطَةٍ شَافِيَةٍ ؛ فَإِنَّ أَمْرَهُمْ قَدْ أُشْكِلَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ؛ بَلْ عَلَى أَكْثَرِهِمْ . تَارَةً لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِأَحْوَالِهِمْ ، وَتَارَةً لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِحُكْمِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَرَسُولِهِ فِي مَثَلِهِمْ . وَاَللَّهُ الْمُيَسِّرُ لِكُلِّ خَيْرٍ بِقُدْرَتِهِ وَرَحْمَتِهِ ؛ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَهُوَ حَسَبُنَا وَنَعِمَ الْوَكِيلُ «

أنظرإلى السؤال ، فقد إلتبس حالهم على بعض الناس و سمّوْهم مسلمين و ظنّ بعضهم أنهم بمنزلة البغاة فكان من جواب الشيخ رحمه الله : « لَكِنَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ كَمَا تُقَاتَلُ الْبُغَاةُ الْمُتَأَوِّلُونَ فَقَدْ أَخْطَأَ خَطَأً قَبِيحًا وَضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ; فَإِنَّ أَقَلَّ مَا فِي الْبُغَاةِ الْمُتَأَوِّلِينَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ تَأْوِيلٌ سَائِغٌ خَرَجُوا بِهِ ; وَلِهَذَا قَالُوا : إنَّ الْإِمَامَ يُرَاسِلُهُمْ فَإِنْ ذَكَرُوا شُبْهَةً بَيَّنَهَا وَإِنْ ذَكَرُوا مَظْلِمَةً أَزَالَهَا . فَأَيُّ شُبْهَةٍ لِهَؤُلَاءِ الْمُحَارِبِينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ السَّاعِينَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا الْخَارِجِينَ عَنْ شَرَائِعِ الدِّينِ » [مجموع الفتاوى : 28/509-510].

علماً أن الشيخ يرى في التتار أنهم على الردة و الكفر و أن قتالهم واجب شرعي كما هو معلوم ، و رغم ذلك لم يكفر من لم يمكفرهم. بل وجدت كلاماً لبعض أهل العلم نصّوا فيه على أسلمة مانعي الزكاة و قد ذكر شيخ الإسلام إجماع السلف على ردّتهم و كفرهم.

ـ و قد ردّ الإمام الشوكاني في الدر النضيد على رسالة تنسب للإمام الصنعاني و الله أعلم بصحّتها ، مفادها أن الإمير الصنعاني تراجع عن تكفير المشرك و أن كفره كفرٌ عمليٌ لا جحوديٌ.

و رغم ذلك فالإمام الشوكاني ترحّم عليه ووصفه بأنه الإمام المجتهد و لم يكّفره !

قال ما نصّه : « ومن جملة الشبه التي عرضت لبعض أهل العلم : ما جزم به السيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير - رحمه الله تعالى - في شرحه لأبياته التي قال في أولها : " رجعت عن النظم الذي قلته في نجدي " فإنه قال : إن كفر هؤلاء المعتقدين للأموات هو من الكفر العملي لا الكفر الجحودي [...] » .

هل غاب عن الإمام الشوكاني تكفير الصنعاني أإلى هذا الحدّ يجهل الإمام الشوكاني «أصل الدين» ؟

ـ و قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : « إذا عرفتم ذلك فهؤلاء الطواغيت الذين يعتقد الناس فيهم من أهل الخرج وغيرهم مشهورون عند الخاص والعام بذلك وأنهم يترشحون له ويأمرون الناس به كلهم كفار مرتدون عن الإسلام ومن جادل عنهم أو أنكر على من كفرهم أو زعم أن فعلهم هذا لو كان باطلاً فلا يخرجهم إلى الكفر فأقل أحوال هذا المجادل أنه فاسق لا يقبل خطه ولا شهادته ولا يصلى خلفه بل لا يصح دين الإسلام، إلا بالبراءة من هؤلاء وتكفيرهم، كما قال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } » [تاريخ نجد ص310].

فجوّز الشيخ بن عبد الوهاب أن يكون أقلّ أحوال هذا المجادل و الرافض لكفرهم أن يكون فاسقاً رغم الإطلاق الذي جاء بعده مما يفهم منه التكفير و عدم قبول التوحيد إلا بتكفيرهم : " بل لا يصح دين الإسلام، إلا بالبراءة من هؤلاء وتكفيرهم، كما قال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } "

و « البَل» هنا في هذا النص « بل» إنتقالي أو إبطالي ؟

فلا يتصّور أن يهذيَ الشيخ إلى درجة أنه يكتب شيئاً ثم يبطله في نفس النص ! فلوْ كان عند الشيخ أن عاذر المشرك كافر في كل الأحوال إلا جاهل الحال أو المكره لما احتيج أن يقول الشيخ أن أقل أحواله فاسق ، فـــ« بل» في هذا النص « إنتقالي » مما يثبت أن الكلام الذي جاء بعده مجرد إطلاقات كما كانت تفعله السلف.

ـ وقال أيضا في رسالة أرسلها إلى تلاميذه لمّا استشكل عليهم كفر بعض الطواغيت و تخليطهم بين فهم الحجة و قيام الحجة قال ما نصه :« بسم الله الرحمن الر حيم ، إلى الإخوان... سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد : ما ذكرتم من قول الشيخ: (كل من جحد كذا وكذا، وقامت عليه الحجة)، وأنكم شاكون في هؤلاء الطواغيت وأتباعهم، هل قامت عليهم الحجة؟ فهذا من العجب! كيف تشكون في هذا وقد أوضحته لكم مرارا؟! فإن الذي لم تقم عليه الحجة؛ هو الذي حديث عهد بالإسلام، والذي نشأ ببادية بعيدة. أو يكون ذلك في مسألة خفية، مثل الصرف والعطف. فلا يكفر حتى يعرف. وأما أصول الدين، التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه؛ فإن حجة الله هو القرآن، فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة. ولكن أصل الإشكال؛ أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة، وبين فهم الحجة.» [الدرر السنية في الأجوبة النجدية: ج10/ ص94 - 95].

و لكن اعترض علينا بعض الغلاة على هذا النص و قالوا أنّ التلاميذ يفرّقون بين وصف الشرك قبل الرسالة و وصف الكفر بعد بلوغ الحجة حتى يخرجوا من هذا المأزق ، و طبعاً لا يوجد أيّ دليل على هذا الفهم العجيب.

فلوْ كان حقاً هذا الزعم هذا يعني أنّ التلاميذ يعتقدون في هؤلاء الطواغيت أنهم مشركون لا كافرون أليس كذلك ؟

فكيف نوّفق بين هذا الزعم و اشتراطهم الإعتقاد في كفر هؤلاء : " ما ذكرتم من قول الشيخ: كل من جحد كذا وكذا، وقامت عليه الحجة "

فما علاقة إشتراط الإعتقاد في إثبات كفرالرسالية مع كونهم في نفس الوقت يعتبرونهم «مشركين» ؟ ماذا نسمّي هذا الفهم سفسطة أم هرطقة ؟

و مما يبين بطلان هذا الفهم هو قول الشيخ في نفس الرسالة :« إذا علمتم ذلك؛ فإن هذا الذي أنتم فيه كفر» يعني إذا وقفتم على الكلام الذي يزيل شبهتكم و يكشف لكم الفرق بين إثبات وصف الشرك قبل الرسالة و لوْ لم تبلغه دون وصفه بكفر الرسالية فحينئذٍ صرتم كفار إذا تماديتم في شكّكم. فهل الشكّ في كون الرجل كافر أم لا مع إثبات وصف الشرك له قبل إقامة الحجة و كونه مشرك يجعل الشآك مرتداً ؟! هل صار للشيخ مذهب جديد و يكفّر من لم يصف المشرك بعد الحجة كافراً رغم إثبات وصف الشرك له قبل الحجة ؟!

و مما يبين بطلان هذا الفهم هو قول الشيخ :« إذا علمتم ذلك؛ فإن هذا الذي أنتم فيه كفر، الناس يعبدون الطواغيت، ويعادون دين الإسلام، فيزعمون أنه ليس ردة، لعلهم ما فهمواالحجة، كل هذا بين».

فالمراد إذاً بالشك الذي أصيب به تلاميذ الشيخ رحمه الله هو الشكّ في إسلامهم من عدمه و الدليل هو قول الشيخ بعد ما ذكر عدواة هؤلاء الطواغيت لدين الإسلام و أنه رغم ذلك تزعمون أيّها التلاميذ أنهم ليسوا على الردّة ، فهذا يبين بوضوح أنّ الشيخ فهم منهم أنهم ما كفروهم الكفر الذي يقابل إثبات الإسلام.

و بنحوي هذا الذي قررناه و فهمناه قرره و فهمه الشيخ الحازمي في شرحه لكتاب مفيد المستفيد قال ما نصه : « ثم قال رحمه الله تعالى:" إذا علمتم ذلك فإن هذا الذي أنتم فيه كفرٌ " يعني الذي يعذر بالجهل ، الذي يعذر بالجهل هذا إن كان قد وقف على كلام أهل العلم وتركه فقد كفَر وارتد ، لأنه لم يكفر الكافر الذي أجمع السلف الصالح ، بل نص القرآن على كفره ، وكل من لم يكفر كافرًا مجمعًا على كفره فقد كفر ، لا سيما إذا كان يقرأ بين أدلة المانعين وأدلة المجيزين - إن صح التعبير - حينئذٍ يترك ما يُخالف عقيدته ويترك ما يخالف هواه وينتقي بعض العبارات - وهذا موجود - ينتقي بعض العبارات التي توافق هواه وتوافق قوله ويترك الأقوال الصريحة البيّنة الواضحة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كما ستسمعه ، وكذلك لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى .فيقول رحمه الله تعالى : هذا الذي أنتم فيه وتعذرون هؤلاء الطواغيت التي تُعبد من دون الله تعالى ويعبدها كذلك الطواغيت هذا الذي أنتم فيه كفرٌ " الناس يعبدون الطواغيت ويعادون دين الإسلام فيزعمون أنه ليس رِدّة ليس بكفرٍ" : يعادون الإسلام وهم منافقون أو زنادقة ، ثم بعد ذلك يقال : هل يكفرون أو لا يكفرون ؟ هذا الذي أنتم فيه كفرٌ وانسلاخٌ من الدين . قال : فيزعمون أنه ليس رِدّة لعلهم ما فهموا الحجة كل هذا بيّنٌ وأظهر مما تقدم الذين حرقهم عليٌ فإنه يُشابه هذا».

و نحن الآن بدورنا نحتج على الشيخ حفظه الله بكلامه فنقول :

هل هؤلاء الذين شكوا في ردّة الطواغيت كانوا مكّرهين ؟ قطعاً لا.

هل كانوا يجهلون حالهم ؟ قطعاً لا ، كانوا يجهلون حكم الله فيهم و لكن ما كانوا يجهلون أنهم يشركون بالله ، فكانوا يعلمون إذاً ليسوا بجاهلي حالهم.

و رغم ذلك فالشيخ محمد بن عبد الوهاب اشطرت في تلاميذه العلم بحكم الله في حال هؤلاء الطواغيت قبل تكفيرهم و ذلك لما قال : « إذا علمتم ذلك؛ فإن هذا الذي أنتم فيه كفر».

كيف نوّفق يا شيخ بين هذا و ما قررتموه في سلسلة ردّكم على الفتوى التونسية من أنه لا يعذر العاذر إلا في حالة الإكراه أو جهل الحال ؟




[إلزام الشيخ حفظه الله]


أوّلاً :

قد أصدر الشيخ أحمد الحازمي سلسلةً صوتية إسمها " النقد العلمي لمن أجاز التصويت للدستور المصري " يرد فيها على من أجاز التصويت للدستور المصري ؛ و رد الشيخ في هذه الجلسة على فتوى للشيخ عبد الرحمن البراك في هذا الشأن و بيّن أنّ الشرك الأكبر لا يجوز إعتبار المصلحة و المفسدة فيه و كانت حجة المصلحة و المفسدة الدليل الأساسي الذي أجاز فيه الشيخ البراك التصوت للدستور المصري في عهد الرئيس السابق محمد مرسي ، و و الشيخ يرى أن هذا الدستور المصري كفري شركي طاغوتي محض.

قال الشيخ الحازمي : » إذاً هذا جملة مما يتعلق بهذه الفتوى نمرّوا عليها سريعة قال [أي الشيخ عبد الرحمن البراك] : " والذي ظهر لي بعد الوقوف على وجهات نظر إخواننا أهل السنة أن التصويت على هذا الدستور إن لم يكن واجباً فهو جائز" أقول [أي الشيخ الحازمي] : هذه [غير واضح يبدوا أنها " هُوَّةٌ " من الهوى] كبيرة لا يحل لمسلم أن يحل الكفر كيف ينقلب الحكم الذي هو كفر بالله تعالى فيصير طاعة بل يصير واجبا هذه زلة عظيمة « انتهى [من شريط النقد العلمي لمن أجاز التصويت للدستور المصري].

أخبِرْنا عن هذه الزلة يا شيخ هل هي كفر يكفر بها الشيخ عبد الرحمن البراك أم لا ؟

فإن المتقرر عند الشيخ الحازمي أن من أجاز الشرك فهو مرتد و من لم يكفر من عمل بالشرك فهو مرتد و الشيخ عبد الرحمن البراك لم يكفر من تحاكم للدستور المصري الطاغوتي الشركي بل أجازه بل عده واجبا فكيف يستقيم يا شيخ حسب مذهبكم أن تجعلوا الشيخ عبد الرحمن البراك مسلماً ؟

فإن قال قائل : ربما أخرج الشيخ عن دائرة الإسلام ... قلنا لا، قال في شريطه النقد العلمي : » و أول من أصدر فتوى تتعلق بذلك هو الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله تعالى ، الشيخ عبد الرحمن البراك ثم أتبعه الشيخ عبد الله السعد حفظه الله تعالى ... « انتهى [من شريط النقد العلمي لمن أجاز التصويت للدستور المصري].


ثانياً :

و من المتقرر كذلك ، أن الشيخ الألباني رحمه الله تعالى ، لا يرى كفر الحكام المعاصرين بل يرى الشيخ أنهم وقعوا في كفر دون كفر و يرى كذلك العذر بالجهل في الشرك الأكبر في حين أن الشيخ الحازمي يرى أن الحكام طواغيت و أن التشريع كفر و أنه لا عذر في الشرك الأكبر و من لم يكفر الطاغوت أو المشرك الجاهل فهو كافر مرتد.

و لكن رغم ذلك نرى أن الشيخ الحازمي يترحم عن الشيخ الألبني في عدة مواضع من محاضراته قال على سبيل المثال : » وفي (( سلسلة الأحاديث الضعيفة )) الشيخ الألباني رحمه الله تعالى حديث رقم خمسة آلاف وثمانمائة وتسعة وعشرين : « دخل الجنة رجل في ذباب ، ودخل النار رجل في ذباب » . قالوا : وكيف ذلك قال : « مر رجلان » .. والشيخ رحمه الله تعالى جمع الروايات ، وفيها فوائد « مر رجلان مسلمان » .] « شرح كتاب التوحيد ص : 9 مفرغ [

و محضرات الشيخ الحازمي مليئة بالترّحم على الشيخ الألباني ؛ فكيف يستقيم مذهب الشيخ في عدم عذر عاذر المشرك الجاهل و عاذر الطاغوت و ترحمه للامام الألباني ؟ لا يستقيم البتة !

ثالثاً :

و إخيراً نقول للشيخ حفظه الله، أليست كلمة لا إله إلا الله قائمة على النفي و الإثبات ؟

أين يقع تكفير المشركين ؟ أليس في جانب النفي ؟

فيكون حينئذٍ «لا إله» نفي لكل معبود سوى الله ، مما يقتضي تكفير ألها و البراءة منهم.

و أين تقع أسلمة الموحدين ؟ أليس في جانب الإثبت ؟

فيكون حينئذٍ «إلا الله» إثبات لعبادة الله ، مما يقتضي أسلمة أهلها و الولاء حولهم.

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب : « فالله . . الله يا إخواني تمسكوا بأصل دينكم و أوله و آخره . . أسه و رأسه ، و هو شهادة أن لا إله إلا الله ، و اعرفوا معناها و أحبوا أهلها و اجعلوهم إخوانكم و لو كانوا بعيدين و اكفروا بالطواغيت و عادوهم و ابغضوا من أحبهم أو جادل عنهم ، أو لم يكفرهم ، أو قال ؛ ما علي منهم ، أو قال ؛ ما كلفني الله بهم ، فقد كذب هذا على الله و افترى ، بل كلفه الله بهم ، و فرض عليه الكفر بهم و البراءة منهم - و لو كانوا إخوانه و أولاده - فالله . . الله تمسكوا بأصل دينكم لعلكم تلقون ربكم لا تشركون به شيئا »[الدرر السنية 1/78].

أخبرنا عن أسلمة الموحدين يا شيخ هل هو ركن في أصل الدين لا يقوم الإسلام إلا به ؟

فإن قلتم لا ، كيف فرقتم بين أسلمة الموحدين و تكفير المشركين و جعلتم التكفير شرط دون الأسلمة ؟ مع أن كلا الأمرين من كلمة لا إله إلا الله.

و كلام أئمة نجد الذي فهمتم منه تكفير من لم يكفر المشرك كشرط في التوحيد هو نفسه يذكر أسلمة الموحيدين فمالنا لا نراكم تجعلون الأسلمة كركن في التوحيد ؟


و في الختام اسأل الله أن يعيد الشيخ إلى جآدة الصواب في هذا الأمر فما كان من حق فمن الله الواحد المنان وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان والله بريء منه ورسوله والله المستعان.


تم الكلام وربنا محمود*** وله المكارم والعلا والجود


وعلى النبي محمد صلواته*** ما ناح قمري وأورق عود