المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفرق بين أفعال الله القدرية و المباشرة



أهــل الحـديث
28-09-2013, 10:41 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


و سوف أشرح هذه المسألة عن طريق تفسير آية من آيات الله تعالى و هي قوله تعالى : ( إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون) فالضمير هنا راجع إلى الله تعالى في كونه زين أفعال الشر للكافرين. و لكن في آية أخرى قال تعالى:(و زين لهم الشيطان أعمالهم) و في أخرى قال : ( فقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم و ما خلفهم ) فهذه الآيات تبين أن الذي يقوم بالتزيين هو شياطين الإنس و الجن فكيف نجمع بين الآيات . نقول و بالله التوفيق أن الآية الأولى راجعة إلى فعل الله القدري و ليس الفعل المباشر و بينهما فرق . فلو قلنا أن الله تعالى يزين للكافرين أعمالهم بفعل مباشر فهذا معناه أنه ربما ألهمهم أن يقوموا بفعل الشر و حثهم على ذلك, و هذا لا يمكن لأنه في آية أخرى قال تعالى : ( قل إن الله لا يأمر بالفحشاء ) ( الأعراف 28) . إذا فالمراد من هذا التزيين هنا هو الفعل القدري . فالله سبحانه هو خالق المسببات هو خالق إبليس و هو أحد من يقوم بالتزيين لفعل الشر و هو علم أنه سيقوم بالتزيين لفعل الشر باختياره و الله أعطاه الحياة و أذن له. و أعطى المزين لهم من البشر الحياة أيضاَ. و كذلك الله لم يقم بصرف هذه الوساوس و المكايد عنهم بل تركهم لأنفسهم . و الله لم يقم بأي فعل لمنع هذه الوسوسة و التزيين من الأفعال التي تؤدي إلى منع ذلك . فلذلك نسمي ذلك فعلاَ قدرياَ . و لنضرب مثالاَ على ذلك بشخص أراد قتل شخص آخر . فإذا ضربه بسيف أو برصاصة فهكذا سيقتله مباشرة. و لكن لنفرض أن الشخص ماهر في الرياضيات و الفيزياء و أراد قتل شخص آخر برمي شيء ثقيل على وجهه . فأخذ كرة معدنية ثقيلة و وضعها في طرف طاولة و في الطرف الأخر الشخص نائم. و صاحبنا ( الفيزيائي الماهر) يعرف أنه إذا ترك الكرة على الطاولة فإنها بعد خمس او عشرة دقائق ستسقط على الشخص فترديه قتيلاَ. و هو يستطيع في أي وقت في خلال الخمس دقائق أن يوقف الكرة. فهل هذا يعتبر قتلاَ متعمداَ ؟ بالتأكيد نعم. الآن للنظر للمسألة من جهة الشخص الذي كان مستلقي على الأرض فلنفرض أنه كان مدركاَ أن الكرة متجهة نحوه و لكنه لم يبتعد عنها و لكن بدل أن يموت أصيب بجروح عندما سقطت عليه. فهل يصح له في هذه الحالة أن يقول أنا لا أملك الإختيار لذلك سقطت الكرة على رأسي . بالتأكيد هذا إنسان ليس بعاقل . و لله المثل الأعلى , فمع الفروق بين القضاء و القدر و هذا المثال إلا أنه يقرب الفكرة بشكل كبير. فأفعال الناس و غيرهم التي تحدث عليك هي من أفعال الله القدرية و مع ذلك فهم مسؤلون عن أفعالهم و أنت مسؤول عن ردة فعلك .

فلو قال قائل إذا فمن يقوم بتزيين أفعال الشر لإبليس نفسه ؟ سنقول نفسه هي التي تأمره بفعل الشر . و هي لا تقوم بذلك لابليس نفسه فقط بل تقوم بذلك لكل أحد من البشر . و السبب من وراء ذلك أن الله سبحانه أودع في هذه النفس غرائز و شهوات و أعطى الإنسان حرية الإختيار فله الحرية في كيفية تلبية الغرائز . و للتنتبه أخي للجملة القادمة فهي تشرح سبب الشر في هذا الكون . فتلبية غرائز النفس بطريقة على غير منهج الله هي منبت كل شر فالإنسان والجن على حسب ما أْؤمن به لا يفعلون الشر لمجرد فعل الشر ومحبتهم لفعله بل هو إما جهل أو ضعف أو نفوس انقلبت فيها الفطرة. و شرح هذا سهل فللنظر إلى شهوة من الشهوات التي جعلها الله في غريزة الإنسان و هي شهوة محبة الجنس الأخر. فالإنسان ذكر أو أنثى حينما يرى انساناَ جميلا من الجنس الأخر فأنه بحكم طبيعته سيتشهي تأمل محاسنه أو محاسنها سواء كان زوجه أم لا . فإذا استجاب الإنسان لذلك أدى به إلى غريزة أخرى ألا و هي غريزة الجنس. و هو إذا فعل ذلك مع من أحله الله من زوجة أو زوج أو مع غيرهم ممن لم يحله الله له فإن الفعل هو نفس الفعل و لكن النتائج مختلفة. فلنفرض أن امرأة حملت من الزنا فالمرأة لها غريزة في نفسها أنها لا تريد أن تنفضح و لا تريد أن تحدث لها مشاكل مع عائلتها فالنفس تبحث عن السلام و هذه غريزة من الغرائز أيضاً. فقامت المرأة بقتل وليدها حتى تتخلص من ذلك و هذا فعل تكاد البشرية تجمع على أنه فعل شر. و لنفرض أن المرأة قامت بولادة الطفل و لكن رمته في الشوارع فتربى الولد كيتيم لا يعرف والديه و ربما عامله المجتمع معاملة قاسية هذا بكل تأكيد سيؤدي به إلى الحقد على المجتمع . فأصبح يحس بالظلم و هذا احساس طبيعي و هذا سيؤدي به إلى تلبية غريزة في نفسه ألا و هي الرغبة في إقامة العدل. و لكن بعضهم يقوم بتلبية ذلك بالإنتقام من المجتمع و القتل و الإجرام و هذا فعل أخر تكاد تجمع البشرية على أنه شر .

و من يفهم هذه المبدأ يسهل عليه فهم كثير من آيات القرآن و سأورد مثالاَ أخر للتوكيد على هذا المعنى و يمكنك أن تحاول هذا المثال كتدريب بأن تقرأ الآية و تحاول فهمها على ضوء ما سبق ثم تنظر إلى تفاسير العلماء . و أنا سأنقل فهمي لهذه الآية هنا و هي قوله تعالى : ( فلم تقتلوهم و لكن الله قتلهم ) ( الأنفال 17) . فمن المعلوم أن من قتل الكافرين مباشرة في ذلك اليوم هم المؤمنين بالرماح و السيوف و غير ذلك فلماذا نفى الله عنهم الفعل ؟ نقول و بالله التوفيق أن النفي هنا هو في أن القتل حدث فقط لإن إرادة الله الكونية و افقت إرادة المؤمنين في القتل فلذلك قتلوا بعض المشركين. فلو أراد المؤمنين قتل أحد لم يقدر الله أن يًقتل ما فعلوا لما سيجعله بينه و بينهم من الأسباب التي تحولهم عن ذلك . فكأن الآية تقول أيها المؤمنين أنتم لم تقتلوا الكافرين حقيقة بل لما يسره الله لكم من الأسباب فأقدركم عليهم .