المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بيان اللفظ المحفوظ من حديث خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ



أهــل الحـديث
27-09-2013, 10:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


سئلت شيخنا المحدث خالد الحايك عن حديث أخرجه مالك في الموطأج1/ص123
عن مَالِكٍ عن يحيى بن سَعِيدٍ عن مُحَمَّدِ بن يحيى بن حَبَّانَ عَنِ بن مُحَيْرِيزٍ أَنَّ رَجُلاً من بَنِي كِنَانَةَ يُدْعَى الْمُخْدَجِيَّ سمع رَجُلاً بِالشَّامِ يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ يقول إِنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ فقال الْمُخْدَجِيُّ فَرُحْتُ إلى عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ فَاعْتَرَضْتُ له وهو رَائِحٌ إلى الْمَسْجِدِ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي قال أبو مُحَمَّدٍ فقال عُبَادَةُ كَذَبَ أبو مُحَمَّدٍ سمعت رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ الله عز وجل على الْعِبَادِ فَمَنْ جاء بِهِنَّ لم يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شيئا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كان له عِنْدَ الله عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ لم يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ له عِنْدَ الله عَهْدٌ إن شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ:فاجاب حفظه الله : وقد استدل بعض الناس بهذا على عدم كُفر تارك الصلاة، وفي هذا نظرٌ شديد! فإن يزيد بن هارون روى هذا الحديث عن يحيى بن سعيد، وجاء في بعض الروايات عنه مثل ما جاء عند مالك، وجاء في بعضها كما هو عند ابن أبي شيبة وغيره: ((ومن أنقصهن من حقهن شيئاً جاء وليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء ادخله الجنة)). ويؤيده ما رواه شعبة عن عبدربه بن سعيد عن محمد بن يحيى وفيه: ((ومن جاء بهن قد انتقص منهن شيئاً استخفافاً بحقهن لم يكن له عند الله عهد))، وفي رواية ابن إسحاق عن محمد بن يحيى: ((ومن لقيه وقد انتقص منهن شيئاً استخفافاً بحقهن لقيه ولا عهد له إن شاء عذبه وإن شاء غفر له)). فيُحمل ما جاء في رواية مالك: ((ومن لم يأت بهنّ)) على أنه من لم يأت بهن دون نقصان، أي أتى بهنّ ولكن انتقص من حقهن، لا أنه لم يأت بهن من أصلهن، بل إن سياق الحديث يدل على وجوب الصلوات الخمسة، ومن ثم يفرق بين من يصليهن مع تمامهن وبين من يصليهن وينتقص منهن، فمن أتى بهن كاملات كما أمر الله تعالى فله عهد عند الله أن يدخله الجنة، ومن قصّر في تمامهن فهو في مشيئة الله، إما أن يغفر له ويدخله الجنة ويسامحه على تقصيره في عدم إتمامهن، وإن شاء عذبه على ذلك التقصير. ويؤيده ما رواه الطبراني في ((مسند الشاميين)) (3/248) عن العباس بن الفضل الأسفاطي، قال: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، قال: حدثني أخي، عن سليمان بن بلال، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن محمد بن إبراهيم(1)، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز، عن المخدجي، عن عبادة بن الصامت، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول: ((خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن أتى بهن لم ينقص منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عز وجل عهد أن يدخله الجنة، ومن أتى بهن وقد انتقص منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان أمره إلى الله عز وجل إن شاء عذبه وإن شاء عفى عنه)).
وقد روى الحديث عن محمد بن يحيى بن حبان جماعة. رواه عنه باللفظ الأول يحيى بن سعيد الأنصاري، ورواه عنه جماعة منهم: سفيان ومالك والليث ويزيد بن هارون. وخالف يحيى بن سعيد في لفظه جماعة، منهم: عبد ربه بن سعيد، وسعد بن سعيد، وابن إسحاق، وابن عجلان، فكلهم رووه عن محمد بن يحيى باللفظ الآخر، وهذا هو الصواب. وكأن يحيى بن سعيد أخطأ في اللفظ؛ ومما يؤيد ذلك أن يزيد بن هارون رواه عنه باللفظين معاً، ورواه هشيم عن يحيى بن سعيد بلفظ: ((فمن جاء بهن وقد أكملهن ولم ينتقصهن استخفافاً بحقهن، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة. ومن جاء بهن وقد انتقصهن استخفافاً بحقهن لم يكن له عند الله عهد. إن شاء عذبه وإن شاء غفر له))(1).
والمحفوظ من هذا الحديث بإسناد ابن محيريز عن المخدجي، وما أظن أن رواية أبي غسان المتقدمة عن زيد بن أسلم عن عطاء عن الصنابحي محفوظة! فلو كانت عند الصنابحي لكانت عند ابن محيريز لأنه صاحبه! فكلام أبي نعيم المتقدم بأنه غريبٌ من حديث الصنابحي ومشهوره من حديث ابن محيريز عن المخدجي فيه إشارة إلى إعلاله، وهذا بابٌ دقيقٌ من العلل الخفية ينبّه عليها أبو نعيم دائماً في كتابه العظيم ((الحلية))، والله تعالى أعلم.
ثُمَّ وجدت –ولله الحمد- أنَّ أبا حاتم أعلّ حديث أبي غسّان محمد بن مطرف. قال عبدالرّحمن ابن أبي حاتم في ((علل الحديث)) (1/89): سألت أبي عن حديث رواه أبو غسان محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((من صلى الصلوات الخمس فأتم ركوعها كان له عند الله عهد أن لا يعذبه))؟ قال أبي: سمعت هذا الحديث عن عبادة منذ حين وكنت أنكره! ولم أفهم عورته حتى رأيته الآن. حدثنا أبو صالح، عن الليث، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز، عن عبادة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول. فعلمت أن الصحيح هذا، وأن محمد بن مطرف لم يضبط هذا الحديث، وكان محمد بن مطرف ثقة"(1).
قلت: فرجع الحديث إلى محمد بن يحيى بن حبان، وضبطه هشام بن سعد –وهو وإن كان متكلّم فيه، إلا أنه من أضبط الناس في زيد بن أسلم- ورواية هشام هذه هي التي أشار إليها الطبراني سابقاً من أنه لم يرو هذا الحديث عن زيد بن أسلم إلا محمد بن مطرف وهشام بن سعد، ولكن رواية هشام ليست مثل رواية ابن مطرف في الإسناد، وكلام الطبراني يوهم أن إسنادهما سواء!
فالحديث لم يحدّث به الصنابحي قط، وكأنه دخل لأبي غسّان إسناد في إسناد فوهم فيه. وهذا الوهم يؤكد لنا أن عبدالله الصنابحي الواقع في الحديث هو أبو عبدالله عبدالرحمن التابعي؛ لأن أبا غسان رواه على الوجهين، فتعيّن أنهما واحد.
وبهذا التحقيق يتهافت كلام من عدّ حديث الصنابحي متابعاً لحديث المدخجي، كما فعل الشيخ شعيب أثناء تعليقه على ((صحيح ابن حبان)) (5/21)(1)، (6/175) فإنه قال بأن أبا عبدالله الصنابحي تابع المخدجي في روايته عن عُبادة!
وكذلك من صحح هذا الإسناد كما فعل الشيخ الألباني؛ فإنه أورده في ((صحيح سنن أبي داود)) رقم (410)! والشيخ شعيب الأرنؤوط في تحقيقه لمسند أحمد.