المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (فتح الرحمن .. في إشمام (للملائكة اسجدوا) لابن وردان)



أهــل الحـديث
18-09-2013, 01:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله_ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا . أما بعد ...
فهذا بحث مختصر أردت أن أوضح فيه كيفية أداء كلمة (للملائكة اسجدوا) فقد ذهب القراء في عصرنا لمذاهب عدة في هذا الموضوع :

فمنهم من ذكر : بأن الإشمام يحصل بكسر التاء والانتقال منها بضم الشفتين فيحصل صوت لا هو كسر محض ولا هو ضم خالص .

ومنهم من : يجعل الإشارة عبارة عن مزج الضم والكسرة ويقدم جزء الكسرعلى الضم .

ومنهم من : يجعل الإشارة عبارة عن مزج الضم والكسرة وتقديم جزء الضم على الكسر .وهذا أضعف المذاهب .

ولاشك أن الكتب التى تحدثت عن هذه المسألة قليلة ؛ لأن أكثر الكتب المؤلفة قديما ذكرت القراءات السبع ، ومنهم من زاد قراءة يعقوب ؛ بل والكتب التي ذكرت قراءة أبي جعفر لم تذكر في كلمة ( للملائكة اسجدوا ) سوى الضم في التاء دون الإشمام ،والقليل منها ذكرت الخُلف عن ابن وردان في هذه الكلمة .

ترجمة مختصرة عن الإمام أبي جعفر وراوييه

اسمه : هو يزيد بن القعقاع المخزومي المدني .

وفاته : سنة ثلاثين ومائة على الأصح .

كنيته : أبو جعفر .

أحد القراء العشرة – تابعي جليل .

عرض القرآن على مولاه عبد الله بن عياش .وعبد الله بن عباس .وأبي هريرة .

وقرأ هؤلاء الثلاثة على أُبي بن كعب .

وقرأ أبو هريرة وابن عباس أيضاً على زيد بن ثابت .

وقيل أن أبا جعفر قرأ على زيد نفسه .

فقد صح أنه أتى به إلى أم سلمة زوج النبي صلّى الله عليه وسلم فمسحت على رأسه ودعت له بالخير .

وأنه صلّى بابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين.

وقرأ زيد بن ثابت وأُبي بن كعب على رسول الله صلّى الله عليه وسلم .

وسمع في الحديث عمر بن الخطاب ومروان بن الحكم .

قال الإمام مالك بن أنس : كان أبو جعفر القارئ رجلاً صالحاً يفتي الناس بالمدينة .

وقال ابن أبي حاتم : سألت أُبي عنه فقال : صادق الحديث .

وكان أبو جعفر إمام أهل المدينة في القراءة مع كمال الثقة وتمام الضبط .

قال الأصمعي : قال ابن زياد : لم يكن بالمدينة أحد أقرأ للسنة من أبي جعفر .

وكان يقدم في زمانه على عبد الرحمن بن هرمز الأعرج .

روى ابن جماز عنه أنه كان يصوم يوماً ويفطر يوماً وهو صوم داود عليه السلام .

واستمر على ذلك مدة من الزمان فقال له بعض أصحابه في ذلك فقال : إنما فعلت ذلك لأروض به نفسي على عبادة الله تعالى .

وروى عنه أنه كان يصلي في جوف الليل أربع ركعات يقرأ في كل ركعة بالفاتحة وسورة من طوال المفصل ، ثم يدعو عقبها لنفسه وللمسلمين ولكل من قرأ عليه ، وقرأ بقراءته قبله وبعده .

وقال سليمان بن مسلم شهدت أبا جعفر وقد حضرته الوفاة فجاءه أبو حازم الأعرج في مشيخة من جلسائه فأكبوا عليه يصرخون به فلم يجبهم .

فقال شيبة وكان ختنه على ابنة أبي جعفر : ألا أريكم عجباً ؟ قالوا بلى .

فكشف عن صدره فإذا دوّارة بيضاء مثل اللبن .

فقال أبو حازم وأصحابه : هذا والله نور القرآن .

وقال نافع : لما غُسل أبو جعفر بعد وفاته نظروا ما بين نحره إلى فؤاده مثل ورقة المصحف فما شك أحد ممن حضر أنه نور القرآن .

ورآه سليمان العمري في المنام على الكعبة فقال له : أقرئ إخواني السلام ، وأخبرهم أن الله عزَّ وجلَّ جعلني من الشهداء الأحياء المرزوقين .

ورآه بعضهم في المنام على صورة حسنة فقال له : بشر أصحابي وكل من قرأ بقراءتي أن الله قد غفر لهم ، وأجاب فيهم دعوتي ، ومرهم أن يصلوا هذه الركعات في جوف الليل كيف استطاعوا .

وأما راوييه هما ابن وردان وابن جماز :

ابن وردان :

اسمه : هو عيسى بن وردان المدني .

كنيته : أبو الحارث .

لقبه : الحذاء .

وفاته : توفي في حدود الستين ومائة .

من قدماء أصحاب نافع ، ومن أصحابه في القراءة على أبي جعفر .

عرض القرآن على أبي جعفر وشيبة ، ثم عرض على نافع .

قال الداني : هو من جُلة أصحاب نافع وقدمائهم ، وقد شاركه في الإسناد ، وهو إمام مقرئ وحاذق ، وراوٍ محقق ضابط .

وأما ابن جماز :

سمه : هو سليمان بن محمد بن مسلم بن جماز .

كنيته : أبو الربيع .

وفاته : مات بعد السبعين ومائة .

روى القراءة عرضاً على أبي جعفر وشيبة ، ثم عرض على نافع ، وأقرأ بحرف أبي جعفر ونافع وهو مقرئ جليل ، ضابط نبيل ، مقصود في قراءة نافع وأبي جعفر .
وقبل الخوض في غمار المسألة أوضح التعريف بمصطلح الإشمام وكذا المعني بالحركات باختصار .

أما الإشمام :
الإشمام : عبارة عن الإشارة إلى الحركة من غير صوت
وقال بعضهم : أن تجعل شفتيك على صورة الضمة إذا لفظت بها.وكلاهما واحد شرح الطيبة . لأحمد بن محمد ابن الجزري .
قال الضباع : معنى الإشمام في اللغة : مأخوذ من "أشممته الطيب" أي وصلت إليه شيئا يسيرا مما يتعلق به وهو الرائحة ."الإضاءة صـ60
وقال في الروضة الندية : الإشمام مشتق من الشم كأنك أشممت الحرف رائحة الحركة .أ.هـ الدقائق المحكمة صـ60
أنواع الإشمـــــام
النوع الأول : إشمام السكون وكيفيته : أن تقف على الكلمة بالسكون ثم تشير بشفتيك من غير صوت – بدون تراخى – أي بعد الفراغ من الإسكان مباشرة .
النوع الثاني : إشمام " تأمننا" قال المالكي :" فاعلم أن أصل هذه الكلمة (تأمننا) بنونين الأولى لام الفعل و حقها أن تكون محركة بالفم و الثانية ضمير المتكلم عن نفسه و غيره إلا أنها كتبت في المصحف بنون واحدة أ.هـــــ

أصل تأمنا --- تأمننا فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة لم يسبقها ناصب ولا جازم . فهي إذا بنونين مظهرتين وقد أجمعوا على إدغام النون الأولى في الثانية ، و اختلفوا في كيفيه قراءتها إلى ثلاث قراءات
القراءة الأولى : قراءة أبى جعفر بالإدغام المحض من غير روم ولا إشمام
القراءة الثانية : بالإخفاء – أي الاختلاس – وذلك بالإتيان ببعض ا لحركة أي بعدم إتمام الحركة في النون الأولى المضمومة . وهذا هو الراجح من طرق التيسير الشاطبية
القراءة الثالثة : بالإدغام المحض ثم الإشارة بالشفتين .
ولكن اختلفوا في كيفية الإشارة هل هي بعد نطقك بالميم مباشرة ؟ أو بعد الإدغام ؟ قال السخاوى بعد ذكره إشمام القراء وهو ضم الشفتين من غير إحداث شيء في النون ، وتكون الإشارة على هذا القول بعد الإدغام ،وأجازوا أيضا أن يؤتى بذلك بعد سكون النون المدغمة كما يؤتى به بعد سكون الراء من " قدير" عند الوقف ، فيقع ذلك قبل كمال الإدغام وإلى هذا القول ذهب محمد بن جرير وجماعة من النحاة وجماعة من ا لمقرئين ا.هـ فتح الوصيد 2/291

وإشمام تأمنا أيضا يكون له أثر في السمع و لكن ليس كأثر الروم فضم الشفتين أثناء الإشمام يكون له أثر على الغنة بخلاف إن نطقها بغير غنة قال المالكي نقلا عن مكى :" و تكون الإشارة على قولهما إشماما لا روما لأنها لا تقتضى تفكيك النون الأولى من الثانية ، و إن كان لها مع ذلك أثر في السمع . فتأمله " أ.هـ
وقال الضباع في إرشاد المريد " قالوا وتكون الإشارة إلى ا لضمة بعد الإدغام فيصح معه حينئذ الإدغام والروم اختيار الداني وبالإشمام قطع أكثر أهل الأداء واختاره المحقق ابن الجزرى وقد قرأ ت على شيخي عبد ا لله الجوهري بالإسكان ثم الإشمام مع الإدغام وعلى غيره قرأت بالإشمام مباشرة بعد الميم مع الإدغام . والإشمام وكلتا الطريقتين إشارة بالشفتين وقت الإدغام وقال الإمام أحمد ابن محمد ابن الجزرى فجعلها بعضهم إشماما وهو إشارة إلى ضم النون بعد الإدغام فيكون الإدغام فيه صحيحا ا.هـ شرح الطيبة
والنوع الثالث : إشمام ا لحرف وهو خلط حرف بحرف كما في الصراط وباب أصدق ومصيطر والمصيطرون
والإشمام خلط صوت الصاد بصوت ا لزاي فيمتزجان فيتولد منهما حرف ليس بصاد ولا زاي ا.هـ أبو شامة
. وبعضهم يطلق عليه " ظاء العوام " وهذا مما لا ينضبط إلا بالمشافهة وما ذكرته من كلام أبى شامة إنما هو من باب التقريب .
والنوع الرابع : إشمام الحركة و هذا الإشمام عبارة عن خلط الحركة بأخرى كما في قيل و غيض و أشباههما.
ومما تقدم فإن مصطلح الإشمام قد يطلق ويراد به الإشارة بالشفتين دون صوت ، ويراد به أيضا الإتيان بجزء من الحركة بحسب ما تقدم .

قال في الطيبة :

..... وكسرتا الملائكة ... قبل اسجدوا اضمم (ث) ق والاشمام (خ) فت

خلفا ..............
قرأ الإمام أبوجعفر (للملائكة اسجدوا) بضم التاء حيث جاء وهو في خمسة مواضع : الأول : البقرة الآية (34). والثاني في الأعراف(11) ، والثالث في الإسراء (61) ، والرابع في الكهف(50)، والخامس في طه (116).

واختلف عنه في رواية ابن وردان حيث قرأها بوجهين : الأول : ضم التاء كما سبق ، والثاني : بإلإشمام .

توجيه هذه القراءة

قال ابن الجزري في النشر : ... ووجه الإشمام : أنه أشار إلى الضم تنبيهاً على أن الهمزة المحذوفة التي هي همزة الوصل مضمومة حالة الابتداء.

ووجه الضم : أنهم استثقلوا الانتقال من الكسرة إلى الضمة إجراء للكسرة اللازمة مجرى العارضة ، وذلك لغة أزد شنوءة ، عللها أبو البقاء : أنه نوى الوقف على التاء فسكنها ثم حركها بالضم اتباعاً لضمة الجيم وهذا من إجراء الوصل مجرى الوقف.

ومثله ما حكى عن امرأة رأت نساء معهن رجل فقالت: أفي سوءة أتينه ـ بفتح التاء ـ كأنها نوت الوقف على التاء ثم ألقت عليها حركة الهمزة ، وقيل : إن التاء تشبه ألف الوصل ؛ لأن الهمزة تسقط في الدرج ؛ لأنها ليست بأصل ، وتاء (الملائكة) تسقط أيضاً ؛ لأنها ليست بأصل ، وقد ورد (الملائكة) بغير تاء فلما أشبهتها ضمت كما تضم همزة الوصل . )ا.هـ

وقد اعترض الزجاج والزمخشري وغيرهما على هذه قراءة أبي جعفر قال في " اللباب في علوم الكتاب " لابن عادل (1/219):

والمشهور جَرّ تاء « الملائكة » بالحَرْف « ، وقرأ » أبو جعفر « بالضم إتباعاً لضمة » الجيم « ولم يعتد بالسَّاكن ، وغلّطه الزَّجاج وخطأه الفارسي ، وشبهه بعضهم بقوله تعالى : { وَقَالَتِ اخرج } [ يوسف : 31 ] بضم تاء التأنيث ، وليس بصحيح ، لأن تلك حركة التقاء الساكنين ، وهذه حركة إعراب ، فلا يتلاعب بها ، والمقصود هناك يحصل بأي حركة كانت .

وقال الزمخشري : لا يجوز استهلاك الحركة استهلاك الإعرابية إلاّ في لغة ضعيفة كقراءة { الحمد للَّهِ } [ الفاتحة : 2 ] يعني بكسر الدال .

قال الشيخ » شهاب الدين « : وهذا أكثر شذوذاً ، وأضعف من ذاك مع ما في ذاك من الضَّعف المتقدم؛ لأن -هناك- فاصلاً ، وإن كان ساكناً .

وقال » أبو البقاء « : وهي قراءة ضعيفة جدًّا ، وأحسن ما تحمل عليه أن يكون الرَّاوي لم يضبط عن [ القارئ ] أشار إلَى الضَّم تنبيهاً على أنّ الهمزة المحذوفة مضمومةٌ في الابتداء ، فلم يدرك الراوي هذه الإشارة ، وقيل : إنه نَوَى الوَقْفَ على » التَّاء « ساكنة ، ثم حركها بالضم إتباعاً لحركة الجيم ، وهذا من إجراء الوصل مجرى الوَقْفِ .

ومثله ما روي عن امرأة رأت رجلاً مع نساء ، فقالت : » أفي السَّوتَنْتُنَّهْ « -نوت الوقف على » سوءة « ، فسكنت التاء ، ثم ألقت عليها حركة همزة » أنتن « فعلى هذا تكون هذه حركة السَّاكنين ، وحينئذ تكون كقوله : » قَالَتُ : أخْرُجْ « وبابه ، وإنما أكثر الناس توجيه هذه القراءة لجلالة قارئها أبي جعفر يزيد بن القَعْقَاع شيخ نافع شيخ أهل » المدينة « وترجمتها مشهورة . ))ا.هـ
وأجاب العلامة ابن الجزري عليهما قائلا :
ولا التفات إلى قول الزجاج ولا إلى قول الزمخشري إنما تستهلك حركة الإعراب بحركة الاتباع إلا في لغة ضعيفة كقولهم الحمد لله : لأن أبا جعفر إمام كبير أخذ قراءته عن مثل ابن عباس ، وغيره كما تقدم ، وهو لم ينفرد بهذه القراءة ؛ بل قد قرأ بها غيره من السلف ورويناها عن قتيبة عن الكسائي من طريق أبي خالد ، وقرأ بها أيضاً الأعمش ، وقرأنا له بها من كتاب المبهج وغيره ، وإذا ثبت مثله في لغة العرب فكيف ينكر؟ )ا.هـ
والحديث في هذه المسألة على ثلاثة محاور :
1.هل الإشمام هنا إشارة بلا حركة أو هي جزء من الحركة ؟

2. أيهما يقدم ..جزء الضم أم جزء الكسر ؟

3. أيهما أكثر .. جزء الضم أم جزء الكسر ؟

يتبع بإذن الله