المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من روائع الكناية في القران



عسل الجنوب
10-12-2003, 09:39 PM
من روائع الكناية في القرآن الكريم



قال تعالى : " فاتقوا النار التي وقودها الناس و الحجارة " سورة البقرة .

هذه الآية كناية عن عدم العناد عند ظهور المعجزة . أي لا تعاندوا عند ظهور المعجزة فتمسكم هذه النار العظيمة تأمل هذه الكناية و مدى ما فيها من جمال التعبير ، و روعة التصوير ، و لطافة الإيجاز . إنها عبرت عن العناد عند ظهور المعجزة بالنار العظيمة ، و هذا التعبير فيه ما فيه من شدة التنفيذ و قوة التأثير ، ثم أن هذا التعبير قد أبرز لك هذا المعنى الفكري المجرد في صورة محسوسة ملموسة و لم يقف عند هذا الحد من التجسيم والتشخيص بل تعداه إلى التصيير و التحويل . فحوله على نار ملتهبة متأججة متوهجة بل تعداه إلى أعجب من هذا التصوير ، و لا أروع و ألذ من هذا التعبير ؟ إنه الإعجاز يلبس ثوب الكناية فتنحني له هامات البلغاء ، و يثير في النفس أسمى آيات الإعجاب .

قال تعالى : " نساؤكم حرث لكم " لقد كنى القرآن الكريم في هذه الآية بكلمة " الحرث " عن المعاشرة الزوجية .

إن هذه الكناية الفردية مما انفرد به القرآن الكريم فهي لطيفة دقيقة راسمة مصورة ، مؤدية مهذبة ، فيها من روعة التعبير و جمال التصوير ، و ألوان الأدب و التهذيب ما لا يستقل به بيان ، و لا يدركه إلا من تذوق حلاوة القرآن . إنها عبرت عن العاشرة الزوجية التي من شأنها أن تتم في السر و الخفاء بالحرث و هذا نوع من الأدب رفيع وثيق الصلة بالمعاشرة الزوجية ، و تنطوي تحته معاني كثيرة تحتاج في التعبير عنها إلى الآف الكلمات انظر إلى ذلك التشابه بين صلة الزراع بحرثه وصلة الزوجة في هذا المجال الخاص ، و يبن ذلك النبت الذي يخرجه الحرث ، و ذلك النبت الذي تخرجه الزوج ، و ما في كليهما من تكثير و عمران و فلاح كل هذه الصور و المعاني تنطوي تحت كلمة " الحرث " أليست هذه الكلمة معجزة بنظمها و تصورها ؟

هل في مفردات اللغة العربية ـ على كثرتها ـ ما يقوم مقامها و يؤدي ما أدته و يصور ما صورته . إن المعنى لا يتحقق إلا بها . و عن التصوير لا يوجد بسواها .

قال تعالى : " و لكن لا تواعدوهن سراً " سورة البقرة 235.

في هذه الآية كنى القرآن الكريم عن الجماع بالسر . تأمل هذه الكناية و مدى ما فيها من اللطائف و الأنوار و الأسرار . تأمل هذه الكناية و مدى ما فيها من اللطائف و الأنوار و الأسرار . إن في الكناية بالسر عن الجماع من ألوان الأدب و التهذيب ما يعجز عن وصفه أساطين البيان ، و فيها من جمال التعبير ما يسترق الأسماع و يهز العواطف و يحرك الأحاسيس و المشاعر . لقد ألبست الجماع الذي يتم في السر ثوب السر فذهبت بسر الفصاحة و البيان . أبعد هذا يقال أن الكناية في القرآن يستطيع أن يحاكيها بنو الإنسان ؟ أبداً و الله إن بني الإنسان من المعجز بحيث لا يمكنهم فهم ما تنطوي عليه الكناية في القرآن من الأسرار .

قالى تعالى : " إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم " سورة آل عمران .

كنى القرآن الكريم في هذه الآية بنفي التوبة عن الموت على الكفر . تأمل هذه الكناية و مدى ما فيها من الجمال و الروعة . ألا تحس أن التعبير الذي كنى به القرآن أجمل من أي تعبير آخر ؟ ألا تحس أن في هذا التعبير إيجاز لطيف ؟ إن التعبير بجماله و إيجازه و بديع نظمه فوق مقدور البشر .

قال تعالى : " فجعلهم كعصف مأكول" سورة الفيل . كنى القرآن الكريم " بالعصف المأكول " عن مصيرهم إلى العذر فإن الورق إذا أكل انتهى حاله إلى ذلك .

تأمل هذه الكناية إن فيها من ألوان الأدب و الجمال ما لا يستقل به بيان ، و فيها من الإعجاز اللطيف ما يعجز عن وصفه مهرة صناع الكلام . أما الأدب و الجمال ففي التعبير عن العذرة بالعصف المأكول و هذا التعبير مما أنفرد به القرآن فلا يوجد في غيره ، و أما الإيجاز اللطيف ففي اختصار مقدمات لا أهمية لها بالتنبيه على النتيجة الحاسمة التي يتقرر فيها المصير . و فيها زيادة على ذلك التلازم الوثيق بين اللفظ و المعنى الكنائي الذي لا يتخلف أبدا فإن العصف المأكول لابد من صيرورته إلى العذرة .

فالمعنى لا يؤدي إلا بهذا اللفظ لا يصلح لهذا المعنى حتى لتكاد تصعب التفرقة بينهما فلا يدري أيهما التابع ؟ و أيهما المتبوع ؟ و من هنا يأتي الإعجاز .

قال تعالى : " و لا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ، و لا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسورا " سورة الإسراء . كنى القرآن الكريم في هذه الآية بغل اليد إلى العنق عن البخل ، و ببسطها كل البسط عن الإسراف . تأمل الكنايتين تجد فيهما من روائع البيان ما لا يحيط به فكر إنسان فيهما جمال في التعبير ، و روعة في التصوير ، و إيجاز و تأثير ، و تنفير .

حدثني بربك ألا ترى أن التعبير عن البخل باليد المغلولة إلى العنق فيه تصوير محسوس لهذه الخلة المذمومة في صورة بغيضة منفرة ؟ فهذه اليد التي غلت إلى العنق لا تستطيع أن تمتد ، و هو بذلك يرسم صورة البخيل الذي لا تستطيع يده أن تمتد بإنفاق و لا عطية . و التعبير ببسطها كل البسط يصور هذا المبذر لا يبقى من ماله على شيء كهذا الذي يبسط يده فلا يبقى بها شيء . و هكذا استطاعت الكناية أن تنقل المعنى الذي يبسط يده فلا يبقى بها شيء . و هكذا استطاعت الكناية أن تنقل المعنى قوياً مؤثراً ثم تأمل التلازم الوثيق الذي لا يتخلف أبداً بين التعبير و المعنى الكنائي . إن هذا التلائم يدلك على أن المعنى الكنائي لا يمكن تأديته و تصويره إلا بهذا التعبير ، و أن هذا التعبير لا يصلح إلا لهذا المعنى . هل في مقدور البشر أن يحاكوا هذا الأسلوب ؟

المصدر :

دراسات حول الإعجاز البياني في القرآن الدكتور المحمدي عبد العزيز الحناوي

إعجاز القرآن البياني الدكتورة عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ

المفكر
10-12-2003, 10:32 PM
احسنتى واحسنا الله اليك

بهذا الشرح الرايع والمفيد

مجروحة الزمن
11-12-2003, 04:20 PM
موضوع جدا رائع ومفيد

جزاك الله خيرا اختي عسل الجنوب

تحياتي لك

عسل الجنوب
11-12-2003, 09:08 PM
اللهم انفعنا بما علمتنا
اختي مجروحة كل الشكرعلى مرورك واهتمامك الدائم

قوت القلوب
12-12-2003, 01:06 AM
موضوع مفيد
الف شكر وجزاج الله كل خير
تحياتي